خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    العقوبة… و … الابتلاء / للشيخ مشهور بن حسن آل سلمان - وفقه الله تعالى .

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية العقوبة… و … الابتلاء / للشيخ مشهور بن حسن آل سلمان - وفقه الله تعالى .

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 03.10.08 11:36

    العقوبة… و … الابتلاء

    للشيخ

    مشهور بن حسن آل سلمان
    حفظه الرحمن

    -------------------------------------------------------

    العاملون للإسلام على الساحة كثيرون، وكثرتهم لا تقل عن أُطرهم وطروحاتهم ومناهجهم من حيث العدد، وبعضهم يردِّد - بافتخار- أنهم متمايزون عن غيرهم بكثرة عطائهم وتضحياتهم، ويأخذ هؤلاء في الاستدلال على ذلك بما لاقى أصحابه وإخوانه على الدرب من ألوان التعذيب.

    والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل هذه المعاناة من باب العقوبة أم الابتلاء؟ وللجواب على هذا السؤال، نقول:


    إنَّ خلطنا يقع في تصوّر الكثيرين حول الابتلاء والأسباب التي تؤدي إليه، والنتائج المترتبة عليه من جهة، وحول العقوبة وأسبابها ونتائجها من جهة أخرى، وللتفرقة بينهما نضع هذه المعالم:


    أولاً: ليس كل ابتلاء مرجعه وسببه الذنوب والمعاصي، فلا ينبغي أن نسيء الظن بمن حلَّت بهم المصائب وقد يسيء هؤلاء -الذين حلَّت بهم المصائب- بربهم الظن.

    يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى-: ((وأنت تشاهد كثير من الناس إذا أصابه نوع من البلاء يقول: يا ربي ما كان ذنبي حتى فعلت بي هذا؟

    وقال لي غير واحد: إذا تبت إليه، وأنبت، وعملتُ صالحاً؛ ضيَّق عليَّ رزقي، ونكَّد عليَّ معيشتي، وإذا رجعت إلى معصيته، وأعطيت نفسي مُرادها جاءني الرزق والعون… ونحو هذا.

    فقلت لبعضهم: هذا امتحان منه؛ ليرى صدقك وصبرك، هل أنت صادق في مجيئك إليه، وإقبالك عليه، فتصبر على بلائه، فتكون لك العاقبة؟ أم أنت كاذب، فترجع على عقبك.

    وهذه الأقوال والظنون الكاذبة الحائدة عن الصواب مبنيَّة على مقدمتين:

    إحداهما: حسن ظن العبد بنفسه وبدنه، واعتقاده أنمه قائم بما يجب عليه، وتارك ما نُهي عنه، واعتقاده وتارك ما نهي عنه، واعتقاده في خصمه وعدوه خلاف ذلك وأنه تارك للمأمور، مرتكب للمحظور، وأن نفسه أولى بالله ورسوله ودينه منه.

    والمقدمة الثانية: اعتقاده أن الله -سبحانه وتعالى- قد لا يؤد صاحب الحق الدين وينصره، وقد لا يجعل له العاقبة في الدنيا بوجه من الوجوه، بل يعيش عمره مظلوماً مقهوراً مستضاماً، مع قيامه بما أُمر به ظاهراً وباطناً، وانتهائه عما نُهي عنه باطناً وظاهراً، فهو عند نفسه قائم بشرائع الإسلام وحقائق الإيمان، وهو تحت قهر أهل الظلم والفجور والعدوان، فلا إله إلا الله؛ كم فسد بهذا الاغترار من عابد جاهل، ومتديِّن لا بصيرة له، ومنتسب إلى العلم لا معرفة له بحقائق الدين.

    فسبحان الله ! فكم صدرت هذه الفتنة الكثير من الخلق -بل أكثرهم- عن القيام بحقيقة الدين(1).

