الحسبة على طالب العلم
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين ، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين .
وبـــعــــــــد
فقد كتبت مقالة منذ سنتين تقريبا عن الحسبة على طالب العلم نشرتها في شبكتنا المباركة الفجر ، وللأسف لم أحتفظ بنسخة منها حتى شاء الله أن وجدتها منشورة في صيد الفوائد على الرابط التالي :
الحسـبة على طالب العلم...!!
فشكر الله لأخي الحبيب في صيد الفوائد على اهتمامه بمثل ه الموضوعات .
وحتى تعم الفائدة وجدت من المناسب إعادة نشر المقالة في شبكتنا المباركة الحسبة ؛ لعل الله ينفع بها .
الحـســـبة على طـالب العـلم...!!
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى ، وعلى آله وصحبه الشرفاء .
وبــــعــــــد :
فقد طلب مني أحد الأحبة الأفاضل في أحد مشاركاتي في (منتدى الحدث) ، أن أذكر له بعض الكتب التي أنصح بقراءتها لطالب علم مبتدأ، على أن تكون هذه النصيحة في صورة مشاركة حتى يستفيد منها الجميع ، وفي الحقيقة مع ضعف قوتي، وقلة بضاعتي، وهوان حيلتي، استحيت منه أن أرد طلبه، فعزمت على الولوج في هذا الأمر ـ مع كثرة من سبقني في ذلك ـ ، ورأيت أن أسوقها في ثنايا نصيحة عامة لطلبة العلم الشرعي، وسميتها (الحسبة على طالب العلم) ولعل الله تعالى ييسر لي استكمال سلسلة أبواب الحسبة في هذا المنتدى، فينتفع بها الجميع، وأولهم كاتبها، ومن كانت له نصيحة يبتغي بها وجه الله ، فليتقي الله ويسدها، قبل فوات الأوان، فإن من حق المسلم على المسلم بذل النصيحة.
أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وممن يصدق قوله عمله، وأن يجعلنا من المحتسبين الصادقين.
(( الحـسـبـة عـلى طـالب العـلم ))
قبل أن نلج في الموضوع أرى لزاما علي أن أُذكر أحبتي في الله بمعنى الحسبة في اللغة والإسلام، حتى يتضح البيان، ونوقظ النيام، فأقول ـ وبالله التوفيق والسداد ـ :
(( الحـسـبـة في اللـغـة )) :
أولا ـ كلمة (( الحـسـبـة )) تضبط بكسر أولها ، اسم مصدر احتسب يحتسب احتسابا وحسبة .
ثانيا ـ أصل معناها اختلف فيه على أقوال كثيرة، ولكون المقام مقام اختصار وإجمال، سأقتصر على بيان أشهرها وأقربها للمعنى الشرعي، وهو (طلب الأجر، والإنكار)، قال ابن منظور (اللسان 1/314) : الحسبة : مصدر احتسابك الأجر على الله .اهـ. وأيضا في المرجع السابق 1/317: احتسب فلان على فلان : أي أنكر عليه قبيح عمله .اهـ.
(( الحـسـبـة في الإســلام )) :
مما لا ريب فيه أن كلمة ( الحـسـبـة ) في الإسلام لها مدلولات كثيرة تختلف بحسب الإضافة، هل يقصد بها عمل ديني، أم ولاية في الدولة، أم علم مستقل له مصنفاته، وقواعده وأصوله؟! .
وطلبا للاختصار سأكتفي ببيان تعريفه بحسب كونه عملا دينيا يصح أداؤه من كل مسلم .
وعليه ، فالحسبة على هذا المعنى : (أمر بالمعروف إذا ظهر تركه ، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله) . وهذا التعريف للماوردي في (الأحكام السلطانية ص299) وهو اختيار أكثر علماء الحسبة ، وأرجح التعاريفات عندي .
إذا تقرر ذلك ـ رحمكم الله ـ ، فللكلام على ((الحسبة على طالب العلم)) سأجعله في عناصر رئيسة يندرج تحت كل عنصر تفصيله إن احتاج لذلك :
أولا ــ (( مـــن هــو طـالـب العــلـم ..؟)) :
في البداية يجب على الجميع أن يعلم أن المقصود بالعلم (العلم الشرعي) ، والعلم الشرعي ينقسم إلى أربعة أقسام، أضعها بين يدك مختصرة:
1 ــ (( أصـــول )) ــ ولك أن تسميها (الأساسيات) ، وهي : الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، وآثار الصحابة.
