بذل الأكف
في
أحـــــكام الــــد ف
فاضل بن خلف الحمادة الرَّقي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
اللهم لك الحمد على سترك الجميل، ولك الشكر على برك الجزيل، ونعترف لك بقبائح الذنوب، ونبوء بما نقترف من فضائح العيوب، ونخضع لعز كبريائك بالذل والصغار، ونطمع في عطائك بالعجز والافتقار، ونمد إليك أيدي احتياجنا، ونسألك تسوية اعوجاجنا، ونرفع إليك أكف الضراعة والابتهال رغباً للتوفيق في الطاعة وإصلاح الحال، فالمهدي من هديته برحمتك، والضال من أضللته بحكمتك والقلوب بيدك تقلبها كيف شئت وإليك المصير .في
أحـــــكام الــــد ف
فاضل بن خلف الحمادة الرَّقي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
رب وأدم صلاتك وسلامك على الرحمة العامة والنعمة التامة، ألطف من أمر ونهى، وأخوف من نهي فانتهى، وأشرف أولي النهى، سيد الخلق أجمعين محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فهذه كلمات يسيرة نبتت في مجتمع جعل اللهو طاعة والطرب ذكراً، يزفن به رجال لبسوا مسوح أهل العلم والطاعة، والذكر والعبادة، مدعين أن الرحمات تتنزل!!
فصار فعلهم هدياً ملتزماً، وسنة متبعة، فعفيت بذلك السنن، والله المستعان.
ولما وقعت على قول سويد وشريح رحمهما الله تعالى: أن الملائكة لا يدخلون بيتاً فيه دف، وأن أصحاب ابن مسعود كانوا يستقبلون الجواري في الأزقة معهن الدفوف فيشقونها([1])، علمت أن فعلهم هذا بدعة منكرة وسنة شيطانية.
وممـا زادنـي يقيناً في ذلك مـا ذكره المقدسي في البدء والتاريخ ( 3/57) : عن الحسن قال: عشر خصال عملها قوم لوط بها أهلكوا كانوا يأتون الرجال ويلعبون بالحمام ويضربون بالدفوف .......أ.هـ
أيذكر الله عز وجل على مزمور الشيطان ؟
أم خلقنا للهو والطرب لنتقرب به إلى خالقنا عز وجل؟
من هنا كانت البداية، فجمعت الأحاديث الواردة في هذا المقام ورتبتها ضمن مجموعات تبعا ً لموضوعاتها، وأتبعتها بأقوال أهل العلم صحة وضعفاً، ومن ثم ما يستفاد منها فقهاً وفائدة على ضوء أصول وقواعد أهل العلم المعتمدة .
وإلى الله أمد أكف الضراعة والابتهال أن لا يجعله حجة علي يوم قيام الساعة وظهور الأهوال، فإن بضاعتي من العلم مزجاة، واعترافي بالعجز والتقصير عذري يوم يقوم الأشهاد، فإن كان ما خط اليراع صواباً فالله الموفق، وإن كان غير ذلك فمن نفسي والشيطان، واستغفر الله وأتوب إليه من الخطأ والزلل، فهو حسبي ونعم الوكيل.
أولاً : وقفة أصولية :
الدف: آلة معروفة، وهو من آلات الطرب واللهو ويعرف أيضاً بالغربال، ( ولا ريب أن العرب كان لهم غناء يتغنون به، وكان لهم دفوف يضربون بها، وكان غناؤهم بأشعار أهل الجاهلية من ذكر الحروب وندب من قتل فيها، وكانت دفوفهم مثل الغرابيل ليس فيها جلاجل)([2]).
الدف أصل أم استثناء ؟!
ومعنى هذا الاستفهام بعبارة أوضح :
هل الدف من الأشياء المباحة فهو باق على الإباحة استصحاباً للأصل أم أنه من الأشياء المحرمة المعازف فأبيح استثناءً من النص؟
وبيان ذلك أنه جاء النص الشرعي بالتحريم الصريح للمعازف، فعن عبد الرحمن بن غنم قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري-والله ما كذبني- سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)([3]).
