عمّن يؤخذ العلم ؟ كلام جميل للشاطبي
قرأت كلاما جميلا للشاطبي رحمه الله تعالى عمن ينبغي أن يؤخذ عنه العلم و الطريقة الأنفع للتحصيل و التأصيل في كتابه الموافقات فأحببت أن أنقلها لكم عسى الله أن ينفعنا بها جميعا .
قال رحمه الله :
قد قالوا إن العلم كان في صدور الرجال ثم انتقل إلى الكتب و صارت مفاتحه بأيدي الرجال و هذا الكلام يقضي بأن لا بد في تحصيله من الرجال إذ ليس وراء هاتين المرتبتين مرمى عندهم و أصل هذا في الصحيح : ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس و لكن يقبضه بقبض العلماء ) الحديث .
فإذا كان كذلك ، فالرجال هم مفاتحه بلا شك ، فإذا تقرر هذا فلا يؤخذ إلا ممن تحقق به و هذا أيضا واضح في نفسه و هو أيضا متفق عليه بين العقلاء إذ من شروطهم في العالم بأي علم اتفق أن يكون عارفا بأصوله و ما ينبني عليه ذلك العلم ، قادرا على التعبير عن مقصوده فيه ، عارفا بما يلزم عنه قائما على دفع الشبه الواردة عليه فيه ، فإذا نظرنا إلى ما اشترطوه و عرضنا أئمة السلف الصالح في العلوم الشرعية وجدناهم قد أتصفوا بها على الكمال .
غير أنه لا يشترط السلامة عن الخطأ ألبتة لأن فروع كل علم إذا انتشرت و انبنى بعضها على بعض اشتبهت و ربما تصور تفريعها على أصول مختلفة فى العلم الواحد فأشكلت أو خفى فيها الرجوع إلى بعض الأصول فأهملها العالم من حيث خفيت عليه وهي في نفس الأمر على غير ذلك أو تعارضت وجوه الشبه فتشابه الأمر فيذهب على العالم الأرجح من وجوه الترجيح و أشباه ذلك فلا يقدح فى كونه عالما و لا يضر في كونه إماما مقتدى به فإن قصر عن استيفاء الشروط نقص عن رتبة الكمال بمقدار ذلك النقصان فلا يستحق الرتبة الكمالية ما لم يكمل ما نقص .
فصل
و للعالم المتحقق بالعلم أمارات و علامات تتفق مع ما تقدم و إن خالفتها في النظر و هي ثلاث :
إحداها : العمل بما علم حتى يكون قوله مطابقا لفعله ، فإن كان مخالفا له فليس بأهل لأن يؤخذ عنه و لا أن يقتدى به في علم ، و هذا المعنى مبين على الكمال في كتاب الإجتهاد و الحمد لله .
و الثانية : أن يكون ممن رباه الشيوخ في ذلك العلم لأخذه عنهم و ملازمته لهم فهو الجدير بأن يتصف بما اتصفوا به من ذلك و هكذا كان شأن السلف الصالح فأول ذلك ملازمة الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله و أخذهم بأقواله و أفعاله و اعتمادهم على ما يرد منه كائنا ما كان و على أي وجه صدر فهم فهموا مغزى ما أراد به أو لا حتى علموا و تيقنوا أنه الحق الذي لا يعارض و الحكمة التي لا ينكسر قانونها و لا يحوم النقص حول حمى كمالها و إنما ذلك بكثرة الملازمة و شدة المثابرة .... و حسبك من صحة هذه القاعدة أنك لا تجد عالما اشتهر في الناس الأخذ عنه إلا و له قدوة اشتهر في قرنه بمثل ذلك و قلما وجدت فرقة زائغة و لا أحد مخالف للسنة إلا و هو مفارق لهذا الوصف و بهذا الوجه وقع التشنيع على ابن حزم الظاهري و أنه لم يلازم الأخذ عن الشيوخ و لا تأدب بآدابهم و بضد ذلك كان العلماء الراسخون كالأئمة الأربعة و أشباههم .
