دفاعا عن النصارى ( مطلوب ترجمته إلى الإجليزية )
أرسل إلينا أحد النصارى هذا التعليق فقال: أنتم تتهموننا نحن – المسيحيين العرب – بالشرك في كل مقالاتكم، ونحن نؤمن بإله واحد ولا نشرك به أحداً، وكون دينكم الإسلامي تحدث عن مجموعة من البشر كانت تعتنق هذا الفكر في زمن الإسلام وكتب عنها القرآن - فلا ذنب لنا في أنكم لا تفهمون هذه الحقيقة، ولكن المسيحيين ليسوا بمشركين كما تظنون.
وتأكيداً لهذا: اقرؤوا القرآن بتمعُّن أكثر؛ تجدوا أن الطائفة النصرانية هي المشركة في بداية الإسلام، ولكن مسيحيي اليوم لا يمتون بصلة لهذه الطائفة، التي أبيدت عن آخرها منذ زمن بعيد.
اقرؤوا التاريخ؛ كي لا تقذفوا الناس بأبشع الاتهامات، وأنتم لا تدرون.
انتهى الخطاب ...
والرد بعون الله
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأهلا ومرحبا بك، فنحن نرحب بمناقشتك وبالرد على ما عندك من شبهات، ونسأل الله أن يشرح صدرك، وأن يوفقك إلى ما يحبه ويرضاه.
أولاً: تعريف الشرك:
في البداية قلت إننا نتهمكم بالشرك؛ فلنعرف أولاً ما الشرك؟ الشرك في اللغة: هو المقارنة وخلاف الانفراد، ويطلق على المخالطة, والمصاحبة والمشاركة.
والشرك في الاصطلاح: هو اتخاذ الند مع الله تعالى؛ أي: جعل شريك مع الله في التوحيد.
ثانياً: الأدلة على أن اعتقادات النصارى شرك بالله من كتبهم:
وكما تعلم: إن طوائف النصارى الثلاث: الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت، قد أجمعوا على القول بألوهية المسيح عليه السلام، وأنه نزل ليُصلَب تكفيراً لخطيئة آدم عليه السلام.
فالعقيدة التي يعتنقها جميع النصارى -على اختلاف مذاهبهم- هي عقيدة أن الإله واحد في أقانيم ثلاثة: الأب، والابن، والروح القدس، والمسيح هو "الابن"، وهم يضطربون في تفسير الأقانيم: فتارة يقولون أشخاص، وتارة خواص، وتارة صفات، وتارة جواهر، وتارة يجعلون الأقنوم اسما للذات والصفة معاً، ومحصل كلامهم يؤول إلى التمسك بأن عيسى إله؛ ونحن لم نستق تلك المعارف من القرآن وحده – وإن كان كافياً – ولكن من كتب النصارى أنفسهم، ومن الأناجيل وشروحها وكلام علمائهم؛ فكلها طافحة بذلك، والعجيب أنك لم تطَّلِع عليها!
يقول الدكتور بوست في "قاموس الكتاب المقدس": "طبيعة الله عبارة عن ثلاثة أقانيم متساوية: الله الأب، والله الابن، والله الروح القدس، فإلى الأب ينتمي الخلق بواسطة الابن، وإلى الابن الفداء، وإلى الروح القدس التطهير".
وجاء في كتاب "سوسنة سليمان" لنوفل بن نعمة الله بن جرجس – النصراني -: "إن عقيدة النصارى التي لا تختلف بالنسبة لها الكنائس، وهي أصل الدستور الذي بينه المجمع النيقاوي، هي الإيمان بإله، واحد: أب واحد، ضابط الكل، خالق السماوات والأرض، كل ما يرى وما لا يرى، وبرب واحد يسوع، الابن الوحيد المولود من الأب قبل الدهور من نور الله، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساوٍ للأب في الجوهر، ومن أجل خطايانا نزل من السماء، وتجسَّد من الروح القدس، ومن مريم العذراء تأنَّس، وصُلِب عنا على عهد بيلاطس، وتألم وقبِّر، وقام من الأموات في اليوم الثالث - على ما في الكتب - وصعد إلى السماء وجلس على يمين الرب، وسيأتي بمجد ليدين الأحياء والأموات، ولا فناء لملكه، والإيمان بالروح القدس، الرب المحيي المنبثق من الأب، الذي هو الابن يسجد له، ويمجده، الناطق بالأنبياء".
