اعتراض زوجة على أحكام شرعية كثيرة تتعلق بالحياة الزوجية!
السؤال : أتمنى أن تردوا على هذه المرأة ، حيث إن لديها كثيراً من الشبهات صادفتها في أحد المنتديات ، وجزاكم الله خيراً . تقول هذه المرأة : كثيرة هي الأحاديث التي تقدِّس الزوج ، وحقوقه ، أذكر بما مـعناهـا : 1- تلعن الملائكةُ المرأةَ التي يدعوها زوجها للفراش ، وترفض حتى تصبح . 2- لو أُمر أحد بالسجود لغير الله لأُمرت المرأة بالسجود لزوجها - ترى أيّاً كان هذا الزوج ؛ قائماً على عشرتها بالمعروف أم على مزاجه !! - . 3- المرأة التي تصلِّي خمسها ، وتحفظ فرجها ، وتطيع زوجها تدخل الجنة . 4- المرأة إذا ماتت وزوجها عنها راضٍ تدخل الجنة . 5- للرجل أن ينكح ما طاب له من النساء مثنى وثلاث ورباع ؛ لأن ذلك أفضل من الزنا ، لكن ماذا عن المرأة التي يهجرها زوجها ؟! تطالب بالخلع وتدفع له المال ، ثم تتحمل ما بعد ذلك من المعاناة ! . 6- لم يسمح رجل لزوجته بالخروج من المنزل ، وسافر ، ومرض والدها ، فاستأذنت الرسول عليه السلام ، فقال لها : أطيعي زوجك ، فمات والدها ، ولم تره ! . 7- تربي المرأة الطفل في حالة الطلاق ، وتسهر وتتعب في أصعب المراحل ، ثم يأتي الأب ليأخذه وقد أصبح الطفل قادراً على إطعام نفسه ، وتنظيف نفسه ! . 8- حتى في العلاقة الحميمة يمكن للرجل أن يستمتع بقذفه ، لكن لن تستمتع المرأة ما لم يمتعها زوجها ويداعبها ، ماذا تفعل من همُّ زوجها إشباع نفسه فقط ؟!!! . صححوا لي إن كنت أخطأت في هذه الأحاديث التي لا أحفظ نصها . ولكن ماذا عن المرأة وحقوقها ؟ يقال لها الجئي للقضاء لنيل حقوقك ، ونحن في مجتمع ذكوري يقف مع الرجل حتى وإن أخطأ وظلم ، يطالب المرأة بالصبر والتنازل عن بعض حقوقها حتى ترضي زوجها لتستمر الحياة ، لأن ما ينتظرها بعد الطلاق أقسى وأصعب ؛ من نظرة المجتمع ، وحضانة أطفالها ، وحقها في الزواج ثانية ، تتعرض المرأة لقسوة شديدة في بعض المجتمعات . أنا أعاني معاناة واقعية ؛ هجرني زوجي بعد شهرين من الزواج بسبب مناسبة لإحدى قريباته لم أحضرها ، لأني غضبت منه حين أهملني يومين في بيت أهلي ، ليتركني 3 أشهر كعقاب لي وأنا حامل في شهري الأول حينها , هو الآن مسافر في إحدى الدول يقضي إجازته وقد تركني معلقة ، أعاني متاعب الحمل ، أذهب للمستشفيات وحدي ، عانيت من بخله العاطفي والمادي ، وتركني في دوامة ، هل أطلب الطلاق ؟ ، ماذا سيحدث للطفل ؟ ، هل سيأخذه أم أتركه له ؟ ، هل أتصل وأتوسل إليه أن يسامحني على ذنب لم أفعله ؟! ، ليس له رصيد من المعاملة الحسنة ، عاملني بجفاء منذ الليلة الأولى ، لا أعلم ما السبب ! ، لكن والدته تؤثر عليه كثيراً ، وقاعدتها في التعامل " لا تعطي أحداً وجهاً يتعود عليك ويطالبك بما لا تريد " ، ماذا أفعل ؟ ، هل هناك جانب في الدين ساوى بين الرجل والمرأة لا أعرفه ؟ وضحوا لي .
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
من الواضح أن هذه المرأة الكاتبة لذلك المقال – إن صح أنها امرأة ، وكاتبة له ، ومسلمة أصلاً – عانت من ظرفٍ نفسيٍّ بسبب سوء معاملة زوجها لها ، لكنها لم تحسن التصرف معه ، ولم تحسن القول في الشكوى ، فتعدى الأمر من شكوى زوجها إلى شكوى دينها ! ولا ندري أي نظم وقوانين وأديان رأت أنها تعطي المرأة ما يعطيه الإسلام ! وعلى كل حال : فهذا الكلام المكرر كثيراً أصبح واضحاً بطلانه عند عقلاء الناس ، وبالأخص العاقلات من المسلمات ، فالمرأة تعرف أنها ملكة في بيتها ، وأنها درة مصونة ، وقد أمر الله تعالى زوجها بإحسان عشرتها ، والنفقة عليها ، لا لأنها مُلك له ، ولا لأنها سِلعة تباع وتشترى ، بل لأنها شريكته في إنشاء البيت المسلم ؛ ولأنها تقوم بأعمالٍ جبَّارة في بيتها ، فهي تربي ولدها ، وتصون بيتها ، وتحفظ مال زوجها ، وفي الوقت نفسه ، تعفه ، وتمنعه من النظر المحرم ، والفاحشة المحرَّمة ، ولذا جاءت الوصية في كتاب الله تعالى بالنساء ، وجاءت السنَّة بذلك أيضاً ، والوصية بهنَّ هي آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأمته .
ثانياً :
من نسب الظلم لشرع الله تعالى ، أو ظن أن ذلك في الشرع : أمراً به ، أو إقراراً وقبولاً له : فقد كفر كفراً أكبر ، خرج به من ملة الإسلام ؛ لأن نسبة ذلك للشرع يعني نسبته لمُشَرّعه ، وعلى المسلم الذي يريد النجاة في الآخرة أن يحفظ لسانه عن القول بغير علم ، وأن يحذر من كلمة توبق دنياه وآخرته ، ومن رضي غير الإسلام ديناً له فليرحل غير مأسوفٍ عليه ، ولينظر حوله ماذا يفعل الكفار بنسائهم ، ها هم النصارى أمامه ، وها هم اليهود حوله ، وها هم الهندوس ، والبوذيون ملئوا آسيا ، فلتختر المرأة ديناً لها يكرم أهله المرأة أحسن من إكرام الإسلام لها ، ولتكف لسانها عن الشرع ومشرِّعه .
وينظر جواب السؤال رقم : (21010) ليعلم تكريم الإسلام للمرأة ، وإهانة الجاهلية لها .
ومثله : جواب السؤال رقم : (70042) .
