عصمة الأئمة بين أهل السنة والشيعة من خلال (منهاج السنة النبوية)
بقلم:
أحمد بن عبد الرحمن الصويان
من الكتب الجليلة التي ألفها شيخ الإسـلام ابن تيمية (رحمه الله): (منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية)، ردّ فـيـه عـلـى كتاب: (منهاج الكرامة في إثبات الإمامة) لابن الـمُطَهّر الحلي الرافضي
وقد طـبـع أخـيـراً بعناية الدكتور محمد رشاد سالم (رحمه الله)(*)،
وتأتي أهمية هذا السفر الجليل لعدة أسباب، أذكر منها:
1-
أنّ الشيعة من أقدم الفرق ظهوراً في الـتـاريـخ الإسلامي، ومن أكثرها انتشاراً في العصر الحاضر.
2-
أن ابـن تـيـمـيــة اهـتـم بالـردّ علـيهم معتمداً على النقل الدقيق من أكثر كتبهم رواجاً وانتشاراً في عصره.
3-
أن ابـن المطهـر الحلـي الذي ردّ عـلــيــــه ابن تيمية كان يُعدّ عند الإمامية أفضلهم في زمانه، بل يقول بعضهم: ليس في بلاد المشرق أفضل منه في جنس العلوم مطلقاً(1).
4-
يُعدّ كتاب (منهاج السنة النبوية) من أوســــــع كتب أهل السنة وأجمعها في الرد على الشيعة الإمامية خاصة، وقد استوعب ابن تيمية فـــيـــه الــــرد على كـثــير من شبهاتهم وافتراءاتهم التي كانوا وما زالوا يرددونها، ويكتبون فيها الرسائل والمدونات.
5-
وحيث إن مذهب الإمامية قد جمع عظائم البدع المنكرة ـ فإنّهم جهـمـــية في الصفات، قدرية على مذهب المعتزلة، رافضة في الصحابة(2) ـ فإن ابن تيمية اسـتــطـرد استطرادات نـفـيـســـة للـــرد على الجهمية والمعتزلة والفلاسفة.. وغيرهم من طوائف المبتدعة ورؤوس الضلال.
وقد ناقش ابن تـيـمـيـة في هذا الكتاب مسائل متعددة أثارها ابن المطهر في أبواب مختلفة
ولعلّ من أهم هذه المسائل وأجمعها:
أولاً:
منزلة الـصـحـابـة (رضي الله عنهم أجمعين)، ومواقفهم بعد وفاة النبي، والرد على المطاعن والأكاذيب التي ذكرها ابن المطهر.
ثانياً: الإمامة والعصمة.
ثالثاً:
منهج أهل السنة في الصـفـات والقدر، ومقارنته بمنهج الرافضة وأشياخهم المعتزلة، والرد على أكاذيبهم ومخازيهم.
وسوف أقتصر في هـــذه المــقـالـة على مقارنة مختصرة بين منهجي أهل السنة والرافضة في عصمة الأئمة من خلال هذا السفر الجليل.
عصمة الأئمة عند الشيعة:
لعل موضوع الإمامة هو الموضوع الـرئــيـــس الــذي يدور حوله كـتاب ابن المطهر: (منهاج الكرامة في إثبات الإمامة)، ولذا: فإنه أبرز الموضوعات التي تـكـلم عنها ـ فيما بعد ـ شيخ الإسلام ابن تيمية في: (منهاج السنة النبوية)،
وســــوف أشـــيـر في هذا المبحث إلى منهج الرافضة في التلقي عن أئمتهم، ثم أختمه ببيان منهج أهل السنة في العصمة.
* أقسام الأئمة الاثني عشر:
ذكر ابن تيمية أن:
(أصول الدين عند الإمامية أربعة: التوحيد، والعدل، والنبوة، والإمامة، فالإمامة هي آخرالمراتب، والتوحيد والعدل والنبوة قبل ذلك)(3).
ويقسم ابن تيمية الأئمة الاثني عشر أربعة أقسام:
القـسـم الأول: علي بــن أبي طالب، والحسن، والحسين (رضي الله عنهم)
وهم صحابة أجلاء، لا يُشَكّ في فـضـلـهـم وإمــامـتـهـم، ولكن شَرِكَهُم في فضل الصحبة خلق كثير، وفي الصحابة من هو أفضل منهم(4) بأدلة صحيحة عن النبي.
القـسـم الثاني: علي بن الحـسـين، ومحمد بن عـلـي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر(5)،
وهؤلاء من العلماء الثقات المعتد بهم، وقد أشار ابن تيمية في مواضع عديدة إلى تقديرهم ومحبتهم، وجواز تقليدهم لمن عـجــز عن الاســتــدلال، حالهم في ذلك كحال بقية علماء الأمة(6).
القسم الثالث: علي بن مـوســــى الرضا، ومحمد بن علي بن مـوســى الجواد، وعلي بن محمد بن علي العسكري، والحسن بن علي بن محمد العسكري.
