فوائد عظيمة في مصطلح الحديث من خلال شرح كتاب الورقات للشيخ عبد الكريم الخضير .
الحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد:
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد:
فقد قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وقول الواحد من الصحابة ليس حجة على غيره، على القول الجديد، وأما الأخبار فالخبر ما يدخله الصدق والكذب، والخبر ينقسم إلى آحاد ومتواتر، فالمتواتر: ما يوجب العلم: وهو أن يرويه جماعة لا يقع التواطؤ على الكذب عن مثلهم، وهكذا إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه، فيكون في الأصل عن مشاهدة أو سماع لا عن اجتهاد.
والآحاد: هو الذي يوجب العمل ولا يوجب العلم؛ لاحتمال الخطأ فيه، وينقسم إلى قسمين: مرسل ومسند، فالمسند: ما اتصل إسناده، والمرسل: ما لم يتصل إسناده، فإن كان من مراسيل غير الصحابة فليس بحجة، إلا مراسيل سعيد بن المسيّب؛ فإنها فتشت فوجدت مسانيد.
والعنعنة: تدخل على الأسانيد، وإذا قرأ الشيخ يجوز للراوي أن يقول: حدثني أو أخبرني، وإن قرأ هو على الشيخ فيقول: أخبرني ولا يقول حدثني، وإن أجازه الشيخ من غير قراءة فيقول الراوي: أجازني أو أخبرني إجازة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، لما أنهى الكلام عن الإجماع، وهو من الأصول المتفق عليها، لا سيما الإجماع النطقي القولي المنضبط؛ لأن الأمة لا تجمع على ضلالة، ذكر بعد ذلك قول الصحابي، وهل يحتج به أو لا، فقال -رحمه الله تعالى-: وقول الواحد من الصحابة ليس حجة على غيره على القول الجديد: قول الصحابي لا يخلو إما أن يكون للاجتهاد والرأي فيه مجال أو لا، فإن لم يكن للاجتهاد والرأي والنظر فيه مجال فقد قرر أهل العلم أن له حكم الرفع، قرر أهل العلم أن له حكم الرفع، وحينئذ يكون حجة.
إذا كان للاجتهاد فيه مجال فلا يخلو إما أن يخالف هذا الصحابي من قبل غيره من الصحابة، وحينئذ يكون ليس بحجة لماذا؟؛ لأنه ليس قبول قول أحد الصحابة بأولى من قبول الصحابي الثاني، ليس قبول قول أحدهما بأولى من قول الآخر، هذا إذا عورض بمثله.
إذا قال الصحابي قولاً ولا يعرف له مخالف، إن انتشر ولم يخالَف فهو الإجماع السكوتي الذي سبق القول فيه، الشوكاني ذكر فيه أثني عشر قولاً على ما تقدم.
إذا قال الصحابي قولاً ولم ينتشر فيما يغلب على الظن لا يوجد في هذه المسألة سوى قول هذا الصحابي، ليس فيها نص مرفوع والمسألة مما للرأي فيه مجال ولم يعرف له مخالف من جنسه، فهذا محل الخلاف مما لم ينتشر، هذا محل الخلاف.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: ليس حجة على غيره على القول الجديد: يعني من قولي الشافعي، والقول الجديد عند الشافعية: هو ما قرره واعتنى به وأفتى به في مصر، بينما القول القديم هي أقوال الإمام الشافعي في العراق، والمعتمد عند الشافعية المقرر عندهم أن الفتوى على الجديد؛ لأن آخر الاجتهادين هو المعمول به عندهم إلا في مسائل يسيرة يفتون فيها على القول القديم وهي مدونة، هذه المسائل مدونة في مقدمة المجموع للنووي وفي الأشباه والنظائر للسيوطي وغيرهما، ومنظومة أيضاً.
المقصود أن الشافعي في قوله الجديد يرى أن قول الصحابي ليس بحجة، لماذا؟؛ لأن الحجة الملزمة في النصوص الشرعية -في الكتاب والسنة- والصحابي ليس بمعصوم عن الخطأ؛ الصحابي لم تضمن عصمته ليكون قوله غير قابل للنقيض للخطأ، وما دام الاحتمال قائماً -احتمال النقيض وهو الخطأ- فإنه حينئذ يكون قوله ليس بحجة، وهذا هو القول الجديد عند الشافعية، وهو رواية عن أحمد، واختارها جمع من الحنابلة.