    وبعكس هؤلاء العاملين القول، فتراهم كثرة المصائب التي حلَّت بهم إلى كونهم مؤمنين، فيشدِّد الله عليهم البلاء، لحبِّه إياهم لا إلى كوهم خرجوا عن منهج الله، وخالقو أمره.

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمة الله تعالى-((قد تصيب المؤمنين بالله ورسوله مصائب بسبب ذنوبهم، لا بما أطاعوا فيه الرسول، كما لحقهم يوم أحد بسبب ذنوبهم، لا بسبب طاعتهم الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-))(2).

    والذي أودُّ تأكيده هنا: أنه لا بد من النظر إلى مختلف الأسباب ومعرفة الإنسان لنفسه، وما عليه الآخرون من التزام أو غيره، والمعرفة قبل ذلك بالتكاليف والمسؤوليات الواجبة على العباد، وبذلك يستطيع أن يتبصَّر بواقعه وواقع الناس من حوله، وأن يكون منصفاً.

    ثانياً: ولعل السبب في عدم التفريق بين الابتلاء والعقوبة يعود إلى أم كلاً منهما قد يكون سببهما الفسوق والمخالفة لأوامر الله والرسول -صلى الله عليه وسلم- فإذا وجد الفسق والخروج على حدود الله، فقد يؤدي ذلك إلى الابتلاء والفتنة، أو إلى الجزاء والعقوبة، وذلك راجع إلى حكمة الله ومشيئته وعدله، وإلى طبيعة الخروج وحجمه، ونوع الفسق ومقداره، وطبيعة نفوس المخالفين ومقدار إصرارهم على المخالفة، والله أعلم.

    والتفريق بين الأمرين يحتاج إلى بصيرة في الدين، ومعرفة بالسنن وطبيعتها، ودراسة واعية لأحوال الناس، ومقدار صلاحهم وفسادهم، وقربهم وبعدهم من دينهم.

    ثالثاً: إن الأسباب والمسببات هي مجال للابتلاء والامتحان، وتنكَّب هذه الأسباب والانحراف عما وضعت له يوقع في نتائج لا تُحمد عقباها، كنوع من الجزاء الدنيوي المعجَّل نتيجة الانحراف عن هذه الأسباب.

    يقول الإمام الشاطبي -رحمه الله تعالى-: ((إن الأسباب والمسببات موضوعة في هذه الدار ابتلاءً للعباد وامتحاناً لهم، فإنها طريق إلى السعادة أو الشقاوة، وهي على ضربين:

    أحدهما: ما وضع لابتلاء العقول، وذلك العالم كله من حيث هو منظور فيه، وصنعة يستدل بها على ما وراءها.

    والثاني: ما وضع لابتلاء النفوس، وهو العالم كله أيضاً من حيث هو موصول إلى العباد المنافع والمضار، ومن حيث هو مسخَّر لهم، ومنقاد لما يريدون فيه؛ لتظهر تصاريفهم تحت حكم القضاء والقدر، ولتجري أعمالهم تحت حكم الشرع؛ ليسعد بها من سعد، ويشقى من شقي، وليظهر مقتضى العلم السابق، والقضاء المحتم الذي لا مردَّ له، فإن الله غني عن العالمين، ومنزَّه عن الافتقار في صنع ما يصنع إلى الأسباب والوسائط، ولكن وضعها للعباد ليبتليهم فيها))(3).

    وهنا يخلط كثير من الناس بين تصوّرهم لحقيقة الابتلاء وبين ما يتكلَّفونه نتيجة اختلال ممارساتهم وانحرافهم عن رؤية الأسباب الصحيحة وتنكبهم إياها.
    يقول خالص جلبي: ((وهناك فرق بين المحنة والتحطيم، بين الابتلاء والانسحاق، والابتلاء تمحيص للنفوس، ونوع من اليقظة والصحو، كي يحدث استنفار كامل العضوية وهي تواجه التحدي، فتدفع بقوتها العاملة والاحتياطية، وبالتالي تسير بوعي في منهاج النظر والحركة، والابتلاء حينما يأتي في الممارسة يصبح سحقاً وتحطيماً للعمل، ولذا يجب هنا الانتباه والتفريق بدقة بين أمرين:

    الأول: التغلب على الصعوبات في مواجهة العمل.

