خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    الصنوان وأهل البهتان

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية الصنوان وأهل البهتان

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 11.04.10 22:15

    الصنوان وأهل البهتان 2-1


    لتحميل البحث اضغط هنــــــــا

    الصنوان وأهل البهتان
    ( نقض لمناظرة نسجها خيال فكر قرآني – زعم- اثباتاً منه لجهله )



    المقدمة وفيها الباعث على الطرح


    إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله

    "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"سورة"آل عمران"الآية(102)

    " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" سورة"النساء"الآية(1)

    "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا" سورة "الأحزاب" الآية (70-71)

    فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد r وشر الأمور محدثاتـها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .
    ،،، أما بعد ،،،
    ها نحن ذا في حلقة من حلقات رفع الجهالة عن المتعالمين، وجولة من جولات دفع الغواية عن الجاهلين، جولات سنيات سريعات؛ لكثرة الحاجيات، وتزاحم الافتراءات، وتكالب الشبهات والشهوات على المقدسات .
    خصومنا : عساكر جهل، في دساكر([1]) مكر . لواؤها : العناد . ساحتها : الإلحاد، ترتع في حمى الحدود بلا حدود .
    تدور حوادثها حول رحى حرية : هزيلة الأركان، شيطانة الجنان، تبصرها مضطربة متناقضة، متقلبة متقهقرة، متسكعة وسط حقول حقد، ومترنحة بين محاضن شرّ .
    أربابها : هائمة القلوب، مقلوبة العقول، متقلبة المقلّ، متلونة الوجوه، آسنة الألسن، سائمة الهوى، يميلون مع كل ناعق، ويرمون بكل زاهق، ويحسبون أنهم على شيء، ولا شيء .
    لا أطيل، فالمقام فيه طول، فأقول :

    بين يدي الموضوع

    قال العلامة شمس الدين ابن القيم – رحمه الله تعالى: " أسمع والله لو صادف آذانا واعية .
    وبصر لو صادفقلوبا من الفساد خالية .
    لكن عصفت على القلوب هذه الأهواء فأطفأت مصابيحها .
    وتمكنت منها آراء الرجال فأغلقتأبوابها وأضاعت مفاتيحها .
    وران عليها كسبها فلم تجد حقائق القرآن إليها منفذا .
    وتحكمت فيها أسقامالجهل فلم تنتفع معها بصالح العمل .

    وا عجبا لها! كيف جعلت غذاءها من هذه الآراء التي لاتسمن ولا تغني من جوع، ولم تقبل الاغتذاء بكلام ربالعالمين، ونصوص حديث نبيه المرفوع؟
    أم كيف اهتدت فيظلم الآراء إلى التمييز بين الخطأ والصواب، وخفي عليها ذلك في مطالع الأنوار من السُّنَّة والكتاب؟ .

    واعجبا ! كيف ميزت بين صحيحالآراء وسقيمها، ومقبولها ومردودها، وراجحها ومرجوحها، وأقرت علىأنفسها بالعجز عن تلقي الهدى والعلممن كلام من كلامه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهوالكفيل بإيضاح الحق مع غاية البيانوكلام من أوتي جوامع الكلم، واستولى كلامه على الأقصى من البيان ؟ .

    كلا، بل هي والله فتنةأعمت القلوب عن مواقع رشدها، وحيرت العقول عن طرائق قصدها، يربى فيهاالصغير، ويهرم فيها الكبير .

    وظنت خفافيش البصائر أنهاالغاية التي يتسابق إليها المتسابقون، والنهاية التي تنافس فيهاالمنافسون، وتزاحموا عليها .

    وهيهات، أين السهى من شمس الضحى؟ وأين الثرى من كواكب الجوزاء؟

    وأين الكلام الذيلم تضمن لنا عصمة قائله بدليل معلوم، من النقل المصدق عن القائل المعصوم؟

    وأين الأقوال التي أعلادرجاتها أن تكون سائغة الاتباع، منالنصوص الواجب على كل مسلم تقديمها وتحكيمها والتحاكم إليها فيمحلالنزاع؟

    وأين الآراء التي نهىقائلها عن تقليده فيها وحذر، من النصوص التي فرض على كل عبد أن يهتديبها ويتبصر؟

    وأين المذاهب التي إذامات أربابها فهي من جملة الأموات، من النصوص التي لا تزول إذازالت الأرض والسماوات ؟سبحان الله! ماذا حرمالمعرضون عن نصوص الوحي، واقتباس العلم من مشكاته من كنوز الذخائر؟!

    وماذافاتهممن حياة القلوب واستنارةالبصائر؟ قنعوا بأقوال استنبطتها معاول الآراء فكرا، وتقطعوا أمرهمبينهملأجلها زبرا، وأوحى بعضهمإلى بعض زخرف القول غرورا، فاتخذوا لأجل ذلك القرآن مهجورا .

    درست معالم القرآن فيقلوبهم فليسوا يعرفونها، ودثرت معاهده عندهم فليسوا يعمرونها، ووقعتألويته وأعلامه من أيديهم فليسوايرفعونها، وأفلت كواكبه النيرة منآفاق نفوسهم فلذلك لا يحبونها، وكسفت شمسه عند اجتماعظلم آرائهم وعقدها فليسوا يبصرونه.

    خلعوا نصوص الوحي عن سلطان الحقيقة، وعزلوها عن ولايةاليقين، وشنوا عليها غارات التأويلات الباطلة، فلا يزال يخرج عليها من جيوشهم كمين بعد كمين، نزلتعليهم نزول الضيف على أقوام لئام، فعاملوها بغيرما يليق بها من الإجلال والإكرام، وتلقوها من بعيد،ولكن بالدفع في صدورها والأعجاز، وقالوا : ما لك عندنا من عبور، وإن كان ولا بد، فعلى سبيل الاجتياز .

    أنزلوا النصوص منزلة الخليفة في هذا الزمان، له السكة والخطبة وما له حكم نافذ ولا سلطان .

    المتمسك عندهمبالكتاب والسنة صاحب ظواهر، مبخوس حظه من المعقول .

    والمقلد للآراء المتناقضة المتعارضة والأفكارالمتهافتة لديهم هو الفاضل المقبول .

    وأهل الكتاب والسنة، المقدمون لنصوصها على غيرها جهال لديهممنقوصون"وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون".

    حرموا والله الوصول،بعدولهم عن منهج الوحي، وتضييعهم الأصول، وتمسكوا بأعجاز لا صدور لها،فخانتهمأحرص ما كانوا عليها،وتقطعت بهم أسبابها أحوج ما كانوا إليها، حتى إذا بعثر ما في القبور، وحصل ما فيالصدور، وتميز لكل قوم حاصلهم الذيحصلوه، وانكشفت لهم حقيقة ما اعتقدوه، وقدموا على ما قدموه"وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون" وسقط في أيديهم عند الحصاد لما عاينوا غلة ما بذروه .

    فيا شدة الحسرة عندما يعاينالمبطل سعيه وكده هباء منثورا .

    ويا عظم المصيبة عندما يتبين بوارقأمانيه خلبا، وآماله كاذبة غرورا .

