خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    النص الشرعي الإسلامي بين أهل التقديس وأهل التدليس

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    النص الشرعي الإسلامي بين أهل التقديس وأهل التدليس Empty النص الشرعي الإسلامي بين أهل التقديس وأهل التدليس

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 13.11.08 8:41

    بسم الله الرحمن الرحيم

    النص الشرعي الإسلامي بين أهل التقديس وأهل التدليس



    التقديس :


    من القداسة ، وهي النقاء والصفاء والطهارة ، والتقديس : التنزيه والإجلال والتعظيم .


    والذين يقدسون النص القرآني ، والنص النبوي الثابت هم أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، وتلامذة الصحابة ، والتابعين لهم بإحسان .

    هم
    أهل السنة والجماعة ، أهل الحديث ، أهل التوحيد الخالص ، والتسليم الكامل .

    هم
    الذين لا يقدمون بين يدي الله ورسوله عقلاً ، ولا فكراً ، ولا وجداناً ، ولا واقعاً

    بل
    يحكمون النص القرآني ، والحديث النبوي في كل ذلك ، ويقدمونهما على كل ذلك .

    إن

    الذين يقدسون النص الشرعي ، يأخذونه على ظاهره اللفظي ، ومدلوله اللغوي ، لا يحرفونه بتأويل ، ولا يعطلونه بتهويل

    بل
    يقابلونه بالتعظيم ، ويعاملونه بالتسليم ..

    ذلك

    بأنهم يؤمنون بأن النصين القرآني والنبوي واضحا الدلالة ، بينا المعنى ، يبلغان في الفصاحة والبيان أعلى الدرجات ، ويفصحان في أجلى بيان عن مراد الله وحكمته ، ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم ورحمته ، وعن دين الإسلام ومنهجه .

    ولم يكونا أبداً للترميز والتلغيز ، وليسا أبداً مفتقرين للتأويل والتخمين .

    قال الله تعالى :

    ( الر . كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير . ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير ) .

    وقال تعالى :

    ( كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون . بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون ) .

    وقال تعالى :

    ( وإنه لتنزيل رب العالمين . نزل به الروح الأمين . على قلبك لتكون من المنذرين . بلسان عربي مبين ) .

    إن

    مقابلة النصوص الشرعية الإسلامية بتصديق ما جاءت به من الخبر ، والتسليم والإذعان لما جاءت به من الأمر والنهي والقدر ، لهي الحقيقة الإيمانية الخالصة التي لا يدرك قيمتها ولا يتذوق حلاوتها إلا من كان مؤمناًخالصاً ، صادق الإيمان ، حاضر اليقين

    على منهج السلف الصالح من أهل السنة والجماعة ، ومن تبعهم بإحسان ، واقتفى أثرهم بالإيمان .


    - 1 -


    أما من لا يملك هذه الحقيقة ، فإنه يعامل النص المقدس الموحى به من خالق الإنسان وموجده ، ومدبر الأكوان ، الذي أحاط علمه وقدرته وحكمته بجميع خلقه ، فلا يعجزه شيء ولا تخفى عليه خافية ، ولا يخرج عن حكمه وأمره مخلوق في الأرض ولا في السماء ، سبحانه وتعالى علواً كبيراً .

    من لا يملك هذه الحقيقة الإيمانية ، يعامل النصوص الربانية المقدسة ، وكأنها قطعة إنشائية ، أو قصيدة شعرية ، أو قصة أدبية أو مسرحية ، ويناقشها على قدر فهمه المادي ، وإدراكه البشري أو قل الحيواني .
    ففهمه قاصر عن إدراك الحقيقة الإيمانية ، وعقله هائم في منتوج التراب الأرضي ، ووجدانه فارغ من روعة الإيمان ودهشته ، ونورانيته وبهجته ، وحلاوته ولذته .

    إن


    من يحاول تفسير النصوص الشرعية ، بالمناقشات العقلانية المناطقية

    أو

    الحوارات الفكرية الفلسفية

    أو

    الخلجات الوجدانية الذوقية

    أو

    التطبيقات الواقعية المادية

    أو

    يدعى أنه يقرأ النص الشرعي قراءة جديدة عصرانية .

    كل

    أولئك إنما يدورون حول أنفسهم ، ويجترون أفكار ومقالات من حولهم ، كحمار الرحى أو كرحى الحمار ، لا يخرج من دائرته ، ولا يعي سبب دورانه .

    وقد شبه القرآن الكريم من كانت هذه حاله بقوله تعالى : ( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين ) .