وقد قدح في صحة هذا الحديث بعض الأئمة وتصدى لتضعيفهم الحفاظ المحقـقون كابـن القـيم وابـن حـجـر رحمهما الله تعالى .
وخلاصة بحث الأئمة أن الحديث صحيح متصل :
ـ فمن أعله بالانقطاع بين البخاري وهشام بن عمار: لم يصب إذ أن البخاري قد لقي هشام بن عمار وسمع منه، ثم إن البخاري علقه بصيغة الجزم .
وقد تقرر عند الحفاظ من أئمة هذا الشأن أن ما يعلقه البخاري بصيغة الجزم يكون صحيحاً إلى من علقه عنه ولو لم يكن من شيوخه([4])
ـ ومن أعله بالتردد في اسم الصحابي: فـ( إن التردد في اسم الصحابي لا يضر كما تقرر في علوم الحديث فلا التفات إلى من أعل الحديث بسبب التردد )([5]) .
ثم إن الحديث قد ورد من طرق صحيحة عند ابن حبان والبيهقي وغيرهما، كلها عن هشام بن عمار([6])
ويعد هذا الحديث عمدة القائلين بتحريم المعازف لذا حاول المبيحون الطعن فيه كما مر معك ويستفاد منه التحريم للمعازف من وجوه :
قوله " يستحلون " أي المذكورات في الحديث محرمة أصلاً، فإما أنهم يعتقدون أنها حلالاً فيفعلونها فالوعيد هنا يشعر بتحريم الملابسة بفحوى الخطاب([7])
وإما أنهم يسترسلون في فعلها استرسالهم في فعل الحلال، وهذا واضح الدلالة على التحريم .
ـ أشرك المعازف مع الخمر والزنا والحرير في الحكم وهي من الأشياء المقطوع بحرمتها ، فهذا يقتضي حرمة المعازف([8]) .
ثم إن تحريم المعازف ورد في أكثر من حديث، بل صنف بعض الأئمة مؤلفات خاصة بالموضوع كذم الملاهي لابن أبي الدنيا وغيره.
إذا علم هذا فهل الدف من المعازف؟
قال الحافظ في الفتح [10/46] : (وفي حواشي الدمياطي، المعازف: الدفوف وغيرها مما يضرب به).
وقال ابن الأثير في النهاية: ( العزف: اللعب بالمعازف وهي الدفوف وغيرها مما يضرب به وقيل إن كل لعب عزف) .
وقال ابن القيم في مدارج السالكين [1/ 484 ]: ( وآلات المعازف: من اليراع والدف والأوتار والعيدان).
فالدف من المعازف قطعاً لغة وشرعاً، فهو فرد مـن أفراد العموم – المعازف - التي ورد النص الشرعي بتحريمها .
فتحريم المعازف حكم كلي ثابت بالدليل العام ووردت نصوص تستثني الدف من قاعدة التحريم العامة.
وهذا الإستثناء يسميه بعض الأصوليين استحسان بالنص([9]) .
إذاً فالدف أبيح استثناءً من الأصل، وليس باق على أصل الإباحة ومما يدل أيضاً على هذا الكلام دلالة واضحة لا ريب فيها:
إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه في نعته للدف بمزمور الشيطان، وهذا النعت لم يأت إلا نتيجة لما استقر في ذهن أبي بكر رضي الله عنه من التحريم العام للمعازف، ومنها الدف، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لـه أن الدف أبيح استثناءً كونه يوم عيد.
وقد يتفرع في الذهن قول قائل: إذا كانت النتيجة واحدة، وهي إباحة الدف فما الفائدة من هذا التأصيل؟!
فالجواب وبالله التوفيق: أن هناك فرق بين ما هو باق على أصل الإباحة، وبين ما أبيح بالنص استثناءً.