ونحن لا ننكر أنه ثمة أخطاء وجرائم تحدث من الزوج المسلم ، لكننا ننبه هنا على أمرين :
1- لا تنسبوا أخطاء أزواجكم لشرع الله المطهَّر ، فالزوج الظالم متوعد بالعقوبة من رب العالمين ، والظلم والبغي لم يبحهما رب العزة للزوج تجاه زوجته ، وقد أمره ربه تعالى بحسن العشرة لزوجته ، فإن لم توافقه ، ولم ير مجالاً لاستمرار العيش بينهما فقد أمره بتسريحها بإحسان ، وأن يعطيها كافة حقوقها .
2- لا تنس المرأة المسلمة أنه يحدث من الزوجات تقصير شديد في حق الزوج ، فهذه مهملة في بيتها ، وتلك مقصرة في حق زوجها ، والثالثة عنيدة ، والرابعة تَحكُمُها أمُها ، والخامسة تريد زوجها خادماً سائقاً لا زوجاً مسئولاً عن البيت والأولاد ، وكم من بيت زوجية دمَّرته الزوجة بسوء خلقها ، وبقبح عشرتها لزوجها ، فهي لا تراعي ظرفاً ماديّاً صعباً يعيشه ، ولا يهمها ما تعانيه الأمم من غلاء معيشة ، ولا يقلقها كثرة ساعات عمل زوجها حتى يحصل لقمة العيش الصعبة ، ومع هذا كله فهي تريد الشراء من الأسواق لكماليات تافهة ، وهي تريد السفر والسياحة ، وهي تخون زوجها بمراسلات ومحادثات مع أجانب في الجوال والإنترنت ، وغير ذلك مما يصلنا أخباره ، ونعرف أحواله ، ومع هذا فإننا ننسب الأخطاء لفاعلها ، لا لشرع الله تعالى المطهَّر الذي جاء بالفضائل ، وحلَّى أتباعه بالقلائد الحسان من السلوك الرائق .
ثالثاً :
ما ذكرته الكاتبة في مقالها : يدل على جهلها ، وجهل من استدل بتلك الأحاديث على ما رأى أنه ظلم للمرأة ، وقدسية للزوج ! فالأحاديث المذكورة : منها ما هو ضعيف ، ومنها ما هو ضعيف جدّاً ! ، ومنها ما هو صحيح .
1) حديث : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتْ الْجَنَّةَ ) رواه الترمذي ( 1161 ) وابن ماجه ( 1854 ) من حديث أم سلمة رضي الله عنها .
وهو حديث ضعيف ، لا يصح .
أ. قال الإمام الذهبي : مساور الحميرى عن أمه ، عن أم سلمة : فيه جهالة ، والخبر منكر .
" ميزان الاعتدال " ( 4 / 95 ) .
ب. وقال ابن الجوزي : مساور مجهول ، وأمه مجهولة .
" العلل المتناهية " ( 2 / 630 ) .
ج. وقال الألباني : منكر .
" السلسلة الضعيفة " ( 1426 ) .
2) حديث أَنَس رضي الله عنه : أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ فَمَرِضَ أَبُوهَا ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ الله ، إِنَّ أَبِي مَرِيضٌ ، وَزَوْجِي يَأْبَى أَنْ يَأْذَنَ لِي أَنْ أُمَرِّضَهُ ؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : ( أَطِيعِي زَوْجَكِ ) فَمَاتَ أَبُوهَا ، فَاسْتَأْذَنَتْ زَوْجَهَا أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهَ ، فَأَبَى زَوْجُهَا أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الصَّلاَةِ ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ، فَقَالَ : ( أَطِيعِي زَوْجَكِ ) فَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا ، فَلَمْ تُصَلِّ عَلَى أَبِيهَا ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : ( قَدْ غَفَرَ الله لأَبِيكِ ، بِطَوَاعِيَّتِكِ زَوْجَكِ ) .
رواه الطبراني في " الأوسط " ( 7 / 332 ) .
وهو حديث ضعيف جدّاً ، أو موضوع ! .
قال الشيخ الألباني – رحمه الله - :
أخرجه الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 169 / 2 ) من طريق عصمة بن المتوكل نا زافر عن سليمان عن ثابت البناني عن أنس بن مالك به ، وقال : " لم يروه عن زافر إلا عصمة " .
قلت : وهو ضعيف ، قال العقيلى في " الضعفاء " ( ص 325 ) : " قليل الضبط للحديث ، يهم وهماً ، وقال أبو عبد الله – يعني : البخاري - : " لا أعرفه " .
ثم ساق له حديثاً مما أخطا في متنه .
وقال الذهبي : " هذا كذب على شعبة " .
وشيخه " زافر " - وهو ابن سليمان القهستاني - : ضعيف أيضا ، قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق ، كثير الأوهام " .
وقال الهيثمي في " المجمع " ( 4 / 313 ) : " رواه الطبراني في " الأوسط " ، وفيه عصمة بن المتوكل ، وهو ضعيف .
" إرواء الغليل " ( 7 / 76 ، 77 ) .
فها قد سقط من قائمتها حديثان ، فلنر باقي أحاديثها وشبهاتها ؛ لنعلم حقيقة ما تستدل به من السنَّة ، وتنسبه لدين الله تعالى .
رابعاً :
قولها :
" تلعن الملائكة المرأة التي يدعوها زوجها للفراش ، وترفض حتى تصبح " .
نعم ، هو كذلك .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ تَأْتِهِ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ ) .
رواه البخاري ( 3065 ) ومسلم ( 1736 )
ولا يمكن للملائكة إلا أن تفعل ما أمرها الله تعالى به ، وهي لا تفعل محرَّماً ، ولا تأتي منكراً ، والمرأة التي يدعوها زوجها للفراش فتأبى تستحق اللعنة ؛ لأنها خالفت أمر ربها ، وأمر زوجها ، والزوج هو أعظم من له حق على المرأة بعد حق ربها عز وجل ، ورسوله صلى الله عليه وسلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
وليس على المرأة بعد حق الله ورسوله أوجب من حق الزوج , حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : (
لو كنت آمرا لأحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها ) .
" مجموع الفتاوى " ( 32 / 275 ) .
وهذا الذي قلناه مما هو في شرع الله ليس على إطلاقه ، بل للمرأة أن ترفض الجماع في حال أن تكون مريضة مرضاً يشق عليها معه الجماع ، أو أن تكون حائضاً ، أو نفساء ، أو تكون صائمة صيام فرض ، ومع هذا فليس لها أن تمنع زوجها من الاستمتاع ، لكن دون الولوج ؛ لحرمة ذلك في حال الحيض والنفاس ، وأما ما عدا كونها معذورة : فليس لها منعه حقَّه في الجماع ، وهي وإن لم تكن راغبة بالجماع : فإنها تستطيع تلبية حاجته ، وتمكينه من قضاء شهوته ، فهي كالأرض التي لا تمتنع من إلقاء أحد بذره فيها ، وهو تشبيه رب العالمين حين قال : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) البقرة/ من الآية 223 .
ويختلف الأمر لو أنها هي كانت الداعية له ؛ لأنها لا يمكنها قضاء شهوتها مع عدم شهوته ، وهو أمر لا يخفى ، ولا يحتاج لتفصيل ، لكنه لا يحل له ترك ذلك بقصد الإضرار بها .