والقول الثاني: وهو القول القديم للإمام الشافعي ورواية عن أحمد أنه حجة، وبهذا قال جمع من أهل العلم؛ لأن الصحابة الذين عاصروا التنزيل وعاشوا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- وعرفوا المقاصد من قرب، وأثنى عليهم الله -جل وعلا- في كتابه، وأثنى عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام- في سنته هم أولى بالإصابة من غيرهم، هم أولى بالإصابة من غيرهم، والمسألة مفترضة فيما لا نص فيه، أما ما فيه نص فالعمدة النص، فإذا تجردت المسألة عن النص، فعلى القول الثاني قبول قول الصحابي أولى من اجتهاد غيره من التابعين فمن دونهم.
من أهل العلم من يرى أن الحجة في قول الخلفاء الراشدين؛ يستدل هؤلاء بحديث: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ)) إلى آخر الحديث.
وهناك قول رابع في المسألة: وهو أن الحجة في قول أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- لحديث: ((اقتدوا باللذين من بعدي)).
ويستدل أصحاب القول الثاني بما ذكرنا من أن اجتهاد الصحابي الذي عاصر التنزيل، وعرف المقاصد من قرب، وعايش النبي -عليه الصلاة والسلام- قوله أولى بالإصابة من قول غيره؛ ويستدل بعضهم لهذا القول بحديث: ((أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)) [هذا ضعيف باتفاق الحفاظ، فلا حجة فيه].
عرفنا القول بعدم الاحتجاج بقول الصحابي بعد أن حررنا محل النزاع، عدم الاحتجاج به وهو قول الشافعي في الجديد ورواية عن الإمام أحمد.
القول الثاني: وهو الاحتجاج به فيما خلا من النصوص، في المسائل التي خلت من النصوص ولما ذكرنا، وأيضاً رواية عن الإمام أحمد، وهو القول القديم للإمام الشافعي، ونصره ابن القيم في إعلام الموقعين، وهناك من يقول: الحجة في قول الخلفاء الراشدين؛ للأمر بالأخذ بسنتهم.
ومن أهل العلم من يقصر الحجية في قول أبي بكر وعمر لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((اقتدوا باللذين من بعدي)).
المقصود أن المسألة خلافية، والأصل أن الحجة والعمدة في الدين على الكتاب والسنة، لكن إذا افترضنا مسألة ما فيها شيء من النصوص لا من الكتاب ولا السنة، وجدنا فيها قول صحابي، هل نعمل بقول هذا الصحابي؟
من الأصول التي يعتمد عليها الإمام أحمد اعتماد قول الصحابي، ويستدل به ويفتي بمضمونه كثيراً، وهو أيضاً مقتضى عمل الأئمة غير الإمام أحمد فإن كتب الفقه طافحة بأقوال الصحابة يعتمدون عليها ويستدلون بها.
لا شك أن الصحابة خير القرون، وهم أدرى من غيرهم في الجملة، وإن كان من النصوص ما يدل على أنه قد يوجد، قد يوجد -وهذه للتقليل- ممن يأتي بعد الصحابة من هو أوعى من بعض الصحابة، لا نقول من الصحابة كلهم، من بعض الصحابة، و((رب مبلغ أوعى من سامع)).
لا شك أن من يعمل في مسألة فيها قول صحابي، ويقدمه على اجتهاده أنه لا يلام، المسألة مثل ما كررنا مفترضة في مسألة خالية من النصوص من الكتاب والسنة، من اقتدى بصحابي فهو على خير إن شاء الله تعالى، لكن من رد قول الصحابي وقال: الحجة بالكتاب والسنة لا يلام لا يلام؛ لأن الصحابة غير معصومين.
بعد هذا يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الأخبار: يقول: وأما الأخبار فالخبر ما يدخله الصدق والكذب: الأخبار: جمع خبر، وعرفه المؤلف بتعريفه عند أهل البلاغة: ما يدخله الصدق والكذب، هذا في الأصل، ما يدخله الصدق والكذب لذاته، وبغض النظر عن قائله، لذاته بغض النظر عن قائله؛ فقد يكون الخبر وهو في الأصل يحتمل الصدق والكذب، لكونه صادراً عن من لا يكذب لا يحتمل إلا الصدق، كأخبار الله -عز وجل- وأخبار نبيه -عليه الصلاة والسلام- لكنها في الجملة خبر؛ لأنها تحتمل بغض النظر عن القائل.
