السرقة عند الاطفال
* د. علي القائمي
ان السرقة عند الأطفال ظاهرة تستوجب المعالجة، فمن غير المقبول أن يقدم الطفل على السرقة ويتحول لديه هذا الفعل إلى عادة مستهجنة ومتجذرة في شخصيته، بل لابد من العمل على اصلاحه ووضعه على جادة الصواب. ومعالجة مثل هذه الخصلة تستوجب مراعاة الجوانب التالية:
1 ـ دراسة العلل والأسباب:
وهي الخطوة الأولى في الإصلاح، إذ لابد من تقصي الدوافع والأسباب التي تحدو بالمرء إلى ارتكاب السرقة، وهذا ما يوجب على أولي الأمر والمربين القاء نظرة على الفترة الماضية من حياة الطفل وملاحظة ما عرض خلالها من حرمان وقلق واضطراب وعلاقات ومواقف عاطفية، وما هي الظروف التي مر بها، والقدوات التي تأثر بها في حياته، وما هي المخلفات التي تركتها مثل تلك القدوات في ذهنه. والغرض المنشود من وراء كل هذا هو السعي لمعالجة هذا العيب الأخلاقي من نفس الطريق الذي نشأ منه.
2 ـ سد النواقص المادية:
النقطة الأخرى المهمة في هذا المجال هي وجوب توفير الحد الأدنى من الحاجات المادية للطفل، سواء كانت هي السبب في نشوء عادة السرقة أم لا، وذلك لاحتمال أن يكون دافع السرقة أمراً آخر. فإذا ما عولج يبقى عامل الحرمان سبباً في اثارة هذا الفعل من جديد.
ان فرض الرقابة المشددة على تناول المواد الغذائية وما يترتب على هذا الفرض من شعور بالحرمان، وابعاد الأشياء التي يحبها الطفل عن متناول يده تعتبر كلها بمثابة تحريض له على ارتكاب هذا الفعل فمن الأفضل إذن إشباع حاجات الطفل من جميع الجوانب.
3 ـ اشباعه بالعطف والحنان:
هنالك تأكيد واضح على ضرورة مؤانسة الطفل وأن يغمره أبواه بالعطف والحنان. ولابد أيضاً من وضع حد لا يتجاوزه لكيلا تكون له جرأة عليهما، وأن يحترم رأيهما.
إن القرب من الطفل يسهل على أولي أمره استشعار حاجاته، وفهم أفكاره، والاطلاع على ما يقع فيه من منزلقات كما ان وجود الاحترام يساعد على أن يكون أكثر انصياعاً لكلامكم. علّموه عدم الاتيان بعمل يقلل من مكانته لديكم.
4 ـ الاصلاح النفسي:
في الحالات التي يكون النقص النقص الأخلاقي وسوء السلوك منبثقاً من عوامل نفسية، فلابد من الإسراع لاصلاحها، والتعرف على العقد التي يعاني منها، ومن هم الأشخاص الذين يرغب بالانتقام منهم؟ وما هو سبب اضطراباته؟ وما هي الهواجس التي تدفعه لارتكاب هذا العمل.
ذكرنا ان التظاهر، والتمرد، والاحتجاج على الأوضاع السائدة يدفع المرء في بعض الحالات إلى مثل هذا المنزلق. أما إذا أتيح لنا الكشف عن الأسباب الكامنة وراءها لأضحى من اليسير توفير مستلزمات الاصلاح والهداية، ونتمكن من ردعه عن ارتكاب السرقة من خلال ابداء المزيد من المحبة له، وتقديم الأدلة المنطقية التي يفهمها للتدليل على قبح هذا الفعل.
5 ـ توفير الأجواء الايجابية:
يعتبر توفير الأجواء الايجابية والسلمية حقاً من الحقوق التربوية لكل طفل. فليس من الصحيح أن يتربى الطفل في أجواء تطفح بالجريمة والاستهانة بالقانون، والاعتداء على حقوق الآخرين، ولا من المناسب أن يترعرع في أسرة تمارس الجريمة.
لابدّ إذن من تطهير ذهن الطفل من النماذج السيئة، والمُثُل القبيحة، ووسائل الإعلام لابد وأن تخضع لتقييم جديد ورقابة صارمة بحيث لا تنعكس عنها بشكل مباشر أو غير مباشر نماذج تربوية قبيحة، وعلى المربين وأولي الأمر أن يكونوا أنفسهم قدوات صالحة ليقتدي بها الطفل نحو الاصلاح والصلاح.
6 ـ التوعية:
وغالباً ما تهدف إلى تعريف الطفل بخطئه بلغة بسيطة ومنطق مفهوم، وذلك عن طريق التنبيه إلى أن مثل هذا العمل لا يرتضيه أفراد أسرته ولا سائر الناس، وان الله يغضب منه، وقد وضع له عقوبة قاسية. ويمكن في هذا السياق أن نشرح له كيف ان حياة الناس تغدو صعبة إذا تفشت فيها ظاهرة السرقة وصار كل واحد يسرق مال الآخر، وكم سيلحق بنا من الضرر نحن شخصياً إذا ما تعرضنا للسرقة وذهبت أموالنا. ويجب أن يفهم الطفل من خلال ايحاءاتكم المتكررة له أن السرقة ليست طريقاً صحيحاً في الحياة. وإذا اتسع هذا الفعل وصار يقترفه الناس فلن يكون من اليسير عليهم مواصلة الحياة بشكل طبيعي. وعلى العموم من المفيد بيان مضار السرقة للطفل بين فترة وأخرى.
7 ـ التعويد على عزة النفس: صحيح اننا قد لا نستطيع توفير جميع احتياجات الأطفال في جميع الأحوال، إلا أننا قادرين على أن نشرح لهم بعض الصعوبات والمشاكل التي تواجهنا، ومن المؤكد ان الطفل يفهم معنى الكلام ويتماشى معنا في مثل هذه الحالة.
بالامكان تعليم الأطفال على عزة النفس، وتربيتهم على الطباع الحميدة، ورفع مستواهم الفكري، وخلق شخصية قوية فيهم. فإذا عجز أحدنا عن توفير المأكل الجيد لهم في جميع الأحوال، يمكنه على أقل الاحتمالات أن يعودهم على عزة النفس ومناعة الطبع.
ـ الفنون اللازمة في هذا المجال:
يمكن توظيف الكثير من الفنون والأساليب لأجل اصلاح السلوك المنحرف لدى الطفل، وهي على العموم نفس الأساليب المتبعة في جميع المجالات التربوية لاصلاح الأفراد، وما يمكن اضافته إليها هاهنا يتمثل في ما يلي: