من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 05.10.08 8:27
وقد استحسن من مالك رحمه الله – قوله إن الله في السماء وعلمه في كل مكان " ( ) وقيل لابن المبارك بماذا تعرف ربنا ؟ قال " بأنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه " ( ) ، و قيل لأبي عبد الله - الإمام أحمد - الله فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه وقدرته وعلمه بكل مكان ؟ قال « نعم هو على عرشه ولا يخلو شيء من علمه » ( )
وقال الشافعي : " خلافة أبي بكر قضاها الله في سمائه وجمع عليها قلوب أوليائه " ( ) .
وأما الأمام أبو حنيفة فقد كفر من يشك في علو الله – عز وجل – فضلا عن من يعتقد حلوله تعالى في جميع الأماكن كالجهمية والمعتزلة – تعالى الله عن قولهم ، فقد قال – رحمه الله - : من قال لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض فقد كفر لأن الله تعالى يقول: {الرحمن على العرش استوى} وعرشه فوق سبع سماوات ( ).
قال الإمام أبو الحسن الأشعري في رسالته لأهل الثغر: "وأجمعوا على أنه تعالى فوق سماواته على عرشه دون أرضه" وقد دل على ذلك بقوله: "أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا. . ." وقال: (الرحمن على العرش استوى) وليس استواؤه على العرش استيلاؤه كما قال أهل القدر لأنه عز وجل لم يزل مستوليا على كل شيء وأنه يعلم السر وأخفى من السر ولا يغيب عنه شيء في السماوات والأرض كأنه حاضر مع كل شيء وقد دل الله عز وجل على ذلك بقوله (وهو معكم أينما كنتم) وفسر ذلك أهل العلم بالتأويل: "أن علمه محيط بهم حيث كانوا" ( )
وقال رحمه الله في الإبانة : وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية: إن قول الله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} أنه استولى وقهر وملك ، وأن الله تعالى في كل مكان ، وجحدوا أن يكون الله على عرشه - كما قال أهل الحق- وذهبوا في الاستواء للقدرة ولو كان هذا كما ذكروه كان لا فرق بين العرش والأرض ، فالله سبحانه قادر عليها وعلى الحشوش وعلى كل ما في العالم ، فلو كان الله مستوياً على العرش بمعنى الاستيلاء -وهو سبحانه مستولٍ على الأشياء كلها- لكان مستوياً على العرش وعلى الأرض وعلى السماء وعلى الحشوش والأقذار لأنه قادر على الأشياء مستولٍ عليها ، وإذا كان قادر على الأشياء كلها - ولم يجز عند أحد من المسلمين أن يقول: إن الله عز وجل مستو على الحشوش والأخلية- لم يجيز أن يكون الاستواء على العرش الاستيلاء الذي هو عام في الأشياء كلها فوجب أن يكون معناه استواء يختص العرش دون الأشياء كلها. وزعمت المعتزلة والحرورية والجهمية أن الله عز وجل في كل مكان ، فلزمهم أنه في بطن مريم وفي الحشوش والأخلية ، وهذا خلاف الدين ، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً ( )
وقال الإمام، حافظ المغرب، أبو عمر بن عبد البر لما شرح "ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا ..." الذي في الموطأ قال: "هذا الحديث لم يختلف أهل الحديث في صحته، وفيه دليل على أن الله في السماء على العرش من فوق سبع سموات، كما قالت الجماعة، وهو من حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم إن الله عز وجل في كل مكان وليس على العرش ....
