حكم المعاريض للشيخ علي الحلبي
**منقول**
سُئـــــــل شيخنا ابو الحارث حفظه الله في منتديات الحور العين العامرة عن الكذب مخافة الحسد أي عن جوازِهِ من عدم
فأجاب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
ثم أما بعد ...
فأخرج الإمام البخاري رحمه الله في كتاب " الأدب المفرد " بإسناد صححه الألباني
عن مطرف بن عبد الله قال : صحبت عمران بن حصين من الكوفة إلى البصرة ،
فما أتى علينا يوم إلا أنشدنا فيه الشعر ، وقال : إن في معاريض الكلام لمنْدُوحَة عن الكذب .)
وأخرج فيه أيضا رحمه الله بإسناد صحيح
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال عمر :
( أما في المعاريض ما يكفي المسلم من الكذب ؟ )
والمعاريض والمعارض - بإثبات الياء أو بحذفها - من التعريض بالقول ،
قال الجوهري : هو خلاف التصريح ، وهو التورية بالشيء عن الشيء .
وقوله : ( مندوحة ) أي : فسحة ومتسع ، ندحت الشيء إذا وسعته ،
والمعنى : أن في المعاريض ما يغني عن الكذب .
وقال محمد بن سيرين : الكلام أوسع من أن يكذب ظريف .
قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني " :
( يعني : لا يحتاج أن يكذب ؛ لكثرة المعاريض ،
وخص الظريف بذلك يعني به الكيس الفطن ، فإنه يفطن للتأويل ، فلا حاجة به إلى الكذب .)
ومن الأمثلة على المعاريض الجائزة
ما جاء في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال :
( اشتكى ابن لأبي طلحة ، قال : فمات وأبو طلحة خارج ،
فلما رأت امرأته ( وهي أم سُليم ) أنه قد مات هيأت شيئا ونحّته في جانب البيت ،
فلما جاء أبو طلحة قال : كيف الغلام ،
قالت : قد هدأت نفسه ، وأرجو أن يكون قد استراح ، وظن أبو طلحة أنها صادقة ،
قال : فبات فلما أصبح اغتسل ، فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات ،
فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما كان منهما ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما ،
قال سفيان : فقال رجل من الأنصار : فرأيت لهما تسعة أولاد كلهم قد قرأ القرآن )
هذا الحديث علقه البخاري رحمه الله تحت باب (المعاريض مندوحة عن الكذب )
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في قول أم سُليم رضي الله عنها " وأرجو أنه استراح " :
( فهم منه أنه استراح من المرض بالعافية ،
ومرادها أنه استراح من نكد الدنيا وألم المرض ، فهي صادقة باعتبار مرادها ،
وخبرها بذلك غير مطابق للأمر الذي فهمه أبو طلحة ،
فمن ثم قال الراوي " وظن أنها صادقة " أي باعتبار ما فهم هو . ) اهـ
وقال رحمه الله تحت باب ( من لم يُظهر حزنه عند المصيبة ) من كتاب الجنائز في " الفتح "
وذلك في سياق بيانه للفوائد المستخرجة من حديث أنس السابق :
( وفيه مشروعية المعاريض الموهمة إذا دعت الضرورة إليها ، وشرط جوازها أن لا تبطل حقا لمسلم )
وقال رحمه الله :
( قال ابن بطال : وهذا أصل في جواز استعمال المعاريض ،
ومحل الجواز فيما يُخلِّص من الظلم أو يُحصِّل الحق ،
وأما استعمالها في عكس ذلك من إبطال الحق أو تحصيل الباطل فلا يجوز .) اهـ
قال الفقير إلى عفو ربه :
فالأولى بالسائلة حفظها الله أن تستعين على إنجاح حوائجها أصلا بالكتمان ،
لأن كل ذي نعمة محسود ، كما صح الحديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم
فيما رواه ابن حبان في " روضة العقلاء " والسهمي في " أخبار جرجان "
بإسناد جوَّده الألباني رحمه الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ،
فإذا لم تجد مفرا ومخرجا من التحديث والكلام فعليها أن تستعين على إخفاء حالها بمعاريض الكلام
ولا يجوز لها الكذب في هذا السياق ؛ لما تقرر آنفا من إباحة المعاريض المُغنية عن الكذب .
هذا والله تعالى أعلى وأعلم .