    الثاني: ما يكلّفنا الخطأ في الممارسة من التنحي عن العمل، والفرق كبير بين التنمية والنتيجة.

    وخط العمل في الشكل الأول صحيح، ودلالته طبيعية لا تخيف… وأما الشكل الثاني في المحنة، فهو يطحن الأشخاص والدعوة، ويهرس العقيدة وأصحابها))(4).

    وبقول في موضع آخر: ((يجب التفريق بحسم بين صنفين من المحنة، صنف يحدث من أنواع الاضطهاد بسبب عقائدي بحق: تكذيب وإيذاء، وتعذيب بدني وما شابه، وصنف يحدث فيه مصائب بواعثها أخطاء العمل، والصنف الأول يعالج الموقف فيها بزيادة سحنة الصبر والمصابرة، والثاني بالصبر مضافاً إليه تعديل خطأ ما حدث كدرس لن يتكرر في المستقبل))(5).

    رابعاً: وختاماً؛ أحاول أن أضع بعض العلامات الفارقة بين الابتلاء والجزاء (العقوبة):

    1- العقوبة هي الجزاء المعجل الذي يقع على العباد نتيجة الفشل والرسوب في الامتحان والاختبار، بينما الابتلاء هو عملية دخول هذا الامتحان، فالابتلاء مقدمة، والعقوبة نتيجة.

    2- الابتلاء من مجالاته الوقوف أمام الأسباب والمسببات، والعقوبة ناتجة عن الانحراف عن هذه الأسباب، وتنكب مسارها.

    3- الاختلاف في أسباب كل منهما، فالإيمان والاستقامة على المنهج النبوي سبب الابتلاء، واشتداده في هذا المجال دليل على شدَّة الإيمان، ولذلك كان الأنبياء أشد الناس بلاء، ثم الأمثل فالأمثل.

    أما الجزاء والعقوبة؛ فمرجعه وسببه الانحراف عن المنهج، وكلما زاد الفسق،وكبر حجم الانحراف؛ اشتدَّت العقوبة.

    4- الابتلاء سبيل الأمانة والتمكين، بينما العقوبة حرمان منها؛ قال –تعالى-: {وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلماتٍ فأتمَّهنَّ قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين}.

    فإبراهيم -عليه السلام- جُعل للناس إماماً؛ لأنه نجح في كل ما ابتُلي به وامتحن، بينما الذين يفشلون في ذلك يُحرمون هذه الأمانة، ولا ينالون ذلك العهد؛ {قال لا ينال عهدي الظالمين}.

    5- إذا كانت التكاليف قائمة على الواسطيّة والاعتدال؛ فهي ابتلاء، أما إذا مالت عن الاعتدال؛ فهي جزاء وعقوبة للمكلَّف(6).

    6- الابتلاء قد يكون علامة على حب الله ورضاه عنه، بينما العقوبة والجزاء إشارة إلى غضب الله وعدم رضاه عن العبد.

    7- الابتلاء يهدف إلى تجميع كلمة الأمة، وتمتين الروابط فيما بينها، أما العقوبة؛ فقد تكون سبباً في تشتيتها وضرب قلوب بعضها ببعض، وزيادة العداوة والبغضاء بين أفرادها، وهذا ما كان في مسلمي بعض بلداننا، }فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبّئهم الله بما كانوا يعملون{.

    ((فإن الأماني والمحاولات العاطفيّة والجهود التي تعتمد المناسبات والمصالح الموسمية أوهى من أن تقيم القاعدة الإسلاميّة الجادة أو تحفظ وحدتها، فما لم نحتكم إلى الكتاب حقيقة لا مظهراً، بعد إسقاط كل القناعات الشخصيّة الموروثة من عصور الصراع الإسلامي – الإسلامي، وما لم تكن كل قناعاتنا مستنبطة من الوحي محكوم به، فلا أمل لنا بوحدة أو عمل أو خلاص)).

