خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    فن الإلقاء المؤثر ودلالاته من الكتاب والسنة

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    فن الإلقاء المؤثر ودلالاته من الكتاب والسنة Empty فن الإلقاء المؤثر ودلالاته من الكتاب والسنة

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 24.09.09 12:21


    فن الإلقاء المؤثر ودلالاته من الكتاب والسنة

    د/ مـحـمـد فـهـاد الـدوسـري

    فن الإلقاء المؤثر ودلالاته من الكتاب والسنة 470674



    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله


    { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }


    { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا }


    { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }.


    أما بعد


    فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


    إن مما يلفت الانتباه هذه الأيام - ولله الحمد والمنة - هو كثرة الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، وتنوع أساليبهم في الدعوة إليه، إلا أن إلقاء المحاضرات والدروس والخطب والكلمات يبقى من أكثر الأساليب استخداما.


    ولقد لمست حاجة هؤلاء الدعاة إلى الإلمام بفن الإلقاء، وطرقه، وأساليبه، ليكون إلقاؤهم أكثر جاذبية، وتكون كلماتهم أوقع في القلوب، فتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.


    لذا فقد أحببت أن أساهم بمحاولة متواضعة لسد جزء من هذه الحاجة


    وقد وفقني الله تعالى لإعداد هذه الرسالة المقتضبة جدا، لتكون نواة لعمل آخر يكون أكثر إسهابا وتفصيلا.


    فما كان فيها من صواب فمن الله وحده، وما كان فيها من خطأ فمن نفسي والشيطان،


    والله أسأل أن ينفع بها كاتبها وقارئها وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.


    تمهيد


    تعريف الإلقاء وأنواعه:


    تعتبر كل محادثة بين اثنين فأكثر، نوع من أنواع الإلقاء. ولقد صنف الإلقاء إلى ثلاثة أنواع:


    ا- فردي، أي تتحدث مع شخص واحد فقط.


    2-
    لمجموعة صغيرة كما هو الحال في الدروس المنهجية في المدارس والمساجد ونحوه.


    3-
    لمجموعة كبيرة كما هو الحال في الخطب والمحاضرات العامة ونحوها.

    ولعل ما يهمنا في هذه الرسالة هو النوع الثاني و الثالث، لكونهما يمثلان جل مجالات الإلقاء المنظم، ولأن القصور غالبا ما يقع فيهما دون سواهما.


    مجالات الإلقاء


    إن مجالات الإلقاء كثيرة جدا ويصعب حصرها.


    ولعل من أبرز أمثلتها:


    خطبة الجمعة، والدروس المنهجية سواء في المدارس أو في المساجد، والمحاضرات العامة على تنوع موضوعاتها، والمواعظ، والمناسبات العامة، والاحتفالات، والمؤتمرات، والبرامج الإذاعية والتلفازية وغيرها.


    عناصر الإلقاء



    كل عملية إلقاء لابد لها من ستة عناصر أو أركان، ينبغي مراعاتها إذا ما أريد لها النجاح.


    وهذه العناصر هي:-


    1-
    المصدر:

    وهو الملقي، فلابد أن يلم بقواعد الإلقاء ليكون إلقاؤه مؤثرا .


    2-
    المستقبِل:

    وهو المستمع، فلابد من التعرف على صفاته الشخصية كعمره، ومستواه العلمي، ومستواه المعيشي، وعاداته وتقاليده وغيرها، وذلك لاختيار ما يناسبه من المواضيع، ومن طرق، ووسائل، وأساليب الإلقاء.


    3-
    الرسالة:

    وهي الموضوع، فلابد من إتقان تحضيره ومراعاة كونه مناسبا للمستمعين وضمن دائرة اهتماماتهم.


    4-
    القناة:

    وهي وسائل وأساليب الإلقاء، وأعني بها الطبق الذي سيقدم به الإلقاء.


    فقد يكون عن طريق إلقاء محاضرة من جانب واحد فقط، وقد يكون على شكل حلقة نقاش يشارك فيها المستمعون بآرائهم ومقترحاتهم وأسئلتهم.


    وقد تستخدم فيه السبورة أو عارضة الشرائح أو الشفافيات أو الفيديو أو غيرها، وذلك لضمان فاعلية الإلقاء واستفادة المستمعين.


    5-
    استجابة الجمهور:

    وأعني بها مدى استفادة الجمهور من الموضوع الذي ألقي عليهم.


    إذ إن العناصر السابقة مهما كان الاهتمام بها ومهما روعيت فإنه لا يكون لها أدنى فائدة إذا لم ينتج عنها استفادة المستمعين.


    لذا كان لابد من التأكد من استجابة الجمهور، وذلك عن طريق فتح المجال لأسئلتهم وإلقاء الأسئلة عليهم، واستقبال أجوبتهم، أو عن طريق الأسئلة المكتوبة كالاختبار في نهاية الدرس أو بعد مجموعة من الدروس أو المحاضرات ونحو ذلك.


    6-
    المؤثرات الخارجية: كضيق المكان، وحرارة الجو، وضعف الإضاءة، وكثرة الضوضاء الخارجية ونحوه.


    فلو أن جميع العناصر السابقة قد روعيت بدقة إلا أن مكان الدرس أو المحاضرة كان شديد الحرارة لتعطل أجهزة التكييف مثلا، فإن المتوقع هو عدم استفادة المستمعين.


    لذا كان من المهم جدا التأكد من عدم وجود أي مؤثرات خارجية تؤثر سلبا على عملية الإلقاء.

    وسنعرض في هذه الرسالة للعنصر الأول بشيء من التفصيل، و لبقية العناصر بشكل مجمل.


    أهداف الإلقاء:


    لابد لكل عمل من هدف ، وإلا كان هذا العمل فاشلا، يتخبط فيه صاحبه يمنة ويسرة ولا يصل إلى شيء. ولا بد لهذا الهدف أن يكون واضحا، ويمكن تحقيقه.


    وبشكل عام فإن أهداف الإلقاء لا تخرج عن هذه الأهداف العامة التالية:-


    1-
    زيادة العلم والمعرفة:

    مثال ذلك أن تلقي محاضرة للتعريف ببلد معين أو إنسان معين أو مبدأ معين أو نحو ذلك.


    2-
    تعزيز وجهات النظر السليمة:

    مثال ذلك أن تلقي محاضرة على جمع من المسلمين المصلين عن فضائل الصلاة لتزيدهم محبة للصلاة وتمسكا بها.


    3-
    تغيير وجهات النظر الخاطئة:

    مثال ذلك أن تلقي محاضرة على جمع من الناس يعتقدون بجواز تطبيق القوانين الوضعية في ديار الإسلام لإقناعهم بعدم جواز ذلك.


    4-
    تعزيز السلوك العملي السليم:

    مثال ذلك أن تلقي محاضرة على جمع من المحافظين على صلاة الجماعة، عن فضل المحافظة عليها لتعزز فيهم هذا المسلك.


    5-
    تغيـير السلوك العملي الخاطئ وتبني السلوك السليم:

    مثال ذلك أن تلقي محاضرة على جمع من المدخنين، عن حرمة التدخين وأضراره، ليكفوا عنه.

    والحقيقة

    أنه بالرغم من أهمية جميع الأهداف المذكورة إلا أن الهدف الأخير يعتبر من أهمها ومن أصعبها تحقيقا، ذلك لأنه يتطلب ترك ما اعتاده الإنسان لزمن طويل، وما يكون قد ورثه عن آبائه وأجداده فيعز عليه تركه، كما أن السلوك الخاطئ غالبا ما يكون موافقا للهوى والشهوة وفي تغييره وتبني السلوك السليم مشقة وتبعات ثقيلة


    ولقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك حيث قال:
    (
    حفت النار بالشهوات، وحفت الجنة بالمكاره )

    [ صحيح الجامع مجلد 3-4 رقم (3142) ].


    لذا فسوف نتحدث في الفصل القادم عن مراحل التغيـير، التي غالبا ما يتنقل فيها كل من أراد أن يغير سلوكا خاطئا إلى آخر سليم.


    مراحل التغيـير


    إن تغيـير السلوك الخاطئ إلى آخر صحيح لا يمكن أن يتحقق إلا إذا شاء الله ذلك وأراده


    حيث يقول سبحانه وتعالى مخاطبا نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم:

    { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء }

    [ القصص 56] .


    ويقول في موضع آخر على لسان نبيه نوح عليه السلام:

    { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون }

    [ هود 34] .


    وإن هذا التغيير لا يأتي في الغالب فجأة بدون مقدمات ، ولا دفعة واحدة بدون تدرج. بل لابد للإنسان من الانتقال عبر عدة مراحل حتى يبلغ حد التغيـير. لذا كان لزاما على الملقي أن يراعي جميع هذه المراحل قبل إلقائه وأثنائه وبعده. وهذه المراحل غالبا ما تكون مرتبة على النحو التالي:-

    1- العلم والإدراك:

    إن أول مرحلة وأهم مرحلة من مراحل التغيـير هي مرحلة العلم والإدراك.


    فإن الإنسان عدو ما يجهل، ومن أراد أن يجيد صنعة فلابد أن يتعلمها، وإلا ذهب يتخبط فلا يهتدي إلى شيء.


    لذا فإنه من أهم واجبات الداعية إلى الله سبحانه، هو تعليم الناس العلم النافع الذي يثمر بإذن الله عملا صالحا.


