من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 25.11.08 13:56
قال العلامة شمس الدين ابن القيم
- رحمه الله تعالى :
فصل
والفرق بين الأخبار بالحال وبين الشكوى
وإن اشتبهت صورتهما
ان الأخبار بالحال يقصد المخبر به قصدا صحيحا من علم سبب إدانته
أو
الاعتذار لأخيه من أمر طلبه منه
أو
يحذره من الوقوع في مثل ما وقع فيه
فيكون ناصحا بإخباره له
أو
حمله على الصبر بالتأسي به
كما يذكر عن الأحنف أنه شكا إليه رجل شكوى فقال
يا ابن أخي لقد ذهب ضوء عيني من كذا وكذا سنة فما أعلمت به أحدا
ففي ضمن هذا الأخبار من حمل الشاكي على التأسي والصبر ما يثاب عليه المخبر
وصورته صورة الشكوى
ولكن
القصد ميز بينهما
ولعل
من هذا قول النبي لما قالت عائشة وارأساه
فقال
بل أنا وارأساه أي الوجع القوي بي أنا دونك
فتأسى بي فلا تشتكي
ويلوح لي فيه معنى آخر
وهو أنها كانت حبيبة رسول الله بل كانت أحب النساء إليه على الإطلاق فلما اشتكت إليه رأسها أخبرها أن بمحبها من الألم مثل الذي بها
وهذا غاية الموافقة من المحب ومحبوبه
يتألم بتألمه ويسر بسروره حتى إذا آلمه عضو من أعضائه آلم المحب ذلك العضو بعينه
وهذا من صدق المحبة وصفاء المودة
فالمعنى الأول
يفهم أنك لا تشتكي واصبري فبي من الموجع مثل ما بك فتأسى بي في الصبر وعدم الشكوى
والمعنى الثاني
يفهم إعلامها بصدق محبته لها
أي
انظري قوة محبتي لك كيف واسيتك في ألمك ووجع رأسك فلم تكوني متوجعة وأنا سليم من الوجع
بل
يؤلمني ما يؤلمك كما يسرني ما يسرك
كما قيل
وإن أولى البرايا ان تواسيه ... عند السرور الذي واساك في الحزن
وأما الشكوى
فالأخبار العاري عند القصد الصحيح
بل يكون مصدره السخط وشكاية المبتلي إلى غيره
فإن شكا إليه سبحانه وتعالى لم يكن ذلك شكوى بل استعطاف وتملق واسترحام له
كقول أيوب
ربي أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين
وقول يعقوب
إنما أشكو بثي وحزني إلى الله
وقول موسى
اللهم لك الحمد وإليك المشتكي وأنت المستعان وبك المستعاث وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بك
وقول سيد ولد آدم
اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك غضب على فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل على غضبك أو ينزل بي سخطك لك العتبي حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك
فالشكوى إلى الله سبحانه لا تنافي الصبر بوجه
فإن الله تعالى قال عن أيوب
إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب
مع إخباره عنه بالشكوى إليه في قوله
مسني الضر
وأخبر عن نبيه يعقوب أنه وعد من نفسه بالصبر الجميل
والنبي إذا قال وفي مع قوله
إنما أشكو بثي وحزني إلى الله
ولم يجعل ذلك نقصا لصبره
ولا يلتفت إلى غير هذا من ترهات القوم
كما قال بعضهم
لما قال مسني الضر قال تعالى إنا وجدناه صابرا ولم يقل صبورا حيث قال مسني الضر
وقال بعضهم
لم يقل ارحمني وإنما قال أنت أرحم الراحمين فلم يزد على الأخبار بحاله ووصف ربه
وقال بعضهم
إنما شكا مس الضر حين ضعف لسانه عن الذكر فشكا مس ضر ضعف الذكر لا ضر المرض والألم
وقال بعضهم
استخرج منه هذا القول ليكون قدوة للضعفاء من هذه الأمة
وكأن هذا القائل رأى أن الشكوى إلى الله تنافي الصبر
وغلط أقبح الغلط فالمنافي للصبر شكواه لا الشكوى إليه
فالله يبتلي عبده ليسمع تضرعه ودعاءه والشكوى إليه ولا يحب التجلد عليه
وأحب ما إليه انكسار قلب عبده بين يديه وتذلله له وإظهار ضعفه وفاقته وعجزه وقلة صبره
فاحذر
كل الحذر من إظهار التجلد عليه
وعليك
بالتضرع والتمسكن وإبداء العجز والفاقة والذل والضعف
فرحمته اقرب إلى هذا القلب من اليد للفم
من آخر كتاب الروح (571)
طبعة بديوي وكذلك في كتاب عدة الصابرين له رحمه الله (134) نسخة البرغش
المصدر السابق