    فما ظن من انطوت سريرته على البدعة والهوى والتعصب للآراء بربهيوم تبلى السرائر؟

    وعذر من نبذالوحيين وراء ظهره في يوم لا تنفع الظالمين فيه المعاذر؟أفيظن المعرض عن كتاب ربهوسُّنَّة رسوله أن ينجو من ربه بآراء الرجال؟

    أو يتخلص من بأس اللهبكثرة البحوث والجدال، وضروبالأقيسة وتنوع الأشكال؟

    أو بالإشارات والشطحات، وأنواع الخيال؟هيهات والله، لقد ظن أكذب الظن، ومنته نفسه أبين المحال، وإنما ضمنت النجاة لمن حكم هدى اللهعلى غيره، وتزود التقوى وائتمبالدليل، وسلك الصراط المستقيم، واستمسك من الوحي بالعروة الوثقىالتي لا انفصام لها والله سميع عليم" "مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" للعلامة ابن قيم الجوزية (1/28-30)دار الكتاب العربي 1416 / 1996م


    -------- الحاشية -------

    [1] الدسكرة : بناء على هيئة القصر، فيه منازل..." "النهاية في غريب لحديث والأثر"ص(305) ط. ابن الجوزي .
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: الصنوان وأهل البهتان

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 11.04.10 22:20

    الموضوع


    هي – كما قدمت- مناظرة وهميّة، نسجها فكر إنسان، انتسب بلا استنكاف إلى عبدة الصلبان، وانتظم في صفوف اللادينيين، والمثلثة الضالين، والرافضة الكاذبين، وبعض المثقفين الذين هم بالدين جاهلين، مدعياً أنه قرآني، وراح بعنكبوتية ينسج بيت نصرته، فها هو أبصروه :



    ابتدأ المسوّد مناظرته بقوله :



    ( قال : ألم يكن الرسول يتحدث ويشرح ويوضح؟قلت : طبعاً كان يتكلموكلامه حق وصدق وعدل وكان يشرح للناس ويوضح لهم آيات الله تعالى شرحأ يتواءم وروحعصره ويتفق مع عامل الزمان والمكانقال: هل تعني أن تلك الشروح والتوضيحات لاتصلح لزماننا؟قلت : القرآن لا يعلم تأويله النهائى إلا الله رب العالمين وينهلمنه أهل العلم والمعرفة في كل مكان وزمان وهو- القرآن- شامخ لا ينقص ولا يتزحزح ولايتغير لأنه كلام الله وروح منه ونعمته على رسوله وعلى البشرية كلها.



    فالجواب :



    بيّن يديه أقول : اعتباراً لكثرة مسائل الردّ، وتشعب مباحثه، ووفرة أدلته، الأمر الذي أوجب البيان على وجه الاختصار؛ اعتذارا أضعه بين يدي الطرح، وأقول :



    أولا : التأكيد على ضحالة فهم، وانحراف فكر المسوّد، ومن ثم عدم قبول مناظرته هذه الوهميّة لوهنها وهوان مبتدعها .



    ثانياً : إنكارنا افتتاحية هذيانه!! والقرآن المجيد، والسُّنَّة المقدسة، بل ونهج البيان، وأدب الخطاب يأبى عليه هذا الصنيع .



    ثالثاً : مطالبته بالصلاة مع التسليم على النبي الخاتم الأمين وإخوانه وآله المتقين؛ إبان ذكره امتثالا .



    رابعاً : إلزامي : إذا كان كلامه – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- هكذا وفق إطلاقه ( ... كلامه حق وصدق وعدل ) وهو كذلك، وفوق ذلك، فلما أعرض عنه، ولعن أهله؟ .



    خامساً : طرح قيده اللئيم لتأصيله الذميم ( وكان يشرح للناس ويوضح لهم آيات الله تعالى شرحأ يتواءم وروحعصره ويتفق مع عامل الزمان والمكان) لما تكنفه من تكذيب للقرآن، وزهد في السُّنّة، ومن ثم نبذ لتعاليم الدين، وفتح لباب التهوك فالابتداع، الأمر المؤذن بهلاك، وقينا وكفينا .



    سادساً : بيان أن الإسلام دين كل زمان ومكان، وشريعتنا صالحة مصلحة - وسبق بيان ذلك مع استدلال- ولكن ما الحيلة مع ما لا يفرق بين ذات الرجع وذات الصدع .



    سابعاً : بيان تماكره، إذ سأل سؤالا كاشفا، وأجاب بإجابة مغايرة، في ذاتها آسنة .



    فليحرر مباحث، لا بل يسأل أهل العلم، عن :

    أ‌- سؤاله .

    ب‌- معنى التأويل : لغة واصطلاحا، وإطلاقه عند المتقدمين والمتأخرين وأنواعه الثلاثة ؟

    ت‌- أثر التأويل على أربابه، بعد بيان أهله وآلات أهليتهم ؟



    ثامنا : ما دلالة قوله "النهائي" ألم يبيّن الرسول – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله- ما نزّل إلينا ؟! أجهل عن ربه وعلم من بعده ؟!! .



    تاسعا : كيفية انتهال أهل العلم والمعرفة في كل مكان وزمان؟ وصلة ذا بتمام الشريعة وكمالها ؟ وعلاقته بعقيدة ختم النبوة ؟ ومدى اتصاله بمناهج التشيع والتصوف الخبيثة .



    عاشراً : قوله في قول الفقيه مُعَلَم التأويل، الحبر البحر، ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما : " أنا مما يعلم تأويله" وحكمه ؟ وهل هو موافق لجوابه ؟ وأيهما يقدم ؟ .



    الحادي عشر : بيان أن النعمة في وبالقرآن، والسُّنَّة كذلك، إذ هما صنوان، ولكن ما حكم مخالفهما ؟ وحكم الزاعم نقصان القرآن ؟ بل والكافر به وبرسوله ومرسله والمرسل إليهم؟



    الثاني عشر : تفصيل القول في "وروح منه" فإن قصد بالعطف هنا الترادف "كلام الله" أمر الله، فنعم . وإن كانت الآخرى – غيره- فكفر([1]) – أي: القول : كفر .



    فصل



    قال : "ولكنالإمام البخاري جمعه في كتاب ليكون نبراسأ للناس وتفسيرأ للقرآن الكريم.
    قلت : أنت تعلم أن البخاري ليس هو وحده من دوّن الأحاديث ولكن يوجد غير صحيح البخاريالكثير مثل صحيح مسلم والترمذي وابن ماجه وغيرهم

    وأنت قد تعلم ان البخاري ولد بعدوفاة النبى بقرنين من الزمان فأي ذاكرة تلك التي تذكر أقوال الرسول بنصها وفصها دونأن يدخل عليها التحريف وتعبث بها الأهواء؟

    أقول : بعد التعجب من ذكر المسوّد للتحريف وعبث الأهواء!



    أولاً : لم يزعم الإمام البخاري – رحمه الله تعالى - أنه أتى بها من الذاكرة !