واختلفت مذاهب النصارى في المسيح؛ أهو ذو طبيعة لاهوتية وطبيعة ناسوتية، أم ذو طبيعة واحدة لاهوتية فقط؟! وهل هو ذو مشيئة واحدة مع اختلاف الطبيعتين؟! وهل هو قديم كالأب؟!
ونظرا لصعوبة تصور الأقانيم الثلاثة في واحد، وصعوبة الجمع بين التوحيد والتثليث؛ فإن علماء النصارى الذين كتبوا عن اللاهوت حاولوا تأجيل النظر العقلي في هذه القضية، التي يرفضها العقل ابتداءً.
قال القس بوطر في رسالة "الأصول والفروع": "قد فهمنا ذلك على قدر طاقة عقولنا، ونرجو أن نفهمه فهماً أكثر جلاءً في المستقبل، حين يكشف لنا الحجاب عن كل ما في السماوات وما في الأرض، وأما في الوقت الحاضر ففي القدر الذي فهمناه كفاية".
فعقيدة الثالوث - التي قدمها النصارى للمجتمع الإنساني، واتفقوا عليها - عجيبة وغريبة، وتبدو غرابتها واضحة وجلية عند عرضها على صفحة العقل، الذي كرم الله به الإنسان، ولكن النصارى يرون أن التثليث لا يعالج بمنطق العقل، ولكن بالإيمان والوجدان، وهذا هروب من النصارى في بداية الطريق.
فلا بأس أن نعتمد على الإيمان القلبي في قضية من القضايا الغيبية، ولكن بشرط ألا يحكم العقل فيها حكماً بديهياً باستحالتها وتناقضها.
وإذا كان النصارى يقولون: إن التثليث يصعب تصوره على العقل، فإننا نقول بل يستحيل تصوره لدى العقل، ومن أول جولة معه يخرجه بجذوره ويلقيه في دائرة اللامعقول، ومهما حاول النصارى أن يعللوا هذا التثليث، فسيبقى مراً في حلوق العقلاء.
ولعل هذا ما دفعك للمسارعة بإنكاره والبراءة منه وإلصاقه بمن مات في القرن الغابر! ولن ينفعك ما تدعيه من توحيد مادمت على غير عقيدة الإسلام؛ فإن البراءة من الشرك والدخول في التوحيد لا يتحقق إلا بالدخول في الإسلام، بنطق الشهادتين.
وقد حاول بعضهم التنصل من الشرك؛ فادعى أن الأقانيم الثلاثة هذه ثلاث صفات لذات واحدة، وهي دعوى تبرهن على التناقض؛ لأنه يلزمهم على ذلك أن لا يكون المسيح إلهاً خالقاً رازقاً لأن الصفة ليست إلها خالقا رازقا، وأيضاً فالصفة لا تفارق الموصوف وهم متفقون على أن المسيح إله حق من إله حق من جوهر أبيه، وهذا يدل على استحالة الجمع بين التثليث والتوحيد.
وسيظل العقل النصراني يئن تحت وطأة هذا التناقض، وكيف لا يئن ويشتكي أمام قول إثناسيوس الرسولي: "فالأب هو الله والابن هو الله وروح القدس هو الله، وكلهم هو الله"؟!
واعتقادهم أن كل أقنوم من الثلاثة يختص بعمل معين - كما سبق من كلام الدكتور بوست في "قاموس الكتاب المقدس" وكما في الأمانة التي اتفق عليها النصارى" - فبهذا يظهر أمامهم ثلاثة آلهة تبرز برؤوسها، والثلاثة معاً الله، والله يتفرق فيكون ثلاثة، ويجتمع فيكون إلهاً، أين العقل الذي يحتمل ذلك؟! وهذه المقولات بعينها من العقائد التي تتضمن، القول بألوهية المسيح عليه السلام، والقول بأن الله ثالث ثلاثة، -وإن حاولت بعض الدراسة إنكارها-
والمتتبع لأطوار العقيدة النصرانية عبر التاريخ، يجد أن عقيدة التثليث، وكذلك عقيدة بنوة المسيح لله – تعالى الله عما يقولون علواً عظيماً- وعقيدة ألوهية أمه مريم، ودخولها في التثليثات المتعددة الأشكال ونحو ذلك من الانحرافات، كلها لم تصاحب النصرانية الأولى، وإنما دخلت إليها على فترات متفاوتة عبر التاريخ، مع الوثنيين الذي دخلوا في النصرانية، وهم لم يبرؤوا بعد من التصورات الوثنية والآلهة المتعددة.