    يقول تعالى:

    { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم }

    [ البقرة 129]


    ، ويقول سبحانه:

    { هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين }

    [ الجمعة 2]


    فإن الله قد بعث رسوله إلى الناس تاليا لآياته عليهم، مبلغا إياهم ما بعثه الله به من الهدى، ومعلما إياهم العلم الإلهي النافع.


    وبعد ذلك هم يختارون إما الاتباع وإما الإعراض والامتناع.


    ويقول جل من قائل في موضع آخر:

    { بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون }

    [ الأنبياء 24]


    أي أنهم لو علموا الحق لكان أحرى بهم أن يتبعوه.


    ويقول تعالى:

    { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك }

    [ محمد 19]


    وهذا يعني العلم أولا ثم العمل.


    وفي الآية الأخرى يقول تعالى:

    { بل كَذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولَمَّا يأتهم تأويله }

    [ يونس 39]


    فهذه الآية تبين أن سبب التكذيب هو عدم كمال العلم بالمكذَّب به، وبالتالي فإنه يُفهم منها بأن كمال العلم بالشيء شرط لقبوله والأخذ به.


    لذا فإننا نجد آياتٍ وأحاديث كثيرة تحث على تبليغ العلم للناس لأن ذلك هو نقطة البدء والانطلاق للتغيير.


    ومن هذه الآيات قوله تعالى:

    { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة }


    وقوله سبحانه:

    {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير }

    [ آل عمران 104].


    ومن الأحاديث


    قوله عليه السلام:

    ( بلغوا عني ولو آية )

    [ صحيح الجامع مجلد رقم 3-4 رقم الحديث (2834) ]


    ويقول صلى الله عليه وسلم:

    ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )

    [ صحيح الجامع مجلد 3-4 رقم الحديث (3314) ]


    ويقول عليه الصلاة والسلام:

    ( إن الله وملائكته، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في البحر، ليصلون على معلم الناس الخير ) [ صحيح الجامع.مجلد رقم 1-2 رقم الحديث (1834) ].


    إن تبليغ العلم إلى الناس له وسائل كثيرة ومتنوعة، ولعل من أهمها وأكثرها استعمالا هو توصيل العلم عبر الكلمة المسموعة أو بمعنى آخر عن طريق الإلقاء، لذا كان لزاما على كل داعية أن يجيد فن الإلقاء.
    فن الإلقاء المؤثر ودلالاته من الكتاب والسنة _


    عدل سابقا من قبل الشيخ إبراهيم حسونة في 24.09.09 13:12 عدل 1 مرات
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    فن الإلقاء المؤثر ودلالاته من الكتاب والسنة Empty رد: فن الإلقاء المؤثر ودلالاته من الكتاب والسنة

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 24.09.09 12:31



    2- محبة ما عَلِمه والاهتمام به:

    إذ إن الإنسان إذا بلغه علم معين ينبئه بأن السلوك الذي يمارسه خطأ وفيه ضرر عليه فإنه ليس بالضرورة أن يبادر بترك ذلك السلوك الخاطئ وإنما يكون حاله بين أمرين اثنين لا ثالث لهما

    فإما أن يحب ذلك الأمر، ويهتم به، ويبحث فيه، ومن ثم يتدرج إلى ترك ذلك السلوك الخاطئ.

    وإما أن يكره ذلك الأمر الذي أُبْلِغ به ولا يقبله وذلك لأسباب عديدة ولعل منها عدم فهمه لذلك الأمر أو عدم قناعته به، أو محبته لما كان يمارسه من سلوك خاطئ وتعوده عليه، ونحو ذلك.

    فتكون النتيجة أن يمكث على سلوكه الخاطئ ولا يغيره،

    يقول تعالى:
    { لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون }
    [ المائدة 70] ،

    فبالرغم من صدق ما بلغهم به المرسلون عليهم السلام وأن الخير كل الخير فيه، إلا أن أنفسهم لم تهوَ ما بُلِّغوا به فكانت النتيجة أن كذبوهم ولم يقبلوا ما جاءوا به بل قتلوهم قاتلهم الله .



    وفي موضع آخر يقول الله سبحانه:
    { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون }
    [ الأنعام 113]،

    فإن شياطين الإنس والجن عندما أوحى بعضهم إلى بعض القول الباطل المزخرف المزين كان من نتيجة ذلك أن تميل إليه قلوب الكافرين بالآخرة ويستقبلونه بالمحبة والرضى ومن ثم يسفر ذلك عن العمل والسلوك الفاسد وذلك بأن يقترفوا ما هم مقترفون.

    وفي معنى هذه الآية قوله تعالى:
    { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى }
    [ فصلت 17
    ] .



    وفي موضع آخر يقول الله جل من قائل:
    { ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكرَّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان }
    [ الحجرات 7] ،

    وكفى بهذه الآيات دليلاً على أهمية هذه المرحلة من مراحل التغيير
    .



    وهكذا فإن على الملقي أن لا يدخر وسعاً في تحبيب موضوع إلقائه للمستمعين ليضمن انتقال المستمع من مرحلة العلم والإدراك إلى هذه المرحلة إذا شاء الله لهذا المستمع هداية وتوفيقا.






    3- التقيـيم و الموازنة الفكرية:

    فإن الإنسان إذا علم شيئا وأدرك انه الحق ثم أحبَّه واهتم به فإنه ليس بالضرورة أن يتبنى السلوك الذي يدعو إليه ذلك العلم بل لابد له وأن يَخْضَع لمرحلة الموازنة بين المصالح والخسائر التي سيجنيها من وراء تَبَنِّيه لذلك السلوك سواء أكانت أخروية أم دنيوية.

    فإن ترجح لديه جانب المصلحة عمل بذلك السلوك وإلا تركه.

    والناس يتفاوتون في ذلك تفاوتا عظيما فمنهم من يُقَدِّم المصلحة الأخروية الآجلة على الدنيوية العاجلة مهما كانت خسائره المادية.

    ومنهم من يفعل العكس فيُقَدِّم المصلحة الدنيوية الفانية على الأخروية الباقية.

    ففي كتاب الله آيات كثيرة تتحدث عن حال الناس في هذه المرحلة

    منها قول الله تعالى عن أهل الكتاب:
    { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون }
    [ الأنعام 20] .

    ومنها قوله جل وعلا في حق آل فرعون:
    { فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين }
    [ النمل 13-14
    ].

    ولعل من أمثلة ذلك في السنة الشريفة
    قصة أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم حيث إنه ناصر دعوة ابن أخيه محمد صلى الله عليه وسلم وأقر بصحة دين الإسلام حيث قال منشدا
    :


    والله لن يصلوا إليك بجمعهــم*****حتى أُوَسَّد في التراب دفينا


    فاصدع بأمرك ما عليك غضاضـة*****وأبشر وقـــرّ بذاك منك عيونا
    ودعوتني وعرفت أنك ناصحــي*****ولقـد صدقـت وكنت ثمّ أمينا
    وعرضت دينا قد عرفت بأنـــه*****مــن خير أديــان البريّة دينا
    لولا الملامة أو حذار مسـبــة*****لـوجدتني سمحا بذاك مبينا



    فبالرغم من ذلك لم يُسلم حتى وهو على فراش الموت، ومات وهو يقول " هو على ملة عبد المطلب" ،




    والنبي الداعية الأعظم صلى الله عليه وسلم بين يديه ويقول له :


    ( يا عم قل لا اله إلا الله، كلمة أشفع لك بها عند الله )


    [ رواه البخاري ومسلم].



    ومثال آخر من السنة




    هو ما رواه البخاري في صحيحه عن الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن عباس أخبره ( أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجارا بالشام في المدة - أي صلح الحديبية - التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مادَّ فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمانه فقال : أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟


    فقال أبو سفيان: فقلت أنا أقربهم نسبا.


    فقال أدنوه مني، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره. ث


    م قال لترجمانه: قل لهم إني سائل هذا الرجل ، فإن كذبني فكذِّبوه.


    فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه.

    ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت هو فينا ذو نسب.


    قال فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟


    قلت لا.


    قال فهل كان من آبائه من ملك؟


    قلت لا.


    قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟


    فقلت: بل ضعفاؤهم.


    قال: أيزيدون أم ينقصون؟


    قلت: بل يزيدون.


    قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟


    قلت: لا.


    قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟


    قلت: لا.


    قال: فهل يغدر؟


    قلت: لا، ونحن في مدّةٍ لا ندري ما هو فاعل فيها.


    قال - أي أبو سفيان - ولم تُمكِنِّي كلمة أُدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة.


    قال: فهل قاتلتموه؟


    قلت: نعم.


    قال: فكيف كان قتالكم إياه؟


    قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه.


    قال: ماذا يأمركم؟


    قلت: يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم. ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة.
    فقال للترجمان: قل له سألتك عن نسبه فذكرتَ أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل ترسل في نسب قومها.


    وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول ، فذكرت أن لا ، فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتي بقولٍ قيل قبله.


    وسألتك هل كان من آبائه من ملك ، فذكرت أن لا ، قلت فلو كان من آبائه من ملك قلتُ رجل يطلب ملك أبيه. وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ، فذكرت أن لا ، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله.


    وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم، فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل.


    وسألتك أيزيدون أم ينقصون، فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم.


    وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. وسألتك هل يغدر، فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر.


    وسألتك بم يأمركم، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدميَّ هاتين.


    وقد كنتُ أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه.
    ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل، فقرأه، فإذا فيه:
    "
    بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى.


    أما بعد


    فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين.


    فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين


    { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون } ".



    قال أبو سفيان: فلما قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب، كثر عنده الصخب، وارتفعت الأصوات، وأُخرجنا. فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أَمِرَ أَمرُ ابن أبي كبشة، إنه يخافه ملك بني الأصفر. فما زلت موقناً أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام.


    وكان ابن الناطور-صاحب إيلياء وهرقل- سُقُفاً على نصارى الشام يحدِّث أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح يوماً خبيث النفس، فقال بعض بطارقته: قد استنكرنا هيئتك. قال ابن الناطور: وكان هرقل حزَّاءً - أي كاهنا - ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملَكَ الختان قد ظهر، فمن يختتن من هذه الأمة؟ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود، فلا يُهِمَّنَّك شأنهم، واكتب إلى مدائن ملكك فيقتلوا من فيهم من اليهود.


    فبينما هم على أمرهم أُتِي هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.


    فلما استخبره هرقل قال: اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا؟ فنظروا إليه، فحدثوه أنه مختتن، وسأله عن العرب فقال: هم يختتنون.


    فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر.


    ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية، وكان نظيره في العلم. وسار هرقل إلى حمص، فلم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم وأنه نبي.

    فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة - أي قصر - له بحمص، ثم أمر بأبوابها فغُلِّقَت، ثم اطَّلَعَ فقال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غُلِّقَت، فلما رأى هرقل نفرتهم وأيِس من الإيمان قال: ردُّوهم علي.

    وقال: إني قلت مقالتي آنفاً أَختبر بها شِدَّتَكُم على دينكم، فقد رأيت. فسجدوا له ورضوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل. رواه صالح بن كيسان ويونس ومعمر عن الزهري).

    [رواه البخاري فتح الباري كتاب الإيمان المجلد الأول حديث رقم (51) ] .

    4- التجربة و المحاولة العملية:

    بعد الموازنة الفكرية وترجيح المصالح على الخسائر، والاقتناع بهجر السلوك الخاطئ وتبني السلوك الصحيح، تبرز مرحلة مهمة من مراحل التغيير، ألا وهي مرحلة التجربة العملية لممارسة السلوك الصحيح.

    وهذه المرحلة تعتبر من أخطر المراحل، حيث أن العلم النظري شيء والتطبيق العملي شيء آخر.

    فقد تواجه الإنسان في هذه المرحلة صعوبات كثيرة لم يكن يحسب لها حسابا.

    فقد تكون ممارسة السلوك القويم أمر شاق ومكلف وبالذات لشخص لم يتعود عليه.

    كما أن انتقادات المنحرفين ممن حوله له ، وسخريتهم به قد تشكل عائقا دون ثباته على ذلك السلوك.

    لذا كان واجبا على الداعية أن يبصر من يدعوهم إلى خطورة هذه المرحلة وكيفية التغلب على مصاعبها.

    كما وعليه أن يكتنف من يعيش هذه المرحلة ويؤازره حتى يثبت على السلوك القويم، ولا يكتفي فقط بإلقاء المحاضرة أو الدرس ثم الخلود إلى الراحة.

    إن آيات القرآن التي تبصر الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام بما سيعرض لهم من مشاق وصعاب في مسيرة الدعوة كثيرة ولا تحصى. فما قصص الأنبياء في القرآن إلا من هذا القبيل حيث يقول جل من قائل في أواخر سورة هود بعد أن قص على نبيه صلى الله عليه وسلم قصص الأمم السابقة وتكذيبهم لأنبيائهم و ما نزل بهم من العذاب:

    { وكلاًّ نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين }

    [ هود 120].

    ومن الأحاديث ذات الدلالة على تثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه حديث خباب بن الأرت في صحيح البخاري حيث قال:

    ( شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة - قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟

    قال: كان الرجل قبلكم يؤخذ فيحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب ، وما يصده ذلك عن دينه.

    والله لَيُتِمَّنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله ، و الذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون ).

    [صحيح الجامع مجلد رقم 3-4 برقم (4326) ].



    عدل سابقا من قبل الشيخ إبراهيم حسونة في 24.09.09 13:09 عدل 1 مرات
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    فن الإلقاء المؤثر ودلالاته من الكتاب والسنة Empty رد: فن الإلقاء المؤثر ودلالاته من الكتاب والسنة

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 24.09.09 12:38



    5- تبني السلوك القويم و الثبات عليه:

    إن هذه المرحلة تعتمد اعتمادا كبيرا على المرحلة السابقة، فهي نتيجة متوقعة لتجاوز المرحلة السابقة.

    ومع ذلك فإن الثبات على السلوك الصحيح يحتاج إلى مزيد من المتابعة والتعزيز من قبل الداعية.

    فإنه لا يؤمن على الإنسان من الكسل والفتور.

    والمتأمل في كتاب الله تعالى يجد أن آيات الله لم تكف عن دعوة المؤمنين للإيمان وتحذيرهم من الشرك ومن المعاصي وذلك بعد أن حققوا الإيمان في أنفسهم وأهليهم ومجتمعهم، وبعد أن جادوا بأرواحهم رخيصة في سبيل الله.



    ففي سورة الحديد يخاطب الله المؤمنين وهم في دار الهجرة بعد أكثر من ثلاث عشرة سنة من البعثة وبعد أن خاضوا غزوة بدر الكبرى يقول لهم:
    { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون }
    [ الحديد 16
    ].



    وفي سورة الحشر يأمر الله المؤمنين بالتقوى فيقول جل من قائل:
    { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون }
    [ الحشر 18-19
    ] .



    وفي سورة النساء يقول سبحانه وتعالى:
    { يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزَّل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيدا }
    [ النساء 136
    ].




    كيف يكون إلقاؤك مؤثراً؟

    أولاً:- أسس لابد منها
    :-

    1-الإخلاص لله تعالى:

    يقول الله تعالى:
    { وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء }
    [ البينة5]

    ، ويقول جل من قائل:
    { يأيها الذين آمنوا اتقوا الله، وقولوا قولا سديدا }
    [ الأحزاب 70] ،

    فأمر سبحانه بتقواه أولاً، ثم القول السديد المستقيم الموافق لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم
    .



    وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
    (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيـبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)
    [ رواه البخاري فتح الباري كتاب بدء الوحي المجلد الأول رقم الحديث (1
    ) ].



    فما كان الله ليبارك في عمل لم يرد به صاحبه وجه الله.

    ففي الحديث القدسي يقول الله سبحانه وتعالى:
    (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)
    [ صححه الألباني في صحيح الجامع برقم 4189 المجلد 3-4
    ].



    وروى مسلم أيضا في صحيحه حديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار، المقاتل ليقال جريء، والمعلِّم ليقال عالم، والمتصدق ليقال جواد
    [رواه مسلم 6/47
    ].



    وكما أثر عن سلفنا الصالح أن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه تعالى وموافقا لسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.






    2-اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في كلامه وخطبه وأحاديثه:

    هذا هو الشرط الثاني من شروط قبول العمل، ولا ريب أن عملا لا يقبله الله لا يمكن أن يكون مؤثرا في الناس تأثيرا يرضاه الله.

    كما أن الله قد علم نبيه أفضل الطرائق والأساليب لدعوة الناس إلى دين الإسلام، فهو صلى الله عليه وسلم خير متبوع في هذا الأمر وفي كل أمر.

    يقول الله تعالى:
    { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم }
    [ آل عمران 31].

    ويقول تعالى:
    { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا }
    [ الأحزاب 21].

    ويقول جل وعلا:
    { وإنك لتهدى إلى صراط مستـقيم، صراط الله }
    [ الشورى52-53].

    ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:
    ( تركت فيكم شيئين، لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي)
    [ صحـحه الألباني في صحيح الجامع برقم(2934 المجلد3-4) ] ،

    ويقول:
    ( أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وإن أفضل الهدي هدي محمد، و شر الأمور محدثاتها )
    [ صحيح الجامع برقم (1365) المجلد 1-2] ،

    ويقول أيضا:
    ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )
    [ صحيح الجامع برقم (6274) المجلد5-6
    ] .




    3- القدوة:

    إن كلامك لن يكون مقبولا إلا إذا صدَّق فعلُك قولَك،

    يقول الله تعالى:
    { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون }
    [ الصف 2] ،

    ويقول سبحانه على لسان شعيب عليه السلام
    { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه }
    [ هود 88]،

    ويقول أيضا:
    { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة
    } .



    وتقول عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم:
    ( كان خلقه القرآن)
    [ صحيـح الجامع برقم4687 المجلد3-4
    ].



    فلقد كان صلوات ربي وسلامه عليه يدعو الناس للعمل بالقرآن وكان هو أول من يتخلق بأخلاق القرآن، فهذا الذي ينبغي أن يكون عليه الدعاة المخلصون.





    4-وضوح اللغة:

    يجب أن يكون الإلقاء باللغة التي تناسب المستمعين فبالنسبة لنا نحن العرب يجب أن يكون إلقاؤنا باللغة العربية الفصحى ، مع ضرورة تجنـب اللهجات الدارجة إلا في أضيق الحدود.

    يقول الله تعالى:
    { إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون }
    [ يوسف2]،

    ويقول :
    { نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين }
    [ الشعراء195]،

    ويقول جل من قائل:
    { ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته }
    [ فصلت 44].

    إن مراعاة النطق السليم وقواعد اللغة له أكبر الأثر في تقبل الجمهور لما يلقى إليهم. كما أن استخدام المحسنات البديعية دون ما مبالغة يضفي على الإلقاء جمالا وقبولا لدى المستمعين
    .


    5- التوقيت المناسب:

    يقول ابن مسعود رضي الله عنه :
    ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا)
    [ البخاري فتح الباري المجلد الأول كتاب العلم رقم الحديث 68] ،

    أي كان يراعي الأوقات في تذكيرنا، كما نقله ابن حجر رحمه الله في الفتح عن الخطابي.

    فهذا يتضمن اختيار الوقت المناسب للمحاضرة ابتداءً، كما يتضمن عدم الإكثار في عدد مرات الإلقاء ومراعاة الفارق الزمني بين كل محاضرة وأخرى
    .



    أما بالنسبة لطول المحاضرة فهو أمر في منتهى الأهمية، حيث ينبغي مراعاة الحال سواء بالنسبة لنوعية الإلقاء أو نوعية المكان أو نوعية المستمعين.

    وعلى كل حال فإن الأصل هو عدم الإطالة والالتزام بوقت محدد مما يضمن عدم تسرب الملل إلى المستمعين. ولعل المتخصصين في مجال التربية والتعليم يحبذون أن لا تطول المحاضرة أو الدرس أكثر من (45) دقيقة
    .


    6- الوسائل المناسبة :

    السبورة - الشفافيات - الشرائح - الفيديو - الكمبيوتر... الخ، مما يساعد على توضيح المعاني، ويؤدي إلى جذب انتباه المستمعين.



    ولعل لاستخدام هذه الوسائل التعليمية أصلا في الشريعة حيث ثبت في صحيح البخاري
    (أن النبي صلى الله عليه وسلم خط خطا مربعا، وخط خطا في الوسط خارجا منه، وخط خُطُطاً صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط وقال: ( هذا الإنسان؛ وهذا أجله محيط به - أو قد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخُطُط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وان أخطأه هذا نهشه هذا) [ رواه البخاري فتح الباري المجلد الحادي عشر برقم6417
    ].






    7- تنويع الأساليب:
    كالتقرير والاستفهام والتعجب وكضرب الأمثال وقص القصص وغيرها مما يكثر استعماله في القرآن والسنة المطهرة.

    كما أن من أعظم الأساليب المؤثرة في المستمعين هو الاستدلال على أقوالك بنصوص القرآن وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ما استطعت إلى ذلك سبيلا
    .



    8-
    مراعاة حاجة المستمعين للموضوع:
    فهذا هو القرآن يتـنـزل في مكة ثلاث عشرة سنة لا يحدثهم في الأعم الأغلب إلا في موضوع العقيدة لحاجة المسلمين الجدد لهذا الموضوع دونما سواه، كما أن القرآن كان يتـنـزل طيلة حياة الرسول صلى الله عليه وسلم يعالج المواقف والوقائع التي كانت تقع آنذاك.

    وهذا هو الرسول صلى الله عليه وسلم يستـغل وقوع الحوادث والمناسبات ليحدثهم عنها ، كما حدث عند كسوف الشمس في عهده وعند خوض نفر من المسلمين في حادثة الإفك وغير ذلك كثير
    .



    عدل سابقا من قبل الشيخ إبراهيم حسونة في 24.09.09 13:06 عدل 1 مرات
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    فن الإلقاء المؤثر ودلالاته من الكتاب والسنة Empty رد: فن الإلقاء المؤثر ودلالاته من الكتاب والسنة

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 24.09.09 12:50

    9- مشاركة الجمهور:

    وذلك عن طريق إلقاء الأسئلة عليهم واستقبالها منهم،

    ففي خطبة الوداع يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه فيقول:
    (
    أتدرون أي يوم هذا؟…..الخ الحديث )
    [ رواه البخاري في فتح الباري المجلد الأول كتاب العلم رقم الحديث 67].

    ويسألهم في حديث أخر فيقول:

    ( أتدرون من المفلس؟ …….الخ الحديث)
    [ ترتيب أحاديث صحيح الجامع المجلد الثالث الحديث رقم 1 صفحه 117].


    كما كان صلى الله عليه وسلم يستقبل الأسئلة منهم

    حيث ورد في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    ( قاربوا وسددوا، وأبشروا واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله ،
    قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟
    قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل )
    [ صحيح الجامع برقم 4173 المجلد3-4
    ].



    وفي الحديث الآخر المتفق عليه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
    (بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي، فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له ، قالوا: يا رسول الله، إن لنا في البهائم أجرا؟ فقال: في كل كبد رطبة أجر )
    [ صحيح الجامع برقم 2870 مجلد 3-4
    ].


    10- ابدأ بالمعلوم ثم انتقل للمجهول:

    من ذلك ضرب الأمثلة وهو كثير في القرآن والسنة

    ففي القرآن يقول تعالى:
    { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم }
    [ البقرة 261
    ].



    أما من السنة ففي خطبة الوداع بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بتقرير حرمة اليوم والشهر والبلد وهي أمور معلومة لأصحابه ثم انتقل إلى ما قد يجهلونه وهو أن دماءهم وأموالهم حرام عليهم كحرمة هذه الأمور
    [رواه البخاري في فتح الباري المجلد الأول كتاب العلم رقم الحديث 67
    ].


    11- تأكد من الإفهام:
    بسؤالهم هل فهموا ؟
    قال الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر خطبة الوداع: ( ألا هل بلغت ( ثلاثا) حتى قالوا:نعم، فقال: اللهم فاشهد)
    [ رواه البخاري في فتح الباري المجلد الأول كتاب العلم رقم الحديث 67
    ].



    كما أن توجيه الأسئلة إليهم عن موضوع الإلقاء سواء شفويا أو تحريريا بعد نهاية الدرس أو المحاضرة واستقبال أجوبتهم ينبئك عن مدى فهمهم للموضوع.




    12- تعزيز الفهم و التحفيز:
    بالتكرار، والأسئلة فيما سبق طرحه، والحوافز المادية والمعنوية، والتنويع في الوسيلة والأسلوب.




    13- التعليم بالتطبيق العملي :
    صعد الرسول صلى الله عليه وسلم المنبر لتعليم أصحابه الصلاة وقال (صلوا كما رأيتموني أصلي)
    [ إرواء الغليل رقم 262 المجلد الأول صفحه 291]

    ، وقال كذلك في الحج
    ( خذوا عني مناسككم)
    (لتأخذوا عني مناسككم….. الخ الحديث )
    [ ترتيب أحاديث صحيح الجامع الصغير وزيادة رقم 3 المجلد الأول صفحه 441
    ].





    14- مبدأ البذرة والأرض والساقي :
    يصور ذلك تصويرا جميلا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم:
    ( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان ، لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به )
    [ رواه البخاري، فتح الباري رقم 79 المجلد الأول
    ].



    وهذا يعني أنه لابد من اختيار الأرض الخصبة التي تتقبل البذرة وتنبت بإذن ربها ، كما أنه لابد من المتابعة والسقي المستمر والصبر على ذلك مهما طال الزمن ، وإلا قد تجدب الأرض وتموت البذرة ولا تثمر الجهود.




    15- الرفق والرحمة والخلق الحسن :

    يقول الله تعالى :
    { فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك }

    ويقول :
    { وإنك لعلى خلق عظيم }

    ويقول سبحانه:
    { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن }

    ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
    ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه )
    [ رواه مسلم
    ] .



    وعندما بال الأعرابي في المسجد لم يزجره النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعنفه وإنما قال له :
    ( إنما جعل المسجد للصلاة وذكر الله ولا يصلح لمثل فعلك )

    وعندما عطس رجل في الصف والصحابة يصلون خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له معاوية بن الحكم رضي الله عنه : يرحمك الله ، بصوت عال، فرموه الصحابة بأبصارهم فقال معاوية: واثكل أمياه، فأخذوا يضربون على أفخاذهم ليسكتوه ، وعندما سلم الرسول صلى الله عليه وسلم من صلاته ، لم ينهره ولم يعنفه وإنما قال له: ( إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس هذا إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ) [ صحيح سنن أبي داود رقم الحديث 823 المجلد الأول صفحه 175
    ].




    16- كن قياديا :
    أحسِن السيطرة على المستمعين لكيلا يفلت منك زمام المحاضرة.

    فقد يوجد بينهم من يثير الشغب أو من يحب الضحك والمزاح أو من يهوى إحراج المحاضرين
    .



    ولعله يحضرني في هذا المقام قصة طريفة لأحد الدعاة عندما كان يحاضر في جمع من النساء عن تعدد الزوجات في الإسلام، وأفاض في الحديث بموضوعية وإتقان واستيعاب، واستعان بالأرقام والإحصاءات ، وأورد الحجج العقلية والنقلية لإثبات فوائد تعدد الزوجات ، إلا أن عددا من الحاضرات لم يقتنعن وأخذن في اللجاج والجدل العقيم ، فرأى المحاضر أن يسكتهن بطريقة أخرى.