    كما أنه – رحمه الله تعالى- لم يزعم أنه جمع كل الصحيح ([2]) وما زعمه غيره، وما جمعوه مبارك – بورك فيهم- نعمت الأمة به وستنعم .



    ومع التسليم : فقد أوتيت من سوء تصورك، وسُبّة جهلك، فالعرب كانوا آية في الحفظ والضبط ، واعتبر ذا في حفظهم لأشعارهم وخطبهم مع طولها وإبداعهم فيها، في تفاصيل مذهلة([3])



    وجه ثالث : إن من أهل الحديث من اشترط الأخذ من ذاكرة المحدث دون كتابه، لا في باب التلقي، وإنما من باب الاختبار ومعرفة الضبط والإتقان، وخولفوا، اعتبارا للأصل .



    وعلى كلٍ : فالحفظ قام في السطور والصدور؛ مما أورث صحة ويقينا، فتمسكاً وثباتا، أغلق معه باب التخرص والتخمين والتخوين، والحمد لله رب العالمين .



    ثانياً : لحفظ السُّنَّة حظّ من قوله تعالى : " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" سورة "الحجر" الآية(9) إذ الذكر : الكتاب والسُّنَّة، الوحي ([4]) هذا من جهة .

    ومن جهة أخرى : كونها تبيان كما أنها بيان .

    ومن جهة ثالثة : استقلالها ببعض الأحكام .



    وانظر كيف أطلق لفظ الحفظ ؛ ليشمل : الزمان والمكان .

    كما يشمل : حفظ المعنى كما اللفظ .

    المتضمن : حفظ أسفارها ورجالاتها .

    المستلزم : رفعتهما ونفعهما .

    المومئ : بخيرية الحفظة في الدارين، وكيف لا !

    القاضي : ببطلان طعنك في السُّنَّة وحفّاظها وحملتها، ورميك في ركام أهل الأهواء .



    ثالثاً : لم يقل حافظٌ للسُّنَّة قط ، أنه اتكأ على ذاكرته، إنما هي ضوابط – في باب التلقي والإلقاء- منضبطة، وقواعد متبعة، وأصول عاصمة .



    ولعل الذي غرّ الغر هنا، ما ذكر فيما ذكر في مناقب أمير المؤمنين في الحديث، ما قاله محمد بن الأزهر السجستاني: " كنت في مجلس سليمان بن حرب والبخاري معنا يسمعولا يكتب . فقيل لبعضهم : ماله لا يكتبفقال : يرجع إلى بخارىويكتبمن حفظه، ولعل من أعجب ما نقل عنه في ذلك([5])" إهـ



    والجواب يظهر بجلاء ما فيه أدنى خفاء للأعشى! إذا ما نظر إلى ترجمة الإمام البخاري([6]) – رحمه الله تعالى – ذلك الأعجوبة، من جهة .

    ومن جهة معرفة سُنّة الحفّاظ في باب التلقي والإلقاء، ومنها أنهم يكتبون ويستكتبون، ويدققون ويحققون، ويقابلون ويمتحنون، ويحدثون وينظرون، ويراجعون ويرجعون([7]) ويسافرون بحمل البعير من المرويات والمحفوظات وفي غمرتها يصنّفون ... إلخ في عجائب وغرائب تشهد لهم بالأمانة والإمامة، والتقوى والإتقان، والروعة والورع، والصيانة والحفظ ، فرحمة الله على تلك النفوس النفيسة، وفي الأمة يسري الخير .



    ويقال له : وهل سمع الإمام البخاري – رحمه الله تعالى- إلا مما هو مزبور في الأجزاء، مرقوم في صحف، مدّون مضبوط في قراطيس الأتقياء الأمناء؟!



    وفي ذلك : قال عبد الرحمن بن مهدي – رحمه الله تعالى : "يحرمعلى الرجلأن يروي حديثاً في أمر الدين حتى يتقنه ويحفظه كالآية من القرآن،وكاسمالرجل" .

    وفي تأويل ما سلف، قال الإمام أحمد – رحمه الله تعالى : " كانقتادة أحفظ أهل البصرة، لا يسمع شيئاً إلا حفظه، قرئ عليه صحيفة جابر مرةواحدة فحفظها" .



    وقال معمر : "رأيت قتادة قال لابن أبي عروبة : أمسكعليّ المصحف، فقرأ البقرة، فلم يخطئ حرفاً، فقال : يا أبا النضر، لأنالصحيفة جابر أحفظ مني لسورة البقرة" . وقال أبو داودالخفّاف : "سمعت إسحاق بن راهويه يقول : لكأني أنظر إلى مئةألف حديث فيكتبي، وثلاثين ألفاً أسردها .

    قال : "وأملى علينا إسحاق أحد عشر ألف حديثمن حفظه، ثم قرأها علينا، فما زاد حرفاً ولا نقص حرفاً"



    وصفوة القول : ما قاله شيخ المقرئين والمحدثين أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش ([8])– وقد رأى أنس بن مالك وحكى عنه وروى عنه وعن عبد الله بن أبي أوفى – رضي الله تعالى عنهما : " كان هذا العلم عند أقوام كان أحدهم لأن يخرّ من السماء أحب إليه من أن يزيدفيه واواً أو ألفاً أو دالاً"

    قلت : فهو يحكي عن الصحابة وأبنائهم وكبار التابعين وهو منهم – رضي الله تعالى عنهم ورحمهم أجمعين- فكيف يدعي المسوّد تلك الدعوى الشريدة العربيدة؟! .


    ______________ ( الحاشية ) ______________



    ([1]) ذكر أن الخليفة العباسي المأمون قد جمع بين كلثوم بن عمرو العتابي وابن فروةالنصراني وقال لهما : تكلما وأوجزا، فقال العتابي لابن فروة : ما تقول فيعسيى المسيح ؟قال ابن فروة: أقول أنه من الله .
    قال العتابي : صدقت، ولكن؛ (من) تقع على أربع جهات لا خامسلها...
    1.- من كالبعضمن الكل، على سبيل التجزيء.
    2.- أو كالوليد من الوالد، على سبيل التناسل .
    3.- أو كالخل من الخمر، على سبيل الاستحالة . 4.- أو كالصنعة منالصانع، على سبيل الخلق من الخالق .أم عندك شيء تذكره غير ذلك؟قال ابن فروة : لا بد أن تكون هذه الوجوه ، فما أنت تجيبني إن تقلدتمقالةً منها ؟قال العتابي :إن قلت على سبيل التجزيء : كفرت .وإنقلت على سبيل التناسل : كفرت . وإنقلت على سبيل الفعلكالصنعة من الصانع : فقد أصبت .
    فقال ابن فروة : فماتركت لي قولا أقوله .. وانقطع" إهـ




    ([2]) "عدّ العلماء كتاب الجامع الصحيح المعروف بـ "صحيح البخاري" أصح كتاب بعد كتاب الله، ويقول عنه علماء الحديث "هو أعلى الكتب الستة سندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شيء كثير من الأحاديث وذلك لأن أبا عبد الله أسن الجماعة وأقدمهم لقيا للكبار ...