وفيما يلي سنذكر نبذ مختصرة عن أسباب وقوع النصارى في الشرك الصريح بجميع طوائفهم قديما وحديثا - إلا بقايا قليلة منهم قبل بعثة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن أهم تلك الأسباب على الإطلاق تحريف الإنجيل.
فاعلم أن النصارى كلهم مجمعون على اعتبار الكتب الأربعة: متى ومرقس ولوقا ويوحنا وبقية العهد الجديد، مع العهد القديم - هي الكتب المقدسة، وكذلك اتفقوا على أن لوقا ومرقس لم يريا المسيح وإنما رآه متى ويوحنا، إلا أنهم يختلفون في بعض الأمور الأخرى، وخلاصة ما قاله المؤرخون عن تلك الأناجيل وعن تحديد الزمان والمكان والكيفية التي كتبت بها، أن ذلك كله مجهول؛ فلم ينته الخلاف بعد حول كاتب كل إنجيل وزمن كتابته، والمكان الذي كتب فيه، واللغة الأصلية التي كتب بها، والجهة التي كتب لها، حتى أن أحد قساوستهم عندما سئل عن مؤلف إنجيل يوحنا قال: "لا يعلم إلا الله وحده مَن الذي كتب هذا الإنجيل"، كما في كتاب "مدخل إلى العهد الجديد" لـ فهيم عزيز، وما يقال عن إنجيل يوحنا يقال عن بقية الأناجيل، وهذه الأناجيل المحرفة كانت من أعظم أسباب تحريف رسالة عيسى عليه السلام، التي هي في أصلها رسالة توحيد.
والنصارى لا يزعمون أنهم يملكون كلام السيد المسيح أو حتى جملة واحدة منه؛ فكل ما عندهم عبارة عن كلام عن السيد المسيح مكتوب باللغة اليونانية، أي كلام من شخص ثالث مجهول عن السيد المسيح، وهذا الكلام إما انه مترجم من نص عبري مفقود، أو كلام إنسان مجهول كتبه باللغة اليونانية، ومن هنا نجد استحالة أن يكون الكلام المنسوب للسيد المسيح في كتبهم له.
وقد كتبت أصول هذه الأناجيل باللغة اليونانية فيما عدا "إنجيل متى" الذي كتب بالعبرانية، لكن أياً من اللغتين لم تكن لغة للمسيح، الذي كان يتكلم السريانية كما دلت على ذلك الأناجيل فمن الذي ترجم هذه الأناجيل؟! وأين النسخ الأصلية؟! فهذه أسئلة لا تجدون لها جواباً، وهي تفقد أي ثقة في هذا الأناجيل، وكذلك كُتاب الأناجيل ليسوا من تلامذة المسيح المباشرين، بل اقتبسوا من أفكار بولس الإلحادية والوثنية، ونسبوها إلى المسيح عليه السلام، والأناجيل الأربعة المشهورة لم تعرف إلا في أوائل القرن الثالث، وأول من ذكرها أرينوس سنة 209م، وقد امتدت إليها يد التحريف والتعديل على مر التاريخ حتى لا تكاد توجد نسخة تشبه الأخرى.
ومن نظر في الأناجيل الأربعة وجد كثيراً من الاختلافات الجوهرية والأغلاط، التي يستحيل معها أن يكون هذا الموجود بين أيديهم موحى به من عند الله فمنها على سبل المثال:
الاختلافات الكبيرة في قصة الصلب، برغم أنها من صلب عقيدتهم.
ومنها: اختلافهم في نسب (المسيح)؛ فقد أعطاه متى نسباً مخالفاً لما دوَّنه لوقا.
ومنها: الاختلاف في تعيين أسماء الحواريين؛ أصحاب عيسى عليه السلام،
ومن الأغلاط الظاهرة: قول متى في إنجيله بعد الصلب المزعوم للمسيح: "وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت والصخور تفتقت والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا للكثيرين"؛ فهذه الآية التي - لو حدثت - لنقلت بالتواتر؛ لأنها آية عظيمة تتوافر الهمم على نقلها، لكن لم يعلم بها أصحاب الأناجيل الثلاثة: لوقا ومرقص ويوحنا، مع اهتمامهم بذكر أمور بسيطة لا تدعو حاجة ولا ضرورة إلى ذكرها مما يدل على أنه محض خيال توهمه الكاتب.
