بيان كذب الأحاديث المتضمنة لحياة الخضر حتى الآن، ودحض أكاذيب الصوفية
أو
أحاديث حياة الخضر في الميزان ، وبيان جهالات وأكاذيب الصوفية
المُقَدِّمَة
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ أما بعد:
فإن الخضر -عليه السلام- من الأنبياء الذين ذكر الله شأنهم في القرآن دون التصريح باسمه، وذلك في سورة الكهف ..
قال تعالى عن موسى وفتاه –وهو يوشع بن نون- : {فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً{65} قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً{66} قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً{67} وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً{68} قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً{69} قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً{70} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً{71} قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً{72} قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً{73} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً{74} قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً{75} قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً{76} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً{77} قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً{78} أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً{79} وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً{80} فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً{81} وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً{82}
وبيَّن النبي -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- أن هذا العبد الصالح هو الخضر -عليه السَّلام-.
فقد روى البخاري ومسلم عن أبي بن كعب -رَضِيَ اللهُ عنهُ- عن النبي -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- أنه قال : (( .. حتى أتيا الصخرة فرأى رجلا مسجى عليه بثوب. فسلم عليه موسى. فقال له الخضر : أنى بأرضك السلام؟ قال : أنا موسى. قال : موسى بني إسرائيل؟ قال : نعم. قال : إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه. وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه. قال له موسى، عليه السلام : هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا؟ قال : إنك لن تستطيع معي صبرا. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا. قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا. قال له الخضر : فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا. قال : نعم. فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر. فمرت بهما سفينة. فكلماهم أن يحملوهما. فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول. فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السفينة فنزعه..)) الحديث .
وقد دلت الآيات السابقة ، والأحاديث الصحيحة على أن الخضر -عليه السلام- نبي من الأنبياء ، وليس ولياً فقط ، بل هو من أعلى مراتب الأولياء ..
فالأنبياء -عليه السلام- مرتبتهم أعلى مرات الولاية والقربى ..
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الخضر ليس نبياً ، وقد تولى جمع من العلماء بيان ذلك ، والرد على من نفى عنه النبوة ..
وهذا القول –وإن قال به بعض العلماء- فهو قول منكر، وباطل ظاهر البطلان ، وأدلة إبطاله كثيرة من الكتاب والسنة ..
منها :
قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}
ومعنى التخليد : البقاء إلى قرب قيام الساعة ، وهذا مما نفاه الله حل وعلا عن البشر ..
وكذلك فإن النبي -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- لَمَّا بعث لم يأته ما يزعمون أنه الخضر، ولم يبايعه، ولم يهاجر ، ولم يجاهد ولم يحصل شيء من ذلك ألبتة ..
علماً بأن الهجرة كانت واجبة قبل فتح مكة...
وكذلك الواجب على الخضر لو كان حياً أن يتبع محمداً -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- ، فلا يخالفه في شريعة ، ويجب عليه اتباع شريعة محمد -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- ، وطاعته ..
فقد قال عمر -رَضِيَ اللهُ عنهُ- لرسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- : "إنا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟!!"
فقال : ((أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟!! لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي))
وهذا وقد وضع الكذابون، وروى المجهولون النكرات أحاديث يذكرون فيها أن الخضر لا يزال حيا!!
وجميع تلك الأحاديث مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
وسأبين في هذا البحث البراهين على أن تلك الأحاديث مكذوبة على رسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- ..
وقبل ذكر تلك الأحاديث أذكر شيئاً ورد في صحيح مسلم قد يلبس به الصوفية على العامة والجهال ، فيزعمون كذباً وضلالاً أن مسلماً روى ذلك في صحيحه!!
وبعد ذلك أذكر بعض الآثار السيئة لتلك الأحاديث المكذوبة التي وضعها الأفاكون على رسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- ليموهوا على الناس بذلك ، ويخدعوهم بأن الخضر عليه السلا- ما زال حياً!!
