خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

4 مشترك

    حكم الأغاني و الموسيقى

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية حكم الأغاني و الموسيقى

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 05.07.08 18:35

    بسم الله الرحمن الرحيم

    { قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب }

    الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه المصطفى وآله المستكملين الشرفا، ثم أما بعد:

    يعيش أهل الإسلام في ظل هذا الدين حياة شريفة كريمة، يجدون من خلالها حلاوة الإيمان، وراحة اليقين والاطمئنان، وأنس الطاعة، ولذة العبادة، وتقف تعاليم هذا الدين حصنا منيعا ضد نوازع الانحراف وأهواء المنحرفين، تصون الإنسان عن نزواته، وتحميه من شهواته، وتقضي على همومه وأحزانه، فما أغنى من والى دين الله وإن كان فقيرا، وما أفقر من عاداه وإن كان غنيا.

    وإن مما يحزن المسلم الغيور على دينه أن يبحث بعض المسلمين عن السعادة في غيره، ويبحثون عن البهجة فيما عداه، يضعون السموم مواضع الدواء، طالبين العافية والشفاء في الشهوات والأهواء. ومن ذلك عكوف كثير من الناس اليوم على استماع آلات الملاهي والغناء، حتى صار ذلك سلواهم وديدنهم، متعللين بعلل واهية وأقوال زائفة، تبيح الغناء وليس لها مستند صحيح، يقوم على ترويجها قوم فتنوا باتباع الشهوات واستماع المغنيات.

    وكما نرى بعضهم يروج للموسيقى بأنها ترقق القلوب والشعور، وتنمي العاطفة، وهذا ليس صحيحا، فهي مثيرة للشهوات والأهواء، ولو كانت تفعل ما قالوا لرققت قلوب الموسيقيين وهذبت أخلاقهم، وأكثرهم ممن نعلم انحرافهم وسوء سلوكهم.

    عباد الله من كان في شك من تحريم الأغاني والمعازف، فليزل الشك باليقين من قول رب العالمين، ورسوله صلى الله عليه وسلم الأمين، في تحريمها وبيان أضرارها، فالنصوص كثيرة من الكتاب والسنة تدل على تحريم الأغاني والوعيد لمن استحل ذلك أو أصر عليه، والمؤمن يكفيه دليل واحد من كتاب الله أو صحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف إذا تكاثرت وتعاضدت الأدلة على ذلك. ولقد قال سبحانه و تعالى في كتابه العزيز: { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا }

    ونظرا لخطورة الأغاني، وأنها سبب من أسباب فتنة الناس وإفسادهم وخاصة الشباب منهم، أحببت أن أجمع لكم هذا البحث المختصر والذي يحتوي على موقف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأئمة أهل العلم من الغناء والموسيقى.
    وهذه المادة هي محاولة أردت بها خدمة دين الله عز وجل، ومنفعة المسلمين، سائلا الله تبارك وتعالى أن ينفع بها وأن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وهو حسبنا و نعم الوكيل.



    أدلة التحريم من القرآن الكريم:

    قوله تعالى: { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين } [سورة لقمان: 6>

    قال حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما: هو الغناء، وقال مجاهد رحمه الله: اللهو: الطبل (تفسير الطبري) وقال الحسن البصري رحمه الله: "نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير" (تفسير ابن كثير).

    قال ابن القيم رحمه الله: "ويكفي تفسير الصحابة والتابعين للهو الحديث بأنه الغناء فقد صح ذلك عن ابن عباس وابن مسعود، قال أبو الصهباء: سألت ابن مسعود عن قوله تعالى: { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } ، فقال: والله الذي لا إله غيره هو الغناء - يرددها ثلاث مرات -، وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا أنه الغناء.." (إغاثة اللهفان لابن القيم).

    وكذلك قال جابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومكحول وميمون بن مهران وعمرو بن شعيب وعلي بن بديمة و غيرهم في تفسير هذه الآية الكريمة. قال الواحدي رحمه الله: وهذه الآية على هذا التفسير تدل على تحريم الغناء (إغاثة اللهفان).

    ولقد قال الحاكم في مستدركه عن تفسير الصحابي: "ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي و التنزيل عند الشيخين حديث مسند". وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان معلقا على كلام الحاكم: "وهذا وإن كان فيه نظر فلا ريب أنه أولى بالقبول من تفسير من بعدهم، فهم أعلم الأمة بمراد الله من كتابه، فعليهم نزل وهم أول من خوطب به من الأمة، وقد شاهدوا تفسيره من الرسول علما وعملا، وهم العرب الفصحاء على الحقيقة فلا يعدل عن تفسيرهم ما وجد إليه سبيل".

    وقال تعالى: { واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا } [سورة الإسراء:64>
    جاء في تفسير الجلالين: (واستفزز): استخف، (صوتك): بدعائك بالغناء والمزامير وكل داع إلى المعصية و هذا أيضا ما ذكره ابن كثير والطبري عن مجاهد. وقال القرطبي في تفسيره: "في الآية ما يدل على تحريم المزامير والغناء واللهو..وما كان من صوت الشيطان أو فعله وما يستحسنه فواجب التنزه عنه".

    و قال الله عز وجل: { والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما } [الفرقان: 72>.
    وقد ذكر ابن كثير في تفسيره ما جاء عن محمد بن الحنفية أنه قال: الزور هنا الغناء، وجاء عند القرطبي والطبري عن مجاهد في قوله تعالى: { والذين لا يشهدون الزور } قال: لا يسمعون الغناء. وجاء عن الطبري في تفسيره: "قال أبو جعفر: وأصل الزور تحسين الشيء، ووصفه بخلاف صفته، حتى يخيل إلى من يسمعه أو يراه، أنه خلاف ما هو به، والشرك قد يدخل في ذلك لأنه محسن لأهله، حتى قد ظنوا أنه حق وهو باطل، ويدخل فيه الغناء لأنه أيضا مما يحسنه ترجيع الصوت حتى يستحلي سامعه سماعه" (تفسير الطبري).
    وفي قوله عز وجل: { و إذا مروا باللغو مروا كراما } قال الإمام الطبري في تفسيره: { وإذا مروا بالباطل فسمعوه أو رأوه، مروا كراما. مرورهم كراما في بعض ذلك بأن لا يسمعوه، وذلك كالغناء }


    أدلة التحريم من السنة النبوية الشريفة:

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر و الحرير و الخمر و المعازف، و لينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم لحاجة، فيقولون: ارجع إلينا غدا، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة » (رواه البخاري تعليقا برقم 5590، ووصله الطبراني والبيهقي، وراجع السلسلة الصحيحة للألباني 91).

    وقد أقرّ بصحة هذا الحديث أكابر أهل العلم منهم الإمام ابن حبان، والإسماعيلي، وابن صلاح، وابن حجر العسقلاني، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والطحاوي، وابن القيم، والصنعاني، وغيرهم كثير.

    وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: "ولم يصنع من قدح في صحة هذا الحديث شيئا كابن حزم نصرة لمذهبه الباطل في إباحة الملاهي، وزعم أنه منقطع لأن البخاري لم يصل سنده به". وقال العلامة ابن صلاح رحمه الله: "ولا التفات إليه (أى ابن حزم) في رده ذلك..وأخطأ في ذلك من وجوه..والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح" (غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب لإمام السفاريني).

    وفي الحديث دليل على تحريم آلات العزف والطرب من وجهين:
    أولاهما قوله صلى الله عليه وسلم: "يستحلون"، فإنه صريح بأن المذكورات ومنها المعازف هي في الشرع محرمة، فيستحلها أولئك القوم.

    ثانيا: قرن المعازف مع ما تم حرمته وهو الزنا والخمر والحرير، ولو لم تكن محرمة - أى المعازف - لما قرنها معها" (السلسلة الصحيحة للألباني 1/140-141 بتصرف). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فدل هذا الحديث على تحريم المعازف، والمعازف هي آلات اللهو عند أهل اللغة، وهذا اسم يتناول هذه الآلات كلها" (المجموع).

    وروى الترمذي في سننه عن جابر رضي الله عنه قال: « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن عوف إلى النخيل، فإذا ابنه إبراهيم يجود بنفسه، فوضعه في حجره ففاضت عيناه، فقال عبد الرحمن: أتبكي وأنت تنهى عن البكاء؟ قال: إني لم أنه عن البكاء، وإنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة: خمش وجوه وشق جيوب ورنة » (قال الترمذي: هذا الحديث حسن، وحسنه الألباني صحيح الجامع 5194).

    وقال صلى الله عليه و سلم: « صوتان ملعونان، صوت مزمار عند نعمة، و صوت ويل عند مصيبة » (إسناده حسن، السلسلة الصحيحة 427)

    وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « ليكونن في هذه الأمة خسف، وقذف، ومسخ، وذلك إذا شربوا الخمور، واتخذوا القينات، وضربوا بالمعازف » (صحيح بمجموع طرقه، السلسلة الصحيحة 2203)

    قال صلى الله عليه وسلم: « إن الله حرم على أمتي الخمر، والميسر، والمزر، والكوبة، والقنين، وزادني صلاة الوتر » (صحيح، صحيح الجامع 1708). الكوبة هي الطبل، أما القنين هو الطنبور بالحبشية (غذاء الألباب).

    وروى أبي داوود في سننه عن نافع أنه قال: « سمع ابن عمر مزمارا، قال: فوضع أصبعيه على أذنيه، ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئا؟ قال: فقلت: لا ! قال: فرفع أصبعيه من أذنيه، وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع مثل هذا! فصنع مثل هذا » (حديث صحيح، صحيح أبي داوود 4116).
    و علق على هذا الحديث الإمام القرطبي قائلا: "قال علماؤنا: إذا كان هذا فعلهم في حق صوت لا يخرج عن الاعتدال، فكيف بغناء أهل هذا الزمان وزمرهم؟!" (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي).

    أقوال أئمة أهل العلم:

    قال الإمام عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه: الغناء مبدؤه من الشيطان وعاقبته سخط الرحمن (غذاء الألباب)، ولقد نقل الإجماع على حرمة الاستماع إلى الموسيقى والمعازف جمع من العلماء منهم: الإمام القرطبي وابن الصلاح وابن رجب الحنبلي. فقال الإمام أبو العباس القرطبي: الغناء ممنوع بالكتاب والسنة وقال أيضا: "أما المزامير والأوتار والكوبة (الطبل) فلا يختلف في تحريم استماعها ولم أسمع عن أحد ممن يعتبر قوله من السلف وأئمة الخلف من يبيح ذلك، وكيف لا يحرم وهو شعار أهل الخمور والفسوق ومهيج الشهوات والفساد والمجون؟ وما كان كذلك لم يشك في تحريمه ولا تفسيق فاعله وتأثيمه" (الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيثمي). وقال ابن الصلاح: الإجماع على تحريمه ولم يثبت عن أحد ممن يعتد بقوله في الإجماع والاختلاف أنه أباح الغناء..

    قال القاسم بن محمد رحمه الله: الغناء باطل، والباطل في النار.

    وقال الحسن البصري رحمه الله: إن كان في الوليمة لهو –أى غناء و لعب-، فلا دعوة لهم (الجامع للقيرواني).
    قال النحاس رحمه الله: هو ممنوع بالكتاب والسنة، وقال الطبري: وقد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء، والمنع منه. و يقول الإمام الأوزاعي رحمه الله: لا تدخل وليمة فيها طبل ومعازف.