    فهؤلاء تناولوا التوراة بالتأويل المعنوي والتحريف اللفظي ، لأنهم لم يسلموا للنص المقدس بالتصديق والإذعان ، بل أولوه وحرفوه بما يناسب أهواءهم ، ويحقق رغباتهم وشهواتهم .


    وهذا هو سرّ الالتواء في جميع المناهج والمذاهب التي تصطدم بالنصوص الشرعية ، ولا تسلم لها .

    فيبدأ أصحابها في الالتفاف على النص ، والانحراف عن الطريق ، بالتأويل والتحريف ، وإخراج النصوص عن مدلولاتها الظاهرة ، وقطعها عن سياقها ، وتحميلها ما ليس من معناها ولا مرادها .

    قال الله تعالى محذراً من ذلك : ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) .


    وقال في بني إسرائيل : ( وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ) ،


    إذن هم عقلوه وعلموه وفهموه ، فليس تأويلهم وتحريفهم عن جهل ، وبدون قصد ، بل بقصد تغيير النص وتبديله ، لعدم رغبتهم في التسليم له والإذعان لحكمه ، أو كما هو التعبير القرآني ، عدم الرغبة في حمله .

    ( حملوا التوراة ثم لم يحملوها )


    وقد كشف الله أمرهم وسوء مقصدهم وصنيعهم في قوله تعالى : ( من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وأطعنا واسمع غير مسمع وراعنا لياً بألسنتهم وطعناً في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع و انظرنا لكان خيراً لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً ).


    - 2 -


    ومن هذه العقدة الإبليسية (نسبة إلى إبليس ) ، وهي ( عدم التسليم لأمر الله وحكمه ) خرجت جميع المذاهب والاتجاهات المنحرفة ، وقوبلت النصوص المقدسة بألوان من التأويل والتحريف إما بقياسات عقلية ، أو بخطرات وجدانية ، أو بفلسفات إلحادية ، أو بركون إلى الدنيا وإخلاد إلى واقع الناس .

    فكانت هذه الاتجاهات جميعاً تبعاً لإبليس في نزغة التمرد على الأمر الإلهي وعدم التسليم له ، ومقابلة الأمر الإلهي بالمناقشات والمجادلات والأهواء لا بالطاعة والإذعان .

    قال الله تعالى :
    ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين . قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) .

    وسر هذه العقدة الإبليسية المتوارثة في ثلاثة أمور :


    1- الكبر .


    2- الحسد .


    3- عدم الثقة في الحكمة الإلهية التي تدل عليها ظواهر النصوص ، سواء كانت أمراً أو نهياً أو خبراً .

    وسنورد الأمثلة على ذلك فيما سيأتي إن شاء الله .


    التدليس


    من الدلس ، وهو الظلمة ، والتدليس : التعمية والتضليل ، وإغشاء نور الحق بسواد ظلمة الباطل .

    والمدلسون هم أهل الأهواء والضلالات ، الذين أشربت قلوبهم الأهواء ، فابتدعوا لها في الدين من أنواع الضلالات والبدع ، ما يبقى على هذه الأهواء ويغري بها الأتباع الذين لا بصيرة لهم ، وإنما يساقون في طريق البدعة ، وسبل الضلالة ، وراء المدلسين المبتدعين ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً .


    وأول ما ظهر من الأهواء قول الخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقد كانوا في جيشه وتحت أمرته ، وأنكروا التحكيم ، وكفّروا الصحابة وعامة المسلمين ، وقالوا بكفر مرتكب الكبيرة ، وقاتلوا على ذلك . فكان من تلبيسهم وتدليسهم ، أن قالوا إن علياً حكّم الرجال في دين الله ، واستشهدوا بقول الله تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) .
    وأخذوا قول الله تعالى : ( فقاتلوا التي تبغي حتى تفييء إلى أمر الله ) ، وأعرضوا عن أول هذه الآية وهي ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ) .
    وهكذا تقابل النصوص من أهل الأهواء بالإعراض عن بعضها ، والتأويل الباطل لبعضها ، تحكّماً في النصوص ، وتطويعاً لمدلولاتها على ما يوافق أهواءهم ومراداتهم .



    عدل سابقا من قبل الشيخ إبراهيم حسونة في 13.11.08 9:04 عدل 3 مرات
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    النص الشرعي الإسلامي بين أهل التقديس وأهل التدليس Empty رد: النص الشرعي الإسلامي بين أهل التقديس وأهل التدليس

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 13.11.08 8:57


    - 3 -

    وهكذا تبدأ سلسلة التدليس والتحكّم في نصوص الكتاب والسنة من أهل الأهواء ، الذين يستنكفون أن يسلّموا أو يذعنوا ، للمعاني الظاهرة البينة ، والمقاصد المحكمة الجلية ، في الكتاب والسنة
    فتظهر الشيعة ببدعتها في القول بالوصية لعلي رضي الله عنه بالخلافة ، وسب الصحابة رضي الله عنهم ، والقول بالرجعة والغيبة وتأليه الأئمة ، ورفض السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ووضع الأحاديث ونسبتها سنداً إلى آل البيت ، وتأويل القرآن الكريم بتأويلات باطلة باطنية ، خارجة عن مدلولات النص القرآني الظاهرة
    فقالوا في قوله تعالى : ( مرج البحرين يلتقيان . بينهما برزخ لا يبغيان ) أي : علي وفاطمة ، ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) : الحسن والحسين .
    وقوله تعالى : ( وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) قالوا : عائشة .

    ثم يمضي المتمردون على النصوص في خدمة أهوائهم وانحرافاتهم بتأويلها وتحريفها عن مراد الله تعالى ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم فيها .
    فتنبغ القدرية الذين قالوا : إن الأمر أنف ، أي لا دخل لمشيئة الله وإرادته فيه .
    ثم
    تلاهم الجبرية ، فقالوا : إن العبد ليس له مشيئة .
    ثم
    جاءت المرجئة فقالوا : إن الإيمان مجرد التصديق ، وليس لأعمال العبد أثر في إيمانه .

    ثم
    ظهر من تكلّم في صفات الله تعالى فأنكرها وعطلها وهم الجهمية
    ثم
    جاء من أقر بالأسماء وعطل الصفات وهم المعتزلة
    ثم
    ظهرمن أقر بالأسماء وبعض الصفات وهم الكلابية ثم الأشاعرة والماتريدية .

    وقل عن الصوفية وتأويلاتهم وتفسيرهم الإشاري لكتاب الله ما تقوله عن سائر المبتدعة وأهل الأهواء من زيغ وانحراف .


    وهكذا
    يسير ركب المتمردين على النصوص في مناهج التأويل والتحريف والتعطيل ، انتصاراً لأقوالهم ، واتباعاً لأهوائهم ، حتى يومنا هذا .
    ومن المناهج المعاصرة :

    1- منهج التيسير في الأحكام ( أو مسايرة الواقع ) : وهؤلاء ينظرون إلى حال الناس وما صلوا إليه في زماننا هذا من إقبال على الدنيا ، وانجذاب إلى الشهوات ، وبعدٍ عن الالتزام بأحكام الدين ، وسنة النبي الأمين صلى الله عليه وسلم . فبدلاً من أن يجتهدوا في الترغيب والترهيب ، ودعوة الناس إلى الإذعان والتسليم لأحكام رب العالمين وسنة سيد المرسلين .


    جنحوا إلى موادعة الفساق ، وأصغوا إلى أقوال المنافقين من العلمانيين وأهل الفساد ، ثم التفتوا إلى النصوص الشرعية المحكمة ، فأخذوا بعضاً وأعرضوا عن بعض ، وأولوا بعضاً ، وتحايلوا على بعض .
    وادعوا أن ذلك كله دعوة إلى الله .
    وتأليفاً لقلوب العباد .
    وأن دواعي العصر تبيح للناس ما هم فيه من بعد عن الدين وانغماس في الشهوات .
    وأنهم إذا لم ييسروا الدين على المسلمين حتى لا يتعارض شيء منه مع أهوائهم وشهواتهم ، فإن الناس لن يقبلوا عليه ، ولن يتمسكوا به .
    - 4 -


    وعلى هذا فإن استعصى حال الناس على هؤلاء الدعاة ، فلن تستعصي عليهم النصوص الشرعية ، وهم يملكون أدوات تمزيقها وتأويلها وتحريفها ، فيصبحون بذلك ميسرين لا معسرين ، فتجتمع قلوب أهل الأهواء ، وأرباب الشهوات ، وأصحاب المناهج المنحرفة ، وجمهور المبتدعة عليهم ، وهذه غاية الدعوة عندهم ، وأعظم دليل على نجاحها وصلاحها وصحة منهجها .

    من هذا المنطلق المنحرف انبرى علماء الفتوى الإعلاميون ، يصوغون الفتاوى على حسب حال الناس ، ويفصلونها كلاً على مقاسه وذوقه ، وينشرونها على صفحات الجرائد ، وتحت وهج الكاميرات ، في مختلف القنوات .
    كل شيء جائز إن شاء الله ، ومعظم الفواحش والمنكرات لا تخرج عن دائرة الكراهة التي لا يعاقب فاعلها .
    والمتشددون هداهم الله .
    هم الذين يحرجون على الناس ، ويصرون على العمل بالنصوص على ظاهرها .