    فقال لهن:
    في الحقيقة أن المسئول الحقيقي عن تعدد الزوجات هو المرأة لا الرجل.

    فلما استغربن ذلك وأنكرن عليه قال لهن:
    لو أن كل امرأة رفضت أن تكون زوجة ثانية لرجل لما كان هناك تعدد زوجات
    .




    ثانيا:- المواصفات الكلامية :-

    1- معدل سرعة الكلام :
    لا يكن كلامك سريعا لا يفهم ولا بطيئاً فيمل ، وإنما ابتغ بين ذلك سبيلا.

    عن عائشة رضي الله عنها قالت :
    ( ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد كسردكم هذا ، ولكنه كان يتكلم بكلام بيِّنٍ فَصل ، يحفظه من جلس إليه )
    [ مختصر الشمائل المحمدية رقم الحديث 191 صفحه 119
    ].



    وثبت عن أم سلمه قالت :
    ( كان النبي يقطع قراءته يقول { الحمد لله رب العالمين }
    ثم يقف ثم يقول
    { الرحمن الرحيم } ثم يقف وكان يقرأ { مالك يوم الدين } …….الخ الحديث )
    [ الشمائل المحمدية برقم 720 صفحه 166
    ].




    2- التكرار للمعلومة المهمة:

    عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
    ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيد الكلمة ثلاثا، لتعقل عنه )
    [ الشمائل المحمدية برقم 192 صفحه 120
    ].



    وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
    ( ويل للأعقاب من النار -مرتين أو ثلاثا- )
    [ صحيح الجامع برقم 7009 مجلد 5- 6
    ].



    ويقول النبي صلى الله عليه وسلم :
    ( ألا أحدثكم بأكبر الكبائر (ثلاثا) ؟
    قالوا بلى يا رسول الله .
    قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئا فقال: وشهادة الزور. قال: فما زال يقولها حتى قلنا ليته سكت)
    [ مختصر الشمائل المحمدية للألباني رقم 104 صفحه 74
    ].




    3- السكتة الخفيفة قبل المعلومة المهمة :

    عن أبي بكرة رضي الله عنه قال :
    ( خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: أتدرون أي يوم هذا؟
    قلنا الله ورسوله أعلم
    فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ،
    قال : أليس يوم النحر ؟
    قلنا بلى
    قال: أي شهر هذا ؟
    قلنا الله ورسوله أعلم.
    فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه
    فقال أليس ذو الحجة؟
    قلنا: بلى.
    قال: أي بلد هذا ؟
    قلنا الله ورسوله أعلم
    فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه،
    قال: أليست بالبلدة الحرام ؟
    قلنا: بلى.
    قال : فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا إلى يوم تلقون ربكم ...الخ الحديث ) [ إرواء الغليل رقم 10 صفحه 43
    ] .




    4- تكلم ببطء عند المعلومة المهمة :

    فإن ذلك أدعى لجذب انتباه المستمعين ، وأبلغ في إيصال المعلومة المهمة إليهم.


    5- تجنب السكتات الطويلة من غير حاجة :

    كتلك التي تفعل عند تقليب الأوراق أو البحث عن ورقة معينة أو استذكار نص معين من القرآن أو الحديث أو غير ذلك.


    6- تجنب تكرار كلمة معينة بكثرة لغير حاجة :

    نحو: (يعني، إيش ، عرفت ، تعرف ، سمعت ، أقول ، شفت كيف، في الحقيقة، في الواقع، هاه... الخ ).




    7- ارتفاع الصوت :

    ينبغي أن ترفع صوتك بحيث تسمع جميع المستمعين دون أن تزعجهم تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم .


    8- ارفع الصوت عند المعلومة المهمة :

    عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال :
    تخلف عنا النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها ، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته :
    ( ويل للأعقاب من النار-مرتين أو ثلاثا-)
    [ صحيح الجامع برقم 7009 مجلد 5 – 6
    ].



    وأخرج مسلم من رواية جابر رضي الله عنه قال :
    ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب وذكر الساعة اشتد غضبه وعلا صوته )
    [ صحيح النسائي برقم 1487 المجلد الأول صفحه 345
    ].

    9- لا يكن صوتك رتيبا مملا في الشدة والحدة:
    فإن التنويع في شدة الصوت بين الارتفاع والانخفاض، وفي الحدة ترقيقا وتفخيما، يمنع تسلل الملل والنعاس إلى المستمعين، ويشد انتباههم إليك شدَّا.


    ثالثا:- المؤثرات غير الكلامية :-

    1- المظهر العام :

    لا بد أن يوافق سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم من إعفاء اللحية وجعل أسفل الثوب فوق الكعبين بالنسبة للرجال و نظافة الملبس وحسن الهندام، هذا بالإضافة إلى كونه مقبولا لدى المستمعين من حيث العرف والتقاليد فإن الله سبحانه وتعالى رد على المشركين عندما اعترضوا على كون النبي المرسل إليهم بشرا وطلبوا أن يكون ملكا بقوله:
    { ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون }
    [ الأنعام 9
    ].




    2- توزيع النظرات :

    ينبغي الإقبال بالوجه والنظر إلى جميع المستمعين وعدم النظر فقط في الأوراق أو إلى أعلى أو إلى أسفل أو إلى جهة واحدة أو إلى شخص معين ، فإن ذلك أدعى لجذب انتباه المستمعين جميعهم إليك ؛

    عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال :
    (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم اقبل علينا بوجهه فوعظنا موعظة بليغة )
    [ رواه ابن ماجه و صححه الألباني رقم الحديث 42 المجلد الأول صفحه 14]،

    وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال :
    (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بوجهه وحديثه على أشر القوم ، يتألفهم بذلك، فكان يقبل بوجهه وحديثه علي ، حتى ظننت أني خير القوم فقلت: يا رسول الله، أنا خير أو أبو بكر ؟ قال : أبو بكر، فقلت يا رسول الله، أنا خير أو عمر؟ فقال: عمر، فقلت يا رسول الله، أنا خير أو عثمان؟ قال: عثمان. فلما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فصدقني، فلوددت أني لم أكن سألته)
    [ مختصر الشمائل المحمدية حسنه الألباني برقم 295].

    3- تعبيرات الوجه :
    ينبغي على الملقي أن يتفاعل مع ما يقول فإن كان حديثه عما يفرح تهلل وجهه فرحا .

    وان كان عما يحزن بان الحزن على وجه.

    وإن كان عما يغضب احمرت وجنتاه من الغضب.

    عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : يقول صلى الله عليه وسلم :
    ( بُعثت أنا والساعة كهاتين )

    وكان إذا ذكر الساعة احمرت وجنتاه وعلا صوته واشتد غضبه .....الخ الحديث [صحيح النسائي و صححه الألباني برقم الحديث 1487 المجلد الأول صفحه 345].

    وعن فاطمة بنت قيس ، أخت الضحاك بن قيس أنها سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعة ، فخرجت إلى المسجد، قالت : فصليت مع رسول الله، فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: ( ليلزم كل إنسان مصلاه ) ، ثم قال: ( أتدرون لم جمعتكم ؟ ) قالوا: الله ورسوله اعلم، قال: ( إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم، لأن تميما الداري، كان رجلا نصرانيا فجاء، فبايع وأسلم . وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال ) إلى آخر الحديث [ رواه مسلم وصحيح الجامع برقم 2508].

    4-
    تحريك اليد والجسم :
    عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : يقول صلى الله عليه وسلم: ( بُعثت أنا والساعة كهاتين - ويقرن بين إصبعيه السبابة و الوسطى) [ صحيح ابن ماجه رقم الحديث 43 المجلد الأول صفحه 14].
    (
    وكان صلى الله عليه وسلم إذا خطب يشير بإصبعه المسبحة )
    [ مختصر صحيح مسلم رقم الحديث 414 صفحه 114 ].

    وعن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: ( يأخذ الجبار سماواته وأرضه بيده (وقبض بيده يقبضها ويبسطها)
    ثم يقول: أنا الجبار ! أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟
    قال : ويتميل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وعن يساره حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شئ منه.
    حتى إني أقول: أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم؟)
    [ صحيح ابن ماجه رقم الحديث 164 المجلد الأول صفحه 39].




    5- وضع الوقوف أو الجلوس :

    (
    كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخطب وهو واقف على المنبر ويتكئ أحيانا على عصا أو سيف أو على رجل)
    [ صحيح سنن النسائي 1484 المجلد الأول صفحه 345].



    وكان يحدث أصحابه وهو جالس، و ربما جلس متكئاً أحيانا.

    وقد مر بنا حديث ( وقول الزور )
    وكيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم متكئاً ثم جلس
    .

    6- الحركة والانتقال:
    ذهاباً وإياباً حسب ما يناسب الحال لأنه أدعى لجذب انتباه المستمعين.

    كيف تتغلب على القلق؟
    1- استحضر الإخلاص لله تعالى يقول سبحانه : { يا أيها الذين أمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } [ محمد 7].
    2-
    أكثر من إلقاء الكلمات والمواضيع .
    3-
    حضر الموضوع بإتقان .
    4-
    جرب الإلقاء لوحدك مرة أو أكثر قبل مقابلة الجمهور .

    5-
    أكثر من ذكر الله وأنت في طريقك إلى الإلقاء
    يقول تعالى:
    { إلا بذكر الله تطمئن القلوب }
    [ الرعد 28
    ].

    6-
    اسأل الله اطمئنان القلب والصبر والتثبيت ،

    يقول تعالى:
    { ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا }
    [ البقرة 250
    ].

    7-
    ابدأ الإلقاء بذكر الله وحمده ؛ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:
    ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته، يحمد الله ويثنى عليه بما هو أهله ... الحديث )
    [ صحيح سنن النسائي رقم الحديث 1487 المجلد الأول صفحه 345] .

    ولعل أحسن ذلك خطبة الحاجة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمها لأصحابه، وهي
    ( إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ...الخ )
    [ رسالة خطبة الحاجة للألباني
    ].

    8-
    حافظ على تركيزك في موضوعك.

    9-
    كن إيجابيا في تفكيرك تجاه نفسك و تجاه المستمعين فأنت قادر على الإلقاء بإذن الله ، وعملك من أحسن الأعمال وأشرفها

    حيث يقول تعالى:
    { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين }
    [ فصلت 33]

    وقد وعد الله سبحانه وتعالى بالتيسير لك إن أنت ذكَّرت الناس ودعوتهم

    فقال جل من قائل:
    { ونيسرك لليسرى فذكر }
    [ الأعلى 8-9
    ] .

    كما أن المستمعين متفاعلين معك فقد كلفك الله بالتذكير ووعد بتأثر من يخشى

    فقال سبحانه وتعالى:
    { فذكر إن نفعت الذكرى، سيذكر من يخشى }
    [ الأعلى 9-10
    ].

    واعلم أن المستمعين لا يعلمون أنك قلق ، ولو علموا بذلك لعذروك لأنهم يقدرون موقفك ، ولو كان أحدهم مكانك لشعر بما تشعر .

    كيف تقيس مدى استجابة الجمهور ؟



    1-
    فهم المستمعين للموضوع بإجاباتهم على أسئلتك.

    2-

    سرورهم وارتياحهم للموضوع .

    3-

    تبني وجهات النظر التي تدعو إليها .

    4-

    تحسن علاقاتهم بك ومحبتهم لك .

    5-

    تبنيهم للسلوك الذي تدعو إليه .

    6-

    دعوتهم للآخرين إلى السلوك الذي تدعو إليه .

    وفي الختام

    يتبين مما سبق طرحه، أن الإلقاء بات سلاحا من أسلحة الدعوة إلى الله ينبغي الاهتمام به، والإلمام بفنونه لكي نضمن بإذن الله وصول المعلومة الصحيحة إلى المدعوين ومن ثم يكون التغيير المراد في وجهات النظر وفي السلوك
    .
    إن مما ينبغي التنبيه إليه في هذه الخاتمة هو أن الدعوة إلى الله عبر الكلمة المسموعة لابد أن تستمر ولا تتوقف بحجة ضرورة استكمال الإلمام بفنون الإلقاء. بل لابد أن نتقي الله ما استطعنا فندعوا إلى الله بما عندنا من العلم ومن مهارات الإلقاء مع مواصلة تعلم مهارات أخرى والتدرب عليها، فرب كلمة خرجت من قلب مخلص يكون لها أكبر الأثر في قلوب المستمعين.
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    انتهيت منه بفضل الله ومنته والحمد لله على نعمته ليلة يوم السبت 8 محرم لعام 1420 هـ .


    د/ مـحـمـد فـهـاد الـدوسـري


    المملكة العربية السعوديةالخبر ص.ب 94 الرمز البريدي (31952) .
    فن الإلقاء المؤثر ودلالاته من الكتاب والسنة 470674

    والنقل
    لطفـاً .. من هنــــــــــا
    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=120341



    عدل سابقا من قبل الشيخ إبراهيم حسونة في 24.09.09 13:04 عدل 1 مرات
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    فن الإلقاء المؤثر ودلالاته من الكتاب والسنة Empty رد: فن الإلقاء المؤثر ودلالاته من الكتاب والسنة

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 24.09.09 13:00


    بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

    وبعد

    كاتب هذا الموضوع الجيد هو

    الأخ الطبيب أبو مصعب محمد فهاّد الدوسري

    - رزقنا اللهم وإياه الاستقامة على شرعه وتعظيم شعائره

    واحد مما لهم الفضل عليّ، إبان وجودي ببلاد الحرمين -

    سعدت برؤية جهد له .

    فشكر الله تعالى له ولزوجه وولده

    ( رفعة وميمونة ونجلاء وخولة ومصعب )

    تقبلنا اللهم وإياهم في الصالحين

    أمين

    أبو عبد الله
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    فن الإلقاء المؤثر ودلالاته من الكتاب والسنة Empty رد: فن الإلقاء المؤثر ودلالاته من الكتاب والسنة

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 28.09.09 14:35

    دورة في فن الإلقاء
    فن الإلقاء المؤثر ودلالاته من الكتاب والسنة 470674
    دورة في فن الإلقاء الدعوي

    المقدمة

    هذه الدورة ستكون عبارة عن دروس في فن الإلقاء استفدتها من مراجع كثيرة ومن خلال خبرة وممارسة لبعض الوقت وأرجو من الله أن تكون نافعة وان تكون عونا على طاعة الله وتبليغ دينه .

    والذي دعاني إلى إقامة هذه الدورة أهمية فن الإلقاء وكونه وسيلة عظيمة في تبليغ دين الله ودعوة الناس إليه بل هو وسيلة مهمة لكل من يريد الوصول إلى قلوب وعقول الناس أيا كان مقصده وغايته .

    وكذلك كان من الدواعي لذلك ما أراه ويراه كثيرون من فقر في الأسلوب وضعف في الأداء لدى فئة ليست بقليلة من الدعاة والخطباء والمدرسين وغيرهم ممن يتعاطى هذا الأمر مما سبب نفورا لدى الناس من سماع الخير أو ضعفا في استفادتهم منه .

    ولست ادعي أنني من خلال هذه الدورة الموجزة أني سأحيط بجوانب الموضوع فهو موضوع كبير قد الفت فيه كتب كثيرة وكبيرة ولكني أشير إلى ما يحضرني مما أرى أهمية لفت الأنظار إليه سائلا الله سبحانه أن يجعله لي ولمن يستفيد منه ذخرا وأجرا .

    أهمية الإلقاء في الدعوة

    للإلقاء أهمية كبيرة كما سبق فهو الوسيلة الأولى التي يمكن للداعية أن يستخدمها لإيصال ما يريد إيصاله للآخرين ، ولا تعتبر الوسائل الحديثة والمبتكرة للتواصل مع الغير مغنية عنه وإنما هي وسائل مساعدة ينبغي الاستفادة منها واستغلالها .

    وقد استخدم أسلوب الإلقاء في الدعوة أفضل البشر وهم الرسل وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ودخل الناس بسبب ذلك في دين الله أفواجا ، وكذلك استخدمه خلفاء رسولنا وكثير من أصحابه رضي الله عنهم .

    بل لا يقتصر أمر الاستفادة من مهارة الإلقاء على من سبق ذكرهم حيث استفاد منها الرؤساء والزعماء من كل جنس ولون وكانت وسيلتهم في كسب قلوب أتباعهم والتفافهم حولهم ويمكننا أن نقول جازمين انه ما من زعيم أو قائد برز اسمه واشتهر ذكره إلا وله في فن الإلقاء والخطابة نصيب وافر إلا ما ندر.

    هل يمكنني اكتساب القدرة على الإلقاء الناجح ؟

    الجواب بلا جدال نعم ، فالإلقاء الناجح مهارة يمكن اكتسابها كباقي المهارات مثل الخط وقيادة السيارة وغير ذلك ، والإنسان العاقل بطبيعته وبما وهبه الله من نعم قادر على اكتساب هذه المهارة مهما كان جنسه ومهما بلغت سنه إلا أن يكون لديه مانع عضوي من ذلك كالصغير جدا أو من لديه مشكلات حقيقية في النطق.

    واكتساب هذه المهارة يحتاج إلى بعض المعلومات مع بعض التدريبات التطبيقية وتنمو هذه المهارة مع الزمن ومع طول الممارسة وزيادة المعلومات حولها وحول إتقانها

    مفهوم الإلقاء الناجح

    الإلقاء الناجح عبارة عن قيام الملقي بنقل بعض معلوماته ومشاعره وأحاسيسه عن طريق الكلام إلى الملقى إليه مستخدما في ذلك ما يمكن استخدامه من أجزاء جسده ونبرات صوته .

    ومن خلال هذا المفهوم المبسط يتضح لنا أن الإلقاء الناجح ليس مجرد تلفظ بكلمات معينة بصوت مسموع ولكنه اكبر من ذلك وأدق حيث يحتاج نجاح الإلقاء إلى عناصر مهمة من أبرزها /

    1- وجود مشاعر و أحاسيس و معلومات لدى الملقي :

    وهذا يعني أن لابد أن يتفاعل الملقي أولا مع ما يريد إلقاءه وان يكون له أهمية في نفسه وان يتأثر به قبل أن يؤثر في غيره مع وجود المعلومات الكافية حول الموضوع الذي يريد الكلام حوله

    2- الكلام :

    وهو وسيلة الإلقاء الأساسية ويتعلق بالكلام عدد من الأمور لابد من توفرها لنجاح الإلقاء فمنها وضوح الصوت وسلامة تركيب الكلمات وغير ذلك

    3- استخدام بعض أجزاء الجسد في الإلقاء :

    وذلك كاليدين وتعبيرات الوجه وحركة الجسم بحسب الموقف والموضوع الملقى .