والثالثة : الإقتداء بمن أخذ عنه و التأدب بأدبه كما علمت من اقتداء الصحابة بالنبي و اقتداء التابعين بالصحابة و هكذا في كل قرن و بهذا الوصف امتاز مالك عن أضرابه ، أعني بشدة الإتصاف به و إلا فالجميع ممن يهتدى به في الدين كذلك كانوا ، و لكن مالكا اشتهر بالمبالغة في هذا المعنى فلما تُرك هذا الوصف رفعت البدع رؤوسها لأن ترك الإقتداء دليل على أمر حدث عند التارك أصله اتباع الهوى
فصل
وإذا ثبت أنه لا بد من أخذ العلم عن أهله فلذلك طريقان :
أحدهما : المشافهة و هي أنفع الطريقين و أسلمهما لوجهين :
الأول : خاصية جعلها الله تعالى بين المعلم و المتعلم يشهدها كل من زاول العلم و العلماء ، فكم من مسألة يقرؤها المتعلم في كتاب و يحفظها و يرددها على قلبه فلا يفهمها ، فإذا ألقاها إليه المعلم فهمها بغتة و حصل له العلم بها بالحضرة
و هذا الفهم يحصل إما بأمر عادي من قرائن أحوال و إيضاح موضع إشكال لم يخطر للمتعلم ببال و قد يحصل بأمر غير معتاد
و لكن بأمر يهبه الله لمتعلم عند مثوله بين يدي المعلم ظاهر الفقر بادي الحاجة إلى ما يلقى إليه
و هذا ليس ينكر فقد نبه عليه الحديث الذي جاء أن الصحابة أنكروا أنفسهم عند ما مات رسول الله و حديث حنظلة الأسيدي حين شكا إلى رسول الله أنهم إذا كانوا عنده و في مجلسه كانوا على حالة يرضونها فإذا فارقوا مجلسه زال ذلك عنهم فقال رسول الله ( لو أنكم تكونون كما تكونون عندي لأظلتكم الملائكة بأجنحتها ) اخرجه مسلم و الترمذي .
و قد قال عمر بن الخطاب وافقت ربي فى ثلاث وهى من فوائد مجالسة العلماء إذ يفتح للمتعلم بين أيديهم مالا يفتح له دونهم ويبقى ذلك النور لهم بمقدار ما بقوا فى متابعة معلمهم وتأدبهم معه واقتدائهم به فهذا الطريق نافع على كل تقدير وقد كان المتقدمون لا يكتب منهم إلا القليل وكانوا يكرهون ذلك وقد كرهه مالك فقيل له فما نصنع قال تحفظون وتفهمون حتى تستنير قلوبكم ثم لا تحتاجون إلى الكتابة وحكى عن عمر بن الخطاب كراهية الكتابة وإنما ترخص الناس فى ذلك عندما حدث النسيان وخيف على الشريعة الإندراس .
الطريق الثانى مطالعة كتب المصنفين ومدوني الدواوين وهو أيضا نافع في بابه بشرطين :
الأول أن يحصل له من فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب ومعرفة اصطلاحات أهله ما يتم له به النظر في الكتب وذلك يحصل بالطريق الأول من مشافهة العلماء أو مما هو راجع إليه وهو معنى قول من قال كان العلم في صدور الرجال ثم انتقل إلى الكتب ومفاتحه بأيدي الرجال والكتب وحدها لا تفيد الطالب منها شيئا دون فتح العلماء وهو مشاهد معتاد .
والشرط الثاني : أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم المراد فإنهم أقعد به من غيرهم من المتأخرين
وأصل ذلك التجربة والخبر
أما التجربة
فهو أمر مشاهد في أي علم كان فالمتأخر لا يبلغ من الرسوخ في علم ما ما بلغه المتقدم و حسبك من ذلك أهل كل علم عملي أو نظري فأعمال المتقدمين في إصلاح دنياهم و دينهم على خلاف أعمال المتأخرين وعلومهم في التحقيق أقعد ، فتحقق الصحابة بعلوم الشريعة ليس كتحقق التابعين و التابعون ليسوا كتابعيهم و هكذا إلى الآن و من طالع سيرهم و أقوالهم و حكاياتهم أبصر العجب في هذا المعنى
و أما الخبر
ففي الحديث ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) رواه الخمسة . و في هذا إشارة إلى أن كل قرن مع ما بعده كذلك .....
فلذلك صارت كتب المتقدمين و كلامهم و سيرهم أنفع لمن أراد الأخذ بالاحتياط في العلم على أي نوع كان ، و خصوصا علم الشريعة الذي هو العروة الوثقى و الوزر الأحمى و بالله تعالى التوفيق .