2 ــ (( فــــروع )) ــ ولك أن تسميها (حواسي الأصول) ، وهي : الشروح والتفاسير للأصول السابقة.
3 ــ (( مقـدمات )) ــ ولك أن تسميها (العلوم الخادمة) وهي التي تساعد وتخدم الطالب في استيعاب الأصول والفروع السابقة، كعلم اللغة، والنحو، وأصول الفقه، والقواعد الفقهية .
4 ــ (( متـممات )) ــ ولك أن تسميها (الكمليات) ، وهي : التي تزيده تغلغلا في الجوانب الخفية للأصول، كعلم القراءات، وعلم رجال الحديث.
وهذه العلوم حث الشرع على طلبها بشكل عام ، كما في حديث أنس بن مالك مرفوعا: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم)) رواه ابن ماجه بسند صحيح .
وبلا ريب لفظ (مسلم) يدخل فيه أيضا (المسلمة). أما الحديث الذي فيه زيادة (ومسلمة) فهي زيادة ضعيفة ، وعموم اللفظ الأول يغني عن الضعيف.
والمقصود بـ (علم الفرض) هو : كل علم شرعي لا يسع أي مسلم جهله كـ (أصول العقيدة، وأركان الإسلام، كالصلاة، والطهارة، والصوم إذا باشره، والزكاة إذا وجبت عليه، والحج إذا شرع في نسكه).
ثانيا ــ (( كـيـفـيـة طـلب العــلم )) :
لطلب العلم وسيلتان : ( كتــــاب ، وشــــيخ )
1 ــ أما الكتـــــاب ، فهو العمود الفقري لكل طالب علم ، والوسيلة الأساسية في الطلب.
وللكتاب آداب يجب على طالب العلم الإحاطة بها، ولضيق المقام، سأصفح عن بيانها، ومن وجد في نفسه الهمة في معرفتها فليراجع (حلية طالب العلم) للعلامة بكر أبو زيد، و(فضل العلم) لمحمد رسلان ففيهما الكفاية.
2 ــ وأما الشــــيـخ ، وما أدراك ما الشيخ؟!! فهو كالماء البارد للظمآن، وطوق النجاة للغرقان. ولا يصح طلب علم بدونه، وقديما قيل : (من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه).
غير أنه يمكن لطالب العلم في المرتبة الثالثة (المحترف) أن يعتمد على نفسه في التلقي من الكتاب ؛ لأنه في نظري امتلك مفاتيح العلوم الأساسية، ومن الأفضل لو كان له أحد المشايخ يوده بصورة مستمرة يستشيره ويستوضحه فيما أشكل عليه ـ والله أعلم ـ .
وينبغي لطالب العلم أن يختار من الشيوخ الأعلم والأورع والأسن ؛ لأنه كما قال ابن سيرين ومالك وغيرهما : (إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذوا دينكم).
وللطالب آداب حسان مع شيخه يجب الالتزام بها. وستجدها في الكتابين السابقين .
ثالثا ــ (( مـراتـــب طــلب العــلم )) :
ولعل هذا العنصر هو المراد بالكتابة ، وقد حان بين يديك بيانه :
لقد تأملت حال طلاب العلم ومستوياتهم العامة ، وتدرجهم في الطلب والتلقي ، فتحصل عندي بالاستقراء ثلاث مراتب أساسية، ولكل مرتبة مكتبتها الخاصة المناسبة لحالهم، وقد وضعت لكل مرتبة ما يناسبها من عنوان أو أكثر، وهذا الترتيب من وضعي الخاص، حسب خبرتي ومعرفتي الشخصية بهذا الميدان، بلا ريب قد تختلف وجهات النظر في التقديم والتأخير ، أو في الزيادة والنقصان، ولكني فيما أعتقد أن من التزم بالقائمة المذكورة ووعاها جيدا أضمن له التفوق العلمي ـ إن شاء الله ـ في أكثر علوم الشريعة ، وإليك تفصيلها بتوفيق المنان: