تنوير الطلاب بتحرير أسباب العلم من كلام رب الأرباب
الحمد لله الذي حكم لأهل العلم علىمن سواهم فقال : تنوير الطلاب
بتحرير أسباب العلم
من كلام رب الأرباب
أبو القاسم المقدسي
بتحرير أسباب العلم
من كلام رب الأرباب
أبو القاسم المقدسي
(( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون))
والصلاة والسلام علىإمام العلماء القائل :
(( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ))
وعلى آله وأصحابهالميامين ، التابعين لهم بإحسان من حملة العلم والمجاهدين .
أما بعد..
فهذاسِفر كتبته بعون اللطيف..اقتبسته من نور الكتاب..ورجوت أن ينتفع به إخوتي الطلاب وكتبته من إملاء الفؤاد إلا في مواضع نادرة اقتضتني دقة النقل..وعلى الله في ذلك العماد ، وهوالهادي سبحانه إلى سبيل الرشاد . وقصدت به أن يكون ذخيرة لي قبل إخواني من طلبة العلم -وإن كنت والله عيّلا عليهم-ليكون زاداً لي عند الله تعالى. جمعت فيهبين شرائط العلم وأسبابه ، ولطائف معارف وفرائد فوائد. مقتصراً على مرجع وحيد هوكتاب الله عز وجل في تقرير الأصول مستعيناً بالسنة وكلام السلف..ليكون عمدة فيانتهاج هذا المنحى في استخراج اللآليء من كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بينيديه ولا من خلفه..وعدّة للطالب في المسير..بحيث تكون أمّات هذا المبحث مستحضرة فيذهنه وأضواء الطريق منتشرة من حوله.بمحفوظه من الآيات ..ولم أعز الشواهد من السنةإلى مصادرها في الغالب استغناءً بصحتها عن عزوها والله المستعان وعليهالتكلان
(( واتقوا الله ويعلمكم الله ))
رتّب العلم على التقوى..لأن حقيقة العلم نور يقذفهالله في الصدور ، وليس هو مجرد حفظ مدونات السطور. وكرر لفظ الجلالة..مع أنالمعهود في التكرار إذا خلا عن سبب وجيه..خروج عن البلاغة ، وإملالللأذن..فلو قال أحد:واتقوا الله ويعلمكم ؛لم يلحن في ذلك . ولكنه سبحانه كرراسمه الشريف..تنبيهاً على علاقة العلم بالتقوى..
فكأن الله أراد أن يقول : اتقواالله ؛ لأن من تتقونه هو ذاته الله الذي يعلمكم .فثم من يقول : إن الواو لاتتضمن ترتيباً بحجة أنها للعطف وليس من معانيها الترتيب كالفاء وهذا صحيح من حيثالأصل ، قال شيخ الإسلام في الفتاوى: ((قد يقال: العطف قد يتضمن معنى الاقترانوالتلازم كما يقال:زرني وأزورك ، وسلم علينا ونسلم عليك ونحو ذلك..
إلى أن يقول رحمهالله تعالى : ( (فقوله : (( واتقوا الله ويعلمكم الله قد يكون من هذا الباب فكل من تعليمالرب وتقوى العبد يقارن ذلك ويلازمه ويقتضيه فمتى علمه الله العلم النافع اقترن بهالتقوى بحسب ذلك ومتى اتقاه زاده من العلم وهلمّ جراً )) انتهى )) . والناظر في علمالصحابة..يعلم أن سببه الأعظم بعد شرف استقائهم من معين المعصوم..الورع والتقوى الفريدان..فلم يكن ابن عباس أو ابن مسعود رضي الله عنهماأو غيرهما من فقهاء السلف يحفظون المتون العلمية والمصنفات الضخمة كما هو حالالمتأخرين سوى ما معهم من كتاب وسنة..وقد قرن الله بين الأمر بالتقوى والأمربالعلم في غير موضع كقوله)) : واتقوا الله واعلمواأن الله بكل شيء عليم )) تأكيداً على المعنى السابق .
(( إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء )) .قال الإمام أحمد مقتبساً مننور الآية: (( أصل العلم الخشية )) . وقد وصف الله تعالى أنبياءه عليهم الصلاة والسلامفقال: (( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله )) .وثبت عن خاتمهمصلى الله عليهم وسلم أنه قال للثلاثة المتنطعين: (( أما إني أتقاكم لله وأخشاكمله )) فليس غريباً أن تكون الخشية من أخص خصائص ورثتهم الحقيقيين وهم العلماءالربانيون .والمـتأمل في اختصاص ذكر الخشية بالعلماء دون غيرها ؛ يقع علىالسببفلم يقل سبحانه:إنما يرجو الله من عباده العلماء، وما قال:إنما يحب اللهمن عباده ، ولا غير ذلك .لأن الخشية منـزلة تجعل من طالب العلم- لا أقول عاملاًبما يعلم فحسب، بل داعياً غيره .آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ، دون مخافةٍ فيالله لومة لائم .وهذه صفة العالم الرباني ؛ ولأن العلم بالخالق ، وأسمائهوصفاته ، يورث مراقبته..وقدره سبحانه حق قدره ، وهذه حقيقة الخشية .وبالعكس..فإنخشيته سبحانه تورث عناية من الله تعالى بعبده يرزق بها مزيداً من العلم .والحبلله تعالى يقتضي الاتباع كما قال : (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني )) ولايكونالاتباع لأحد في الأصل إلا عن معرفة به ، وهو ما يلزم من الخشية .
قال الراغب : (( الخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه)) .
وهذا دقيق بتأملالسياقات التي ورد فيها ذكر الخشية .والخشية تمنع صاحبها من الكذب..الذي ينافيالعلم..ويناقضه جملة وتفصيلاً..ولهذا ترد رواية الضعيف فضلاً عن الكذاب أوالمتهم .
ولهذا أيضاً تجد الخوارج لا يقعون في الكذب ، ويروي عنهم البخاريوغيره، برغم بدعتهم المغلظة ..ولا يكفّرون على الصحيح..وبدعتهم على التحقيق : أنهمعبدوا الله بالخوف وحده ثم غلوا فيه حتى عميت أعينهم عن آيات سوى الترهيب ، بخلافالرافضة فهم أكذب الطوائف .
وأما الرجاء..فالغالب في الناس أنهم يرجون الله وماعنده ؛ لأن النفس مجبولة على حب ذاتها والطمع..دون ارتباط ذلك بالعلم بنفس الوتيرةالذي يرتبط به الخوف أو الخشية بتعبير أدق .فإن قيل قد قدّمت الخوف على منـزلةالحب، والمعلوم أن الحب بمثابة رأس الطائر كما يقول الإمام بن القيم..والخوفوالرجاء جناحاه .قلت: ليست الخشية هي ذات الخوف..بل هي معنىً يلتئم من الخوفوالتوقير والإجلال : (( فلا تخشوهم واخشوني )) .والتعظيم والتوقير المبني على حق يتضمنالرجاء في المعظّم بدليل سيدة السور فإذا قال العبد : (( مالك يوم الدين )) قال اللهمجدني عبدي فدل أنه تعظيم ، وحينئذ..يقول العبد : (( اهدنا الصراط المستقيم )) والدعاءرجاء بدليل سيد الاستغفار؛ فإن العبد يقدم بين يدي حاجته تعظيما فيقول: (( اللهمأنت ربي خلقتني-إلى أن يقول : فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت )) .ثم هذاالتوقير والتعظيم..يقتضي الطاعة ، والطاعة علامة المحب كما قال الشاعر:
لو كانحبك صادقاً لأطعته...إن المحب لمن يحب مطيعكما أن المقصود بيان علاقةالخشية بالعلم علاقة السبب بالمسبب..فهي أوثق من علاقة الحب به ؛ ذلك أن آية حبالله الاتباع ، ولايكون الاتباع حقيقياً بل لا يكون متصوّراً إلا عن خشية..تورثعلماً ، أو عن علم يورث خشيةولهذا تميّز الأئمة والعلماء الصّديقونالربانيون عبر الزمان بقولهم الحق دون أن يخافوا في الله لومة لائم . ولو أدىذلك إلى سجنهم أو قتلهم أو التنكيل بهم..لسبب يسير ألا وهو تقديم خشيتهم لله علىخشية من سواه (( فالله أحق أن تخشوه )) .وكان السلف كما يفهم من كلامهم..يغلبون فيالوعظ جانب الخوف على الرجاء ، إلا من وجدوه قانطاً عالجوه بما ينفعه منالرجاء..والمتتبع لآي القرآن..يجد أن النار مذكورة أكثر بكثير من الجنة ، وهذابميزان العليم القائل : (( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير )) .