والنقل
لطفــــاً .. من هنــــــــــــا
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=111991
قرأت كلاما جميلا للشاطبي رحمه الله تعالى عمن ينبغي أن يؤخذ عنه العلم و الطريقة الأنفع للتحصيل و التأصيل في كتابه الموافقات فأحببت أن أنقلها لكم عسى الله أن ينفعنا بها جميعا .
قال رحمه الله :
قد قالوا إن العلم كان في صدور الرجال ثم انتقل إلى الكتب و صارت مفاتحه بأيدي الرجال و هذا الكلام يقضي بأن لا بد في تحصيله من الرجال إذ ليس وراء هاتين المرتبتين مرمى عندهم و أصل هذا في الصحيح : ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس و لكن يقبضه بقبض العلماء ) الحديث .
فإذا كان كذلك ، فالرجال هم مفاتحه بلا شك ، فإذا تقرر هذا فلا يؤخذ إلا ممن تحقق به و هذا أيضا واضح في نفسه و هو أيضا متفق عليه بين العقلاء إذ من شروطهم في العالم بأي علم اتفق أن يكون عارفا بأصوله و ما ينبني عليه ذلك العلم ، قادرا على التعبير عن مقصوده فيه ، عارفا بما يلزم عنه قائما على دفع الشبه الواردة عليه فيه ، فإذا نظرنا إلى ما اشترطوه و عرضنا أئمة السلف الصالح في العلوم الشرعية وجدناهم قد أتصفوا بها على الكمال .
غير أنه لا يشترط السلامة عن الخطأ ألبتة لأن فروع كل علم إذا انتشرت و انبنى بعضها على بعض اشتبهت و ربما تصور تفريعها على أصول مختلفة فى العلم الواحد فأشكلت أو خفى فيها الرجوع إلى بعض الأصول فأهملها العالم من حيث خفيت عليه وهي في نفس الأمر على غير ذلك أو تعارضت وجوه الشبه فتشابه الأمر فيذهب على العالم الأرجح من وجوه الترجيح و أشباه ذلك فلا يقدح فى كونه عالما و لا يضر في كونه إماما مقتدى به فإن قصر عن استيفاء الشروط نقص عن رتبة الكمال بمقدار ذلك النقصان فلا يستحق الرتبة الكمالية ما لم يكمل ما نقص .
فصل
و للعالم المتحقق بالعلم أمارات و علامات تتفق مع ما تقدم و إن خالفتها في النظر و هي ثلاث :
إحداها : العمل بما علم حتى يكون قوله مطابقا لفعله ، فإن كان مخالفا له فليس بأهل لأن يؤخذ عنه و لا أن يقتدى به في علم ، و هذا المعنى مبين على الكمال في كتاب الإجتهاد و الحمد لله .
و الثانية : أن يكون ممن رباه الشيوخ في ذلك العلم لأخذه عنهم و ملازمته لهم فهو الجدير بأن يتصف بما اتصفوا به من ذلك و هكذا كان شأن السلف الصالح فأول ذلك ملازمة الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله و أخذهم بأقواله و أفعاله و اعتمادهم على ما يرد منه كائنا ما كان و على أي وجه صدر فهم فهموا مغزى ما أراد به أو لا حتى علموا و تيقنوا أنه الحق الذي لا يعارض و الحكمة التي لا ينكسر قانونها و لا يحوم النقص حول حمى كمالها و إنما ذلك بكثرة الملازمة و شدة المثابرة .... و حسبك من صحة هذه القاعدة أنك لا تجد عالما اشتهر في الناس الأخذ عنه إلا و له قدوة اشتهر في قرنه بمثل ذلك و قلما وجدت فرقة زائغة و لا أحد مخالف للسنة إلا و هو مفارق لهذا الوصف و بهذا الوجه وقع التشنيع على ابن حزم الظاهري و أنه لم يلازم الأخذ عن الشيوخ و لا تأدب بآدابهم و بضد ذلك كان العلماء الراسخون كالأئمة الأربعة و أشباههم .
