.
"وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ
إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ"
سورة "المائدة" الآية(2)
((( المقدمة وفيها الباعث على الطرح )))
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"سورة "آل عمران" الآية (102)
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" سورة "النساء" الآية (1)
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " سورة "الأحزاب" الآية (70-71)
فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتـها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
،،، أما بعد ،،،
أقول للاستصلاح :نقل العز بن عبد السلام - رحمه الله تعالى: " إجماع المسلمين على أن الولايات من أفضل الطاعات" "القواعد"(1/104)
و
" أنها من أعظم واجبات الدين"كما قال شيخ الإسلام- رحمه الله تعالى – في "مجموع الفتاوى"(28/390)
ولما كان ذلك كذلك :
نصبت الشريعة الغراء آداباً سامية صيّنة تنظم العلاقة بين الراعي والرعية :
ومن الأدب معهم :
توقيرهم لا سبّهم فضلا عن تكفيرهم :
قال الإمام بدر الدين بن جماعة- رحمه الله تعالى- في مساق ذكر حقوق ولي الأمر
"... الحق الرابع : أن يعرف له عظيم حقه، وما يجب من تعظيم قدره، فيعامل بما يجب له من الاحترام والإكرام، وما جعل الله تعالى له من الإعظام .
ولذلك كان العلماء الأعلام من أئمة الإسلام يعظمون حرمتهم ويبلون دعوتهم مع زهدهم وورعهم وعدم الطمع فيما لديهم .
وما يفعله بعض المنتسبين إلى الزهد من قلة الأدب معهم، ليس من السنة[1]""تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام" ص (63) بواسطة"معاملة الحكام"ص(48)
وبوّب الحافظ ابن أبي عاصم - رحمه الله تعالى- في كتابه "السنة" باب : في ذكر فضل تعزير الأمير وتوقيره"
ثم ساق بسنده عن معاذ بن جبل - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : "خمس من فعل واحدة منهن كان ضامناً على الله - عزّ وجلّ : من عاد مريضاً، أو خرج مع جنازة، أو خرج غازياً، أو دخل على إمامه يريد تعزيره وتوقيره، أو قعد في بيته، فسلم الناس منه، وسلم من الناس" والحديث حسنه العلامة الألباني، انظر"تخريج السنة"(2/523) و"وقفات منهجية"ص(116)
وبسنده أيضاً عن أبي بكرة- رضي الله تعالى عنه- قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول : "السلطان ظل الله([2]) في الأرض، فمن أكرمه أكرم الله، ومن أهانه، أهانه الله" "الصحيحة"(5/376)
وفي "السنة" لابن أبي عاصم أيضاً، عن أنس - رضي الله تعالى عنه- قال : " نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال : لا تسبوا أمراءكم ولا تغشوهم ولا تبغضوهم واتقوا الله، واصبروا؛ فإن الأمر قريب""السنة" لابن أبي عاصم(2/488) وانظره أيضاً في"التمهيد"(21/287)
وفيها أيضاً : أن أبا الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال : " إياكم ولعن الولاة، فإن لعنهم الحالقة، وبغضهم العاقرة([3]) قيل : يا أبا الدرداء! كيف نصنع إذا رأينا منهم ما لا نحب ؟
قال : اصبروا، فإن الله إذا رأى ذلك منهم حبسهم عنكم بالموت" "السنة" لابن أبي عاصم(2/488) وعنه"معاملة الحكام"ص(178-179) و"نبذة مفيدة عن حقوق ولاة الأمر"ص(30)
وقال سهل بن عبد الله التستري- رحمه الله تعالى : "لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فإن عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإن استخفوا بهذين، أفسدوا دنياهم وأخراهم" "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/260-261) و"حقوق ولاة الأمر"للدكتور العسكر ص(15) و"معاملة الحكام"ص(45)
وقال المناوي- رحمه الله تعالى : "جعل الله السلطان معونة لخلقه، فيصان عن السب والامتهان ليكن احترامه سبباً لامتداد فيء الله ودوام معونة خلقه .
وقد حذّر السلف من الدعاء عليه، فإنه يزداد شراً، ويزداد البلاء على المسلمين" "فيض القدير" للمناوي(449)
ومن الأدب معهم :
الدعاء لهم لا عليهم :
وجعل ذلك آية على حسن اتباع، مزايلة لأهل الجهل والابتداع : وفي ذلك يقول الإمام البربهاري، الحسن بن علي - رحمه الله تعالى :
" إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان فاعلم أنه صاحب سنة- إن شاء الله" .
وما أجمل ما ذكره الإمام أبو محمد سهل بن عبد الله التسترى- رحمه الله تعالى - حيث قال :
" هذه الأمة ثلاث وسبعون فرقة : اثنان وسبعون هالكة، كلهم يبغض السلطان . و الناجية، هذه الواحدة التي مع السلطان" "الأمر بلزوم جماعة المسلمين وامامهم " للدكتور عبد السلام بن برجس العبد الكريم ص(90 )
قال أبو عثمان الزاهد – رحمه الله تعالى : " فانصح للسلطان، وأكثر له من الدعاء بالصلاح والرشاد، بالقول والعمل والحكم، فإنهم إذا صلحوا صلح العباد بصلاحهم.
