لتحميل البحث اضغط هنــــــــا
الصنوان وأهل البهتان
( نقض لمناظرة نسجها خيال فكر قرآني – زعم- اثباتاً منه لجهله )
المقدمة وفيها الباعث على الطرح
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"سورة"آل عمران"الآية(102)
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" سورة"النساء"الآية(1)
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا" سورة "الأحزاب" الآية (70-71)
فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد r وشر الأمور محدثاتـها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .
،،، أما بعد ،،،
ها نحن ذا في حلقة من حلقات رفع الجهالة عن المتعالمين، وجولة من جولات دفع الغواية عن الجاهلين، جولات سنيات سريعات؛ لكثرة الحاجيات، وتزاحم الافتراءات، وتكالب الشبهات والشهوات على المقدسات .
خصومنا : عساكر جهل، في دساكر([1]) مكر . لواؤها : العناد . ساحتها : الإلحاد، ترتع في حمى الحدود بلا حدود .
تدور حوادثها حول رحى حرية : هزيلة الأركان، شيطانة الجنان، تبصرها مضطربة متناقضة، متقلبة متقهقرة، متسكعة وسط حقول حقد، ومترنحة بين محاضن شرّ .
أربابها : هائمة القلوب، مقلوبة العقول، متقلبة المقلّ، متلونة الوجوه، آسنة الألسن، سائمة الهوى، يميلون مع كل ناعق، ويرمون بكل زاهق، ويحسبون أنهم على شيء، ولا شيء .
لا أطيل، فالمقام فيه طول، فأقول :
بين يدي الموضوع
قال العلامة شمس الدين ابن القيم – رحمه الله تعالى: " أسمع والله لو صادف آذانا واعية .
وبصر لو صادفقلوبا من الفساد خالية .
لكن عصفت على القلوب هذه الأهواء فأطفأت مصابيحها .
وتمكنت منها آراء الرجال فأغلقتأبوابها وأضاعت مفاتيحها .
وران عليها كسبها فلم تجد حقائق القرآن إليها منفذا .
وتحكمت فيها أسقامالجهل فلم تنتفع معها بصالح العمل .
وا عجبا لها! كيف جعلت غذاءها من هذه الآراء التي لاتسمن ولا تغني من جوع، ولم تقبل الاغتذاء بكلام ربالعالمين، ونصوص حديث نبيه المرفوع؟
أم كيف اهتدت فيظلم الآراء إلى التمييز بين الخطأ والصواب، وخفي عليها ذلك في مطالع الأنوار من السُّنَّة والكتاب؟ .
واعجبا ! كيف ميزت بين صحيحالآراء وسقيمها، ومقبولها ومردودها، وراجحها ومرجوحها، وأقرت علىأنفسها بالعجز عن تلقي الهدى والعلممن كلام من كلامه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهوالكفيل بإيضاح الحق مع غاية البيانوكلام من أوتي جوامع الكلم، واستولى كلامه على الأقصى من البيان ؟ .
كلا، بل هي والله فتنةأعمت القلوب عن مواقع رشدها، وحيرت العقول عن طرائق قصدها، يربى فيهاالصغير، ويهرم فيها الكبير .
وظنت خفافيش البصائر أنهاالغاية التي يتسابق إليها المتسابقون، والنهاية التي تنافس فيهاالمنافسون، وتزاحموا عليها .
وهيهات، أين السهى من شمس الضحى؟ وأين الثرى من كواكب الجوزاء؟
وأين الكلام الذيلم تضمن لنا عصمة قائله بدليل معلوم، من النقل المصدق عن القائل المعصوم؟
وأين الأقوال التي أعلادرجاتها أن تكون سائغة الاتباع، منالنصوص الواجب على كل مسلم تقديمها وتحكيمها والتحاكم إليها فيمحلالنزاع؟
وأين الآراء التي نهىقائلها عن تقليده فيها وحذر، من النصوص التي فرض على كل عبد أن يهتديبها ويتبصر؟
وأين المذاهب التي إذامات أربابها فهي من جملة الأموات، من النصوص التي لا تزول إذازالت الأرض والسماوات ؟سبحان الله! ماذا حرمالمعرضون عن نصوص الوحي، واقتباس العلم من مشكاته من كنوز الذخائر؟!
