خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 11:09


    تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))
    وقفاتٌ مع مقالٍ للشيخ ماهر القحطاني وعتابٌ ولَوم

    ===================



    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ وبعد:
    فمن العراق المحتل – فكَّ اللهُ من أيدي الصليبين أسرَه ونجَّى من كيدِ الروافضِ أهلَه ـ ومن بلدة يستيقظ أهلُها ويبيتون على أحزان وآلام، ويعيشون حياةً في خوف وقلق لما يخفيه لهم مستقبَلُ الأيام؛ أكتب لكم وأصحبُ أنفاسي للمشاركة معكم مودَّةً وأُلفَةً بكم فأقــول:


    نحن في مسجدٍ يسعى أهلُه لإقامة السُّنَّةِ فيه؛ ولذا فقد أحيوا سُّنَّةَ قولِ المؤذن في وقت الفجر: (الصلاة خير من النوم) في رمضان الماضي وإلى يومنا هذا، والحمد لله.


    وقد اختار أهلُ المسجد أن يكون هذا اللفظ في أذان الفجر الأول قبل دخول الوقت وبعد الحيعلتين؛ بعد بحثٍ في بطون الكتب والمصنَّفات يؤكِّد لهم اختيارهم ذلك، وهكذا كانت المساجد التي في بلدتنا ومن حولنا.


    لكنَّ الأمر لم يَدُم في أحدِ تلك المساجد، فقد تأثر إمامُه – وهو من خيرةِ إخواننا السلفيين ومن طلبةِ العلم المعروفين – بما دوَّنه الشيخ الفاضل وأخونا العزيز أبو عبد الله ماهر القحطاني ـ حفظه الله وأعزَّه وتولاه – في مقالٍ له في موقعه بعنوان: (قول المؤذن في أذان الليل الصلاة خير من النوم بدعة)، ويظهر أنَّ تأثره في هذا الموضوع كان قديماً بعد لقاءه بالشيخ ماهر في موسم الحجِّ ومباحثته فيه


    ولذا فقد غيَّرَ في مسجده ما تعاهد عليه أهلُه قديماً فجعل قول المؤذن (الصلاة خير من النوم) في أذان الفجر الثاني بعد دخول الوقت، فأستغرب البعض لهذا التغيير وارتاح الآخر بهذا الصنيع، ثم أُخبِرتُ بهذا الأمر وأُعلِمتُ أنَّ أساسَه هو مقالٌ للشيخ ماهر الآنف الذكر.

    لذلك فقد عكفتُ على ذلك المقال قراءةً وتحقيقاً لأرى ما هي تلك الأدلة التي استدل بها الشيخ ماهر لإثبات ذلك القول، والذي أقنعَ به أصحابنا هنا.


    وبعد أن انتهيتُ من قراءته ودققتُ النظر فيه وجدتُ فيه أمرين، ووقفتُ معه وقفات؛ ولولا أني قد كُلِّفتُ في الجواب عن مقال الشيخ ماهر لما تجرأتُ للوقوف معه وقفةً فضلاً عن وقفات، لكن مما سهَّلَ عليَّ الأمر ذلك ما رأيتُه من جُرأة الشيخ ماهر في مقالاته وردوده وكيف يقف مع الكبار رداً وتعليقاً بكلِّ تقدير واحترام ولا يَهاب لمكانتهم في العلم ولا إلى منزلتهم في قلوب الناس من أن يصدع بالحق وينصر الصواب، فقوّيتُ محبةَ الحقِ والنصحَ في الجنان وشددتُ القوةَ في البنان وعزمتُ على الردِّ والبيان متوكِّلاً على مَنْ به نصول وبه نجول وهو المستعان.


    أما الأمران اللذان وجدتُهما في مقال الشيخ:


    فالأول: تعجُّل الشيخ في الحكم ببدعية القول الذي اختاره مخالفوه، ولو أنَّه ضعَّف قولهم وغلَّط مذهبهم لكان أقرب للتحقيق العلمي وأهون في قلوب مخالفيه، وبخاصَّة وأنَّ قول مخالفيه لهم سلف كما سيأتي بيانه، كما أنَّ بُعد الأدلة التي احتجَّ بها عن موطن الخلاف وعدم صراحتها في موضوعنا كان الأجدر أن يجعله يتأنَّى في حكمه بذلك، وهو بهذا يكون قد خالف الأصل الذي أصَّله في الوجه الثاني عشر فقال: ((لا يُتسرع بالحكم بالبدعة حتى يتثبت الباحثُ من عدم وجود أصلٍ لِما أحدث)).


    الثاني:
    حشد الوجوه البعيدة عن موطن البحث والاحتجاج - التي يُمكن أن تكون كمقدِّمات أو تقريرات في ثنايا الكلام – ضمن وجوه الرد والاحتجاج؛ مما يجعل القارئ لمقاله يهاب منه لكثرة وجوه الرد؛ ففي مقالنا هذا: ذكر الشيخ لإثبات مذهبه الذي تبناه خمسة عشر وجهاً‍‍؛ مع أنَّها عند التحقيق لا تخرج عن أربعة إلى خمسة وجوه بل – وفي نظري أقل من ذلك – كما هو ظاهر ولا يحتاج إلى بيان.


    والغريب أنَّ الشيخ ماهر حفظه الله تعالى رأيتُه في مقالاته وردوده قد اعتاد على هذه الطريقة، وفي نظري لا يحسن بمن هو في مكانته العلمية أن يصنع مثل ذلك، بل عليه أن يجعل هذه الوجوه التي هي خارج نطاق البحث مقدِّمات لمقالاته وردوده أو ينثرها في ثنايا الكلام وبما يناسب المقام دفعاً للتغرير ورفعاً للإيهام.


    أما الوقفات؛ فإليك يا مَنْ تجرَّدت للحقِّ بياناها:


    الوقفة الأولى:
    عند قول الشيخ في أوَّل مقاله: ((فقد انتشرت بدعة في الأذان الذي هو قبل أذان الفجر الصادق عند بعض أهل هذا الزمان لم تكن معروفة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام ذلكم أن بعضهم إذا أذن الأذان المعروف في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بأذان بلال وهو الذي كان بليل ثوب فيه فقال الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم وهذا العمل بدعة لا أصل له)).


    قلتُ: لا أدري ما الذي دفع الشيخ الفاضل لهذا القول وبهذا الحزم والجزم؛ مع أنَّه صحَّ ما يثبت بطلانه بالتمام!!؛ فقد أخرج الإمام ابن ماجه في سننه: حدثنا عمر بن رافع ثنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن بلال: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يُؤذِنه بصلاة الفجر، فقيل: هو نائم، فقال: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم، فأُقِرَّت في تأذين الفجر، فثبت الأمر على ذلك. قال الشيخ الألباني: صحيح.


    وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده (16524) من طريق آخر: ثنا يعقوب قال أنا أبي عن بن إسحاق قال: وذكر محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال:
    لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب بالناقوس يجمع للصلاة الناس وهو له كاره لموافقته النصارى؛ طاف بي من الليل طائف وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله قال: فقلت له: يا عبد الله أتبيع الناقوس، قال: وما تصنع به، قلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على خير من ذلك، قال: فقلت: بلى، قال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنَّ محمداً رسول الله أشهد أنَّ محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. قال: ثم استأخرت غير بعيد، قال: ثم تقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنَّ محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ هذه لرؤيا حق إن شاء الله)) ثم أمر بالتأذين، فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك، ويدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة. قال: فجاءه فدعاه ذات غداة إلى الفجر، فقيل له: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نائم، قال: فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم، قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر.


    قال ابن حجر [تلخيص الحبير 1/201] حول هذا الحديث: ((وفيه انقطاع مع ثقةِ رجاله، وذكره بن السكن من طريق أخرى عن بلال؛ وهو في الطبراني من طريق الزهري عن حفص بن عمر عن بلال وهو منقطع أيضاً، ورواه البيهقي في المعرفة من هذا الوجه فقال عن الزهري عن حفص بن عمر بن سعد المؤذن أنَّ سعداً كان يؤذن قال حفص فحدثني أهلي أنَّ بلالاً فذكره، وروى ابن ماجة من حديث عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سالم عن أبيه فذكره قصة اهتمامهم بما يجمعون به الناس قبل أن يشرع الأذان وفي آخره وزاد بلال في نداء صلاة الغداة: الصلاة خير من النوم، فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسناده ضعيف جداً، ولكن للتثويب طريق أخرى عن بن عمر رواها السراج والطبراني والبيهقي من حديث بن عجلان عن نافع عن بن عمر قال: كان الأذان الأول بعد حي على الصلاة حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم مرتين. وسنده حسن، وسيأتي بقية الأحاديث في ذلك)).
    وذكر الحديث الزيلعي في [نصب الراية 1/217] وسكت عنه.


    أقول: علة الحديث عند الحافظ وغيره هو الانقطاع بين محمد بن إسحاق – وهو مدلِّس ولم يُصرِّح بالتحديث – وبين الزهري؛ ولكن هذه العلة قد ارتفعت بمتابعة معمر بن راشد وشعيب بن أبي حمزة والنعمان بن المنذر لمحمد بن إسحاق في روايته عن الزهري عن سعيد بن المسيب هذه؛ وإليك هذه المتابعات:


    1- أخرجه عبد الرزاق في [مصنفه 1820]: عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ بلالاً يؤذن بليل؛ فمن أراد الصوم فلا يمنعه أذان بلال حتى يؤذن بن أم مكتوم)) قال: وكان أعمى فكان لا يؤذن حتى يقال له أصبحت، فلما كان ذات ليلة أذَّن بلال، ثم جاء يؤذن النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: إنه نائم، فنادى بلال: الصلاة خير من النوم، فأقرت في الصبح.


    2- وأخرجه البيهقي [السنن الكبرى 1834]: وأخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو أنبأ أبو محمد المزني أنبأ علي بن محمد بن عيسى ثنا أبو اليمان أخبرني شعيب عن الزهري قال: حدثني سعيد بن المسيب فذكر قصة عبد الله بن زيد ورؤياه إلى أن قال: ثم زاد بلال في التأذين الصلاة خير من النوم، وذلك أنَّ بلالاً أتى بعد ما أذَّن التأذينة الأولى من صلاة الفجر ليؤذن النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة، فقيل له: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نائم، فأذن بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم، فأقرت في التأذين لصلاة الفجر.
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 11:15


    3- وأخرجه البيهقي في [مسند الشاميين 1254]: حدثنا علي بن سعيد الرازي ثنا سلمة بن الخليل الكلاعي الحمصي ثنا مروان بن ثوبان قاضي حمص ثنا النعمان بن المنذر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة : أنَّ بلالاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم عند الأذان الأول من الصبح فوجده نائماً، فناداه: الصلاة خير من النوم، فلم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدخله في الأذان، فلا يؤذن لصلاة قبل وقتها غير صلاة الفجر.


    وأضاف الشيخ الألباني - تبعاً للحاكم - متابعاً رابعاً وهو يونس بن يزيد، فقال [الثمر المستطاب 1/115] في حكمه على هذا الحديث: ((وهذا سند جيد أيضاً، وابن إسحاق وإن كان لم يصرح بسماعه من الزهري فقد تابعه عليه جمع، قال الحاكم (3 / 336): وحديث الزهري عن سعيد بن المسيب مشهور، رواه يونس بن يزيد ومعمر ابن راشد وشعيب بن أبي حمزة ومحمد بن إسحاق وغيرهم)).


    قلتُ: ولم أجد هذه المتابعة هكذا؛ وإنما وجدتها على صورتين: الأولى من غير طريق سعيد بن المسيب، والثانية دون ذكرٍ لزيادة بلال، والله أعلم بها.


    ثم اعلم أنَّ هذا الحديث ورد من غير طريق سعيد بن المسيب، وورد من غير طريق الزهري، ومن غير طريق عبد الله بن زيد بن عبد ربه؛ ولو تتبعنا ذلك لطال المقال، فالحديث صحيح لا ريب في ذلك لمن حقق فيه.
    وكل هذه الطرق تُثبتُ أنَّ بلالاً هو الذي كان يقول: "الصلاة خير من النوم"، مع اختلاف ألفاظها وأسانيدها.
    وقد أخرج أبو يعلى في [مسنده 5504]: قال الزهري: وزاد بلال في نداء صلاة الفجر: الصلاة خير من النوم، فأقرها نبي الله صلى الله عليه وسلم، وقال عمر: قد رأيت مثل الذي رأى ولكنه سبقني. قال الألباني في تخريج فقه السيرة: ((صحيح بشواهده)). وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (2157): قال نا حفص بن غياث عن حجاج عن عطاء عن أبي محذورة، وعن عطاء عن سويد عن بلال: أنه كان آخر تثويبهما الصلاة خير من النوم، وأخرج بعده كذلك [2158]: قال ثنا وكيع عن سفيان عن عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة: أنه أرسل إلى مؤذِّنه إذا بلغت حي على الفلاح فقل: الصلاة خير من النوم؛ فإنه أذان بلال.


    فأقول للشيخ ماهر: فهذا عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة والتابعين، وهذا أذان بلال الذي يؤذن بليل؛ بل وفي بعض ألفاظ الحديث: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أحسن هذا يا بلال؛ اجعله في أذانِك)) أخرجه الطبراني [المعجم الكبير 1081]، ورواه الحافظ أبو الشيخ ابن حيان في "كتاب الأذان" انظر [كنز العمال 23253]، و[نصب الراية 1/221]، وأخرجه الطبراني في قصة أخرى وفيها: ((اذهب فزده في أذانِك)) [الأوسط 7524] قال الهيثمي: ((وفيه عبد الرحمن بن قسيط ولم أجد من ذكره))،


    وهذا ثبات الأمر من ذلك العهد، فماذا تريد يا شيخ بعد ذلك؟! وكيف تعجَّلتَ بتبديع قول من يقول: أنَّ (الصلاة خير من النوم) كانت في أذان بلال؛ وقد فعله بلال نفسه، بل وقد أمره صلى الله عليه وسلم بإثبات ذلك في التأذين؟!!.

    بل وكيف تقول: أنَّ هذا القول لا أصل له!!؛ وقد ذكره مثل هؤلاء الأئمة وغيرهم في مسانيدهم ومصنفاتهم، حتى قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى في [الاستذكار 1/398 ] وهو يتكلم عن التثويب في الفجر – أي قول المؤذن: الصلاة خير من النوم - :
    ((وأمرَ به – صلى الله عليه وسلم - مؤذنيه بالمدينة بلالاً، وبمكة أبا محذورة؛ فهو محفوظ، معروف في تأذين بلال وأذان أبي محذورة في صلاة الصبح للنبي صلى الله عليه وسلم، مشهور عند العلماء)) ثم ذكر جمع من الأدلة التي تثبت ذلك؛ وقد نقلنا بعضها.


    قلتُ: فالأمر محفوظ معروف مشهور عند العلماء أنَّ التثويب كان في أذان بلال؛ فعلام الإنكار؟! بل التبديع؟!! وأيهما أحق بذلك؟!!!