    قال ابن القيم رحمه الله في بيان مذهب الإمام أبي حنيفة: "وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها كالمزمار والدف، حتى الضرب بالقضيب، وصرحوا بأنه معصية توجب الفسق وترد بها الشهادة، وأبلغ من ذلك قالوا: إن السماع فسق والتلذذ به كفر، وورد في ذلك حديث لا يصح رفعه، قالوا ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مر به أو كان في جواره" (إغاثة اللهفان) وروي عن الإمام أبي حنيفة أنه قال: الغناء من أكبر الذنوب التي يجب تركها فورا. وقد قال الإمام السفاريني في كتابه غذاء الألباب معلقا على مذهب الإمام أبو حنيفة: "وأما أبو حنيفة فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب، وكذلك مذهب أهل الكوفة سفيان وحماد وإبراهيم والشعبي وغيرهم لا اختلاف بينهم في ذلك، ولا نعلم خلافا بين أهل البصرة في المنع منه".

    وقد قال القاضي أبو يوسف تلميذ الإمام أبى حنيفة حينما سئل عن رجل سمع صوت المزامير من داخل أحد البيوت فقال: "ادخل عليهم بغير إذنهم لأن النهي عن المنكر فرض".

    أما الإمام مالك فإنه نهى عن الغناء و عن استماعه، وقال رحمه الله عندما سئل عن الغناء و الضرب على المعازف: "هل من عاقل يقول بأن الغناء حق؟ إنما يفعله عندنا الفساق" (تفسير القرطبي). والفاسق في حكم الإسلام لا تقبل له شهادة ولا يصلي عليه الأخيار إن مات، بل يصلي عليه غوغاء الناس وعامتهم.

    قال ابن القيم رحمه الله في بيان مذهب الإمام الشافعي رحمه الله: "وصرح أصحابه - أى أصحاب الإمام الشافعى - العارفون بمذهبه بتحريمه وأنكروا على من نسب إليه حله كالقاضي أبي الطيب الطبري والشيخ أبي إسحاق وابن الصباغ" (إغاثة اللهفان). وسئل الشافعي رضي الله عنه عن هذا؟ فقال: أول من أحدثه الزنادقة في العراق حتى يلهوا الناس عن الصلاة وعن الذكر (الزواجر عن اقتراف الكبائر).

    قال ابن القيم رحمه الله: "وأما مذهب الإمام أحمد فقال عبد الله ابنه: سألت أبي عن الغناء فقال: الغناء ينبت النفاق بالقلب، لا يعجبني، ثم ذكر قول مالك: إنما يفعله عندنا الفساق" (إغاثة اللهفان). وسئل رضي الله عنه عن رجل مات وخلف ولدا وجارية مغنية فاحتاج الصبي إلى بيعها فقال: تباع على أنها ساذجة لا على أنها مغنية، فقيل له: إنها تساوي ثلاثين ألفا، ولعلها إن بيعت ساذجة تساوي عشرين ألفا، فقال: لاتباع إلا أنها ساذجة. قال ابن الجوزي: "وهذا دليل على أن الغناء محظور، إذ لو لم يكن محظورا ما جاز تفويت المال على اليتيم" (الجامع لأحكام القرآن). ونص الإمام أحمد رحمه الله على كسر آلات اللهو كالطنبور وغيره إذا رآها مكشوفة، وأمكنه كسرها (إغاثة اللهفان).

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "مذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام...ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعا" (المجموع). وقال أيضا: "فاعلم أنه لم يكن في عنفوان القرون الثلاثة المفضلة لا بالحجاز ولا بالشام ولا باليمن ولا مصر ولا المغرب ولا العراق ولا خراسان من أهل الدين والصلاح والزهد والعبادة من يجتمع على مثل سماع المكاء والتصدية لا بدف ولا بكف ولا بقضيب وإنما أحدث هذا بعد ذلك في أواخر المائة الثانية فلما رآه الأئمة أنكروه" وقال في موضع آخر: "المعازف خمر النفوس، تفعل بالنفوس أعظم مما تفعل حميا الكؤوس" (المجموع)
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية تتمة

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 05.07.08 18:36

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بيان حال من اعتاد سماع الغناء: "ولهذا يوجد من اعتاده واغتذى به لا يحن على سماع القرآن، ولا يفرح به، ولا يجد في سماع الآيات كما يجد في سماع الأبيات، بل إذا سمعوا القرآن سمعوه بقلوب لاهية وألسن لاغية، وإذا سمعوا المكاء والتصدية خشعت الأصوات وسكنت الحركات وأصغت القلوب" (المجموع).

    قال الألباني رحمه الله: "اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم آلات الطرب كلها" (السلسلة الصحيحة 1/145).

    قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "إنك لا تجد أحدا عني بالغناء وسماع آلاته إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى علما وعملا، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء". وقال عن الغناء: "فإنه رقية الزنا، وشرك الشيطان، وخمرة العقول، ويصد عن القرآن أكثر من غيره من الكلام الباطل لشدة ميل النفوس إليه ورغبتها فيه". وقال رحمه الله:


    حب القرآن وحب ألحان الغنا

    في قلب عبد ليس يجتمعان

    والله ما سلم الذي هو دأبه

    أبدا من الإشراك بالرحمن

    وإذا تعلق بالسماع أصاره

    عبدا لكـل فـلانة وفلان



    و بذلك يتبين لنا أقوال أئمة العلماء واقرارهم على حرمية الغناء والموسيقى والمنع منهما.


    الاستثناء:

    ويستثنى من ذلك الدف - بغير خلخال- في الأعياد والنكاح للنساء، وقد دلت عليه الأدلة الصحيحة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ولكن رخص النبي صلى الله عليه وسلم في أنواع من اللهو في العرس ونحوه كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح، وأما الرجال على عهده فلم يكن أحد على عهده يضرب بدف ولا يصفق بكف، بل ثبت عنه في الصحيح أنه قال: التصفيق للنساء والتسبيح للرجال، ولعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء" (المجموع). وأيضا من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار في يوم بعاث قالت وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر أبمزمور الشيطان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في يوم عيد الفطر فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا" (صحيح، صحيح ابن ماجه 1540).


    الرد على من استدل بحديث الجاريتين في تحليل المعازف:

    قال ابن القيم رحمه الله: "وأعجب من هذا استدلالكم على إباحة السماع المركب مما ذكرنا من الهيئة الاجتماعية بغناء بنتين صغيرتين دون البلوغ عند امرأة صبية في يوم عيد وفرح بأبيات من أبيات العرب في وصف الشجاعة والحروب ومكارم الأخلاق والشيم، فأين هذا من هذا، والعجيب أن هذا الحديث من أكبر الحجج عليهم، فإن الصديق الأكبر رضي الله عنه سمى ذلك مزمورا من مزامير الشيطان، وأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه التسمية، ورخص فيه لجويريتين غير مكلفتين ولا مفسدة في إنشادهما ولاستماعهما، أفيدل هذا على إباحة ما تعملونه وتعلمونه من السماع المشتمل على ما لا يخفى؟! فسبحان الله كيف ضلت العقول والأفهام" (مدارج السالكين)،

    وقال ابن الجوزي رحمه الله: "وقد كانت عائشة رضي الله عنها صغيرة في ذلك الوقت، و لم ينقل عنها بعد بلوغها وتحصيلها إلا ذم الغناء ، قد كان ابن أخيها القاسم بن محمد يذم الغناء ويمنع من سماعه وقد أخذ العلم عنها" (تلبيس إبليس).


    ابن حزم و إباحة الغناء

    من المعروف والمشهور أن ابن حزم رحمه الله يبيح الغناء، كما هو مذكور في كتابه المحلى.
    لكن الذي نريد أن ننبه عليه أن الناس إذا سمعوا أن ابن حزم أو غيره من العلماء يحللون الغناء، ذهب بالهم إلى الغناء الموجود اليوم في القنوات والإذاعات وعلى المسارح والفنادق وهذا من الخطأ الكبير. فمثل هذا الغناء لا يقول به مسلم، فضلا عن عالم؛ مثل الإمام الكبير ابن حزم. فالعلماء متفقون على تحريم كل غناء يشتمل على فحش أو فسق أو تحريض على معصية.

    ونحن نعلم حال الغناء اليوم وما يحدث فيه من المحرمات القطعية، كالتبرج والاختلاط الماجن والدعوة السافرة إلى الزنى والفجور وشرب الخمور، تقف فيه المغنية عارية أو شبه عارية أمام العيون الوقحة والقلوب المريضة لتنعق بكلمات الحب والرومانسية. ويتمايل الجميع رجالا ونساء ويطربون في معصية الله وسخطه.

    ولذلك نقول: إن على من يشيع في الناس أن ابن حزم يبيح الغناء، أن يعرف إلى أين يؤدي كلامه هذا إذا أطلقه بدون ضوابط وقيود، فليتق الله وليعرف إلى أين ينتهي كلامه؟! وليتنبه إلى واقعه الذي يحيا فيه.

    ثم أعلم كون ابن حزم أو غيره يبيح أمرا جاء النص الصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريمه لا ينفعك عند الله،
    قال سليمان التيمي رحمه الله: لو أخذت برخصة كل عالم، أو زلة كل عالم، اجتمع فيك الشر كله.
    وقد قال الله جل وعلا: { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } [الحشر:7>،
    وقال أيضا: { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } [ النور:63>.

    ولله در القائل:
    العلم قال الله قال رسوله إن صح * والإجماع فاجهد فيه
    وحذار من نصب الخلاف جهالة * بين الرسول وبين رأي فقيه


    أما حكم الأناشيد الإسلامية الخالية من الموسيقى فهو كالأتى:

    صح أن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضوان الله عليهم قد سمعوا الشعر وأنشدوه واستنشدوه من غيرهم، في سفرهم وحضرهم، وفي مجالسهم وأعمالهم، بأصوات فردية كما في إنشاد حسان بن ثابت وعامر بن الأكوع وأنجشة رضي الله عنهم ، وبأصوات جماعية كما في حديث أنس رضي الله عنه في قصة حفر الخندق، قال: فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بنا من النصب والجوع قال: « اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة » . فقالوا مجيبين: نحن الذين بايعوا محمدا، على الجهاد ما بقينا أبدا" (رواه البخاري 3/1043).

    وفي المجالس أيضا؛ أخرج ابن أبي شيبة بسند حسن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: "لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منحرفين ولا متماوتين، كانوا يتناشدون الأشعار في مجالسهم، وينكرون أمر جاهليتهم، فإذا أريد أحدهم عن شيء من دينه دارت حماليق عينه" (مصنف ابن أبي شيبة 8/711).

    فهذه الأدلة تدل على أن الإنشاد جائز، سواء كان بأصوات فردية أو جماعية، والنشيد في اللغة العربية: رفع الصوت بالشعر مع تحسين وترقيق (القاموس المحيط). وهناك ضوابط تراعى في هذا الأمر وضعها لنا أهل العلم وهي: عدم استعمال الآلات والمعازف المحرمة في النشيد، عدم الإكثار منه وجعله ديدن المسلم وكل وقته وتضييع الواجبات والفرائض لأجله، أن لا يكون بصوت النساء، وأن لا يشتمل على كلام محرم أو فاحش، وأن لا يشابه ألحان أهل الفسق والمجون، وأن يخلو من المؤثرات الصوتية التي تنتج أصواتا مثل أصوات المعازف. وأيضا يراعى أن لا يكون ذا لحن يطرب به السامع ويفتنه كالذين يسمعون الأغاني.


    وللاستزادة يمكن مراجعة: كتاب الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام للشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان، وكتاب السماع لشيخ الإسلام ابن القيم، وكتاب تحريم آلات الطرب للشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله.


    وختاما..
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان: "اعلم أن للغناء خواص لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق، ونباته فيه كنبات الزرع بالماء.

    فمن خواصه: أنه يلهي القلب ويصده عن فهم القرآن وتدبره، والعمل بما فيه، فإن الغناء والقرآن لا يجتمعان في القلب أبدا لما بينهما من التضاد، فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى، ويأمر بالعفة، ومجانبة شهوات النفوس، وأسباب الغي، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان، والغناء يأمر بضد ذلك كله، ويحسنه، ويهيج النفوس إلى شهوات الغي فيثير كامنها، ويزعج قاطنها، ويحركها إلى كل قبيح، ويسوقها إلى وصل كل مليحة ومليح، فهو والخمر رضيعا لبان، وفي تهييجهما على القبائح فرسا رهان..إلخ".


    فيا أيها المسلمون: نزهوا أنفسكم وأسماعكم عن اللهو ومزامر الشيطان، وأحلوها رياض الجنان، حلق القرآن، وحلق مدارسة سنة سيد الأنام، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، تنالوا ثمرتها، إرشادا من غي، وبصيرة من عمي، وحثا على تقى، وبعدا عن هوى، وحياة القلب، ودواء وشفاء، ونجاة وبرهانا، وكونوا ممن قال الله فيهم: { والذين هم عن اللغو معرضون }.
    وفق الله المسلمين للتمسك بدينهم والبصيرة في أمرهم إنه قريب مجيب.
    و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات..


    كتبه حامدا و مصليا
    ابن رجب السلفي
    في تمام يوم الجمعة 13/12/1423هـ الموافق 14/02/2003م

    المصدر
    موقع نحن الإسلام
    http://www.weislam.com/iv/play.php?catsmktba=10105
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية الغناء

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 08.07.08 15:20

    حكم الأغاني و الموسيقى 82249932zr4
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية الغنــاء

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 08.07.08 15:24

    حكم الأغاني و الموسيقى 61815487jk1
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: حكم الأغاني و الموسيقى

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 11.07.08 2:11

    رد العلامـة الألبــــاني -رحمه الله تعالى- على
    محمد أبو زهرة وتلميذيهالقرضاوي والغزالي
    في كتابه (تحريم آلات الطرب)


    إن الحمد لله نحمده ونستعينهونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومنيضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبدهورسوله .
    أما بعد ..فقد كنت وقفت سنة ( 1373هـ ) في مجلة " الإخوان المسلمون" المصرية العدد ( 11

    ) بتاريخ ( 29 ) ذي العقدة من السنة المذكورة على استفتاء حولالموسيقى والغناء نصه :

    "
    أنا شاب مسلم وأقوم بشعائر الدين ( ومخلص جدا ) ولكنهناك شيء يستولي على نفسي وهو حب الموسيقى والغناء بالرغم أني أحفظ القران الكريمفهل هذه الهواية حرام ؟ " .
    فأجاب فضيلة الأستاذ الشيخ محمد أبوزهرةبما نصه :

    "
    بالنسبة للغناء إذا لم يكن فيه مايثير الغريزة الجنسية فإننا لا نجد موجبا لتحريمه وإن العرب كانوا يرجزون ويغنونويضربون بالدف وورد في بعض الآثار الدعوة إلى الضرب بالدف في الزواج وقيل : ( فرقما بين الحلال والحرام الدف ) ومثل ذلك الموسيقى . ونجد أنه لما دخل الغناء الفارسيبالألحان في عهد التابعين كانوا فريقين :
    فريقا يميل إلى الاستماع ولا يجد فيهما يمس الدين كالحسن البصري .

    وفريقا لا يميل إليه ويجده منافيا للزهادة والورعكالشعبي .
    وعلى أي حال فإنه من المتفق عليه أنه ما دام لا يثير الغريزة الجنسيةولا يشغل عن ذكر الله وعن الصلاة فليس فيه ما يمس الدين "
    قلت ( أي الشيخالألباني ) : وقد كنت كتبت وقتئذ ردا على هذه الفتوى لمخالفتها للأحاديث الصحيحةومذهب جمهور العلماء وأرسلتها إلى المجلة ولكن حال دون نشره فيما يبدو تعطيل المجلةفي عهد عبد الناصر ومنعها من الصدور .
    وفي هذه الفتوى على اختصارها من الأخطاءوالأوهام المختلفة ما كنت أتصور أن الشيخ أكبر من أن يقع في مثلها فلا بد لي منبيانها مع الاختصار قدر الإمكان إلا فيما له صلة تامة بموضوع الرسالة فأقول :

    الأغاني والموسيقى :
    1 - الموجب لتحريم الغناء الأحاديث الصحيحة الثابتة فيكتب السنة كما سيأتي بيانها مخرجة مصححة من العلماء في هذه الرسالة فهل الشيخ وهومن كبار علماء الأزهر يجهلها أم هو يتجاهلها كبعض تلامذته كما سيأتي ؟ أحلاهما مر .

    2- إن القيد الذي شرعه من عنده : أن لا يثير الغريزة الجنسية وقد قلده فيه بعضتلامذته كالشيخ القرضاوي والغزالي وغيرهما فقال الأول كما سيأتي نقله عنه في هذهالمقدمة مفصحا : " ولا بأس بأن تصحبه الموسيقىغير المثيرة " يعني الغناء
    فأقول : هذا القيد نظري غير عملي ولا يمكن ضبطه لأن ما يثير الغريزة يختلفباختلاف الأمزجة ذكورة وأنوثة شيخوخة وفتوة وحرارة وبرودة كما لا يخفى على اللبيب .
    وإني والله لأتعجب أشد العجب من تتابع هؤلاء الشيوخ الأزهريين على هذا القيدالنظري فإنهم مع مخالفتهم للأحاديث الصحيحة ومعارضتهم لمذاهب الأئمة الأربعة وأقوالالسلف يختلقون عللا من عند أنفسهم لم يقل بها أحد من الأئمة المتبوعين ومن آثارهااستباحة ما يحرم من الغناء والموسيقى عندهم أيضا ولنضرب على ذلك مثلا قد يكونلأحدهم زوجة وبنون وبنات كالشيخ الغزالي مثلا الذي يصرح .

    وقد يتباهى بأنه يستمع لأمكلثوم ومحمد بن عبد الوهاب الموسيقار وأضرابهما فيراه أولاده بل وربما تلامذتهكما حكى ذلك هو في بعض كتاباته فهل هؤلاء يستطيعون أن يميزوا بعلمهم ومراهقتهم بينالموسيقى المثيرة فيصمون آذانهم عنها وإلا استمروا في الاستماع إليها تالله إنهلفقه لا يصدر إلا من ظاهري جامد بغيض أو صاحب هوى غير رشيد .
    لقد ذكرني هذابتفريق المذهب الحنفي بين الخمر المتخذ من العنب فهو حرام كله لا فرق بين قليلهوكثيره وبين الخمر المتخذ من غير العنب كالتمر ونحوه فلا يحرم منه عندهم إلا الكثيرالمسكر.
    أما كيف التفريق عمليا بين القليل غير المسكر فيه والكثير المسكر وإنأمكن ذلك فمتى ؟ أقبل تعاطيه ؟ أم بعد أن يسكر ؟ فهذا مما سكتوا عنه وتركواالأمر للشارب كما فعل مثل ذلك الشيوخ المشار إليهم من التفريق بين الموسيقى المثيرةالمحرمة والموسيقى غير المثيرة المباحة فهل يقول بهذا من يؤمن بمثل قوله صلى اللهعليه وسلم : " . . ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه " .

    وقوله صلى الله عليه وسلم : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " إلى غير ذلك من نصوص الكتاب والسنة التي عليهاقامت قاعدة " سد الذريعة " والتي تعتبر من كمال الشريعة وأشاد بها الشيخ القرضاوينفسه في مقدمة كتابه " الحلال والحرام " ؟ وضرب لها ابن القيم عشرات الأمثلة منالكتاب والسنة فراجعها فإنها هامة .
    وأسوأ من هذا التفريق وذاك ما كنت قرأته فينشرة لحزب إسلامي معروف أنه يجوز للرجل أن يقبل المرأة الأجنبية عند السلام عليهاوليس مصافحتها فقط بل وتقبيلها أيضا قالوا : ولكن بنية طيبة وبغير شهوة .
    فأعرضهؤلاء جميعا عن تطبيق تلك القاعدة العظيمة المدعمة بعشرات الأدلة مع إعراضهم عنالأدلة العامة كما لا يخفى بل خالفوا مثالا آخر لم يذكره ابن القيم وفيه رد عليهمفي الصحيح هؤلاء في استباحتهم تقبيل الأجنبيات ومصافحتهن وأولئك في الاستماعلأغانيهن كالغزالي مع أم كلثوم واعتبر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم نوعا من الزنافقال :

    " كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة : فالعينان زناهما النظر ، والأذنان زناهما الاستماع ، واللسان زناه الكلام ، واليدان زناهما البطش ، ( وفي رواية اللمس ) ، والرجل زناها الخطا ، والفم زناه القبل ، والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه" . رواه مسلم وغيره .
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية تتمة

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 11.07.08 2:12

    قلت : فتبين مما تقدم بطلان تقييد الشيخ ( أبوزهرة ) ومن قلده الموسيقى والغناء المحرم بما يثير الغريزةالجنسية وأن الصواب تحريم ذلك مطلقا لإطلاق الأحاديث الآتية ولقاعدة سد الذريعة .
    ونحوه في البطلان ما يأتي .