    8- الفرق بينهما من حيث العلاج؛ فالابتلاء يحتاج إلى الاستعانة بالله، والصبر والتقوى، والرضا… وما إلى ذلك من أمور، أما العقوبة فتحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى التوبة والاستغفار والاستقامة وتصحيح المسار، ومواكبة سنن الكون الحياة.

    ____________________

    (1) ((إغاثة اللهفان)) (2/174-174، وانظر منه 177-185.
    (2) ((الحسنة والسيئة)) (ص34).
    (3) ((الموافقات)) (1/203)، وانظر منه (ص232-233).
    (4) ((ظاهرة المحنة)) (ص28-29).
    (5) ((ظاهرة المحنة)) (ص53).
    (6) انظر بسط هذه النقطة في ((الموافقات)) (2/163)، ففيه كلام نفيس للغاية.
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: العقوبة… و … الابتلاء / للشيخ مشهور بن حسن آل سلمان - وفقه الله تعالى .

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 03.10.08 11:37


    قال شيخ الإسلام كما في الفتاوى :

    والمقصود أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم ليس سببا لشيء من المصائب و لا تكون طاعة الله و رسوله قط سببا لمصيبة بل طاعة الله و الرسول لا تقتضى إلا جزاء أصحابها بخيري الدنيا و الآخرة .

    و لكن قد تصيب المؤمنين بالله و رسوله مصائب بسبب ذنوبهم لا بما اطاعوا فيه الله و الرسول كما لحقهم يوم أحد بسبب ذنوبهم لا بسبب طاعتهم الله و رسوله صلى الله عليه و سلم .

    و كذلك ما ابتلوا به فى السراء و الضراء و الزلزال ليس هو بسبب نفس إيمانهم و طاعتهم لكن امتحنوا به ليتخلصوا مما فيهم من الشر و فتنوا به كما يفتن الذهب بالنار ليتميز طيبه من خبيثه و النفوس فيها شر و الامتحان يمحص المؤمن من ذلك الشر الذى فى نفسه

    قال تعالى و تلك الأيام نداولها بين الناس و ليعلم الله الذين آمنوا و يتخذ منكم شهداء و الله لا يحب الظالمين و ليمحص الله الذين آمنوا و يمحق الكافرين و قال تعالى و ليبتلى الله ما فى صدوركم و ليمحص ما فى قلوبكم و لهذ قال صالح عليه السلام لقومه طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون .

    و لهذا كانت المصائب تكفر سيئات المؤمنين و بالصبر عليها ترتفع درجاتهم و ما أصابهم فى الجهاد من مصائب بأيدي العدو فانه يعظم أجرهم بالصبر عليها .


    و فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه و سلم قال ما من غازبة يغزون فى سبيل الله فيسلمون و يغنمون إلا تعجلوا ثلثي أجرهم و إن أصيبوا و أخفقوا تم لهم أجرهم .

    و أما ما يلحقهم من الجوع و العطش و التعب فذاك يكتب لهم به عمل صالح كما قال تعالى ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ و لا نصب و لامخمصة فى سبيل الله و لا يطؤون موطئا يغيظ الكفار و لا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين و شواهد هذا كثيرة .
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: العقوبة… و … الابتلاء / للشيخ مشهور بن حسن آل سلمان - وفقه الله تعالى .