وما جاء في إنجيل لوقا (1/30) في البشارة بالمسيح قوله: "ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويُمَلَّك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية". وهذا خطأ فاحش فإن المسيح لم يكن ملكاً لليهود، ولا ملكاً على آل يعقوب ولا حصل له شيء من ذلك، فهل يتخلف وعد الله؟!
فهذا كله وأضعافه، مما يورث اليقين بأن هذه الأناجيل ليست هي الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى.
يقول كلارك ـ شارح الكتاب المقدس في أربعة أجزاء ـ: "إن هناك أربعين ألف خطأ في الكتاب المقدس من الترجمات والحذف والنقل وغيرها".
وهذا ما دفع الكثير من علمائهم المنصفين إلى اعتناق الإسلام وكان من بينهم" فارس الشدياق" الذي عكف - هو ولجنة من علماء النصارى العرب - على إعادة صياغة الكتاب المقدس بأسلوب عربي رصين، وبعد أن أتم العمل أسلم؛ لما شاهده من التحريف والتبديل، وقال: "هؤلاء قوم يهرفون بما لا يعرفون، وكلما ضاق بهم الأمر كتبوا ما يريدون".
وقال ديورانت في "قصة الحضارة"(ج12/ ص7): "وترجع أقدم النسخ التي لدينا من الأناجيل الأربعة إلى القرن الثالث، أما النسخ الأصلية، فيبدو أنها كتبت بين عامي 60، 120م، ثم تعرضت بعد كتابتها مدى قرنين من الزمان الأخطاء في النقل، ولعلها تعرضت أيضاً لتحريف مقصود يراد به التوفيق بينها وبين الطائفة التي ينتمي إليها الناسخ أو أغراضها".
فلا عجب أن نرى في كل فترة من الزمان نسخة جديدة من الإنجيل مكتوباً عليها: "مزيدة ومنقحة!!".
الشيخ خالد عبد المنعم
المدير السابق لمعهد الدعاة بالعزيز بالله
المدير السابق لمعهد الدعاة بالعزيز بالله
أرسل إلينا أحد النصارى هذا التعليق فقال: أنتم تتهموننا نحن – المسيحيين العرب – بالشرك في كل مقالاتكم، ونحن نؤمن بإله واحد ولا نشرك به أحداً، وكون دينكم الإسلامي تحدث عن مجموعة من البشر كانت تعتنق هذا الفكر في زمن الإسلام وكتب عنها القرآن - فلا ذنب لنا في أنكم لا تفهمون هذه الحقيقة، ولكن المسيحيين ليسوا بمشركين كما تظنون.
وتأكيداً لهذا: اقرؤوا القرآن بتمعُّن أكثر؛ تجدوا أن الطائفة النصرانية هي المشركة في بداية الإسلام، ولكن مسيحيي اليوم لا يمتون بصلة لهذه الطائفة، التي أبيدت عن آخرها منذ زمن بعيد.
اقرؤوا التاريخ؛ كي لا تقذفوا الناس بأبشع الاتهامات، وأنتم لا تدرون.
انتهى الخطاب ...
والرد بعون الله
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأهلا ومرحبا بك، فنحن نرحب بمناقشتك وبالرد على ما عندك من شبهات، ونسأل الله أن يشرح صدرك، وأن يوفقك إلى ما يحبه ويرضاه.
أولاً: تعريف الشرك:
في البداية قلت إننا نتهمكم بالشرك؛ فلنعرف أولاً ما الشرك؟ الشرك في اللغة: هو المقارنة وخلاف الانفراد، ويطلق على المخالطة, والمصاحبة والمشاركة.
والشرك في الاصطلاح: هو اتخاذ الند مع الله تعالى؛ أي: جعل شريك مع الله في التوحيد.
ثانياً: الأدلة على أن اعتقادات النصارى شرك بالله من كتبهم:
وكما تعلم: إن طوائف النصارى الثلاث: الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت، قد أجمعوا على القول بألوهية المسيح عليه السلام، وأنه نزل ليُصلَب تكفيراً لخطيئة آدم عليه السلام.
