فوائد عديدة فيما قال فيه العثيمين (( قاعدة مفيدة ))
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ،وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ،وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه
وبعد...
القاعدة الأولى :
"إن كل من اعتقد في شيء أنه سبب ولم يثبت أنه سبب لا كوناً ولا شرعاً، فشركه شرك أصغر"
قال العثيمين رحمه الله : قوله : "فقد أشرك". أي: شركاً أكبر إن اعتقد أن هذا المتشاءم به يفعل ويحدث الشر بنفسه، وإن اعتقده سبباً فقط فهو أصغر، لأنه سبق أن ذكرنا قاعدة مفيدة في هذا الباب، وهي:
"إن كل من اعتقد في شيء أنه سبب ولم يثبت أنه سبب لا كوناً ولا شرعاً، فشركه شرك أصغر، لأنه ليس لنا أن نثبت أن هذا سبب إلا إذا كان الله قد جعله سبباً كونياً أو شرعياً، فالشرعي: كالقراءة والدعاء، والكوني: كالأدوية التي جرب نفعها".
القول المفيد على كتاب التوحيد - (ج 1 / ص 431)
القاعدة الثانية :
" إذا فسرنا النص الشرعي بمعنى أخص وفسرناه بمعنى أعم، فنأخذ بالأعم "
قال العثيمين رحمه الله : واعلم أنه ينبغي أن يراعي المستدل بالقرآن والسنة قاعدة مفيدة، وهي إذا فسرنا النص القرآني أو النبوي بمعنى أخص وفسرناه بمعنى أعم، فنأخذ بالأعم، لأن الأعم يدخل فيه الأخص ولا عكس، إلا إذا دل دليل على أنه خاص، فهذا يتبع فيه الدليل، لكن عندما لا يدل الدليل، فخذ بالأعم، لأن الأعم يدخل فيه الأخص ولا عكس ....
تفسير القرآن للعثيمين - (ج 9 / ص 13)
القاعدة الثالثة :
" أنَّ الشيء قد يكون جائزاً، وليس بمشروع "
قال العثيمين رحمه الله : يدلُّ على قاعدة مفيدة وهي: أنَّ الشيء قد يكون جائزاً، وليس بمشروع، أي: يكون جائزاً أن تتعبَّد به، وليس بمشروع أن تتعبَّد به، وقد ذكرنا لهذا أمثلة فيما سبق يحضرنا منها:
أولاً: فِعْلُ العبادة عن الغير، كما لو تصدَّقَ إنسان لشخص ميت، فإن هذا جائز؛ لكن ليس بمشروع، أي: أننا لا نأمر الناس بأن يتصدَّقوا عن أمواتهم؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يأمرْ به، ولم يفعله هو بنفسه حتى يكون مشروعاً، فهو لم يقل للأمة: تصدَّقوا عن أمواتكم، أو صوموا عنهم، أو صلُّوا عنهم، أو ما أشبه ذلك، ولم يفعله هو بنفسه، غاية ما هنالك أنه أَمَرَ من مات له ميت وعليه صيام أن يصوم عنه لكن هذا في الواجب، وفَرْقٌ بين الواجب وغير الواجب.
ومنها: الرَّجُل الذي أمَّرَهُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على سريَّة بعثها؛ فكان يقرأ ويختم لهم بـ{{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *}} فأقره النبي صلّى الله عليه وسلّم على ذلك ولكنه لم يقل للأمة: إذا قرأتم في صلاتكم فاختموا بـ{{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *}} ولم يكن هو أيضاً يفعله عليه الصلاة والسلام، فدلَّ هذا على أنه ليس بمشروع، لكنه جائز لا بأس به.
ومنها أيضاً: الوِصال إلى السَّحر للصائم، فإنه جائز، أي: يجوز ألا يفطر إلا في آخر الليل، أقرَّه النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السَّحر» لكنه ليس بمشروع، أي: لا نقول للناس: الأفضل أن يمسكوا حتى يكون السَّحَر، بل نقول: الأفضل أن يبادروا بالفِطر.
وهذه المسألة التي ذكرها المؤلِّف رحمه الله أنه إذا تَرَكَ سُنَّة قولية أو فِعْلِيَّة في الصلاة؛ لم يُشرع له السُّجود، وإن سجد فلا بأس.
الشرح الممتع - (ج 3 / ص 109)
القاعدة الرابعة :
" لأنَّ قضيةَ العين وما وقع مصادفة فإنه لا يُعَدُّ تشريعاً "
قال العثيمين رحمه الله : لأنَّ قضيةَ العين وما وقع مصادفة فإنه لا يُعَدُّ تشريعاً.
