مسئلة :الإخبار عن الله عزوجل و بعض ضوابطه
الإخبار عن الله عزوجل
تعريف الخبر في اللغة : الخبر: محركة: النبأ وفي التهذيب: الخبر: ما أتاك من نبإ عمن تستخبر ( 1)
و الخبر: هو العلم بكنه المعلومات على حقائقها ففيه معنى زائد على العلم ، وإنما هو من قولك خبرت الشئ إذا عرفت حقيقة خبره
وأنا خابر وخبير من قولك خبرت الشئ إذا عرفت حقيقة خبره وأنا خابر وخبير من قولك خبرت الشئ إذا عرفته مبالغة مثل عليم وقدير
ثم كثر حتى أستعمل في معرفة كنهه وحقيقته(2 ) ، أي هو ما يدل عن المُخْبَر عنه ذاتاً و صفاتاً وحالاً
وكأن الإخبار عن الله عزوجل هو الكلام بمضامين ما تحمله الأسماء والصفات( 3) من معاني ، ولا يُصف الله عزوجل بهذه المضامين فضلاً من أن يُسمى عزوجل (4 ) .
ونضرب لذلك مثلاً
وهو سؤال أجاب عنه الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عزوجل:
السؤال :
ما حكم قول بعض الناس : يا ساتر ؟
الجواب :
هم لو أخبروا خبراً لقلنا صحيح ، لكن إذا قالوا : يا ساتر دعاء ، فالله عزوجل يقول ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا )(لأعراف: من الآية180) فلا يُدعى الله تعالى إلا بأسمائه الحسنى أو بالصفات التي لا يتصف بها إلا هو .
السؤال :
كيف يخبروا بها ؟
الجواب :
ما قصدهم الخبر ، لو قالوا : إن الله ساتر فهذا صحيح لأن الرسول قال " من ستر مسلماً ستره الله "( 5) ، فأضاف الستر إلى الله ، لكن إذا دعوه بها فإنه لا يُدعى إلا بأسمائه أو صفاته التي لا يتصف بها إلا هو .
مثل قول الرسول ( اللهم مُنزل الكتاب ومُجرى السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم )(6 )، فدعا الله عزوجل بالصفات التى لا يتصف بها إلا هو.( 7)
الفرق بين الإخبار والأسماء والصفات:
قال شيخ الإسلام رحمه الله عزوجل (8 )
فصل
قال الله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون فى أسمائه وقال تعالى قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيما تدعوا فله الأسماء الحسنى وقال تعالى الله لا اله إلا هو له الأسماء الحسنى وقال تعالى هو الله الخالق البارىء المصور له الأسماء الحسنى و الحسنى المفضلة على الحسنة والواحد الاحاسن ثم هنا ثلاثة أقوال:
إما أن يقال ليس له من الأسماء إلا الأحسن ولا يدعى إلا به.
و إما أن يقال لا يدعى إلا بالحسنى وان سمي بما يجوز وان لم يكن من الحسنى وهذان قولان معروفان
و إما أن يقال بل يجوز فى الدعاء والخبر وذلك إن قوله ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) وقال (ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيما تدعوا فله الأسماء الحسنى) أثبت له الأسماء الحسنى وأمر بالدعاء بها فظاهر هذا ان له جميع الاسماء الحسنى .
وقد يقال جنس الأسماء الحسنى بحيث لا يجوز نفيها عنه كما فعله الكفار وأمر بالدعاء بها وأمر بدعائه مسمى بها خلاف ما كان عليه المشركون من النهى عن دعائه باسمه الرحمن فقد يقال قوله (فادعوه بها) أمر ان يدعى بالأسماء الحسنى وان لا يدعى بغيرها كما قال( ادعوهم لآبائهم) فهو نهى ان يدعوا لغير آبائهم .