فالعقيدة التي يعتنقها جميع النصارى -على اختلاف مذاهبهم- هي عقيدة أن الإله واحد في أقانيم ثلاثة: الأب، والابن، والروح القدس، والمسيح هو "الابن"، وهم يضطربون في تفسير الأقانيم: فتارة يقولون أشخاص، وتارة خواص، وتارة صفات، وتارة جواهر، وتارة يجعلون الأقنوم اسما للذات والصفة معاً، ومحصل كلامهم يؤول إلى التمسك بأن عيسى إله؛ ونحن لم نستق تلك المعارف من القرآن وحده – وإن كان كافياً – ولكن من كتب النصارى أنفسهم، ومن الأناجيل وشروحها وكلام علمائهم؛ فكلها طافحة بذلك، والعجيب أنك لم تطَّلِع عليها!
يقول الدكتور بوست في "قاموس الكتاب المقدس": "طبيعة الله عبارة عن ثلاثة أقانيم متساوية: الله الأب، والله الابن، والله الروح القدس، فإلى الأب ينتمي الخلق بواسطة الابن، وإلى الابن الفداء، وإلى الروح القدس التطهير".
وجاء في كتاب "سوسنة سليمان" لنوفل بن نعمة الله بن جرجس – النصراني -: "إن عقيدة النصارى التي لا تختلف بالنسبة لها الكنائس، وهي أصل الدستور الذي بينه المجمع النيقاوي، هي الإيمان بإله، واحد: أب واحد، ضابط الكل، خالق السماوات والأرض، كل ما يرى وما لا يرى، وبرب واحد يسوع، الابن الوحيد المولود من الأب قبل الدهور من نور الله، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساوٍ للأب في الجوهر، ومن أجل خطايانا نزل من السماء، وتجسَّد من الروح القدس، ومن مريم العذراء تأنَّس، وصُلِب عنا على عهد بيلاطس، وتألم وقبِّر، وقام من الأموات في اليوم الثالث - على ما في الكتب - وصعد إلى السماء وجلس على يمين الرب، وسيأتي بمجد ليدين الأحياء والأموات، ولا فناء لملكه، والإيمان بالروح القدس، الرب المحيي المنبثق من الأب، الذي هو الابن يسجد له، ويمجده، الناطق بالأنبياء".
واختلفت مذاهب النصارى في المسيح؛ أهو ذو طبيعة لاهوتية وطبيعة ناسوتية، أم ذو طبيعة واحدة لاهوتية فقط؟! وهل هو ذو مشيئة واحدة مع اختلاف الطبيعتين؟! وهل هو قديم كالأب؟!
ونظرا لصعوبة تصور الأقانيم الثلاثة في واحد، وصعوبة الجمع بين التوحيد والتثليث؛ فإن علماء النصارى الذين كتبوا عن اللاهوت حاولوا تأجيل النظر العقلي في هذه القضية، التي يرفضها العقل ابتداءً.
قال القس بوطر في رسالة "الأصول والفروع": "قد فهمنا ذلك على قدر طاقة عقولنا، ونرجو أن نفهمه فهماً أكثر جلاءً في المستقبل، حين يكشف لنا الحجاب عن كل ما في السماوات وما في الأرض، وأما في الوقت الحاضر ففي القدر الذي فهمناه كفاية".
فعقيدة الثالوث - التي قدمها النصارى للمجتمع الإنساني، واتفقوا عليها - عجيبة وغريبة، وتبدو غرابتها واضحة وجلية عند عرضها على صفحة العقل، الذي كرم الله به الإنسان، ولكن النصارى يرون أن التثليث لا يعالج بمنطق العقل، ولكن بالإيمان والوجدان، وهذا هروب من النصارى في بداية الطريق.
فلا بأس أن نعتمد على الإيمان القلبي في قضية من القضايا الغيبية، ولكن بشرط ألا يحكم العقل فيها حكماً بديهياً باستحالتها وتناقضها.
وإذا كان النصارى يقولون: إن التثليث يصعب تصوره على العقل، فإننا نقول بل يستحيل تصوره لدى العقل، ومن أول جولة معه يخرجه بجذوره ويلقيه في دائرة اللامعقول، ومهما حاول النصارى أن يعللوا هذا التثليث، فسيبقى مراً في حلوق العقلاء.