وينظر زيادة تفصيل لهذه المسائل في أجوبة الأسئلة : (33597) و (9602) و (5971) .
خامساً :
قولها : " لو أُمر أحد بالسجود لغير الله لأُمرت المرأة بالسجود لزوجها - ترى أيّاً كان هذا الزوج ؛ قائماً على عشرتها بالمعروف أم على مزاجه !! – " .
عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قال : قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنَ الْحَقِّ ) .
رواه أبو داود ( 2140 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وليس هذا سجود التعظيم ؛ فإن ذاك لا يكون إلا لله تعالى ، والمقصود به : سجود التحية عند اللقاء والمواجهة ، ولكن لما في هذا من تشبه بما يفعله الأعاجم مع ملوكهم : لم يشرعه لنا ربنا تعالى ، وهذا الحديث دلَّ على عظيم حق الزوج على زوجته ، كما في آخره بنص كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس يعني سلب المرأة حقوقها ، ولا نزع واجبات الزوج تجاه زوجته ، وكل النساء العاقلات يعلمن ما في الزواج نفسه من نعمة عظيمة ، ويعلمن أثر وجود الزوج في حياتها ، وما قبول المرأة أن تكون زوجة ثانية أو ثالثة ، بل رابعة ! إلا لما تعلمه من حسنات الزوج ، وأهميته في حياتها ، ومن هنا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعظيم حق الزوج حتى تؤدي ما عليها من واجبات ، وهو بالمقابل لا يحل له التفريط فيما أوجب الله تعالى تجاهها ، ومن ضلَّ فإنما يضل على نفسه ، فلتؤد هي ما أمرها الله به ، ولتطلب منه ما أوجب الله عليه .
وينظر جواب السؤال رقم : (43252) ففيه السبب في تفضيل الزوج ، وجعل القوامة بيده .
وجواب السؤال رقم : (43123) ففيه بيان أن طاعة الزوج مقدمة على طاعة الوالدين والإخوة .
وفي جواب السؤال رقم : (10680) تفصيل واف في بيان حقوق الزوج وحقوق الزوجة .
سادساً :
قولها:
" للرجل أن ينكح ما طاب له من النساء مثنى وثلاث ورباع ؛ لأن ذلك أفضل من الزنا ، لكن ماذا عن المرأة التي يهجرها زوجها ؟! تطالب بالخلع وتدفع له المال ، ثم تتحمل ما بعد ذلك من المعاناة ! ".
وهل تريد هذه القائلة أن تنكح مثل الرجل في آن واحد مثنى وثلاث ورباع من الأزواج ؟!! وهل هذا إلا انتكاس في الفطرة ، وخبل في العقل ؟! إن أهل الفسق والفجور ، لا يقبل أحد لزوجته – بل ولا لعشيقته – أن تكون له ولغيره يشترك فيها الرجال ، وكم من حوادث قتل حصلت في مثل هذه الأحوال ، لا عند المسلمين ، بل عند الكفار ، بل حتى الحيوانات لا تقبل مثل هذا الأمر ! فقليلاً من العقل ، يا هذه ! .
و " الخلع " الذي شرعه الله تعالى : غاية في الحكمة ، فالمرأة قد يعرض لها بسببها ، أو بسبب زوجها ما لا تستطيع العيش معه ، وهو لا ذنب له فيما حصل عندها من تغير في حالها ، وهو قد دفع مهراً لها ، فمن حقه أن يستردَّ مهره – إن طلبه منها – وهي لا ترغب بالبقاء معه ، ومن العلماء من أوجب عليه قبول تطليقها ، ومنهم من استحب له ذلك ، ولا يحل لها طلب الخلع من غير بأسٍ شرعي ، وإلا تعرضت للوعيد الشديد .
وفي بعض الحالات : يُجبر الزوج من قبَل القاضي الشرعي على التطليق ، كأن يكون مسيئاً لها بضرب أو شتم ، ويستمر على ذلك ، ولا يريد إصلاح حاله ، وغير ذلك من الحالات ، كما أن القاضي يملك أن يطلِّقها في حال رفض الزوج ذلك ، أو في حال غيابه ، وتضررها من ذلك ، ولها بعد ذلك كامل حقوقها .
وينظر في تفصيل الحالات وأحكامها : أجوبة الأسئلة : (34579) و (5288) و (9021) و (12179) .
ولا يحل للزوج أن يضيق على زوجته كي يضطرها إلى التنازل عن حقوقها ، أو شيء منها ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (42532) .
وتنظر أحكام الخلع في أجوبة الأسئلة : (1859) و (26247) و (34579) .
سابعاً :
" تربي المرأة الطفل في حالة الطلاق ، وتسهر وتتعب في أصعب المراحل ، ثم يأتي الأب ليأخذه وقد أصبح الطفل قادراً على إطعام نفسه ، وتنظيف نفسه ! " .
هذا غير صحيح على إطلاقه :
أ. حضانة الأم لولدها الرضيع والصغير من محاسن دين الإسلام ؛ لأن الطفل في هذه السن يحتاج لما عند الأم من رحمة وحنان ! فهل صار في هذا الحكم ما يعاب به الإسلام ؟! ثم إن الأمر ليس على إطلاقه ، بل هو كذلك حتى تنكح زوجاً آخر ، فإن نكحت زوجاً غير والد الطفل : انتقلت حضانته إلى غيرها ، على تفصيلات في كتب أهل العلم .
ب. ثم إن الأب لا يأخذ ولده عندما يكون قادراً على تنظيف نفسه ، وعلى إطعام نفسه ، بل يُخيَّر الطفل الذكر بين أبويه عندما يصل سن التمييز ، دون الأنثى ؛ فإن والدها أحق بها ؛ لما تحتاجه البنت من ولاية ، ورعاية ، الرجل أولى بها وأقدر من المرأة .
وليُعلم أن الحكم إنما هو حيث يتساوى دين الوالدان وعدالتهما ، فإن ثبت فسق أحدهما ، أو أنه يدل الولد على السوء ، ويعلمه الشر : لم يكن له حضانته ، ولا يخيَّر الابن إذا صار من أهل التمييز ، ولا تُدفع البنت لوالدها إن كان هو صاحب الشر والسوء .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
قال شيخنا : وإذا ترك أحدُ الأبوين تعليم الصبي وأمره الذي أوجبه الله عليه : فهو عاص ، فلا ولاية له عليه، بل كل من لم يقم بالواجب في ولايته : فلا ولاية له عليه ، بل إما أن تُرفع يده عن الولاية ويقام من يفعل الواجب ، وإما أن يُضم إليه من يقوم معه بالواجب ، إذ المقصود : طاعة الله ورسوله بحسب .
قال شيخنا : وليس هذا الحق من جنس الميراث الذي يحصل بالرحم والنكاح والولاء سواء كان الوارث فاسقاً أو صالحاً بل هذا من جنس الولاية التي لا بد فيها من القدرة على الواجب والعلم به وفعله بحسب الإمكان .
قال : فلو قُدِّر أن الأب تزوج امرأة لا تراعي مصلحة ابنته ، ولا تقوم بها ، وأمها أقوم بمصلحتها من تلك الضرَّة : فالحضانة هنا للأم قطعاً .
قال : ومما ينبغي أن يعلم أن الشارع ليس عنه نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقاً ، ولا تخيير الولد بين الأبوين مطلقاً ، والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقاً بل لا يقدم ذو العدوان والتفريط على البَرِّ العادل المحسن ، والله أعلم .
" زاد المعاد " ( 5 / 475 ، 476 ) .
ثامناً :
قولها :
" حتى في العلاقة الحميمة يمكن للرجل أن يستمتع بقذفه ، لكن لن تستمتع المرأة ما لم يمتعها زوجها ويداعبها ، ماذا تفعل من همُّ زوجها إشباع نفسه فقط ؟!!! " .
وهذا الفعل خطأ من الزوج ، ولطالما نبَّه العلماء الأزواج على ضرورة الانتباه لهذا الأمر ، وأن من حق الزوجة أن تستمتع بالجماع ، كما يستمتع هو ، وأنه إن استطاع أن يؤخر القذف حتى تنزل هي : فهو الأفضل ، وإن قذف قبلها : أن يبقى معها حتى تقضي وطرها ، ومن خالف في ذلك : فإنما هو خطؤه ، وإنما هو سلوكه الذي يدفعه لحب الذات ، وأما الشرع فهو بريء من فعله هذا .
قال الشيخ محمد العبدري - ابن الحاج - رحمه الله - :
وينبغي له إذا قضى وطره أن لا يَعجل بالقيام ؛ لأن ذلك مما يشوش عليها ، بل يبقى هنيهة ؛ حتى يَعلم أنها قد انقضت حاجتُها ، والمقصود : مراعاة أمرها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُوصي عليهن ، ويحض على الإحسان إليهن ، وهذا موضع لا يمكن الإحسان إليها من غيره ، فليجتهد في ذلك جهده ، والله المسئول في التجاوز عما يعجز المرء عنه .
" المدخل " ( 2 / 188 ) .
بل قد رجَّح الشيخ العثيمين رحمه الله حرمة هذا الفعل من الزوج ، خلافاً للحنابلة الذين قالوا بالكراهة .
قال رحمه الله :
قوله: " والنزع قبل فراغها " أي : يكره - أيضاً - أن ينزع قبل فراغها ؛ لحديث : ( إذا قضى حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها ) ، والنزع معناه : أن ينهي الإنسان جماعه ، فيُخرج ذكرَه من فرج امرأته قبل فراغها من الشهوة ، أي : قبل إنزالها ، والفراغ من الشهوة يكون بالإنزال ، فالمؤلف يقول : يُكره ، وهذا فيه نظر ، والصحيح أنه يحرم أن ينزع قبل أن تنزل هي ؛ وذلك لأنه يفوِّت عليها كمال اللذة ، ويحرمها من كمال الاستمتاع ، وربما يحصل عليها ضررٌ من كون الماء متهيأً للخروج ثم لا يخرج إذا انقضى الجماع .
وأما الحديث الذي ذكروه فهو - أيضاً – ضعيف ، ولكنه من حيث النظر صحيح ، فكما أنك أنت لا تحب أن تنزع قبل أن تنزل : فكذلك هي ينبغي أن لا تعجلها .
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 12 / 417 ) .
تاسعاً :
قولها :
" ولكن ماذا عن المرأة وحقوقها ؟ يقال لها الجئي للقضاء لنيل حقوقك ، ونحن في مجتمع ذكوري يقف مع الرجل حتى وإن أخطأ وظلم ، يطالب المرأة بالصبر والتنازل عن بعض حقوقها حتى ترضي زوجها لتستمر الحياة ؛ لأن ما ينتظرها بعد الطلاق أقسى وأصعب ؛ من نظرة المجتمع ، وحضانة أطفالها ، وحقها في الزواج ثانية ، تتعرض المرأة لقسوة شديدة في بعض المجتمعات " .
القضاء الشرعي لا يقف مع الرجل لأنه ذكَر ، والحكَّام الذين يفصلون في القضايا الزوجية كذلك ، والذي يقف مع المخطئ والظالم فينصره ويؤيده : فهو شريكه فيما ظلم وأخطأ به ، سواء كان رجلاً أم امرأة ، وفي العادة يكون للمرأة أهل ، كالأب ، والأخ ، والعم ، وهؤلاء لا يتركونها في حال احتاجت لنصرتهم ، أو لوضع الأمور في نصابها ، أو لإرجاع حقوقها ، وإذا لم يوجد من أهلها من يقف معها ، ووجد في المجتمع من يظلمها ، أو ينصر من يظلمها : فلها أن ترفع أمرها للقضاء الشرعي ؛ ليعطيها حقوقها ، ولكننا نجد في كثير من الأحيان أن المرأة هي التي تخذل أهلها ! فيقفون معها ، وينصرونها ، ثم تستمع لكلام معسول من زوجها – وقد يكون في ليلة الخصام نفسها ! – فتسارع للخروج من بيت أهلها سرّاً لتلحق به ! ومع أن عقلاء الآباء لا يغضبون من هذا – في الغالب – لعلمهم بتعلق الزوجة بزوجها وأولادها وبيتها ، ولكنهم يعجبون منها حينما تطلب نصرتهم ، وتبدأ بسيل الشكاوى من حياتها مع زوجها ، وتصر على طلب الطلاق ، ثم يزول كل هذا في وقت قصير لتلحق بزوجها ، وفي كثير من الأحيان لا يغير الزوج من طبعه ، والحقيقة أننا نجد عند المرأة – غالباً – من التحمل ما لا نجده عند الأزواج ، ولعلَّ هذا ما يجعل العلماء يوصونها بالصبر والتحمل ، وليس هذا فحسب ، بل يوصونها بالدعاء ، وبذل الأسباب في هداية زوجها ، وإعانته على نفسه ، كما يوصونها بتقدير ظروفه النفسية ، وضغط العمل والحياة والذي جعل الكثيرين يفقدون صوابهم وأعصابهم في كثير من مواقفهم ، نعم ، هذا ليس بعذر لهم ، لكنه واقع .
عاشراً :
نحن نختم ردنا على رسالة تلك المرأة بتذكير الزوجين أن يتقيا الله تعالى ربهم في حياتهم الزوجية ، وأن يعلما أن الله تعالى قد أمرهما بأن يحسن كل واحدٍ منهم عشرة صاحبه ، ولتعلم المرأة الكاتبة أن هذا الأمر من أمور كثيرة في الشرع تساوت فيها الأحكام بين الزوجين ، ودليل ذلك : قوله تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } البقرة/ 228 .
قال الإمام الطبري – رحمه الله - :
ولهنّ من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهنّ لهم من الطاعة فيما أوجب الله تعالى ذكره له عليها .
" تفسير الطبري " ( 4 / 531 ) .
وقال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – :
أي : ولهنَّ على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن ، فلْيؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف ، كما ثبت في " صحيح مسلم " عن جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع : ( فاتقوا الله في النساء ؛ فإنكم أخذتموهُنّ بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن ألا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك : فاضربوهن ضرباً غير مُبَرِّح ، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) ، وفي حديث بهز بن حكيم ، عن معاوية بن حَيْدَة القُشَيري ، عن أبيه ، عن جده ، أنه قال : يا رسول الله ، ما حق زوجة أحدنا ؟ قال : ( أن تطعمها إذا طعمْتَ ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ، ولا تُقَبِّح ، ولا تهجر إلا في البيت ) .
وقال وَكِيع عن بشير بن سليمان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : " إني لأحب أن أتزيَّن للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة ؛ لأن الله يقول : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) " .
" تفسير ابن كثير " ( 1 / 609 – 610 ) .
ونوصي الزوجين أن يعرضا خلافاتهما على أهل العلم والعقل ، وأن لا يتعجلا الشكاوى في المحاكم ، وأن يعلما أنهما مسئولان عن تربية أولادهما ، فليحذرا من التفرق وإفشال هذا المشروع ، وليحذرا من الاختلاف على ذلك ؛ لئلا يخرج للمجتمع من يزيده سوءً على سوء من الأولاد الذين خرجوا من بيوت الفرقة والطلاق.
ولعلَّ كلامنا هذا يصل لزوج تلك الكاتبة ، فيتقي الله ربَّه فيها ، ويصلح ما أفسده بُعده وغيابه عنها ، كما نوصيها بتقوى الله ، والاستغفار عما بدا منها من ألفاظ وأفعال ، مما لا يحل لها قوله ، ولا يجوز لها فعله ، ونسأل الله تعالى أن يحفظ على المسلمين بيوتهم ، وأن يهدي الآباء والأمهات لما فيه صلاحهم ، وصلاح ذريتهم .
والله أعلم
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
من الواضح أن هذه المرأة الكاتبة لذلك المقال – إن صح أنها امرأة ، وكاتبة له ، ومسلمة أصلاً – عانت من ظرفٍ نفسيٍّ بسبب سوء معاملة زوجها لها ، لكنها لم تحسن التصرف معه ، ولم تحسن القول في الشكوى ، فتعدى الأمر من شكوى زوجها إلى شكوى دينها ! ولا ندري أي نظم وقوانين وأديان رأت أنها تعطي المرأة ما يعطيه الإسلام ! وعلى كل حال : فهذا الكلام المكرر كثيراً أصبح واضحاً بطلانه عند عقلاء الناس ، وبالأخص العاقلات من المسلمات ، فالمرأة تعرف أنها ملكة في بيتها ، وأنها درة مصونة ، وقد أمر الله تعالى زوجها بإحسان عشرتها ، والنفقة عليها ، لا لأنها مُلك له ، ولا لأنها سِلعة تباع وتشترى ، بل لأنها شريكته في إنشاء البيت المسلم ؛ ولأنها تقوم بأعمالٍ جبَّارة في بيتها ، فهي تربي ولدها ، وتصون بيتها ، وتحفظ مال زوجها ، وفي الوقت نفسه ، تعفه ، وتمنعه من النظر المحرم ، والفاحشة المحرَّمة ، ولذا جاءت الوصية في كتاب الله تعالى بالنساء ، وجاءت السنَّة بذلك أيضاً ، والوصية بهنَّ هي آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأمته .
ثانياً :
من نسب الظلم لشرع الله تعالى ، أو ظن أن ذلك في الشرع : أمراً به ، أو إقراراً وقبولاً له : فقد كفر كفراً أكبر ، خرج به من ملة الإسلام ؛ لأن نسبة ذلك للشرع يعني نسبته لمُشَرّعه ، وعلى المسلم الذي يريد النجاة في الآخرة أن يحفظ لسانه عن القول بغير علم ، وأن يحذر من كلمة توبق دنياه وآخرته ، ومن رضي غير الإسلام ديناً له فليرحل غير مأسوفٍ عليه ، ولينظر حوله ماذا يفعل الكفار بنسائهم ، ها هم النصارى أمامه ، وها هم اليهود حوله ، وها هم الهندوس ، والبوذيون ملئوا آسيا ، فلتختر المرأة ديناً لها يكرم أهله المرأة أحسن من إكرام الإسلام لها ، ولتكف لسانها عن الشرع ومشرِّعه .
وينظر جواب السؤال رقم : (21010) ليعلم تكريم الإسلام للمرأة ، وإهانة الجاهلية لها .
ومثله : جواب السؤال رقم : (70042) .
ونحن لا ننكر أنه ثمة أخطاء وجرائم تحدث من الزوج المسلم ، لكننا ننبه هنا على أمرين :
1- لا تنسبوا أخطاء أزواجكم لشرع الله المطهَّر ، فالزوج الظالم متوعد بالعقوبة من رب العالمين ، والظلم والبغي لم يبحهما رب العزة للزوج تجاه زوجته ، وقد أمره ربه تعالى بحسن العشرة لزوجته ، فإن لم توافقه ، ولم ير مجالاً لاستمرار العيش بينهما فقد أمره بتسريحها بإحسان ، وأن يعطيها كافة حقوقها .
2- لا تنس المرأة المسلمة أنه يحدث من الزوجات تقصير شديد في حق الزوج ، فهذه مهملة في بيتها ، وتلك مقصرة في حق زوجها ، والثالثة عنيدة ، والرابعة تَحكُمُها أمُها ، والخامسة تريد زوجها خادماً سائقاً لا زوجاً مسئولاً عن البيت والأولاد ، وكم من بيت زوجية دمَّرته الزوجة بسوء خلقها ، وبقبح عشرتها لزوجها ، فهي لا تراعي ظرفاً ماديّاً صعباً يعيشه ، ولا يهمها ما تعانيه الأمم من غلاء معيشة ، ولا يقلقها كثرة ساعات عمل زوجها حتى يحصل لقمة العيش الصعبة ، ومع هذا كله فهي تريد الشراء من الأسواق لكماليات تافهة ، وهي تريد السفر والسياحة ، وهي تخون زوجها بمراسلات ومحادثات مع أجانب في الجوال والإنترنت ، وغير ذلك مما يصلنا أخباره ، ونعرف أحواله ، ومع هذا فإننا ننسب الأخطاء لفاعلها ، لا لشرع الله تعالى المطهَّر الذي جاء بالفضائل ، وحلَّى أتباعه بالقلائد الحسان من السلوك الرائق .
ثالثاً :
ما ذكرته الكاتبة في مقالها : يدل على جهلها ، وجهل من استدل بتلك الأحاديث على ما رأى أنه ظلم للمرأة ، وقدسية للزوج ! فالأحاديث المذكورة : منها ما هو ضعيف ، ومنها ما هو ضعيف جدّاً ! ، ومنها ما هو صحيح .
