توضيح مختصر حول كتاب (( الأغاني )) ..
الحمد لله ..كتاب (( الأغاني )) هو كغيره من كتب مجاميع الأدب ومختاراته , يورد مختارات من الشعر والنثر وأخبار الشعراء والأدباء ومن إليهم , لتكون زاداً للأديب , وأنيساً للسامر . وتميز بأنه من الكتب المسندة .
ومعلوم أن الأخبار عموما فيها الثابت والمنحول , يشمل هذا غالب الكتب المسندة على اختلاف تخصصاتها , لا يكاد يشذ من ذلك شيء إلا الصحيحان .
لكن الوضع ( الكذب ) في خبر أدبي – تقدمت الإشارة إلى ثمرته - ليس خطره كما لو كان في خبر يبنى عليه عقيدة أو شريعة . هذا لا جدال فيه .
وليُعلَم بأن عامة كتاب (( الأغاني )) أخبار وقصص , وكلام أبي الفرج فيه قليل لا يعدو النقد الأدبي بحال . وليس في كلامه نحر للعقيدة من قريب أو من بعيد . ومن وجد شيئا من ذلك فليبرزه .
نعم , فيه أخبار وقصص في أسانيدها متهمون , وقد يكون في متونها ما يستنكر أو يستحيى منه ..
وهذا لا يسوِّغ نسف الكتاب وإهداره ( وهو أربعة وعشرون مجلدا ) .
ولا يفعل ذلك إلا من لم يعرف طرائق الأئمة في التعامل مع الكتب .
ولئن اتُّهم أبو الفرج الأصبهاني بالكذب فقد اتُّهم الدينوري والواقدي والمرزباني وغيرهم به وبغيره ..
وما زال العلماء يستفيدون من كتبهم فيما لا يتأثر بمسألة الصدق والكذب , والعقيدة , والسنة والبدعة .
وللحافظ ابن حجر موقف مشهور في الرد على ناسخٍ لكتاب (( الأغاني )) بيّض لموضع منه لأنه بزعمه مما لا يستحل نقله , فكتب الحافظ بيده الجملة المتروكة وملأ ذلك الفراغ , وردّ على الناسخ .
والأمر أوضح من هذا .. وللطاهر بن عاشور ومحيي الدين عبد الحميد والرافعي والطناحي وغيرهم كلام كثير في هذا المعنى .
عموما .. فحباً مني الخير لإخواني الحُمُس في هذا الباب , فهناك مختصرات للكتاب أحسب أنها خالية مما عسى أن لا يعجبهم , فليقرؤوها ولينتفعوا بها .
طبع منها :
- لابن منظور .
- لابن واصل الحموي .
- للخضري .
وأخيرا .. فالمسألة سهلة إن شاء الله , ومن خالفنا فلا تثريب عليه , بشرط أن لا يتهم إخوانه بالتساهل في أمر العقيدة والبدعة , فنحن بإذن الله ممن يغار على عقيدته الغيرة الشرعية المنضبطة .
تنبيه بسيط :
المقال الذي كتبه الأخ خالد الردادي وفقه الله في التحذير من كتاب (( الأغاني )) منقول بنصه وفصه وشكل حروفه وعزوه من مقدمة كتاب الشيخ وليد الأعظمي , فلو عزاه إليه وبين ذلك لكان أولى من التشبع بما لم يعط .
==========
أحسنتم يا أخي الفاضل .. ظافر
وقريب من هذا ما ذكره الشيخ محمد محي الدين عبدالحميد رحمه الله في مقدمة تحقيقه لكتاب يتيمة الدهر للثعالبي ؛ إذ قال رحمه الله :
" وفي الكتاب مجون كثير ؛ كما تجده في المختار من شعر أبي الرقعمق وأبي القاسم الواساني وابن لنكك وأبي الحسن السلامي وابن سكرة الهاشمي وابن الحجَّاج وغيرهم .
وقد تردَّدنا كثيراً في أن نجاري بعض أدباء هذا العصر ؛ فنحذف هذا المجون ، ولو من بعض نسخ الكتاب .
ولكنا لم نشأ أن نحذف شيئاً مما في ها الكتاب من المجون - كما يفعل بعض الناشرين - ؛ تحرُّجاً منهم وتأثماً - زعموا ! - وحرصاً على مكارم الأخلاق - ظنُّوا ! - ؛ لأنا لا نؤلِّف كتاباً نختار فيه ما نشاء وندع ما نشاء .