ولعل هذا ما دفعك للمسارعة بإنكاره والبراءة منه وإلصاقه بمن مات في القرن الغابر! ولن ينفعك ما تدعيه من توحيد مادمت على غير عقيدة الإسلام؛ فإن البراءة من الشرك والدخول في التوحيد لا يتحقق إلا بالدخول في الإسلام، بنطق الشهادتين.
وقد حاول بعضهم التنصل من الشرك؛ فادعى أن الأقانيم الثلاثة هذه ثلاث صفات لذات واحدة، وهي دعوى تبرهن على التناقض؛ لأنه يلزمهم على ذلك أن لا يكون المسيح إلهاً خالقاً رازقاً لأن الصفة ليست إلها خالقا رازقا، وأيضاً فالصفة لا تفارق الموصوف وهم متفقون على أن المسيح إله حق من إله حق من جوهر أبيه، وهذا يدل على استحالة الجمع بين التثليث والتوحيد.
وسيظل العقل النصراني يئن تحت وطأة هذا التناقض، وكيف لا يئن ويشتكي أمام قول إثناسيوس الرسولي: "فالأب هو الله والابن هو الله وروح القدس هو الله، وكلهم هو الله"؟!
واعتقادهم أن كل أقنوم من الثلاثة يختص بعمل معين - كما سبق من كلام الدكتور بوست في "قاموس الكتاب المقدس" وكما في الأمانة التي اتفق عليها النصارى" - فبهذا يظهر أمامهم ثلاثة آلهة تبرز برؤوسها، والثلاثة معاً الله، والله يتفرق فيكون ثلاثة، ويجتمع فيكون إلهاً، أين العقل الذي يحتمل ذلك؟! وهذه المقولات بعينها من العقائد التي تتضمن، القول بألوهية المسيح عليه السلام، والقول بأن الله ثالث ثلاثة، -وإن حاولت بعض الدراسة إنكارها-
والمتتبع لأطوار العقيدة النصرانية عبر التاريخ، يجد أن عقيدة التثليث، وكذلك عقيدة بنوة المسيح لله – تعالى الله عما يقولون علواً عظيماً- وعقيدة ألوهية أمه مريم، ودخولها في التثليثات المتعددة الأشكال ونحو ذلك من الانحرافات، كلها لم تصاحب النصرانية الأولى، وإنما دخلت إليها على فترات متفاوتة عبر التاريخ، مع الوثنيين الذي دخلوا في النصرانية، وهم لم يبرؤوا بعد من التصورات الوثنية والآلهة المتعددة.
وفيما يلي سنذكر نبذ مختصرة عن أسباب وقوع النصارى في الشرك الصريح بجميع طوائفهم قديما وحديثا - إلا بقايا قليلة منهم قبل بعثة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن أهم تلك الأسباب على الإطلاق تحريف الإنجيل.
فاعلم أن النصارى كلهم مجمعون على اعتبار الكتب الأربعة: متى ومرقس ولوقا ويوحنا وبقية العهد الجديد، مع العهد القديم - هي الكتب المقدسة، وكذلك اتفقوا على أن لوقا ومرقس لم يريا المسيح وإنما رآه متى ويوحنا، إلا أنهم يختلفون في بعض الأمور الأخرى، وخلاصة ما قاله المؤرخون عن تلك الأناجيل وعن تحديد الزمان والمكان والكيفية التي كتبت بها، أن ذلك كله مجهول؛ فلم ينته الخلاف بعد حول كاتب كل إنجيل وزمن كتابته، والمكان الذي كتب فيه، واللغة الأصلية التي كتب بها، والجهة التي كتب لها، حتى أن أحد قساوستهم عندما سئل عن مؤلف إنجيل يوحنا قال: "لا يعلم إلا الله وحده مَن الذي كتب هذا الإنجيل"، كما في كتاب "مدخل إلى العهد الجديد" لـ فهيم عزيز، وما يقال عن إنجيل يوحنا يقال عن بقية الأناجيل، وهذه الأناجيل المحرفة كانت من أعظم أسباب تحريف رسالة عيسى عليه السلام، التي هي في أصلها رسالة توحيد.
والنصارى لا يزعمون أنهم يملكون كلام السيد المسيح أو حتى جملة واحدة منه؛ فكل ما عندهم عبارة عن كلام عن السيد المسيح مكتوب باللغة اليونانية، أي كلام من شخص ثالث مجهول عن السيد المسيح، وهذا الكلام إما انه مترجم من نص عبري مفقود، أو كلام إنسان مجهول كتبه باللغة اليونانية، ومن هنا نجد استحالة أن يكون الكلام المنسوب للسيد المسيح في كتبهم له.