( اشتكى ابن لأبي طلحة ، قال : فمات وأبو طلحة خارج ،
فلما رأت امرأته ( وهي أم سُليم ) أنه قد مات هيأت شيئا ونحّته في جانب البيت ،
فلما جاء أبو طلحة قال : كيف الغلام ،
قالت : قد هدأت نفسه ، وأرجو أن يكون قد استراح ، وظن أبو طلحة أنها صادقة ،
قال : فبات فلما أصبح اغتسل ، فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات ،
فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما كان منهما ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما ،
قال سفيان : فقال رجل من الأنصار : فرأيت لهما تسعة أولاد كلهم قد قرأ القرآن )
هذا الحديث علقه البخاري رحمه الله تحت باب (المعاريض مندوحة عن الكذب )
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في قول أم سُليم رضي الله عنها " وأرجو أنه استراح " :
( فهم منه أنه استراح من المرض بالعافية ،
ومرادها أنه استراح من نكد الدنيا وألم المرض ، فهي صادقة باعتبار مرادها ،
وخبرها بذلك غير مطابق للأمر الذي فهمه أبو طلحة ،
فمن ثم قال الراوي " وظن أنها صادقة " أي باعتبار ما فهم هو . ) اهـ
وقال رحمه الله تحت باب ( من لم يُظهر حزنه عند المصيبة ) من كتاب الجنائز في " الفتح "
وذلك في سياق بيانه للفوائد المستخرجة من حديث أنس السابق :
( وفيه مشروعية المعاريض الموهمة إذا دعت الضرورة إليها ، وشرط جوازها أن لا تبطل حقا لمسلم )
وقال رحمه الله :
( قال ابن بطال : وهذا أصل في جواز استعمال المعاريض ،
ومحل الجواز فيما يُخلِّص من الظلم أو يُحصِّل الحق ،
وأما استعمالها في عكس ذلك من إبطال الحق أو تحصيل الباطل فلا يجوز .) اهـ
قال الفقير إلى عفو ربه :
فالأولى بالسائلة حفظها الله أن تستعين على إنجاح حوائجها أصلا بالكتمان ،
لأن كل ذي نعمة محسود ، كما صح الحديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم
فيما رواه ابن حبان في " روضة العقلاء " والسهمي في " أخبار جرجان "
بإسناد جوَّده الألباني رحمه الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ،
فإذا لم تجد مفرا ومخرجا من التحديث والكلام فعليها أن تستعين على إخفاء حالها بمعاريض الكلام
ولا يجوز لها الكذب في هذا السياق ؛ لما تقرر آنفا من إباحة المعاريض المُغنية عن الكذب .
هذا والله تعالى أعلى وأعلم .
تتمة في حكم الحَلِف على المعاريض
بين الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى في " المغني "
أن الحالف على المعاريض لا يخلو من ثلاثة أحوال :
أحدها :
أحدها :
أن يكون مظلوما ،
فلو صَدَقَ في كلامه لظلمه الظالم ، أو ظلم غيره ، فهذا له أن يحلف على المعاريض .
واستدل رحمه الله على الجواز بما رواه أبو داود وابن ماجة من حديث سويد بن حنظلة قال :
خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر ،
فأخذه عدو له ، فتحرج القوم أن يحلفوا ، وحلفت أنه أخي فخلى سبيله ،
فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن القوم تحرجوا أن يحلفوا وحلفت أنه أخي ،
قال : ( صدقت المسلم أخو المسلم .)
الحال الثاني :
فلو صَدَقَ في كلامه لظلمه الظالم ، أو ظلم غيره ، فهذا له أن يحلف على المعاريض .
واستدل رحمه الله على الجواز بما رواه أبو داود وابن ماجة من حديث سويد بن حنظلة قال :
خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر ،
فأخذه عدو له ، فتحرج القوم أن يحلفوا ، وحلفت أنه أخي فخلى سبيله ،
فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن القوم تحرجوا أن يحلفوا وحلفت أنه أخي ،
قال : ( صدقت المسلم أخو المسلم .)
الحال الثاني :
أن يكون الحالف ظالما ،
فهذا ينصرف يمينه إلى ظاهر اللفظ الذي عناه المُستَحلِف ، ولا يجوز له الحلف على المعاريض .
ثم استدل رحمه الله على عدم الجواز بدليل وتعليل :
فأما الدليل فما رواه مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
{ اليمين على نية المستحلف }
وما رواه أيضا من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
{ يمينك على ما يصدقك به صاحبك }
وأما التعليل ففيه قوله رحمه الله :
( ولأنه لو ساغ التأويل لبطل المعنى المبتغى باليمين ؛
إذ مقصودها تخويف الحالف ليرتدع عن الجحود ، خوفا من عاقبة اليمين الكاذبة ،
فمتى ساغ التأويل له انتفى ذلك ، وصار التأويل وسيلة إلى جحد الحقوق ،
ولا نعلم في هذا خلافا . ) اهـ
ولذا قال الإمام أحمد في الجمع بين الصورتين حينما سأله مُهَنا عن رجل له امرأتان ،
اسم كل واحدة منهما فاطمة ، فماتت واحدة منهما ، فحلف بطلاق فاطمة ، ونوى التي ماتت ؟
قال : إن كان المستحلف له ظالما ، فالنية نية صاحب الطلاق ،
وإن كان المطلق هو الظالم ، فالنية نية الذي استحلف .
نقله في " المغني[size=21] "
فهذا ينصرف يمينه إلى ظاهر اللفظ الذي عناه المُستَحلِف ، ولا يجوز له الحلف على المعاريض .
ثم استدل رحمه الله على عدم الجواز بدليل وتعليل :
فأما الدليل فما رواه مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
{ اليمين على نية المستحلف }
وما رواه أيضا من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
{ يمينك على ما يصدقك به صاحبك }
وأما التعليل ففيه قوله رحمه الله :
( ولأنه لو ساغ التأويل لبطل المعنى المبتغى باليمين ؛
إذ مقصودها تخويف الحالف ليرتدع عن الجحود ، خوفا من عاقبة اليمين الكاذبة ،
فمتى ساغ التأويل له انتفى ذلك ، وصار التأويل وسيلة إلى جحد الحقوق ،
ولا نعلم في هذا خلافا . ) اهـ
ولذا قال الإمام أحمد في الجمع بين الصورتين حينما سأله مُهَنا عن رجل له امرأتان ،
اسم كل واحدة منهما فاطمة ، فماتت واحدة منهما ، فحلف بطلاق فاطمة ، ونوى التي ماتت ؟
قال : إن كان المستحلف له ظالما ، فالنية نية صاحب الطلاق ،
وإن كان المطلق هو الظالم ، فالنية نية الذي استحلف .
نقله في " المغني[size=21] "