بعد استضافة (جمال البنا) في قناة الرسالة في برنامج(الوسطية) هذه كلمتي تجاه هذا الرجل!
جمال البنا
علام يعدونه مفكراً إسلامياً!!بقلم: خباب بن مروان الحمد
الحمدُ لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدينأمَّا بعد:
فحينما تختلفُ مع عالم أو مفكِّر وتجد عنده رؤية منبعثة من الدليل، فإنَّك قطعاً ستحترم قوله ما دام يدور داخل حدود الشريعة ولم يخرج عن مدارها.
لكن حينما تجدُ أهل الهوى وضعافَ الفهم يتحدَّثون في ديننا الإسلامي، ويحرِّفونه بدعوى التجديد، وينقضونه باسم النقد، وينسفون منهجَ السلف الصالح في التعامل مع النصوص بحجَّة إعادة قراءة النص، وما إلى ذلك من شبهات وأهواء؛ فلن تستطيع أن تجد لهؤلاء عذراً...
حين تتحدَّث مع متخصِّص يعي حقيقةَ الشريعة ومقاصدها، وينطلق من مصادر التلقي المعتمدة لدى أهل السنَّة والجماعة، يسهُل عليك أن تناقشه، ولكنَّك حين تتحدَّث مع من ليست لديه أهليةٌ للحديث في القضايا الشرعيَّة، أو أنَّه يتحايل على دين الله، ويلتوي ويتغيَّر كالحرباء مع كل موقف وقضيَّة، فإنَّك تحتار لتفهُّم منطلقاته؛ لأنَّه ينطلق بلا قيم أو مبادئ؛ وربما لا تخرج بشيء؛ لأنَّ الهوى جثم على قلبه، فـ:
من كان يخلُقُ ما يقو لُ فحيلتي فيه قليلةْ
ومن بين هؤلاء المحرِّفين لديننا ومبادئنا وثوابتنا (جمال البنَّا) شقيق الشيخ حسن البنَّا -رحمه الله- فتستغلُّ أخوته للشيخ حسن ليظهر في الوسائل الإعلاميَّة، ويطلق عليه بعدئذٍ: المفكِّر الإسلامي!
والمراقب لأطروحات (جمال البنا) أو المتتبع لها سيجد أنَّه يخرج بين فينة وأخرى بآراء فكريَّة عجيبة غريبة، يبدي من خلالها مخبآتِ الأفكار المكنوزة في عقليته، ومن أحسن من رأيته قد كتب عنها وفضح صاحبَها، الدكتور محمد زنجير -وفقه الله- في كتابه (اتجاهات تجديديَّة متطرفة)، والدكتور محمد إبراهيم مبروك؛ فقد كتب أربع حلقات عنونها بـ:(جمال البنَّا مفكِّر إسلامي أم علماني؟!)، والأستاذ عقيل الشمَّري في بحثه المتخصِّص (جمال البنا ومنهجه في التفسير) فأسأل الله -تعالى- أن يثيبهم على جهدهم في الدفاع عن حوزة الدين وحياض الشريعة.
نماذج من الفتاوى والآراء التي يراها جمال البنا مع مناقشتها:
المتابع لفكر جمال البنَّا، سيدرك أنَّه ينطلق برؤيةٍ لا منهجيَّة لها، وأنَّ جملة كثيرة من أعماله قائمة على الشذوذات والأوهام الفكريَّة، وقد استقرَّت لديَّ هذه النتيجة بعد متابعتي لفكره وكتاباته، ووجدت أفكاره قائمة على مشكلات عدَّة خطيرة، ومنها ما يلي:
1) هدمُ السنَّة بحجَّة أنَّ قلَّة قليلة من أحاديثها صحيحة، والبقية منكرة وشاذة وموضوعة، وعدم الأخذ بأحكام الأحاديث النبويَّة الصحيحة عنده، إلاَّ بما وافق القرآن حسب زعمه.
