المراجعات الثانية لتنظيم الجهاد «الحلقة الثانية» سيد إمام مفتى «الجهاد» يرد على «تبرئة الظواهرى»: أيمن الظواهرى خان الأمانة وسرق كتابى «الجامع»
١٩/ ١١/ ٢٠٠٨
سيد امام
فى الحلقة الأولى من وثيقة «التعرية» قال الشيخ سيد إمام، مفتى ومؤسس تنظيم الجهاد فى مصر، إن الظواهرى رجل «كداب»، وفند بعض أكاذيبه حسب وجهة نظره هو، مؤكدًا أن الكذاب فاجر بنص الحديث الشريف.
وفى الفصل الثانى من وثيقته تحدث إمام عن نشأة مذهب القاعدة على الإسراف فى سفك الدماء وتحويل محاربة أمريكا من قضية شخصية إلى قضية الأمة الإسلامية، موضحًا أن هذا المذهب نشأ فى أول التسعينيات من القرن الماضى وتضخم فى نهاية العقد عندما التقت إرادتهما - أسامة بن لادن وخالد شيخ محمد - على قتل أكبر عدد من الأمريكان
وقال: إن تحويل محاربة الولايات المتحدة من قضية شخصية إلى قضية أمة اعتمد على الدعاية والحصول على فتاوى تؤكد وجوب محاربتها، وحشد أكبر عدد ممكن من الأنصار لمحاربتها، ومن أجل ذلك ألغى تنظيم القاعدة كل الموانع الشرعية التى تمنع قتل الأمريكان بالجملة، وإلى تفاصيل الحلقة الثانية التى تبدأ من خاتمة الفصل الأول.
ففى هذه الخاتمة يتساءل الشيخ إمام لماذا لم يتحمل الظواهرى نشر «الوثيقة». وقال: لقد انتهيت من كتابى «الجامع» فى منتصف ١٩٩٤، وتركت نسخة منه للظواهرى ليتعلموا منه وينشروه ويتكسبوا منه، فوجد فيه نقدًا للحركات الإسلامية، فخان الأمانة وحذف كثيرًا من الكتاب بغير إذنى، بل غيّر اسم الكتاب وطبعوه، ثم استمروا فى السرقة من المادة العلمية بالكتاب وأخرجوا منه كتابًا فى أحكام الإيمان وآخر فى السياسة الشرعية ووضعوا عليها أسماءهم بدون إشارة لصاحب الكلام الأصلي،
وهكذا عاشوا على السرقة من كتبى التى استغلوها فى تجنيد أتباعهم. ولم يتصور الظواهرى أن ما حذفه من نقد عام ١٩٩٤م يمكن أن يظهر مرة أخرى، فلما ظهر فى «الوثيقة» فى ٢٠٠٧م أخذ يهاجمها حتى قبل نشرها وحاول تشويهها والطعن فى كاتبها حتى لجأ إلى الكذب والبهتان «وهو أن تقول عن إنسان ما ليس فيه» مع المغالطات الفقهية وتلبيس الأمور على القارئ كما فى الفصول التالية، وقد ذكرت هذا ليدرك القارئ الخلفية القديمة لما يحدث الآن، وفى الفصل الرابع إن شاء الله تجد تعرية لحقيقة ما يفعله الظواهري، وبالله تعالى التوفيق.
ويقول فى بداية الفصل الثانى:
قد تبيّن من الفصل السابق أن الظواهرى كذاب، والكذاب فاجر لقول النبى [: «إن الكذب فجور» رواه مسلم، والكذب وشهادة الزور من أكبر الكبائر وهى الفسوق، فالكذاب فاسق فاجر وهذا لا يُقبل قوله فى دين الله تعالى ولا يحل لمسلم أن ينقل عنه شيئًا من علم الدين، لقول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا...} «الحجرات:٦».
وقد أردت أن أوضح هذا للناس قبل الرد عليه: وهو أن قوله مردود وإن قال حقًا لكونه ساقط العدالة مردود الرواية والشهادة، فكيف إذا جمع مع هذا قول الباطل والمغالطة فى الأحكام الفقهية التى شحن بها كتابه «التبرئة» لينصر مذهبهم الفاسد فى الإسراف فى القتل بالجملة؟.
وإليك بعض أقوال العلماء فى أن الكاذب والفاجر والفاسق لا يُقبل منه شيء فى الفقه وعلوم الدين:
قال الإمام مالك رحمه الله «لا يؤخذ العلم عن أربعة: سفيه مُعلن السَّفه، وصاحب هوى يدعو إليه، ورجل معروف بالكذب فى أحاديث الناس وإن كان لا يكذب على الرسول [، ورجل له فضل وصلاح لا يعرف ما يُحدث به» رواه عنه ابن عبد البر فى «جامع بيان العلم» ٢/٤٨.