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 03.10.08 11:41

    ومن درر شيخ الإسلام ( قواعد المحبة ) . جاء فيها :

    ولكن تذكر هنا نكتة نافعة وهو أن الإنسان قد يسمع ويرى ما يصيب كثيرا من أهل الإيمان والإسلام في الدنيا من المصائب وما يصيب كثيرا من الكفار والفجار في الدنيا من الرياسة والمال وغير ذلك فيعتقد أن النعيم في الدنيا لا يكون إلا لأهل الكفر والفجور وأن المؤمنين ليس لهم في الدنيا ما يتنعمون به إلا قليلا وكذلك قد يعتقد أن العزة والنصرة قد تستقر للكفار والمنافقين علي المؤمنين وإذا سمع ما جاء في القرآن من أن العزة لله ورسوله وللمؤمنين وأن العاقبة للتقوى وقول الله تعالى ( وإن جندنا لهم الغالبون ) وهو ممن يصدق بالقرآن حمل هذه الآيات علي الدار الآخرة فقط


    وقال : أما الدنيا فما نري بأعيننا إلا أن الكفار والمنافقين فيها يظهرون ويغلبون المؤمنين ولهم العزة والنصرة والقرآن لا يرد بخلاف المحسوس ، ويعتمد علي هذا فيما إذا أديل أديل عليه عدو من جنس الكفار والمنافقين أو الظالمين وهو عند نفسه من أهل الإيمان والتقوى فيرى أن صاحب الباطل قد علا على صاحب الحق فيقول : أنا علي الحق وأنا مغلوب .

    وإذا ذكره إنسان بما وعده الله من حسن العاقبة للمتقين ، قال : هذا في الآخرة فقط . وإذا قيل له : كيف يفعل الله بأوليائه مثل هذه الأمور ؟ قال : يفعل ما يشاء . وربما قال بقلبه أو لسانه أو كان حاله يقتضى أن هذا نوع من الظلم وربما ذكر قول بعضهم : ما علي الخلق أضر من الخالق . لكن يقول : يفعل الله ما يشاء . وإذا ذكر برحمة الله وحكمته لم يقل إلا أنه يفعل ما يشاء . فلا يعتقدون أن صاحب الحق والتقوى منصور مؤيد بل يعتقدون أن الله يفعل ما يشاء .

    وهذه الأقوال مبنية علي مقدمتين : (1) إحداهما حسن ظنه بدين نفسه نوعا أو شخصا واعتقاد أنه قائم بما يجب عليه وتارك ما نهي عنه في الدين الحق واعتقاده في خصمه ونظيره خلاف ذلك أن دينه باطل نوعا أو شخصا لأنه ترك المأمور وفعل المحظور . (2) والمقدمة الثانية أن الله قد لا يؤيد صاحب الدين الحق وينصره وقد لا يجعل له العاقبة في الدنيا فلا ينبغى الاغترار بهذا .


    ومن المعلوم أن العبد وإن أقر بالآخرة فهو يطلب حسن عاقبة الدنيا فقد يطلب ما لا بد منه من دفع الضرر وجلب المنفعة وقد يطلب من زيادة النفع ودفع الضرر ما يظن أنه مباح فإذا اعتقد أن الدين الحق قد ينافي ذلك لزم من ذلك إعراض القلب عن الرغبة في كمال الدين الحق وفي حال السابقين والمقربين بل قد يعرض عن حال المقتصدين أصحاب اليمين فيدخل مع الظالمين بل قد يكفر ويصير من المرتدين المنافقين أو المعلنين بالكفر

    وإن لم يكن هذا في أصل الدين كان في كثير من أصوله وفروعه كما قال النبى يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا أو يمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا وذلك إذا اعتقد أن الدين لا يحصل إلا بفساد دنياه ولذلك فإنه يفرح بحصول الضرر له ويرجو ثواب ضياع ما لا بد له من المنفعة .

    وهذه الفتنة التى صدت أكثر بنى آدم عن تحقيق الدين وأصلها الجهل بحقيقة الدين وبحقيقة النعيم الذي هو مطلوب النفوس في كل وقت إذ قد ذكرنا أن كل عمل فلا بد فيه من إرادة به لطلب ما ينعم فهناك عمل يطلب به النعيم ولا بد أن يكون المرء عارفا بالعمل الذى يعمله وبالنعيم الذي يطلبه .

