أولاً : لا بد أن نعلم أمرين قبل ذكر العلاج :
1 - أن الشكوك والواسوس التي تحصل للمسلم في عقيدته أو عبادته كلها من الشيطان ؛ لأن الشيطان يريد إضلال الخلق ويستخدم معهم جميع السب والطرق
فتارة يوقعهم بالكفر
وتارة بالبدعة
وتارة بالكبائر
وتارة بالصغائر
وتارة يشغلهم بالمباحات عن الطاعات
وتارة يشغلهم بالمفضول عن الفاضل وتارة يدخل عليهم الشكوك والوساوس في إيمانهم وعبادتهم
والمقصود من هذا أن نعلم أن الشيطان هو سبب هذا .
- عن أبي هريرة قال : قال النبي : " إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط فإذا قضي أقبل فإذا ثوب بها أدبر فإذا قضي أقبل حتى يخطر بين الإنسان وقلبه فيقول اذكر كذا وكذا حتى لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا فإذا لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا سجد سجدتي السهو " رواه البخاري ومسلم
- عن أبي هريرة قال : قال النبي : " إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط فإذا قضي أقبل فإذا ثوب بها أدبر فإذا قضي أقبل حتى يخطر بين الإنسان وقلبه فيقول اذكر كذا وكذا حتى لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا فإذا لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا سجد سجدتي السهو " رواه البخاري ومسلم
- و عن أبي هريرة : عن النبي قال : " التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا قال ها ضحك الشيطان " رواه البخاري
- وعن عائشة رضي الله عنها : سألت النبي عن التفات الرجل في الصلاة فقال : " هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة أحدكم " رواه البخاري
- و عن عثمان بن أبي العاص أتى النبي فقال : يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي فقال رسول الله ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا فقال ففعلت ذلك فأذهبه الله عني " رواه مسلم
- وعن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال : قال النبي : " الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا حلم أحدكم حلما يخافه فليبصق عن يساره وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره " رواه البخاري
- و عن أبي هريرة : عن النبي قال : " إذا استيقظ - أراه - أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثا فإن الشيطان يبيت على خيشومه " رواه البخاري ومسلم
- و عن أبي هريرة أن رسول الله قال : " يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب كل عقدة عليك ليل طويل فاقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقدة فإصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان " رواه البخاري ومسلم
- وعن عبد الله بن مسعود قال : ذكر عند النبي رجل فقيل ما زال نائما حتى أصبح ما قام إلى الصلاة فقال : " بال الشيطان في أذنه " رواه البخاري ومسلم
- و عن جابر عن النبي قال : " إذا استنجح الليل أو كان جنح الليل فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم وأغلق بابك واذكر اسم الله وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله وأوك سقاءك واذكر اسم الله وخمر إناءك واذكر اسم الله ولو تعرض عليه شيئاً " رواه البخاري ومسلم
- وعن سليمان بن صرد قال : كنت جالسا مع النبي ورجلان يستبان فأحدهما احمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال النبي : " إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد " . فقالوا له إن النبي قال : تعوذ بالله من الشيطان . فقال وهل بي جنون ؟ " رواه البخاري
- عن ابن عباس عن النبي قال : " لو أن أحدكم إذا أتى أهله قل بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فقضي بينهما ولد لم يضره " رواه البخاري
- و عن جابر بن عبدالله : أنه سمع النبي يقول : " إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء " رواه مسلم
فهنا رأينا أن الشيطان يعرض للمؤمن في نومه وصلاته وغضبه وولده وطعامه وجماعه لزوجته وكل هذا من أذى الشيطان للمؤمن يريد أن يحزنه ويحرمه الخير ويؤذيه حساً ومعنى ؛ بل أكثر من ذلك أخبر النبي كما في الصحيحين أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم .
2 - أن هذه الوساوس إنما تحصل للمؤمن الذي يحرص على الخير ويبتعد عن المعاصي والمنكرات ولا تحصل لمن اشغله الشطان بالمعاصي فهو ليس بحاجة أن يشغله بالوساوس عن الطاعات لأنه معرض عن الطاعة ولذلك شكا أصحاب النبي فقالوا : يارسول الل إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال وقد وجدتموه ؟ قالوا نعم قال ذاك صريح الإيمان " رواه مسلم من حديث أبي هريرة .
- و عن أبي هريرة : قال رسول الله : " يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول من خلق ربك ؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته " رواه البخاري ومسلم
- و عن عبدالله بن مسعود قال : سئل النبي عن الوسوسة قال : " تلك محض الإيمان " رواه مسلم
وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله : " لن يبرح الناس يتساءلون حتى يقولوا هذا الله خالق كل شيء فمن خلق الله " رواه البخاري .
ثانياً : إذا علم ما سبق فما هو العلاج ؟العلاج يكون بأمور :
أولاً : لما كان السبب هو الشيطان فأول علاج هو مدافعة الشيطان ورده ورد وساوسه وهذا يكون بأمور :
1 - الاستعاذة بالله منه كما ثبت هذا في حديث عثمان بن أبي العاص وسليمان بن صرد وأبي هريرة رضي الله عنهم فيقول المرء اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويتفل عن يساره ثلاثاً .