أولاً : روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري -رَضِيَ اللهُ عنهُ- قال : "حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حديثا طويلا عن الدجال. فكان فيما حدثنا قال: (( يأتي وهو محرَّمٌ عليه أن يدخل نقاب المدينة. فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة. فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس، أو من خير الناس. فيقول له : أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- حديثه. فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته، أتشكون في الأمر؟ فيقولون : لا. قال فيقتله، ثم يحييه. فيقول حين يحييه: والله! ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن. قال فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه".
فقد قال إبراهيم بن سفيان راوي صحيح مسلم : "يقال : إنهذا الرجل هو الخضر عليه السلام"
وقال معمر بن راشد في جامعه لما روى الحديث: وبلغني أنه الخضر الذي يقتله الدجال ثم يحيه"..
وهذا القول باطل لأنه لم يسند إلى دليل ، فالأول قال: يُقال! ، والآخر قال: بلغني! وكل هذه ليست أدلة ..
فالقول بأن ذلك الرجل هو الخضر من القول على الله بغير علم ، والإمامان : معمر ، وإبراهيم بن سفيان ؛ إنما نقلاه عن مجهول ولم يقولاه ..
ومسلم -رحمهُ اللهُ- لم يذكر ذلك وإنما هذا من زيادة أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان -رحمهُ اللهُ- .
ثانياً : إن الاعتقاد بحياة الخضر عليه السلام ، جر إلى خرافات وبلايا ، نطق بها بعض المجانين من الصوفية والحلولية والزنادقة ..
حتى وصل الحال إلى أن يزعم أكثر الصوفية أن كل ما ينقلونه من علومهم يسمعونه من الخضر، وقد زاد الجيلي أن الخضر مخلوق من روح الله.. "ولا يعلم هذا الجاهل أن آدم هو الذي أمر الله جبريل أن ينفخ فيه وجبريل هو روح الله وليس الخضر خلقاً خاصاً".
وقد أدى الاعتقاد بحياة الخضر عليه السلام إلى التماس كثير من الناس للخضر ، وبحثهم عنه ليدعو لهم ، وليتبركوا بجسده والتبرك بالذوات ممنوع شرعاً إلا ما خصه الشرع وهو التبرك بذات النبي -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- .
وقد اخترعوا لذلك أساطير وخرافات.
فزعموا أن الخضر عليه السلام يصلي مع الناس متخفياً بزي الفقراء وأن له علامة وذلك أن بؤبؤ عينيه يتحرك كالزئبق! وأن إبهام اليد اليمنى لا عظم لها!! [انظر: روح المعاني للآلوسي( 15/326 )] لذلك إذا صافح بعض الناس بعضهم قبض كل واحد منهم على يمين الآخر مرتكزاً على الإبهام عله أن يصادف الخضر !!
وكذلك مما يزعمونه من علاماته أنه يكون أول خارج من المسجد!! [سمعت هذا من بعض العوام، وحدثني بذلك الذي تزعمه العوام الشيخُ عمر محمد فلاتة رحمه الله ، وذكر قصة حصلت له مع بعض العامة في ذلك ] .
بل وصل حد الغلو في الخضر عليه السلام أن كثيراً من المتصوفة يزعم أنه لقي الخضر وتلقى منه أحكاماً شرعية وإن كانت مخالفة للشريعة الإسلامية !!
والحكايات عن الخضر ولقيه من بعض الناس وإعانتهم ودفع البلاء عنهم كثيرة جداً لا تحد بحد وذلك من أبين الأدلة على أنها كذب وبهتان لأن ميزة الكذب أنه لا نهاية له.
ومن ذلك:
ما روي عن رياح بن عبيدة قال : رأيت رجلاً يماشي عمر بن عبد العزيز معتمداً على يديه ، فلما انصرف قلت له: من الرجل؟ قال: رأيتَه؟ قلت: نعم .قال: أحسبك رجلاً صالحاً ذاك أخي الخضر ، بشرني أني سأولَّى وأعدل [انظر: فتح الباري(6/311) والبداية والنهاية(1/334) ]
وهذه حكاية باطلة وقد وردت بطرق وقد ذكرها الحافظ ابن كثير وفندها كلها [البداية والنهاية(1/334) ].