1) حديث : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتْ الْجَنَّةَ ) رواه الترمذي ( 1161 ) وابن ماجه ( 1854 ) من حديث أم سلمة رضي الله عنها .
وهو حديث ضعيف ، لا يصح .
أ. قال الإمام الذهبي : مساور الحميرى عن أمه ، عن أم سلمة : فيه جهالة ، والخبر منكر .
" ميزان الاعتدال " ( 4 / 95 ) .
ب. وقال ابن الجوزي : مساور مجهول ، وأمه مجهولة .
" العلل المتناهية " ( 2 / 630 ) .
ج. وقال الألباني : منكر .
" السلسلة الضعيفة " ( 1426 ) .
2) حديث أَنَس رضي الله عنه : أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ فَمَرِضَ أَبُوهَا ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ الله ، إِنَّ أَبِي مَرِيضٌ ، وَزَوْجِي يَأْبَى أَنْ يَأْذَنَ لِي أَنْ أُمَرِّضَهُ ؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : ( أَطِيعِي زَوْجَكِ ) فَمَاتَ أَبُوهَا ، فَاسْتَأْذَنَتْ زَوْجَهَا أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهَ ، فَأَبَى زَوْجُهَا أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الصَّلاَةِ ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ، فَقَالَ : ( أَطِيعِي زَوْجَكِ ) فَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا ، فَلَمْ تُصَلِّ عَلَى أَبِيهَا ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : ( قَدْ غَفَرَ الله لأَبِيكِ ، بِطَوَاعِيَّتِكِ زَوْجَكِ ) .
رواه الطبراني في " الأوسط " ( 7 / 332 ) .
وهو حديث ضعيف جدّاً ، أو موضوع ! .
قال الشيخ الألباني – رحمه الله - :
أخرجه الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 169 / 2 ) من طريق عصمة بن المتوكل نا زافر عن سليمان عن ثابت البناني عن أنس بن مالك به ، وقال : " لم يروه عن زافر إلا عصمة " .
قلت : وهو ضعيف ، قال العقيلى في " الضعفاء " ( ص 325 ) : " قليل الضبط للحديث ، يهم وهماً ، وقال أبو عبد الله – يعني : البخاري - : " لا أعرفه " .
ثم ساق له حديثاً مما أخطا في متنه .
وقال الذهبي : " هذا كذب على شعبة " .
وشيخه " زافر " - وهو ابن سليمان القهستاني - : ضعيف أيضا ، قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق ، كثير الأوهام " .
وقال الهيثمي في " المجمع " ( 4 / 313 ) : " رواه الطبراني في " الأوسط " ، وفيه عصمة بن المتوكل ، وهو ضعيف .
" إرواء الغليل " ( 7 / 76 ، 77 ) .
فها قد سقط من قائمتها حديثان ، فلنر باقي أحاديثها وشبهاتها ؛ لنعلم حقيقة ما تستدل به من السنَّة ، وتنسبه لدين الله تعالى .
رابعاً :
قولها :
" تلعن الملائكة المرأة التي يدعوها زوجها للفراش ، وترفض حتى تصبح " .
نعم ، هو كذلك .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ تَأْتِهِ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ ) .
رواه البخاري ( 3065 ) ومسلم ( 1736 )
ولا يمكن للملائكة إلا أن تفعل ما أمرها الله تعالى به ، وهي لا تفعل محرَّماً ، ولا تأتي منكراً ، والمرأة التي يدعوها زوجها للفراش فتأبى تستحق اللعنة ؛ لأنها خالفت أمر ربها ، وأمر زوجها ، والزوج هو أعظم من له حق على المرأة بعد حق ربها عز وجل ، ورسوله صلى الله عليه وسلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
وليس على المرأة بعد حق الله ورسوله أوجب من حق الزوج , حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : (
لو كنت آمرا لأحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها ) .
" مجموع الفتاوى " ( 32 / 275 ) .
وهذا الذي قلناه مما هو في شرع الله ليس على إطلاقه ، بل للمرأة أن ترفض الجماع في حال أن تكون مريضة مرضاً يشق عليها معه الجماع ، أو أن تكون حائضاً ، أو نفساء ، أو تكون صائمة صيام فرض ، ومع هذا فليس لها أن تمنع زوجها من الاستمتاع ، لكن دون الولوج ؛ لحرمة ذلك في حال الحيض والنفاس ، وأما ما عدا كونها معذورة : فليس لها منعه حقَّه في الجماع ، وهي وإن لم تكن راغبة بالجماع : فإنها تستطيع تلبية حاجته ، وتمكينه من قضاء شهوته ، فهي كالأرض التي لا تمتنع من إلقاء أحد بذره فيها ، وهو تشبيه رب العالمين حين قال : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) البقرة/ من الآية 223 .
ويختلف الأمر لو أنها هي كانت الداعية له ؛ لأنها لا يمكنها قضاء شهوتها مع عدم شهوته ، وهو أمر لا يخفى ، ولا يحتاج لتفصيل ، لكنه لا يحل له ترك ذلك بقصد الإضرار بها .
وينظر زيادة تفصيل لهذه المسائل في أجوبة الأسئلة : (33597) و (9602) و (5971) .
خامساً :
قولها : " لو أُمر أحد بالسجود لغير الله لأُمرت المرأة بالسجود لزوجها - ترى أيّاً كان هذا الزوج ؛ قائماً على عشرتها بالمعروف أم على مزاجه !! – " .
عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قال : قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنَ الْحَقِّ ) .
رواه أبو داود ( 2140 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وليس هذا سجود التعظيم ؛ فإن ذاك لا يكون إلا لله تعالى ، والمقصود به : سجود التحية عند اللقاء والمواجهة ، ولكن لما في هذا من تشبه بما يفعله الأعاجم مع ملوكهم : لم يشرعه لنا ربنا تعالى ، وهذا الحديث دلَّ على عظيم حق الزوج على زوجته ، كما في آخره بنص كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس يعني سلب المرأة حقوقها ، ولا نزع واجبات الزوج تجاه زوجته ، وكل النساء العاقلات يعلمن ما في الزواج نفسه من نعمة عظيمة ، ويعلمن أثر وجود الزوج في حياتها ، وما قبول المرأة أن تكون زوجة ثانية أو ثالثة ، بل رابعة ! إلا لما تعلمه من حسنات الزوج ، وأهميته في حياتها ، ومن هنا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعظيم حق الزوج حتى تؤدي ما عليها من واجبات ، وهو بالمقابل لا يحل له التفريط فيما أوجب الله تعالى تجاهها ، ومن ضلَّ فإنما يضل على نفسه ، فلتؤد هي ما أمرها الله به ، ولتطلب منه ما أوجب الله عليه .
وينظر جواب السؤال رقم : (43252) ففيه السبب في تفضيل الزوج ، وجعل القوامة بيده .
وجواب السؤال رقم : (43123) ففيه بيان أن طاعة الزوج مقدمة على طاعة الوالدين والإخوة .