    3 -
    قوله : " وأن العرب كانوا يرجزون ويغنونويضربون بالدف " فأقول : هذا باطل من وجوه يأتي بيانها ومن الواضح أنه يريد ب ( العرب ) السلف وحينئذ فتعبيره عنهم بهذا اللفظ تعبير قومي عصري جاهلي يستغرب جداصدوره من شيخ أزهري فأقول :
    الوجه الأول: أنه كلام مرتجل لا سنام له ولا خطاملم يقله عالم من قبل فليضرب به عرض الحائط .
    الثاني : أنه إذا كان يعني بهخاصتهم وعلماءهم كما هو مفروض فيه فهو باطل فإن المنقول عنهم خلاف ذلك .
    والشيخغفر الله له كأنه حين يكتب لا يكون عنده خلفية علمية أو على الأقل لا يراجع كتابامن الكتب الفقهية أو بحثا خاصا فيها لأحد محققي الأمة كابن تيمية وابن قيم الجوزيةشأنه في ذلك شأن تلميذه الغزالي وأمثاله وإلا فأين هو من قول ابن مسعود رضي اللهعنه : " الغناء ينبت النفاق في القلب " وروي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلموالصحيح موقوف كما قال ابن القيم في " إغاثة اللهفان " ( 1 / 248 )

    ولذلك خرجته في " الضعيفة " ( 2430 ) ومن قول ابن عباس رضي الله عنه : " الدف حرام والمعازف حراموالكوبة حرام والمزمار حرام " .
    أخرجه البيهقي ( 10 / 222 ) من طريق عبد الكريمالجزري عن أبي هاشم الكوفي عنه .
    قلت : وهذا إسناد صحيح إن كان ( أبو هاشمالكوفي ) هو ( أبو هاشم السنجاري ) المسمى ( سعدا ) فإنه جزري كعبد الكريم

    وذكرواأنه روى عنه لكن لم أر من ذكر أنه كوفي وفي " ثقات ابن حبان " ( 4 / 296 ) أنه سكندمشق والله أعلم . . . "

    ومما ذكره أبو بكر الخلال في كتاب " الأمر بالمعروف " ( ص 27 ) : " ويروى عن الحسن قال : ليس الدفوف من أمر المسلمين في شيء وأصحاب عبد اللهكانوا يشققونها " إلى غير ذلك مما هو مذكور في موضعه . وانظر ( ص 102 103 ) .
    الثالث : أن الذين كانوا يضربون بالدف إنما هم النساء لا الرجال وبمناسبةالزفاف وفي ذلك أحاديث كنت ذكرتها في كتابي " آداب الزفاف " ( ص 179 183 ) أوبمناسبة العيد كما في حديث عائشة الآتي في آخر هذه الرسالة ولهذا قال الحليمي كمافي " شعب الإيمان " ( 4 / 283 ) :

    "
    وضرب الدف لا يحل إلا للنساء لأنه في الأصلمن أعمالهن وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء " .

    4-
    قوله : " وورد في بعض الآثار . . " إلخ : تعبير غير دقيق فإنه يعني ب " الآثار " الأحاديث التي أشرت إليها آنفا وأسوأ منه قوله عقبه : " وقيل : ( فرق مابين الحلال والحرام الدف ) "

    فإن " قيل " من صيغ التمريض عند العلماء وهو إنما يقالفي كلام البشر وهذا حديث نبوي معروف فإن كان يريد بقوله المذكور تضعيفه فقد أخطأمرتين رواية واصطلاحا
    أما رواية فالحديث حسن كما قال الترمذي وصححه الحاكم والذهبيوهو مخرج في المصدر المتقدم وفي " الإرواء " ( 7 / 50 51 ) وأما اصطلاحا فإنه إنمايقال في الحديث الضعيف : " روي " وليس " قيل " .
    وثمة خطأ آخر وهو قوله فيالحديث : " فرق " وإنما هو عندهم بلفظ : " فصل " .
    فتأمل كم في كلام هذا الشيخالأزهري من جهل بالحديث ومصطلحه فلا عجب من تلميذه الغزالي أن يصدر منه ما هو أعجبوأغرب كما سيأتي الأمر الذي يدل على أن الأزهر لم يكن له عناية بتدريس الحديث درايةورواية وأكبر دليل على ذلك أننا لا نرى في هذا العصر محدثا معروفا مشهورا بآثارهومؤلفاته تخرج من ( الأزهر الشريف ) ويكفينا تدليلا على ما أقول هذا الكلام الهزيلمن شيخهم هذا الكبير والله المستعان .

    5-
    قوله : " ومثل ذلك الموسيقى " فأقول : هذا قياس وهو يدل علىأن الشيخ كتلميذه الغزالي يرفض الأحاديث المحرمة لآلاتالطرب ومنها حديث البخاري عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري قال :

    "
    ليكونن منأمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف .
    ولينزلن أقوام إلى جنب علميروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة فيقولون : ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضعالعلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة " أو أنه يقبلها ولكنه لا يحسنالقياس لأنه لا قياس في مورد النص كما يقول علماء الأصول وهذا ما أستبعده كيف لاوقد ألف في " أصول الفقه " أو أنه من ( العقلانيين ) كتلميذه لا يقف أمامه أصل ولافرع لا حديث ولا فقه إنما هي الأهواء تتجارى . . ومع ذلك يقول فيه الزركلي رحمهالله في كتابه " الأعلام " : " أكبر علماء الشريعة الإسلامية في عصره "

    6-
    قال : " . . فريقا يميل إلى الاستماع . . كالحسن البصري وفريقا لا يميل إليه كالشعبي "
    كذا قال الشيخ غفر الله له جعل الغناء المحرم قضية ذوقية محضة مثل كل المباحاتكالأطعمة والأشربة من شاء فعل ومن شاء ترك ولم يكتف بهذا بل نسب إلى السلف خلافالثابت عنهم فالحسن البصري بريء مما نسب إليه فقد روى ابن أبي الدنيا في " ذمالملاهي " ( رقم 62 و63 منسوختي ) بإسنادين عنه قال :

    "
    صوتان ملعونان : مزمارعند نعمة ورنة عند مصيبة " .
    وقد صح هذا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلمكما سيأتي في الرسالة إن شاء الله تعالى : ( الحديث الثاني ) ( ص 51 ) .
    وأماالشعبي فقد روى ابن أبي الدنيا أيضا ( رقم 55 ) بسند صحيح عنه : أنه كره أجرالمغنية .
    وروى ( رقم 45 ) بسند صحيح عن القاسم بن سلمان وثقه ابن حبان عنه قال : " لعن المغني والمغنى له " .
    وروى ابن نصر في " قدر الصلاة " ( ق 151 / 2 ) بسند جيد عنه قال : " إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرعوإن الذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء الزرع " .
    فهل مثل هذا وذاكيقوله الشعبي بميله الشخصي ؟ فاللهم هداك .
    وأما قوله : " فمن المتفق عليه . . " فقد ظهر بطلانه مما سبق فلا نطيل الكلام بالرد عليه .

    نقلا عن
    حكم الأغاني و الموسيقى R_logo
    avatar
    أبو خديجة عصام الدين
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 84
    العمر : 49
    البلد : مصر السنية
    العمل : دراسات عليا
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 23/06/2008

    الملفات الصوتية رد: حكم الأغاني و الموسيقى

    مُساهمة من طرف أبو خديجة عصام الدين 18.07.08 1:53

    سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر
    بارك الله فيك يا ابا محمد ،نعم انت الشبل من ذاك الاسد ،نفع الله بكم ، ورفع الله فى العالمين ذكركم ،وجعلكم الله تعالى من عدول هذا الخلف الذين ينفون عن دين الله تحريف الغالين وانتحال البطلين وتأويل الجاهلين انه هو الجواد الكريم .
    ابو خديجة
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: حكم الأغاني و الموسيقى

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 19.07.08 7:37


    شكر الله تعالى لك المبارك أبا محمد

    وأيضا
    ً شكر الله تعالى لك الحبيب أبا خديجة ونفع بنا وبكم

    ومزيدا
    مزيدا من المشاركة والجهد
    avatar
    أبوعبدالملك النوبي الأثري
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 849
    العمر : 45
    البلد : مصر السنية
    العمل : تسويق شركة كمبيوتر
    شكر : -1
    تاريخ التسجيل : 10/05/2008

    الملفات الصوتية رد: حكم الأغاني و الموسيقى

    مُساهمة من طرف أبوعبدالملك النوبي الأثري 21.07.08 11:37

    أسأل الله تعالى ان يعين من ابتلي به من المسلمين على تركه، و بغض هذه الفتنة التي تأذت منها تقي الصدور ونقي الدور،
    هذا .. و مما زاد في انتشار هذه الفتنة ( الموبيل ) حسبي الله و نعم الوكيل في كل من اذى مسلما متعمدا

    ولا أنسى .. جزى الله ابو محمد خير الجزاء[/size
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: حكم الأغاني و الموسيقى

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 02.08.08 4:26

    10- حكم سماع الغناء والموسيقى :

    بحث المؤلف موضوع الغناء والموسيقى ابتداء من صحيفة ‏(‏218‏)‏ حتى صحيفة ‏(‏221‏)‏ وقد جانب الصواب في عدة مسائل‏:‏

    منها قوله‏:‏ ‏(‏ومن اللهو الذي تستريح إليه النفوس وتطرب له القلوب وتنعم به الآذان الغناء وقد أباحه الإسلام ما لم يشتمل على فحش أو خنا أو تحريض على إثم‏.‏ ولا بأس أن تصحبه الموسيقى غير المثيرة واستحبه في المناسبات السارة إشاعة للسرور وترويحا للنفوس وذلك كأيام العيد والعرس وقدوم الغائب وفي وقت الوليمة والعقيقة وعند ولادة المولود‏)‏‏.‏ اهـ‏.‏
    والملاحظ على هذه الجملة عدة أمور‏:‏


    الأمر الأول‏:‏ وصفه الغناء بأنه تستريح إليه النفوس وتطرب له القلوب وتنعم به الآذان وهو يريد بوصفه بهذه الأوصاف تحسينه للناس وترغيبهم في استماعه - فنقول له‏:‏ ليس الضابط في إباحة الشيء وحسنه مجرد كونه يحصل به راحة للنفوس وطرب للقلوب دون نظر إلى ما يترتب عليه من المفاسد وما يجر إليه من المضار ، وأكثر النفوس تميل إلى الباطل وتستريح إليه أفنقول إنه حلال ، كلا ، قال العلامة ابن القيم في مدارج السالكين ‏(‏1-491‏)‏‏:‏ فإن جهة كون الشيء مستلذا للحاسة ملائما لها لا يدل على إباحته ولا تحريمه ولا كراهته ولا استحبابه فإن هذه اللذة تكون فيها الأحكام الخمسة تكون في الحرام والواجب والمكروه والمستحب والمباح فكيف يستدل بها على الإباحة من يعرف شروط الدليل ومواقع الاستدلال وهل هذا إلا بمنزلة من استدل على إباحة الزنا بما يجده فاعله من اللذة وإن لذته لا ينكرها من له طبع سليم وهل يستدل بوجود اللذة والملاءمة على حل اللذيذ الملائم أحد وهل خلت غالب المحرمات من اللذات وهل أصوات المعازف التي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريمها وإن في أمته من سيستحلها بأصح إسناد وأجمع أهل العلم على تحريم بعضها وقال جمهورهم بتحريم جملتها إلا لذيذة تلذ السمع‏.‏ اهـ‏.‏

    وقال العلامة ابن الجوزي في كتاب تلبيس إبليس‏:‏ اعلم أن سماع الغناء يجمع شيئين - أحدهما أنه يلهي القلب عن التفكير في عظمة الله سبحانه والقيام بخدمته ، والثاني‏:‏ أنه يميله إلى اللذات العاجلة التي تدعو إلى استيفائها من جميع الشهوات الحسية ومعظمها النكاح وليس تمام لذته إلا في المتجددات ولا سبيل إلى كثرة المتجددات من الحل فلذلك يحث على الزنا فبين الغناء والزنا تناسب من جهة أن الغناء لذة الروح والزنا أكبر لذات النفس ولهذا جاء في الحديث‏:‏ ‏(‏الغناء رقية الزنا‏)‏‏.‏ اهـ‏.‏