    ثم إذا علم هذين الأصلين فلابد أن تكون فيه إرادة جازمة علي العمل بذلك وإلا فالعلم بالمطلوب وبطريقه لا يحصلان المقصود إلا مع الإرادة الجازمة والارادةالجازمة لا تكون إلا مع الصبر ولهذا قال سبحانه وتعالى ( والعصر إن الإنسان لفى خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) وقال تعالي ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) . فاليقين هو العلم الثابت المستقر والصبر لابد منه لتحقيق الإرادة الجازمة .

    والمقدمتان اللتان التي بنيت عليهما هذه البلية مبناهما علي الجهل بأمر الله ونهيه وبوعده ووعيده فإن صاحبهما إذا اعتقد أنه قائم بالدين الحق فقد اعتقد أنه فاعل للمأمور تارك للمحظور وهو على العكس من ذلك وهذا يكون من جهله بالدين الحق .

    وإذا اعتقد أن صاحب الحق لا ينصره الله في الدنيا بل قد تكون العاقبة في الدنيا للكفار على المؤمنين ولأهل الفجور علي أهل البر فهذا من جهله بوعد الله تعالى .

    أما الأول فما أكثر من يترك واجبات لا يعلم بها ولا بوجوبها وما أكثر من يفعل محرمات لا يعلم بتحريمها بل ما أكثر من يعبد الله بما حرم ويترك ما أوجب وما أكثر من يعتقد أنه هو المظلوم المحق من كل وجه وأنه خصمه هو الظالم المبطل من كل وجه ولا يكون الأمر كذلك بل يكون معه نوع من الباطل والظلم ومع خصمه نوع من الحق والعدل .

    حبك الشيء يعمي ويصم والإنسان مجبول على محبة نفسه فهو لا يرى إلا محاسنها ومبغض لخصمه فلا يرى إلا مساوئه وهذا الجهل غالبه مقرون بالهوى والظلم فإن الإنسان ظلوم جهول

    وأكثر ديانات الخلق إنما هي عادات أخذوها عن آبائهم وأسلافهم وتقليدهم في التصديق والتكذيب والحب والبغض والموالاة والمعاداة

    كما قال تعالى وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلي عذاب السعير وقال تعالى يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا .

    وقال تعالى ( وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلي أجل مسمى لقضى بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفى شك منه مريب )

    وأما الثاني فما أكثر من يظن أن أهل الدين الحق في الدنيا يكونون أذلاء معذبين بما فيه بخلاف من فارقهم إلي طاعة أخري وسبيل آخر ويكذب بوعد الله بنصرهم
    والله سبحانه قد بين بكتابه كلا المقدمتين فقال تعالى إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد

    وقال تعالى في كتابه ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون

    وقال تعالى في كتابه إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم

    وقال تعالى إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين كتب الله لأغلبن أنا ورسلى إن الله قوى عزيز

    وقال تعالى في كتابه إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون
    وذم من يطلب النصرة بولاء غير هؤلاء فقال تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود و النصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين فتري الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ويقول الذين آمنوا أهولاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين

    وقال تعالى في كتابه بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا

    وقال تعالى في كتابه يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون

    وقال تعالى في كتابه من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور

    وقال في كتابه هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره علي الدين كله وكفى بالله شهيدا

    وقال تعالى في كتابه يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم علي تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخري تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسي ابن مريم للحواريين من أنصارى إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بنى إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا علي عدوهم فأصبحوا ظاهرين

    وقال تعالى في كتابه يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة

    وقال تعالى في كتابه ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا

    وقال تعالى في كتابه هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر إلي قوله تعالى ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب

    وقال تعالى ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين

    وقال تعالى لما قص قصة نوح وهى نصرة علي قومه في الدنيا فقال تعالى تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين

    وقال تعالى وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى

    وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا إلي قوله وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط

    وقال تعالى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين

      الوقت/التاريخ الآن هو 15.11.24 1:15