    ويقول في قصة تأليفه "الجامع الصحيح " : " كنت عند إسحاق بن راهويه فقال بعض أصحابنا لو جمعتم كتابا مختصرا لسنن النبي فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع هذا الكتاب"

    ويقول في بعض الروايات:

    ـ أخرجت هذا الكتاب من زهاء ست مائة ألف حديث.

    ـ ما وضعت في كتابي الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين.

    ـ ما أدخلت في هذا الكتاب إلا ما صح وتركت من الصحاح كي لا يطول الكتاب..." المصدر




    ([3])هذا مع تصورنا مولده، واعتبارنا لتطوره إبان تنقله ومواقع ترقيه .




    ([4]) يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى : " قال تعالى : "وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْلَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ" [ الزخرف :36 ] وذكر الرحمن الذي أنزله هوالكتاب والسنة اللذان قال الله فيهما : "وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْوَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِوَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" [ البقرة : منالآية231 ] وقال تعالى : "لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَفِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْوَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ..." [ آل عمران : 164] وهو الذكرالذي قال الله فيه : " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُلَحَافِظُونَ" [ الحجر: 9 ] "إهـ "الفتاوى الكبرى"(2/274)



    ويقول أيضاً – رحمه الله تعالى :" فإن الدين محفوظ بحفظ الله له ولما كانت ألفاظ القرآن محفوظةمنقولة بالتواتر لم يطمع أحد في إبطال شيء منه ولا في زيادة شيء فيه بخلاف الكتبالتي قبله قال تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُلَحَافِظُونَ" [ الحجر: 9] بخلاف كثير من الحديث طمع الشيطان في تحريف كثير منهوتغيير ألفاظه بالزيادة والنقصان والكذب في متونه وإسناده فأقام الله له من يحفظهويحميه، وينفي عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، فبينوا ماأدخل أهل الكذب فيه وأهل التحريف في معانيه" "الرد على البكري" (1/171)

    قلت : والمقصود : بأن طمع الشياطين هو المغايرة، غير أنه – رحمه الله تعالى- أردفه ببيان الدفع القاضي بسلامتها واستمراريتها، فاتفق على الحفظ ، وهو المراد إثباته، فاثبت على السُّنَّة، وإياك وإياك .




    ([5]) ولأهل العلم في إيرادهم لهذه العبارة ( من أعجب ما روي عنه ) كلام، حمل تارة على القبول وتارة على الإنكار، والسياق مع قرينة الحال، دال .




    ([6]) "هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بنبردزبه الجعفي...

    قال الحافظ ابن حجر: "هذا هو المشهور في ضبطه, وبردزبه في الفارسية الزراع كذا يقول أهل بخارى, وكانبردزبةفارسيا على دين قومه" انتهى.
    ولد رحمه الله في بخارى ( وهي من أعظم مدن ما وراء النهر بينهاوبين سمرقند مسافة ثمانية أيام) في يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة ليلة خلت منشهر شوال سنة أربع وتسعين ومائة... توفي والده وهوصغير فنشأ في حجر أمه وأقبل على طلب العلم منذ الصغر ... اشتغل وهو صغير في طلب العلم وسماع الحديث فسمعمن أهل بلده من مثل محمد بن سلام ومحمد بن يوسف البيكنديين وعبد الله بن محمدالمسندي وابن الأشعث وغيرهم ثم حج هو وأمه وأخوه أحمد وهو أسن منه سنة عشر ومائتينفرجع أخوه بأمه وبقي في طلب العلم فسمع بمكة من الحميدي وغيره وبالمدينة من عبدالعزيز الأويسي ومطرف ابن عبد الله وغيرهم ثم رحل إلى أكثر محدثي الأمصار فيخراسان والشام ومصر ومدنالعراق وقدم بغداد مرارا واجتمع إليه أهلها واعترفوا بفضله وشهدوا بتفرده في علميالرواية والدراية

    وسمع ببلخ من مكي بن إبراهيم وغيره، وبمرو من علي بن الحسن وعبدالله بن عثمان وغيرهما، وبنيسابور من يحيى بن يحيى وغيره، وبالري من إبراهيم بن موسىوغيره، وببغداد من شريح بن النعمان وأحمد بن حنبل وغيرهما، وبالبصرة من أبي عاصم النبيل ومحمد بن عبد اللهالأنصاري وغيرهما، وبالكوفة من طلق بن غنام وخلاد بن يحيى وغيرهما، وبمصر من سعيد بنكثير بن عفير وغيره، وسمع من أناس كثيرين غير هؤلاء

    ونقل عنه أنه قال : " كتبت عن ألفوثمانين نفسا ليس فيهم إلا صاحب حديث"

    وقال أيضا: " لم أكتب إلا عمن قال : الإيمانقول وعمل"
    ذكاؤه وقوة حفظه :

    وكان - رحمه الله - قوي الذاكرة سريع الحفظ ذكر عنه المطلعون علىحاله ما يتعجب منه الأذكياء ذوو الحفظ والإتقان فضلا عمن سواهم فقدقالأبو بكر الكلذواني : "ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل كان يأخذالكتاب من العلم فيطلع عليه اطلاعة فيحفظ عامة أطراف الحديث من مرةواحدة "
    وقال محمد بن أبي حاتم وراق البخاري: قلت لأبي عبد اللهمحمد بن إسماعيل: تحفظ جميع ما أدخلته في المصنف، قال: "لا يخفى علي جميع مافيه"
    وقال محمد بن حمدوية: سمعت البخاري يقول : "أحفظ مائة ألفحديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح"
    وقال محمد بن الأزهر السجستاني: كنت في مجلس سليمان بن حرب والبخاري معنا يسمعولا يكتب فقيل لبعضهم: ماله لا يكتبفقال: يرجع إلى بخارىويكتبمن حفظه, ولعل من أعجب ما نقل عنه في ذلكما قالهالحافظ أبو أحمد ابن عديكما في "تاريخ بغداد" و "وفيات الأعيان" وغيرهما سمعت عدة مشائخ يحكون أنمحمد بن إسماعيل البخاريقدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وأرادوا امتحان حفظه

    فعمدوا إلى مائة حديثفقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر ودفعوا إلى عشرةأنفس إلى كل رجل عشرة أحاديث وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك على البخاريوأخذوا الموعد للمجلس فحضر المجلس جماعة من أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسانوغيرها ومن البغداديين

    فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجل من العشرة فسأله عنحديث من تلك الأحاديثفقال البخاري: "لا أعرفه"، فسأله عن آخر فقال: "لا أعرفه", فما زال يلقي عليه واحدابعد واحد حتى فرغ من عشرته والبخاري يقول: "لا أعرفه"

    فكان الفهماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعضويقولون الرجل فهم, ومن كان منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلةالفهم

    ثم انتدب رجل آخر من العشرة وسأله كما سأله الأول والبخاري رحمه الله يجيببما أجاب به الأول ثم الثالث والرابع حتى فرغ العشرة مما هيأوه من الأحاديث

    فلماعلم البخاري أنهم فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال أما حديثك الأول فقلت كذا وصوابهكذا وحديثك الثاني قلت كذا وصوابه كذاوالثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمامالعشرة فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه وفعل بالآخرين مثل ذلك ورد متونالأحاديث كلها إلى أسانيدها وأسانيدها إلى متونها

    فأقر له الناس بالحفظ وأذعنوا لهبالفضل .

