غزوة الأحزاب
لسماحة الشيخ
محمد بن صالح العثيمين
ـ رحمه الله تعالى .
لسماحة الشيخ
محمد بن صالح العثيمين
ـ رحمه الله تعالى .
الحمد لله الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وعد بالنصر من ينصره بإقامة دينه وإعلاء قوله وجعل لذلك وجعل لذلك النصر أسبابا ليشمر ليشمر إليها من أراده من خلقه: (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وله عاقبة الأمور) واشهد أن لا آله إلا الله وحده لا شريك له له الملك كله وله الحمد كله وهو على كل شيء قدير وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه الله تعالي رحمة للعالمين وقدوة للعاملين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد
فانه في هذا الشهر شهر شوال من السنة الخامسة من الهجرة كانت غزوة الأحزاب التي ذكرها الله تعالي في سورة الأحزاب وكان فيها أن قريشا تألبوا على النبي صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتوا إلى المدينة وكان من جملة من ساعدهم على ذلك يهود بني قريظة الذين الذين نقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فغزاهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد أن رجع من الأحزاب في أوائل شهر ذي القعدة من العام من العام الخامس من الهجرة النبوية
وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين قدم المدينة عاهد القبائل الثلاث من اليهود وهم بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة قدمت هذه القبائل من الشام إلى المدينة لأنها أي المدينة هي البلدة التي ينطبق عليها وصف مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل (يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إثرهم والأغلال التي كانت عليهم)
جاءت هذه القبائل إلى المدينة لتتلقى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولتنصره وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا
ولكن ولكن عزيمتهم انتقضت وحالهم تغيرت حين جد الجد وبعث النبي صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن به من اليهود إلا القليل مثل عبد الله بن سلام رضي الله عنه ولما قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة عقد معهم عهد أمان ألا يحاربهم ولا يخرجهم من ديارهم وان ينصروه إن دهمهم عدو بالمدينة وألا يعينوا عليه أحدا هذه أربع نقاط كان العهد عليها
ولكن اليهود وهم أهل الغدر والخيانة نكثوا هذا العهد خيانة وحسدا فقد نقضت كل قبيلة عهدها اثر إثر كل غزوة كبيرة وقعت من النبي صلى الله عليه وسلم
ففي غزوة بدر وهي في السنة الثانية من الهجرة اظهر بنو قينقاع العداوة والبغضاء للمسلمين واعتدوا على امرأة من الأنصار فدعى النبي صلى الله عليه وسلم كبارهم وحذرهم من عاقبة الغدر والخيانة والبغي
ولكن ولكن ردوا عليه ابشع رد فقالوا يا محمد لا يغرنك من قومك ما لقيت يعنون قريشا في بدر حين هزمهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال اليهود فان قومك ليسوا بأهل حرب ولو لقيتنا لعلمت أننا نحن الناس
وكانت هذه القبيلة بنو قينقاع حلفاء للخزرج فقام عبادة بن الصامت الخزرجي رضي الله عنه فتبرأ من حلفهم ولاية لله ورسوله وعداء لأعداء الله ورسوله لإيمانهم بالله ورسوله أما عبد الله بن أبي الخزرجي رأس المنافقين فانه لنفاقه وكفره باطنا تشبث بمحالفه هؤلاء اليهود ودافع عنهم وقال إني اخشي الدوائر فأبطن اليهود الشر وتحصنوا بحصونهم
فحاصرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بضع عشرة ليلية حتى نزلوا على حكمه فهم بقتلهم ولكن استقر الأمر بعد ذلك على أن يجلوا من المدينة بأنفسهم وذريتهم ونساءهم ويدعو أموالهم غنيمة للمسلمين فجلوا إلى الشام وكان ذلك في ذي القعدة سنة اثنتين من الهجرة وفي غزوة أحد وهي في السنة الثالثة من الهجرة في شوال نكث بنو النضير العهد الذي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فبينما كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أسواقهم مع بعض أصحابه تأمروا على قتله وقال بعضهم لبعض إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذي فأنتدب أحدهم إلى أن يصعد على إحدى سطوح بيوتهم فيلقي على النبي صلى الله عليه وسلم صخرة من فوقها
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم الخبر من الله فرجع من فوره إلى المدينة وأرسل إلى وأرسل إلى اليهود يخبرهم بنكثهم العهد ويأمرهم بالخروج من جواره وبلده
فتهيأ القوم للرحيل لعلمهم بما جرى لإخوانهم بني قينقاع ولكن الذين نافقوا بعثوا إليهم يحرضونهم على البقاء ويعدونهم بالنصر ويقولون لان أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وان قوتلتم لننصرنكم
فاغتر اليهود بهذا الوعد من أهل النفاق ومتى صدق الوعد أهل النفاق إن المنافقين هم الكاذبون هم القادرون ولهذا قال الله عز وجل: ( والله يشهد إنهم لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون )
فاغتر اليهود بهذا الوعد الكاذب الذي شهد الله بكذبه فلم ينصاعوا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالرحيل
فتهيأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لقتالهم وخرج إليهم فحاصرهم في ديارهم فقذف الله في قلوبهم الرعب فطلبوا من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يكف عن دماءهم وأن يجليهم على أن لهم ما حملت إبلهم من الأموال إلا السلاح فأجابهم إلى ذلك
فخرجوا من بيوتهم بعد أن خربوها حسدا للمسلمين أن يسكنها أحدا منهم أن يسكنها أحدا منهم من بعدهم ثم تفرقوا فمنهم من ذهب إلى الشام ومنهم من إستوطن خيبر وما زال ألم هذه النكبة في قلوبهم حتى ذهب جمع من أشرافهم إلى مشركي العرب من قريش وغيرهم يحرضونهم على حرب النبي صلى الله عليه وسلم ويعدونهم النصر
فتألبت الأحزاب من قريش وغيرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمعوا لقتاله في نحو عشرة آلاف مقاتل حتى حاصروا المدينة في شوال سنه خمسه من الهجرة وانتهز حيي ابن اخطب وهو من رؤساء بنى النضير هذه الفرصة واتصل ببني قريظة الذين في المدينة من اليهود وحسن لهم نقض العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
وما زال حيي بن اخطب ما زال بهم أي ببني قريظة حتى أجابوه إلى ذلك فنقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهؤلاء هم آخر القبائل في المدينة من اليهود الناقضين للعهد فلما هزم الله الأحزاب ورجع الأحزاب بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال بما أرسل على عدوهم من الجنود والريح العظيمة الباردة التي زلزلت بهم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ووضع السلاح فاتاه جبريل فاتاه جبريل فقال : (قد وضعت السلاح ؟ والله ما وضعناه فاخرج إليهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى أين؟ فأشار جبريل إلى بنى قريظة)
فانتدب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وندب أصحابه للخروج إلى بنى قريظة فخرجوا وحاصروا اليهود نحو خمسا وعشرين ليله فطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزلوا على ما نزل على إخوانهم من بنى النضير من الجلاء بالأموال وترك السلاح فأبى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك فطلبوا أن يجلو بأنفسهم وذريتهم ونسائهم ويدعو الأموال كما فعل إخوانهم من بنى قينقاع
فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وكانت بنو قريظة حلفاء للاوس فجاء حلفائهم من الأوس إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكلمونه فيهم فقال عليه الصلاة والسلام ألا ترضون يخاطب الاوس ألا ترضون أن ينزلوا على حكم رجل منكم
قالوا بلا
فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك إلى سعد ابن معاذ وكان سعد ابن معاذ رضى الله عنه سيد الاوس وكان في الأنصار كأبي بكر في المهاجرين رضى الله عن الجميع وقد أصيب سعد ابن معاذ في أكحله في غزوه الأحزاب فضرب عليه النبي صلى الله عليه وسلم خيمه في المسجد ليعوده من قريب لأنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم في المنزلة العالية
وقد قال رضي الله عنه حين سمع نقض العهد من بنى قريظة اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بنى قريظة فجئ بسعد من خيمته في المسجد راكبا على حمار فلما نزل عند النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( احكم فيهم أي في اليهود بنى قريظة وهم حلفائهم احكم فيهم يا سعد)
فالتفت سعد إلى اليهود فقال: عليكم عهد الله وميثاقه إن الحكم إلا ما حكمت
قالوا نعم
فالتفت إلى الجهة التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غاض طرفه إجلالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال وعلى من ها هنا
فقالوا نعم
فقال: احكموا أن تقتل الرجال و تسبي نساء والذرية وتقسم الأموال
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات يعنى من فوق سبعه سماوات
وبهذا تحققت دعوه سعد بن معاذ رضي الله عنه أجاب الله دعائه وجعل الحكم في بنى قريظة على يده وحكم فيهم بهذا الحكم العدل الموافق لحكم الله فقتل المقاتلون منهم وكانوا ما بين سبعمائة إلى ثمانمائة رجل وسبيت النساء والذرية
وما زال اليهود أيها الاخوة ما زال اليهود أهل غدر وخيانة وبهت وكذب لا يؤمن مكرهم ولا يوثق عهدهم ولقد شهد عليهم عبد الله بن سلام رضى الله عنه وكان من أحبارهم وكان حبرا أي من علمائهم
ولكن الله قذف في قلبه الإسلام فاسلم رضى الله عنه وشهد عليهم حين اسلم انهم قوم بهت ولن يضمن النصر
أيها الاخوة ولن يضمن النصر أيها الاخوة عليهم ولا على غيرهم من الكفار إلا إذا تمسكت هذه الأمة الإسلامية بدين الله ظاهرا وباطنا حكاما ومحكومين
تمسكوا بدين الله بالرجوع إلى الله والتوبة النصوح والعمل الصالح المبنى على الإيمان السالم من الشك السالم من الشك وبالتوحيد الخالص الخالص من الشرك وبالاتباع النقي من الابتداع وبالطاعة لله ورسوله بقدر المستطاع