مواقف تربويّة من هدي الإمام ابن باز رحمه الله مع أسرته وأقاربه
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على نبيّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .
وبعد
والصلاة والسلام على نبيّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .
وبعد
فرحم الله الإمام ابن باز رحمةً واسعةً، وأسكنه فسيح جنّاته، فهو ممّن تميّز بالخلال الحميدة، والخصال الرشيدة، وجميل الأخلاق، وطيب الفعال، وعظيم التواضع، وهو ممّن يُقتدى به في الأدب والعلم والأخلاق، وفي تصرّفاته وسمته وهديه المبني على كتاب الله العظيم وسنّة رسوله الكريم، وخاصة في زهده وعبادته وأمانته وصدقه وكثرة التجائه وتضرّعه إلى الله عزّ وجلّ، وعظيم خشيته لله، وزكاء فؤاده، وسخاء يده، وطيب معشره، مع اتّباعه للسنّة الغرّاء، وكثرة عبادته، رحمه الله وجعل الفردوس مثواه .
وعبرةً لنفسي ثم لإخواني وأخواتي في الله، سأتكلّم عن هدي الإمام رحمه الله مع أفراد أسرته وأقاربه، وذلك بنقل بعض أقوالهم عنه التي ذُكِرَت في كتاب " موسوعة إمام المسلمين في القرن العشرين " ( 1/ 24-66/ ط . مؤسسة الريّان ) .
والشيخ رحمه الله توفّي عن زوجتين :
- أم عبد الله (الأولى) .
- وأم أحمد (الثانية)، وقد أصرّت زوجته الأولى أن يتزوّج الثانية لعدم مقدرتها على خدمته بعد أن كبر سنّها .
وللشيخ أربعة أولاد :
- عبد الله (وبه يُكنّى) وعبد الرحمن، من زوجته أم عبد الله .
- وأحمد وخالد، من زوجته أم أحمد .
وله ست بنات :
سارة، هند، مضاوي، جوهرة، هياء، نوف .
وجميع بناته متزوّجات، وما يُنقل عنه أن أصغر بناته تُسَمّى ندى أو هدى وقد مضى من عمرها عشر سنوات فغير صحيح .
وسأبدأ بذكر بعض أقوال أسرته وأقاربه مستعيناً بالله عزّ وجلّ :
الابن الأكبر عبد الله
سؤال : رغم انشغال سماحته، كيف كان يختار الوقت المناسب لأفراد أسرته وأبنائه وأحفاده ؟
حقيقة، كان رحمه الله يخصّص يومين في الأسبوعين، منه يوم واحد للرجال من أبنائه وأحفاده وعائلته من أسرته رحمه الله، ويوم آخر للنساء من بناته وزوجاته وحفيداته ونساء عائلته، يجلس معهم جميعاً ويحدّثهم في مختلف الأمور الحياتية والعامة وأمور الدين، ويوجّههم لما فيه الخير والصالح العام لأفراد أسرته، وإذا كان هناك عوائق أو مشاكل عند بعض أفراد الأسرة يتم طرحها على سماحته ويأخذ فيها القرار المناسب، يراعي أسرته الصغيرة مثلما يراعي أسرته المسلمة الكبيرة بدون تمييز أو فوارق، وكان يوازن في كلّ الأمور .
الابن الثاني عبد الرحمن
سؤال : هل كانت له نصائح خاصة يلقيها عليك أو إلى أيٍّ من أبنائه وبناته ؟
كان كثير النصيحة لنا مثل كل الذين يقابلونه، وتنصب على الجانب الديني، ويركّز على الاهتمام بالصلاة وطلب العلم للعلم .
سؤال : كيف كان ينظر لتعليم بناته ؟
الحمد لله، كل بنات الشيخ وحفيداته حصلن على التعليم الكافي وبعضهن تجاوز المرحلة الجامعيّة، وكان حريصاً على تعليمهنّ .
سؤال : كم مرّة حجّ الوالد ؟
(60) مرّة .
الابن الثالث الشيخ أحمد
سؤال : كيف كنتم ترون سماحة الوالد تجاه أخيه وشقيقه الأكبر الشيخ محمد وأولاده ؟
الوالد رحمه كان يزوره وعلى اتصال به، فلا يمر يوم أو يومان إلاّ ويزوره رغم مشاغل الوالد رحمه الله، وإذا لم يتمكّن فإنه يتصل عليه بشكل يومي من أي مكان يكون، وكان بينهما الكثير من المحبّة والتقدير .