    الأمر الثاني مما يلاحظ على المؤلف‏:‏ قوله عن الغناء‏:‏ ‏(‏وقد أباحه الإسلام ما لم يشتمل على فحش أو خنا أو تحريض على إثم‏)‏ فقد تخيل المؤلف خلو الغناء من هذه المفاسد وبنى على هذا التخيل الحكم بإباحته ونسب ذلك إلى الإسلام‏.‏ وهذا من المجازفة في القول ومن القول على الله بلا علم - لأن الواقع خلافه ، فاٍلإسلام ما أباح الغناء بل حرمه بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة منها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ‏}‏ الآيات ، قال العلامة ابن القيم رحمه الله‏:‏ ‏(4)‏ ويكفي تفسير الصحابة والتابعين للهو الحديث بأنه الغناء فقد صح ذلك عن ابن عباس وابن مسعود قال أبو الصهباء‏:‏ سألت ابن مسعود عن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ‏}‏ فقال‏:‏ والله الذي لا إله غيره هو الغناء يرددها ثلاث مرات‏.‏ وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا أنه الغناء - إلى أن قال - ولا تعارض بين تفسير لهو الحديث بالغناء وتفسيره بأخبار الأعاجم وملوكهم وملوك الروم ونحو ذلك مما كان النضر بن الحارث يحدث به أهل مكة يشغلهم به عن القرآن وكلاهما لهو الحديث ولهذا قال ابن عباس‏:‏ لهو الحديث الباطل والغناء - فمن الصحابة من ذكر هذا ومنهم من ذكر الآخر ومنهم من جمعهما والغناء أشد لهوا وأعظم ضررا من أحاديث الملوك وأخبارهم فإنه رقية الزنا ومنبت النفاق وشرك الشيطان وخمرة العقل‏.‏ وصده عن القرآن أعظم من صد غيره من الكلام الباطل لشدة ميل النفوس إليه ورغبتها فيه - إذا عرف هذا فأهل الغناء ومستمعوه لهم نصيب من هذا الذم بحسب اشتغالهم بالغناء عن القرآن وإن لم ينالوا جميعه فإن الآيات تضمنت ذم استبدال لهو الحديث بالقرآن ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا وإذا يتلى عليه القرآن ولى مستكبرا كأن لم يسمعه كأن في أذنيه وقرا وهو الثقل والصمم وإذا علم منه شيئا استهزأ به فمجموع هذا لا يقع إلا من أعظم الناس كفرا وإن وقع بعضه للمغنيين ومستمعيهم فلهم حصة ونصيب من هذا الذم‏.‏ اهـ‏.‏ من إغاثة اللهفان ‏(‏1-258-259‏)‏‏.‏

    ومن أدلة السنة على تحريم الغناء قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة فيقولن ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة‏)‏ رواه البخاري محتجا به - قال ابن القيم‏:‏ وفي الباب عن سهل بن سعد الساعدي وعمران بن حصين وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وأبي أمامة الباهلي وعائشة أم المؤمنين وعلي بن أبي طالب وأنس بن مالك وعبد الرحمن بن سابط والغازي بن ربيعة - ثم ساقها - رحمه الله ‏(5)‏ فكيف يزعم المؤلف مع هذا كله أن الإسلام أباح الغناء
    ذكر طرف من أقوال العلماء في تحريم الغناء


    ونذكر جملة من أقوال علماء الشريعة في حكم الغناء‏:‏

    ذكر الإمام القرطبي في تفسيره ‏(‏14-55-56‏)‏ عن الإمام مالك أنه قال في الغناء إنما يفعله عندنا الفساق‏.‏ قال وذكر أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري قال‏:‏ أما مالك بن أنس فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه وقال‏:‏ إذا اشترى جارية ووجدها مغنية كان له ردها بالعيب وهو مذهب سائر أهل المدينة إلا إبراهيم بن سعد فإنه حكى عنه زكريا الساجي أنه كان لا يرى به بأسا - إلى أن قال‏:‏ قال أبو الطيب الطبري‏:‏ وأما مذهب أبي حنيفة فإنه يكره الغناء مع إباحته شرب النبيذ ويجعل سماع الغناء من الذنوب‏.‏ وكذلك مذهب سائر أهل الكوفة - إبراهيم والشعبي وحماد والثوري وغيرهم لا اختلاف بينهم في ذلك وكذلك لا يعرف بين أهل البصرة خلاف في كراهية ذلك والمنع منه إلا ما روي عن عبيد الله بن الحسن العنبري أنه كان لا يرى به بأسا‏.‏ قال‏:‏ وأما مذهب الشافعي فقال الغناء مكروه ويشبه الباطل ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته - ثم ذكر القرطبي نقلا عن ابن الجوزي‏:‏ أن الإمام أحمد سئل عن رجل مات وخلف ولدا وجارية مغنية فاحتاج الصبي إلى بيعها فقال‏:‏ تباع على أنها ساذجة لا على أنها مغنية فقيل له إنها تساوي ثلاثين ألفا ولعلها إن بيعت ساذجة تساوي عشرين ألفا فقال لا تباع إلا أنها ساذجة‏.‏ قال أبو الفرج‏:‏ وإنما قال أحمد هذا لأن هذه الجارية المغنية لا تغني بقصائد الزهد بل الأشعار المطربة المثيرة إلى العشق وهذا دليل على أن الغناء محظور إذ لو لم يكن محظورا ما جاز تفويت المال على اليتيم وصار هذا كقول أبي طلحة للنبي صلى الله عليه وسلم عندي خمر لأيتام فقال أرقها فلو جاز استصلاحها لما أمر بتضييع مال اليتامى - قال الطبري‏:‏ فقد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏عليك بالسواد الأعظم‏)‏ ‏(‏ومن فارق الجماعة مات ميتة جاهلية‏)‏‏.‏

    قلت‏:‏ ما إباحه إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري من الغناء ليس هو كالغناء المعهود المثير للنفوس والباعث على الشوق والغرام المهلب لها من وصف الخد والعينين ورشاقة الشفتين‏.‏ تقعد المغنية أمام المذياع فتؤدي غناها بصوت رخيم يبعث على الوجد والأنات‏.‏ يسمع صوتها من بعد ومن قرب فحاشا هذين المذكورين أن يبيحا مثل هذا الغناء الذي هو في غاية الانحطاط ومنتهى الرذالة‏.‏

    ثم قال القرطبي‏:‏ قال أبو الفرج وقال القفال من أصحابنا لا تقبل شهادة المغني والرقاص‏.‏ قلت‏:‏ وإذ قد ثبت أن هذا الأمر لا يجوز فأخذ الأجرة عليه لا تجوز وقد ادعى أبو عمر بن عبد البر الإجماع على تحريم الأجرة على ذلك وقد مضى في الأنعام عند قوله‏:‏ ‏{‏وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ‏}‏ وحسبك‏.‏ اهـ كلام القرطبي وما ذكره في سورة الأنعام هو قوله ‏(‏7-3‏)‏ قال أبو عمر بن عبد البر في الكافي‏:‏ من المكاسب المجمع على تحريمها الربا ومهور البغايا والسحت والرشا وأخذ الأجرة على النياحة والغناء وعلى الكهانة وادعاء الغيب وأخبار السماء وعلى الزمر واللعب الباطل كله‏.‏ أهـ

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ‏(‏30-215‏)‏ في أثناء كلام له على ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه مر براع معه زمارة فسد أذنيه‏.‏

    قال‏:‏ الوجه السادس أنه قد ذكر ابن المنذر اتفاق العلماء على المنع من إجارة الغناء والنوح فقال‏:‏ أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال النائحة والمغنية كره ذلك الشعبي والنخعي ومالك وقال أبو ثور والنعمان ويعقوب ومحمد‏:‏ لا تجوز الإجارة على شيء من الغناء والنوح وبه نقول‏.‏

    وقال الإمام ابن القيم في إغاثة اللهفان ‏(‏1-245‏)‏ في ذكر أقوال العلماء في الغناء نقلا عما ذكره أبو بكر الطرطوشي في كتابه ‏(‏تحريم السماع‏)‏ قال‏:‏ أما مالك فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه وقال إذا اشترى جارية فوجدها مغنية كان له أن يردها بالعيب وسئل مالك رحمه الله عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال إنما يفعله عندنا الفساق - قال‏:‏ وأما أبو حنيفة فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب وكذلك مذهب أهل الكوفة سفيان وحماد وإبراهيم والشعبي وغيرهم لا اختلاف بينهم في ذلك ولا نعلم خلافا أيضا بين أهل البصرة في المنع منه قال ابن القيم‏:‏ قلت‏:‏ مذهب أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب وقوله فيه أغلظ الأقوال وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها كالمزمار والدف حتى الضرب بالقضيب وصرحوا بأنه معصية يوجب الفسق وترد به الشهادة وأبلغ من ذلك أنهم قالوا إن السماع فسق والتلذذ به كفر هذا لفظهم ورووا في ذلك حديثا لا يصح رفعه - قالوا ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مر به أو كان في جواره وقال أبو يوسف في دار يسمع منها صوت المعازف والملاهي ادخل عليهم بغير إذنهم لأن النهي عن المنكر فرض فلو لم يجز الدخول بغير إذن لامتنع الناس من إقامة الفرض - وأما الشافعي فقال في كتاب أدب القضاء‏:‏ إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل والمحال ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته وصرح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه وأنكروا على من نسب إليه حله‏.‏ إلى أن قال ابن القيم وأما مذهب الإمام أحمد فقال عبد الله ابنه‏:‏ سألت أبي عن الغناء فقال الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني ثم ذكر قول مالك‏:‏ إنما يفعله عندنا الفساق‏.‏ اهـ فهذا حكم الغناء كما تراه وكما يدل على منعه الكتاب والسنة والإجماع إلا من شذ فلا يهولنك ما عليه كثير من الناس اليوم من استباحتهم له وتساهلهم في سماعه ونسبة من أنكره إلى الجمود والتحجر وصيرورته كالمضغة في الأفواه البذيئة فليقولوا ما شاءوا فهذا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لم نكن ندعهما لقول قائل ولا إرضاء أحد من الناس كائنا من كان‏.‏
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: حكم الأغاني و الموسيقى

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 02.08.08 4:27

    وأما قول المؤلف‏:‏ ‏(‏ولا بأس أن تصحبه الموسيقى غير المثيرة‏)‏ فمعناه إباحة شيء من المعازف والمزامير والملاهي التي جاء الحديث الصحيح بتحريمها كلها والوعيد لمن استباحها في قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف‏)‏ الحديث - والمعازف جمع معزفة ويقال معزف بكسر الميم وفتح الزاي فيهما قال الجوهري‏:‏ المعازف الملاهي والعازف اللاعب بها والمغني وقد عزف عزفا‏.‏‏.‏ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ‏(‏11-576‏)‏‏:‏ مذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام‏.‏ ثبت في صحيح البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيكون من أمته من يستحل الحر والحرير والخمر والمعازف وذكر أنهم يمسخون قردة وخنازير - والمعازف هي الملاهي كما ذكر أهل اللغة جمع معزفة وهي الآلة التي يعزف بها أي يصوت بها ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعا‏.‏ ا هـ‏.‏

    وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان ‏(‏1-277-278‏)‏‏:‏ فصل في بيان تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصريح لآلات اللهو والمعازف وسياق الأحاديث في ذلك‏:‏ عن عبد الرحمن بن غنم قال حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف‏)‏ هذا حديث صحيح أخرجه البخاري في صحيحه محتجا به وعلقه تعليقا مجزوما به فقال‏:‏ ‏(‏باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه‏)‏ إلى أن قال ابن القيم‏:‏ ووجه الدلالة منه أن المعازف هي آلات اللهو كلها لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك ولو كانت حلالا لما ذمهم على استحلالها ولما قرن استحلالها باستحلال الخمر والخز - إلى أن قال‏:‏ وقال ابن ماجه في سننه حدثنا عبد الله بن سعيد عن معاوية بن صالح عن حاتم بن حريث عن ابن أبي مريم عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم قردة وخنازير‏)‏ وهذا إسناد صحيح وقد توعد مستحلي المعازف فيه بأن يخسف الله بهم الأرض ويمسخهم قردة وخنازير وإن كان الوعيد على جميع هذه الأفعال فلكل واحد قسط في الذم والوعيد‏.‏ ا هـ فتبين أنه لا يباح شيء من آلات اللهو لا موسيقى ولا غيرها والله أعلم‏.‏

    وقول المؤلف عن الغناء‏:‏ إنه استحبه الإسلام في المناسبات الخ‏.‏‏.‏‏.‏

    لا ندري من أين أخذ هذا الاستحباب والإطلاق وغاية ما في الأمر الرخصة بإنشاد شيء من الشعر للنساء والجواري خاصة في مناسبات معينة - قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ‏(‏11-565‏)‏‏:‏ ‏(‏ولكن رخص النبي صلى الله عليه وسلم في أنواع من اللهو في العرس ونحوه كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح وأما الرجال على عهده فلم يكن أحد منهم يضرب بدف ولا يصفق بكف بل ثبت عنه في الصحيح أنه قال‏:‏ ‏(‏التصفيق للنساء والتسبيح للرجال‏)‏ ولعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء ولما كان الغناء والضرب بالدف من عمل النساء كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثا ويسمون الرجال المغنين مخانيث وهذا مشهور في كلامهم ومن هذا الباب حديث عائشة رضي الله عنها لما دخل عليها أبوها رضي الله عنه في أيام العيد وعندها جاريتان تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث فقال أبو بكر رضي الله عنه‏:‏ ‏(‏أبمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معرضا بوجهه عنهما مقبلا بوجهه الكريم إلى الحائط فقال‏:‏ دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا أهل الإسلام‏)‏ ففي هذا الحديث بيان أن هذا لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الاجتماع عليه ولهذا سماه الصديق مزمار الشيطان والنبي صلى الله عليه وسلم أقر الجواري في الأعياد كما في الحديث‏:‏ ‏(‏ليعلم المشركون أن في ديننا فسحة‏)‏ وكان لعائشة لعب تلعب بهن ويجئن صواحباتها من صغار النسوة يلعبن معها‏.‏ وليس في حديث الجاريتين أن النبي صلى الله عليه وسلم استمع إلى ذلك والأمر والنهي إنما يتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع كما في الرؤية فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية لا بما يحصل منها بغير الاختيار‏.‏ ا هـ‏.‏
    الجواب عن الشبه التي تعلق بها المؤلف لإباحة الغناء



    ثم نقل المؤلف‏:‏ عن الغزالي أنه ذكر في كتاب الإحياء أحاديث غناء الجاريتين ولعب الحبشة في مسجده صلى الله عليه وسلم وتشجيع النبي صلى الله عليه وسلم لهم بقوله‏:‏ ‏(‏دونكم يا بني أرفدة‏)‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة‏:‏ تشتهين أن تنظري ووقوفه حتى تمل هي وتسأم ولعبها بالبنات هي مع صواحبها - ثم قال فهذه الأحاديث كلها في الصحيحن وهي نص صريح في أن الغناء واللعب ليس بحرام - الخ ما نقل‏.‏

    والمؤلف موافق للغزالي في استدلاله بهذه الأحاديث على إباحة الغناء مطلقا لأنه ساق كلامه مستشهدا به ومقررا له ، ولا يخفى أن هذه الأحاديث لا تدل بوجه من الوجوه على إباحة الغناء وإليك بيان ذلك‏:‏

    أما حديث لعب الحبشة فليس فيه ذكر الغناء أصلا إنما فيه أنهم كانوا يلعبون بحرابهم ودرقهم وذلك جائز بل قد يكون مستحبا لما فيه من التدريب على استعمال آلات الحرب والتمرن على الجهاد‏.‏

    قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم ‏(‏6-184‏)‏ فيه جواز اللعب بالسلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد‏.‏ ا هـ‏.‏

    وقد ترجم عليه البخاري في صحيحه‏:‏ ‏(‏باب الحراب والدرق يوم العيد‏)‏

    قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ‏(‏2-304‏)‏ واستدل به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التواثب للتدريب على الحرب والتنشيط عليه واستنبط منه جواز المثاقفة لما فيها من تمرين الأيدي على آلات الحرب‏.‏ ا هـ‏.‏

    هذا ما فهمه هؤلاء الأئمة الأجلاء من حديث لعب الحبشة وهو الذي دل عليه الحديث لا ما فهمه الغزالي والمؤلف‏.‏ والله أعلم

    وأما حديث غناء الجاريتين فلا دلالة فيه أيضا على إباحة الغناء لأنه يدل على وقوع إنشاد شيء من الشعر العربي في وصف الحرب من جاريتين صغيرتين في يوم عيد - قال العلامة ابن القيم في مدارج السالكين ‏(‏1-493‏)‏‏:‏ وأعجب من هذا استدلالكم على إباحة السماع المركب مما ذكرنا من الهيئة الاجتماعية بغناء بنتين صغيرتين دون البلوغ عند امرأة صبية في يوم عيد وفرح بأبيات من أبيات العرب في وصف الشجاعة والحروب ومكارم الأخلاق والشيم فأين هذا من هذا ‏؟‏ والعجب أن هذا الحديث من أكبر الحجج عليهم فإن الصديق الأكبر رضي الله عنه سمى ذلك مزمورا من مزامير الشيطان وأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه التسمية ورخص فيه لجويريتين غير مكلفتين ولا مفسدة في إنشادهما ولا استماعهما أفيدل هذا على إباحة ما تعملونه وتعلمونه من السماع المشتمل على ما لا يخفى فسبحان الله كيف ضلت العقول والأفهام‏.‏ ا هـ‏.‏

    وقال ابن الجوزي في كتاب تلبيس إبليس صفحة ‏(‏217‏)‏‏:‏ والظاهر من هاتين الجاريتين صغر السن لأن عائشة كانت صغيرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرب إليها الجواري فيلعبن معها - ثم ذكر بسنده عن أحمد بن حنبل أنه سئل أي شيء هذا الغناء قال غناء الركب‏:‏ أتيناكم أتيناكم ثم قال ابن الجوزي في صفحة ‏(‏229‏)‏ من الكتاب المذكور‏:‏ أما حديث عائشة رضي الله عنها فقد سبق الكلام عليهما وبينا أنهم كانوا ينشدون الشعر وسمي بذلك غناء لنوع يثبت في الإنشاد وترجيع ومثل ذلك لا يخرج الطباع عن الاعتدال وكيف يحتج بذلك في الزمان السليم عند قلوب صافية على هذه الأصوات المطربة الواقعة في زمان كدر عند نفوس قد تملكها الهوى ما هذا إلا مغالطة للفهم أوليس قد صح في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد‏.‏ وإنما ينبغي للمفتي أن يزن الأحوال كما ينبغي للطبيب أن يزن الزمان والسن والبلد ثم يصف على مقدار ذلك وأين الغناء بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث من غناء أمرد مستحسن بآلات مستطابة وصناعة تجذب إليها النفس وغزليات يذكر فيها الغزال والغزالة والخال‏.‏ والخد والقد والاعتدال‏.‏ فهل يثبت هناك طبع هيهات بل ينزعج شوقا إلى المستلذ ولا يدعي أنه لا يجد ذلك إلا كاذب أو خارج عن حد الآدمية - إلى أن قال‏:‏ وقد أجاب أبو الطيب الطبري عن هذا الحديث بجواب آخر - فأخبرنا أبو القاسم الجريري عنه أنه قال‏:‏ هذا الحديث حجتنا لأن أبا بكر سمى ذلك مزمور الشيطان ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر قوله إنما منعه من التغليظ في الإنكار لحسن رفعته لا سيما في يوم العيد وقد كانت عائشة رضي الله عنها صغيرة في ذلك الوقت ولم ينقل عنها بعد بلوغها وتحصيلها إلا ذم الغناء وقد كان ابن أخيها القاسم بن محمد يذم الغناء ويمنع من سماعه وقد أخذ العلم عنها‏.‏ ا هـ‏.‏


    وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ‏(‏6-182‏)‏ قال القاضي‏:‏ إنما كان غناؤهما بما هو من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة والظهور والغلبة وهذا لا يهيج الجواري على شر ولا إنشادهما لذلك من الغناء المختلف فيه إنما هو رفع الصوت بالإنشاد ولهذا قالت وليستا بمغنيتين أي ليستا ممن يتغنى بعادة المغنيات من التشويق والهوى والتعريض بالفواحش والتشبيب بأهل الجمال وما يحرك النفوس ويبعث الهوى والغزل كما قيل الغناء فيه الزنا وليستا أيضا ممن اشتهر وعرف بإحسان الغناء الذي فيه تمطيط وتكسير وعمل يحرك الساكن ويبعث الكامن ولا ممن اتخذ ذلك صنعة وكسبا والعرب تسمي الإنشاد غناء‏.‏ ا هـ‏.‏

    وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ‏(‏2-442-443‏)‏‏:‏ واستدل جماعة من الصوفية بحديث الباب ‏(‏يعني حديث غناء الجاريتين‏)‏ على إباحة الغناء وسماعه بآلة وبغير آلة ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة في الحديث الذي في الباب بعده بقولها‏:‏ ‏(‏وليستا بمغنيتين‏)‏ فنفت عنهما بطريق المعنى ما أثبته لهما اللفظ لأن الغناء يطلق على رفع الصوت وعلى الترنم الذي تسميه الأعراب النَّصْب بفتح النون وسكون المهملة وعلى الحداء ولا يسمى فاعله مغنيا‏.‏ وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح ، قال القرطبي‏:‏ قولها ‏(‏ليستا بمغنيتين‏)‏ أي ليستا ممن يعرف بالغناء كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك وهذا منها تحرز من الغناء المعتاد عند المشتهرين به وهو الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن - إلى أن قال‏:‏ وأما التفافه صلى الله عليه وسلم بثوبه ففيه إعراض عن ذلك لكون مقامه يقتضي أن يرتفع عن الإصغاء إلى ذلك لكن عدم إنكاره دال على تسويغ مثل ذلك على الوجه الذي أقره إذ لا يقر على باطل والأصل التنزه عن اللعب واللهو فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتا وكيفية تقليلا لمخالفة الأصل - والله أعلم‏.‏ ا هـ‏.‏

    فاتضح من هذه النقول عن هؤلاء الأئمة في معنى هذا الحديث أنه لا يدل بوجه من الوجوه على ما ادعاه الغزالي والمؤلف القرضاوي من إباحة الغناء مطلقا والله أعلم‏.‏