(( الرحمن* علم القرآن*خلق الإنسان*علمه البيان )) مقدمة هذه السورة الشريفة نبهتعلى أصل العلم وهو الوحي القرآني .فلابد على طالب العلم أن يتقصد البدء بحفظكتاب الله ، وفهم معانيه .ولما كان القرآن عربياً ؛ ألمحت الآية إلى أن علم القرآنمتعلق بالبيان .فيلزم ممن قصد فهم الكتاب ومقاصده وأسراره وإعجازه أن يكونمتضلعاً بالقدر الكافي من العربية ، وهذا جلي في قوله : (( كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون )) وأوحت الآية كذلك - بطريق الإيماء -أن صاحب القرآن قوي الحجة ؛ لأنالبيان اسم مصدر من بيّن .وخير البيان هو القرآن فمن اختلط حبه للقرآن بشحمهودمه أكسبه ذلك قوة في الحجة ، وبراعة في المنطق والبرهان .لو كانحبك صادقاً لأطعته...إن المحب لمن يحب مطيعكما أن المقصود بيان علاقةالخشية بالعلم علاقة السبب بالمسبب..فهي أوثق من علاقة الحب به ؛ ذلك أن آية حبالله الاتباع ، ولايكون الاتباع حقيقياً بل لا يكون متصوّراً إلا عن خشية..تورثعلماً ، أو عن علم يورث خشيةولهذا تميّز الأئمة والعلماء الصّديقونالربانيون عبر الزمان بقولهم الحق دون أن يخافوا في الله لومة لائم . ولو أدىذلك إلى سجنهم أو قتلهم أو التنكيل بهم..لسبب يسير ألا وهو تقديم خشيتهم لله علىخشية من سواه (( فالله أحق أن تخشوه )) .وكان السلف كما يفهم من كلامهم..يغلبون فيالوعظ جانب الخوف على الرجاء ، إلا من وجدوه قانطاً عالجوه بما ينفعه منالرجاء..والمتتبع لآي القرآن..يجد أن النار مذكورة أكثر بكثير من الجنة ، وهذابميزان العليم القائل : (( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير )) .
(( اقرأ باسم ربك الذي خلق*خلق الإنسان من علق*اقرأ وربكالأكرم*الذي علم يالقلم*علم الإنسان مالم يعلم )) .تضمنت هذه الآيات علىنفائس ، والسعيد من يوفقه الله بالعمل بها بعد الظفر بفهمها .الأولى-أن اللهتعالى قيّد تعليمه الإنسان بالقلم ؛ فدل أن معالجة آفة نسيان العلم تكون بتقييدهبالقلم بالتلخيص وتدوين الفوائد والنكت والملاحظات .الثانية-أن الأمربالقراءة..جاء معدّى بباء الاستعانة..والمعنى أن فهم القرآن خاصة والوحي بعامة ومايتفرع عنه من علوم .لابد أن يصحبه من الاستعانة بالله والافتقار إليه والتوكلعليه..والتنصّل من الحول الذاتي إلى حول الله وقوته ما على مثله تتحقق معية اللهتعالى وعنايته وفتحه على السالك في مدراج العلم ، ولا يخفى مافي التوسل باسم الرب منالتوفيق والتسديد والإلهام ؛ لأن الربوبية مصدر جامع لمعاني أسماء الله تعالىوصفاته ؛ وهي حجة الله على عباده في إلزامهم بتأليهه : (( ولئن سألتهم من خلق السماواتوالأرض ليقولن الله )) .وسير أكابر أئمة أهل العلم..ملأى بما يدل على عنايتهم بهذاالشرط، ومن أبرز ذلك ما كان من أمر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى فلطالما عفّروجهه بالتراب في المساجد المهجورة..وهو ساجد يقول: اللهم يا معلم إبراهيم علمني ويامفهم سليمان فهمني..ولهذا قال الملائكة : (( سبحانك لا علم لنا إلا ماعلمتنا )) .الثالثة:-تكرار لفظ فعل الأمر(( اقرأ )) مرتين ، ويقارنها تكرير لفظالفعل الماضي(( علّم )) .وفي ذلك إشارة إلى أن القراءة مرة بعد مرة، والمراجعة تلوالأخرى، وترديد المحفوظ بعد الترديد.شرط في ثبوت العلم وازدياد الفهمللمعلوم .وليس عبثاً أن يأتي فعل التعليم، بصيغة الماضي الدال على التحقيق ، فيحين جاء فعل القراءة بصيغة الأمر .كأن الله تعالى يقرر أنه كما خلق وهو أمر لايجادل فيه أحد ؛ فإنه سبحانه هو من علّم ، وما عليك ياابن آدم ، سوى القراءة بتحقيقالشروط .