وقد أثنى ابن تيمية على الأئمة الـثــلاثة: علي بن الحسين، وابنه أبي جعفر، وجعفر بن محمد، ثم قال:
(وأما من بعد الـثـــلاثة كالعسكريين، فهؤلاء لم يظهر عليهم علمٌ تستفيده الأمة، ولا كان لهم يدٌ تستعين بها الأمــــة، بل كانوا كأمثالهم من الهاشميين، لهم حرمة ومكانة، وفيهم من معرفة ما يحتاجون إليه في الإسلام والدين ما في أمثالهم، وهو ما يعرفه كثير من عوام المسلمين،
وأما ما يختص به أهــل العلم، فهذا لم يُعرف عنهم، ولهذا: لم يأخذ عنهم أهل العلم كما أخذوا عن أولئك الثلاثة، ولو وجدوا ما يُستفاد لأخذوا، ولكن طالب العلم يعرف مقصوده)(7).
القسم الرابع: محمد بن الحسن العسكري المنتظر.
وهــذا مــن غـرائـب الـشيعة، حيث لم يُرَ له عينٌ ولا أثر، ولا سُمع له حسّ ولا خبر.
والشيعة يجعلون له مشاهد ينتظرونه عندها، كمشهد سامراء(8).!
(وأما من بعد الـثـــلاثة كالعسكريين، فهؤلاء لم يظهر عليهم علمٌ تستفيده الأمة، ولا كان لهم يدٌ تستعين بها الأمــــة، بل كانوا كأمثالهم من الهاشميين، لهم حرمة ومكانة، وفيهم من معرفة ما يحتاجون إليه في الإسلام والدين ما في أمثالهم، وهو ما يعرفه كثير من عوام المسلمين،
وأما ما يختص به أهــل العلم، فهذا لم يُعرف عنهم، ولهذا: لم يأخذ عنهم أهل العلم كما أخذوا عن أولئك الثلاثة، ولو وجدوا ما يُستفاد لأخذوا، ولكن طالب العلم يعرف مقصوده)(7).
القسم الرابع: محمد بن الحسن العسكري المنتظر.
وهــذا مــن غـرائـب الـشيعة، حيث لم يُرَ له عينٌ ولا أثر، ولا سُمع له حسّ ولا خبر.
والشيعة يجعلون له مشاهد ينتظرونه عندها، كمشهد سامراء(8).!
أصول الشرعيات عند الرافضة وغلوهم في الأئمة:
ذكــر ابن تيمية في عدة مواضع: أن الرافضة الإمامية أصّلوا لهم أصولاً اعتمدوها في كلّ ما يُنقل عن أئمة البيت، وهذه الأصول هي:
الأصل الأول:
أن هؤلاء الأئمة معصومون كعصمة النبي -صلى الله عليه وسلم- .
الأصل الثاني:
أن كل ما يقوله هؤلاء الأئمة منقولٌ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- .
الأصل الـثـالـث:
أن إجماع العترة حجة، ثم يدّعون أن العترة هم الاثنا عشر، ويدعون أن ما يُنقل عن أحدهم فقد أجمعوا كلهم عليه(9).
قال ابن تـيـمـية بــعــد أن ذكر هذه الأصول:
(فهذه أصول الشرعيات عندهم، وهي أصول فاسدة كما سنـبـيـن ذلك فـي مـوضـعه، لا يعتمدون على القرآن ولا على الحديث ولا على الإجماع، إلا لكون المعصوم منهم، ولا على القياس وإن كان واضحاً جليّاً)(10).
فالرافضة ـ إذن ـ بالغوا في أئمتهم، وجعلوا: (الإمامة أهم المطالب في أحكام الدين، وأشرف مسائل المسلمين)(11)، بل إنهم جعلوا الإمامة: (أحد أركان الإيمان)(12).
ومـن غـلــوّ الـرافــضـــة فـي الأئـمــة:
اعتقادهم أن
(كل واحد من هؤلاء قد بلغ الغاية في الكمال)(13).
والرافضة:
(تجعل الأئمة الاثني عشر أفضل من السابقيـن الأولين من المهاجرين والأنصار، وغلاتهم يقولون: إنهم أفضل من الأنـبــيـــاء، لأنـهـم يعتقدون فيهم الإلهية كما اعتقدتها النصارى في المسيح)(14).
(وكذلك الرافضة غلوا في الرسل، بل في الأئمة، حتى اتخذوهم أرباباً من دون الله، فتركوا عــبــــادة الله وحده لا شريك له التي أمرهم بها الرسل، وكذّبوا الرسول فيما أخبر به من توبة الأنبياء واستغفارهم)(15).
ولهذا:
فإن الغلو لا يوجد في (طائفة أكثر مما يوجد فيهم، ومنهم من ادعى إلهية البشر، وادعى النبوة في غير النبي -صلى الله عليه وسلم- وادعى العصمة في الأئمة، ونحو ذلك مما هو أعظم مما يوجد في سائر الطوائف)(16).
وتزعم الرافضة أن
(كل ما أفتى به الواحد من هؤلاء فهو منقول عنده عن النبي -صلى الله عليه وسلم-)(17).
ثم تـرتـب على هذا الغلو أن
(الرافضة تزعم أن الدين مُسَلّم إلى الأئمة، فالحلال ما حللوه، والحرام ما حرموه، والدين ما شرعوه)(18).
وحقيقة قول الرافضة:
أنهم (يُريدون أن يجعلوا ما قاله الواحد من هؤلاء هو قول الرسول الذي بعثه الله إلى جميع المؤمنين، بمنزلة القرآن والمتواتر من السنة)(19).