ومن ذلك ما ذكر عن عبد الله بن المبارك-رحمه الله-.
قال العلامة الآلوسي: [ روى ابن بشكوال في كتاب "المستغيثين بالله تعالى" عن عبد الله بن المبارك أنه قال: كنت في غزوة فوقع فرسي ميتاً ، فرأيت رجلا حسن الوجه طيب الرائحة قال: أتحب أن تركب فرسك؟ قلت: نعم . فوضع يده على جبهة الفرس حتى انتهى إلى مؤخره ، وقال: أقسمت عليك أيتها العلة بعزة عزة الله ، وبعظمة عظمة الله ، وبجلال جلال الله ، وبقدرة قدرة الله ، وبسلطان سلطان الله ، وبـ"لا إله إلا الله" ، وبما جرى به القلم من عند الله ، وبـ"لا حول ولا قوة إلا بالله" إلا انصرفت ، فوثب الفرس قائماً بإذن الله تعالى ، وأخذ الرجل بركابي وقال اركب ، فركبت ، ولحقت بأصحابي .
فلما كان من غداة غدٍ وظهرنا على العدو ، فإذا هو بين أيدينا فقلت: ألست صاحبي بالأمس؟ قال: بلى.
فقلت: سألتك بالله تعالى من أنت؟ فوثب قائماً فاهتزت الأرض تحته خضراء فقال: أنا الخضر .
فهذا صريح [ولكنه ليس بصحيح ، وعلامات الوضع عليه ظاهرة كما سيأتي من كلام الآلوسي –رحمه الله-والله أعلم ] في أنه قد يحضر بعض المعارك]
ثم قال الآلوسي-رحمه الله- مفنداً لهذه القصة ولغيرها من الشبه التي يستند إليها من يؤمن بحياة الخضر-عليه السلام-:
[لا يخفى أن نظم الخضر -عليه السلام- في سلك أويس القرني والنجاشي-رحمهما الله ، ورضي عنهما- وأضرابهما ممن لم يمكنه الإتيان إليه ؛ بعيد عن الإنصاف .
أو
أحاديث حياة الخضر في الميزان ، وبيان جهالات وأكاذيب الصوفية
المُقَدِّمَة
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ أما بعد:
فإن الخضر -عليه السلام- من الأنبياء الذين ذكر الله شأنهم في القرآن دون التصريح باسمه، وذلك في سورة الكهف ..
قال تعالى عن موسى وفتاه –وهو يوشع بن نون- : {فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً{65} قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً{66} قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً{67} وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً{68} قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً{69} قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً{70} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً{71} قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً{72} قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً{73} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً{74} قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً{75} قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً{76} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً{77} قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً{78} أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً{79} وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً{80} فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً{81} وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً{82}
وبيَّن النبي -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- أن هذا العبد الصالح هو الخضر -عليه السَّلام-.
فقد روى البخاري ومسلم عن أبي بن كعب -رَضِيَ اللهُ عنهُ- عن النبي -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- أنه قال : (( .. حتى أتيا الصخرة فرأى رجلا مسجى عليه بثوب. فسلم عليه موسى. فقال له الخضر : أنى بأرضك السلام؟ قال : أنا موسى. قال : موسى بني إسرائيل؟ قال : نعم. قال : إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه. وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه. قال له موسى، عليه السلام : هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا؟ قال : إنك لن تستطيع معي صبرا. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا. قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا. قال له الخضر : فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا. قال : نعم. فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر. فمرت بهما سفينة. فكلماهم أن يحملوهما. فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول. فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السفينة فنزعه..)) الحديث .
وقد دلت الآيات السابقة ، والأحاديث الصحيحة على أن الخضر -عليه السلام- نبي من الأنبياء ، وليس ولياً فقط ، بل هو من أعلى مراتب الأولياء ..
فالأنبياء -عليه السلام- مرتبتهم أعلى مرات الولاية والقربى ..
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الخضر ليس نبياً ، وقد تولى جمع من العلماء بيان ذلك ، والرد على من نفى عنه النبوة ..