وإياك أن تدعو عليهم باللعنة، فيزدادوا شراً ويزداد البلاء على المسلمين .
ولكن ادع لهم بالتوبة فيتركوا الشر فيرتفع البلاء عن المؤمنين" "الجامع لشعب الإيمان"(13/99)
ومن الأدب معهم :
طاعتهم في المعروف ومؤازرتهم، لا مناطحتهم والتبرأ منهم
في"مسائل الجاهلية" المسألة الثانية :
" إن مخالفة ولي الأمر وعدم الإنقياد له فضيلة، والسمع والطاعة له ذلة ومهانة، فخالفهم الرسول - صلى الله عليه وسلم- وأمر بالسمع والطاعة لهم، والنصيحة، وغلظ في ذلك وأبدى وأعاد .
وهذه المسائل الثلاث : هي التي جمع بينها فيما صح عنه في الصحيح : أنه قال : " إن الله يرضى لكم ثلاثا ً: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم" أخرجه الإمام مسلم برقم (1715)
ولم يقع خلل في دين الناس ودنياهم إلا بسبب الإخلال في هذه الثلاث أو بعضها""مسائل الجاهلية"ص(47)
قال الشيخ العلامة الفوزان – حفظه الله تعالى- معلقاً على كلام الإمام محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله تعالى : "وهذا فرق ما بين أهل الجاهلية وأهل الإسلام: في مسألة ولاة الأمور، أهل الجاهلية لا يرون الطاعة لولاة الأمور ويرون ذلك ذلة.
وأما الإسلام : فإنه أمر بطاعة ولاة الأمور المسلمين وإن كان عندهم شيء من الفسق في أنفسهم أو عندهم ظلم للناس، يصبر عليهم؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين ...
وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم- بالسمع والطاعة لهم، وأمر بالنصيحة لهم ســراً، بينهم وبين الناصح.
وأما الكلام فيهم وسبهم واغتيابهم فهذا من الغش لهم؛ لأنه يؤلب الناس عليهم، ويفرح أهل الشـر، وهذا من الخيانة لولاة الأمور .
أما الدعاء لهم، وعدم ذكر معائبهم في المجالس، فهو من النصيحة لهم، ومن أراد النصيحة لهم ومن كان يريد أن ينصح الإمام، فإنه يوصل النصيحة إليه في نفسه : إما مشافهة، وإما كتابة([4]) .
وإما بأن يوصي له من يتصل به ويبلغه عن هذا الشيء، وإذا لم يتمكن فهـو معـذور ...
وأما أنه يجلس في المجالس، أو على المنابر، أو أمام أشرطة، ويسب ولاة الأمور ويعيبهم، فهذا ليــــــــــس من النصيحة، وإنما هو من الخيانة لولاة الأمور .
والنصيحة لهم تشمل : الدعاء لهم بالصلاح .
وتشمل : ستر عيوبهم، وعدم إفشائها على الناس .
وكذلك من النصيحة لهم : القيام بالأعمال التي يكلونها إلى الموظفين، ويعهدون بها إلى الولاة في القيام بها، هذا من النصيحة لولاة الأمور""شرح مسائل الجاهلية"ص(50-52)
ومن الأدب معهم :
مناصحتهم، لا غشهم وخداعهم .
قال العلامة ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - شارحاً- الشريط السادس-من شرحه للأربعين النووية- ما نصه :
" النصيحة للأمراء تكون بأمور :
الأمر الأول: اعتقاد إمامتهم وإمرتهم
فمن لم يعتقد أنهم أمراء فإنه لم ينصح لهم؛ لأنه إذا لم يعتقد أنهم أمراء فلن يمتثل أمرهم، ولن ينتهي عن ما نهوا عنه..
لا بد أن تعتقد أنه إمام أو أنه أمير.. ومن مات وليس في عنقه بيعة لأحد مات ميتة جاهلية .
ومن تولى أمر المسلمين ولو بالغلبة فهو إمام، سواء كان من قريش أو من غير قريش .
ثانيا: نشر محاسنهم في الرعية؛
لأن ذلك يؤدي إلى محبة الناس لهم، وإذا أحبهم الناس سهل انقيادهم لأوامرهم. وهذا عكس ما يفعله( بعض) الناس، ينشر المعايب ويخفي الحسنات..فإن هذا جور ..جور.. جور، و ظلم تجده مثلا يذكر خصلة واحدة مما يعيب به على الأمراء، وينسى خصالا كثيرة مما قاموا به من الخير، وهذا هو الجور بعينه.
ثالثا: امتثال ما أمروا به وما نهوا عنه، إلا إذا كان في معصية اللهعز وجل
فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وامتثال أمرهم عبادة [ ليس ] مجرد سياسة، عبادة!! والدليل على أنها عبادة أن الله تعالى أمر بها، قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم" سورة"النساء"الآية(59) .. فجعل ذلك من مأموراته عز وجل وما أمر الله به فهو عبادة ..