    وعند ذكر هذه القصة يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: "هنا يخضع للبخاري فماالعجب من رده الخطأ إلى الصواب فإنه كان حافظا .

    بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيبما ألقوه عليه من مرة واحدة"
    نماذج من ثناء الناس عليه رحمه الله:وقد كانالبخاري - رحمه الله - موضع التقدير من شيوخه وأقرانه تحدثوا عنه بما هو أهله وأنزلوهالمنزلة التي تليق به وكذلك غيرهم ممن عاصره أو جاء بعده وقد جمعمناقبه الحافظان الكبيرانالذهبي وابن حجر العسقلاني في مؤلفين خاصين كما ذكر ذلك الذهبي في تذكرة الحفاظوابن حجر في تهذيب التهذيب.

    ولعل من المناسب هنا ذكر بعض النماذج منذلك:

    قال أبو عيسى الترمذي: "كان محمد بن إسماعيل عند عبد اللهبن منير فقال له لما قام: يا أبا عبد الله جعلك الله زين هذه الأمة فاستجاب اللهتعالى له فيه"..
    ويقول الإمام البخاري : "كنت إذادخلت على سليمان بن حرب يقول : "بيّن لنا غلط شعبة"
    وقال محمد بن أبي حاتموراق البخاري: سمعت يحيى بن جعفر البيكندي يقول: "لو قدرت أن أزيد من عمريفي عمر محمد بن إسماعيل لفعلت فإن موتي يكون موت رجل واحدوموت محمد بن إسماعيل فيه ذهاب العلم"..
    وقال أحمد بن حنبل: "ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل" ولما بلغ علي بن المديني قول البخاري : "ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بنالمديني" قال لمن أخبره : " دع قوله؛ ما رأى مثل نفسه"..
    وقالرجاء بن رجاء : "هو - يعني البخاري - آية من آيات الله تمشي على ظهر الأرض".

    وقالأبو عبد الله الحاكم في تاريخنيسابور : "هو إمام أهل الحديث بلا خلاف بين أهلالنقل"..
    وقال إمام الأئمة ابن خزيمة : "ما رأيت تحت أديم السماء أعلمبحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري"..
    ويقول الحافظ الذهبي في "تذكرة الحفاظ: " "وكان رأسا في الذكاءرأسا في العلم رأسا في الورع والعبادة"

    ويقول في كتابه العبر: "وكان من أوعيةالعلم يتوقد ذكاء ولم يخلف بعده مثله رحمة الله عليه"
    وقال الحافظ ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية: " "هو إمامأهل الحديث في زمانه والمقتدى به في أوانه والمقدم على سائر أضرابه وأقرانه"

    وقال : "وقد كان البخاري - رحمه الله - في غاية الحياء والشجاعة والسخاء والورع والزهد فيالدنيا دار الفناء والرغبة في الآخرة دار البقاء"

    وقال ابن السبكي في "طبقاتالشافعية" : "هو إمام المسلمين وقدوة الموحدين وشيخ المؤمنين والمعول عليه في أحاديث سيدالمرسلين وحافظ نظامالدين"

    وقال محمد بن يعقوب الأخرم سمعت أصحابنا يقولون: لماقدم البخاري نيسابور استقبله أربعة آلاف رجل على الخيل سوى من ركب بغلا أو حماراوسوى الرجالة".

    وقال الحافظ ابن حجر فيكتابه "تقريب التهذيب: " "أبو عبد الله البخاري جبل الحفظ وإمام الدنيا ثقةالحديث"
    وقال – رحمه الله تعالى- وهو يترجمله في"تهذيب التهذيب" : " قلت: مناقبه كثيرة جدا قد جمعتها في كتاب مفرد ولخصت مقاصدهفي آخر الكتاب الذي تكلمت فيه على تعاليق الجامع الصحيح".

    وقد ترجم له أيضا في آخر كتاب هدي الساري مقدمةفتح الباري ونقل شيئا من ثناء مشائخه وأقرانه عليه ثم قال: "ولو فتحت باب ثناء الأئمة عليهممن تأخر عن عصره لفني القرطاس ونفدت الأنفاس فذاك بحر لا ساحلله..."

    هذا غيض من فيض مما قيل في الإمام أبي عبد الله البخاري رحمه اللهتعالى برحمته الواسعة" بتصرف من"الإمام البخاري" للشيخ عبد المحسن العباد - الأستاذ بالجامعة الإسلامية، والمدرس بالحرم النبوي .




    ([7]) "ظل البخاري ستة عشر عاما يجمع الأحاديث الصحاح في دقة متناهية، وعمل دؤوب، وصبر على البحث وتحري الصواب قلما توافرت لباحث قبله أو بعده حتى اليوم، وكان بعد كل هذا لا يدون الحديث إلا بعد أن يغتسل ويصلي ركعتين.

    يروي أحد تلامذته أنه بات عنده ذات ليلة فأحصى عليه أنه قام وأسرج يستذكر أشياء يعلقها في ليلة ثمان عشرة مرة.

    وقال محمد بن أبي حاتم الوراق كان أبو عبد الله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد إلا في القيظ أحيانا فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري نارا ويسرج ثم يخرج أحاديث فيعلم عليها.

    وروي عن البخاري أنه قال: لم تكن كتابتي للحديث كما كتب هؤلاء كنت إذا كتبت عن رجل سألته عن اسمه وكنيته ونسبته وحمله الحديث إن كان الرجل فهما، فإن لم يكن سألته أن يخرج إلي أصله ونسخته فأما الآخرون لا يبالون ما يكتبون وكيف يكتبون.

    وكان العباس الدوري يقول: ما رأيت أحدا يحسن طلب الحديث مثل محمد بن إسماعيل كان لا يدع أصلا ولا فرعا إلا قلعه ثم قال لنا لا تدعوا من كلامه شيئا إلا كتبتموه" المصدر .




    ([8]) جاء في ترجمته : " قال سفيان بن عيينة – رحمه الله تعالى : كان الأعمش أقرأهم لكتاب الله وأحفظهم للحديث وأعلمهم بالفرائض.

    وقال يحيى القطان – رحمه الله تعالى : هو علامة الإسلام.

    قال وكيع بن الجراح – رحمه الله تعالى- كان الأعمش قريبا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى .

    وقالعبد الله الخريبي – رحمه الله تعالى : ما خلف الأعمش أعبد منه .

    الفضل بن موسى حدثنا الأعمش قال دخلت على مجاهد فلما خرجت من عنده تبعني بعض أصحابهفقال سمعت مجاهدا يقول : لو كانت بي قوة لاختلفت إلى هذا - يعني الأعمش ... إلخ" انظر ترجمته "سير أعلام النبلاء" المجلد السادس .
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: الصنوان وأهل البهتان

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 11.04.10 22:29

    رابعاً : بيان مبدأ تدوين السُّنُّة :

    أصدّره بتدوين إنكاري للجرأة القبيحة على الكلام في الأصول بغير علم، الدال على عدم الخشية من الله تعالى من جهة، والشاهد على شدة جهل من جهة أخرى .



