من روائع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى
قال شيخ الاسلام رحمه الله في تفسير سورة النساء :" فالمؤمن المتبع للرسل يأمر الناس بما أمرتهم به الرسل، ليكون الدين كله لله، لا له، وإذا أمر أحد غيره بمثل ذلك أحبه وأعانه، وسر بوجود مطلوبه.
وإذا أحسن إلى الناس، فإنما يحسن إليهم ابتغاء وجه ربه الأعلى، ويعلم أن الله قد مَنَّ عليه بأن جعله محسناً، ولم يجعله مسيئاً، فيرى أن عمله لله، وأنه باللّه.
وهذا مذكور فى فاتحة الكتاب، التى ذكرنا أن جميع الخلق محتاجون إليها أعظم من حاجتهم إلى أي شيء.
ولهذا فرضت عليهم قراءتها فى كل صلاة دون غيرها من السور ولم ينزل فى التوراة، ولا في الإنجيل، ولا فى الزبور، ولا في القرآن مثلها، فإن فيها: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]
فالمؤمن يرى أن عمله لله؛ لأنه إياه يعبد، وأنه بالله؛لأنه إياه يستعين، فلا يطلب ممن أحسن إليه جزاء ولا شكوراً؛ لأنه إنما عمل له ما عمل لله، كما قال الأبرار: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا} [الإنسان:9]، ولا يمن عليه بذلك ولا يؤذيه؛ فإنه قد علم أن اللّه هو المانّ عليه، إذ استعمله فى الإحسان، وأن المنة لله عليه، وعلى ذلك الشخص، فعليه هو أن يشكر الله، إذ يسره لليسرى، وعلى ذلك أن يشكر اللّه، إذ يسر له من يقدم له ما ينفعه من رزق أو علم أو نصر، أو غير ذلك.
ومن الناس من يحسن إلى غيره ليَمُنّ عليه، أو يرد الإحسان له بطاعته إليه وتعظيمه، أو نفع آخر، وقد يمن عليه، فيقول: أنا فعلت بك كذا، فهذا لم يعبد الله ولم يستعنه، ولا عمل لله، ولا عمل بالله، فهو المرائى.
وقد أبطل الله صدقة المنَّان، وصدقة المرائي، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} [البقرة:264، 265].
قال قتادة:{تَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ}: احتساباً من أنفسهم.
وقال الشعبى: يقيناً، وتصديقاً من أنفسهم.
وكذلك قال الكلبى. قيل: يخرجون الصدقة طيبة بها أنفسهم، على يقين بالثواب، وتصديق بوعد اللّه، يعلمون أن ما أخرجوه خير لهم مما تركوه.
قلت: إذا كان المعطى محتسباً للأجر عند الله، مصدقاً بوعد اللّه
له، طالباً من اللّه، لا من الذي أعطاه، فلا يمن عليه.كما لو قال رجل لآخر: أعط مماليكك هذا الطعام، وأنا أعطيك ثمنه، لم يمن على المماليك، لاسيما إذا كان يعلم أن الله قد أنعم عليه بالإعطاء.
والنقل
لطفا من هنا
http://www.sahab.net/forums/showthread.php?t=382324