رسالة محمد عبده إلى شيخه الأفغاني
نقلا من كتاب منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير
وقد وضع المؤلف في كتابه صور هذه الرسائل - محمد عبده - مخطوطة بيده إلى شيخه جمال الدين الأفغاني
وقد وضع المؤلف في كتابه صور هذه الرسائل - محمد عبده - مخطوطة بيده إلى شيخه جمال الدين الأفغاني
رسالة محمد عبده إلى إستاذه جمال الدين الأفغاني :
ليتني كنت أعلم ماذا أكتب لك ، وأنت تعلم ما في نفسي كما تعلم ما في نفسك
صنعتنا بيدك
وافضت على موادنا صورها الكمالية وانشأتنا في أحسن تقويم
فيك عرفنا أنفسنا ، وبك عرفناك ، وبك عرفنا العالم أجمعين
فعلمك بنا كما لا يخفاك علم من طريق الموجب ، وهو علمك بذاتك ، وثقتك بقدرتك وارادتك ، فعنك صدرنا وإليك إليك المآب .
أوتيت من لدنك حكمة أقلب بها القلوب واعقل العقول ، واتصرف بها في خواطر النفوس ، ومنحت منك عزمة أتعتع بها الثواب ، وأذل بها شوامخ الصعاب ، وأصدع بها حم المشاكل ، واثبت بها في الحق للحق حتى يرضى الحق
وكنت أظن قدرتي بقدرتك غير محدودة ، ومكنتي لا مبتوتة ، ولا مقدورة ، فإذا أنا من الأيام كل يوم في شأن جديد .
ويقول كذلك :
فصورتك الظاهرة تجلت في قوتي الخيالية وامتد سلطانها على حسي المشترك ، وهي رسم الشهامة ، وشبح الحكمة وهيكل الكمال
فإليها ردت جميع محسوساتي ، وفيها فنيت مجامع مشهوداتي ، وروح حكمتك التي احييت بها مواتنا ، وأنرت بها عقولنا ، ولطفت بها نفوسنا ، بل التي بطنت بها فينا ، فظهرت في اشخاصنا ، فكنا اعدادك ، وأنت الواحد وغيبك ، وأنت الشاهد ورسمك الفوتوغرافي الذي أقمته في قبلة صلاتي ، رقيبا على ما أقدم من أعمالي ، ومسيطر علي في أحوالي
وما تحركت حركة ولا تكلمت ولا مضيت إلى غاية ولا انثنيت عن نهاية حتى تطابق في عملي أحكام أرواحك ؛ وهي ثلاثة فمضيت على حكمها سعيا في الخير ، واعلاء لكلمة الحق ، تأييدا لشوكة الحكمة ، وسلطان الفضيلة
ولست في ذلك إلا آلة لتنفيذ الرأي المثلث ، ومالي من ذاتي إرادة حتى ينقلب مربعا غير أن قواي العلية تخلت عني في مكاتبتي إليك ، وخلت بيني وبين نفسي التزاما لحكم ان المعلول لا يعود على علته بالتأثير على أن ما يكون إلى المولى من رقائم عبده ليس ألا نوعا من التضرع والابتهال لا أحسب فيه ما يكشف خفاء أو يزيد جلاء
ومع ذلك فإني لا أتوسل إليك في العفو عما تجده من قلق العبارة وما تراه مما يخالف سنن البلاغة بشفيع أقوى من عجز العقل عن إحداق نظره إليك وأطرق الفكر خشية منك بين يديك ، وأي شفيع أقوى من رحمتك بالضعفاء وحنوك لمغلوبي حياء .
ويقول أيضا :
أما ما يتعلق بنا فإني على بينة من أمر مولاي ، وان كان في قوة بيانه ما يشكك الملائكة في معبودهم والأنبياء في وحيهم ، ولكن ليس في استطاعته أن يشك نفسه في نفسه ، ولا أن يقنع عقله إلا على بالمحالات وإن كان في طوعه أن يقنع بها من أراد من الشرقيين والغربيين .
قال المؤلف :
هذا بعض ما ورد في خطاب محمد عبده إلى استاذه الأفغاني بتاريخ 5 جمادي الأولى سنة 1300 هـ .
وهي عبارات ولا شك خطيرة توجب إعادة النظر في عقيدة الرجل عند من لا تخدعه الأسماء ،
وقد استغرب السيد رشيد رضا نفسه هذه الرسالة من إستاذه حيث قال عند سياقه لها :
ومن كتاب له إلى السيد جمال الدين عقب النفي من مصر إلى بيروت ، وهو أغرب كتبه
بل
هو شاذ فيما يصف به استاذه السيد مما يشبه كلام صوفية الحقائق والقائلين بوحدة الوجود التي كان ينكرها عليهم بالمعنى المشهور عنهم
وفيه .. من الإغراق والغلو في السيد ما يستغرب صدوره عنه
وإن كان من قبيل الشعريات
وكذا ما يصف به نفسه بالتبع لاستاذه من الدعوى لم تعهد منه البته . ثم ساق نص الخطاب
ولم يلتزم السيد رشيد رضا الدقة كلها في نقل الرسالة فنراه يحذف بعض العبارات الخطيرة و
يضع نقطا
و
احيانا لا يضع حتى النقط
و
يحاول حينا أن يلطف من شدة انحرافه بعض العبارات بتأويلات متكلفه
و
أما حذفه بعض العبارات فلعله وضع لنفسه مبررا لذلك فقال في تقديم الخطاب ( ومن كتاب له إلى السيد جمال الدين )
وقال في رسالة أخرى لإستاذه بتاريخ 8 شعبان سنة 1300 هـ :
نحن الآن على سنتك القويمة لا تقطع رأس الدين إلا بسيف الدين
ولهذا لو رأيتنا لرأيت زهادا عبادا ركعا سجدا لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل .