من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 25.05.09 7:58
وهكذا يتحفنا المؤرخ روفيلة بذكر حقيقة أثبتتها الأيام والأحداث , خاصة في عصرنا هذا , وهى أن بعض الرهبان والقساوسة يكنون في أنفسهم حقدًا على الإسلام وأهله , ويشجعون رعاياهم على إنتهاز أية فرصة لزعزعة أمن البلاد واستقراره .
وقد ذكر المؤرخ روفيلة تداعيات هذه الأحداث , والمنازعات التي حدثت بين متولي الخراج وبين النصارى , ونحن نعلم يقينًا أن السبب في ذلك هم هؤلاء القساوسة والرهبان وإثارتهم للفتنة بين أهل البلد الواحد , وقد ذكر العلامة المقريزي هذه المنازعات وتداعياتها . ( انظر القول الإبريزي ص 45 , والخطط 3/273 -274 ) .
ويتابع المؤرخ روفيلة سرد الأحداث ما بين سقيم الأخبار وصحيحها فيقول : ( وفي أثناء ذلك , توفي الخليفة هشام بن عبد الملك فأسف الجميع لموته ولا سيما النصارى , لأنه لم يميز في أحكامه بين مسلم ونصراني ويهودي , وكان يشدد على الولاة في جميع الولايات التابعة له بإنتهاج منهج العدل في أحكامهم وإنصاف المظلوم بصرف النظر عن الدين والجنسية ) ( المصدر السابق ص 74 ).
ورغم أن المنازعات التي حدثت بين الولاة والنصارى كانت في معظمها في عهد هشام بن عبد الملك إلا أن المؤرخ روفيلة شهد شهادة صريحة بعدل هشام بن عبد الملك مع اليهود والنصارى قبل المسلمين , وأعود فأقول : أن هذا هو الأصل في تعامل الحكام المسلمين مع رعاياهم من المسلمين وغيرهم من أهل ذمتهم , وأن ما يحدث من منازعات ومشاحنات إنما هو من فعل ثلة تريد الفتنة بين أهل البلد الواحد .
لقد كان مروان بن محمد بن الحكم , أخر خلفاء بني أمية , وفي أخر عهده ضعفت البلاد وعمت الفوضي , وقد ذكر المؤرخون المسلمون النبذ المطول حول هذه الأحداث والتي كانت فيها نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية .
وكما تحدثنا من قبل , أن الأقباط تنعموا بالحرية والعدل في ظل أمرين ثابتين , وهما : إقامة الشريعة الإسلامية التي ضمنت حقوقهم وما لهم وما عليهم , وعدم الخروج على الدولة التي أقرت هذه الشريعة نهجًا لها وإلتزامهم بالعهد المبرم بينها وبينهم , وهكذا صار الأمر في نهاية الدولة الأموية ما بين نقيض هذين الأمرين , ما بين ولاة زاد ظلمهم على رعاياهم بوجه عام , وما بين تأمر الأقباط على زعزعة أمن البلاد واستقراره , والحق أن الأقباط كانوا في معظم الأحيان هم من جلبوا الظلم لأنفسهم بسبب أفعالهم وتأمرهم على الإسلام وأهله .
فعلى سبيل المثال , المؤرخ روفيلة ذكر في طي حديثه عن الأقباط في ظل الدولة الأموية , أن عبد الملك بن موسى بن نصير إضطهد الأقباط أنذاك , في حين أن العلامة المقريزي , والذي إعتمد على تاريخه أغلب الباحثين من النصارى – بل وحتى المؤرخ روفيلة - , ذكر أن الأقباط خالفوا العهد بمدينة رشيد , مما دعا مروان بن محمد وقف هذا الخروج القبطي على الدولة , وكان من أثار ذلك ما فعله عبد الملك بن موسى بن نصير أخر أمير ولي مصر في العهد الأموي .
فمن السبب فيما حدث من بلايا وإضطهادات على حد وصف المؤرخ روفيلة وغيره ؟!
هذا , وقد نقلنا شهادة المؤرخ روفيلة أن العديد من المؤرخين المسيحيين ذكروا تأمر القبط والروم على البلاد .
بل لقد ذكرت السيدة العنصرية المسيحية الإنجليزية " ا . ل بتشر " في كتابها " تاريخ الأمة القبطية وكنيستها " ( 4/ 2 ) أن هناك العديد من المؤرخين المسيحيين أقروا حقيقة أن الإضطهادات التي يزعمها الأقباط عبر التاريخ من زيادة الجزية وهدم الكنائس ... إلخ ، هم الذين جلبوها لأنفسهم بسبب أفعالهم - أي الأقباط - !
وفي خاتمة حديث المؤرخ روفيلة عن الأقباط في العهد الأموي , ذكر كلامًا قيمًا يثبت أن الإسلام وصلحاء المسلمين لا يرضون بأي ظلم يقع على أهلهم من الأقباط , فيقول المؤرخ روفيلة : ( ومن حسن الحظ أن علاقاتهم الشخصية – أي الأقباط - مع أفراد المسلمين المتوطنين بينهم لم تكن غير مرضية وأنَّا لم نر في التاريخ ما يدل على وجود تعصبات دينية , بل ربما وجد بين المسلمين من أنصفهم وذب عنهم , وقد إحتال الروم على أحد خلفاء هذه الدولة وحصلوا على أمر منه بإعادة ما كان لهم من الكنائس بمصر قصدًا في نزع إحدى الكنائس من يد الأقباط بدعوى أنها كانت في الأصل ملكًا لهم فأدى ما حصل بين الروم والقبط من النزاع إلى رفع المسألة لقاضي المسلمين للفصل فيها فلم يراع في الحكم غير الحق , وأثبت أن الكنيسة ملكًا للقبط حقًا , وحكم بعدم جواز نزعها من يدهم وإعطائها لمن لا حق لهم فيها ) ( المصدر السابق ص 81 ) .
وهكذا كان الرأي العام المسلم مع الحق والعدل , إنصافًا للمظلوم من أهل ذمتهم !
ونختم حال الأقباط في العصر الأموي بهذه السطور من كتاب " قصة الحضارة " لول ديورانت , يقول : ( لقد كان أهل الذمة المسيحيون، والزرادشتيون، واليهود، والصابئون يتمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد لها نظيرًا في البلاد المسيحية في هذه الأيام، فلقد كانوا أحرارًا في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم، ولم يفرض عليهم أكثر من ارتداء زي ذي لون خاص وأداء ضريبة عن كل شخص تختلف باختلاف دخله، وتتراوح بين دينار وأربعة دنانير. ولم تكن هذه الضريبة تفرض إلا على غير المسلمين القادرين على حمل السلاح، ويعفى منها الرهبان، والنساء، والذكور الذين هم دون البلوغ، والأَرِقَّاء، والشيوخ، والعَجَزة، والعُمي، والشديدو الفقر، وكان الذميون يعفون في نظير ذلك من الخدمة العسكرية، أو إن شئت فقل لا يُقبلون فيها، ولا تفرض عليهم الزكاة البالغ قدرها 2.5 % من الدخل السنوي. ( الزكاة ليست على الدخل السنوي، بل على رأس المال النامي وما يدره من دخل ) . وكان لهم على الحكومة أن تحميهم، ولم تكن تُقبل شهادتهم في المحاكم الإسلامية، ولكنهم كانوا يتمعتون بحكم ذاتي يخضعون فيه لزعمائهم، وقضاتهم وقوانينهم ) ( قصة الحضارة ج 13 ص130- 131 ) .
يتبع ....