    وقول المؤلف‏:‏ وقد روي عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم استمعوا الغناء ولم يروا بسماعه بأسا‏.‏ هذا دعوى منه ونحن نطالبه بإبراز الأسانيد الصحيحة إلى هؤلاء الصحابة والتابعين بإثبات ما نسبه إليهم ‏(6) وأن هذا الغناء المنسوب إليهم استماعه هو من جنس ما يغني هؤلاء من إلهاب النفوس الباعث على الوجد والغرام والمشتمل على أوصاف المحاسن من النساء وأنى له ذلك ومجرد الدعوى لا يثبت به حكم
    والدعاوى إذا لم يقيموا بينات ** عليها أهلها أدعياء
    اعتراض المؤلف على أدلة تحريم الغناء والجواب عنه



    يلاحظ على المؤلف في هذا الموضوع قوله عن أدلة تحريم الغناء‏:‏ ‏(‏وأما ما ورد فيه من أحاديث نبوية فكلها مثخنة بالجراح لم يسلم منها حديث من طعن عند فقهاء الحديث وعلمائه‏)‏‏.‏
    ونجيب عن قوله هذا من عدة وجوه‏:‏



    الوجه الأول‏:‏ أن نقول إن أدلة تحريم الغناء ليست مقصورة على الأحاديث فقط بل هناك أدلة على تحريمه من القرآن الكريم منها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ‏}‏ الآية وقد تقدم الكلام عليها‏.‏ ومنها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ‏}‏ الآية عن مجاهد قال‏:‏ استزل منهم من استطعت‏.‏ قال وصوته الغناء والباطل‏.‏ قال ابن القيم في إغاثة اللهفان‏:‏ وهذه الإضافة إضافة تخصيص كما أن إضافة الخيل والرجل إليه كذلك‏.‏ فكل متكلم في غير طاعة الله أو مصوت بيراع أو مزمار أو دف حرام أو طبل فذلك صوت الشيطان‏.‏ وكل ساع في معصية الله على قدميه فهو من رجله وكل راكب في معصية الله فهو من خيالته كذلك قال السلف كما ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏قال رجله كل رجل مشت في معصية الله‏.‏ ا هـ‏)‏ ‏(7)

    ومنها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ‏.‏ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ‏.‏ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ‏}‏ قال عكرمة عن ابن عباس السمود الغناء في لغة حمير يقال اسمدي لنا أي غني وقال عكرمة كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا فنزلت هذه الآية وقال ابن كثير رحمه الله وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنتُمْ سَامِدُونَ‏}‏ قال سفيان الثوري عن أبيه عن ابن عباس قال‏:‏ الغناء - هي يمانية - اسمد لنا غن لنا وكذا قال عكرمة‏.‏ ا هـ إلى غير ذلك من الآيات‏.‏
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: حكم الأغاني و الموسيقى

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 02.08.08 4:28

    الوجه الثاني‏:‏ أن نقول للمؤلف من هم فقهاء الحديث وعلماؤه الذين طعنوا في الأحاديث الواردة في تحريم الغناء سمهم لنا هل هم البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل وأبو داود والترمذي والنسائي ويحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم وأمثالهم من أئمة الجرح والتعديل أم هم ناس غير هؤلاء ممن يبيح الغناء ‏(8)

    الوجه الثالث‏:‏ أن نقول للمؤلف إن الأحاديث الواردة في تحريم الغناء ليست مثخنة بالجراح كما زعمت بل منها ما هو في صحيح البخاري الذي هو أصح كتاب بعد كتاب الله‏.‏ ومنها الحسن ومنها الضعيف وهي على كثرتها وتعدد مخارجها حجة ظاهرة وبرهان قاطع على تحريم الغناء والملاهي (9)
    زعم المؤلف أن العلماء ما حرموا الغناء إلا لاقترانه بمحرمات والجواب عنه



    ثم قال المؤلف‏:‏ وقد اقترن الغناء والموسيقى بالترف ومجالس الخمر والسهر الحرام مما جعل كثيرا من العلماء يحرمونه أو يكرهونه‏.‏‏.‏ الخ ما قال‏.‏

    وجوابنا عن ذلك أن نقول‏:‏ ليس تحريم العلماء للغناء من أجل اقترانه بهذه الأشياء فقط بل إن تحريمهم له من أجل الأدلة على تحريمه في نفسه ولو لم يقترن بهذه الأشياء التي ذكرتها‏.‏ فهذا الذي قاله المؤلف ادعاء منه على العلماء أنهم ما حرموه إلا من أجل ذلك وهو ادعاء مردود‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏(‏ومن المتفق عليه أن الغناء يحرم إذا اقترن بمحرمات أخرى كأن يكون في مجلس شراب أو تخالطه خلاعة أو فجور فهذا هو الذي أنذر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله وسامعيه بالعذب الشديد حين قال ‏(10) ‏:‏ ‏(‏ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير‏)‏‏.‏

    والجواب عن هذه الجملة كالجواب عن الجملة التي قبلها‏:‏ إن الغناء حرام ولو لم يقترن به محرم آخر‏.‏ كما أن شرب الخمر المذكور في الحديث الذي ساقه المؤلف حرام ولو لم يكن معه غناء‏.‏ قال العلامة الشوكاني في نيل الأوطار ‏(‏8-107‏)‏ مجيبا على هذه الدعوى ما نصه‏:‏ ‏(‏ويجاب بأن الاقتران لا يدل على أن المحرم هو الجمع فقط وإلا لزم أن الزنا المصرح به في الحديث ‏(‏يريد حديث‏:‏ ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف‏)‏ لا يحرم إلا عند شراب الخمر واستعمال المعازف واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله‏.‏ وأيضا يلزم مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ‏.‏ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ‏}‏ أنه لا يحرم عدم الإيمان بالله إلا عند عدم الحض على طعام المسكين فإن قيل تحريم مثل هذه الأمور المذكورة في الإلزام قد علم من دليل آخر فيجاب بأن تحريم المعازف قد علم من دليل آخر أيضا كما سلف‏.‏ ا هـ‏.‏
    اعتراضه على تفسير لهو الحديث بالغناء والجواب عنه



    ثم قال فضيلة المؤلف‏:‏ قال بعضهم‏:‏ ‏(‏إن الغناء من لهو الحديث المذكور في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ‏}‏ وقال ابن حزم إن الآية ذكرت صفة من فعلها كان كافرا بلا خلاف إذا اتخذ سبيل الله هزوا لكان كافرا فهذا هو الذي ذم الله عز وجل‏.‏ وما ذم سبحانه قط من اشترى لهو الحديث ليتلهى به ويروح به نفسه لا ليضل عن سبيل الله‏)‏
    والجواب عن هذا من وجوه‏:‏



    الوجه الأول‏:‏ أن قول المؤلف‏:‏ ‏(‏وقال بعضهم إن الغناء من لهو الحديث‏)‏ بهذه الصيغة يفيد التقليل من شأن هذا القول وتضعيفه وتجاهل من قال به من أكابر الصحابة والتابعين كابن عباس وابن عمر وابن مسعود ومجاهد والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والنخعي‏.‏ كما يأتي بيانه وهذا خطأ بين‏.‏

    قال القرطبي في تفسيره‏:‏ ‏(‏ولهو الحديث‏)‏‏:‏ الغناء في قول ابن مسعود وابن عباس وغيرهما‏.‏ إلى أن قال‏:‏ قال ابن عطية وبهذا فسر ابن مسعود وابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد وذكره أبو الفرج بن الجوزي عن الحسن وسعيد بن جبير وقتادة والنخعي‏.‏ ثم قال القرطبي قلت‏:‏ هذا أعلى ما قيل في هذه الآية وحلف على ذلك ابن مسعود بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات أنه الغناء روى سعيد بن جبير عن أبي الصهباء البكري قال‏:‏ سئل عبد الله بن مسعود عن قوله تعالى ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ‏}‏ فقال الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات وعن ابن عمر أنه الغناء وكذلك قال عكرمة وميمون بن مهران ومكحول‏.‏ وروى شعبة وسفيان عن الحكم وحماد عن إبراهيم قال‏:‏ قال عبد الله بن مسعود‏:‏ الغناء ينبت النفاق في القلب‏.‏ وقاله مجاهد وزاد أن لهو الحديث في الآية الاستماع إلى الغناء وإلى مثله من الباطل‏.‏ وقال الحسن‏:‏ ‏(‏لهو الحديث‏)‏‏:‏ المعازف والغناء‏.‏ ثم ذكر القرطبي الأقوال الأخرى في تفسير الآية ثم قال‏:‏ قلت‏:‏ القول الأول أولى ما قيل به في هذا الباب للحديث المرفوع وقول الصحابة والتابعين فيه‏.‏ ا هـ‏.‏

    الوجه الثاني‏:‏ أن نقول وبما تقدم من ذكر من فسر ‏{‏لَهْوَ الْحَدِيثِ‏}‏ بالغناء من أجلاء الصحابة والتابعين يحصل الجواب عما نقله المؤلف عن ابن حزم من تفسيره الآية بما يخالف ذلك فيقال من هو ابن حزم وما تفسيره بجانب هؤلاء وتفسيرهم حتى يقابله بهم - نقول هذا مع إجلالنا لابن حزم واعترافنا بمكانته العلمية - لكن لا نتابعه على خطأ ولا نقدم قوله على قول من هو أجل منه لا سيما من الصحابة والتابعين‏.‏ قال العلامة ابن القيم‏:‏ ويكفي تفسير الصحابة والتابعين للهو الحديث بأنه الغناء ‏,‏ إلى أن قال‏:‏ قال الحاكم أبو عبد الله في التفسير من كتاب المستدرك‏:‏ ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل هو عند الشيخين حديث مسند وقال في موضع آخر من كتابه هو عندنا في حكم المرفوع ، وهذا وإن كان فيه نظر فلا ريب أنه أولى بالقبول من تفسير من بعدهم فهم أعلم الأمة بمراد الله عز وجل في كتابه فعليهم نزل وهم أول من خوطب به من الأمة وقد شاهدوا التفسير من الرسول صلى الله عليه وسلم علما وعملا وهم العرب الفصحاء على الحقيقة فلا يعدل عن تفسيرهم ما وجد إليه سبيل ا هـ من إغاثة اللهفان‏.‏ وبه وبما قبله من القول تعلم أن تفسير ‏{‏لَهْوَ الْحَدِيثِ‏}‏ بالباطل دخل الغناء دخولا أوليا فيه كما لا يخفى والله أعلم‏.‏
    هل يكون الغناء مقويا على طاعة الله ‏؟‏



    ثم نقل المؤلف عن ابن حزم أنه قال‏:‏ ‏(‏فمن نوى بالغناء عونا على معصية الله فهو فاسق وكذلك كل شيء غير الغناء ومن نوى ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن وفعله هذا من الحق ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه كخروج الإنسان إلى بستانه متنزها وقعوده على باب داره متفرجا وصبغة ثوبه لازورديا أو أخضر أو غير ذلك‏)‏ ا هـ‏.‏