وليس موضوعي هنا بيان هذا الأمر ، وإنما أردت بيان مسألة خطيرة وهي ما ذهب إليه بعض العلماء من أن الخضر لم يمت، وأنه ما زال حياً..[/size]
وهذا القول –وإن قال به بعض العلماء- فهو قول منكر، وباطل ظاهر البطلان ، وأدلة إبطاله كثيرة من الكتاب والسنة ..
منها :
قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}
ومعنى التخليد : البقاء إلى قرب قيام الساعة ، وهذا مما نفاه الله حل وعلا عن البشر ..
وكذلك فإن النبي -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- لَمَّا بعث لم يأته ما يزعمون أنه الخضر، ولم يبايعه، ولم يهاجر ، ولم يجاهد ولم يحصل شيء من ذلك ألبتة ..
علماً بأن الهجرة كانت واجبة قبل فتح مكة...
وكذلك الواجب على الخضر لو كان حياً أن يتبع محمداً -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- ، فلا يخالفه في شريعة ، ويجب عليه اتباع شريعة محمد -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- ، وطاعته ..
فقد قال عمر -رَضِيَ اللهُ عنهُ- لرسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- : "إنا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟!!"
فقال : ((أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟!! لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي))
وهذا وقد وضع الكذابون، وروى المجهولون النكرات أحاديث يذكرون فيها أن الخضر لا يزال حيا!!
وجميع تلك الأحاديث مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
وسأبين في هذا البحث البراهين على أن تلك الأحاديث مكذوبة على رسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- ..
تنبيهان هامان
وقبل ذكر تلك الأحاديث أذكر شيئاً ورد في صحيح مسلم قد يلبس به الصوفية على العامة والجهال ، فيزعمون كذباً وضلالاً أن مسلماً روى ذلك في صحيحه!!
وبعد ذلك أذكر بعض الآثار السيئة لتلك الأحاديث المكذوبة التي وضعها الأفاكون على رسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- ليموهوا على الناس بذلك ، ويخدعوهم بأن الخضر عليه السلا- ما زال حياً!!
أولاً : روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري -رَضِيَ اللهُ عنهُ- قال : "حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حديثا طويلا عن الدجال. فكان فيما حدثنا قال: (( يأتي وهو محرَّمٌ عليه أن يدخل نقاب المدينة. فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة. فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس، أو من خير الناس. فيقول له : أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- حديثه. فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته، أتشكون في الأمر؟ فيقولون : لا. قال فيقتله، ثم يحييه. فيقول حين يحييه: والله! ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن. قال فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه".
فقد قال إبراهيم بن سفيان راوي صحيح مسلم : "يقال : إنهذا الرجل هو الخضر عليه السلام"
وقال معمر بن راشد في جامعه لما روى الحديث: وبلغني أنه الخضر الذي يقتله الدجال ثم يحيه"..
وهذا القول باطل لأنه لم يسند إلى دليل ، فالأول قال: يُقال! ، والآخر قال: بلغني! وكل هذه ليست أدلة ..
فالقول بأن ذلك الرجل هو الخضر من القول على الله بغير علم ، والإمامان : معمر ، وإبراهيم بن سفيان ؛ إنما نقلاه عن مجهول ولم يقولاه ..
ومسلم -رحمهُ اللهُ- لم يذكر ذلك وإنما هذا من زيادة أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان -رحمهُ اللهُ- .
ثانياً : إن الاعتقاد بحياة الخضر عليه السلام ، جر إلى خرافات وبلايا ، نطق بها بعض المجانين من الصوفية والحلولية والزنادقة ..
حتى وصل الحال إلى أن يزعم أكثر الصوفية أن كل ما ينقلونه من علومهم يسمعونه من الخضر، وقد زاد الجيلي أن الخضر مخلوق من روح الله.. "ولا يعلم هذا الجاهل أن آدم هو الذي أمر الله جبريل أن ينفخ فيه وجبريل هو روح الله وليس الخضر خلقاً خاصاً".
وقد أدى الاعتقاد بحياة الخضر عليه السلام إلى التماس كثير من الناس للخضر ، وبحثهم عنه ليدعو لهم ، وليتبركوا بجسده والتبرك بالذوات ممنوع شرعاً إلا ما خصه الشرع وهو التبرك بذات النبي -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- .