(( وعلم آدم الأسماء كلها )) .يستشف منها ضرورة اهتمام طالب العلم بمفرداتاللغة، ومعرفة لسان العربفقد عبر بلفظ العموم ( كل )..والراجح في أصل اللغة أنهاتعليم من الله بالإلهام .ولا ينافي هذا أن تكون تطورت مع الزمان ، لكن أن يقالإن مجموعة من العقلاء اصطلحوا على تسمية الأشياء فبعيد وليس عليه دليل قط .(( قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون ))التفصيل هو الإسهاب في ذكر ماأوجز وأحكم .فعلى طالب العلم أن يعتني بتقسيم المباحث وتفصيل إشكالاتهاوفروعها ، حتى تكون حاضرة، في ذهنه وقت الحاجة إليها .ومن سمات بحور العلم اتضاحالفروق بين دقائق المسائل ، وتفريعاتها .ونضرب على هذا مثالاًيسيراً بالتوحيد .فهو في مجمله إذا لخص بجملة :شهادة أن لا إله إلا الله، وأنمحمداً رسول اللهفإذا أردت استقراء التوحيد وجدته منقسما إلى ثلاثةأنواع:-
توحيد الألوهية..وتوحيد الربوبية..وتوحيد الأسماء والصفات . وكل واحدمن هذه الأقسام يتفرع عنه شعب ومقتضيات ولوازم ، وهكذا
(( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم )) .هذه قاعدة جليلة..وهي على صغرها ,يندرج تحتها من الفوائد واللطائف علمجمّ وأسوق إليك طرفاً من ذلك ، وبالله التوفيق ومنه السداد:-توحيد الألوهية..وتوحيد الربوبية..وتوحيد الأسماء والصفات . وكل واحدمن هذه الأقسام يتفرع عنه شعب ومقتضيات ولوازم ، وهكذا
-قدّم العلم علىالعمل..ولذلك بوّب البخاري باب العلم قبل العمل.
-ذكر من العلم أخصّه ، وهوالتوحيد الخالص الذي يطهر القلب من الشرك ، والشبهاتوذكر من العمل الذكر ، وخصّالاستغفار ؛ لأنه يطهر القلب من الغفلة ، والشهواتواجتناب البدع والمعاصي صفةطريق المسلم الحق ، مثلما أن تحقيق الاعتقاد مقدم على معرفة تفاصيل الحلال والحرامفي طريق طالب العلم .وخص الاستغفار كذلك تلويحاً على : (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء )) .
-وجمع بين طلب العلم والاستغفار تطهيراًلطالب العلم من العُجب ، وحبه محمدة الناس ، والتفاته لحظوظ نفسه.
-ذكر سبحانهالمعمول في فعل : (( اعلم )) وحذفه في فعل : (( استغفر )) لأن من عَلِم اللهَ وأنه لا إله إلاهو حق المعرفة استغفره ولابد ، والقرآن جاء بأبلغ عبارة دالة علىالمقصود ، والاختصار من طرائق الطلبة الأذكياء..إذا استشرحوا أو قرؤواالمطوّلات ، وقد حذف سبحانه من شهادة التوحيد ههنا الأمر بعلم أن محمداً رسولالله ؛ لأن الخطاب له عليه الصلاة والسلام ، فاكتفى بذلك عن ذكرها ؛ ولأن الأصل أنالعلم بالله سبب للعلم برسله ، وأنهم واسطة الحق إلى الخلق في التبليغ.
-نصّعلى الذنب في حق الرسول صلى الله عليه وسلم..فقال : (( لذنبك )) وحذفه في حق المؤمنينوالمؤمنات ؛ لأن الأصل أن يستغفر الإنسان لذنبه هو فلا يتكل على غير ربه؛ ولأنالمؤمنين والمؤمنات أولى بثبوت الذنوب في حقهم سداً لذريعة أن يداخل أحدهم كبر كماصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : (( ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته )) ؛ ولأنهصلى الله عليه وسلم أسوة لنا..فاستغفاره ربه سبب لأن يقتفي المؤمنون أثره فيذلك.