وفي جواب السؤال رقم : (10680) تفصيل واف في بيان حقوق الزوج وحقوق الزوجة .
سادساً :
قولها:
" للرجل أن ينكح ما طاب له من النساء مثنى وثلاث ورباع ؛ لأن ذلك أفضل من الزنا ، لكن ماذا عن المرأة التي يهجرها زوجها ؟! تطالب بالخلع وتدفع له المال ، ثم تتحمل ما بعد ذلك من المعاناة ! ".
وهل تريد هذه القائلة أن تنكح مثل الرجل في آن واحد مثنى وثلاث ورباع من الأزواج ؟!! وهل هذا إلا انتكاس في الفطرة ، وخبل في العقل ؟! إن أهل الفسق والفجور ، لا يقبل أحد لزوجته – بل ولا لعشيقته – أن تكون له ولغيره يشترك فيها الرجال ، وكم من حوادث قتل حصلت في مثل هذه الأحوال ، لا عند المسلمين ، بل عند الكفار ، بل حتى الحيوانات لا تقبل مثل هذا الأمر ! فقليلاً من العقل ، يا هذه ! .
و " الخلع " الذي شرعه الله تعالى : غاية في الحكمة ، فالمرأة قد يعرض لها بسببها ، أو بسبب زوجها ما لا تستطيع العيش معه ، وهو لا ذنب له فيما حصل عندها من تغير في حالها ، وهو قد دفع مهراً لها ، فمن حقه أن يستردَّ مهره – إن طلبه منها – وهي لا ترغب بالبقاء معه ، ومن العلماء من أوجب عليه قبول تطليقها ، ومنهم من استحب له ذلك ، ولا يحل لها طلب الخلع من غير بأسٍ شرعي ، وإلا تعرضت للوعيد الشديد .
وفي بعض الحالات : يُجبر الزوج من قبَل القاضي الشرعي على التطليق ، كأن يكون مسيئاً لها بضرب أو شتم ، ويستمر على ذلك ، ولا يريد إصلاح حاله ، وغير ذلك من الحالات ، كما أن القاضي يملك أن يطلِّقها في حال رفض الزوج ذلك ، أو في حال غيابه ، وتضررها من ذلك ، ولها بعد ذلك كامل حقوقها .
وينظر في تفصيل الحالات وأحكامها : أجوبة الأسئلة : (34579) و (5288) و (9021) و (12179) .
ولا يحل للزوج أن يضيق على زوجته كي يضطرها إلى التنازل عن حقوقها ، أو شيء منها ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (42532) .
وتنظر أحكام الخلع في أجوبة الأسئلة : (1859) و (26247) و (34579) .
سابعاً :
" تربي المرأة الطفل في حالة الطلاق ، وتسهر وتتعب في أصعب المراحل ، ثم يأتي الأب ليأخذه وقد أصبح الطفل قادراً على إطعام نفسه ، وتنظيف نفسه ! " .
هذا غير صحيح على إطلاقه :
أ. حضانة الأم لولدها الرضيع والصغير من محاسن دين الإسلام ؛ لأن الطفل في هذه السن يحتاج لما عند الأم من رحمة وحنان ! فهل صار في هذا الحكم ما يعاب به الإسلام ؟! ثم إن الأمر ليس على إطلاقه ، بل هو كذلك حتى تنكح زوجاً آخر ، فإن نكحت زوجاً غير والد الطفل : انتقلت حضانته إلى غيرها ، على تفصيلات في كتب أهل العلم .
ب. ثم إن الأب لا يأخذ ولده عندما يكون قادراً على تنظيف نفسه ، وعلى إطعام نفسه ، بل يُخيَّر الطفل الذكر بين أبويه عندما يصل سن التمييز ، دون الأنثى ؛ فإن والدها أحق بها ؛ لما تحتاجه البنت من ولاية ، ورعاية ، الرجل أولى بها وأقدر من المرأة .
وليُعلم أن الحكم إنما هو حيث يتساوى دين الوالدان وعدالتهما ، فإن ثبت فسق أحدهما ، أو أنه يدل الولد على السوء ، ويعلمه الشر : لم يكن له حضانته ، ولا يخيَّر الابن إذا صار من أهل التمييز ، ولا تُدفع البنت لوالدها إن كان هو صاحب الشر والسوء .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
قال شيخنا : وإذا ترك أحدُ الأبوين تعليم الصبي وأمره الذي أوجبه الله عليه : فهو عاص ، فلا ولاية له عليه، بل كل من لم يقم بالواجب في ولايته : فلا ولاية له عليه ، بل إما أن تُرفع يده عن الولاية ويقام من يفعل الواجب ، وإما أن يُضم إليه من يقوم معه بالواجب ، إذ المقصود : طاعة الله ورسوله بحسب .
قال شيخنا : وليس هذا الحق من جنس الميراث الذي يحصل بالرحم والنكاح والولاء سواء كان الوارث فاسقاً أو صالحاً بل هذا من جنس الولاية التي لا بد فيها من القدرة على الواجب والعلم به وفعله بحسب الإمكان .
قال : فلو قُدِّر أن الأب تزوج امرأة لا تراعي مصلحة ابنته ، ولا تقوم بها ، وأمها أقوم بمصلحتها من تلك الضرَّة : فالحضانة هنا للأم قطعاً .
قال : ومما ينبغي أن يعلم أن الشارع ليس عنه نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقاً ، ولا تخيير الولد بين الأبوين مطلقاً ، والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقاً بل لا يقدم ذو العدوان والتفريط على البَرِّ العادل المحسن ، والله أعلم .
" زاد المعاد " ( 5 / 475 ، 476 ) .
ثامناً :
قولها :
" حتى في العلاقة الحميمة يمكن للرجل أن يستمتع بقذفه ، لكن لن تستمتع المرأة ما لم يمتعها زوجها ويداعبها ، ماذا تفعل من همُّ زوجها إشباع نفسه فقط ؟!!! " .
وهذا الفعل خطأ من الزوج ، ولطالما نبَّه العلماء الأزواج على ضرورة الانتباه لهذا الأمر ، وأن من حق الزوجة أن تستمتع بالجماع ، كما يستمتع هو ، وأنه إن استطاع أن يؤخر القذف حتى تنزل هي : فهو الأفضل ، وإن قذف قبلها : أن يبقى معها حتى تقضي وطرها ، ومن خالف في ذلك : فإنما هو خطؤه ، وإنما هو سلوكه الذي يدفعه لحب الذات ، وأما الشرع فهو بريء من فعله هذا .
قال الشيخ محمد العبدري - ابن الحاج - رحمه الله - :
وينبغي له إذا قضى وطره أن لا يَعجل بالقيام ؛ لأن ذلك مما يشوش عليها ، بل يبقى هنيهة ؛ حتى يَعلم أنها قد انقضت حاجتُها ، والمقصود : مراعاة أمرها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُوصي عليهن ، ويحض على الإحسان إليهن ، وهذا موضع لا يمكن الإحسان إليها من غيره ، فليجتهد في ذلك جهده ، والله المسئول في التجاوز عما يعجز المرء عنه .
