من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.01.09 17:33
[ هل يرد الطلاق الثلاث إلى واحدة ]
( قوله : وإن الطلاق الثلاث يرد إلى واحدة إلخ ) – أقول : قد أختلف أقوال الصحابة والتابعين والعلماء المتقدمين والمتأخرين في وقوع الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد ، كما أنهم أختلفوا في وقوعه حالة الحيض ، وقد كثرت الأدلة من الطرفين ، وبسطت الأجوبة من الجانبين في كتبهم المفضلة ، فمن الحنابلة الشيخ ابن تيمية في فتواه وغيرها ، وتلميذه ابن قيم الجوزية في أعلام الموقعين وغيره ، ومن الشافعية الشيخ ابن حجر في تحفة المحتاج وغيره ، ومن الحنفية ابن الهمام في فتح القدير ، وخير الدين الرملي ، وابن عابدين في حاشيته على الدر المختار ، والوالد في اماكن من تفسيره وغيرهم .
وكثرت الرسائل في ذلك ، ولنذكر مختصر مازبروه ، وتلخيص ما ذكروه . فمن ذلك ما قاله العلامة ابن القيم : إنه قد ذهب إلى عدم وقوع الطلاق الثلاث بكلمة واحدة جمع من الصحابة ، منهم الزبير بن العوام ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعن علي وابن مسعود روايتان : ومن التابعين عكرمة وطاوس ، ومن تابعيهم محمد ابن إسحق ، وأفتى به داود بن علي على مذهب أهل الظاهر . قال : وأفتى به بعض أصحاب الإمام أحمد ، الإمام أحمد نفسه . أنتهى ، ثم بسط بقية الأدلة ، فإن أردتها فارجع إليه .
وقال الوالد عليه الرحمة ونفعنا الله تعالى به في تفسير سورة البقرة عند قوله تعالى : الطلاق مرتان [ البقرة 229 ] من كلام مطنب : لو طلق بلفظ واحد لا يقع إلا بواحدة كما هو مذهب الإمامية ، وبعض أهل السنة ، ومنهم الشيخ أحمد بن تيميه ومن أتبعه احتجاجاً بهذه الآية ، وقياساً على شهادات اللعان ورمي الجمرات ، فإنه لو أتى بالاربعة بلفظ واحد لا تعد له أربعاً بالإجماع . وكذا لو رمى بسبع حصيات دفعة واحدة لم يجز إجماعاً .
ومثل ذلك لو حلف ليصلين على النبي ألف مرة فقال : صلى الله تعالى على النبي ألف مرة ، فإنه لا يكون باراً ما لم يأت بآحاد الألف ، وتمسكاً بما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي عن ابن عباس : كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر واحدة ، فقال عمر : إن الناس قد أستعجلوا في امر كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه .
وذهب بعضهم إلى أن مثل ذلك ما لو طلق في مجلس واحد ثلاث مرات فإنه لا يقع إلا واحدة أيضاً ، لما أخرج البيهقي عن أبن عباس قالوا : طلق ركانة امرأته ثلاثاً في مجلس واحد فحزن عليها حزناً شديداً ، فسأله رسول الله : (( كيف طلقتها )) قال : طلقتها ثلاثاً ، قال : (( في مجلس واحد )) ؟ قال : نعم : قال : (( فإنما تلك واحدة ، فأرجعها إن شئت )) فراجعها .
وأجاب الجمهور بأن القياس على شهادات اللعان والرمي في غير محله ، ألا ترى أنه لا يمكن الاكتفاء ببعض ذلك بوجه ، ويمكن الاكتفاء ببعض وحدات الثلاث في الطلاق ، ولعظم امر اللعان لم يكتف به غلا بالإتيان بالشهادات واحدة واحدة ، مؤكدة بالإيمان ، مقرونة خامستها باللعن ، فلعل الرجوع أو الإقرار يقع في البين فيحصل الستر ، أو يقام الحد ، ويكفر الذنب ورمي الجمرات وتسبيعها أمر تعبدي ، وما ذكروا في مسألة الحالف في الصلاة فأمر أقتضاه القصد والعرف ، وأما الآية فليست نصاً في المقصود ، ولهذا ورد عن أهل البيت ما يؤيد مذهب أهل السنة ، فعن مسلم عن جعفر بن محمد أنه قال : معاذ الله ! ما هذا من قولنا ؟ من طلق ثلاثاً فهو كافر كما قال . أنتهى باقتصار .
وإن أردت تفصيل أدلة الطرفين وأجوبتهما فعليك به ولا تغفل .
وقال العلامة ابن عابدين : والطلاق البدعي – أي الحرم – ثلاث متفرقة في طهر واحد . وكذا بكلمة واحدة بالأولى . وعن الإمامية : لا يقع بلفظ الثلاث ولا في حالة الحيض ، لأنه بدعة محرمة . وعن ابن عباس : يقع به واحدة ، وبه قال ابن إسحاق ، وطاوي وعكرمة ، لما في مسلم ان ابن عباس قال : كان الطلاق على عهد النبي ، وابي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر : إن الناس قد أستعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم ، وذهب جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم من ائمة المسلمين إلى أن يقع ثلاث .
قال في الفتح بعد سوق الأحاديث الدالة عليه : وهذا يعارض ما تقدم واما إمضاء عمر الثلاث عليهم مع عدم مخالفة الصحابة له ولعلمه بانها كانت واحدة فلا يمكن إلا وقد أطلعوا في الزمان المتأخر على وجود ناسخ ، أو لعلمهم بانتهاء الحكم لذلك ، لعلهم بإناطته بمعان علموا أنتفاءها في الزمن المتأخر . وقول بعض الحنابلة : توفى رسول الله عن مائة ألف عين راته فهل صح لكم عنهم أو عن عشر عشر عشرهم القول بوقوع الثلاث باطل .
واما أولاً – فإجماعهم ظاهر ، لأنه لم ينقل عن أحد منهم أنه خالف عمر حين أمضى الثلاث ، ولا يلزم في نقل الحكم الإجماعي عن مائة ألف تسمية كل في مجلد كبير لحكم واحد على انه إجماع سكوتي .
وأما ثانياًُ – فالعبرة في نقل الإجماع نقل ما عن المجتهدين والمائة الألف لا يبلغ عدة المجتهدين الفقهاء منهم أكثر من عشرين ، كالخلفاء والعبادلة وزيد بن ثابت ومعاذ وأنس وأبي هريرة ، والباقون برجعون إليهم ويستفتون منهم , قد ثبت النقل عن أكثرهم صريحاً بإيقاع الثلاث ، ولم يظهر لهم مخالف فماذا بعد الحق إلا الضلال ، وعن هذا قلنا : لو حكم حاكم بانها واحدة لم ينفذ حكمه ، لأنه لا يسوغ الاجتهاد فيه فهو خلاف لا اختلاف . وغاية الأمر فيه أن يصير كبيع أمهات الأولاد ، أجمع على نفيه وكن في الزمن الأول يبعن . انتهى .
وأنت تعلم ان الحنابلة القائلين بعدم وقوع الثلاث يناقشون في هذه المقدمات ، لأن الإجماع لم يتم ، لما ثبت أن أبن عباس لم يوافق ، وكذا الزبير وعبد الرحمن وغير واحد من الصحابة والتابعين وتابع التابعين ، ولم ينعقد إجماع القرون الثلاثة على ذلك كما تقدم ، كما سيتضح من بحث الإجماع الآتى إن شاء الله تعالى ، وأن هذه المسالة يعدونها كسائر المسائل الخلافية التى لم يقم الإجماع عليها فللاجتهاد فيها مجال ، كذا قالوا .
وقال الوالد عليه الرحمة في سورة الطلاق من كلام طويل تفسيره ما نصه : والمراد بإرسال الثلاث دفعة واحدة ما يعم كونها بألفاظ متعددة ، كأن يقال : أنت طالق ، أنت طالق ، أو بلفظ واحد ، كان يقال : أنت طالق ثلاثاً ، وفي وقوع هذا ثلاثاًُ خلاف ، وكذا في وقوع الطلاق مطلقاً في الحيض ، فعند الإمامية لا يقع الطلاق بلفظ الثلاث ، ولا في حالة الحيض لأنه بدعة محرمة ، وقد قال : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) ونقله غير واحد عن ابن المسيب وجماعة من التابعين .
وقال قوم منهم – فيما قيل – طاوس وعكرمة : الطلاق ثلاث بفم واحد يقع به واحدة .
وروى هذا أبو داود عن ابن عباس ، وهو أختيار الشيخ ابن تيمية من الحنابلة . وفي الصحيحين أن أبا الصهباء قال لابن عباس : ألم تعلم أن الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد رسول الله وابي بكر وصدراً من خلافة عمر ؟ قال : نعم .
وفي رواية لمسلم : أن ابن عباس قال : كان الطلاق على عهد رسول الله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر : إن الناس قد أستعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فامضاه عليهم .
ومنهم من قال في المدخول بها : يقع ثلاث وفي الغير واحدة ، لما في مسلم وأبي داود والنسائي أن أبا الصهباء كان كثير السؤال من ابن عباس قال : أما علمت أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثاًُ قبل أن يدخل بها جعلوا ذلك واحدة على عهد رسول الله وأبي بكر وصدراً من خلافة عمر . ؟ الحديث.
والذى ذهب إليه جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم من ائمة المسلمين ومنهم الأئمة الأربعة – وقوع الثلاث بفم واحد . ثم أجاب بما تقدم بعضه وأطال ، وبسط القيل والقال ، فإن أردت كمال الوقوف على هذه المسألة فارجع إليه وإلى الكتب المفصلة .
غير أنه قد تبين أن هذا القول لم ينفرد به الشيخ ابن تيمية ، وأن شبهته في ذلك قوية ، ومع ذا ، فهي من المسائل الاجتهادية .
هذا ، ومن الغريب ما ذكرت الشيخ عبد الغني النابلسي عليه الرحمة في شرحه للطريقة المحمدية في هذه المسألة ما نصه :
وقد رايت رسول الله فسألته في المطلقة بالثلاث في المجلس الواحد ، كيف حكمه عندك يا رسول الله ؟ فقال : (( هي ثلاث )) كما قال (( لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره )) فقلت له إن جماعة من أهل الظاهر حكموا أنها واحدة ؟ فقال : (( هؤلاء حكموا بما وصل إليهم وأصابوا ، وحكى أنا في المسألة ما ذكرت لك )) وفي رؤيا طويلة ، فمن ذلك الوقت صرت أقول بهذا الحكم عن رسول الله . انتهى بحروفه .
قال العلامة الشوكاني في الدرر البهية : الراجح عدم الوقوع . انتهى – وهو الحق كما حققه شيخنا العلامة أبو الطيب القنوجي حماه الله تعالى في ( الروضة الندية ) فإن شئت زيادة الاطلاع فارجع إليه ، والله سبحانه أعلم .
[ حكم المكوس وهل تقوم مقام الزكاة ؟ ]
( قوله : وإن المكوس حلال لمن أقطعها ، وأنها إذا أخذت من التجار أجزأتهم عن الزكاة ، وإن لم يكن باسم الزكاة ولا رسمها ) .
أقول : في القاموس : مكس في البيع يمكس : إذا جئ مالا . والمكس النقص والظلم . ودراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في الأسواق في الجاهلية . أو درهم كان يأخذه المصدق بعد فراغه من الصدقة .انتهى .
وقال عليه الصلاة والسلام : (( لا يدخل صاحب مكس الجنة )) يعني العشار . فعلي هذا أن المكوس ما يؤخذ من التجار بغير وجه شرعي .
( قلت ) : إن هذا القول المجمل لم يصحح نقله عن الشيخ ابن تيميه ، غير أنه قد صرح فقهاؤنا رحمهم الله تعالى أنه لو أخذ السلطان من شخص أموالاً مصادرة ، ونوى أداء الزكاة إليه ، فعلى قول المشايخ المتأخرين يجوز .
قال العلامة ابن عابدين في رد المختار : والصحيح أنه لا يجوز ، وبه تفنى ، لأنه ليس للظالم ولاية أخذ الزكاة من الأموال الباطنة .
ثم قال : وفي مختارات النوازل : السلطان الجائر إذا أخذ الخراج يجوز ، ولو أخذ الصدقات أو الجبايات أ, أخذ مالا مصادرة إن نوى الصدقة عند الدفع
قيل : يجوز أيضاً ، وبه يفتى .
وكذا إذا دفع إلى كل جائر بنية الصدقة ، لأنهم بما عليهم من التبعات صاروا فقراء والأحوط الإعادة ، انتهى .
وهذا موافق لما صححه في المبسوط ، وتبعه في الفتح فقد أختلف التصحيح والإفتاء في الأموال إذا نوى المتصدق بها على الجائر وعلمت ما هو الأحوط .
قلت : وشمل ذلك ما يأخذه المكاس ، لأنه وإن كان في الأصل هو العاشر الذى ينصبه الإمام لكن اليوم لا ينصب لأخذ الصدقات ، بل لسلب أموال الناس ظلماً بدون حماية فلا تسقط الزكاة بأخذه ، كما صرح به في البزازية . فإذا نوى التصدق عليه كان على الخلاف المذكور ، انتهى ما في رد المختار باختصار .
وفي الحاوى للزاهدى نقلاً عن جمع التفارق : أنه ينوى الزكاة بما أخذه منه الظالم ظلماً ، وإن كان يأخذه الظالم على غير جهة الزكاة .
ونقل أيضاً عن بعضهم : أن من أمتنع عن الزكاة فأخذها الإمام كرهاً ووضعها في أهله أجزأ ، لأن الإمام ولاية أخذ الصدقات فقام أخذه مقام دفع المالك . قال مجد الأئمة فيه إشكال ، لأن النية فيه شرط ولم توجد . انتهى .
فقد تبين أن هذه المسالة أيضاً خلافية ، فإذا ذهب إلى أختيار أحد القولين فيها الشيخ ابن تيميه فلا يعاب ، كما لا يخفى على من تضلع من المسائل الشرعية
وأما ما نسب إليه أولاً أيضاً من جواز إقطاع المكوس ، فالظاهر أنه ليس بصحيح العزو إليه كما سيأتى أمثال ذلك نعم ، وجدت عبارة في فثاويه فلعلها هي المأخذ في عزو ما ذكر إليه مع أنها ليس فيها ما يصحح حمل ذلك عليه ، فلا بأس بذكرها وهب قوله .