وقد كتبت أصول هذه الأناجيل باللغة اليونانية فيما عدا "إنجيل متى" الذي كتب بالعبرانية، لكن أياً من اللغتين لم تكن لغة للمسيح، الذي كان يتكلم السريانية كما دلت على ذلك الأناجيل فمن الذي ترجم هذه الأناجيل؟! وأين النسخ الأصلية؟! فهذه أسئلة لا تجدون لها جواباً، وهي تفقد أي ثقة في هذا الأناجيل، وكذلك كُتاب الأناجيل ليسوا من تلامذة المسيح المباشرين، بل اقتبسوا من أفكار بولس الإلحادية والوثنية، ونسبوها إلى المسيح عليه السلام، والأناجيل الأربعة المشهورة لم تعرف إلا في أوائل القرن الثالث، وأول من ذكرها أرينوس سنة 209م، وقد امتدت إليها يد التحريف والتعديل على مر التاريخ حتى لا تكاد توجد نسخة تشبه الأخرى.
ومن نظر في الأناجيل الأربعة وجد كثيراً من الاختلافات الجوهرية والأغلاط، التي يستحيل معها أن يكون هذا الموجود بين أيديهم موحى به من عند الله فمنها على سبل المثال:
الاختلافات الكبيرة في قصة الصلب، برغم أنها من صلب عقيدتهم.
ومنها: اختلافهم في نسب (المسيح)؛ فقد أعطاه متى نسباً مخالفاً لما دوَّنه لوقا.
ومنها: الاختلاف في تعيين أسماء الحواريين؛ أصحاب عيسى عليه السلام،
ومن الأغلاط الظاهرة: قول متى في إنجيله بعد الصلب المزعوم للمسيح: "وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت والصخور تفتقت والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا للكثيرين"؛ فهذه الآية التي - لو حدثت - لنقلت بالتواتر؛ لأنها آية عظيمة تتوافر الهمم على نقلها، لكن لم يعلم بها أصحاب الأناجيل الثلاثة: لوقا ومرقص ويوحنا، مع اهتمامهم بذكر أمور بسيطة لا تدعو حاجة ولا ضرورة إلى ذكرها مما يدل على أنه محض خيال توهمه الكاتب.
وما جاء في إنجيل لوقا (1/30) في البشارة بالمسيح قوله: "ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويُمَلَّك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية". وهذا خطأ فاحش فإن المسيح لم يكن ملكاً لليهود، ولا ملكاً على آل يعقوب ولا حصل له شيء من ذلك، فهل يتخلف وعد الله؟!
فهذا كله وأضعافه، مما يورث اليقين بأن هذه الأناجيل ليست هي الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى.
يقول كلارك ـ شارح الكتاب المقدس في أربعة أجزاء ـ: "إن هناك أربعين ألف خطأ في الكتاب المقدس من الترجمات والحذف والنقل وغيرها".
وهذا ما دفع الكثير من علمائهم المنصفين إلى اعتناق الإسلام وكان من بينهم" فارس الشدياق" الذي عكف - هو ولجنة من علماء النصارى العرب - على إعادة صياغة الكتاب المقدس بأسلوب عربي رصين، وبعد أن أتم العمل أسلم؛ لما شاهده من التحريف والتبديل، وقال: "هؤلاء قوم يهرفون بما لا يعرفون، وكلما ضاق بهم الأمر كتبوا ما يريدون".
وقال ديورانت في "قصة الحضارة"(ج12/ ص7): "وترجع أقدم النسخ التي لدينا من الأناجيل الأربعة إلى القرن الثالث، أما النسخ الأصلية، فيبدو أنها كتبت بين عامي 60، 120م، ثم تعرضت بعد كتابتها مدى قرنين من الزمان الأخطاء في النقل، ولعلها تعرضت أيضاً لتحريف مقصود يراد به التوفيق بينها وبين الطائفة التي ينتمي إليها الناسخ أو أغراضها".
فلا عجب أن نرى في كل فترة من الزمان نسخة جديدة من الإنجيل مكتوباً عليها: "مزيدة ومنقحة!!".