2) التحايلُ على الشريعة وأدلتها من نصوص الوحيين، وتحكيمه الكامل لهواه فحسب، باسم المصلحة والضرورة وعموم البلوى وغير ذلك!
3) نقضُ الشريعة بحجَّة النقد البناء!
4) انتهاجُه وانتهازه لزلاَّت بعض العلماء، وترويجها بين عوام الناس، ونثرها في مؤلفاته وكأنَّها أقوال لا مغاير لها ولا مخالف!
ومن المعلوم لدى أهل العلم؛ أنَّهم كانوا يعدُّون مَنْ تتبعَ رخصَ العلماء وزللهم بأنَّه قد تزندق، وأنَّه خلع ربقة الإسلام من عنقه، وأنَّه يَهْلِك ويُهْلِك، ويقرِّرون أنَّ تتبُّعَ زلاَّتِ العلماء ورخصِهم ليس من العلم في شيء، بل ذكر الشيخ الفقيه الطوفي في شرحه لحديث (لا ضرر ولا ضرار)، أنَّ (من اتَّبع رخص المذاهب إذا اختلفت وتعدَّدت فقد أفضى فعلُه ذاك إلى الانحلال والفجور، كما قال بعضهم:فاشربْ ولُطْ وازْنِ وقامِرْ، واحتجج في كل مسألةٍ بقول إمامِ
يعني بذلك شرب النبيذ، وعدم الحد في اللواط على رأي أبي حنيفة، والوطء في الدبر على ما يُعزى إلى مالك، ولعب الشطرنج على رأي الشافعي)[1]
وسأضرب مثلاً للقرَّاء ليعرفوا من خلالِه قبحَ تتبعِ الرخص من زلاَّت بعض العلماء:
فلو أنَّ رجلاً ادعى أنَّه فقيه وقال: يجوز للرجل أن يتزوج بنكاح المتعة دون ولي ولا شهود، كما يجوز له أن يكشف عن فخذيه إلى قرب عورته، وأنَّ المرأة يجوز لها أن تكشف عن شعرها، وأنَّه يجوز حلق اللحية بالكليَّة، وأنَّه يجوز إتيان المرأة في دبرها، وأنَّه يجوز شرب النبيذ، وأنَّ ربا الفضل جائز، وأنَّ الاستماع للموسيقى جائز، وأنَّه يجوز إمامة المرأة للرجال، ويجوز شربُ الدخان لمن يقدر على شرائه، وأنَّه لا ينبغي إقامةُ حدِّ الردَّة على المرتد، وأنَّه يجوز للرجل تقبيل المرأة ومصافحتها، كما يجوزُ النظر بصورة فوتوغرافيَّة أو (فيديو) لامرأة عارية بحجَّة أنَّه لا يراها حقيقة بل يرى صورتها، وهكذا!
لو جاءنا رجل يدِّعي الفقهَ وقال: أختار القول بجميع هذه الآراء التي قال بها بعض الفقهاء، ثم أراد للأمَّة المسلمة أن تنتهج هذا المنهجَ في هذا الزمان ؛ فما الذي سيقوله العقلاء في ذلك؟!
أدع الجواب للقارئ الكريم!!
ولو عُرِضَ صاحبُ هذه الأقوال وجامعُها على السابقين من أهل العلم والدين، لقالوا فيه الأقاويل واتَّهموه بفساد النيَّة وسوء القصد.
بل قرَّر العلماءُ المحقِّقون أنَّ بعضَ أهل العلم الذين زلُّوا في مسألة، أو اختاروا قولاً من هذه الأقوال، لم يمتطوا الترخصَ منهجاً في تلقي الفقه، أو الإفتاء به، فمن كان يقول بقول لا يقول بالقول الآخر
ومن زلَّ في مسألة بعينها لم يزلَّ في الأخرى، وإلاَّ لكان للعلماء قولٌ في توضيح وتحديد موقفهم تُجاهَ من أخذ بهذه الأقوال بالكليَّة،
وقد ورد في سنن البيهقي عن إسماعيل القاضي قال: "دخلت على المعتضد بالله فدفع إليّ كتابًاً، فنظرت فيه، فإذا قد جُمِعَ له من الرُّخص من زلل العلماء، وما احتج به كل واحد منهم؛ فقلت: مصنِّفُ هذا زنديق! فقال: ألم تصح هذه الأحاديث؟ قلت: الأحاديثُ على ما رُوِيت، ولكن من أباح المسكر النبيذ لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح المسكر، وما من عالم إلا وله زلّة، ومن أخذ بكل زلل العلماء ذهب دينُه، فأمر المعتضد بإحراق ذلك الكتاب"[2].