ويفرق بين دعائه و الإخبار عنه فلا يدعى إلا بالأسماء الحسنى وأما الإخبار عنه فلا يكون باسم سيء لكن قد يكون باسم حسن او باسم ليس بسيئ وان لم يحكم بحسنه مثل اسم شيء وذات وموجود إذا أريد به الثابت وأما إذا أريد به الموجود عند الشدائد فهو من الأسماء الحسنى وكذلك المريد والمتكلم فان الإرادة والكلام تنقسم الى محمود ومذموم فليس ذلك من الأسماء الحسنى بخلاف الحكيم والرحيم والصادق ونحو ذلك فان ذلك لا يكون الا محمودا ( 9)
وهكذا كما فى حق الرسول حيث قال( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا فأمرهم ان يقولوا يا رسول الله يا نبى الله كما خاطبه الله بقوله يا أيها النبي يا ايها الرسول لا يقول يا محمد يا أحمد يا أبا القاسم وان كانوا يقولون فى الأخبار كالأذان ونحوه اشهد ان محمدا رسول الله كما قال تعالى( محمد رسول الله)
وقال( ومبشرا برسول يأتى من بعدى اسمه أحمد)
وقال (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله)
فهو سبحانه لم يخاطب محمدا الا بنعت التشريف كالرسول و النبي و المزمل والمدثر وخاطب سائر الأنبياء بأسمائهم مع انه فى مقام الإخبار عنه قد يذكر اسمه فقد فرق سبحانه بين حالتى الخطاب فى حق الرسول وامرنا بالتفريق بينهما فى حقه
وكذلك هو المعتاد فى عقول الناس اذا خاطبوا الأكابر من الأمراء والعلماء والمشايخ والرؤساء لم يخاطبوهم ويدعوهم الا باسم حسن وان كان فى حال الخبر عن أحدهم يقال هو انسان وحيوان ناطق وجسم ومحدث ومخلوق ومربوب ومصنوع وابن انثى ويأكل الطعام ويشرب الشراب
لكن كل ما يذكر من أسمائه وصفاته فى حال الإخبار عنه يدعى به فى حال مناجاته ومخاطبته وان كانت أسماء المخلوق فيها ما يدل على نقصه وحدوثه
وأسماء الله ليس فيها ما يدل على نقص ولا حدوث بل فيها الأحسن الذى يدل على الكمال وهى التى يدعى بها
وان كان اذا اخبر عنه يخبر باسم حسن أو باسم لا ينفى الحسن ولا يجب أن يكون حسنا وأما فى الأسماء المأثورة فما من اسم الا وهو يدل على معنى حسن
فينبغى تدبر هذا للدعاء وللخبر المأثور وغير المأثور الذى قيل لضرورة حدوث المخالفين للتفريق بين الدعاء والخبر وبين المأثور الذى يقال او تعريفهم لما لم يكونوا به عارفين وحينئذ فليس كل اسم ذكر فى مقام يذكر فى مقام بل يجب التفريق .إ .هـ
وقال ابن القيم رحمه الله عزوجل :
ويجب أن تعلم هنا أمور
أحدها
أن ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته كالشيء والموجود والقائم بنفسه فإنه يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا
الثاني
أن الصفة إذا كانت منقسمة إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمائه بل يطلق عليه منها كمالها وهذا كالمريد والفاعل والصانع فإن هذه الألفاظ لا تدخل في أسمائه ولهذا غلط من سماه بالصانع عند الإطلاق بل هو الفعال لما يريد فإن الإرادة والفعل والصنع منقسمة ولهذا إنما أطلق على نفسه من ذلك أكمله فعلا وخبرا
الثالث
أنه لا يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيدا أن يشتق له منه اسم مطلق كما غلط فيه بعض المتأخرين فجعل من أسمائه الحسنى المضل الفاتن الماكر تعالى الله عن قوله فإن هذه الأسماء لم يطلق عليه سبحانه منها إلا أفعال مخصوصة معينة فلا يجوز أن يسمى بأسمائها إ هـ.( 10)
وقال أيضاً :
السابع
أن ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفا كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه فهذا فصل الخطاب في مسألة أسمائه هل هي توقيفية أو يجوز أن يطلق عليه منها بعض ما لم يرد به السمع
الثامن
أن الاسم إذا أطلق عليه جاز أن يشتق منه المصدر والفعل فيخبر به عنه فعلا ومصدرا ونحو السميع البصير القدير يطلق عليه منه السمع والبصر والقدرة ويخبر عنه بالأفعال من ذلك نحو قد سمع الله المجادلة 1 وقدرنا فنعم القادرون المرسلات 23 هذا إن كان الفعل متعديا فإن كان لازما لم يخبر عنه به نحو الحي بل يطلق عليه الاسم والمصدر دون الفعل فلا يقال حي.(11 )
وقال أيضاً :
فإن الفعل أوسع من الاسم ولهذا أطلق الله على نفسه أفعالا لم يتسم منها بأسماء الفاعل كأراد وشاء وأحدث ولم يسم بالمريد و الشائي والمحدث كما لم يسم نفسه بالصانع والفاعل والمتقن وغير ذلك من الأسماء التي أطلق أفعالها على نفسه فباب الأفعال أوسع من باب الأسماء
وقد أخطأ أقبح خطأ من اشتق له من كل فعل اسما وبلغ بأسمائه زيادة على الألف فسماه الماكر والمخادع والفاتن والكائد ونحو ذلك
وكذلك باب الإخبار عنه بالاسم أوسع من تسميته به فإنه يخبر عنه بأنه شيء وموجود ومذكور ومعلوم ومراد ولا يسمى بذلك
فأما الواجد فلم تجيء تسميته به إلا في حديث تعداد الأسماء الحسنى والصحيح أنه ليس من كلام النبي ومعناه صحيح فإنه ذو الوجد والغنى فهو أولى بأن يسمى به من الموجود ومن الموجد
أما الموجود فإنه منقسم إلى كامل وناقص وخير وشر وما كان مسماه منقسما لم يدخل اسمه في الأسماء الحسنى كالشيء والمعلوم ولذلك لم يسم بالمريد ولا بالمتكلم وإن كان له الإرادة والكلام لانقسام مسمى المريد والمتكلم
وأما الموجد فقد سمي نفسه بأكمل أنواعه وهو الخالق البارئ المصور فالموجد كالمحدث والفاعل والصانع وهذا من دقيق فقه الأسماء الحسنى فتأمله وبالله التوفيق.إ هـ(12 )