وقد اخترعوا لذلك أساطير وخرافات.
فزعموا أن الخضر عليه السلام يصلي مع الناس متخفياً بزي الفقراء وأن له علامة وذلك أن بؤبؤ عينيه يتحرك كالزئبق! وأن إبهام اليد اليمنى لا عظم لها!! [انظر: روح المعاني للآلوسي( 15/326 )] لذلك إذا صافح بعض الناس بعضهم قبض كل واحد منهم على يمين الآخر مرتكزاً على الإبهام عله أن يصادف الخضر !!
وكذلك مما يزعمونه من علاماته أنه يكون أول خارج من المسجد!! [سمعت هذا من بعض العوام، وحدثني بذلك الذي تزعمه العوام الشيخُ عمر محمد فلاتة رحمه الله ، وذكر قصة حصلت له مع بعض العامة في ذلك ] .
بل وصل حد الغلو في الخضر عليه السلام أن كثيراً من المتصوفة يزعم أنه لقي الخضر وتلقى منه أحكاماً شرعية وإن كانت مخالفة للشريعة الإسلامية !!
والحكايات عن الخضر ولقيه من بعض الناس وإعانتهم ودفع البلاء عنهم كثيرة جداً لا تحد بحد وذلك من أبين الأدلة على أنها كذب وبهتان لأن ميزة الكذب أنه لا نهاية له.
ومن ذلك:
ما روي عن رياح بن عبيدة قال : رأيت رجلاً يماشي عمر بن عبد العزيز معتمداً على يديه ، فلما انصرف قلت له: من الرجل؟ قال: رأيتَه؟ قلت: نعم .قال: أحسبك رجلاً صالحاً ذاك أخي الخضر ، بشرني أني سأولَّى وأعدل [انظر: فتح الباري(6/311) والبداية والنهاية(1/334) ]
وهذه حكاية باطلة وقد وردت بطرق وقد ذكرها الحافظ ابن كثير وفندها كلها [البداية والنهاية(1/334) ].
ومن ذلك ما ذكر عن عبد الله بن المبارك-رحمه الله-.
قال العلامة الآلوسي: [ روى ابن بشكوال في كتاب "المستغيثين بالله تعالى" عن عبد الله بن المبارك أنه قال: كنت في غزوة فوقع فرسي ميتاً ، فرأيت رجلا حسن الوجه طيب الرائحة قال: أتحب أن تركب فرسك؟ قلت: نعم . فوضع يده على جبهة الفرس حتى انتهى إلى مؤخره ، وقال: أقسمت عليك أيتها العلة بعزة عزة الله ، وبعظمة عظمة الله ، وبجلال جلال الله ، وبقدرة قدرة الله ، وبسلطان سلطان الله ، وبـ"لا إله إلا الله" ، وبما جرى به القلم من عند الله ، وبـ"لا حول ولا قوة إلا بالله" إلا انصرفت ، فوثب الفرس قائماً بإذن الله تعالى ، وأخذ الرجل بركابي وقال اركب ، فركبت ، ولحقت بأصحابي .
فلما كان من غداة غدٍ وظهرنا على العدو ، فإذا هو بين أيدينا فقلت: ألست صاحبي بالأمس؟ قال: بلى.
فقلت: سألتك بالله تعالى من أنت؟ فوثب قائماً فاهتزت الأرض تحته خضراء فقال: أنا الخضر .
فهذا صريح [ولكنه ليس بصحيح ، وعلامات الوضع عليه ظاهرة كما سيأتي من كلام الآلوسي –رحمه الله-والله أعلم ] في أنه قد يحضر بعض المعارك]
ثم قال الآلوسي-رحمه الله- مفنداً لهذه القصة ولغيرها من الشبه التي يستند إليها من يؤمن بحياة الخضر-عليه السلام-:
[لا يخفى أن نظم الخضر -عليه السلام- في سلك أويس القرني والنجاشي-رحمهما الله ، ورضي عنهما- وأضرابهما ممن لم يمكنه الإتيان إليه ؛ بعيد عن الإنصاف .