والثالثة : الإقتداء بمن أخذ عنه و التأدب بأدبه كما علمت من اقتداء الصحابة بالنبي و اقتداء التابعين بالصحابة و هكذا في كل قرن و بهذا الوصف امتاز مالك عن أضرابه ، أعني بشدة الإتصاف به و إلا فالجميع ممن يهتدى به في الدين كذلك كانوا ، و لكن مالكا اشتهر بالمبالغة في هذا المعنى فلما تُرك هذا الوصف رفعت البدع رؤوسها لأن ترك الإقتداء دليل على أمر حدث عند التارك أصله اتباع الهوى
فصل
وإذا ثبت أنه لا بد من أخذ العلم عن أهله فلذلك طريقان :
أحدهما : المشافهة و هي أنفع الطريقين و أسلمهما لوجهين :
الأول : خاصية جعلها الله تعالى بين المعلم و المتعلم يشهدها كل من زاول العلم و العلماء ، فكم من مسألة يقرؤها المتعلم في كتاب و يحفظها و يرددها على قلبه فلا يفهمها ، فإذا ألقاها إليه المعلم فهمها بغتة و حصل له العلم بها بالحضرة
و هذا الفهم يحصل إما بأمر عادي من قرائن أحوال و إيضاح موضع إشكال لم يخطر للمتعلم ببال و قد يحصل بأمر غير معتاد
و لكن بأمر يهبه الله لمتعلم عند مثوله بين يدي المعلم ظاهر الفقر بادي الحاجة إلى ما يلقى إليه
و هذا ليس ينكر فقد نبه عليه الحديث الذي جاء أن الصحابة أنكروا أنفسهم عند ما مات رسول الله و حديث حنظلة الأسيدي حين شكا إلى رسول الله أنهم إذا كانوا عنده و في مجلسه كانوا على حالة يرضونها فإذا فارقوا مجلسه زال ذلك عنهم فقال رسول الله ( لو أنكم تكونون كما تكونون عندي لأظلتكم الملائكة بأجنحتها ) اخرجه مسلم و الترمذي .
و قد قال عمر بن الخطاب وافقت ربي فى ثلاث وهى من فوائد مجالسة العلماء إذ يفتح للمتعلم بين أيديهم مالا يفتح له دونهم ويبقى ذلك النور لهم بمقدار ما بقوا فى متابعة معلمهم وتأدبهم معه واقتدائهم به فهذا الطريق نافع على كل تقدير وقد كان المتقدمون لا يكتب منهم إلا القليل وكانوا يكرهون ذلك وقد كرهه مالك فقيل له فما نصنع قال تحفظون وتفهمون حتى تستنير قلوبكم ثم لا تحتاجون إلى الكتابة وحكى عن عمر بن الخطاب كراهية الكتابة وإنما ترخص الناس فى ذلك عندما حدث النسيان وخيف على الشريعة الإندراس .
الطريق الثانى مطالعة كتب المصنفين ومدوني الدواوين وهو أيضا نافع في بابه بشرطين :
الأول أن يحصل له من فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب ومعرفة اصطلاحات أهله ما يتم له به النظر في الكتب وذلك يحصل بالطريق الأول من مشافهة العلماء أو مما هو راجع إليه وهو معنى قول من قال كان العلم في صدور الرجال ثم انتقل إلى الكتب ومفاتحه بأيدي الرجال والكتب وحدها لا تفيد الطالب منها شيئا دون فتح العلماء وهو مشاهد معتاد .
والشرط الثاني : أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم المراد فإنهم أقعد به من غيرهم من المتأخرين
وأصل ذلك التجربة والخبر
أما التجربة
فهو أمر مشاهد في أي علم كان فالمتأخر لا يبلغ من الرسوخ في علم ما ما بلغه المتقدم و حسبك من ذلك أهل كل علم عملي أو نظري فأعمال المتقدمين في إصلاح دنياهم و دينهم على خلاف أعمال المتأخرين وعلومهم في التحقيق أقعد ، فتحقق الصحابة بعلوم الشريعة ليس كتحقق التابعين و التابعون ليسوا كتابعيهم و هكذا إلى الآن و من طالع سيرهم و أقوالهم و حكاياتهم أبصر العجب في هذا المعنى
و أما الخبر
ففي الحديث ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) رواه الخمسة . و في هذا إشارة إلى أن كل قرن مع ما بعده كذلك .....
فلذلك صارت كتب المتقدمين و كلامهم و سيرهم أنفع لمن أراد الأخذ بالاحتياط في العلم على أي نوع كان ، و خصوصا علم الشريعة الذي هو العروة الوثقى و الوزر الأحمى و بالله تعالى التوفيق .
والنقل
لطفــــاً .. من هنــــــــــــا
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=111991