    4- نبرات الصوت :

    حيث أن نبرة الصوت من الأشياء المهمة في الإلقاء فالصوت الخافت البطئ يجلب النوم ومثله الصوت الذي يكون على وتيرة واحدة ، والصوت القوي السريع يجلب النشاط والانتباه ، كما أن بعض نبرات الصوت تجلب الحزن وبعضها تجلب الفرح .

    و سيأتي إن شاء الله مزيد من الإيضاح لهذه الأمور في ثنايا الدورة .

    الدرس الثاني

    خطوات الوصول للإلقاء الناجح

    أولا: اختيار الموضوع المناسب

    وهذه إحدى أهم الخطوات التي لابد من الاهتمام بها و ايلاءها فائق العناية وذلك لان بقية الخطوات مبنية عليها ومتفرعة عنها فمهما كانت درجة جودة الإلقاء فلن يكون له كبير فائدة وأهمية إذا كان الموضوع الذي يتكلم عنه غير مناسب للكلام عنه أو كان موضوعا لا قيمة له .

    ولكي يكون الموضوع مناسبا لابد من توفر أمور فيه من أهمها :

    1- أن يكون الموضوع مناسبا للزمان الذي يلقى فيه
    فالكلام عن رمضان في اشهر الحج غير مناسب والكلام عن الموت في مناسبة زواج غير مناسب بالمرة وهكذا لابد من مراعاة الزمان الذي يلقى فيه الموضوع وكلما كان التوافق أكثر مع الزمان والأحداث الجارية كان أوقع وأكثر قبولا.

    2- أن يكون الموضوع مناسبا للمكان الذي يلقى فيه
    وهذا شبيه بما قبله فالكلام عن فضل الزواج في المقبرة أو العزاء مستهجن والكلام عن تلوث البيئة في المسجد غير ملائم وهكذا.

    3- أن يكون الموضوع مناسبا للأشخاص الذي يلقى إليهم
    فلابد من مراعاة حال المستمعين وسنهم واهتماماتهم وخلفياتهم المعرفية فما يناسب الشباب قد لا يناسب كبار السن وما يناسب الفتيات قد لا يناسب الفتيان وما يناسب طلاب الابتدائي قد لا يناسب طلاب الجامعة وهكذا.

    وبالطبع هناك موضوعات عامة يمكن طرقها في التجمعات العامة التي فيها أكثر من فئة .

    4- أن يكون الموضوع مما يحتاج السامعون إلى الكلام عنه
    إما لجهلهم به أو لتهاونهم فيه أو لإيضاح بعض ما يشكل فيه ، وأما إذا كان مما يعلمون وهم عاملون به أو مما لا يهمهم أو يتعلق بهم فان الكلام في مثل ذلك مما يقل نفعه ويستثقل ومما لا يجدي ولا يلقى قبولا.

    5- أن لا يكرر الموضوع بأسلوب واحد
    لان هذا أيضا مما قد يستثقله بعض الناس وينفرون منه ولا يرغبون في الاستماع إليه ، وهذا لا يعني عدم تكرار بعض الموضوعات المهمة لان تكرارها مهم ولا يكفي في بعضها الكلام لمرة واحدة ، ولكن الذي نحذر منه هو تكرار نفس الموضوع بنفس الأسلوب والطريقة ولنفس الأشخاص ، فإذا كان ولابد من التكرار لنفس الأشخاص فيراعى في ذلك تغيير الأسلوب وطريقة العرض فيمكن ذكرها مرة مختصرة ومرة مفصلة ومرة تذكر بعض الأمور ومرة تترك وتذكر أمور أخرى تتعلق بها كما هي طريقة القرآن في ذكر القصص مثلا.

    ثانيا : التحضير الجيّد للموضوع
    بحيث يقرأ عنه ويحفظ أدلته أو يكتبها وان يعرف معانيها وكذلك أن يتقن قراءة الآيات والأحاديث والأسماء والأماكن التي سترد في موضوعه .
    ومن الأخطاء الشائعة المستهجنة الكلام على بعض الآيات أو الأحاديث من غير الرجوع إلى الكتب المعتمدة في بيان معانيها ودلالاتها بحيث يقتصر بعضهم على فهمه الشخصي المتبادر من لفظ النص الشرعي وقد يكون هذا الفهم مغايرا لمدلول الآية أو الحديث وفي هذا من الخطورة والقول على الله بلا علم ما لا يخفى.

    ثالثا : ممارسة الإلقاء تدريجيا
    وهذه الخطوة تعتبر عائقا لدى كثير من المبتدئين في مجال الإلقاء حيث يشعر المبتدئ بالحرج والرهبة من مقابلة الناس والحديث أمامهم وهذا شيء معتاد بل هو حاصل في أي مهارة أخرى كقيادة السيارة مثلا لأول مرة .

    ويمكن التغلب على الخوف والرهبة بالعزيمة و التكرار مع التدرج في ذلك لئلا يقع الشخص في موقف حرج يمكن أن يسبب له امتناعا وانصرافا عن الإلقاء بشكل كامل.

    ويقتضي التدرج أن يبدأ الشخص بعد تحضيره للموضوع بإلقائه بصوت مرتفع في مكان خال ويتخيل أن أمامه جمع من الناس ويكرر ذلك ،

    ثم يقوم بعد فترة من ذلك بإلقائه أمام جمع من الصغار مثلا أو أمام أناس لا يتحرج منهم

    ، ثم يقوم بعد ذلك بفترة من الزمن بإلقاء ذلك الموضوع في مسجد يرتاده بعض من لا يشعر بالحرج أمامهم كبعض العمال أو أمام طلاب فصل في الابتدائي ،

    ثم بعد ذلك يقوم بإلقائه في مسجد أكبر وفيه من يشعر بالحرج منهم

    ولكن عددهم قليل

    وهكذا يتدرج في المساجد والأماكن ويكثر من تكرار ذلك إلى أن تتكون لديه ملكة يزول معها أي حرج من الإلقاء

    وهذا يحصل عادة بعد زمن ليس بالطويل

    وكلما ازداد الشخص ممارسة ازدادت ملكته وقدرته وخبرته إلى أن يصير الإلقاء سجية لا يتكلفها ويمكنه القيام بها في أي وقت وأي مكان.


    الدرس الأخير في هذه الدورة

    بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

    هذا هو الدرس الأخير من دورتنا دورة الإلقاء ويحتوي عناصر ذات أهمية كبيرة وهناك عنصر فاتني ذكره فيما سبق وهو يتعلق باختيار الموضوع وله أهمية كبيرة وهو

    - أن يكون للكلمة أو الخطبة أهداف يريد المتكلم وصول المستمعين إليها

    وهذا من أهم الأمور بحيث يكون للكلمة هدف أو أكثر يراد تحقيقها وإفادة السامعين بها لا أن تكون الكلمة لمجرد تفريغ العواطف والأحاسيس من غير أن يكون لها فائدة للمستمعين ولا أن يكون لهم يد في إيقاعها أو منعها .

    فالحديث إلى الناس مثلا عن أمر لا يقوم به إلا الحاكم أو المسئول ليس مجديا غالبا ولا مفيدا بل انه من الممكن أن يسبب الضرر للملقي أو غيره من غير فائدة تذكر لا للسامع ولا لغيره ، ويمكن إيصال ما يراد إيصاله إلى المسئول بطرق أخرى أكثر مناسبة وأقوى فاعلية من غير مفسدة .
    وقد حضرت خطبة للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تكلم فيها عن ضرر المجلات السيئة التي تعتمد على صور النساء والإثارة وخاطب الناس أنهم هم ملوك بيوتهم وعليهم ألا يدخلوها إلى تلك البيوت.

    و تجب العناية بتحديد أهداف الكلمة والسعي لتحقيقها من خلال ما يلقى و إلا فقد الكلام أمر أساسيا لن يكون لما يذكر بعده كبير فائدة غالبا.

    والخطوة التي تليها هي

    ثالثا : عرض الموضوع

    وهي خطوة الإخراج الفعلي للموضوع الذي تم اختياره بعناية وفي وقت ومكان مناسبين .

    ويمكن أن تكون هذه الخطوة قبل وبعد اكتساب مهارة الإلقاء لكنها لن تظهر بالمظهر المناسب واللائق إلا بعد اكتساب مهارة الإلقاء حيث ستؤثر الرهبة المصاحبة لبدايات الإلقاء في مستوى وجودة الأداء.

    ولكي يكون العرض متميزا وقويا لابد من توفر أمور مهمة من أهمها :

    1) الأداء الصوتي الجيّد
    بان لا يكون الصوت ضعيفا لا يكاد يسمع ولا قويا جدا يؤذي السامعين ولكن بين ذلك ، وان لا يكون الصوت بطيئا يجلب الكسل والنوم ولا سريعا جدا لا يكاد يفهم بل بينهما.