    فليس لهم فقه بالنصوص ، ولا رحمة بالعباد الذين يريدون أن يتمتعوا في هذه الدنيا ، ويتقلبوا في ملذاتها وشهواتها ، فهم يؤذونهم ويزعجونهم بالتحريم والمنع ، أو بالتكليف والأمر .
    ونحن في عصر غير عصر الصحابة ، ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم – كما يقول بعض أفّاكيهم – في عصرنا الحاضر لغيّر كثيراً من النصوص ، وبدل كثيراً من الأحكام .

    2- منهج العصرنة والتنوير أو الحداثة أو ( إعادة قراءة النص ) :


    أصحاب هذا المنهج لم يكونوا يوماً من الأيام دعاة إلى الله ، ولا ملتزمين بشرعه ، فبعضهم من بقايا الشيوعية الروسية التي كان يمثلها الاتحاد السيوفيتي الذي تهدم أمام صولة المجاهدين في أفغانستان ، وبعضهم من عملاء الليبرالية الغربية ، والماسونية اليهودية ، الذين لا يخفون خدمتهم لها ، افتتانهم بفلسفتها .


    إنهم فرقة من العملاء لأعداء الإسلام ، مكلفون بهدمه ، وتقويض أركانه ، وتخريب شعائره وإزالة بنيانه ولكن من الداخل .
    هم من أبناء جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا ، دعاة على أبواب جهنم ، يقودون من اتبعهم إليها ، كما صحت بذلك نبوءة المصطفى صلى الله عليه وسلم فيهم وفي أشباههم .

    لهم سلف من الفلاسفة الملحدين منذ القرن الرابع الهجري ، من أمثال ابن سينا والفارالي و ( إخوان الصفا ) وهم مجموعة إلحادية بثوا في رسائلهم الفلسفية ألواناً من الإلحاد ، والدعوة إلى تفسير النصوص الشرعية بما يتلاءم والفلسفات الإلحادية اليونانية ، عند إفلاطون و ارسطو ، والسفسطات والمجادلات عند سقراط وغيره .


    فاستنكفوا أن يذعنوا لأحكام الله ورسوله ، وأن يدينوا لعقيدة الإسلام وشريعته ، وافتتنوا بالفلسفات اليونانية ، فشنوا غارتهم على النصوص والأحكام الشرعية ، وسخروا من الالتزام بها والوقوف هند حدودها .
    بدأوا يفسرونها بفلسفاتهم ، ويشككون في الألوهية ، وينكرون البعث والنشور ، ويدعون إلى فهم نصوص القرآن والسنة بمقتضى نظرياتهم الفلسفية ، ومعتقداتهم الباطنية .
    - 5 -


    ولكنهم بحمد الله كبتوا في تلك الأزمنة كما كبت الذين من قبلهم ، فلم يلتفت إليهم من أهل الإسلام أحد يذكر ، ولم تقم لدعوتهم في المسلمين قائمة ، ولله الفضل والمنة .

    ثم خلف من بعدهم – في عصرنا الحاضر – من هم على شاكلتهم في الزندقة والإلحاد ، إلا أنهم فاقوهم في الذلة والهوان ، فهؤلاء مع خيانتهم لدينهم ، يعملون على تعبيد أمتهم لعدوهم ، ونشر ألوان الفساد في مجتمعاتهم ، وليسوا بعلماء ولا حكماء بل تلامذة بلهاء ، ينقلون عن أساتذتهم الغربيين نقل الببغاء ، وينفذون مخططاتهم تنفيذ العبيد البلداء .
    يمكنون للاستعمار الغربي في بلادهم ، ويدعونهم لامتصاص ثرواتهم ، ويفرحون بسيطرتهم وتسلطهم على أقوامهم . ومع ذلك فهم يدعون التنوير والتحرير ، والتقدم والتطوير ، وهم ليسوا والله منها في قليل ولا كثير .

    جعلوا همهم مخاصمة النصوص الشرعية ، وقضيتهم التمرد على سلطانها ، ودعواهم التنوير والتحرير والعصرانية والحداثة ، وهم في ظلمات بعضها فوق بعض ، إذا أخرج أحدهم يده لم يكد يراها ( ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ) .


    ينعتون المؤمنين بأنهم ظلاميون ، وكذبوا وصدق الله إذ يقول في المؤمنين وفي هؤلاء وأشباههم : ( أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون )
    فالمؤمنون على نور من ربهم يمشون به في الناس يهدون به ويدعون إليه ، وخصماؤهم من الكافرين والمنافقين وأتباعهم في ظلمات الكفر والنفاق لا يخرجون منها ، حيث ( ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون . صم بكم عمي فهم لا يرجعون ) .