" المدخل " ( 2 / 188 ) .
بل قد رجَّح الشيخ العثيمين رحمه الله حرمة هذا الفعل من الزوج ، خلافاً للحنابلة الذين قالوا بالكراهة .
قال رحمه الله :
قوله: " والنزع قبل فراغها " أي : يكره - أيضاً - أن ينزع قبل فراغها ؛ لحديث : ( إذا قضى حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها ) ، والنزع معناه : أن ينهي الإنسان جماعه ، فيُخرج ذكرَه من فرج امرأته قبل فراغها من الشهوة ، أي : قبل إنزالها ، والفراغ من الشهوة يكون بالإنزال ، فالمؤلف يقول : يُكره ، وهذا فيه نظر ، والصحيح أنه يحرم أن ينزع قبل أن تنزل هي ؛ وذلك لأنه يفوِّت عليها كمال اللذة ، ويحرمها من كمال الاستمتاع ، وربما يحصل عليها ضررٌ من كون الماء متهيأً للخروج ثم لا يخرج إذا انقضى الجماع .
وأما الحديث الذي ذكروه فهو - أيضاً – ضعيف ، ولكنه من حيث النظر صحيح ، فكما أنك أنت لا تحب أن تنزع قبل أن تنزل : فكذلك هي ينبغي أن لا تعجلها .
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 12 / 417 ) .
تاسعاً :
قولها :
" ولكن ماذا عن المرأة وحقوقها ؟ يقال لها الجئي للقضاء لنيل حقوقك ، ونحن في مجتمع ذكوري يقف مع الرجل حتى وإن أخطأ وظلم ، يطالب المرأة بالصبر والتنازل عن بعض حقوقها حتى ترضي زوجها لتستمر الحياة ؛ لأن ما ينتظرها بعد الطلاق أقسى وأصعب ؛ من نظرة المجتمع ، وحضانة أطفالها ، وحقها في الزواج ثانية ، تتعرض المرأة لقسوة شديدة في بعض المجتمعات " .
القضاء الشرعي لا يقف مع الرجل لأنه ذكَر ، والحكَّام الذين يفصلون في القضايا الزوجية كذلك ، والذي يقف مع المخطئ والظالم فينصره ويؤيده : فهو شريكه فيما ظلم وأخطأ به ، سواء كان رجلاً أم امرأة ، وفي العادة يكون للمرأة أهل ، كالأب ، والأخ ، والعم ، وهؤلاء لا يتركونها في حال احتاجت لنصرتهم ، أو لوضع الأمور في نصابها ، أو لإرجاع حقوقها ، وإذا لم يوجد من أهلها من يقف معها ، ووجد في المجتمع من يظلمها ، أو ينصر من يظلمها : فلها أن ترفع أمرها للقضاء الشرعي ؛ ليعطيها حقوقها ، ولكننا نجد في كثير من الأحيان أن المرأة هي التي تخذل أهلها ! فيقفون معها ، وينصرونها ، ثم تستمع لكلام معسول من زوجها – وقد يكون في ليلة الخصام نفسها ! – فتسارع للخروج من بيت أهلها سرّاً لتلحق به ! ومع أن عقلاء الآباء لا يغضبون من هذا – في الغالب – لعلمهم بتعلق الزوجة بزوجها وأولادها وبيتها ، ولكنهم يعجبون منها حينما تطلب نصرتهم ، وتبدأ بسيل الشكاوى من حياتها مع زوجها ، وتصر على طلب الطلاق ، ثم يزول كل هذا في وقت قصير لتلحق بزوجها ، وفي كثير من الأحيان لا يغير الزوج من طبعه ، والحقيقة أننا نجد عند المرأة – غالباً – من التحمل ما لا نجده عند الأزواج ، ولعلَّ هذا ما يجعل العلماء يوصونها بالصبر والتحمل ، وليس هذا فحسب ، بل يوصونها بالدعاء ، وبذل الأسباب في هداية زوجها ، وإعانته على نفسه ، كما يوصونها بتقدير ظروفه النفسية ، وضغط العمل والحياة والذي جعل الكثيرين يفقدون صوابهم وأعصابهم في كثير من مواقفهم ، نعم ، هذا ليس بعذر لهم ، لكنه واقع .
عاشراً :
نحن نختم ردنا على رسالة تلك المرأة بتذكير الزوجين أن يتقيا الله تعالى ربهم في حياتهم الزوجية ، وأن يعلما أن الله تعالى قد أمرهما بأن يحسن كل واحدٍ منهم عشرة صاحبه ، ولتعلم المرأة الكاتبة أن هذا الأمر من أمور كثيرة في الشرع تساوت فيها الأحكام بين الزوجين ، ودليل ذلك : قوله تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } البقرة/ 228 .
قال الإمام الطبري – رحمه الله - :
ولهنّ من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهنّ لهم من الطاعة فيما أوجب الله تعالى ذكره له عليها .
" تفسير الطبري " ( 4 / 531 ) .
وقال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – :
أي : ولهنَّ على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن ، فلْيؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف ، كما ثبت في " صحيح مسلم " عن جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع : ( فاتقوا الله في النساء ؛ فإنكم أخذتموهُنّ بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن ألا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك : فاضربوهن ضرباً غير مُبَرِّح ، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) ، وفي حديث بهز بن حكيم ، عن معاوية بن حَيْدَة القُشَيري ، عن أبيه ، عن جده ، أنه قال : يا رسول الله ، ما حق زوجة أحدنا ؟ قال : ( أن تطعمها إذا طعمْتَ ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ، ولا تُقَبِّح ، ولا تهجر إلا في البيت ) .
وقال وَكِيع عن بشير بن سليمان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : " إني لأحب أن أتزيَّن للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة ؛ لأن الله يقول : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) " .
" تفسير ابن كثير " ( 1 / 609 – 610 ) .
ونوصي الزوجين أن يعرضا خلافاتهما على أهل العلم والعقل ، وأن لا يتعجلا الشكاوى في المحاكم ، وأن يعلما أنهما مسئولان عن تربية أولادهما ، فليحذرا من التفرق وإفشال هذا المشروع ، وليحذرا من الاختلاف على ذلك ؛ لئلا يخرج للمجتمع من يزيده سوءً على سوء من الأولاد الذين خرجوا من بيوت الفرقة والطلاق.
ولعلَّ كلامنا هذا يصل لزوج تلك الكاتبة ، فيتقي الله ربَّه فيها ، ويصلح ما أفسده بُعده وغيابه عنها ، كما نوصيها بتقوى الله ، والاستغفار عما بدا منها من ألفاظ وأفعال ، مما لا يحل لها قوله ، ولا يجوز لها فعله ، ونسأل الله تعالى أن يحفظ على المسلمين بيوتهم ، وأن يهدي الآباء والأمهات لما فيه صلاحهم ، وصلاح ذريتهم .
والله أعلم