وعليه فمن تأمَّل فكر (جمال البنَّا) فسيوقن أنَّه يتبنَّى عدَّة أقوال، بعضها رخص وزلاَّت زلَّ بها بعض العلماء، وبعضها الآخر بل الأكثر (ضلالات وجهالات) استقاها من عقله المضطرب فأورثت هذا المنهج الضال الذي ينشره بين الناس، ومنها:
(1)
رفضُه قواعدَ المحدِّثين، وقوله بعدم عدالة الصحابة:
يرفض (جمال البنا) قواعدَ المحدثين في الجرح والتعديل التي من خلالها يثبت الحديثُ، وعلى رأسها "عدالة الصحابة"؛ إذ ينفي وجوبَ تعديلهم إلزاماً كما استقر المنهجُ عند أهل السنة والجماعة، ويرى أنهم قد يكذبون في الحديث، وإذا لم يكذبوا فهم ينسون، والنسيان أخو الكذب، وكثرة رواية الصحابي للحديث عنده تجرحه؛ إذ إن أفاضل الصحابة وكبارهم عنده أقلهم رواية للحديث، والعكس بالعكس![3]
وعلى هذا الرأي سيكون من ورائه هدمُ أحاديث كثيرة، بل ستهدم السنَّة، بحجَّة خطأ قواعد الجرح والتعديل التي تداولها العلماءُ القرون تلو القرون، وانطلقوا من خلالها، وحكموا في ضوئها على الأحاديث!
ثمَّ إذا نفينا قواعدَ الجرح والتعديل التي أطبق عليها المحدِّثون؛ فإلى أي قواعد جرح وتعديل نستند؟
هل لآراء (جمال البنَّا)؛ التي يختلف معه فيها كلُّ علماء الجرح والتعديل سلفاً وخلفاً؟
وهل كان المسلمون يتعبَّدون الله -تعالى- بدين باطل قائم على جملة من الأكاذيب حتى جاء جمال البنا بكشفها؟
وأين الدليل على كذب صحابة رسول الله على رسولنا -محمد صلَّى الله عليه وسلَّم-؟!
ثمَّ لو كذب أحدٌ منهم -وحاشاهم- فهل سيوافقُه جميعُ الصحابة على كذبته تلك؟
إنَّها لإحدى الكبر!
هل يرضى (جمال البنَّا) أن يُقول القائلُ عنه شخصياً: ما الذي أدرانا بأنَّك لا تكذب على الناس في آرائك وفتاويك؛ لأنَّك إنسانٌ، ويجوز عليك الكذب والنسيان!!
فهل يرضى ذلك لنفسه إذا ارتضى ذلك للصحابة الكرام!
وأمَّا قوله : (إذ إن أفاضل الصحابة وكبارهم أقلهم رواية للحديث، والعكس بالعكس!).