    ينادون بإعادة قراءة النص
    فالمسلمون منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا لهم قراءة علموا بها القرآن والسنة وعملوا بهما ، وأناروا بهما الدنيا ، وفتحوا بهما الفتوح ، وأظهروا بهما العدل في الناس ، وأقاموا بهما دولة الإسلام العظمى التي خفقت بنودها من أقصى الشرق إلى أقصى المغرب .
    وهؤلاء الصم البكم العمي لهم قراءة ، تناسب حالهم وعاهاتهم الفكرية المستديمة ، وعمالتهم الثقافية المتجددة ، ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون . وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ) .

    لما علموا أن الله قد تكفل بحفظ القرآن العظيم ، وأن المسلمين من شرق الأرض إلى غربها قد اعتنوا بتلاوته في السطور ، وبحفظه في الصدور ، وعرفوا أنه لا سبيل لهم إلى تحريف لفظه وتبديل عبارته ، نادوا بإعادة تأويله وتفسيره بحسب ما تمليه عليهم أهواؤهم ، وما يتفق مع الفلسفات الوجودية الإلحادية ، والمخططات الاستعمارية المادية والثقافية ، وتعليمات المحافل الماسونية ، ومخططات تقويض أركان الدين الإسلامي والثقافة الإسلامية .


    - 6 -


    وعللوا ذلك بتطور العلم ، والحاجة إلى تجديد قراءة النص بحسب المكتشفات الحديثة ، وتغير أوجه الحياة المعاصرة عن ذي قبل .

    وادعوا تاريخية النص ، بمعنى أن نصوص القرآن والسنة كانت موجهة للناس في فترة تاريخية معينة
    أما في هذه الفترة التاريخية المعاصرة فإنها لم تعد ذات قيمة ، ولا تناسب الحياة المعاصرة .

    ولنسأل هؤلاء ... الجدد :
    لماذا
    لا يصلح أن تؤمنوا بالله وملائكته ورسله وكتبه وقدره واليوم الآخر في هذا العصر ؟

    لماذا

    لا يصلح أن تصلوا وتصوموا وتزكوا أموالكم وتحجوا إلى البيت العتيق في هذا العصر ؟

    لماذا

    لا يصلح أن تحترموا الأحكام وتقفوا عند الحدود الإلهية في هذا العصر ؟

    لماذا ؟


    ما المانع ؟

    وكل
    مكتشفات العصر ومخترعاته وعلومه ومختبراته شواهد على وجود الخالق سبحانه ، ووحدانيته ، وحكمته ، وإحاطته .

    وكل
    المؤمنين بدين الإسلام يؤمنون بعقيدته ، ويعملون بشريعته ، ويعتزون بالانتساب إليه ، وينعمون بالحياة الإسلامية الطاهرة النقية ، وبما فيها من عدل وإحسان .

    وأمن وإيمان ، ومحبة ورحمة . وما فيها من نور وبصيرة بالحياة والموت وبما بعد الموت ، ومعرفة بالخالق وقدرته وحكمته ورحمته . والمخلوق وحاجته وسبب خلقه ومنتهى مصيره .


    وماذا

    صنعت النظريات الإلحادية بالإنسان في هذا العصر ، وهو يعاني من القهر والفقر ، والضياع والانحراف ، والكآبة النفسية ، والتشرد ، والظلم ، وويلات الحروب ، وتفاقم الطغيان ؟


    ماذا

    صنعت النظريات الإلحادية وأصحابها ومعتنقوها هم الذين ملأوا الحياة المعاصرة بالظلم والعدوان ، ونشروا فيها الفساد ، وقهروا فيها الشعوب والأفراد ؟

    ألا يستحي هؤلاء

    من هذه العمالة الخسيسة ؟

    وهم أبناء أمة عظيمة ، ودين عزيز كريم ؟


    ألا يرون من يدينون لهم بالولاء من الغرب أو الشرق كيف يسعون في بناء أمجادهم ؟

    وتعظيم أممهم ؟

    وتفوق أجيالهم ؟

    وهؤلاء يخدمون أهدافهم ، ويذلون لسلطانهم ، ويدينون بأفكارهم .

    فما أهونهم عليهم ؟

    وما أحقر شأنهم لديهم ؟

    قال الله تعالى :
    ( بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً . الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً ) .


    وكتبه :
    أبـــــو حامـــــد


    والنقل
    لطفــــــــاً .. من هنــــــــا

      الوقت/التاريخ الآن هو 15.11.24 0:58