فالباقي على أصل الإباحة: محل بحثه نظرية الاستصحاب، وعليه فالدف يباح مطلقاً- بتوسع - ما لم يفض لمفسدة.
أما ما أبيح بالنص استثناءً: فمحل بحثه نظرية الاستحسان، وعليه فالدف يباح بشروط جاء النص بتحديدها، إذ أن الإستثناء لا توسع فيه، وبعبارة من يقول بالاستحسان: ما ورد على خلاف القياس فغيره عليه لا يقاس.
ومن المعلوم أن الضرب بالدف من اللهو المباح و( الأصل التنزه عن اللعب واللهو، فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتاً وكيفية تقليلاً لمخالفة النص )([10]) .
وبعد هذه الكلمات اليسيرة ننتقل إلى دراسة نصوص إباحة الدف .
النصوص الشرعية الواردة في إباحة الدف :
لقد حاول البعض الاستدلال بنصوص حديثية على إباحة الدف في مجالس الذكر وغيرها، إلا أن هذه النصوص جميعها في غير محل النزاع ، فضلاً عن كون بعضها ضعيفاً لا يحتج به.
وفي الصفحات القادمة سأقوم باستعراض النصوص الحديثية مع بيان درجتها من خلال أقوال أهل العلم فيها، ومن ثم تبيان مآخذ المستدلين بها، على ضوء قواعد أهل العلم .
فأقول يمكن حصر النصوص الحديثية المبيحة للدف في أربع مجموعات، وذلك من حيث الموضوع المستخدم فيه وهي:
1 ـ الأحاديث الواردة في إباحته في النكاح.
2 ـ الأحاديث الواردة في إباحته في العيد.
3 ـ الأحاديث الواردة في إباحته في النذر.
4 ـ الأحاديث الواردة في إباحته في استقبال القادم.
أولاً: دراسة أحاديث الدف الواردة في باب النكاح:
وعددها تسعة أحاديث: ثمانية منها مرفوعة والتاسع موقوف .
الحديث الأول :
( فصل ما بين الحلال والحرام : الدف والصوت في النكاح )
رواه النسائي[ 3369 ] وابن ماجة [ 1896 ] والترمذي [ 1088 ] وحسنه وأحمد [ 4 / 259 ] والحاكم [ 2 / 184 ] وصححه ووافقه الذهبي. كلهم عن محمد بن حاطب، ورمز السيوطي إلى تصحيحه في الجامع الصغير تحت رقم [5851].
الحديث الثاني :
عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت : جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل حين بُني علي فجلس على فراشي كمجلسك مني، فجعلت جويريات يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال: دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين.
رواه البخاري [ 1859 ] والترمذي [1090 ] وأبو داود [ 4922 ] وابن ماجة [ 1897 ].
الحديث الثالث:
عن عائشة رضي الله عنها أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ( يا عائشة ما كان معكم لهو، فإن الأنصار يعجبهم اللهو ) رواه البخاري [ 1874 ] .
قال الحافظ في الفتح [ 9 / 185 ]: ( وفي رواية شريك، فقال: فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني ) أ. هــ
وكذا جاء في رواية الطبراني في الأوسط [3277] من طريق رواد بن الجراح عن شريك بن عبد الله عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: وفيها ( فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني ....... ).
قال الهيثمي في المجمع [ 4 / 289 ]: ( وفيه رواد بن الجراح، وثـقه أحمد وابن معين وابن حبان وفيه ضعف ) أ.هــ
وقال عنه الحافظ في التقريب: صدوق، اختلط بآخره فترك، وفي حديثه عن الثوري ضعف شديد . أ.هــ
- وفي إسناد الطبراني أيضاً : شريك بن عبد الله القاضي، قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق يخطىء كثيراً، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة.
عدل سابقا من قبل الشيخ إبراهيم حسونة في 19.10.08 9:45 عدل 1 مرات