وقال عبدالله بن المبارك رحمه الله «يُكتب الحديث إلا عن أربعة: غلاّط لا يرجع، وكذّاب، وصاحب هوى يدعو إلى بدعته، ورجل لا يحفظ فيُحدث من حفظه» رواه ابن عدى الجرجانى فى فصل «صفة من لا يؤخذ عنه العلم» فى كتابه «الكامل فى ضعفاء الرجال» ١/١٥٤، ط دار الفكر.وقال البخارى رحمه الله «تركت عشرة آلاف حديث لرجلٍ فيه نظر، وتركت مثلها أو أكثر منها لغيره لى فيه نظر» من «هدى السارى مقدمة فتح الباري» صـ٤٨١.
وقال الخطيب البغدادى رحمه الله «علماء المسلمين لم يختلفوا فى أن الفاسق غير مقبول الفتوى فى أحكام الدين وإن كان بصيرًا بها» من كتابه «الفقيه والمتفقه» ٢/١٥٦.
أردت مما سبق بيان ما كان عليه السلف الصالح من المنهج الذى جهله كثير من المعاصرين فسقطوا ضحايا للظواهرى وأمثاله ممن لا يُقبل قولهم فى دين الله تعالى عقوبة لهم على تفريطهم فى تعلم الحق، كما قال تعالى: {وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون} «الأنعام:١٢٩»، قال السلف فى هذه الآية «إنما يولى الله الناس بعضهم بعضًا بأعمالهم».
وقبل تعرية مغالطات الظواهرى الفقهية، أحب أن أنبه القارئ إلى أن الأمر ليس مجرد رجل أخطأ فى بعض المسائل الفقهية وإنما نحن أمام تأسيس مذهب فاسد منحرف لتأصيل الإسراف فى سفك الدماء، وسوف أذكر كيف نشأ هذا المذهب، وما هى أركانه مع الرد عليها إن شاء الله، وهذا المذهب الفاسد هو ما يطلق عليه البعض: فكر القاعدة.
أولاً: كيف نشأ مذهب القاعدة فى الإسراف فى سفك الدماء؟
نشأ هذا المذهب فى أوائل التسعينيات من القرن العشرين الميلادى لدى كلٍ منهما، ولكل منهما دوافعه الخاصة به وليس هنا محل شرحها، ثم تضخم هذا المذهب فى نهاية التسعينيات عندما التقت إرادتهما «أسامة بن لادن وخالد شيخ محمد» على قتل أكبر عدد ممكن من الأمريكان، وترجموا هذا عمليًا فى تفجيرات ١١/٩/٢٠٠١م للقتل بالجملة بدون تمييز بين مدنيين وعسكريين.
ونظرًا لما انطوى عليه هذا المذهب من مخالفات شرعية فقد كان يجرى الإعداد لتبريره فقهيًا، وتمريره وتسويقه إسلاميًا تحت مظلة الجهاد فى سبيل الله، وقام بن لادن بدوره فى ذلك قبل ١١/٩ وبعدها، وكذلك ترك لأتباعه مهمة التبرير التى جمعها الظواهرى فى كتابه الأخير الأثيم «التبرئة».
ثانيًا: أركان مذهب القاعدة فى الإسراف فى سفك الدماء.
من أجل قتل أكبر عدد ممكن من الأمريكان خارج بلدهم وداخلها كان لا بد لهم من القفز فوق بعض الثوابت الشرعية، فتم للقاعدة ذلك بحزمة من النظريات والمبادئ الفاسدة هى أركان مذهبهم وهى نفسها أسباب تبريره «فقه التبرير»، ومن أهمها بإيجاز:
أ) تحويل محاربة أمريكا من قضية شخصية إلى قضية الأمة الإسلامية كلها، واعتمد بن لادن من أجل تحقيق ذلك على جانبين:
جانب دعائى إعلامي: وهو ترويج فكرة فاسدة بأن أمريكا هى سبب كل مصائب المسلمين، وكان لا بد له من إلحاق اليهود بذلك لأن قضية فلسطين هى الأكثر حضورًا لدى الجماهير، رغم أنه لم يقدم شيئًا لفلسطين لأسباب أشير إليها فى الفصل الثالث إن شاء الله، والرد على هذا سيأتى بإذن الله.
جانب شرعى فقهي: سعى بن لادن للحصول على فتاوى وتوقيعات من أكبر عدد ممكن من المشايخ خاصة فى باكستان وأفغانستان تؤيد الفكرة السابقة «وجوب محاربة أمريكا» لتحويلها بتأييد المشايخ من قضية فرد إلى قضية أمة، وقد أشار الظواهرى إلى ذلك فى كتابه «التبرئة» صـ٣٩-٤١، فحصلوا على فتاوى وتوقيعات مفادها «تحريض الأمة على الجهاد لتحرير الكعبة والمسجد الأقصى» و«وجوب جهاد الأمريكان وإخراجهم من بلاد الحرمين وفلسطين وسائر بلاد المسلمين».