    وبعد .. قد مرّ تدوين السُّنَّة بثلاثمراحل :



    " المرحلة الأولى : جمع السُّنَّة في أواخر القرن الأول :

    منأوائل المحاولات لجمع السُّنَّة : ما قام به عبد العزيز بن مروان، حيث كتب إلىكثير بن مرة، وكان قد أدرك بحمص سبعين بدرياً من أصحاب رسول الله - صلى اللهعليه وسلم : "أن يكتب إليه بما سمع من أصحاب رسول الله - صلى الله عليهوسلم- من أحاديثهم، إلا حديث أبي هريرة، فإنّه عندنا" .

    ولما جاءبعده ابنه عمر بن عبد العزيز حرص على جمع السُّنَّة، وسلك في ذلك طريقين :

    الأول : كتب إلى أبي بكر ابن حزم : " انظر ما كان من حديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولاتقبل إلا حديث النبي" .

    الثاني : أمر الزهري بجمع السُّنَّة، حيثقال الزهري : " أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن، فكتبناها دفتراً دفتراً، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفتراً"

    ولهذا قال الترمذي : "هوواضع علم الحديث بأمر عمر بن عبد العزيز، مخافة ضياعه بضياع أهله" .

    المرحلة الثانية : تدوين السُّنَّة في منتصف القرن الثاني:

    قال مؤرخ الإسلام الذهبي – رحمه الله تعالى : " لم ينتصف القرن الثاني حتى نشطت حركة تدوين الحديث،وكان من سبق إليهامن رجال هذا القرن : ابن جريج المكي، وابن إسحاق ومعمر ابن راشد، وسعيدبن أبي عروبة، وربيع بن صبيح، وسفيان الثوري ومالك بن أنس، والليث بنسعد، وابن المبارك، ثم تتابع الناس" .

    وقال الحافظ ابن حجر : " ثم حدث فيأواخر عصر التابعين تدوين الآثار، وتبويب الأخبار لمّا انتشر العلماء فيالأمصار، وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري الأقدار"

    المرحلة الثالثة : تصنيف السُّنّة في القرن الثالث :

    في بدايات القرنالثالث أخذ التصنيف دوراً جديداً ، فظهرت :

    المصنفات :كمصنف عبد الرزاق( ت211هـ ) وابن أبي شيبة (235هـ) .

    والمسانيد : كمسانيد الحميدي ( ت219هـ ) ، وأحمد ( ت241هـ )، والدارمي .

    والجوامع : كجامع البخاري ( ت 256هـ )، وجامع مسلم( ت261هـ )، وجامع الترمذي ( ت279هـ ) .

    والسنن : كسنن أبي داود ( ت 275هـ) ، وابن ماجة ( ت 273هـ )، والنسائي ( ت303 هـ )" نقلاً بتصرف عن "نظرات في جهود العلماء في تدوين السنة النبوية"



    وإنا إذ نذكر هذا نذكر معه حديث نبينا – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم : "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي من بعدهم قوم يتسمنون ويحبون السمن يعطون الشهادة قبل أن يسألوها" "صحيح الجامع" برقم(3294)



    ‌إذاً الحفظ والتدوين والتصنيف كان من خيرة مخبتين، في زمن الخيرية، بتحضيض من خيّرين، بنهج خريت([1]) وخيره يسري بل يجري من سنين، والأمر دين، وليخسأ خبيت وختيت([2]) .



    خامساً : التدليل على أن الحفظ التدوين كان زمن الوحي، وهو لمنهج المسوّد فاصل قاصم بل قاصف :



    ( برهان ) حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضيالله تعالى عنه - قال: " كنت أكتب كل شيأسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا تكتب كل شيءسمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشر يتكلم في الغضب والرضا ؟ فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأومأبإصبعهإلى فيه وقال : "اكتب فو الذي نفسي بيده ما خرجمنه إلا حق" أخرجه الدارمي في سننه وأبو داود، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة"



    وفيها : "قيدوا العلم بالكتاب" قال العلامة الألباني – رحمه الله تعالى : "صحيح بمجموع طرقه" وله شواهد منها قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا الحق" "السلسلة الصحيحة"(5/40) برقم(2026)



    ( برهان ثان ) وعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه – قال : "ما من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم - أحد أكثر حديثاً عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو؛ فإنهكان يكتب ولا أكتب"رواه الإمام البخاري.‏

    ( برهان ثالث ) عن أبي هريرة قال : " لما فتح الله تعالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ... فقام أبو شاه - رجل من أهل اليمن- فقال يا رسول الله : اكتبوا لي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اكتبوا لأبي شاه"

    قلت للأوزاعي : ما قوله "اكتبوا لأبي شاه" قال : هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم" "صحيح سنن أبي داود"(2/212) برقم(2017)

    ( برهان رابع ) وفي "الإرواء" عبد الله بن عكيم قال : ثني أشياخ جهينة قالوا : أتانا كتاب من رسول - صلى الله عليه وسلم- أو قرئ علينا كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم " أن لا تتنفعوا من الميتة بشئ" انظر "الإرواء" (1/78)([3])

    ( برهان خامس ) قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضهالذي توفي فيه : "اتئوني بكتاب أكتبلكم كتاباً لا تضلوا بعده..." متفق عليه .‏

    ( برهان سادس ) إجماعات الأمة في كل عصر ومصر على اعتقاد والعمل وفق عاليه .



    سادساً : صنيع المسوّد هنا من باب "رمتني بدائها وانسلت" فقد أنكرنا على الرافضة([4])- أكذب طوائف الأمة – انقطاع سندها، واحتوائه على سلسلة من الحمير!! شأنها في ذا شأن كل صاحب هوى! فقام هذا العربيد هنا بإطلاق الكلام على عواهنه، دون خشية من الرقيب، والربّ حسيب .



    سابعاً : - وهو فرع عن عاليه تأويل له : أعني قوله "وأنت قد تعلم ان البخاري ولد بعدوفاة النبى بقرنين من الزمان فأي ذاكرة تلك التي تذكر أقوال الرسول بنصها وفصها دونأن يدخل عليها التحريف وتعبث بها الأهواء؟ " فحمار الفهم هنا ذكر عجبا، أتى هذرا، أوتي من قبل جهله، وهذي من قبل فهمه، ولقد علم القاصي والداني أننا أمة إسناد، والإسناد من الدين، وهو واحد من مقتضيات الحفظ الإلهي لهذه الشريعة الغرّاء والملّة السمحاء . وسيأتي .



    فهل الأمة جهلت السنن وأهملت الأحاديث حتى جيء بالإمام البخاري – رحمه الله تعالى- هل هذا قاله أحد ؟!