سؤال : كان أكثر وقته رحمه الله مع الناس، فهل كان يتناول بعض الوجبات مع العائلة ؟
لم يكن يتناول مع العائلة أي وجبات إلاّ وجبة العشاء في بعض الأحيان عندما يجمع العائلة في جلسة أسبوعيّة .
زوجته أم عبد الله
سؤال : لدى سماحة الشيخ زوجتان ... فكيف كان يعدل بينهما ؟ وما الطريقة التي اتّبعها في تجميع قلوب الأبناء ؟
كان يحرص رحمه الله على العدل دائماً في كل الأمور سواء في النفقة أو المبيت وجميع الأمور، وكذلك في الحج، فكنت أحج معه سنة وهي سنة وهكذا، أما الأبناء فكان يشجّعهم دائماً على التواصل وزيارة بعضهم بعضاً ويحثهم على ذلك دائماً .
زوجته أم أحمد
سؤال : في الاجتماع الأسري، هل كان سماحة الوالد يتناول قضايا أسريّة خاصّة أم قضايا اجتماعيّة ودينيّة ؟
عادة في الاجتماعات الأسريّة، كان يطلب من أولاده قراءة القرآن ثم يشرع في تفسير ما يتيسّر من الآيات، ثم بعد ذلك يعرضون عليه ما يشكل عليهم من أسئلة واستفسارات ونحو ذلك .
ابنته الكبرى سارة
سؤال : من ضمن المواقف التربوية الكثيرة التي تلقّيتيها من سماحة الوالد، هل تذكرين موقفاً تربويًّا أثّر فيك وتحاولين تطبيقه على أبنائك ؟
لا يمكن تحديد موقف تربوي معيّن، حيث إن حياته معنا - غفر الله له - كانت كلّها عبارة عن تربية وتوجيه، لكن من أهم ما يُذكر هنا حرصه على توجيهنا للمحافظة على الصلاة في أوقاتها منذ سن مبكرة، ومداومته على متابعتنا في ذلك والتزامنا به صغاراً وكباراً، وقد حرصتُ على تربية أبنائي على نفس المنهج - ولله الحمد -، وقد تمكّنتُ بفضل الله من ذلك، فأصغر أبنائي عبد العزيز وعمره الآن تسع سنوات لا يفوته بإذن الله فرض منذ سنتين تقريباً .
ابنته جوهرة
سؤال : ما طريقة سماحة الوالد في أمركن بالصلاة وأنتنّ صغار، ومنذ أي سن يبدأ بإيقاظكن لصلاة الفجر ؟
بدأ في سن السابعة، أمر بها باستمرار ويتحدّث عن فضلها ويحذّر دائماً من إهمالها أو تأخيرها، ويقول إذا أخّرتها كأنّي تركتها، أذكر أنني كنتُ صغيرة ونسيتُ أداء صلاتَي الظهر والعصر، فلمّا علم غضب كثيراً وقال لي : ( تعوّدي إذا سمعتِ الأذان أن تهبّي لأداء الصلاة، وإن لم تنتبهي للوقت اسألي النساء لتعرفي الوقت ) .
وإذا صار عمرنا تقريباً تسع سنوات يبدأ بإيقاظنا لصلاة الفجر، يمرُّ علينا كلّنا واحداً واحداً، يوقظنا وهو يردِّد أذكار الاستيقاظ من النوم ويهلِّل ويقول لنا : ( قُل كذا وكذا )، فيكرّر على مسامعنا الأذكار، ثم يذهب قليلاً ويرجع مرّة أخرى للتأكّد أننا استيقظنا، ولمّا صار عندنا هاتف فيه توصيل داخلي، أصبح يكلِّم كلّ واحد بغرفته ليوقظه لصلاة الفجر، حتى أخي المتزوّج الذي يسكن بجوارنا يتصل عليه .
سؤال : وماذا عن الحجاب واللباس ؟
كنا نلبس العباءات في سنٍّ مبكرة - العاشرة تقريباً - .. وكان يحرص على أن تكون العباءة سميكة ولا تشف، ويذكّرنا بهذا باستمرار، ولمّا كبرنا كان يحذِّرنا دائماً من موديلات العباءات غير الساترة، واللباس كان يحب الثياب الطويلة ذات الأكمام الطويلة، ولمّا كانت والدتي في حالات قليلة تحضر لنا ثياباً أكمامها قصيرة ونحن صغار ينزعج منها ويطلب منها أن تنتبه وتجعل أكمامها طويلة، حتى قبيل وفاته رحمه الله كان أثناء سلامنا عليه أو حينما تمسك إحدانا بيده لتوصيله فكان يلمس يدها ليرى طول كمّها، فإن رآه قصيراً نصحها بالسّتر .