هذا ما فعله بن لادن قبل ١١/٩/٢٠٠١م، فلما أراد تنفيذ تفجيرات ١١/٩ لم يستفت أحدًا من هؤلاء، وكأنهم موافقون على ما فعله بالفتاوى العامة السابقة، بل لم يستأذن أميره الملا محمد عمر، كما لم يستفت لجنته الشرعية، واستغفلهم جميعهم وفعلها من وراء ظهورهم.
ب) حشد أكبر عدد ممكن من الأنصار لضرب أمريكا:
ولهذا السبب كرر الظواهرى فى كتابه «التبرئة» استنكاره لما يلي:
أن هناك خيارات متعددة للمسلم مع أعدائه بحسب استطاعته وظروفه.
أن هناك شروطًا للجهاد وموانع ومقومات نجاح. فالظواهرى يريد الكل يقاتل فى كل مكان ولا خيار آخر غير هذا، ولا اعتبار لشروط وموانع، وهو كاذب فى هذا كله، فقد كان هو وشيخه بن لادن أول من يهرب من العدو، وسيأتى الكلام فى هذا إن شاء الله.
ج) الاحتيال على وجوب استئذان الأمير وصاحب أرض الإيواء:
فقد بايعوا الملا محمد عُمر أميرًا للمؤمنين فى البلد الذى استضافهم «أفغانستان»، والشريعة تلزمهم باستئذانه خاصة فى الجهاد، وبن لادن يعلم أن محمد عُمر يرفض الصدام مع أمريكا ونهاهم صراحة عن ذلك، فاحتال بن لادن على ذلك فاخترع بدعة «محلية الإمارة» أى أن محمد عُمر له عليهم طاعته فى حدود ما يفعلون داخل أفغانستان لا خارجها، وحدث جدل عنيف بسبب ذلك بين بن لادن وبين لجنته الشرعية قبل ١١/٩/٢٠٠١م وبعدها، فقد أخبرهم منذ يونيو ٢٠٠١م أن هناك عملية كبرى ضد أميركا بدون تحديد مكانها ولا تفاصيلها. فعارضته لجنته الشرعية بوجوب إذن محمد عُمر فرفض بن لادن واخترع بدعة «محلية الإمارة»، وسيأتى الرد عليها إن شاء الله.
د) إلغاء «القاعدة» لكل الموانع الشرعية التى تمنع قتل الأمريكان بالجملة:
ومن أجل ذلك وضعوا المبادئ الإجرامية التالية، وذكر معظمها الظواهرى واحتج بها فى كتابه «التبرئة» فى صفحات ٤ و٧٤ و٧٩ و٩٨ و١١٠ إلى ١٥٤، وهى:
قتال العدو البعيد «أمريكا» أهم من قتال العدو القريب.
التكفير والقتل بالجنسية لأنها دليل ولاء وانتماء ورضا بالقوانين فى بلاد الكفر.
جواز قتل كل من يدفع الضرائب للكفار، لأنه مقاتل بماله.
إطلاق قتل الترس الكافر، وبه يجوز قتل المدنيين فى بلاد الكفر.
إطلاق قتل الترس المسلم، وبه يجوز قتل المسلمين المخالطين للكفار.
إطلاق مبدأ المعاملة بالمثل من أجل التوسع فى القتل دون تمييز.
قتال أمريكا هو للدفاع، فيجوز السفر إليها للقتال بدون إذن الوالد وغيره.
تأشيرة دخول المسلم لبلاد الكفر ليست عقد أمان، فيجوز له قتلهم.
ولو كانت هذه التأشيرة أمانًا فيجوز له نقضه لأسباب يأتى ذكرها.
تأشيرة دخول السياح بلاد المسلمين ليست أمانًا لهم من القتل والخطف.
هذه هى مبادئ نظرية «القتل بالجملة» التى اعتمدتها «القاعدة» وسأرد عليها.
هـ) قطع «القاعدة» الطريق على منتقديها: اتخذت «القاعدة» عدة دفاعات ضد من ينتقد مذهبها الإجرامى ومنها:
أنه لا يجوز لأحد أن يتكلم فى هذه الأمور إلا شيوخ الجهاد المرابطون فى الجبال والثغور، وهذه أيضًا بدعة مخترعة.
أن من ينتقدهم إنما يثبط عن الجهاد ويهاجم المجاهدين ويضر الأمة.
أن من ينتقدهم يخدم المصالح الصليبية الصهيونية، ويدخل فى هذا «وثيقة ترشيد العمل الجهادى» بالرغم من اعتراف الظواهرى أن ما استنكرته بالوثيقة قد استنكرته من قبل فى كتابى «الجامع» فى ١٩٩٣م، بل من قبل أن أكتبه.