    والجواب‏:‏ أن هذا الكلام من ابن حزم مبني على مذهبه أن الغناء حلال له حكم سائر المباحات وقد علمنا أن هذا مذهب باطل ترده الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة الدالة على تحريم الغناء واستماعه فلا يلتفت إليه‏.‏ وعده استماع الغناء مما يتقوى به على طاعة الله وأنه من الحق هو من قلب الحقائق والمغالطة الواضحة لأن الغناء على العكس مما ذكر يصد عن طاعة الله ويضل عن سبيل الله كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏ ولهو الحديث هو الغناء كما تقدم بيانه فقوله هذا مصادم للآية الكريمة والاستماع الذي يستعان به على طاعة الله هو الاستماع إلى القرآن الكريم‏.‏ قال العلامة ابن القيم في مدارج السالكين‏:‏ ‏(‏1-485‏)‏ والمقصود أن سماع خاصة الخاصة المقربين هو سماع القرآن بالاعتبارات الثلاثة إدراكا وفهما وتدبرا وإجابة‏.‏ وكل سماع في القرآن مدح الله أصحابه وأثنى عليهم وأمر به أولياءه فهو هذا السماع وهو سماع الآيات لا سماع الأبيات وسماع القرآن لا سماع مزامير الشيطان وسماع كلام رب الأرض والسماء لا سماع قصائد الشعراء وسماع المراشد لا سماع القصائد وسماع الأنبياء والمرسلين لا سماع المغنيين والمطربين - إلى أن قال‏:‏ ويا لله العجب أي إيمان ونور وبصيرة وهدى ومعرفة تحصل باستماع أبيات بألحان وتوقيعات لعل أكثرها قيلت فيما هو محرم يبغضه الله ورسوله ويعاقب عليه - إلى أن قال‏:‏ فكيف يقع لمن له أدنى بصيرة وحياة قلب أن يتقرب إلى الله ويزداد إيمانا وقربا منه وكرامة عليه بالتذاذه بما هو بغيض إليه مقيت عنده يمقت قائله والراضي به وتترقى به الحال حتى يزعم أن ذلك أنفع لقلبه من سماع القرآن والعلم النافع وسنة النبي صلى الله عليه وسلم يا لله إن هذا القلب مخسوف به منكوس لم يصلح لحقائق القرآن وأذواق معانيه ومطالعة أسراره فبلاه بقراءة الشيطان كما في معجم الطبراني وغيره مرفوعا وموقوفا ‏(‏إن الشيطان قال يا رب اجعل لي قرآنا قال قرآنك الشعر قال اجعل لي كتابا قال كتابك الوشم قال اجعل لي مؤذنا قال مؤذنك المزمار قال اجعل لي بيتا قال بيتك الحمام قال اجعل لي مصائد قال مصائدك النساء قال اجعل لي طعاما قال طعامك ما لم يذكر عليه اسمي‏)‏ والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏ انتهى‏.‏

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ‏(‏11- ابتداء من صفحة 557‏)‏ ما نصه‏:‏ فأما السماع الذي شرعه الله تعالى لعباده وكان سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم يجتمعون عليه لصلاح قلوبهم وزكاة نفوسهم فهو سماع آيات الله تعالى وهو سماع النبيين والمؤمنين وأهل العلم والمعرفة‏.‏

    إلى أن قال‏:‏ وبهذا السماع أمر الله تعالى كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏}‏ وعلى أهله أثنى كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَبَشِّرْ عِبَادِ‏.‏ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ‏}‏ إلى أن قال‏:‏ ‏{‏وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ‏}‏ إلى أن قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وهذا هو السماع الذي شرعه الله لعباده في صلاة الفجر والعشاء وغير ذلك وعلى هذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتمعون وكانوا إذا اجتمعوا أمروا واحدا منهم يقرأ والباقون يستمعون‏.‏ وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأبي موسى ذكرنا ربنا فيقرأ وهم يستمعون‏.‏ وهذا هو السماع الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يشهده مع أصحابه ويستدعيه منهم‏.‏ ثم ذكر حديث عبد الله بن مسعود حين أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليه القرآن‏.‏ إلى أن قال‏:‏ وبذلك يحتج عليهم يوم القيامة كما قال تعالى ‏{‏يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي‏}‏ إلى أن قال‏:‏ وهذا السماع له آثار إيمانية من المعارف القدسية والأحوال الذكية يطول شرحها ووصفها وله آثار محمودة من خشوع القلب ودموع العين واقشعرار الجلد وهذا مذكور في القرآن ثم قال وبالجملة فهذا السماع هو أصل الإيمان‏.‏ ثم قال‏:‏ وبالجملة فقد عرف من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لصالحي أمته وعبادهم وزهادهم أن يجتمعوا على استماع الأبيات الملحنة مع ضرب بالكف أو ضرب بالقديد والدف كما لم يبح لأحد أن يخرج عن متابعة واتباع ما جاء به من الكتاب والحكمة لا في باطن الأمر ولا في ظاهره ولا لعامي ولا لخاصي‏.‏ إلى أن قال‏:‏ ولهذا يوجد من اعتاده واغتذى به ‏[‏يعني الغناء‏]‏ لا يحن إلى سماع القرآن ولا يفرح به ولا يجد في سماع الآيات كما يجد في سماع الأبيات بل إذا سمع القرآن سمعوه بقلوب لاهية وألسن لاغية وإذا سمعوا المكاء والتصدية خشعت الأصوات وسكنت الحركات وأصغت القلوب وتعاطت المشروب‏.‏ ثم قال رحمه الله في موضع آخر‏:‏ فلما كان هذا السماع لا يعطي بنفسه ما يحبه الله ورسوله من الأحوال والمعارف بل قد يصد عن ذلك ويعطي ما لا يحبه الله ورسوله أو ما يبغضه الله ورسوله لم يأمر الله به ولا رسوله ولا سلف الأمة ولا أعيان مشائخها‏.‏ وبالجملة فعلى المؤمن أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئا يقرب إلى الجنة إلا وقد حدث به ولا شيئا يبعد عن النار إلا وقد حدث به وإن هذا السماع لو كان مصلحة لشرعه الله فإن الله يقول‏:‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً‏)‏ وإذا وجد فيه منفعة لقلبه ولم يجد شاهد ذلك لا من الكتاب ولا من السنة لم يلتفت إليه‏.‏ اهـ المقصود من كلامه رحمه الله‏.‏

    وأما قول ابن حزم عن الغناء‏:‏ ومن لم ينو طاعة ‏(‏أي بسماع الغناء‏)‏ ولا معصية فهو لغو معفو عنه كخروج الإنسان إلى بستانه وجلوسه على بابه وصبغه لثوبه‏.‏‏.‏

    فنجيب عنه‏:‏ بأن هذا قياس مع الفارق لأنه قياس محرم على مباح وقياس ما فيه مضره على ما لا ضرر فيه - إلى غير ذلك من الفوارق فهو قياس باطل - والعجب أن ابن حزم لا يقول بالقياس وينكره فكيف يقيس هنا هذا القياس الفاسد‏.‏



    من كتاب

    "الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام"

    للعلامة الفوزان - حفظه الله تعالى
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: حكم الأغاني و الموسيقى

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 24.04.09 9:55

    أدلة تحريم الغناء والموسيقى والمعازف العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه
    ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه
    أولا:قال الله تعالى ألم تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذهاهزوا أولئك لهم عذاب مهين)سورةلقمان1-6قال بن كثير رحمه الله (ذكر ربنا في أول السورة حال السعداء الذين يهتدون بكتاب الله وينتفعون بسماعه ثم ذكر بعدها حال الأشقياء الذين أقبلوا على المزامير والغناء والألحان ولآلات الطرب كما قال بن مسعود عندما سئل عن معنى لهو الحديث قال:هو الغناء والله الذي لا اله الا هو يرددها ثلاث مرات وكذلك ثبت عن بن عباس ترجمان القرآن رضي الله عنهما أنه قال : لهو الحديث هو الغناء وأشباهه وقال بن عمر :إنه الغناء
    ثانيا:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
    1-ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف صحيح البخاري
    2-ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ويضرب على رؤوسهم بالمعازف والينات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم قردة وخنازير صحيح الجامع الصغير للألباني
    3-في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف فقال رجل من المسلمين:يا رسول الله ومتى ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور صحيح الجامع وجامع الترمذي
    4-إن الله بعثني رحمة للعالمين وأمرني أن أمحق المزامير والكبارات مسند أحمد وهو صحيح
    5-إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين:صوت عند نغمة(لهو ولعب ومزامير شيطان)وصوت عند مصيبة(خمش وجوه وشق جيوب ورنه الترمذي وقال حديث حسن
    ثالثا:قول الصحابة:
    قال أبو بكر رضي الله عنه:أمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟وقد سمعه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل له :لا لإنه ليس مزمار الشيطان ولكنه قال له دعهما لفإنه اليوم عيد لأن اليوم عيد ولأن الجاريتين صغيرتين تغنيان بغير معازف كلاما في الشجاعة والحرب متفق عليه
    قال بن مسعودرضي الله عنه: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع سنن أبي داود
    قال بن عباس:الغناء من الباطل وقال جابر :الغناء حرام
    قول التابعين ومذاهب العلماء
    قال الحسن البصري:نزلت هذه الآيه في الغناء والمزامير (يعني قوله تعالى ومن الناس من يشتري لهو الحديث)
    وقال الفضيل بن عياض:الغناء هو رقية الزنا وقال الضحاك:الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب
    1-مذهب أبي حنيفة:أنه من الذنوب
    مذهب مالك:قال إنما يفعله عندنا الفساق
    مذهب الشافعي:قال في كتاب القضاء: الغناء لهو مكروه يشبه الباطل ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته. وقد صرح أصحابه العارفين بمعنى كلامه وبمذهبه أن الكراهه هنا كراهة تحريم كالقاضي أبي الطيب الطبري وأبي اسحق وابن الصباع والنووي وكلهم قالوا: مذهب الشافعي أن الغناء حرام
    مذهب أحمد: قال الغناء ينبت النفاق في القلب وذكر قول مالك : إنما يفعله عندنا الفساق
    تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة لكنه إطراق ساه لاهي
    وأتى الغناء فكالحمير تناهقوا والله ما رقصوا لأجل الله
    يا عصبة ما خان دين محمد وخفى عليه وضره إلا هي
    ثقل الكتاب عليهم لما رأوا تقييده بأوامر ونواهي
    إن لم يكن خمر الجسوم فإنه خمر العقول مماثل ومضاهي
    فانظر إلى النشوان عند شرابه وانظر إلى النسوان عند ملاهي
    وانظر إلىتمزيق ذا أثوابه من بعد تمزيق الفؤاد اللاهي
    واحكم فأي الخمرتين أحق با لتحريم والتأثيم عند الله؟
    برأنا إلى الله من معشر بهم مرض من سماع الغنا
    وكم قلت:يا قوم أنتم على شفا جرف ما به من بنا
    شفا جرف تحته هوة إلى درك كم به من عناء
    وتكرار ذا النصح منا لهم لنعذر فيهم إلى ربنا
    فلما إستهانوا بتنبيهنا رجعنا إلى الله في أمرنا
    فعشنا على سنة المصطفى وماتوا على تن تنا تن تنا


    ومن أراد معرفة المزيد مع الاختصار فليراجع كتاب إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان للعلامة بن القيم وكتاب ففروا ألى الله للشيخ أبي ذر القلموني
    وكتب التفسير والحديث

    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

    والنقل
    لطفـــــــــــاً .. من هنـــــــــــــــا
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: حكم الأغاني و الموسيقى

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 05.05.09 10:19

    لماذا حرم الإسلام الموسيقى؟

    لفضيلة الشيخ
    محمد بن صالح العثيمين
    -رحمه الله تعالى-

    رابط تنزيل

    والنقل
    لطفاً من هنا

      الوقت/التاريخ الآن هو 14.11.24 18:43