سؤال : في حال صدور ما لا يرضيه من قول أو فعل من أحدكن وأنتنّ صغار، كيف كان يعاقبه على هذا ؟
كانت شخصيّته قويّة وكنا نحسب لها حساباً كبيراً فلا نحب فعل أو قول ما يغضبه، فإذا حصل خطأ أتى بالمخطئ فأخبره بما صدر منه وعلّمه ما ينبغي له، وكانت تظهر عليه علامات الغضب في حال كهذا، ولا أذكر أنه ضربنا ألبتة، لم يكن يضرب، بل يعلِّم بالكلام .
سؤال : من ضمن المواقف التربويّة الكثيرة التي تلقّيتيها من سماحة الوالد، هل تذكرين موقفاً تربويًّا أثّر فيكِ وتحاولين تطبيقه على أبنائك ؟
من ضمن المواقف التي أذكرها عندما كنتُ صغيرة، كنت أُخطئ في ترتيب طريقة الوضوء للصلاة، واختلفتُ في ذلك مع أحد إخوتي، فأخبر والدي بهذا الموقف، فجمعنا الوالد رحمه الله أنا وأخي وطلب منِّي أن أحضر له أحد كتب الفقه، ثم طلب منِّي أن أفتح على الكتاب على صفة الوضوء، ثم طلب منِّي القراءة، وعندما قرأتُ في الكتاب اتّضح لي خطئي في ترتيب الوضوء، فقال : هل عرفتِ الآن ؟ فقلتُ : نعم، فقال : الحمد لله، ثم شرح لي صفة الوضوء زيادة في الإيضاح، وهذا يدل على أنه رحمه الله كان حريصاً على تنبيهنا وتشجيعنا على الاطِّلاع والبحث عن جميع المسائل في الكتب الجيدة .
ابنته الصغرى نوف
سؤال : في معاملته لأبنائه، هل كان يعامل البنات معاملة خاصة ؟
كانت معاملته لأبنائه معاملة واحدة لا يميز فيها أحدنا عن الآخر، ولم يفرد البنات رحمه الله بمعاملة خاصة، بل كان عادلاً بيننا في كلّ شيء .
حفيدته وفاء ( بنت ابنته سارة )
سؤال : وأنتن صغار، هل كنتن تشاهدن التلفزيون عند جدّكن ؟
لا يوجد في منزل جدّي أيٌّ من وسائل الترفيه المتداولة مثل التلفزيون وغيره .
سؤال : ماذا عن علاقته بنساء العائلة ؟
كان لطيفاً ليِّن الجانب وبشوشاً مع الجميع، لديه روح دعابة محبّبة، وكان يرحِّب بجميع النساء الموجودات في اجتماع العائلة الدوري ويسأل عنهن وعن أحوالهن .
فاطمة ( زوجة حفيده وليد بن عبد الله )
سؤال : هل تذكرين موقفاً حدث لك مع سماحة الوالد ؟
بعد زواجي بيومين أتيتُ لزيارته في منزله، وعندما سلَّمتُ عليه أمسك بيدي حتى المرفق وكنتُ ألبس كمًّا قصيراً، فنصحني أن ألبس الكمّ الطويل لأنه أستر لي، ثم دعا لي، فهذا الموقف لن أنساه .
حفيدته مها ( بنت ابنته )
سؤال : هل لكِ أن تنقلي لنا بعض المواقف الطريفة في مداعبة أطفاله أو أحفاده ؟
كان رحمه الله لطيفاً في مداعبة أطفاله أو أحفاده وأطفال العائلة عموماً، وكان أكثر ما يسألهم عنه أسئلة معيّنة، مثل : من ربّك ؟ من نبيّك ؟ ما دينك ؟ هل تحفظ شيئاً من القرآن ؟ ثم يعلِّمهم الإجابة بعد ذلك إذا لم يعرفوها، ولكن كان وقته قصيراً للجلوس معهم بحكم مشاغله الكثيرة .
رحم الله الإمام ابن باز رحمةً واسعةً
وحشره مع النبيين والصّدّيقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً .
والنقل
لطفــــــــاً .. من هنــــــــــــــــــا
لطفــــــــاً .. من هنــــــــــــــــــا