و قال تعالى : وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون
وقال سبحانه وتعالى : وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم
2 - قراءة سورة البقرة فعن أبي هريرة أن رسول الله قال : " لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة " رواه مسلم
3 - قراءة آية الكرسي خاصة من سورة البقرة فعن أبي هريرة قال : وكلني رسول الله بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت والله لأرفعنك إلى رسول الله قال : إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة قال فخليت عنه فأصبحت فقال النبي : " يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة ؟ " . قال : قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله قال : " أما إنه قد كذبك وسيعود " . فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله : " إنه سيعود " . فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله قال : دعني فإني محتاج وعلي عيال لا أعود فرحمته فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله : " يا أباهريرة ما فعل أسيرك ؟ " . قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله قال : " أما إنه كذبك وسيعود " . فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله وهذا آخر ثلاث مرات تزعم لا تعود ثم تعود قال : دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها قلت ما هو ؟ قال : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي الله لا إله إلا هو الحي القيوم . حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله : " ما فعل أسيرك البارحة ؟ " . قلت يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله قال : " ما هي ؟ " . قلت : قال لي : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الله لا إله إلا هو الحي القيوم . وقال لي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال النبي : " أما إنه قد صدقك وهو كذوب تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ " . قال : لا قال : " ذاك شيطان " رواه البخاري
4 - قراءة آخر آيتين من سورة البقرة فعن أبي مسعود البدري قال قال رسول الله : " الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه " رواه البخاري ومسلم ، ومعنى كفتاه أي من كل شر بما في ذلك الشيطان .
5 - قراءة المعوذات سورة الإخلاص والفلق والناس فعائشة رضي الله عنها : أن رسول الله كان إذا أخذ مضجعه نفث في يديه وقرأ بالمعوذات ومسح بهما جسده " رواه البخاري ومسلم
6 - ذكر الله عموما عند دخول البيت والخروج منه وعند القيام والجلوس فالذكر يطرد لشيطان ولذلك نراه يدبر وله ضراط عند سماع الآذان كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين وفي الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة : " ومن قال في يوم مائة مرة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي "
ثانياً : لما كان الوسواس شك كان لا بد من طرده باليقين فاليقين يزيل الشك والشك لا يرفع اليقين وقد ارشدنا النبي غلى هذه الطريقة :
1 - عن عباد بن تميم عن عمه : أنه شكا إلى رسول الله الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة ؟ فقال " لا ينفتل - أو لا ينصرف - حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا " رواه البخاري ومسلم
2 - عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ؟ ثلاثا أم أربعا ؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته وإن كان صلى إتماما لأربع كانت ترغيما للشيطان " رواه مسلم
3 - عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : " لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله ؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله " رواه مسلم
فهنا لما وردت الشكوك في العقيدة أمرنا النبي أن نلجأ إلى اليقين وهو الإيمان بالله المجزوم به القطعي فهو الذي يطرد هذه الشكوك .
ثالثاً : ليعلم أن الشيطان له خطوات كلما خطى المرء منها خطوة استدرجه الشيطان للخطوة الثانية كما قال تعالى : يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين * إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون
وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين
وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم
وعليه فالمؤمن يطرد اول خاطرة ترد عليه وعنده يندحر الشيطان ويبحث عن طرق أخرى غير هذا الطريق وينبغي للمؤمن أن يعلم هذه الطرق ويعلم كيف يردها .
ولذلك انظري كيف استدرجها الشيطان أن تعلق الرجوع لذه الفعل بكلمة خطيرة كهذه فهذه هي الخطوة الثانية لهذا الوسواس ولا يقف الشيطان إلا أن يوصل من هذا حاله إلى الجنون فلا ينبغي للمؤمن ان يسلط الشيطان على نفسه ويعطيه مفاتيح الدخول عليه ويستسلم له استسلام الضعيف ، والشيطان أضعف وأحقر من أن يسلم المؤمن له نفسه فهو يدبر باستعاذة ويخنس ، ويولي بذكر الله وهو كما قال الله تعالى : إن كيد الشيطان كان ضعيفاً والشيطان وحزبه خاسرون كما أخبر الله تعالى .
رابعاً : طلب العلم ؛ لأن الشيطان لا يورد هذه الوساوس غلا على الجاهل فكلما عرف المؤمن الحكم الصحيح في المسائل لم يبق للشيطان طريق يصل به إلى إليه فالمؤمن وقته يعمل بعلم وبينة ويعلم أنه قد برأت ذمته بهذا الفعل فيندحر الشيطان ومن العلم بذلك العلم باحكام الطهارة والصلاة والصوم والزكاة والحج وغير ذلك علماص مدعما بالدليل الصحيح ومعرفة أقوال أهل العلم المعتبرين في هذه المسائل والقواعد التي قرروها ومن هذه القواعد :
1 - قاعدة اليقين لا يزول بالشك .
2 - قاعدة الأصل في الأمور العارضة العدم .
3 - قاعدة لا عبرة بالتوهم .
4 - قاعدة الأصل بقاء ما كان على ما كان .
5 - قاعدة لا عبرة بالظن البين خطؤه .
6 - قاعدة الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته .
7 - قاعدة الأصل براءة الذمة .
خامساً : أن يعلم المرء أن العمل لا يكون صحيحاً حتى يجمع شرطين الإخلاص والمتابعة ، وعليه فالمتابعة الحقة هي بفعل ما أمر الله ورسوله به أي بما يوافق الدليل لا بما يوافق الوساوس والاحتياطات المخالفة للشرع فخير الهدي هدي محمد
، وهذه الوساوس من البدع المحدثة المردودة ولا يظن المؤمن أنه باتباع هذه الوساوس يكون أتقى الله وأقرب فإن هذا من تلبيس الشيطان بل يكون المرء أتقى بفعل ما أمر به ، وقد أنكر النبي على من يصوم ولا يفطر ومن لا يتزوج النساء ومن يقوم ولا ينام وقال : " أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " متفق عليه من حديث أنس .