قال شيخ الاسلام في ج5 من مجموع الفتاوى:
فكل من قال : إن الله بذاته في كل مكان فهو مخالف للكتاب والسنة ؛ وإجماع سلف الأمة وأئمتها مع مخالفته لما فطر الله عليه عباده ؛ ولصريح المعقول وللأدلة الكثيرة . وهؤلاء يقولون أقوالا متناقضة . يقولون : إنه فوق العرش . ويقولون : نصيب العرش منه كنصيب قلب العارف ؛ كما يذكر مثل ذلك أبو طالب وغيره ومعلوم أن قلب العارف نصيبه منه المعرفة والإيمان ؛ وما يتبع ذلك . فإن قالوا : إن العرش كذلك نقضوا قولهم : إنه نفسه فوق العرش . وإن قالوا بحلوله بذاته في قلوب العارفين ؛ كان ذلك قولا بالحلول الخاص . وقد وقع طائفة من الصوفية - حتى صاحب " منازل السائرين " في توحيده المذكور في آخر المنازل - في مثل هذا الحلول ؛ ولهذا كان أئمة القوم يحذرون عن مثل هذا .
فهل هو - رحمه الله - يقصد منازل السائرين للهروي الذي شرحه ابن القيم في مدارج السالكين?
فقد أشكل علي ذلك
وفقكم الله
وبارك في أعماركم
=========
قال ابن القيم في مدارج السالكين
مدارج السالكين [ جزء 3 - صفحة 513 ]
فكل من قال : إن الله بذاته في كل مكان فهو مخالف للكتاب والسنة ؛ وإجماع سلف الأمة وأئمتها مع مخالفته لما فطر الله عليه عباده ؛ ولصريح المعقول وللأدلة الكثيرة . وهؤلاء يقولون أقوالا متناقضة . يقولون : إنه فوق العرش . ويقولون : نصيب العرش منه كنصيب قلب العارف ؛ كما يذكر مثل ذلك أبو طالب وغيره ومعلوم أن قلب العارف نصيبه منه المعرفة والإيمان ؛ وما يتبع ذلك . فإن قالوا : إن العرش كذلك نقضوا قولهم : إنه نفسه فوق العرش . وإن قالوا بحلوله بذاته في قلوب العارفين ؛ كان ذلك قولا بالحلول الخاص . وقد وقع طائفة من الصوفية - حتى صاحب " منازل السائرين " في توحيده المذكور في آخر المنازل - في مثل هذا الحلول ؛ ولهذا كان أئمة القوم يحذرون عن مثل هذا .
فهل هو - رحمه الله - يقصد منازل السائرين للهروي الذي شرحه ابن القيم في مدارج السالكين?
فقد أشكل علي ذلك
وفقكم الله
وبارك في أعماركم
=========
قال ابن القيم في مدارج السالكين
مدارج السالكين [ جزء 3 - صفحة 513 ]
ولهذا قال الشيخ والذي يشار إليه على ألسن المشيرين أنه إسقاط الحدث وإثبات القدم
وعليه أنشد هذه القوافي الثلاثة وهي
ما وحد الواحد من واحد ... إذ كل من وحده جاحد
توحيد من ينطق عن نعته ... عارية أبطلها الواحد
توحيده إياه توحيده ... ونعت من ينعته لأحد
قوله ما وحد الواحد من واحد يعني ما وحد الله عز وجل أحد سواه وكل من وحد الله فهو جاحد لحقيقه توحيده فإن توحيده يتضمن شهود ذات الواحد وانفراده وتلك إثنينية ظاهرة بخلاف توحيده لنفسه فإنه يكون هو الموحد والموحد والتوحيد صفته وكلامه القائم به فما ثم غير فلا إثنينية ولا تعدد
وأيضا فمن وحده من الخلق فلا بد أن يصفه بصفة وذلك يتضمن جحد حقه الذي هو عدم انحصاره تحت الأوصاف فمن وصفه فقد جحد إطلاقه عن قيود الصفات
وقوله توحيد من ينطق عن نعته عارية أبطلها الواحد
يعني توحيد الناطقين عنه عارية أبطلها الواحد يعني عارية مردودة كما تسترد العواري إشارة إلى أن توحيدهم عارية لا ملك لهم بل الحق أعارهم إياه كما يعير المعير متاعه لغيره ينتفع به ويكون ملكا للمعير لا للمستعير
وقوله أبطلها الواحد أي الواحد المطلق من كل الوجوه وحدته تبطل هذه العارة وتردها إلى مالكها الحق فإن الوحدة المطلقة من جميع الوجوه تنافي ملك الغير لشيء من الأشياء بل المالك لتلك العارية هو الواحد فقط فلذلك أبطلت الوحدة هذه العارية
وقوله توحيده إياه توحيده أي توحيده الحقيقي هو توحيده لنفسه بنفسه من غير أثر للسوى بوجه بل لا سوى هناك
وقوله ونعت من ينعته لأحد أي نعت الناعت له إلحاد وهو عدول عما يستحقه من كمال التوحيد فإنه أسند إلى نزاهة الحق مالا يليق به إسناده فإن عين الأولية تأبى نطق الحدث ومحض التوحيد يأبى أن يكون للسوي أثر ألبتة
فيقال وبالله التوفيق في هذا الكلام من الإجمال والحق والإلحاد ما لا يخفى
فأما قوله إن الرب تعالى هو الموحد لنفسه في قلوب صفوته لا أنهم هم الموحدون له
إن أريد به ظاهره وأن الموحد لله هو الله لا غيره وأن الله سبحانه حل في صفوته حتى وحد نفسه فيكون هو الموحد لنفسه في قلوب أوليائه لاتحاده بهم وحلوله فيهم
فهذا قول النصارى بعينه بل هو شر منه لأنهم خصوه بالمسيح وهؤلاء عموا به كل موحد
بل عند الإتحادية الموحد والموحد واحد وما ثم تعدد في الحقيقة
وإن أريد به هو الذي وفقهم لتوحيده وألهمهم إياه وجعلهم يوحدونه فهو الموحد لنفسه بما عرفهم به من توحيده وبما ألقاه في قلوبهم وأجراه على ألسنتهم
فهذا المعنى صحيهم
ولكن لا يصح نفي أفعالهم عنهم
فلا يقال إن الله هو الموحد لنفسه لا أن عبده يوحده هذا باطل شرعا وعقلا وحسا
بل الحق أن الله سبحانه وحد نفسه بتوحيد قام به ووحده عبيده بتوحيد قام بهم بإذنه ومشيئته وتوفيقه فهو الموحد لنفسه بنفسه وهم الموحدون له بتوفيقه ومعونته وإذنه
فالذي قام بهم ليس هو الذي قام بالرب تعالى ولا وصفه بل العلم به ومحبته
إلى أن قال
مدارج السالكين [ جزء 3 - صفحة 520 ]
ولهذا صرح بإثباتها في أول البيت وإنما ضاق به الوزن عن تمام المعنى وإيضاحه
وهذا المعنى حق وهو أولى بهذا الإمام العظيم القدر مما يظنه به طائفة الاتحادية والحلولية
وإن كانت كلماته المجملة شبهة لهم فسنته المفصلة مبطلة لظنهم
ولكلامه محمل آخر أيضا وهو أنه ما وحد الله حق توحيد الذي ينبغي له.
والنقل
لطفــــاً من هنــــا