هناك من أخبارهم لا تحتمل الصدق كمسيلمة الكذاب، ومن عرف عنه الكذب، يعني وإن كان الاحتمال قائماً، لكنه إذا رمي بالكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه يُطرح جميع ما يرويه، وكل خبر يأتي من قبله يكون مردوداً، وعلى هذا حُكماً خبره لا يحتمل الصدق، حُكماً وإن كان الاحتمال قائم لماذا؟؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال عن الشيطان: ((صدقك وهو كذوب))، لكن لو جاءك خبر عن شخص رمي بالكذب في الحديث، وأنت ما تدري هل صدق في هذا الحديث أو كذب، ترد الخبر، وتحكم عليه بأن الخبر موضوع؛ لأن فيه فلان وهو كذاب، أو وضاع فتعريفهم هذا بغض النظر عن القائل لذاته.
والخبر ينقسم إلى آحاد ومتواتر: لأن الخبر لا يخلو إما أن يكون مروياً من طريق عدد –جماعة- لا يقع التواطؤ منهم على الكذب عن مثلهم، وأسندوه إلى شيء محسوس، لا يحتمل تواطؤهم على الكذب، ولا بد أن يكون عن مثلهم في جميع طبقات الإسناد، أو يروى من طريق من لم يبلغ هذا العدد الذي رفع احتمال التواطؤ على الكذب، وإن شئت فقل: الآحاد ما لم تتوافر فيه شروط المتواتر.
فالمتواتر من التواتر وهو التتابع، من التواتر وهو التتابع، وعرفه المؤلف -رحمه الله تعالى-: هو أن يرويه جماعة لا يقع التواطؤ على الكذب عن مثلهم، وهكذا إلى أن ينتهي المخبر عنه: هكذا إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه: لو اختل هذا الشرط في أي طبقة من طبقات الإسناد، احتمل أن يقع التواطؤ في هذه الطبقة، فلا بد أن يكون هذا الشرط، مستصحباً في جميع طبقات الإسناد؛ لنجزم بأنهم لم يتواطؤا على الكذب، ولا بد من إسناده إلى شيء محسوس، إما سماع، أو رؤيا أو مشاهدة، أو غيرهما، ولا يدخل في هذا العقليات والأمور المستنبطة ومثلها الإشاعات، فالإشاعات ولو كثر ناقلوها فإنها لا تفيد العلم، ولا يقع الجزم بصدقها ما لم تتوافر فيها الشروط.
الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- يقول: الإشاعات أو ما يشاع من الأخبار ولو كثر ناقلوه فإنه لا يفيد القطع ولو كثر الناقلون.
الآن يصدر خبر من جهة ما، ثم تتناقله وسائل الإعلام في الشرق والغرب -ألوف مؤلفة يتناقلون هذا الخبر- لكن هل يفيد التواتر؟ لا؛ لأن أصله ما استند إلى شيء محسوس، لا عن رؤيا ومشاهدة، ولا عن سماع.
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما دخل المدينة ووجد الناس حول المنبر، أهل المدينة كلهم مجتمعون حول المنبر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- معتزل نسائه في المشربة، وهو في الحديث الصحيح، أهل المدينة كلهم تناقلوا الخبر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- طلق نساءه، النبي -عليه الصلاة والسلام- حصل بينه وبين نسائه ما يحصل من البشر، طلبوا منه مطالب فآلى أن يعتزل النساء شهراً، وجلس في المشربة؛ اعتزلهن، فصدر إشاعة في المدينة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- طلق نساءه، فصدَّق الناس كلهم، ليش صدقوا؟ لأنه اعتزل، خلاص جلس وحده بدون نساء، ولمدة شهر، فوافقت هذه الإشاعة بعض التصرفات التي قد يظن منها صدق هذه الإشاعة، فصدق الناس بهذا الخبر، فدخل النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد أن استأذن مراراً على..، دخل عمر -رضي الله عنه- بعد أن استأذن مراراً فسأله: أطلقت نساءك؟ قال: ((لا))، فثبت أن هذه مجرد إشاعة ولو كثر تناقلها.
فالإشاعات لا يعتمد عليها، ولو كثر ناقلوها، ومثلها ما ينقل في مثل هذه الظروف من أخبار، وسهلت الآن، سهل ترويج الإشاعات، والناس في مثل هذه الظروف -في أوقات الفتن- تشرأب أنفسهم إلى تلقي مثل هذه الأخبار، وسرعان ما ينتشر الخبر في أقطار الأرض.