وإنما نحقق نصاً قيَّده صاحبه ، في زمن كان الناس فيه أكثر تحرُّجاً من هذا الزمن الذي نعيش فيه .
ولأنا لا نرى من حقنا أن نتصرَّف في كتب الناس ، ثم نبقيها منسوبةً إليهم ؛ فيجيئوا يوم المعدلة ، يتعلَّقون بمن ظلمهم ، يجادلونه عن أنفسهم .
والله يعلم أننا لا نقل عن هؤلاء المتأدبين ، الذين يفسدون كتب الناس ؛ تحرُّجاً من المجون ، ولا حرصاً على مكارم الخلاق .
ولأنَّ الغرض من نشر هذا الكتاب ، واحتمال الجهد الجاهد في تحقيقه ، والصبر على الكثير مما يغري بعضه بالانصراف = إنما هو أن ندلَّ قرَّاء الأدب العربي على الحياة الأدبية والحياة الاجتماعية والسياسية في هذه الحقبة التي كان هؤلاء الشعراء يعيشون فيها
وأن نضع بين أيديهم النصوص التي تدلُّهم على ما يتوجَّهون إليه من مناحي البحث .
فلو أننا سمحنا لأنفسنا بحذف شيء مما اشتمل علي الكتاب ؛ لكنا قد أضعنا هذه الغاية ، ولكنا كمن يجهز جندياً للقتال ، فيضع في يده سيفاً من الخشب ، ويقعده على صهوة جواد من قصب .
هذا ومؤلِّف الكتاب نفسه يشعر بما عسى أن يقوله عنه بعض الناس ، ويُصرُّ مع ذلك على أن يذكر المجون ، ويعتذر عنه .
فأي معذرة لمن يقدم على نشر كتابه ، وقد حذف منه هذا النوع من الكلام .
اسمع إليه يقول في مطلع حديثه عن أبي عبدالله الحسن بن أحمد بن الحجَّاج : (( وهو وإن كان في أكثر شعره لا يستتر من العقل بسجف ، ولا يبني لَّ قوله إلاَّ على سخف = فأنه من سحرة الشعر ، وعجائب العصر .
وقد اتَّفق من رأيته وسمعت به من أهل البصيرة في الأدب وحسن المعرفة في الشعر على أنه فرد زمانه في فنه الذي شهر به ، وأنه لم يسبق إلى طريقته ، ولم يلحق شأوه في نمطه ، ولم يرَ كاقتداره على ما يورده من المعاني التي تقع في طرزه ، مع سلاسة في اللفاظ وعذوبتها ، وانتظامها في سلك الملاحة والبلاغة ، وإن كانت مفصحة عن السخافة ! ، ومشوبةً بعر الخلديين والمكديين وأهل الشطارة !!
ولولا أنَّ جدَّ الأدب جدٌّ ، وهزله هزلٌ - كما قال إبراهيم بن المهدي - لصنتُ كتابي هذا عن كثير من كلام من يمدُّ يد المجون فيعرك بها أذن الحرم ، ويفتح جواب السخف ؛ فيصفع بها قفا العقل ؛ ولكنه على علاَّته تتفكَّه الفضلاء بثمار شعره ، وتستلمح الكبراء ببنات طبعه ، وتستخفُّ الأدباء أرواح نظمه ، ويحتمل المحتشمون فرط رفثه وقذَعه .
ومنهم من يغلو في الميل إلى ما يضحك ويمتع من نوادره .
ولقد مدح الملوك والأمراء والوزراء والرؤساء ؛ فلم يخل قصيدة فيهم من سفاتج هزله ونتائج فحشه ، وهو عندهم مقبول الجملة ، غلي مهر الكلام ، موفور الحظِّ من الإكرام والإنعام ، مجاب إلى مقترحه من الصلاى الجسام )) .
[ قال الشيخ محي الدين عبدالحميد : ] ولسنا نريد إلاَّ أن تقرأ هذه العبارة ، ثم تقرأها ، ثم تقرأها ، ثم احكم وكن من المنصفين " .
انتهى كلامه رحمه الله .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
.. يتبع ..
عدل سابقا من قبل الشيخ إبراهيم حسونة في 18.11.08 9:51 عدل 1 مرات