    فصل



    " قال : ألا تؤمن بصحيح البخارى؟ قلت: كلمة (تؤمن) كلمة كبيرة جداً وقد حدد الله تعالى لي ما يجب أن أؤمن به من أعماققلبي وهو الله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر

    ولكنني أريد ان أسألك سؤالأ أليسمن حقي أن أسالك ؟ أم انك وحدك القاضي وأنا المتهم الذي يجب ان يدافع عننفسه؟قال: تفضل اسألقلت: علماً بأن البخاري وغيره من جامعي الأحاديث قدولدوا بعد وفاة رسول الله(ص) بقرنين من الزمان فمن الذي كلفهم بتدوين تلك الأحاديث؟هل أنزل الله لهم وحياً بهذا التكليف ؟ ام هل ترك النبي وصية لهم بالإسم تكلفهمبذلك ؟

    إذا كان في صحيح البخاري نفسه ( لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن ومن كتب عنيشيئاً فليمحه) وإذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد منع الصحابة ومنهم أبو هريرةمن الرواية على رسول الله فمن الذي كلف هؤلاء الذين كتبوا الصحاح بالتدوين عن النبي

    ولماذا أسموها بالصحاح إذا كان كل ما فيها صحيحاً ؟ وكيف يكون صحيحاً وهي ستة آلافحديثاً منتقاة من ستمائة ألف حديث ؟ وهل يكفي عمر الإنسان لمعرفة الصحيح من غيرهوأين هو الوقت المتبقي لتلاوة القرآن وفهمه وتدبره والدعوة إليه والعمل به ؟

    أماننا سينطبق علينا قول الله تعالى ( وقال الرسول يارب إن قومى اتخذوا هذا القرآنممهجوراً)؟

    أقول :



    أولاً : قد علم أن قوله ( ألا تؤمن بصحيح البخارى؟) المراد به – هنا كما هو ظاهر- المعنى اللغوي لا الشرعي – تصدّق- ومع كون المسوّد راقمها غير أنه جهلها، وتعلقها بإيمانه!



    إذا هو يجهل معنى الإيمان، فكيف بمفرداته، كيف بحقائقه؟!!!



    ثانياً : وهي ذات تعلق بسابقتها : قوله " ( كلمة ( تؤمن ) كلمة كبيرة جداً ) نعم هي كلمة عظيمة - بالمعنى الشرعي لا اللغوي- يتبعها عمل دال، يحفظها وأهلها، مصدره الكتاب والسُّنَّة كلهم جميعا، فهل حقق المبتدعة مقتضاها، أم نقضوها ؟!



    ثالثاً : إبطال تلبيسه وكشف تدليسه في قوله "علماً بأن البخاري وغيره من جامعي الأحاديث قدولدوا بعد وفاة رسول الله(ص) بقرنين من الزمان، فمن الذي كلفهم بتدوين تلك الأحاديث"



    أقول جوابا آخر لفريته المتكررة : لم يقض نبينا – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- إلا بعد البلاغ المبين، فبيّن السنن وأنار السبيل، فأشرقت بتعاليمه الصدور والدور .



    ومن بعده- صلى الله عليه وسلم- كان الصحابة - رضي الله تعالى عنهم- يتدارسون السنن ويدرسونها، يروي بعضهم عن بعض ما سمعوه من النبي – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم- فكان أحدهم يعمل يوما وأخوه يلزم رسول الله – صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم- والعكس، وهكذا دواليك



    وكان وعاء العلم، الصحابي الجليل أبو هريرة – رضي الله تعالى عنه- يقول : كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم يشبع بطني" في حديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب العلم كما أخرجه في باب الحرص على الحديث.



    وكان ابن عباس – رضي الله تعالى عنه- يلزم الأبواب ويجوب الطرق جمعا للسنن فتعليمها



    وكان ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما- يتتبع السنن والآثار، تتبعا عجيبا ([5]).



    وكانت أعلم نساء العالمين، الحبيبة المحبوبة، عائش- رضي الله تعالى عنها- تعلم وتصحح وتنصح وتصلح، وكيف لا .



    بل كان الفاروق – رضي الله تعالى عنه- يستشهد بعدلين لإثبات هدي .



    بل قد بدأت الرحلة مبكرا منذ عهد الصحابة – رضي الله تعالى عنهم- في طلب سماع الحديث، وقد بوّب الإمام البخاري – رحمه الله تعالى- نفسه "باب الخروج في طلب العلم، ورحل جابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنهما- مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد" .



    وكذلك رحل أبو أيوب الأنصاري – رضي الله تعالى عنه- من المدينة إلى عقبة بن عامر وهم في مصدر ليروي عنه حديثا .



    وعقدت الحلق، وتوافدت الوفود حول البهاليل ينهلون من الينابيع، ويعودون مصابيح دجى أعلام هدى، لينتشر دين الله تعالى، ويبلغ الآفاق، تأويلا للخبر الصادق عن الصادق .



    وكذلك من جاء بعدهم من التابعين : كابن المسيب وابن سيرين، والحسن... وغيرهم، الذين تربوا في بيوتات ومجالس الصحابة – رضي الله تعالى عنهم- كانوا يروون عن الصحابة – رضي الله تعالى عنهم .



    وظل الأمر على هذه الحال حتى وقعت الفتنة التي أدت إلى مقتل الخليفة الراشد عثمان بن

    عفان - رضي الله تعالى عنه - وظهور الفرق والمذاهب المبتدعة، فتلمس الإسناد؛ في حفظ فق حفظ ، وصيانة فوق صيانة!! .



    فقد روى الإمام مسلم – رحمه الله تعالى- في مقدمة صحيحه عن ابن سيرين - رحمه الله - قوله : " لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا : سموا لنا رجالكم، فيُنْظَرُ إلى أهل السنة فيُؤْخذ حديثُهم، ويُنْظَر إلى أهل البدعة فلا يؤخذ حديثهم"



    وكان يقول – رحمه الله تعالى : " إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم "



    ومحمد بن سيرين – رحمه الله تعالى – أحد سادات التابعين، فهو إنما يتحدث عن الصحابة – رضي الله تعالى عنهم- وينصح التابعين – رحمهم الله تعالى- فليعلم .



    برهان ذلك : ما جاء في مقدمة الإمام مسلم عن مجاهد – رحمهما الله تعالى- قال جاء بشير العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدّث ويقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه -أي لا يستمع- ولا ينظر إليه، فقال : " يا ابن عباس مالي لا أراك تسمع لحديثي، أُحدثك عن رسول الله - صلى الله عليهوسلم- ولا تسمع، فقال ابن عباس : " إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف" .



    وهذا منه – رضي الله تعالى عنه- إثبات شاخص شامخ على عدالة الصحابة – رضي الله تعالى عنهم- من جهة، ومن جهة أخرى بيان لحالهم وأنهم كانوا يتدارسون السُّنُّة كما القرآن



    هذا .. ولم يقتصر الأمر على المدارسة، بل تعداه إلى السفر، قال التابعي أبو العالية – رحمه الله تعالى : " كنا نسمع الرواية بالبصرة عن أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فلا نرضى حتى نركب إلى المدينة فنسمعها من أفواههم" .