-ختم بقوله : (( والله يعلم متقلبكم ومثواكم)) فقابل تحقيق التوحيدبالمثوى ، وقابل الاستغفار بالتقلّب ؛ لأن الجنة مثوى كل موحد ، وإن وقع فيالكبائر، والمعاصي سبب لتقلب القلوب والاستغفار سبب لثباتها..ومنه دعاء النبي صلىالله عليه وسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها : (( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )) .
(( وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين )) .هذهإشارة أن المبالغة في الاشتغال بالشعر؛ يصرف عن العلم النافع .ولهذا قالالشافعي:
ولولا الشعر بالعلماء يزري...لكنت الآن أشعر من لبيدِ
وكثير منالطلبة يقضي الأوقات الطوال في حفظ الأشعار على حساب السنة ، وربماالقرآنفيقال لمثلهم: إنما يستعان بدواوين العرب طلباً لفهم اللغةوالقرآن .أما صرف الهمم للإحاطة بأشعار العرب ، أو الإكثار من النظم .فثم ماهو أولى منه، وإني لأعجب من اشتغال فئام من أهل العلم بوضع المنظومات إلى يومناهذا ، مع كون القدامى لم يتركوا فنّا إلا كتبوا فيه عشرات المنظومات .فألئكضوّعوا العلم ، وبعض هؤلاء ضيّعوه..وإن كان قد يلتمس العذر لبعضهم ، ومن باب الترفهذا أن يجرد أحد علماء النحو وقته لإعراب ألفية ابن مالك .
: (( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوعليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين )) وقال تعالى : (( هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهمالكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين )) وقال تعالى : (( كما أرسلنا فيكمرسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم مالم تكونواتعلمون )) البقرة 151 وقال تعالى : (( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهمالكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم )) .
وههنا هناملحوظات ، وبإزائها تعليقات
-يلاحظ من تدبر هذه الآيات أن الله سبحانه وتعالىقدم التزكية على تعليم الكتاب والحكمة ما خلا آية ، فتقدم تعليم الكتاب والحكمةعلى التزكية ، والسر في ذلك أن الآية التي تقدّم فيها ذكر التعليم علىالتزكية هي حكاية على لسان الخليل عليه السلام ، والمقام مقام دعاء والأليقبالدعاء أن يقدّم العلم كما علم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم : (( وقل رب زدنيعلماً )) وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا لابن عباس فقال : (( اللهم فقهه فيالدين )) وفي لفظ : (( وعلمه التأويل )) .وأنه دعا لمعاوية فقال : (( اللهم علمه الكتاب )) لأنَّالدعاء بذكر السبب غالباً ما يكون أصدق من الدعاء بالغاية.فهناك من يقول: اللهمأدخلني الجنة ، وثم من يقول : ارزقني الشهادة في سبيلك فالأول قد لا يلتفتللعمل..والثاني لحظ معنى ثمن الجنة..وأنها محفوفة بالمكاره..فإبراهيم عليهالسلام..قد قدم علم الكتاب على التزكية ، باعتبار أن الاستنارة بالوحي ، سبب لتزكيةالنفس ورفعتها فهو عليه الصلاة والسلام لحظ هذا المعنى وفيه قوله تعالى : (( وننـزل منالقرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين )) .وحرف الخفض ( من ) للجنس وليست للتبعيضقطعاً..وكذلك قوله سبحانه (( ألا بذكر الله تطمئن القلوب )) والقرآن خير الذكر والنفسالمطمئنة نفس زكيّة.أما في الآيات الثلاث الأخر فهي من كلام اللهابتداءً ، وهي في مقام الامتنان، فناسب كرمه سبحانه أن يقدم الغاية التي أرادهاإبراهيم .وهي التزكية بمنـزلة من سأل الله شيئاً فأعطاه الله خيراً مماسأل .وأيضاً فإنَّ تزكية النفس وتهذيبها بالإيمان ومكارم الأخلاق وأدب الطلب يجبأنْ يتقدم على العلم البحت .ويدل عليه ما ورد عن ابن مسعود وابن عمر من تعلمالإيمان قبل القرآنوكذلك ما نقل عن غير واحد من السلف كسفيان الثوري : (( تعلمناالعلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله )) .فلو أنه تزكى في البدء لما قالذلك لكنّ الله تكرّم عليه ولطف به فصرف توجهه إليه ، وزكى قلبه بحرصه علىالعلم .والحاصل أن العلم سبب لرفعة النفس في مقام التزكية ، والاهتمام بتزكيةالنفس عن الرزايا شرط للعلم الذي ينفع صاحبه فالنسبة بينهما مطردة
ولولا الشعر بالعلماء يزري...لكنت الآن أشعر من لبيدِ
وكثير منالطلبة يقضي الأوقات الطوال في حفظ الأشعار على حساب السنة ، وربماالقرآنفيقال لمثلهم: إنما يستعان بدواوين العرب طلباً لفهم اللغةوالقرآن .أما صرف الهمم للإحاطة بأشعار العرب ، أو الإكثار من النظم .فثم ماهو أولى منه، وإني لأعجب من اشتغال فئام من أهل العلم بوضع المنظومات إلى يومناهذا ، مع كون القدامى لم يتركوا فنّا إلا كتبوا فيه عشرات المنظومات .فألئكضوّعوا العلم ، وبعض هؤلاء ضيّعوه..وإن كان قد يلتمس العذر لبعضهم ، ومن باب الترفهذا أن يجرد أحد علماء النحو وقته لإعراب ألفية ابن مالك .