فلا يعني هذا أن يكون المكثر من الرواية كذاباً، فإنَّ الذين أكثروا من رواية الحديث كانوا معنيين بسماعها وإسماعها، وكثير منهم كان أكثر مخالطة لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- من غيرهم من الصحابة، وكثيرٌ منهم نال بركةَ دعاء النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بالحفظ والفقه
فقد دعا -عليه الصلاة والسلام- لابن عبَّاس بأن يفقهه الله في الدين، ودعا لأبي هريرة بحفظ الحديث، وكان عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- يكتب أحاديث رسول الله ولا ينكر عليه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فعلَه ذاك، وكانت عائشة -رضوان الله عليها - زوج رسول الله؛ تعلم عنه -صلى الله عليه وسلم- أموراً لم يعلمها الصحابة، وهكذا الأمر ممَّن أكثروا الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ولقد ذكر علماءُ الحديث أنَّ إكثار بعض الصحابة من رواية الحديث كان بعد عهد الخلفاء الراشدين عندما اقتضى الأمرُ جمعَ حديث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- خشية ذهاب الصحابة ووفاتهم، إذ إنَّ بعضهم كان يتورع عن الرواية، وحين رأى الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- أنَّ كثيراً من الصحابة قد توفاهم الله، قاموا يروون الحديث ليبلغوا لنا الدين حتى لا تندرس آثاره، وتنطمس حججُه.
ونحن على يقين بأنَّ الصحابة الكبار -رضوان الله عليهم- لو علموا أنَّ أحداً من الصحابة الصغار كذبوا -حاشاهم- لوقفوا في وجوههم، وبيَّنوا الحقيقة والصواب.
والمعلوم عن الصحابة الكبار أنَّهم كانوا يحترمون مجالسَ أولئك الصحابة الحفظة والنقلة لأحاديث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وكان الصحابة الكبار كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رضوان الله عليهم أجمعين- مشغولين بهموم الأمَّة العامَّة، وشؤون الخلافة وهموم رعيَّتهم، وليسوا كأولئك الصحابة الذين كان يتوفر لهم وقتٌ في التعليم والتدريس ما لا يتوفر لغيرهم.
والحاصل أنَّ (جمال البنا) خالفَ القطعياتِ القرآنيةَ الصريحةَ في تعديل الله عز وجل وتزكيته للصحابة، فجوَّز عليهم الكذب، ولعله لما شعر أنه بهذا قد خالف القرآن الكريم، عاد فجوَّز عليهم النسيان، ليُسْقِطَ بذلك روايتهم حسبما يريد، وتلك خطيئةٌ أكبر من أختها؛ فالأولى تخالف نصًّا قطعياً قرآنياً، والثانية تخالف نصًّا قطعياً آخر
لأن القرآن الكريم قد نص صراحة على تعهُّد الله بحفظ الوحي (القرآن والسنة) والذي يُجوِّز على مجموع الصحابة الكذب أو النسيان لمعالم الدين، وأصول الشريعة؛ فإنَّه يخالف النصوصَ القطعية في القرآن الكريم في تزكية الصحابة بمثل قوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100] وفي التعهد بالحفظ للدين في قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
ولنكن أكثر صراحة من أولئك الذين يستَخْفون خلف الشعارات، ويرفضون التصريح بمقاصدهم فنتساءل:
- هل المقصود الكلام عن شخص الصحابة ومكانتهم عند ربّهم؟
- أو المقصود الكلام عن روايتهم للدين؟
إن كان الأول فهذا معناه تكذيب الوحي الذي جاء بالترضي عنهم، وذكر ممادحهم وفضائلهم.
وإن كانت المسألة عن روايتهم للدين فقد حسم دينُ الإسلام القضيةَ عندما تعهد الله -عز وجل- بحفظ دينه فلا بد أن يكون الدين محفوظًا، فالذي يرفض روايات الصحابة ويُجوِّز عليهم الكذب أو النسيان لا مفر له من أحد أمرين:
إما أن يأتينا بروايات أخرى وأناس آخرين يحملون لنا الدين، ولم يوجد ولن يوجد، فإن لم يستطع ولن يستطيع، فعليه أن يُنكر القرآن والسنة ويُنكر الدين نفسه، وبهذا أو ذاك، فهو خارج نطاق العقل والمعقول؛ لأن الذي اتفقت عليه عقولُ البشر قاطبة مسلمهم وكافرهم أن هناك ديناً اسمه الإسلام رواه قوم اسمهم الصحابة فهذه حقيقة مسلَّمة حتى لدى الكافرين!