وماذافاتهممن حياة القلوب واستنارةالبصائر؟ قنعوا بأقوال استنبطتها معاول الآراء فكرا، وتقطعوا أمرهمبينهملأجلها زبرا، وأوحى بعضهمإلى بعض زخرف القول غرورا، فاتخذوا لأجل ذلك القرآن مهجورا .
درست معالم القرآن فيقلوبهم فليسوا يعرفونها، ودثرت معاهده عندهم فليسوا يعمرونها، ووقعتألويته وأعلامه من أيديهم فليسوايرفعونها، وأفلت كواكبه النيرة منآفاق نفوسهم فلذلك لا يحبونها، وكسفت شمسه عند اجتماعظلم آرائهم وعقدها فليسوا يبصرونه.
خلعوا نصوص الوحي عن سلطان الحقيقة، وعزلوها عن ولايةاليقين، وشنوا عليها غارات التأويلات الباطلة، فلا يزال يخرج عليها من جيوشهم كمين بعد كمين، نزلتعليهم نزول الضيف على أقوام لئام، فعاملوها بغيرما يليق بها من الإجلال والإكرام، وتلقوها من بعيد،ولكن بالدفع في صدورها والأعجاز، وقالوا : ما لك عندنا من عبور، وإن كان ولا بد، فعلى سبيل الاجتياز .
أنزلوا النصوص منزلة الخليفة في هذا الزمان، له السكة والخطبة وما له حكم نافذ ولا سلطان .
المتمسك عندهمبالكتاب والسنة صاحب ظواهر، مبخوس حظه من المعقول .
والمقلد للآراء المتناقضة المتعارضة والأفكارالمتهافتة لديهم هو الفاضل المقبول .
وأهل الكتاب والسنة، المقدمون لنصوصها على غيرها جهال لديهممنقوصون"وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون".
حرموا والله الوصول،بعدولهم عن منهج الوحي، وتضييعهم الأصول، وتمسكوا بأعجاز لا صدور لها،فخانتهمأحرص ما كانوا عليها،وتقطعت بهم أسبابها أحوج ما كانوا إليها، حتى إذا بعثر ما في القبور، وحصل ما فيالصدور، وتميز لكل قوم حاصلهم الذيحصلوه، وانكشفت لهم حقيقة ما اعتقدوه، وقدموا على ما قدموه"وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون" وسقط في أيديهم عند الحصاد لما عاينوا غلة ما بذروه .
فيا شدة الحسرة عندما يعاينالمبطل سعيه وكده هباء منثورا .
ويا عظم المصيبة عندما يتبين بوارقأمانيه خلبا، وآماله كاذبة غرورا .
فما ظن من انطوت سريرته على البدعة والهوى والتعصب للآراء بربهيوم تبلى السرائر؟
وعذر من نبذالوحيين وراء ظهره في يوم لا تنفع الظالمين فيه المعاذر؟أفيظن المعرض عن كتاب ربهوسُّنَّة رسوله أن ينجو من ربه بآراء الرجال؟
أو يتخلص من بأس اللهبكثرة البحوث والجدال، وضروبالأقيسة وتنوع الأشكال؟
أو بالإشارات والشطحات، وأنواع الخيال؟هيهات والله، لقد ظن أكذب الظن، ومنته نفسه أبين المحال، وإنما ضمنت النجاة لمن حكم هدى اللهعلى غيره، وتزود التقوى وائتمبالدليل، وسلك الصراط المستقيم، واستمسك من الوحي بالعروة الوثقىالتي لا انفصام لها والله سميع عليم" "مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" للعلامة ابن قيم الجوزية (1/28-30)دار الكتاب العربي 1416 / 1996م
-------- الحاشية -------
[1] الدسكرة : بناء على هيئة القصر، فيه منازل..." "النهاية في غريب لحديث والأثر"ص(305) ط. ابن الجوزي .