وهل يشترط في طاعتهم أن لا يعصوا الله؟!
الجواب : لا، أطعهم فيما أمروا به، وإن عصوا الله؛ لأنك مأمور بطاعتهم وإن عصوا الله في أنفسهم.
الرابع: ستر المعايب مهما أمكن
وجه هذا : أنه ليس من النصيحة أن تقوم بنشر معايبهم ([5]) لما في ذلك من ملء القلوب غيظا و حقدا وحنقا على ولاة الأمور، وإذا امتلئت القلوب من ذلك حصل التمرد و ربما يحصل الخروج على الأمراء، فيحصل بذلك من الشر والفساد مالله به عليم
وليس معنى قولنا ستر المعايب ان نسكت عن المعايب!! لا .. ننصح الأمير مباشرة، إن تمكنا، وإلا فبواسطة .
ولهذا أنكر أسامة بن زيد- رضي الله عنه- على قوم يقولون : أنت لم تفعل، ولم تقول لفلان وفلان ( يعنون الخليفة ) فقال كلاما معناه .. أتريدون أن أحدثكم بكل ما أحدث به الخليفة؟!
وهذا لا يمكن، لا يمكن للإنسان أن يحدث بكل ما قال للأمير؛ لأنه إذا حدث به، فإما أن يكون الأمير نفذ ما قال .. فيقول الناس الأمير ذل وخضع .
وإما لا ينفذ، فيقول الناس عصى وتمرد .
ولذلك من الحكمة إذا أردت نصح ولاة الأمور أن لا تبين ذلك لناس؛ لأن في ذلك ضرراً عظيماً ...
ومن النصح للأمراء : عدم الخروج عليهم، وعدم منابذتهم
ولم يرخص النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلا كما قال : " إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان".. و( إلا أن تروا ) تعني : رؤية عين، أو رؤية علم متيقنة .
و( الكفر البواح ) يعني : الواضح البين . و( عندكم فيه من الله برهان ) أي: دليل قاطع...
ثم إذا جاز الخروج عليهم بهذه الشروط، هل يعني ذلك أن نخرج عليهم؟! لأن هناك فرق بين جواز الخروج عليهم، ووجوب الخروج عليهم!!
فلن نخرج!! حتى لو رأينا كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان، فلن نخرج إلا حيث يكون الخروج مصلحة!
و ليس من المصلحة أن تقوم فئة قليلة سلاحها قليل في وجه دولة بقوتها وسلاحها، لأن هذا يترتب عليه إراقة الدماء، واستحلال الحرام دون ارتفاع المحذور الذي انتقدوا به الأمراء .
كما تشاهدونه من عهد خروج الخوارج في زمن الخلفاء الراشدين إلى يومنا هذا يحصل من الشر والفساد ما لا يعلمه إلا رب العباد ([6]) .
لكن بعض الناس تتوقد نار الغيرة في قلوبهم ثم يحدثون ما لا يحمد عقباه، وهذا غلط !غلط عظيم !!
ثم إنا نقول ما ميزان الكفر؟! قد ترى أنت أن هذا كفر، وغيرك لا يراه كفرا، ولهذا قيد الرسول - صلى الله عليه وسلم- بقوله ( كفرا بواحا ) ما فيه احتمال ..."أهـ
والواجب
الواجب من العاقل الناصح أن يمتثل وصية العلامة ابن جماعة الكناني - رحمه الله تعالى- في بيان حقوق الولاة الأمر، إذ يقول :
"ردّ القلوب النافرة عنه، إليه([7])؛ لم في ذلك من مصالح الأمة، وانتظام أمور الملة، والذب عنه بالقول والفعل وبالمال والنفس والأهل في الظاهر والباطن والسر والعلانية([8])""تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام"ص(64) و "معاملة الحكام"ص(184)
قال العلامة محمد صالح بن عثيمين - رحمه الله تعالى"… فالله الله في فهم منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان، وأن لا يتخذ من أخطاء السلطان سبيلاً لإثارة الناس وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور فهذا عين المفسدة، وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس .
كما أن ملء القلوب على العلماء يحدث التقليل من شأن العلماء، وبالتالي التقليل من الشريعة التي يحملونها
فإذا حاول أحد أن يقلل من هيبة العلماء وهيبة ولاة الأمر ضاع الشرع والأمن([9])؛ لأن الناس إن تكلم العلماء لم يثقوا بكلامهم ([10]) وإن تكلم الأمراء تمردوا على كلامهم، وحصل الشر والفساد([11]) .
فالواجب أن ننظر ماذا سلك السلف تجاه ذوي السلطان وأن يضبط الإنسان نفسه، وأن يعرف العواقب .
وليعلم أن من يثور إنما يخدم أعداء الإسلام، فليست العبرة بالثورة، ولا بالانفعال، بل العبرة بالحكمة…"""حقوق الراعي والرعية" ورسالة"نبذة مفيدة عن حقوق ولاة الأمر"ص(16)