وهذه قاعدةٌ مفيدةٌ جداً، ولهذا لا يستحبُّ للإنسان إذا دفع مِن «عَرفة» وأتى الشِّعبَ الذي حول مزدلفة؛ أنْ ينزلَ فيبول ويتوضأ وضوءاً خفيفاً، كما فَعَلَ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم، فإنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لما دَفَعَ مِن «عَرفة» في الحَجِّ؛ ووصل إلى الشِّعبِ نَزَلَ فَبَالَ وتوضَّأ وضوءاً خفيفاً (6) لأن هذا وقع مصادفة، فالنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم احتاج أن يبولَ فنزل فبال وتوضَّأ؛ لأجل أن يكون فعلُه للمناسك على طهارة.
الشرح الممتع - (ج 4 / ص 37)
القاعدة الخامسة :
" كل شيء سببه موجود في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولم يفعله، فالتَّعبُّد بِهِ بدعة "
قال العثيمين رحمه الله : فإذا قال قائل: تَرْك النبي صلّى الله عليه وسلّم للجمعة لا يدل على أنها غير مشروعة؟
فالجواب: بلى؛ لأنها لو كانت مشروعة لكانت عبادة، وهي فريضة واجبة، ولا يمكن أن يدع النبي صلّى الله عليه وسلّم الواجب، فإذا كان سبب الفعل موجوداً، ولم يفعل الرسول صلّى الله عليه وسلّم ذلك علم أن فعله يكون بدعة وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ» (2) .
وهذه قاعدة مفيدة لطالب العلم (كل شيء سببه موجود في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولم يفعله، فالتَّعبُّد بِهِ بدعة)، فالجمعة في السفر سببها موجود في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولكنه لم يفعلها، فإذا فعلها إنسان قلنا له: عملت عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله، فيكون عملاً مردوداً.
الشرح الممتع - (ج 5 / ص 4)
القاعدة السادسة :
" أن كل تحديد بمكان أو زمان أو عدد، فإنه لا بد له من دليل "
قال العثيمين رحمه الله : أن عندنا قاعدة مفيدة (أن كل تحديد بمكان أو زمان أو عدد، فإنه لا بد له من دليل)؛ لأن التحديد يحتاج إلى توقيف،
فمثلاً: الذين حددوا الحيض بأن أقله يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً فلا بد لهم من الدليل، وإلا فلا قبول، والذين حددوا مسافة القصر بيومين لا بد لهم من الدليل، والذين حددوا الإقامة التي تقطع حكم السفر بأربعة أيام لا بد لهم من الدليل، والذين حددوا الفطرة بصاع لا بد لهم من الدليل، والذين حددوا دخول وقت الجمعة بارتفاع الشمس بقيد رمح نقول: أين الدليل؟...
الشرح الممتع - (ج 5 / ص 14)
القاعدة السابعة :
" أن الكتاب والسنة إذا أطلق الشيء فيهما، وليس له حد شرعي فإن مرجعه إلى العرف "
قال العثيمين رحمه الله : أن العلماء إذا أطلقوا الشيء، ولم يحددوه يرجع في ذلك إلى العرف، كما (أن الكتاب والسنة إذا أطلق الشيء فيهما، وليس له حد شرعي فإن مرجعه إلى العرف) هذه قاعدة مفيدة، وعلى ذلك قال الناظم:
وكل ما أتى ولم يحدد بالشرع كالحرز فبالعرف احدد
الشرح الممتع - (ج 5 / ص 18)
القاعدة الثامنة :
" أن كل عبادة مقرونة بسبب إذا زال السبب زالت مشروعيتها "
قال العثيمين رحمه الله : لأننا ذكرنا قاعدة مفيدة، وهي (أن كل عبادة مقرونة بسبب إذا زال السبب زالت مشروعيتها) .
فالكسوف مثلاً إذا تجلت الشمس، أو تجلى القمر، فإنها لا تعاد؛ لأنها مطلوبة لسبب وقد زال.
ويعبر الفقهاء ـ رحمهم الله ـ عن هذه القاعدة بقولهم: (سنة فات محلها).
الشرح الممتع - (ج 5 / ص 91)
القاعدة التاسعة :
المراد إثبات الحكم بغض النظر عن هذا المعين
قال العثيمين رحمه الله : وهو أن المراد إثبات الحكم بغض النظر عن هذا المعين، قاعدة مفيدة،
ومن أمثلة هذه القاعدة المفيدة
أن النبي صلّى الله عليه وسلّم مرَّ على رجلين في البقيع أحدهما يحجم الآخر، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أفطر الحاجم والمحجوم».
يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ: إنه أورد على شيخه شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ قال: كيف نقول: إن الجاهل لا يفطر، والرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «أفطر الحاجم والمحجوم» ؟
فأجاب شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: إن هذا المراد به إثبات الحكم بقطع النظر عن هذين الشخصين المعينين، فإذا ثبت الحكم نظرنا في الشخص المعين، وطبقنا عليه شروط لزوم مقتضى هذا الحكم.
وهذا في الحقيقة قاعدة مفيدة لطالب العلم؛ لأن الشرع ليس شرعاً لزيد وعمرو فقط، بل للأمة جميعاً، ونصوصه لا يصادم بعضها بعضاً.
الشرح الممتع - (ج 6 / ص 41)