    ومن المفيد والنافع تنويع الأداء الصوتي فلا يكون على وتيرة صوتية واحدة بل يخلط في أداءه بين رفع الصوت وخفظه وبين السرعة والبطء جاعلا ذلك يأتي بشكل متجانس وسلس ومن غير رفع مزعج ولا خفض لا يسمع .

    2) استخدام التعبيرات المرئية أثناء الإلقاء

    وذلك عن طريق استخدام العينين واليدين وتعبيرات الوجه والالتفات ييمنا وشمالا .

    وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ) رواه مسلم وفي رواية البيهقي (وكان إذا ذكر الساعة علا صوته واحمرت وجنتاه واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول صبحكم مساكم)

    فالعينان من أهم وسائل الاتصال مع الآخرين وهما أداتان لإيصال المشاعر والأحاسيس والمعاني التي ربما تعجز عنها الكلمات ولذا فان النظر إلى المستمعين أمر مهم أثناء الإلقاء .

    ويستعين بالالتفات يمينا وشمالا لكي يشمل المكان وحاضريه بنظره المعبر عن الاهتمام والعناية .

    واليدان يستخدمهما للدلالة والتأكيد على المعاني التي يتحدث عنها .

    ويستخدم أيضا تعبيرات الوجه بما يناسب الكلام الذي يقوله فلها دلالاتها المعروفة .

    وينبغي أن يتدرج في استخدام هذه التعبيرات حتى يتقنها وتكون أمرا عاديا يأتي بلا تكلف لان التكلف في أداء أي أمر غير مرغوب.

    3) أن يكون عرض الموضوع بطريقة الإلقاء لا القراءة

    لان ذلك يؤثر تأثيرا اكبر ويجذب السامعين إلى الملقي ، ولأن في ذلك استخدام لجوارح مهمة أثناء الإلقاء وهي العينان واليدان والتي لا يتيسر استخدامها أثناء القراءة.

    واكتساب هذه المهارة يأتي بالتدرج كما سبق.

    4) عرض الموضوع بتسلسل مناسب
    وذلك بان يبدأ بمقدمة مناسبة ثم ينتقل إلى عناصر الموضوع حتى يستوفيها ثم يختم بالخاتمة كما سيأتي تفصيل بعض ذلك.

    ومن الخطأ أن يتكلم في موضوع ثم يتخبط في التنقل بين عناصره بطريقة غير جيدة كأن يتحدث عن الهجرة مثلا ثم يتكلم عن آخرها ثم أولها ثم وسطها ثم أولها ، فالمطلوب ترتيب الأفكار وتسلسلها حسب وقوعها أو حسب ارتباط كل عنصر بما يليه.

    5) الاقتصار على موضوع واحد ما أمكن

    وذلك لكي يستوفي الموضوع ولئلا يشتت انتباه السامعين ومشاعرهم بتعدد الموضوعات ولكي لا ينسي بعضها بعضا.

    وهذا هو الأصل الذي ينبغي انتهاجه إلا إن كانت هناك حاجة لتعدد الموضوعات كأن تكون مناسبة تتعدد فيها الأحداث أو ما شابه ذلك.

    وإذا كان المتكلم سيتكلم عن أكثر من موضوع فالأفضل أن يجعل بين تلك الموضوعات رابطا أو أكثر ينتقل بينها من خلاله.

    6) الحرص على الاختصار

    فالاختصار غير المخل مطلب مهم ومنهج ينبغي أن يسير عليه كل خطيب وداعية وهو الأصل الذي يجدر بكل متكلم أن ينهجه إلا أن تكون هناك حاجة ماسة إلى الإطالة في أحيان قليلة فلا بأس

    ومعلوم حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي اثني فيه على قصر الخطبة وعدّ ذلك دليلا على فقه الخطيب.

    وأسباب تفضيل الاختصار كثيرة منها :

    عدم الإملال والإثقال لان الكلام الطويل يمل غالبا ، ولئلا ينسي الكلام بعضه بعضا جراء الإطالة ، ولان في الناس من هو منشغل أو مريض أو متعب ويشق عليه طول الخطبة ولغير ذلك .

    7) العناية بالمقدمة
    وهناك مقولة مفادها أن أهم ما في الكلمة أو الخطبة الكلمات العشر الأولى منها لأن كثيرا من الناس في عجلة من أمرهم وخاصة فيما يتعلق بالكلمات التي يمكن لسامعها أن يبقى أو ينصرف أو يستمع أو يغلق فالواحد منهم يريد أن يعرف بسرعة ما إذا كان الكلام الذي سيلقى يستحق انتباهه واهتمامه أم لا وهنا تبرز مقدرة وموهبة المتكلم فينبغي عليه أن يحرص على جذب المستمع من أول الكلام.

    ومن وسائل الجذب الفعالة :

    - تشويق المستمعين إلى ما سيقوله / بأن يذكر أمورا مشوقة ستأتي مع إبهامها وعدم الإفصاح عنها كأن يقول : هناك حدث غريب سأحدثكم عنه ..

    - الإشارة في البداية إلى قصر الزمن الذي سيستغرقه / ويكون ذلك بطريقة لبقة كأن يقول : أتحدث إليكم في دقائق معدودة عن كذا وكذا
    مع الحرص على الوفاء وعدم الإطالة كما سبق.

    - ألا يطيل في صيغة الحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم/
    وهذا في المواعظ والكلمات القصيرة خاصّة لأنه إذا أتي بصيغة الحمد الكاملة الواردة في خطبة ابن مسعود التي يبدأ بها كثير من خطباء الجمعة خطبهم فان هذا يستغرق زمنا ليس يسيرا يمكن أن ينصرف كثير من الحاضرين أثناءه .

    -
    الدخول بمدخل مناسب /
    فالدخول للقلوب كالدخول للبيوت ، ولذا فمن الأفضل البحث عن مدخل مناسب لما يراد الحديث عنه ، ومن أفضل المداخل التي يمكن استخدامها الأحداث العامة كالأمطار والحوادث الشهيرة والاختبارات والأزمان الشريفة والمناسبات الدينية في وقتها.
    وكذلك فان من المداخل الحسنة التعليق على آيات تليت أو حديث سمع أو على موقف حصل .
    .

    8) إيراد قصة أو شعر

    أو إيراد كل ذلك إن كان مناسبا للمقام ، وهذه الأمور وما يشابهها كالطرفة تعد من الأمور المحببة إلى النفوس و تجدد نشاط السامع وتقوي انتباهه
    ولذا فان لها أهمية بالغة ولابد أن يكون لدى الداعية محفوظ جيد منها وان يجعل من ضمن استعداده و تحضيره للموضوع الاستعداد بشيء من ذلك يوافق ما سيتكلم عنه .

    وتتأكد أهمية ذلك إذا كان زمن الكلام يتجاوز عشر دقائق ، وقد وجدت أثناء دروس بعض العلماء الكبار أنهم كانوا يوردون قصة أو شعر أو طرفة أو موقف أثناء دروسهم العلمية الجادة وذلك لإبعاد الملل وتجديد النشاط .

    9) الابتعاد عن التكلف وإيراد وحشي الكلام وغريب الألفاظ

    وذلك لان المقصد من الكلام إيصال رسالة ذات أهداف معينة إلى السامعين ولابد لوضوح الرسالة وفهمها من وضوح كلماتها ومعانيها واستخدام الكلمات الغريبة والتعبيرات غير المفهومة مما يناقض ذلك ، وفي رأيي أن ذلك لا ينبغي إيراده أبدا لما فيه من التكلف ولعدم فائدته ولأنه قد ورد ذم مثل ذلك شرعا.

    ومن أمثلة ذلك ما يقوله بعضهم في معرض كلامه حيث يقول ( جاءوا زرافات ووحدانا !!) ( ولابد من أن نحمي بيضة الإسلام !) وما شابه ذلك وكأن كلمات اللغة قد ضاقت عن التعبير إلا بمثل هذا.

    8) الاهتمام بالخاتمة

    وذلك لأنها آخر ما يسمعه المستمعون من الملقي وهي اقرب الكلام إلى التذكر .

    ومن أفضل ما يجعل في الخاتمة موجز قصير لأبرز ما تم الكلام عنه ويستحسن جعل ذلك على هيئة عناصر مختصرة ، كما انه يفضل التركيز في الخاتمة أيضا على أهداف الكلمة أو الخطبة التي يريد وصول السامعين إليها.

    وبالكلام عن الخاتمة نختم دروس هذه الدورة مؤكدا في ختامها على أهمية النية الصالحة واحتساب الأجر والإخلاص والبعد عن أي مقاصد دنيوية لان النية الصالحة تؤثر أثرا عظيما في استفادة المتلقي وفي حصول الأجر ،

    وكذلك أؤكد على أن يكون المتكلم قدوة بفعله قبل قوله وان لا يأمر الناس ويدعوهم إلى شيء إلا وقد امتثله ،

    سائلا الله سبحانه أن يجعل في هذه الدورة خيرا وأجرا وبركة لي ولكل من يطلع عليها أو يستفيد منها أو ينشرها أو يعين على ذلك

    وصلى الله علي نبينا محمد.


    والنقل
    لطفـاً .. من هنــــــــا
    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=93297


      الوقت/التاريخ الآن هو 26.11.24 10:20