فإن احتجوا بقول الله عز وجل وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وبقوله وهو الله في السموات وفي الأرض وبقوله ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم الآية وزعموا أن الله تبارك وتعالى في كل مكان بنفسه وذاته تبارك وتعالى قيل لهم لا خلاف بيننا وبينكم وبين سائر الأمة أنه ليس في الأرض دون السماء بذاته فوجب حمل هذه الآيات على المعنى الصحيح المجتمع عليه وذلك أنه في السماء إله معبود من أهل السماء وفي الأرض إله معبود من أهل الأرض وكذلك قال أهل العلم بالتفسير فظاهر التنزيل يشهد أنه على العرش والاختلاف في ذلك بيننا فقط وأسعد الناس به من ساعده الظاهر
وأما قوله في الآية الأخرى وفي الأرض إله فالإجماع والاتفاق قد بين المراد بأنه معبود من أهل الأرض فتدبر هذا فإنه قاطع إن شاء الله ومن الحجة أيضا في أنه عز وجل على العرش فوق السموات السبع أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم إذا كربهم أمر أو نزلت بهم شدة رفعوا وجوههم إلى السماء يستغيثون ربهم تبارك وتعالى وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى أكثر من حكايته لأنه اضطرار لم يؤنبهم عليه أحد ولا أنكره عليهم مسلم ...(2).
(و) ... علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل، قالوا في تأويل قوله {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } هو على العرش، وعلمه بكل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله"( )
ويرد الإمام الباقلاني على الذين يقولون إن الله في كل مكان فيقول- رحمه الله- » فإن قالوا: فهل تقولون إنه في كل مكان؟ قيل: معاذ لله، بل هومستو على العرش، كما خبرّ في كتابه فقال: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } (طه:5)، وقال تعالى: ) إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } (فاطر:10) ، وقال: { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ } (الملك:16) ، ولو كان في كل مكان لكان في جوف الإنسان وفمه وفي الحشوش والمواضع التي يرغب عن ذكرها تعالى عن ذلك، وأوجب أن يزيد بزيادة الأماكي إذا خلق منها ما لم يكن خلقه، وينقص بنقصانها إذا بطل منها ما كان، ولصح أن يرغب إليه إلى نحو الأرض وإلى وراء ظهورنا وعن أيماننا وشمائلنا، وهذا ما قد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله« ( )
قال الشيخ صديق حسن خان – رحمه الله - فإن احتج مبتدع ومخالف بقول الله عز وجل : . . . { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ }( )
وبقوله : . . . { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا } . . ( ) ونحو هذا من متشابه القرآن فقل إنما يعني العلم لأن الله عز وجل فوق السماء السابعة العليا يعلم ذلك كله وهو بائن من خلقه ، لا يخلو عن علمه مكان ، وليس معنى ذلك أن الله في جوف السماء ، وأن السماء تحصره وتحويه فإن هذا لم يقله أحد من سلف الأمة وأئمتها بل هم متفقون على أن الله فوق سماواته على عرشه ، بائن من خلقه ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته ....أ.هـ) ( )
========== الحواشي ============
أخرجه الإمام عبد الله في « السنة » ( ص 5 ) وأبو داود في « مسائل الإمام أحمد » ( ص 263 ) .
رواه عبد الله في « السنة » ( ص 5 و 72 ) والدارمي في الرد على المريسي ( ص 24 و 103 ) وفي « الرد على الجهمية » ( ص 50 ) وقال ابن القيم في « اجتماع الجيوش » ( ص 84 ) : قد صح عنه صحة قريبة من التواتر .
رواه الخلال في « السنة » كما في « اجتماع الجيوش » ( ص 77 )
ذكره ابن القيم في « اجتماع الجيوش » ( ص 59) وصححه
شرح الطحاوية 322.
(رسالة إلى أهل الثغر لأبي الحسن الأشعري ( ص 232 وما بعدها ) دار النشر / مكتبة العلوم والحكم ، دمشق سنة النشر 1988الطبعة الأولى)
الإبانة ص109 -110.
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (7/138-139لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري توقي سنة 463هـ / طبعة وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية/ المغرب سنة 1387
) التمهيد (ص: 260) - ت مكارثي-.
سورة ق آية 16 .
. سورة المجادلة آية 7
قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر للشيخ محمد صديق حسن خان القنوجي ص 49 الطبعة : الأولى الناشر : وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية سنة 1421هـ