    ومن بعده : قال عبد الله بن المبارك – رحمه الله تعالى : " الإسناد عندي من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، فإذا قيل له من حدثك؟ بقي "

    أي : بقي متحيراً لا يدري ما يقول، لأنه لا إسناد معه يعرف به صحة الحديث أو ضعفه .



    وقال أيضاً – رحمه الله تعالى : " بيننا وبين القوم القوائم " يعني الإسناد



    وقال الثوري – رحمه الله تعالى : "الإسناد سلاح المؤمن، إذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل"



    وقال شعبة – رحمه الله تعالى : " كل حديث ليس فيه ( حدثنا، وأخبرنا ) فهو مثل الرجل بالفلاة معه البعير ليس له خطام "



    وقال الأوزاعي – رحمه الله تعالى : "ما ذهاب العلم إلا ذهاب الإسناد" ... إلخ .



    في آثار هي نهار، وما الحيلة في الخفافيش .



    ومن ثمّ، سرى الإسناد، وقامت أصوله، ودوّنت المسانيد، وجمعت الآثار كالأحاديث، وحفظت السُّنَّة كالقرآن، تنهل منها النفوس، وتنعم معها القلوب، وتستقيم بها الجوارح، وتسكن لورودها الجوانح، وتقلع بها أظفار الجوارح .



    وانتشر الدين، ودخل الناس فيه أفواجا ولا يزالون، ولا زلنا بعد ألف ومئين السنين نشهر الإسناد في وجوه المبتدعة والمتأولين، ونشكر الأولين، ونرجو فضل رب العالمين .



    رابعاً : وعن قوله : ( فمن الذي كلفهم بتدوين تلك الأحاديث)



    أقول : قد تقدم الاستدلال المترادف المتضافر بأن الذي كلفهم بتدوين السنن هو الذي حدّثهم بها، كما حدثهم بالقرآن – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم .



    فتكذيبها، تكذيب له وله، كما أن الطعن فيها طعن فيه وفيه، أفهمت؟ أرجو .



    خامساً : إنكار صنيعه (رسول الله (ص) فـ (ص) كاللقيطة (صلعم) يجب أن تربى لتكمل فيجمل



    سادساً : قوله : ( إذا كان في صحيح البخاري نفسه " لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن ومن كتب عنيشيئاً فليمحه" وإذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد منع الصحابة ومنهم أبو هريرةمن الرواية على رسول الله فمن الذي كلف هؤلاء الذين كتبوا الصحاح بالتدوين عن النبي )



    قلت : ابتداءً : لا تستدل علينا – هداك الله تعالى- بما في الصحيح! ليس هذا من كيسك؟!



    نعم .. قد ورد النهيعن الكتابة كما سلف، وزيادة : كحديث أبي سعيد – رضي الله تعالى عنه : " لا تكتبوا عني،ومن كتب غير القرآن فليمحه وحدثوا عني ولا حرج" أخرجه الإمام مسلم .



    وعنه- رضي الله تعالى عنه : " استأذنا النبي- صلىالله عليه وسلم- أن يأذن لنا في الكتاب فأبى" رواه الترمذي، وصححه الألباني برقم(2665) .‏



    هذا .. والذي أمرهم بالكتابة هو نفسه الذي كان قد نهاهم– صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- وامتثلوا في الأمرين- رضي الله تعالى عنهم- وليس لهم إلا ذا- والجمع يسير، ذو دلالة على شيء عظيم .



    قال الخطابي – رحمه الله تعالى : " وجهه - والله أعلم : أنيكون إنما كره أن يكتب شيء مع القرآن في صحيفة واحدة أو يجمع بينهما في موضع واحدتعظيماً للقرآن وتنزيهاً له أن يسوى بينه وبين كلام غيره"



    غير أني أسأل المسوّد : لماذا سعوا – رضي الله تعالى عنهم- إلى كتابة السُّنَّة وبين يديهم القرآن؟!



    وعلى كل حال : فقد جمعا جميعاً، وهو المراد إثباته .

    __________ ( الحاشية ) __________



    ([1]) الخريت : الماهر الذي يهتدي لأخرات المفازة، وهي طرقها الخفية ومضايقها . وقيل : إنه يهتدي لمثل خرت الإبرة من الطري" أي : ثقبها " انظر "النهاية"ص(258) واستدعيته هنا لمطابقته .




    ([2]) خبيت : أي: فاسد، وقيل هو كالخبيث، وقيل هو الحقير الرديء، والختيت – بالتائين- الخسيس" "النهاية في غريب الحديث والأثر" لأبي السعادات ابن الأثير ص(251) ط . ابن الجوزي . الثانية .


    ([3]) قال بعده العلامة الألباني – رحمه الله تعالى : "... وهذا اسناد صحيح موصول عندي، رجاله كلهم معروفون ثقات من رجال الصحيح وأشياخ جهينة من الصحابة فلا يضر الجهل باسمائهم كما هو ظاهر .

    وهذا الاسناد يبيّن أن قول ابن عكيم في رواية ابن أبي ليلى عنه "قرئ علينا" ، "كتب إلينا..." إنما يعني بذلك قومه من الصحابة فهم الذين جاءهم الكتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرئ عليهم ، ومن الجائز أن يكون ابن عكيم كان حاضرا حين قراءته فإنه أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يسمع منه كما قال البخاري وغيره، وهذا الذي استجزناه، جزم به الحافظ في"التقريب..."


    ([4]) وذكر الرافضة في السياق لكون غلاتها يرفضون السّنّة، وإعمالا للقرائن الناطقة بكون المسوّد رافضي كذاب – والمصيبة تجمع المصابين- فلما أظهر إنكار السُّنَّة وأبطن الرفض عومل بما أظهر لا بما أضمر .


    ([5]) قال شيخ الإسلام: وكذلك ابن عمر كان يتحرى أن يسير مواضع سيرالنبي صلى الله عليه وسلم, وينزل مواضع منزله ويتوضأ في السفر حيث رآه يتوضأ, ويصيبفضل مائه على شجرة صب عليها, ونحو ذلك مما استحبه طائفة من العلماء ورأوه مستحبا, ولم يستحب ذلك جمهور العلماء, كما لم يستحبه, ولم يفعله أكابر الصحابة كأبي بكروعمر وعثمان وعلي وابن مسعود ومعاذ بن جبل وغيرهم, لم يفعلوا مثل ما فعل ابن عمر. ولو رأوه مستحباً لفعلوه كما كانوا يتحرون متابعته والاقتداء به.
    وذلك لأن المتابعة أن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعل, فإذافعل فعلا على وجه العبادة شرع لنا أن نفعله على وجه العبادة, وإذا قصد تخصيص مكانأو زمان بالعبادة خصصناه بذلك. [ج1,صـ209]
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: الصنوان وأهل البهتان

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 11.04.10 22:34

    لطفا

    لتتمة البحث يرجى حفظه من المصدر المشار إليه عالياً

      الوقت/التاريخ الآن هو 26.11.24 21:27