    وبهذا يتبين أنَّ قول الشيخ ماهر في الوجه السادس: ((لم أسمع عن أحدا (!!) من الفقهاء أهل الحديث كمالك وأحمد وغيرهما جعل ذلك التثويب في أذان الليل الذي هو قبل الفجر، بل قد جعلوه في أذان الفجر الذي كان يسمى في عهد النبي أذان الفجر الأول)) وقوله في آخره: ((وراجع الموسوعة الفقهية لوزارة الأوقاف الكويتية أيضا فلن تجد سلف لمن قال أن التثويب في أذان الليل))

    وفي الوجه التاسع قال: ((الذي يظهر لي أن أول من أحدث القول بأن التثويب وهو قول المؤذن الصلاة خير من النوم في أذان الليل قبل أذان الصبح ابن رسلان وتبعه الصنعاني)) يتبين لنا أنَّ هذا كان على حدِّ اطلاعه ولا يدل على واقع الأمر؛ فعدمُ العلمِ لا يدل على العلمِ بالعدم.

    وقد طلب الشيخ بعد أن قرر مذهبه طلباً فقال: ((ولم يخالف إلا القليل جدا بلا سلف من المتقدمين أعرفه لهم، ومن ظفر بسلف فليسعفني به)) وها نحن - ولله الحمد أولاً وأخراً - أسعفناه بما يروي غليله ويشفي عليله، ويُظهر له أنَّ القول المحفوظ المعروف المشهور عن العلماء هو: أنَّ التثويب كان في تأذين بلال، الذي كان يؤذن بليل؛ قبل طلوع الفجر.


    تنبيه:

    الغريب أنَّ الشيخ ماهر قد أعرض عن حديث بلال هذا بالكلية ولم يشر إليه ولو إشارة!!؛ وليس هذا من النصح لقرائه!!، وهو كذلك بُعدٌ عن منهج التحقيق الذي ينبغي لطالب علم مثله سلوكه، ولعله لم يطَّلع عليه وهذا بعيد من مثله.

    الوقفة الثانية:

    جعل الشيخ في الوجه الأول من وجوه مقاله حديثَ أبي محذورة وفيه: (وَكُنْتُ أَقُولُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ) برهاناً على أنَّ تسمية الأذان الذي بعد دخول الوقت: بالأول هو الذي كان معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جعل حديث عائشة: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَبِينَ الْفَجْرُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ) برهاناً على ما فهمه من حديث أبي محذورة فقال: ((فنحمل كلمة أذان الفجر الأول الواردة في حديث أبي محذورة عند النسائي على أذان الصبح لا الأذان الأول بالمعنى اللغوي فيكون معنى الأول أي باعتبار ما قبل الإقامة كما هو ظاهر كلام عائشة))؛ فكان البرهانُ يحتاج إلى برهان؛ وهذه من الغرائب التي لا تجدر أن تقع من أولي الفضل والعرفان؛ كأمثال الشيخ.

    أقول: هذا يدل على أنَّ الشيخ ماهر قد تكلَّفَ في تأويل حديث أبي محذورة، حتى احتاج إلى أن يسند برهانه ببرهان آخر؛ وإلا فقول أبي محذورة: (وَكُنْتُ أَقُولُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ) ظاهرٌ شرعاً وعرفاً ولغةً أنَّ محل قول المؤذن (الصلاة خير من النوم) في أذان الفجر الأول قبل الوقت، ولا يحتاج إلى مثل هذا التأويل المُتَكلَّف فيه.
    أما استدلاله بحديث عائشة رضي الله عنها وقولها: (إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ):


    1- فهذه رواية في الباب، وقد أخرج البخاري نفسه هذا الحديث من غير قوله بـ (الأولى)، قال الحافظ في الفتح حول لفظة (فإذا سكت المؤذن بالأولى): ((والذي عندي أنَّ المصنف جرى على عادته في الإيماء إلى بعض ما ورد في طرق الحديث الذي يستدل به، وبيان ذلك فيما أورده بعد بابين من وجه آخر عن عائشة ولفظه: "كان إذا سكت المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الصبح بعد أن يستبين الفجر")).


    2- أن إطلاق عائشة رضي الله عنها هذه اللفظة (الأولى) على أذان الفجر الثاني إنما هو إطلاق نسبي وليس عاماً، قال الحافظ: ((قوله: "بالأولى" أي عن الأولى، وهي متعلقة بسكت، يقال سكت عن كذا إذا تركه، والمراد بالأولى: الأذان الذي يؤذن به عند دخول الوقت؛ وهو أوَّل باعتبار الإقامة، وثانٍ باعتبار الأذان الذي قبل الفجر. وجاءه التأنيث إما من قبل مؤاخاته للإقامة أو لأنه أراد المناداة أو الدعوة التامة، ويحتمل أن يكون صفه لمحذوف؛ والتقدير إذا سكت عن المرة الأولى أو في المرة الأولى)).


    أقول: فعائشة رضي الله عنها أرادت أن تبين ما كان يصنعه النبي صلى الله عليه وسلم بين أذان الصبح وبين الإقامة عند دخول الوقت، فذكرت سُّـنَّةَ الفجر والاضطجاع، فإطلاقها الأول أو الأولى على الفجر الثاني لا غبار عليه بعد دخول الوقت، فبعد دخول الوقت لا يكون هناك إلا أذان الفجر - الذي تحل فيه الصلاة – والإقامة، وكلاهما فيه المناداة للصلاة، والمناداة بأذان الفجر – الذي تحل فيه الصلاة – يسبق المناداة بالإقامة ولذلك قالت عائشة: (فإذا سكت المؤذن بالأولى) أي بالمنادة بأذان الفجر – الذي تحل فيه الصلاة – والذي يكون أولاً بعد دخول الوقت ومقارنة له بالإقامة، ويكون ثانياً قبل الوقت ومقارنة له بالأذان الذي تحرم فيه الصلاة.


    أقول: وهكذا لابدَّ أن يُفهم قول عائشة في محله ولا يُعمم، فعائشة تتكلَّم بعد دخول الوقت لتبين فعل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت، وأنت يا شيخ ماهر تتكلم عن محل قول المؤذن (الصلاة خير من النوم) في أيِّ الفجرين هو؟ أهو الذي قبل الوقت أم هو الذي بعده؟ فأنت أطلقت اسم (الأول) على الفجر الذي بعد الوقت مقارنة مع الفجر الذي قبل الوقت، وعائشة أطلقت (الأول) على الذي بعد الوقت مقارنة بالإقامة؛ فهل يا ترى يصح إطلاقك هذا قياساً على إطلاق عائشة مع اختلاف الوقت والمقارَن به؟‍!!


    أقول: لو صحَّ قياس الكلام حول آذانيْ الفجر على الكلام حول الأذان والإقامة لصحَّ قياس من يقول باستحباب الركعتين بين آذاني الجمعة بنفس الاعتبار!!؛ بل وأقوى منه لأنَّ الحديث بلفظ: ((بين كل أذانين صلاة))؛ والمراد منه بين الأذان والإقامة!!.


    أقول: فلا بدَّ من معرفة مراد المتكلِّم ومقصده قبل الاستدلال بكلامه أو القياس عليه؛ وما أحسن ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله تعالى [المجموع 7/36]: ((ليس لأحد أن يحمل كلامَ أحدٍ من الناس إلا على ما عرف أنه أراده؛ لا على ما يحتمله اللفظُ في كلامِ كلِّ أحد، فإنَّ كثيراً من الناس يتأولُ النصوصَ المخالفة لقوله؛ يسلكُ مسلكَ مَنْ يجعل التأويلَ كأنه ذكرُ ما يحتمله اللفظُ، وقصدُه به دفع ذلك المحتج عليه بذلك النص؛ وهذا خطأ)).



    قلتُ بعده: فحديث أبي محذورة لا يحتمل التأويل إلا إذا قُصِدَ دفع المحتجّ به لا غير، وحديث عائشة يُحمَلُ على ما أرادته هي من معنى لا على ما يحتمله لفظُها من معنى في كلامِ غيرها، وقد ذكرنا مرادَها، والحمد لله.


    ثم أهمُسُ في أذنك يا شيخ فأقول: أطلقتَ اسم (الأول) على الفجر الذي بعد الوقت!!؛ فيا تُرى ماذا ستسمي لنا الفجر الذي قبل الوقت؟!


    أقول للقارئ: لو تتبعتَ أخي الكريم مقال الشيخ لوجدتَه تارة يسميه (أذان بلال) وأخرى يسميه (الأذان الأول بالمعنى اللغوي) وثالثة بـ (أذان الليل) ؛ فالشيخ يتحرَّج من تسميته بـ (الأول) مع أنَّه قد صح عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الفجر فجران؛ فأما الأول: فإنه لا يحرم الطعام ولا يحل الصلاة، وأما الثاني: فإنه يحرم الطعام ويحل الصلاة)) رواه ابن خزيمة وعنه الحاكم وعنه البيهقي وصححه الألباني.


    ولم يكتفِ الشيخ بذلك حتى أطلق الفجر الأول على الذي يُحرم فيه الطعام ويُحل فيه الصلاة (الذي هو بعد الوقت)!!؛ وهذا اجتهادٌ منه يصادم قول النبي صلى الله عليه وسلم السابق الذكر صراحةً؛ وكفى بهذه مخالفة!!.


    الوقفة الثالثة:

    قال الشيخ ماهر في الوجه الثاني: ((تصريح بعض الروايات بأن التثويب (وهو قول المؤذن الصلاة خير من النوم) إنما يكون في أذان الفجر أو الصبح)) ثم ذكر بعض روايات حديث تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي محذورة سُـنَّة الأذان والإقامة؛ وفيها: (وَكَانَ يَقُولُ فِي الْفَجْرِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ)، وأخرى: (فَإِنْ كَانَ صَلَاةُ الصُّبْحِ قُلْتَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ)، وثالثة: (الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فِي الْأُولَى مِنْ الصُّبْحِ)، وقال الشيخ معلِّقاً على هذه الروايات: ((أي: في الأذان الذي هو لصلاة الفجر، وهذا واضح أنه في أذان الصبح المعروف عند طلوع الفجر الصادق)).

    قلتُ: نعم هو واضح أنه في أذان الصبح؛ فأين الوضوح والتصريح بأنَّه عند طلوع الفجر الصادق؟!! وبخاصة أنَّ الرواية الأخيرة التي ذكرتَها صريحة في خلاف ما تقول، وأنَّه أراد "في الأولى من أذان الصبح"؛ وهو الفجر الكاذب لا الصادق كما هو معروف، وقد صرَّح أبو محذورة رضي الله عنه بأظهر من ذلك حين قال: ((وَكُنْتُ أَقُولُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ)) فأي القولين أصرح؟!!.


    ثم أقول: إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يُعلِّم أبا محذورة سنة الأذان والإقامة، فلما بدأ بتعليم سُّـنة الأذان ذكر له الألفاظ التي تشترك بها الصلوات الخمس، ولما بقي هناك لفظ تنفرد به صلاة الصبح قال له: ((فَإِنْ كَانَ صَلَاةُ الصُّبْحِ؛ قُلْتَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْم،ِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ))، فتقييد الكلام بـ (الصبح) لم يكن المراد به طلوع الفجر الصادق كما فَهِم الشيخ ماهر، وإنما المراد به تحديد الصلاة - أو الوقت أو الأذان - التي يُقال فيها: الصلاة خير من النوم؛ وهي صلاة الصبح، أما محل هذه اللفظة في أذان الفجر: فقد جاء في أحاديث أخرى ومنها حديث أبي محذورة وأنها في الأول من الفجر.


    وبعد أقول للشيخ: فأين التصريح في هذا الروايات التي أطلت بها مقالك؟‍! كما أطلته بنقل كلام العلماء عن التثويب بما لا حاجة له!!.


    عدل سابقا من قبل الشيخ إبراهيم حسونة في 08.09.08 11:18 عدل 1 مرات
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 11:16


    أما استدلال الشيخ بما ورد عن أنس أنه قال: "من السنة إذا قال المؤذن في صلاة الفجر حي على الصلاة حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم".


    فأقول: هو في بيان الصلاة التي يُسنُّ أن يُقال فيه: (الصلاة خير من النوم) وأنها الصبح، وفي بيان موطن هذه الكلمة من ألفاظ ذلك الأذان وأنها بعد الحيعلتين؛ وبهذا بوَّب له الأئمة في مصنفاتهم، وبهذا المراد استدلوا به فأنظره، فلا حجة للشيخ في ذلك!!.


    ثم أنَّه قد صحَّ عن ابن عمر أنه قال: "كان في الأذان الأول بعد حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم مرتين" وإسناده حسن كما قال الحافظ ونقله الألباني في تمام المنـَّة؛ فلماذا يا شيخ تعرض عن البينات وتحتج بالمجملات؟!!


    والغريب أنَّ الشيخ ذكر ما ورد عن ابن عمر واستدل به له فقال في الوجه الرابع: ((وعن بن عمر كما عند عبد الرزاق (ا/472) عن وكيع عن سفيان عن نافع عن بن عمر: أنه كان يقول حي على الفلاح الصلاة خير من النوم في الأذان الأول مرتين قال يعني في الصبح. قلت: وهذا التفسير يدل على أن الأذان الأول عندهم هو أذان الفجر، ولم يذكر صاحب المغني مخالفا لابن عمر من الصحابة فكان إجماعا)).


    قلتُ: لم أجد فيما بين يدي من مصنف عبد الرزاق المنزَّل على القرص الليزري ما يطابق ما نقله الشيخ عن ابن عمر لا سنداً ولا متناً؛ بل الذي بين يدي (1/473): عن الثوري عن محمد بن عجلان عن نافع عن بن عمر: أنه كان يقول حي على الفلاح الصلاة خير من النوم، فلعله سقط في المكتبة المنزَّلة على القرص الليزري.


    وأقول للشيخ: مَنْ الذي قال: "يعني في الصبح"؟ لم تُفصح لنا عن اسمه، فكيف لنا أن نعرف تفسيره؟ وكيف فهمتَ من تفسيره أنه يريد أذان الفجر بعد دخول الوقت؟!! إن قلتَ: من كلمة "الصبح".


    قلتُ: لم أرى في مقالاك كلمةً ألبستْ عليك المسألة مثل هذه الكلمة التي أخطأتَ في فهمها بما يناسب المقام التي ترد فيه، وقد بينتُ المراد منها فلا أعيد.


    ثم أقول: إن كان صاحب التفسير هو المصنِّف نفسه، فلو رجع القارئ الكريم إلى باب "الصلاة خير من النوم" في ذلك المصنَّف وما أورد فيه من أدلة؛ لعرف أنَّ مراد المصنِّف من أثر ابن عمر هو إثبات شرعية قول المؤذن: الصلاة خير من النوم وأنَّها في صلاة الصبح لا في غيرها من الصلوات، ولولا خشية الإطالة لنقلتُ ذلك. فأين هذا مما فهمه الشيخ ماهر؟!
    أما دعوى الإجماع فقد اعتدنا على مثل هذه الدعاوى التي هي أوهن من بيت العنكبوت، فلا غرابة في بطلانها، ولا حاجة في ردها.


    الوقفة الرابعة :
    تكلَّم الشيخ ماهر عن التعليل الذي استدل به مَنْ قال: أنَّ قول المؤذن الصلاة خير من النوم محلها الفجر الذي قبل الوقت وهو الأول؛ واستدلوا بما ثبت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَوْ أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ يُنَادِي بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ)) فقالوا: إنَّ أذان بلال كان من مقصوده تنبيه النائم؛ فكان من المناسب أن يقول فيه: الصلاة خير من النوم، أما بعد هذا الأذان فهم مستيقظون فلا فائدة في قولها بعد.


    وعلَّق الشيخ ماهر على ذلك بقوله: ((أقول: فجعل هذه علة يتمسك بها لقول الصلاة خير من النوم في الأذان الأول ليس بسديد؛ لأن ظاهر كلام عائشة السالف الذكر يفسد تقرير التثويب في أذان الليل لهذه العلة، فقول النبي: "لينبه نائمكم" لا يستلزم منه قول: الصلاة خير من النوم)).


    قلتُ: وقد تقدَّم بيان كلام عائشة رضي الله عنها وأنه لا يُفسد تقرير التثويب في أذان الليل؛ لأنها تتكلم في موطن غير ما نتكلم به نحن هنا يا شيخ.


    ثم أضاف الشيخ وقال: ((ثم أن منهم من يكون نائما بعد أن قام الليل فإن أفضل القيام كما جاء في الحديث قيام داود وفيه أنه كان يقوم ثم ينام فيناسب أن يقول عند ذلك في أذان صلاة الصبح الصلاة خير من النوم


    قال بن قدامة عامة الناس قبل أذان الفجر يكونوا نائمين فناسب أن يكون التثويب في أذان الفجر. ثم أنه لنا أن نقول أنه ممن يخاطب في ذلك الوقت المتسحرين وهم مستيقظون فما الحاجة أن يقول لهم المؤذن في ذلك الوقت الصلاة خير من النوم وعلى كلتا الحالتين سواء في السحر أو وقت طلوع الفجر الصاد ق فسيكون هناك نائمون ولا شك ...)) إلى آخر كلامه.

    أقول: يا شيخ أنت تدَّعي أنَّ أذان بلال خالٍ من قول: الصلاة خير من النوم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في أذان بلال: ((وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ)) فأيُّهم أعلم بأحوال الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أنت يا شيخ؟! لماذا قال صلى الله عليه وسلم هذا التعليل في أذان بلال ولم يقله في أذان ابن أم مكتوم؟‍!!


    أجيب أنا فأقول:
    لأنَّ غالب الناس في هذا الوقت نائمون، أما أن تتكلَّم يا شيخ عن نادر أحوال الناس؛ كمن يكون نائماً بعد الفجر الأول بعد أن قام الليل!!، أو كمن ينام بعد أكلة السحر!!، ثم تفهم النص على ذلك: فهذا إخلال؛ وسببه التأصيل قبل الاستدلال.


    أما ما نقله الشيخ ماهر عن صاحب المغني أنه يقول: عامة الناس قبل أذان الفجر يكونوا نائمين فناسب أن يكون التثويب في أذان الفجر، ثم فهم منه الشيخ كعادته في مقاله أنه يريد بذلك أذان الفجر بعد دخول الوقت.


    فأقول:

    لماذا يا شيخ لا تنقل للقراء نصَّ كلام ابن قدامة، ولماذا تختصر كلامه مع قلته!!؛ كعادتك في التأليف التي لا أرى أنها جيدة في مواطن الخلاف.

    وها أنا أنقل نص كلامه؛ قال ابن قدامة في [المغني 1/455]: ((وإنما اختص الفجر بذلك لأنه وقت النوم لينتبه الناس ويتأهبوا للخروج إلى الصلاة، وليس ذلك في غيرها)) فالشيخ ابن قدامة يتكلَّم عن اختصاص صلاة الفجر بقول المؤذِّن: "الصلاة خير من النوم" من باقي الصلوات، وليس مقصوده بيان المحل الذي تُقال فيه هذه الكلمة في أذان الفجر، وارجع أخي القارئ إلى المصدر للتتيقن من ذلك.


    بل ذكر صاحب الروض المربع 1/62 ما يشير إلى خلاف ما يفهمه الشيخ ماهر؛ وذلك في شرحه لمختصر المقنع إذ يقول: ((يُسنُّ أن يقول بعد الحيعلتين في أذان الصبح ولو أذَّن قبل الفجر: الصلاة خير من النوم مرتين [لحديث أبي محذورة] رواه أحمد وغيره، ولأنه وقت ينام الناس فيه غالباً، ويكره: في غير أذان الفجر، وبين الأذان والإقامة)).


    أما ما نقله الشيخ ماهر ((عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب من أن التثويب وهو قول المؤذن الصلاة خير من النوم إنما هو في أذان الصبح أخرجه الدار قطني (1/243)؛
    فقال حدثنا محمد بن مخلد ثنا محمد بن إسماعيل الحساني ثنا وكيع عن سفيان عن بن عجلان عن نافع عن بن عمر عن عمر أنه قال لمؤذنه إذا بلغت حي على الفلاح في الفجر فقل: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم))

    ثم علَّق عليه بقوله:
    ((قلت: وظاهر قوله أنه يعني أذان الفجر المعروف الصادق الذي كان يقال له الأول كما في حديث عائشة السابق لقوله: في الفجر؛ أي عند دخوله)).

    أقول:
    وهل أصبحت كلمتا (الفجر) و(الصبح) في ذهنك يا شيخ لا يطلقا إلا على الفجر الصادق!!، إنَّ من يرجع إلى الأحاديث والآثار وكلام أهل العلم يجد أنها في وادٍ وفهم الشيخ ماهر لها في وادٍ آخر، ولولا الإطالة لأثبت ذلك، ولكن فيما مضى كفاية، ومن شاء فليتتبع ذلك.


    أما قولك: ((أن التثويب يفعل الآن في الحرمين في صلاة الفجر ...))

    وقولك: ((وهذا ما عليه علماء بلادنا كالعلامة الفقيه الإمام الهمام الشيخ عبد العزيز بن باز والعلامة الفقيه بن عثيمين وغيرهم كثير))

    فجوابه ما قلتَه أنت في أواخر مقالك:
    ((وأخيراً أقول: العلماء يُحتج لهم ولا يُحتج بهم، كما هو متقرر عند أهل الحديث، وبالله التوفيق))

    وفقنا الله وإياك للعمل بما نقول، فإنَّـه خيرُ مسؤول.

    إلى هنا ينتهي كلام الشيخ ماهر في نصرة مذهبه من الوجوه التي يمكن أن تكون وجوهاً للاحتجاج.

    أما ما ذكره الشيخ بعد:
    من أنَّ التثويب في غير محلِّه بدعة، ولا يشترط عند بيان البدعة من أن يسبق إمام، ولا يتسرع بالحكم بالبدعة حتى يتثبت الباحث من عدم وجود أصل لما أحدث، وليس كل من وقع في البدعة مبتدع ينفَّر عنه إذا كان من أهل العلم بالسنة ووصل لتقرير البدعة بتأويل سائغ، ولا يشترط في الحكم على العمل المحدث بالبدعية أن يكون الناص عالم مجتهد، وفي المسائل الخلافية يمكن الحكم على أحد القولين بالبدعة إذا كان الخلاف ضعيفاً أي تبين فيه الحق بياناً واضحاً بيناً بالدليل وكان المخالف لا أصل معه صحيح في تقرير العبادة يُعتمد عليه.

    فأقول :
    هذه تقريرات وأصول؛ وليست وجوهاً للرد والاحتجاج فوضعها في ذلك المحل إيهام وإدراج!!، ونحن لا نختلف معه بها؛ لكن كما قيل: اثبت العرش ثم انقش

    فنحن مع الشيخ في هذه التقريرات والتأصيلات؛ ولكن لسنا معه في تنزيلها على مسألتنا هذه بما ذهب إليه هو من قول وحكم!!؛ لِما ذكرنا من الوقفات التي نسأل الله تعالى أن يكتب لها القبول، وأن يفتح بها العقول.

    وأخيراً :
    فهذه الوقفات أُهديها إلى كلِّ مَنْ تجرد للحق واستفرغ وسعه لتحصيله، كما أُهديها إلى الشيخ الفاضل ماهر حفظه الله تعالى لينظر فيها بسعة صدره لعلَّه أن يرجع عن قوله أو على الأقل يخفف من حِدَّته على قول مخالفه!!

    وأسأله تعالى أن تكون أقوالنا وأعمالنا وكتاباتنا خالصةً لوجهه الكريم، لا رياء فيها ولا سمعة ولا جدال عقيم.


    ونسأل الله تعالى أن يستعملنا بعمل صالح قبل الممات، وأن يختم لنا بالحسنى والحسنات، وأن يتقبَّل منَّا الطاعات، وأن يغفر لنا الزلات، وأن يكفِّر عنَّا الخطايا والسيئات، وأن يدخلنا جنة عرضها الأرض والسماوات، برحمته ومنته إنَّه واسع العطاءات.

    سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله أنت، أستغفرك وأتوب إليك

    أبو معاذ رائد آل طاهر
    صباح يوم الأربعاء 19 من ربيع الثاني 1427ه
    الموافق 17/5/2006م
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 11:23

    الكاتب: [ أبو عمر أسامة العتيبي ] 2006-05-23 05:23 AM
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
    فقد طلب مني أخي الفاضل الشيخ ماهر القحطاني أن أكتب رده هنا لأنه يجد صعوبات في الدخول إلى شبكة سحاب السلفية:
    وقال الشيخ ماهر القحطاني في التمهيد لرده:
    وقد قرأ ردي بعض هيئة كبار العلماء الشيخ العلامة صالح الفوزان والشيخ محمد بن حسن آل الشيخ
    وستجد تعليق شيخنا صالح الفوزان على الرسالة الأصلية آخر الرد
    وإليك باختصار
    ثم أن القول بعدم مشروعية قول الصلاة خير من النوم في أذان الليل قول شيخنا العلامة عبدالعزيز بن باز وأقر تبديع ذلك العمل العلامة الشيخ صالح الفوزان والشيخ محمد بن حسن آل الشيخ عضو اللجنة الدائمة وهيئة كبار العلماء

    فهل هؤلاء المشائخ الفضلاء تعجلوا في التبديع وإطلاق عدم المشروعية

    فقال العلامة الشيخ عبدالعزيز وإذا أذن أذانين شرع له في الأذان الذي بعد طلوع الفجر أن يقول : الصلاة خير من النوم بعد الحيعلة 000حتى يعلم من يسمعه أنه الأذان الذي الذي يوجب الصلاة ويمنع الصائم من تناول الطعام والشراب والدليل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر أن بلال يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم متفق عليه على صحته

    وقول أنس من السنة إذا قال المؤذن في الفجر حي على الفلاح أن يقول الصلاة خير من النوم أخرجه ابن خزيمة في صحيحه والدارقطني بإسناد صحيح

    ولأنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا محذورة أن يقول في أذان الفجر الصلاة خير من النوم وجاء في بعض الرويات حديث أبي محذورة في الأذان الأول للصبح والمراد به الأذان بعد طلوع الفجر وسمي بالأول لأن الإقامة هي الأذان الثاني كما دل عليه حديث عائشة المخرج في صحيح البخاري رحمه الله

    ودل ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم بين كل أذانين صلاة 000

    وأما الأذان الأول المذكور في حديث ابن عمر أن بلال يؤذن بليل فالمقصود منه التنبيه لهم قرب الفجر
    فلايشرع فيه أن يقول الصلاة خير من النوم لعدم دخول الصلاة ولأنه إذا قال ذلك في الأذانين التبس على الناس فتعين أن يقول ذلك في الأذان الذي يؤذن به بعد طلوع الفجر

    والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل

    كما فهم العلامة بن عثيمين الحقيقة الشرعية للأول من الفجر من حديث عائشة ليحمل عليه أمر النبي لأبي محذورة 0

    وإذا كانت عبادة لاتشرع فهي بدعة 0000فتأمل

    فينبغي كان لرائد أن يحتشم ويلتزم الأدب وترك التهويش والطعن ولاسيما بهجومه بحديث بلال وتهويله
    أن خبأناه على طريقة أهل الأهواء وستبين لك أثناء الرد على تهويشه كيف أنه لم يوفق هداه الله في الإستدلال وعجل علينا بالطعن بلا أدب ولاروية

    الرد على :
    تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))
    وقفاتٌ مع مقالٍ للشيخ ماهر القحطاني وعتابٌ ولَوم
    كتبه الأخ رائد


    قال الأخ رائد : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ وبعد:
    فمن العراق المحتل – فكَّ اللهُ من أيدي الصليبين أسرَه ونجَّى من كيدِ الروافضِ أهلَه ـ ومن بلدة يستيقظ أهلُها ويبيتون على أحزان وآلام، ويعيشون حياةً في خوف وقلق لما يخفيه لهم مستقبَلُ الأيام؛ أكتب لكم وأصحبُ أنفاسي للمشاركة معكم مودَّةً وأُلفَةً بكم فأقــول:

    نحن في مسجدٍ يسعى أهلُه لإقامة السُّنَّةِ فيه؛ ولذا فقد أحيوا سُّنَّةَ قولِ المؤذن في وقت الفجر: (الصلاة خير من النوم) في رمضان الماضي وإلى يومنا هذا، والحمد لله.

    وقد اختار أهلُ المسجد أن يكون هذا اللفظ في أذان الفجر الأول قبل دخول الوقت وبعد الحيعلتين؛ بعد بحثٍ في بطون الكتب والمصنَّفات يؤكِّد لهم اختيارهم ذلك، وهكذا كانت المساجد التي في بلدتنا ومن حولنا.
    لكنَّ الأمر لم يَدُم في أحدِ تلك المساجد، فقد تأثر إمامُه – وهو من خيرةِ إخواننا السلفيين ومن طلبةِ العلم المعروفين – بما دوَّنه الشيخ الفاضل وأخونا العزيز أبو عبد الله ماهر القحطاني ـ حفظه الله وأعزَّه وتولاه – في مقالٍ له في موقعه بعنوان: (قول المؤذن في أذان الليل الصلاة خير من النوم بدعة)، ويظهر أنَّ تأثره في هذا الموضوع كان قديماً بعد لقاءه بالشيخ ماهر في موسم الحجِّ ومباحثته فيه، ولذا فقد غيَّرَ في مسجده ما تعاهد عليه أهلُه قديماً فجعل قول المؤذن (الصلاة خير من النوم) في أذان الفجر الثاني بعد دخول الوقت، فأستغرب البعض لهذا التغيير وارتاح الآخر بهذا الصنيع، ثم أُخبِرتُ بهذا الأمر وأُعلِمتُ أنَّ أساسَه هو مقالٌ للشيخ ماهر الآنف الذكر.

    لذلك فقد عكفتُ على ذلك المقال قراءةً وتحقيقاً لأرى ما هي تلك الأدلة التي استدل بها الشيخ ماهر لإثبات ذلك القول، والذي أقنعَ به أصحابنا هنا.

    وبعد أن انتهيتُ من قراءته ودققتُ النظر فيه وجدتُ فيه أمرين، ووقفتُ معه وقفات؛ ولولا أني قد كُلِّفتُ في الجواب عن مقال الشيخ ماهر لما تجرأتُ للوقوف معه وقفةً فضلاً عن وقفات، لكن مما سهَّلَ عليَّ الأمر ذلك ما رأيتُه من جُرأة الشيخ ماهر في مقالاته وردوده وكيف يقف مع الكبار رداً وتعليقاً بكلِّ تقدير واحترام ولا يَهاب لمكانتهم في العلم ولا إلى منزلتهم في قلوب الناس من أن يصدع بالحق وينصر الصواب، فقوّيتُ محبةَ الحقِ والنصحَ في الجنان وشددتُ القوةَ في البنان وعزمتُ على الردِّ والبيان متوكِّلاً على مَنْ به نصول وبه نجول وهو المستعان.
    أما الأمران اللذان وجدتُهما في مقال الشيخ:
    فالأول: تعجُّل الشيخ في الحكم ببدعية القول الذي اختاره مخالفوه، ولو أنَّه ضعَّف قولهم وغلَّط مذهبهم لكان أقرب للتحقيق العلمي وأهون في قلوب مخالفيه، وبخاصَّة وأنَّ قول مخالفيه لهم سلف كما سيأتي بيانه، كما أنَّ بُعد الأدلة التي احتجَّ بها عن موطن الخلاف وعدم صراحتها في موضوعنا كان الأجدر أن يجعله يتأنَّى في حكمه بذلك، وهو بهذا يكون قد خالف الأصل الذي أصَّله في الوجه الثاني عشر فقال: ((لا يُتسرع بالحكم بالبدعة حتى يتثبت الباحثُ من عدم وجود أصلٍ لِما أحدث)).

    الــــجــــــواب :

    التهمة بالتعجل لمجرد الحكم بالبدعية على قول لم يعرف له الباحث أصل
    ليس بسديد ولايحقق المطلب المفيد من سلامة الصدور عن سوء الظنون
    فروى بن أبي شيبة عن ابن الزبير أنه قال عن إحرام بن عباس لمجرد إرسال هديه بدعة
    وقصد العمل لاالعامل

    وكذلك عبدالله بن مغفل قال في الجهر بالبسملة أنها بدعة وقد جهر بعض الصحابة ولو حمل عند البعض أنه للتعليم

    وكذلك ابن عمر قال عن صلاة الضحى لما سئل عنها وأناس يصلونها في المسجد بدعة وكل ذلك
    بحسب ماظنوا وحكموا لما لم يجدوا لذلك أصلا

    فهل تعجل العلامة الألباني لما قال أن القبض بعد الركوع بدعة وخالف المنهج العلمي

    أم لما قال أن إطالة اللحية بعد القبضة بدعة وكل ذلك فيه سلف عن أحمد في القبض وعن الإطالة عن عثمان وإنما يحكم الباحث بحسب مايغلب على ظنه والله المستعان 0 ثم لما ذا وقفات فقط فهل طريقة الوقفات تنسب إلى الرد العلمي الرصين

    فالرد العلمي قائم على رد أدلة الخصم وإثبات الحق بأدلة فهل يكفي في الرد بعض الوجوه ليترك القاريء حيرانا بأدب لابالطعونات الطائشة والهذيانات العائمة فأيهما أحق بالنكير ناقص الوجوه في الرد أم من كمل الوجوه ولو أخطأ فزاد فليس ذلك بالذي يغير المراد من إقامة الدليل على الخصم ببرهان يغلب على ظن الإنسان0والله أعلم 0

    ثم قول رائد :
    الثاني: حشد الوجوه البعيدة عن موطن البحث والاحتجاج - التي يُمكن أن تكون كمقدِّمات أو تقريرات في ثنايا الكلام – ضمن وجوه الرد والاحتجاج؛ مما يجعل القارئ لمقاله يهاب منه لكثرة وجوه الرد؛ ففي مقالنا هذا: ذكر الشيخ لإثبات مذهبه الذي تبناه خمسة عشر وجهاً‍‍؛ مع أنَّها عند التحقيق لا تخرج عن أربعة إلى خمسة وجوه بل – وفي نظري أقل من ذلك – كما هو ظاهر ولا يحتاج إلى بيان.
    والغريب أنَّ الشيخ ماهر حفظه الله تعالى رأيتُه في مقالاته وردوده قد اعتاد على هذه الطريقة، وفي نظري لا يحسن بمن هو في مكانته العلمية أن يصنع مثل ذلك، بل عليه أن يجعل هذه الوجوه التي هي خارج نطاق البحث مقدِّمات لمقالاته وردوده أو ينثرها في ثنايا الكلام وبما يناسب المقام دفعاً للتغرير ورفعاً للإيهام.
    الجواب عن مقالة رائد :
    أذكر تلك الخمسة وجوه حتى نعلم هل من تغاير أم أنها دعوى بلا برهان ثم
    هذا التهويش يحسنه كل أحد فقولك اعتاد برهن عليه في عشرة ردود كل رد أذكر على الأقل ثلاثة أوجه لاتعلق بها بالرد وأفصح فنصلح ماعساه التبس عليك 0
    ثم هل يحسن في مثل هذه المسائل النكير سواءا وضعت مقدمات وتقريرات قبل الأوجه أو أثناء ذكر الأوجه معها فهل اعتاد السلف وأهل النظر ممن تبعهم بإحسان الإنكار في الإصطلاحات أو في مواطن التفنن والإحتهاد مادام أنها لاتخرج عن نطاق العلم
    ثم هذا طعن مامناسبته فأنت تريد الرد على موضوع معين فما المقصود من البدأ بهذا الطعن العام والذي لم تبرهن عليه ببرهان 0وآمل ألا تكون نزعة حمل أو دغل قلب حمل عليه 0وإذا كان ذلك كذلك فلايليق بمن يعتقد أن عنده حق مبرهن عليه أن يقويه بمثل هذه الأمور والتي ليس فيها مخالفة للنص 0

    ثم قال رائد :
    أما الوقفات؛ فإليك يا مَنْ تجرَّدت للحقِّ بياناها:
    الوقفة الأولى: عند قول الشيخ في أوَّل مقاله: ((فقد انتشرت بدعة في الأذان الذي هو قبل أذان الفجر الصادق عند بعض أهل هذا الزمان لم تكن معروفة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام ذلكم أن بعضهم إذا أذن الأذان المعروف في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بأذان بلال وهو الذي كان بليل ثوب فيه فقال الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم وهذا العمل بدعة لا أصل له)).
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 11:24

    قال الأخ :
    قلتُ: لا أدري ما الذي دفع الشيخ الفاضل لهذا القول وبهذا الحزم والجزم؛ مع أنَّه صحَّ ما يثبت بطلانه بالتمام!!؛ فقد أخرج الإمام ابن ماجه في سننه: حدثنا عمر بن رافع ثنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن بلال: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يُؤذِنه بصلاة الفجر، فقيل: هو نائم، فقال: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم، فأُقِرَّت في تأذين الفجر، فثبت الأمر على ذلك. قال الشيخ الألباني: صحيح.

    وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده (16524) من طريق آخر: ثنا يعقوب قال أنا أبي عن بن إسحاق قال: وذكر محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال:
    لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب بالناقوس يجمع للصلاة الناس وهو له كاره لموافقته النصارى؛ طاف بي من الليل طائف وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله قال: فقلت له: يا عبد الله أتبيع الناقوس، قال: وما تصنع به، قلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على خير من ذلك، قال: فقلت: بلى، قال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنَّ محمداً رسول الله أشهد أنَّ محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. قال: ثم استأخرت غير بعيد، قال: ثم تقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنَّ محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ هذه لرؤيا حق إن شاء الله)) ثم أمر بالتأذين، فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك، ويدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة. قال: فجاءه فدعاه ذات غداة إلى الفجر، فقيل له: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نائم، قال: فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم، قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر.

    قال ابن حجر [تلخيص الحبير 1/201] حول هذا الحديث: ((وفيه انقطاع مع ثقةِ رجاله، وذكره بن السكن من طريق أخرى عن بلال؛ وهو في الطبراني من طريق الزهري عن حفص بن عمر عن بلال وهو منقطع أيضاً، ورواه البيهقي في المعرفة من هذا الوجه فقال عن الزهري عن حفص بن عمر بن سعد المؤذن أنَّ سعداً كان يؤذن قال حفص فحدثني أهلي أنَّ بلالاً فذكره، وروى ابن ماجة من حديث عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سالم عن أبيه فذكره قصة اهتمامهم بما يجمعون به الناس قبل أن يشرع الأذان وفي آخره وزاد بلال في نداء صلاة الغداة: الصلاة خير من النوم، فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسناده ضعيف جداً، ولكن للتثويب طريق أخرى عن بن عمر رواها السراج والطبراني والبيهقي من حديث بن عجلان عن نافع عن بن عمر قال: كان الأذان الأول بعد حي على الصلاة حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم مرتين. وسنده حسن، وسيأتي بقية الأحاديث في ذلك)).

    وذكر الحديث الزيلعي في [نصب الراية 1/217] وسكت عنه.

    أقول: علة الحديث عند الحافظ وغيره هو الانقطاع بين محمد بن إسحاق – وهو مدلِّس ولم يُصرِّح بالتحديث – وبين الزهري؛ ولكن هذه العلة قد ارتفعت بمتابعة معمر بن راشد وشعيب بن أبي حمزة والنعمان بن المنذر لمحمد بن إسحاق في روايته عن الزهري عن سعيد بن المسيب هذه؛ وإليك هذه المتابعات:
    1- أخرجه عبد الرزاق في [مصنفه 1820]: عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ بلالاً يؤذن بليل؛ فمن أراد الصوم فلا يمنعه أذان بلال حتى يؤذن بن أم مكتوم)) قال: وكان أعمى فكان لا يؤذن حتى يقال له أصبحت، فلما كان ذات ليلة أذَّن بلال، ثم جاء يؤذن النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: إنه نائم، فنادى بلال: الصلاة خير من النوم، فأقرت في الصبح.
    2- وأخرجه البيهقي [السنن الكبرى 1834]: وأخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو أنبأ أبو محمد المزني أنبأ علي بن محمد بن عيسى ثنا أبو اليمان أخبرني شعيب عن الزهري قال: حدثني سعيد بن المسيب فذكر قصة عبد الله بن زيد ورؤياه إلى أن قال: ثم زاد بلال في التأذين الصلاة خير من النوم، وذلك أنَّ بلالاً أتى بعد ما أذَّن التأذينة الأولى من صلاة الفجر ليؤذن النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة، فقيل له: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نائم، فأذن بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم، فأقرت في التأذين لصلاة الفجر.
    3- وأخرجه البيهقي في [مسند الشاميين 1254]: حدثنا علي بن سعيد الرازي ثنا سلمة بن الخليل الكلاعي الحمصي ثنا مروان بن ثوبان قاضي حمص ثنا النعمان بن المنذر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة : أنَّ بلالاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم عند الأذان الأول من الصبح فوجده نائماً، فناداه: الصلاة خير من النوم، فلم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدخله في الأذان، فلا يؤذن لصلاة قبل وقتها غير صلاة الفجر.
    وأضاف الشيخ الألباني - تبعاً للحاكم - متابعاً رابعاً وهو يونس بن يزيد، فقال [الثمر المستطاب 1/115] في حكمه على هذا الحديث: ((وهذا سند جيد أيضاً، وابن إسحاق وإن كان لم يصرح بسماعه من الزهري فقد تابعه عليه جمع، قال الحاكم (3 / 336): وحديث الزهري عن سعيد بن المسيب مشهور، رواه يونس بن يزيد ومعمر ابن راشد وشعيب بن أبي حمزة ومحمد بن إسحاق وغيرهم)).
    قلتُ: ولم أجد هذه المتابعة هكذا؛ وإنما وجدتها على صورتين: الأولى من غير طريق سعيد بن المسيب، والثانية دون ذكرٍ لزيادة بلال، والله أعلم بها.

    ثم اعلم أنَّ هذا الحديث ورد من غير طريق سعيد بن المسيب، وورد من غير طريق الزهري، ومن غير طريق عبد الله بن زيد بن عبد ربه؛ ولو تتبعنا ذلك لطال المقال، فالحديث صحيح لا ريب في ذلك لمن حقق فيه.
    وكل هذه الطرق تُثبتُ أنَّ بلالاً هو الذي كان يقول: "الصلاة خير من النوم"، مع اختلاف ألفاظها وأسانيدها.

    وقد أخرج أبو يعلى في [مسنده 5504]: قال الزهري: وزاد بلال في نداء صلاة الفجر: الصلاة خير من النوم، فأقرها نبي الله صلى الله عليه وسلم، وقال عمر: قد رأيت مثل الذي رأى ولكنه سبقني. قال الألباني في تخريج فقه السيرة: ((صحيح بشواهده)). وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (2157): قال نا حفص بن غياث عن حجاج عن عطاء عن أبي محذورة، وعن عطاء عن سويد عن بلال: أنه كان آخر تثويبهما الصلاة خير من النوم، وأخرج بعده كذلك [2158]: قال ثنا وكيع عن سفيان عن عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة: أنه أرسل إلى مؤذِّنه إذا بلغت حي على الفلاح فقل: الصلاة خير من النوم؛ فإنه أذان بلال.
    فأقول للشيخ ماهر: فهذا عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة والتابعين، وهذا أذان بلال الذي يؤذن بليل؛ بل وفي بعض ألفاظ الحديث: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أحسن هذا يا بلال؛ اجعله في أذانِك)) أخرجه الطبراني [المعجم الكبير 1081]، ورواه الحافظ أبو الشيخ ابن حيان في "كتاب الأذان" انظر [كنز العمال 23253]، و[نصب الراية 1/221]، وأخرجه الطبراني في قصة أخرى وفيها: ((اذهب فزده في أذانِك)) [الأوسط 7524] قال الهيثمي: ((وفيه عبد الرحمن بن قسيط ولم أجد من ذكره))، وهذا ثبات الأمر من ذلك العهد، فماذا تريد يا شيخ بعد ذلك؟! وكيف تعجَّلتَ بتبديع قول من يقول: أنَّ (الصلاة خير من النوم) كانت في أذان بلال؛ وقد فعله بلال نفسه، بل وقد أمره صلى الله عليه وسلم بإثبات ذلك في التأذين؟!!.

    بل وكيف تقول: أنَّ هذا القول لا أصل له!!؛ وقد ذكره مثل هؤلاء الأئمة وغيرهم في مسانيدهم ومصنفاتهم، حتى قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى في [الاستذكار 1/398 ] وهو يتكلم عن التثويب في الفجر – أي قول المؤذن: الصلاة خير من النوم - :

    ((وأمرَ به – صلى الله عليه وسلم - مؤذنيه بالمدينة بلالاً، وبمكة أبا محذورة؛ فهو محفوظ، معروف في تأذين بلال وأذان أبي محذورة في صلاة الصبح للنبي صلى الله عليه وسلم، مشهور عند العلماء)) ثم ذكر جمع من الأدلة التي تثبت ذلك؛ وقد نقلنا بعضها.
    قلتُ: فالأمر محفوظ معروف مشهور عند العلماء أنَّ التثويب كان في أذان بلال؛ فعلام الإنكار؟! بل التبديع؟!! وأيهما أحق بذلك؟!!!

    وبهذا يتبين أنَّ قول الشيخ ماهر في الوجه السادس:

    ((لم أسمع عن أحدا (!!) من الفقهاء أهل الحديث كمالك وأحمد وغيرهما جعل ذلك التثويب في أذان الليل الذي هو قبل الفجر، بل قد جعلوه في أذان الفجر الذي كان يسمى في عهد النبي أذان الفجر الأول)) وقوله في آخره: ((وراجع الموسوعة الفقهية لوزارة الأوقاف الكويتية أيضا فلن تجد سلف لمن قال أن التثويب في أذان الليل)) وفي الوجه التاسع قال: ((الذي يظهر لي أن أول من أحدث القول بأن التثويب وهو قول المؤذن الصلاة خير من النوم في أذان الليل قبل أذان الصبح ابن رسلان وتبعه الصنعاني)) يتبين لنا أنَّ هذا كان على حدِّ اطلاعه ولا يدل على واقع الأمر؛ فعدمُ العلمِ لا يدل على العلمِ بالعدم.
    وقد طلب الشيخ بعد أن قرر مذهبه طلباً فقال: ((ولم يخالف إلا القليل جدا بلا سلف من المتقدمين أعرفه لهم، ومن ظفر بسلف فليسعفني به)) وها نحن - ولله الحمد أولاً وأخراً - أسعفناه بما يروي غليله ويشفي عليله، ويُظهر له أنَّ القول المحفوظ المعروف المشهور عن العلماء هو: أنَّ التثويب كان في تأذين بلال، الذي كان يؤذن بليل؛ قبل طلوع الفجر.