: (( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوعليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين )) وقال تعالى : (( هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهمالكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين )) وقال تعالى : (( كما أرسلنا فيكمرسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم مالم تكونواتعلمون )) البقرة 151 وقال تعالى : (( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهمالكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم )) .
وههنا هناملحوظات ، وبإزائها تعليقات
-يلاحظ من تدبر هذه الآيات أن الله سبحانه وتعالىقدم التزكية على تعليم الكتاب والحكمة ما خلا آية ، فتقدم تعليم الكتاب والحكمةعلى التزكية ، والسر في ذلك أن الآية التي تقدّم فيها ذكر التعليم علىالتزكية هي حكاية على لسان الخليل عليه السلام ، والمقام مقام دعاء والأليقبالدعاء أن يقدّم العلم كما علم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم : (( وقل رب زدنيعلماً )) وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا لابن عباس فقال : (( اللهم فقهه فيالدين )) وفي لفظ : (( وعلمه التأويل )) .وأنه دعا لمعاوية فقال : (( اللهم علمه الكتاب )) لأنَّالدعاء بذكر السبب غالباً ما يكون أصدق من الدعاء بالغاية.فهناك من يقول: اللهمأدخلني الجنة ، وثم من يقول : ارزقني الشهادة في سبيلك فالأول قد لا يلتفتللعمل..والثاني لحظ معنى ثمن الجنة..وأنها محفوفة بالمكاره..فإبراهيم عليهالسلام..قد قدم علم الكتاب على التزكية ، باعتبار أن الاستنارة بالوحي ، سبب لتزكيةالنفس ورفعتها فهو عليه الصلاة والسلام لحظ هذا المعنى وفيه قوله تعالى : (( وننـزل منالقرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين )) .وحرف الخفض ( من ) للجنس وليست للتبعيضقطعاً..وكذلك قوله سبحانه (( ألا بذكر الله تطمئن القلوب )) والقرآن خير الذكر والنفسالمطمئنة نفس زكيّة.أما في الآيات الثلاث الأخر فهي من كلام اللهابتداءً ، وهي في مقام الامتنان، فناسب كرمه سبحانه أن يقدم الغاية التي أرادهاإبراهيم .وهي التزكية بمنـزلة من سأل الله شيئاً فأعطاه الله خيراً مماسأل .وأيضاً فإنَّ تزكية النفس وتهذيبها بالإيمان ومكارم الأخلاق وأدب الطلب يجبأنْ يتقدم على العلم البحت .ويدل عليه ما ورد عن ابن مسعود وابن عمر من تعلمالإيمان قبل القرآنوكذلك ما نقل عن غير واحد من السلف كسفيان الثوري : (( تعلمناالعلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله )) .فلو أنه تزكى في البدء لما قالذلك لكنّ الله تكرّم عليه ولطف به فصرف توجهه إليه ، وزكى قلبه بحرصه علىالعلم .والحاصل أن العلم سبب لرفعة النفس في مقام التزكية ، والاهتمام بتزكيةالنفس عن الرزايا شرط للعلم الذي ينفع صاحبه فالنسبة بينهما مطردة