    أقول في الـــجــــواب:

    هل مقالة بن عبد البر سلف 000أنه أمر بلال 0000فهل أمره لما كان يؤذن أذان الصبح الصادق كما سيأتي أم الليل مع بلال
    ثم قال رائد
    تنبيه: الغريب أنَّ الشيخ ماهر قد أعرض عن حديث بلال هذا بالكلية ولم يشر إليه ولو إشارة!!؛ وليس هذا من النصح لقرائه!!، وهو كذلك بُعدٌ عن منهج التحقيق الذي ينبغي لطالب علم مثله سلوكه، ولعله لم يطَّلع عليه وهذا بعيد
    من مثله
    الجواب عن مقالة رائد هذه :
    هذا تشكيك وطعن في العدالة بلابرهان فهل أنا لاكثر الطيش في أمثالك ممايدس العلم ويكتمه فهذا تشبه باليهود فالله حسيبك إذا كنت تعنيه وأن يجعلك عبرة لمن يعتبر أن ظلمت فصرت بغير حق تبديه
    أليس أنت الذي أرسلت رسالة لي تقرر فيها أنا من أهل العلم ووالله نحن أقل من ذلك وتشهد أليس يحمل عندك العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه اتحال المبطلين وتأويل الجاهلين فكيف لاختلاف في الفهم صرت تطعن في عدالة من كانت عندك هذه صفه بطعن أو إيماء به لايليق بمقام أهل الحديث والذين يدافعون عن الحق الذي يعتقدونه فما أسرع ماتناقض حكمك
    من قولك الحمدلله الذي جعل بقايا من أهل العلم ينفون عنه0000إلخ ثم سرعان مايحول الحكم لطعن في العدالة بكتمان العلم فعادة أهل الأهواء المضلة
    مثل هذا التناقض فلاتكن منهم وقد عمى عن بصيرتك بسبب أنك لعلك اعتقدت قبل أن تستدل معنى حديث بلال وهل كان أمره له لما كان يؤذن بمفرده لأذان الفجر الصادق أم لما شاركه ابن مكتوم فكان أذانين
    بل قد تعجلت في الحكم إذ أن بلالا لم يكن منذ بداية الأذان يشاركه ابن أم مكتوم

    بل كان يؤذن بمفرده أذان الفجر حين يستبين الفجر ثم شاركه بن أم مكتوم فصار أذانه بليل وقد أمره بقول الصلاة خير من النوم لكن في أي أذان

    فالأصل أنه كان أذانا واحدا للصبح كما دلت عليها رؤية عبدالله بن زيد
    كما في سنن أبي داود : قال النبي صلى الله عليه وسلم إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه مارأيت فليؤذن به
    والأصل في الأمر عدم التكرار وماكان إلا بلال
    ويدل على أنه كان يؤذن للفجر الصادق قبل أن يشاركه ابن أم مكتوم

    مارواه أبوداود في سننه عن امرأة من بني النجار قالت :

    كان بيتي من أطول بيت حول المسجد فكان بلال يؤذن عليه الفجر فيأتي بسحر على البيت ينظر الفجر فإذا رآه تمطى ثم قال اللهم إني أحمدك وأستعينك على قريش أن يقيموا دينك قالت ثم يؤذن قالت فوالله ماعلمته تركها ليلة
    قال الألباني إسناده حسن
    فقولها ينظر الفجر أي الصادق فليس من دليل أنهم كانويتحرون في أذان الليل الفجر الكاذب
    وأصرح منه ما
    رواه أبوداود في سننه مرفوعا لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا ومد يديه عرضا قال أبو داود شداد مولى عياض لم يدرك بلالا وهذا بإعتبار هذا السند وإلا فقد قال العلامة الألباني للحديث شاهد كما في ص45 من شرح تخريج سنن أبي داود
    ولذلك حسنه الشيخ العلامة المحدث ناصر السنة
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 11:25

    فذاك ظاهره النهي عن الأذان قبل الفجر وكان في أول الأمر في أم وكذلك كان يصعد على بيت إمرأة ويتحرى الفجر ثم يؤذن

    في الأذان للفجر الصادق في فتلك الفترة كان يؤذن للفجر الصادق قبل مشاركته في آخر الأمر لابن أم مكتوم فلماذا حملت أمر النبي صلى الله عليه وسلم لبلال قول الصلاة خير من النوم في الفترة الثانية وتركت الأولى وكانت ثم بعد شاركه ابن ام مكتوم فأين الإنصاف ياهذا 000!!!!! وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبي محذورة في الصبح أو بالأول أن يقول الصلاة خير من النوم وتكلمت عائشة بالمعهود عندهم فيما يسمونه الأول كما في رواية بن ماجة بتصحيح الشيخ فإذا سكت المؤذن من الأذان الأول لصلاة الصبح قام فركع ركعتين خفيفتين

    وإذا قلت يحتمل أنه قال لبلال ذلك عندما كان يؤذن بليل قلت لك ويحتمل في أو الأمر والحديث إذا تطرق إليه الإحتمال وكان متساويا لم يثبت به الإستدلال

    وحسبنا تعليم النبي لأبي محذورة ونصه لللأول من الفجر ومخاطبة عائشة للناس بما يفهمونه من ذلك الإصطلاح وأنه يعني ماقبل الإقامة كما في رواية ابن ماجة
    فأنصف ولاتتعجل بالإتهام هداك الله بدس الأدلة فتلك عادة يهود وأهل الأهواء 0
    ويكفي ذلك في نقض وقفات رائد0


    ثم قال رائد :

    لوقفة الثانية: جعل الشيخ في الوجه الأول من وجوه مقاله حديثَ أبي محذورة وفيه: (وَكُنْتُ أَقُولُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ) برهاناً على أنَّ تسمية الأذان الذي بعد دخول الوقت: بالأول هو الذي كان معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جعل حديث عائشة: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَبِينَ الْفَجْرُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ) برهاناً على ما فهمه من حديث أبي محذورة فقال: ((فنحمل كلمة أذان الفجر الأول الواردة في حديث أبي محذورة عند النسائي على أذان الصبح لا الأذان الأول بالمعنى اللغوي فيكون معنى الأول أي باعتبار ما قبل الإقامة كما هو ظاهر كلام عائشة))؛ فكان البرهانُ يحتاج إلى برهان؛ وهذه من الغرائب التي لا تجدر أن تقع من أولي الفضل والعرفان؛ كأمثال الشيخ.
    أقول: هذا يدل على أنَّ الشيخ ماهر قد تكلَّفَ في تأويل حديث أبي محذورة، حتى احتاج إلى أن يسند برهانه ببرهان آخر؛ وإلا فقول أبي محذورة: (وَكُنْتُ أَقُولُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ) ظاهرٌ شرعاً وعرفاً ولغةً أنَّ محل قول المؤذن (الصلاة خير من النوم) في أذان الفجر الأول قبل الوقت، ولا يحتاج إلى مثل هذا التأويل المُتَكلَّف فيه.

    أما استدلاله بحديث عائشة رضي الله عنها وقولها: (إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ):

    1- فهذه رواية في الباب، وقد أخرج البخاري نفسه هذا الحديث من غير قوله بـ (الأولى)، قال الحافظ في الفتح حول لفظة (فإذا سكت المؤذن بالأولى): ((والذي عندي أنَّ المصنف جرى على عادته في الإيماء إلى بعض ما ورد في طرق الحديث الذي يستدل به، وبيان ذلك فيما أورده بعد بابين من وجه آخر عن عائشة ولفظه: "كان إذا سكت المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الصبح بعد أن يستبين الفجر")).
    2- أن إطلاق عائشة رضي الله عنها هذه اللفظة (الأولى) على أذان الفجر الثاني إنما هو إطلاق نسبي وليس عاماً، قال الحافظ: ((قوله: "بالأولى" أي عن الأولى، وهي متعلقة بسكت، يقال سكت عن كذا إذا تركه، والمراد بالأولى: الأذان الذي يؤذن به عند دخول الوقت؛ وهو أوَّل باعتبار الإقامة، وثانٍ باعتبار الأذان الذي قبل الفجر. وجاءه التأنيث إما من قبل مؤاخاته للإقامة أو لأنه أراد المناداة أو الدعوة التامة، ويحتمل أن يكون صفه لمحذوف؛ والتقدير إذا سكت عن المرة الأولى أو في المرة الأولى)).
    أقول: فعائشة رضي الله عنها أرادت أن تبين ما كان يصنعه النبي صلى الله عليه وسلم بين أذان الصبح وبين الإقامة عند دخول الوقت، فذكرت سُّـنَّةَ الفجر والاضطجاع، فإطلاقها الأول أو الأولى على الفجر الثاني لا غبار عليه بعد دخول الوقت، فبعد دخول الوقت لا يكون هناك إلا أذان الفجر - الذي تحل فيه الصلاة – والإقامة، وكلاهما فيه المناداة للصلاة، والمناداة بأذان الفجر – الذي تحل فيه الصلاة – يسبق المناداة بالإقامة ولذلك قالت عائشة: (فإذا سكت المؤذن بالأولى) أي بالمنادة بأذان الفجر – الذي تحل فيه الصلاة – والذي يكون أولاً بعد دخول الوقت ومقارنة له بالإقامة، ويكون ثانياً قبل الوقت ومقارنة له بالأذان الذي تحرم فيه الصلاة.

    أقول: وهكذا لابدَّ أن يُفهم قول عائشة في محله ولا يُعمم، فعائشة تتكلَّم بعد دخول الوقت لتبين فعل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت، وأنت يا شيخ ماهر تتكلم عن محل قول المؤذن (الصلاة خير من النوم) في أيِّ الفجرين هو؟ أهو الذي قبل الوقت أم هو الذي بعده؟ فأنت أطلقت اسم (الأول) على الفجر الذي بعد الوقت مقارنة مع الفجر الذي قبل الوقت، وعائشة أطلقت (الأول) على الذي بعد الوقت مقارنة بالإقامة؛ فهل يا ترى يصح إطلاقك هذا قياساً على إطلاق عائشة مع اختلاف الوقت والمقارَن به؟‍!!
    أقول: لو صحَّ قياس الكلام حول آذانيْ الفجر على الكلام حول الأذان والإقامة لصحَّ قياس من يقول باستحباب الركعتين بين آذاني الجمعة بنفس الاعتبار!!؛ بل وأقوى منه لأنَّ الحديث بلفظ: ((بين كل أذانين صلاة))؛ والمراد منه بين الأذان والإقامة!!.

    أقول: فلا بدَّ من معرفة مراد المتكلِّم ومقصده قبل الاستدلال بكلامه أو القياس عليه؛ وما أحسن ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله تعالى [المجموع 7/36]: ((ليس لأحد أن يحمل كلامَ أحدٍ من الناس إلا على ما عرف أنه أراده؛ لا على ما يحتمله اللفظُ في كلامِ كلِّ أحد، فإنَّ كثيراً من الناس يتأولُ النصوصَ المخالفة لقوله؛ يسلكُ مسلكَ مَنْ يجعل التأويلَ كأنه ذكرُ ما يحتمله اللفظُ، وقصدُه به دفع ذلك المحتج عليه بذلك النص؛ وهذا خطأ)).
    قلتُ بعده: فحديث أبي محذورة لا يحتمل التأويل إلا إذا قُصِدَ دفع المحتجّ به لا غير، وحديث عائشة يُحمَلُ على ما أرادته هي من معنى لا على ما يحتمله لفظُها من معنى في كلامِ غيرها، وقد ذكرنا مرادَها، والحمد لله.
    ثم أهمُسُ في أذنك يا شيخ فأقول: أطلقتَ اسم (الأول) على الفجر الذي بعد الوقت!!؛ فيا تُرى ماذا ستسمي لنا الفجر الذي قبل الوقت؟!

    أقول للقارئ: لو تتبعتَ أخي الكريم مقال الشيخ لوجدتَه تارة يسميه (أذان بلال) وأخرى يسميه (الأذان الأول بالمعنى اللغوي) وثالثة بـ (أذان الليل) ؛ فالشيخ يتحرَّج من تسميته بـ (الأول) مع أنَّه قد صح عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الفجر فجران؛ فأما الأول: فإنه لا يحرم الطعام ولا يحل الصلاة، وأما الثاني: فإنه يحرم الطعام ويحل الصلاة)) رواه ابن خزيمة وعنه الحاكم وعنه البيهقي وصححه الألباني.
    ولم يكتفِ الشيخ بذلك حتى أطلق الفجر الأول على الذي يُحرم فيه الطعام ويُحل فيه الصلاة (الذي هو بعد الوقت)!!؛ وهذا اجتهادٌ منه يصادم قول النبي صلى الله عليه وسلم السابق الذكر صراحةً؛ وكفى بهذه مخالفة

    الـــجـــواب عن هذا :

    أن عائشة رضي الله عنها تكلمت بما هو معرف عند الناس في ذلك الوقت وإلا صار في كلامها إيهاما هي من أبعد الناس عنه فلايمكن أن تخاطب الناس بشيء لايفهمونه فلما عرفت الأولى دل أن هذا اللفظ إذا أطلق معهود عندهم وعليه ولما استعمله النبي مع أبي محذورة وجب الحمل عليه كما أفاده العلامة بن عثيمين رحمه الله

    وأصرح من هذا مارواه بن ماجة وصححه الألباني من حديث عائشة رضي الله عنها فإذا سكت المؤذن من الأذان الأول لصلاة الصبح قام فركع ركعتين خفيفتين
    فلما أعرض رائد عن هذا اللفظ فهل أقول مثله علمه ولايخفى على مثله 000!!.

    الوقفة الثالثة:

    قال الشيخ ماهر في الوجه الثاني: ((تصريح بعض الروايات بأن التثويب (وهو قول المؤذن الصلاة خير من النوم) إنما يكون في أذان الفجر أو الصبح)) ثم ذكر بعض روايات حديث تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي محذورة سُـنَّة الأذان والإقامة؛ وفيها: (وَكَانَ يَقُولُ فِي الْفَجْرِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ)، وأخرى: (فَإِنْ كَانَ صَلَاةُ الصُّبْحِ قُلْتَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ)، وثالثة: (الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فِي الْأُولَى مِنْ الصُّبْحِ)، وقال الشيخ معلِّقاً على هذه الروايات: ((أي: في الأذان الذي هو لصلاة الفجر، وهذا واضح أنه في أذان الصبح المعروف عند طلوع الفجر الصادق)).

    قلتُ: نعم هو واضح أنه في أذان الصبح؛ فأين الوضوح والتصريح بأنَّه عند طلوع الفجر الصادق؟!!

    وبخاصة أنَّ الرواية الأخيرة التي ذكرتَها صريحة في خلاف ما تقول، وأنَّه أراد "في الأولى من أذان الصبح"؛ وهو الفجر الكاذب لا الصادق كما هو معروف، وقد صرَّح أبو محذورة رضي الله عنه بأظهر من ذلك حين قال: ((وَكُنْتُ أَقُولُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ)) فأي القولين أصرح؟!!.

    ثم أقول: إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يُعلِّم أبا محذورة سنة الأذان والإقامة، فلما بدأ بتعليم سُّـنة الأذان ذكر له الألفاظ التي تشترك بها الصلوات الخمس، ولما بقي هناك لفظ تنفرد به صلاة الصبح قال له: ((فَإِنْ كَانَ صَلَاةُ الصُّبْحِ؛ قُلْتَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْم،ِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ))، فتقييد الكلام بـ (الصبح) لم يكن المراد به طلوع الفجر الصادق كما فَهِم الشيخ ماهر، وإنما المراد به تحديد الصلاة - أو الوقت أو الأذان - التي يُقال فيها: الصلاة خير من النوم؛ وهي صلاة الصبح، أما محل هذه اللفظة في أذان الفجر: فقد جاء في أحاديث أخرى ومنها حديث أبي محذورة وأنها في الأول من الفجر.
    وبعد أقول للشيخ: فأين التصريح في هذا الروايات التي أطلت بها مقالك؟‍! كما أطلته بنقل كلام العلماء عن التثويب بما لا حاجة له!!.

    أما استدلال الشيخ بما ورد عن أنس أنه قال: "من السنة إذا قال المؤذن في صلاة الفجر حي على الصلاة حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم".

    فأقول: هو في بيان الصلاة التي يُسنُّ أن يُقال فيه: (الصلاة خير من النوم) وأنها الصبح، وفي بيان موطن هذه الكلمة من ألفاظ ذلك الأذان وأنها بعد الحيعلتين؛ وبهذا بوَّب له الأئمة في مصنفاتهم، وبهذا المراد استدلوا به فأنظره، فلا حجة للشيخ في ذلك!!.
    ثم أنَّه قد صحَّ عن ابن عمر أنه قال: "كان في الأذان الأول بعد حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم مرتين" وإسناده حسن كما قال الحافظ ونقله الألباني في تمام المنـَّة؛ فلماذا يا شيخ تعرض عن البينات وتحتج بالمجملات؟!!
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 11:26

    والغريب أنَّ الشيخ ذكر ما ورد عن ابن عمر واستدل به له فقال في الوجه الرابع: ((وعن بن عمر كما عند عبد الرزاق (ا/472) عن وكيع عن سفيان عن نافع عن بن عمر: أنه كان يقول حي على الفلاح الصلاة خير من النوم في الأذان الأول مرتين قال يعني في الصبح. قلت: وهذا التفسير يدل على أن الأذان الأول عندهم هو أذان الفجر، ولم يذكر صاحب المغني مخالفا لابن عمر من الصحابة فكان إجماعا)).

    قلتُ: لم أجد فيما بين يدي من مصنف عبد الرزاق المنزَّل على القرص الليزري ما يطابق ما نقله الشيخ عن ابن عمر لا سنداً ولا متناً؛ بل الذي بين يدي (1/473): عن الثوري عن محمد بن عجلان عن نافع عن بن عمر: أنه كان يقول حي على الفلاح الصلاة خير من النوم، فلعله سقط في المكتبة المنزَّلة على القرص الليزري.

    وأقول للشيخ: مَنْ الذي قال: "يعني في الصبح"؟ لم تُفصح لنا عن اسمه، فكيف لنا أن نعرف تفسيره؟ وكيف فهمتَ من تفسيره أنه يريد أذان الفجر بعد دخول الوقت؟!! إن قلتَ: من كلمة "الصبح".
    قلتُ: لم أرى في مقالاك كلمةً ألبستْ عليك المسألة مثل هذه الكلمة التي أخطأتَ في فهمها بما يناسب المقام التي ترد فيه، وقد بينتُ المراد منها فلا أعيد.
    ثم أقول: إن كان صاحب التفسير هو المصنِّف نفسه، فلو رجع القارئ الكريم إلى باب "الصلاة خير من النوم" في ذلك المصنَّف وما أورد فيه من أدلة؛ لعرف أنَّ مراد المصنِّف من أثر ابن عمر هو إثبات شرعية قول المؤذن: الصلاة خير من النوم وأنَّها في صلاة الصبح لا في غيرها من الصلوات، ولولا خشية الإطالة لنقلتُ ذلك. فأين هذا مما فهمه الشيخ ماهر؟!
    أما دعوى الإجماع فقد اعتدنا على مثل هذه الدعاوى التي هي أوهن من بيت العنكبوت، فلا غرابة في بطلانها، لا حاجة في ردها



    الــجــــواب :



    قد تقدم من قبل وأزيد بيانا فأقول وهل كان أبو محذورة في مكة يؤذن بأذانين فإذا قلت نعم وبرهنته فقد تبين أنه أمره في أذان الصبح كما دل عليه حديث عائشة عند بن ماجة فذلك معهود عندهم وماخاطبت إلا بالمعهود وهذا أسهل من تكلف التطويل في الرد .




    الوقفة الرابعة: تكلَّم الشيخ ماهر عن التعليل الذي استدل به مَنْ قال: أنَّ قول المؤذن الصلاة خير من النوم محلها الفجر الذي قبل الوقت وهو الأول؛ واستدلوا بما ثبت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَوْ أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ يُنَادِي بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ)) فقالوا: إنَّ أذان بلال كان من مقصوده تنبيه النائم؛ فكان من المناسب أن يقول فيه: الصلاة خير من النوم، أما بعد هذا الأذان فهم مستيقظون فلا فائدة في قولها بعد.

    وعلَّق الشيخ ماهر على ذلك بقوله: ((أقول: فجعل هذه علة يتمسك بها لقول الصلاة خير من النوم في الأذان الأول ليس بسديد؛ لأن ظاهر كلام عائشة السالف الذكر يفسد تقرير التثويب في أذان الليل لهذه العلة، فقول النبي: "لينبه نائمكم" لا يستلزم منه قول: الصلاة خير من النوم)).
    قلتُ: وقد تقدَّم بيان كلام عائشة رضي الله عنها وأنه لا يُفسد تقرير التثويب في أذان الليل؛ لأنها تتكلم في موطن غير ما نتكلم به نحن هنا يا شيخ.

    ثم أضاف الشيخ وقال: ((ثم أن منهم من يكون نائما بعد أن قام الليل فإن أفضل القيام كما جاء في الحديث قيام داود وفيه أنه كان يقوم ثم ينام فيناسب أن يقول عند ذلك في أذان صلاة الصبح الصلاة خير من النوم قال بن قدامة عامة الناس قبل أذان الفجر يكونوا نائمين فناسب أن يكون التثويب في أذان الفجر. ثم أنه لنا أن نقول أنه ممن يخاطب في ذلك الوقت المتسحرين وهم مستيقظون فما الحاجة أن يقول لهم المؤذن في ذلك الوقت الصلاة خير من النوم وعلى كلتا الحالتين سواء في السحر أو وقت طلوع الفجر الصاد ق فسيكون هناك نائمون ولا شك ...)) إلى آخر كلامه.
    أقول: يا شيخ أنت تدَّعي أنَّ أذان بلال خالٍ من قول: الصلاة خير من النوم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في أذان بلال: ((وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ)) فأيُّهم أعلم بأحوال الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أنت يا شيخ؟! لماذا قال صلى الله عليه وسلم هذا التعليل في أذان بلال ولم يقله في أذان ابن أم مكتوم؟‍!!
    أجيب أنا فأقول: لأنَّ غالب الناس في هذا الوقت نائمون، أما أن تتكلَّم يا شيخ عن نادر أحوال الناس؛ كمن يكون نائماً بعد الفجر الأول بعد أن قام الليل!!، أو كمن ينام بعد أكلة السحر!!، ثم تفهم النص على ذلك: فهذا إخلال؛ وسببه التأصيل قبل الاستدلال.

    أما ما نقله الشيخ ماهر عن صاحب المغني أنه يقول: عامة الناس قبل أذان الفجر يكونوا نائمين فناسب أن يكون التثويب في أذان الفجر، ثم فهم منه الشيخ كعادته في مقاله أنه يريد بذلك أذان الفجر بعد دخول الوقت.
    فأقول: لماذا يا شيخ لا تنقل للقراء نصَّ كلام ابن قدامة، ولماذا تختصر كلامه مع قلته!!؛ كعادتك في التأليف التي لا أرى أنها جيدة في مواطن الخلاف.

    وها أنا أنقل نص كلامه؛ قال ابن قدامة في [المغني 1/455]: ((وإنما اختص الفجر بذلك لأنه وقت النوم لينتبه الناس ويتأهبوا للخروج إلى الصلاة، وليس ذلك في غيرها)) فالشيخ ابن قدامة يتكلَّم عن اختصاص صلاة الفجر بقول المؤذِّن: "الصلاة خير من النوم" من باقي الصلوات، وليس مقصوده بيان المحل الذي تُقال فيه هذه الكلمة في أذان الفجر، وارجع أخي القارئ إلى المصدر للتتيقن من ذلك.
    بل ذكر صاحب الروض المربع 1/62 ما يشير إلى خلاف ما يفهمه الشيخ ماهر؛ وذلك في شرحه لمختصر المقنع إذ يقول: ((يُسنُّ أن يقول بعد الحيعلتين في أذان الصبح ولو أذَّن قبل الفجر: الصلاة خير من النوم مرتين [لحديث أبي محذورة] رواه أحمد وغيره، ولأنه وقت ينام الناس فيه غالباً، ويكره: في غير أذان الفجر، وبين الأذان والإقامة)).

    أما ما نقله الشيخ ماهر ((عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب من أن التثويب وهو قول المؤذن الصلاة خير من النوم إنما هو في أذان الصبح أخرجه الدار قطني (1/243)؛ فقال حدثنا محمد بن مخلد ثنا محمد بن إسماعيل الحساني ثنا وكيع عن سفيان عن بن عجلان عن نافع عن بن عمر عن عمر أنه قال لمؤذنه إذا بلغت حي على الفلاح في الفجر فقل: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم)) ثم علَّق عليه بقوله: ((قلت: وظاهر قوله أنه يعني أذان الفجر المعروف الصادق الذي كان يقال له الأول كما في حديث عائشة السابق لقوله: في الفجر؛ أي عند دخوله)).

    أقول: وهل أصبحت كلمتا (الفجر) و(الصبح) في ذهنك يا شيخ لا يطلقا إلا على الفجر الصادق!!، إنَّ من يرجع إلى الأحاديث والآثار وكلام أهل العلم يجد أنها في وادٍ وفهم الشيخ ماهر لها في وادٍ آخر، ولولا الإطالة لأثبت ذلك، ولكن فيما مضى كفاية، ومن شاء فليتتبع ذلك.

    أما قولك: ((أن التثويب يفعل الآن في الحرمين في صلاة الفجر ...)) وقولك: ((وهذا ما عليه علماء بلادنا كالعلامة الفقيه الإمام الهمام الشيخ عبد العزيز بن باز والعلامة الفقيه بن عثيمين وغيرهم كثير)) فجوابه ما قلتَه أنت في أواخر مقالك: ((وأخيراً أقول: العلماء يُحتج لهم ولا يُحتج بهم، كما هو متقرر عند أهل الحديث، وبالله التوفيق)) وفقنا الله وإياك للعمل بما نقول، فإنَّـه خيرُ مسؤول.



    أقول :

    رمانا رائد بالحدة وهو كما ترون واقع فيها 000


    وليس هذا التهويش بهدية مقبولة منه حتى يتلطف ويحسن الظن ولايرمينا بإخفاء النصوص وحشد الوجوه بلافائدةوكلام ابن قدامه وإنما اختص الفجر بذلك


    أي فجر الفجر الصادق أو الكاذب أليس 000000الذي ظهر لي أنه يعني الفجر الصادق وقتئذ 000وليس أنا ممن يبتر النصوص والمعول عليه في ذلك أن الإيقاظ للفجر أهم من قيام الليل لأنها فريضة وذلك أنسب أن يقال فيها الصلاة خير من النوم وقد ظهر لي من كلامه اختصاص الفجر الصادق ولامانع من عدم قبوله له لعدم وضوحه وليكتفى بماتقدم من الأدلة ثم أتعجب كيف ينسبنا في أول المقال إلى الإحترام وفي آخره إلى الحدة والتي نافيه فمع ماقال في آخر المقال ونسبنا للحدة مع المخالف
    قال في أوله ولولا أني قد كُلِّفتُ في الجواب عن مقال الشيخ ماهر لما تجرأتُ للوقوف معه وقفةً فضلاً عن وقفات، لكن مما سهَّلَ عليَّ الأمر ذلك ما رأيتُه من جُرأة الشيخ ماهر في مقالاته وردوده وكيف يقف مع الكبار رداً وتعليقاً بكلِّ تقدير واحترام ولا يَهاب لمكانتهم في العلم ولا إلى منزلتهم في قلوب الناس من أن يصدع بالحق وينصر الصواب والله أعلم



    قال شيخنا صالح الفوزان لتقديم رسالتي في الأذان :
    الحمدلله وبعد

    فقد استعرضت رسالة الرد على من قال : إن قول المؤذن في أذان الصبح : الصلاة خير من النوم بدعة
    للشيخ : ماهر بن ظافر القحطاني فوجدت فيها ردا شافيا مؤيدا بالأدلة على من توهم تبديع من فعل ذلك 0ونسأل الله أن ينفع بهذا الرد ويرد المخطيء إلى الصواب ولاشك أنه لايجوز لأحد أن يتكلم في مسائل العلم إلا من كان عنده أهلية ويكون ممن تحمل العلم عن أهله لاعن الأوراق فقط كما عليه المتعالمون الآن وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه

    كتبه /صالح بن فوزان الفوزان
    عضو هيئة كبار العلماء 15/8/1426 من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم

    [ ماهر بن ظافر القحطاني ]
    المشرف العام على مجلة معرفة السنن والآثار
    qahtany5@hotmail.com

    أصل المقال هنا:
    http://www.alsonan.net/vb/showthread...=4027#post4027

    تنبيه : ما ذهب إليه الشيخ ماهر من أن التثويب إنما يكون في أذان الفجر الذي تتلوه الإقامة هو الذي يظهر لي، وهو الراجح ..
    والله أعلم
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 11:28

    رد: تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    الكاتب: [ أبو عبد الله الآجري ] 2006-05-24 11:53 Pm

    قال الشيخ العلاَّمة ابن عثيمين -رحمه الله -: " من النصيحة للعلماء أنك إذا رأيت منهم خطأً فلا تسكت وتقول: هذا أعلم مني, بل تناقش بأدب واحترام" [شرح الأربعين ص 140] .

    وقيل قديماً: " العاقل خصيم نفسه" .

    وقال العلاَّمة أحمد شاكر -رحمه الله-: " و هذا الرأي الذي رُبيت عليه و اعتنقته طول حياتي : أن لي أن أنقد آراء الناس في حدود ما أستطيع من علم، و أن لهم أن ينقدوا آرائس في حدود ما يستطيعون من علم" (1) .


    الحمد لله الواحد الأحد، الحق الصمد، واهب الصبر والجلد، أحمده حمداً كثيراً كما ينبغي لعظيم وجهه وجلال سلطانه، أما بعد:

    فقد وعدت الإخوة الفضلاء في هذا النقاش العلمي أن أعيد النظر في مسألة موضع التثويب في أذاني الفجر؛ ذلك بعد استشكالي لما ذهب إليه الشيخ الفاضل ماهر القحطاني -وهو من تلاميذ الشيخ العلامة صالح الفوزان -حفظه الله- - من أن التثويب في أذان الفجر الأول بدعة(!) حين كتب مقاله معنوناً إياه: " قول المؤذن في أذان الليل الصلاة خير من النوم بدعة" اهـ وأن الإجماع على خلافه(!) ذلك حين قال -حفظه الله- زاعماً: " ولم يذكر صاحب المغني مخالفاً لابن عمر من الصحابة فكان إجماعاً" اهـ .

    وليُعلم أني في هذه المباحثة العلمية الفقهية أو هذا الرد الفقهي، وفي معظم ردودي الأخرى، أدعم ما أقوله وأخلص إليه بنسبه إلى إمام مليء من أعمدة الاستقراء لأخرج من عهدة النقص .

    وبعد: قدَّر الله لي أن أتفرغ لبحث هذه المسألة، فوجدت الأمر على خلاف ذلك الزعم وتلك الدعوى .

    بل وجدت أن المسألة من المسائل الخلافية التي تتجاذب الأدلة أطرافها، وأن فيها خلافاً متشعباً على أربعة أقوال، كما سيأتي بيانه لاحقاً، وأن من أئمة الدعوة النجدية من قال بأن السنَّة جعل التثويب في الأول الذي قبل طلوع الفجر! قال الإمام ابن باز -رحمه الله-: " ليس في المسألة إجماع فيما نعلم" [نور على الدرب ش607 د24]، وقال: " وهذه الكلمة تقال في الأذان الذي ينادي به عند طلوع الفجر في أصح قولي العلماء" [تحفة الإخوان 1/93]، فبين أن للعلماء قولان في المسألة وفيها أكثر من ذلك، وقد ذكر الشيخ بقية الأقول في موضع آخر يأتي بيانه لاحقاً، وقال الشيخ علي ابن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب: " فتعين عدم الإنكار على من جعلها في الأول، أو الثاني"، وقال: " فلا يجوز الإنكار لأنها مسألة اجتهاد" اهـ [الدرر السنية 4/207] .

    فلا أدري كيف جعل الشيخ ماهر عدم ذكر ابن قدامة للخلاف في المغني إجماعاً، فهل له أن يرشدني في أي كتب الأصول يمكن أن نظفر بهذه القاعدة الثمينة؟ ثم كيف يُجعل ذلك إجماعاً ولم يتعرض صاحب المغني للمسألة أصلاً، بل أطلق كما أطلق بقية الفقهاء، فبأي وجه حمل كلامه على أحد الأمرين ثم القطع به؟

    أما القول بأنه ما عليه العمل في مكة وغيرها، فهو ما جرت عليه عادة أهل مكة، قال أبو بكر البكري الشافعي -رحمه الله-: "جرت عادة أهل مكة بتخصيصه بالأذان الثاني ليحصل التمييز بينه وبين الاول" [إعادة الطالبين 1/273].

    بل إن قولك -حفظك الله- في التمهيد لردك على الأخ رائد: " ثم أن القول بعدم مشروعية قول الصلاة خير من النوم في أذان الليل قول شيخنا العلامة عبدالعزيز بن باز" اهـ قول عجيب، فالشيخ العلامة ابن باز -رحمه الله- يرى جواز ذلك في كلا الأذانين، قال -رحمه الله- : " إذا فعل ذلك في الأذان الأول أو الثاني فلا حرج -إن شاء الله-، المهم أنه لا يقوله في الإثنين، يقول في أحدهما حتى لا تلتبس الأمور على الناس، والأفضل أن يكون في الأخير" [نور على الدرب ش607 د24] .

    وإني في هذا المقام أستسمح الأخ الفاضل المفضال رائد آل طاهر -حفظه الله- في الردِّ على تلك الدعاوى قبل وضع ردِّه، ذلك لشغفي بإثراء المسألة وتهدئة الوضع بعد أن اتهمه الشيخ -غفر الله له- بالتسرع وعدم الحشمة والأدب والروية، فخفت أن تكبر المسألة أكبر من حجمها.

    كما استسمح الأخ الفاضل ماهر القحطاني -وفقه الله- في حواري هذا، مهيباً به الهدوء والسكينة، وهو من نعلمه أهلاً لذلك .

    وأنا وإن لم أكن بعالم فذلك لا يعني إسقاط الحق في النقاش العلمي الهادف ((الهادئ))، طلباً للوصول إلى الحق؛ فإن أهل الاتباع من أحرى الناس بمعرفة الدليل .

    قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي -رحمه الله-: " أخبرني محمد بن قاسم العثماني – غير مرةٍ - قال: وصلت الفُسطاط مرَّةً ، فجئت مجلس الشيخ أبي الفضل الجوهري، وحضرت كلامه على الناس، فكان مما قال -في أول مجلس جلست إليه- : إن النبي - صلى الله عليه وسلم- طلَّق، وظاهر، وآلى . فلمَّا خرج تبعته، حتى بلغتُ معه إلى منْزله –في جماعة-، فجلس معنا في الدِّهليز، وعرَّفهم أمري؛ فإنه رأى إشارة الغُرْبة، ولم يعرف الشخص قبل ذلك في الواردين عليه، فلمَّا انفضَّ عنه أكثرهم، قال لي: أراك غريباً ، هل لك من كلامٍ؟ قلت: نعم . قال لجلسائه: أفرجوا له عن كلامه، فقاموا، وبقيت وحدي معه، فقلت له: حضرت المجلس اليوم متبركاً بك، وسمعتك تقول: آلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ وصدقت، وطلَّق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ وصدقتَ، وقلت: وظاهرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؛ وهذا لم يكن، ولا يصح أن يكون؛ لأن الظهار منكرٌ من القول وزور؛ وذلك لا يجوز أن يقع من النبي - صلى الله عليه وسلم-، فضمَّني إلى نفسه، وقبَّلَ رأسي، وقال: أنا تائب من ذلك، جزاك الله عني من معلِّمٍ خيراً.

    ثم انقلبتُ عنه، وبكَّرتُ إلى مجلسه في اليوم الثاني، فألفيته قد سبقني إلى الجامعِ، وجلسَ على المنبر، فلمَّا دخلتُ من باب الجامع ورآني، نادى بأعلى صوته: مرحباً بمعلِّمي، أفسحوا لمعلِّمي، فتطاولتِ الأعناق إِلَيَّ، وحدَّقتِ الأبصار نحوي، وتبادر الناس إليَّ يرفعونني على الأيدي، ويتدافعونني حتى بلَغْتُ المنبر، وأنا – لِعِظَمِ الحياء- لا أعرف في أيِّ بُقعةٍ أنا من الأرض! والجامع غاصُّ بأهله ، وأسال الحياءُ بدني عرَقاً ، وأقبل الشيخ على الخلق، فقال لهم: أنا معلِّمكم، وهذا معَلِّمي؛ لَمَّا كان بالأمس قلت لكم: آلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وطلَّق، وظاهرَ؛ فما كان أحدٌ منكم فقه عني، ولا ردَّ عليَّ، فاتبعني إلى منْزلي، وقال لي كذا وكذا – وأعاد ما جرى بيني وبينه -، وأنا تائب عن قولي بالأمس، وراجع عنه إلى الحق، فمن سمعه ممن حضر فلا يُعَوِّل عليه، ومن غاب فليُبْلِغْهُ من حضرَ، فجزاه الله خيراً، وجعل يَحْفِلُ في الدعاء، والخلق يؤمِّنون .

    ثم علق ابن العربي بقوله: فانظروا رحمكم الله إلى هذا الدين المتين، الاعتراف بالعلم لأهله على رؤوس الملأ: مِن رجلٍ ظهرت رياسته، واشْتَهرتْ نفاسته؛ لغريبٍ مجهول العين لا يعرف من؟ ولا من أين؟ فاقتدوا به ترشدوا )) اهـ . [ أحكام القرآن لابن العربي 1/182-183] [بواسطة: "من العالم" لأبي عبدالرحمن الذهبي"].


    فلنتأمل لقول ذلك العالم: هذا شيخي، وهو لا يعرف ذلك الرجل من يكون؟ أكان جاهلاً؟ أكان متعالماً؟ أكان حاقداً حسوداً؟ أو كان إماماً في العلم حتى يقول: هذا شيخي .

    وتأمل لوم ذلك الإمام: " فما كان أحدٌ منكم فقه عني، ولا ردَّ عليَّ" اهـ وحسن ظني بالشيخ أن سيلوم من لم ينبه على هذه النقاط التي وجدت نفسي بصدد التنبيه عليها في هذا الرد الفقهي .

    وهذا هو دأب أهل الحديث، فانظر كيف ردَّ الشيخ العلامة أحمد شاكر على من نقده وهو أقل منه علماً بدرجات فقال عمن نقده: " فإذا ما نقد كتابي فإنما يقوم ببعض ما يجب عليه نحو أخ أقدم منه سناًّ، يراه هو كثر منه خبرة، أو أوسع اطلاعًا، و ما أدري : أصحيح ما يراه، أم هو حسن الظن فقط؟ فإن له مدى مديداً في الاطلاع و التقصي، و نفذات صادقة في الدقائق و المعضلات، و يندر أن توجد في أنداده، بل في كثير من شيوخه و أستاذيه" وقال أيضاً: " و ما أحب أن أدير مناظرة أو جدالا حول المآخذ التي أخذها عليّ. فما زعمت قط و ما زعم لي أحد أني لا أخطئ، و كلنا نخطئ و نصيب" وقال: " فما ضاق صدري بشيء من نقد قط، لاَنَ أو قسا، و العلم أمانة.
    بل إني لأرى أن الضيق بالنقد و التسامي عليه ليس[من] أخلاق العلماء، و ليس من أخلاق المؤمنين. إنما هو الغرور العلمي، و الكبرياء الكاذبة، و حسبنا في ذلك قول الله تعالى { و إذا قبل له اتق اللهَ أخذته العزَّةُ بالإثم}" وقال: " أنا أرى أن من حقي أن أنقد من أشاء، و أن أقسو في النقد ما أشاء، فمن ذا الذي يزعم لي، أو يزعم لنفسه، ان ينقد الناس و أن يقسو عليهم في النقد، ثم يرى من حقه عليهم أن ينقدوه، و أن لا يتحدثوا عنه ـ إن إذن لهم في الحديث ـ إلا برفق و لين و ملق و نفاق، مما يسمونه في هذا العصر العجيب " مجاملة " !! انتهى كلام العلامة أحمد شاكر -رحمه الله- (1) .

    وعلى أسوء الاحتمالات فإن الهدوء في الردَّ والنقاش وعدم الحيدة عن النقاش العلمي من أهم الأسباب التي تبين ما عليه الرجل من التمكن والرسوخ في ما ذهب إليه من قول وعلى قدر النقص في ذلك يكون الشك في عدم تيقن ذلك الرجل مما ذهب إليه .

    فثبت بذلك أنه ينبغي على الشيخ -حفظه الله- أن يصبر على من يحاوره وأن يخفض له جناحه، وأن يغفر له ما وقع فيه من زلة أثناء حواره معه، خصوصاً وإن كان من السلفيين الذين يعرف فيهم أنهم يحبونه في الله، فيكون توجيهه لهم إن أخطئوا لطيفاً يرجعهم إلى الحق بإذنه تعالى .

    فيكون بذلك قدوة للشباب السلفي في كيفية التعامل في مواطن الخلاف، وفي كيفية ردهم على من يكون أقل علماً منهم، وفي كيفية رجوعهم عن الخطأ إن نُبهوا من قبل أي شخص -حتى العامي- .

    ذلك أن الحديث على هذه الشبكة العالمية منظور متاح لكافة الناس، فيكون هدوءه وصفحه عن أخطاء محاوريه دليلاً على علو قدره وتمكنه من العلم، وهو أيضاً وسيلة ناجحة من وسائل الدعوة إلى الله على هذه الشبكة .

    وأشرع الآن في تفصيل النقاش بعد هذه التوطئة .

    إن قول الشيخ الفاضل ماهر القحطاني عن التثويب في الأذان الأول بدعة، يقابله قول محدث العصر عن الثويب في الأذان الثاني أنه بدعة .

    قال في تمام المنة [1/146]: " جعل التثويب في الأذان الثاني بدعة مخالفة للسنة" اهـ .

    وهذه ليست بكبير مشكلة إذ أنه ما أدى إليه اجتهاد الطرفين، وهو لا يقتضي تبديع القائل به كما هو معلوم في الأصول.

    غير أني أحببت بيان ما صرت إليه في هذه المسألة بعد بحث طويل، وهو أن المسألة خلافية، والخلاف فيها قوي، ولا يمكن الحكم بالبدعة على ما ذهب إليه أحد الطرفين .
    - .
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 11:30


    - فأدلة الطرف الأوَّل وهو من قال بأن التثويب يكون في أذان الفجر الأول الذي هو قبل الدخول الوقت بربع ساعة:

    ا- أن التثويب كان في تأذين بلال الذي كان يؤذن بليل؛ قبل طلوع الفجر .

    ب- صراحة لفظ الأحاديث الصحيحة وظاهرها، ومنها: ((وكنت أقول في أذان الفجر الأول: حي الفلاح، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم)) .

    ج- الاستدلال من جهة المعقول بأن الأذان الأول للفجر شُرع لإيقاظ النائم، فناسبه التثويب، وأما الأذان الثاني فشرع للإعلام بدخول وقت الصلاة .

    وقالوا عن حديث عائشة -رضي الله عنها- في إطلاقها على الأذان الثاني أولاً حين قالت: ((فإذا سكت المؤذن بالأولى))؛ أنه أولٌ باعتبار الإقامة، وثان باعتبار الأذان الذي قبل الفجر، وهو اللفظ الشرعي المقصود بأحاديث التثويب التي تقارن الفجر الذي قبل الوقت بالفجر الذي بعده، ولاتحمل ألفاظ الأذان على الأحاديث التي تقارن الفجر الثاني والذي هو بعد الوقت بالإقامة، فهذا عندهم تعميم في غير محله خصوصاً وأنه لم يرد في شيء من الروايات -فيما علموا- ((التصريح)) بأن هذا التثويب كان في الأذان الثاني للصبح بل الأحاديث على قسمين : منها ما هو صريح بأنه في الأذان الأول ومنها ما هو مطلق ليس فيه التقييد بالأول أو الثاني، فتحمل هذه على الأحاديث المقيدة كما في القواعد المقررة .

    كما أن قولها يحتمل أن يكون صفة لمحذوف، والتقدير: إذا سكت عن المرة الأولى، أي عن الأذان الأول .
    فتطرق الاحتمال لهذا الدليل، فلم يصح عندهم بعدها الاستدلال به .

    وهذا القول هو قول فقهاء الحديث وبعض الشافعية، وصرَّح به ابن رسلان والصنعاني، وقد صرَّح به الحافظ ابن رجب في "الفتح" [4/230] وذكره عن طائفة من فقهاء الحديث، فقال: " قال القاضي في ((جامعه الكبير)) والآمدي: وظاهر هذا، أنه أفضل من الأذان بعد الفجر، وهو قول الجوزجاني وغيره من فقهاء أهل الحديث؛ لأنه أبلغ في إيقاظ النوام للتاهب لهذه الصلاة، فيكون التقديم سنة، كما : أن كان التثويب في هذا الأذان سنة- أيضا-؛ لهذا المعنى . . . وهذا كما روي، أنَّ بلالاً هو الذي زاد في أذانه : ((الصلاة خير من النوم)) مرتين في آذان الفجر، فأقرَّها النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأذان لما رأى فيه من زيادة إيقاظ النائمين في هذا الوقت" أهـ، فذكر -رحمه الله مجمل أدلة الطرف الأول، وهو ما فضله الشيخ علي ابن الإمام المجدد فقال: " الأحسن لمن أراد الاقتصار في التثويب على أحد الأذانيين أن يكون في الأول" [الدرر السنية 4/207]، وقد صرَّح به محدث العصر فقال أن هذا ما عليه علماء الحديث راجع سلسلة الهدى والنور ش 189 د 40 .

    قال الصنعاني في سبل السلام [1/304]: " ولابن خزيمة عن أنس رضي الله عنه قال : ((من السنة إذا قال المؤذن في الفجر: حي على الفلاح، قال: الصلاة خير من النوم)) .
    ولابن خزيمة عن أنس - رضي الله عنه - قال : (( من السنة [أي طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم-] إذا قال المؤذن في الفجر: حي على الفلاح [الفلاح هو الفوز والبقاء؛ أي هلموا إلى سبب ذلك]، قال : ((الصلاة خير من النوم)) وصححه ابن السكن، وفي رواية النسائي: ((الصلاة خير من النوم في الأذان الأول من الصبح))، وفي هذا تقييد لما أطلقته الروايات .
    . . . وعلى هذا ليس : ((الصلاة خير من النوم )) من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلى الصلاة، والإخبار بدخول وقتها، بل هو من الألفاظ التي شرعت لإيقاظ النائم، فهو كألفاظ التسبيح الأخير الذي اعتاده الناس في هذه الأعصار المتأخرة عوضاً عن الأذان الأول؛ وإذا عرفت هذا هان عليك ما اعتاده الفقهاء من الجدال في التثويب، هل هو من ألفاظ الأذان أو لا؟ ثم المراد من معناه: اليقظة للصلاة خير من النوم؛ أي من الراحة التي يعتاضونها في الآجل خير من النوم، ولنا كلام في هذه الكلمة أودعناه رسالة لطيفة" اهـ .

    قال ابن رسلان في شرحه لسنن أبي داود: " وهاتان الروايتان صريحتان في أن التثويب بالصلاة خير من النوم، مخصوص بالأذان الأول، دون الثاني، لأن الأذان الأول إنما شرع لإيقاظ النائم، كما في الحديث: "ليوقظ نائمكم "، وأما الثاني: فإنما هو للإعلام بدخول الوقت لمن أراد أن يصلي في أول الوقت، ولكون المصلين فيه غالباً قد استيقظوا بالأذان الأول، واستعدوا للصلاة بالوضوء وغيره". انتهى.

    (*) وعمدة الطرف الثاني حديث عائشة -رضي الله عنها- حين قالت: ((فإذا سكت المؤذن بالأولى))، فأطلقت ((الأول)) على الأذان الثاني، فكان الاسم الشرعي للأذان الثاني هو الأذان الأول، وحملوا ما جاء في حديث أبي محذورة -رضي الله عنه- على أن المراد منه الأذان الذي يسبق الإقامة، لأن الإقامة تسمى أذاناً، كما قال -صلى الله عليه وسلَّم-: ((بين كلِّ أذانين صلاةٌّ)) .

    وقالوا بأن احتجاج الطرف الأول احتجاج بالمعنى اللغوي، أما ما احتج به الطرف الثاني فهو احتجاج بالمعني الشرعي، ولا شك أن الحقيقة الشرعية مقدمة على الحقيقة اللغوية .

    واحتجوا بأن جعل التثويب في الأذان الثاني هو ما عليه عمل أهل المدينة .

    وهذا ما عليه المالكية والحنابلة، واللجنة الدائمة والشيخ العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- والشيخ العلاَّمة صالح الفوزان والشيخ محمد بن حسن آل الشيخ وسائر فقهاء الحجاز .

    والقول الثالث في المسألة: هو المعتمد عند الشافعية، والشيخ علي ابن الإمام المجدد؛ التثويب في الأذانين معا ً مع تفضيله أن يكون في الأول إن كان لابد من الاقتصار .

    والقول الرابع: للبغوي من الشافعيـة، وتبعه النووي، الاختيار بين أن يقوله في الأذان الأول أو الثاني، فإن أتى به في أحدهما كفاه ولا يكرره، وهو قول الإمام ابن باز -رحمه الله- مع تفضيل الأذان الثاني .
    قال الإمام النووي: "ثم ظاهر إطلاق الغزالي وغيره أن التثويب يشمل الأذان الذي قبل الفجر والذي بعده، وصرح في التهذيب بأنه إذا ثـوب في الأذان الأول لا يثوب في الثاني على الأصح" [روضة الطالبين وعمدة المفتين 1/73] .

    وأقوى الأقوال في هذه المسألة القول الأول والثاني، ذلك أن في اختيار القول الثالث إهمال لحديث أبي محذورة وقد صرَّح فيه بأنه ثوَّب في الأذان الأول، ووجه قوة القول الثاني أنهم جعلو الاسم الشرعي للأذان الثاني: (الأذان الأول) استناداً لحديث عائشة -رضي الله عنها- .

    لذلك فإنه ينبغي الاعتناء بتنقيح القولين الأول والثاني، وفي ذلك أقول:

    لقد تبيَّن بذلك أن عمدة القائلين بأن التثويب في الأذان الثاني حديث عائشة، وإلا لتعين على الجميع الأخذ بظاهر الحديث لأنه لا صارف له غير حديث عائشة، فكل ما ذهب إليه الفريق الثاني تأويل مرده حديث عائشة -رضي الله عنها-، والقاعدة أنه لا يصار إلى التأويل إلا إذا كانت القرائن قوية .

    وفي الحقيقة يمكن القول بأن حديث عائشة -رضي الله عنها- قرينة قوية، خصوصاً وأنه قد جاء في أحد روايته وهي رواية ابن ماجة: ((فإذا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ)) [ح1348] قاصدة الأذان الثاني.

    فإذا أمكن إبطال الاستدلال بهذا الحديث ترجح القول الأول، وهو قول طائفة من أهل العلم على مرِّ العصور، وإذا لم يمكن ذلك ترجح القول الثاني .

    وقد ذكرنا ردَّ الطرف الأول على الاستدلال بحديث عائشة، فمن صحَّ عنده مطلقاً اختار القول الأول، وهو ما أميل إليه .
    ومن لم يصحَّ عنده ذلك الاستدلال ذهب إلى القول الثاني .

    ومن لم تترجح عنده الكفة، ذهب إلى القول بجوازه في أي من الأذانين، مع تفضيل أن يكون التثويب في الأذان الأول وهو ما ذهب إليه الشيخ علي ابن الإمام المجدد محمد ابن عبد الوهاب فقال: " فإن الأمر في ذلك عندنا على السعة، فإذا جعله في الأول أو في الثاني فالكل - إن شاء الله - حسن، ولكن الأحسن لمن أراد الاقتصار في التثويب على أحد الأذانيين أن يكون في الأول، لما ذكرت من الحديث – أي تأذين بلال بالتثويب، وهو كان يؤذن الأذان الأول-، وأحسن منهما التثويب في الأذانيين، جمعاً بين الأحاديث، وعملاً بظاهر إطلاقات الفقهاء" [الدرر السنية 4/207] اهـ، وذهب إلى جوازه في الأذانين مع تفضيل أن يكون في الثاني الشيخ العلامة ابن باز -رحمه الله-، وزاد الإمام ابن باز بأن اشترط عدم التكرار، فقال: " إذا فعل ذلك في الأذان الأول أو الثاني فلا حرج -إن شاء الله-، المهم أنه لا يقوله في الإثنين، يقول في أحدهما حتى لا تلتبس الأمور على الناس، والأفضل أن يكون في الأخير" [نور على الدرب ش607 د24]، والغالب عند جمهور الفقهاء عدم اشتراطه كما هو ذلك ظاهر من إطلاقهم عند تعرضهم للمسألة، لا يبينون أهو في الأذان الأول أم الثاني، وقد أشار النووي وغيره إلى ذلك حين قال في المجموع (3/101): " ظاهر إطلاق الأصحاب أنه يشرع في كل أذان للصبح، سواء ما قبل الفجر وبعده، وقال صاحب التهذيب: إن ثوّب في الأذان الأول لم يثوّب في الأذان الثاني في أصح الوجهين" اﻫ وقال الإمام الألباني -رحمه الله- أن جمهور الفقهاء يجملون ولا يصرحون بل: " يقتصرون على إجمال القول فيها ولا يبينون أنه في الأذان الأول من الفجر كما جاء ذلك صراحة في الأحاديث الصحيحة" [تمام المنة ش/146] .

    وقال في أسنى المطالب: " هُوَ مَا ذَكَرَ الْأَصْلُ أَنَّهُ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ إذَا ثَوَّبَ فِي الْأَوَّلِ لَا يُثَوَّبُ فِي الثَّانِي عَلَى الْأَصَحِّ وَأَطْلَقَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ تَرْجِيحَهُ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَصَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ . . . وَالظَّاهِرُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ مِنْ فِعْلِ بِلَالٍ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ يَقُولُ [به] " [أسنى المطالب 2/239] .

    ولا شك بأن المسألة خلافية تتجاذبها الأدلة، فلا ينبغي الإنكار والتبديع، بل هو النقاش العلمي الهادف ليوصل كلا الفريين أدلته للطرف الآخر .

    وقد أشارت اللجنة الدائمة إلى ذلك فقالت: " ورد ما يدل على أن التثويب في الأذان الأول، وورد ما يدل على أنه في الأذان الثاني . . ." اهـ [س1ف1396]؛ ولهذا كان المسألة خلافية .

    وقال الشيخ علي ابن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب: " فتعين عدم الإنكار على من جعلها في الأول، أو الثاني"، وقال: " فلا يجوز الإنكار لأنها مسألة اجتهاد" اهـ [الدرر السنية 4/207] .

    الخلاصة:

    المسألة خلافية، فيها خلاف قوي، فينبغي على من ادعى الإجماع أن يتراجع عن ذلك، وأن يتراجع عن اعتبار إطلاقات الفقهاء على أنها القول بأن التثويب في الأذان الثاني، وعن القول بأن الإمام ابن باز -رحمه الله- لا يرى بمشروعية التثويب في الأذان الأول .

    وينبغي على الطرفين حسن الظن بكليهما، وعدم الاتهام بإخفاء أحد النصوص، فكل قد كتب بما خلص إليه علمه، وأوجه هذا الكلام إلى الأخ رائد خصوصاً .

    فإذا تحقق ذلك، فينبغي حصر النقاش في محور الخلاف، وهو الاستدلال بحديث عائشة -رضي الله عنها-، وألا تطول الردود فيما لا طائل من وراءه، ومن ذلك تهويل أحد الطرفين على الآخربمخالفة علماء الهيئة أو غيرهم!

    هذا وأرجو رجاء صادقاً ممن وجد هفوة أو زلة أو خطاً فيما كتبته أن يكتب رداً على هذه المشاركة يبين لي فيه خطئي بهدوء وروية، وبدون غضب وتهويل، فإني شاكر ممن بين لي خطئي وسعيد به، فهذه المسألة خلافية لا تستدعي قطع المودة والألفة بين الإخوة، وأني أحب الشيخ ماهراً في الله، كما أحب الأخ رائداً أيضاً .

    وفق الله الجميع إلى ما فيه رضاه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

    كتبه

    -راجي عفو ربه والذي يرجو أن يكون من أهل الاتباع إلى الممات-:
    لقمان الأنصاري
    أبو عبدالله الآجري .
    ----------
    (1) صدَى النقد، تعقيب على نقد و درس للمنقود قبل الناقد، مجلة الكتاب، عدد جمادى الآخرة 1370هـ، أبريل 1951م بواسطة جمهرة مقالات العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر 1/370-376، بواسطة الأخ/ همام بن محمد -بارك الله فيه
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 11:30


    الكاتب: [ معاذ بن يوسف الشّمّريّ ] 2006-05-25 04:23 Pm
    بسم الله الرّحمن الرّحيم

    أمّا بعد :

    فالشّكر موصولٌ لك - يا أخ لقمان - وفّقك الله - - على بحثك الهادئ في مسألة ( التّثويب في أذان الفجر ) .

    و أنا على قول من قال أنّ التّثويب إنّما هو في أذان الفجر الأوّل ؛ الّذي هو أذان الفجر الصّادق في عُرف السّلف - رحمهم الله - .

    و ما مشاركتي هذه إلاّ تعاونًا على البرّ و التّقوى ؛ ليكون بحثك أتمّه في النّقل .

    فلقد فاتك النّقل عن شيخنا - رحمه الله - في " الثّمر المستطاب " .

    فلقد قال إمامنا الألبانيّ - رحمه الله - في " الثّمر المستطاب " : (( و اعلم أنّه لم يرد في شيءٍ من الرّوايات - فيما علمنا - التّصريح بأنّ هذا القول : (( الصّلاة خيرٌ من النّوم )) كان في الأذان الثّاني للصّبح ؛ بل الأحاديث على قسمين : منها ما هو صريحٌ بأنه في ( الأذان الأوّل ) ؛ كالحديث الأوّل و الثّاني ، و منها ما هو مطلقٌ ليس فيه التّقييد بالأوّل أو الثّاني ؛ كالحديث الثّالث ، و غيره من الأحاديث الّتي لم تصحّ أسانيدها ؛ فتحمل هذه على الأحاديث المقيّدة ؛ كما في القواعد المقرّرة .

    وعلى هذا ؛ فليس (( الصّلاة خيرٌ من النّوم )) من ألفاظ الأذان المشروع للدّعاء إلى الصّلاة و الإخبار بدخول وقتها ؛ بل هو من الألفاظ الّتي شُرعت لإيقاظ النّائم .

    وانظر تمام هذا الكلام في " سبل السّلام : 167 -168" )) ا.هـ

    هذا ؛ و أرجو حشر شيخ الإسلام - رحمه الله - مع القائلين بكون التّثويب في أذان الفجر الصّادق ؛ و ذلك لقوله - رحمه الله - في : شرح العمدة " : (( وعن أنس بن مالكٍ ؛ قال : (( من السّنّة إذا قال المؤذّن في صلاة الفجر : (( حيّ على الفلاح )) قال : (( الصّلاة خيرٌ من النّوم ، الصّلاة خيرٌ من النّوم ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلاّ الله )) )) ، و في روايةٍ : (( كان التّثويب في صلاة الفجر إذا قال المؤذّن : (( حيّ على الفلاح )) قال : (( الصّلاة خيرٌ من النّوم ، الصّلاة خيرٌ من النّوم )) )) ؛ رواه سعيدٌ ، و حربٌ ، و ابن المنذر ، و الدّارقطنيّ .

    و قال عمر لمؤذّنه : (( إذا بلغت (( حيّ على الفلاح )) في الفجر ؛ فقل : (( الصّلاة خيرٌ من النّوم ، الصّلاة خيرٌ من النّوم )) ؛ رواه الدّارقطنيّ ، و رواه الشّافعيّ في القديم عن عليٍّ مثل ذلك .

    و لا يعرف عن صحابيٍّ خلاف ذلك .

    وهذا لأنّ الصّبح مظنّة نوم النّاس في وقتها ؛ فاستحبّ زيادة ذلك فيها ؛ بخلاف سائر الصّلوات .
    وسواءٌ أذّن مغلسًا أو مُسفرًا لأنّه مظنّةٌ في الجملة )) ا.هـ

    فانظر - يا رحمك الله - كيف جعل التّثويب في أذان الفجر الصّادق الّذي هو محلّ التّغليس و الإسفار .
    و انظر كيف حمل آثار الصّحابة القائلة أنّه (( الفجر )) على ذلك .

    و انظر كيف نقل الإجماع على هذا .

    و قال العجليّ - رحمه الله - في " الثّقات " ؛ في ترجمة ليث بن أبي سليم : (( حدّثنا أبو مسلم : حدّثني أبي ؛ قال : و كان ليث بن أبي سليم يؤذّن ، و كان يُسفر بالفجر ؛ و يقول : (( الصّلاة خيرٌ من النّوم )) )) ا.هـ

    و هذا - أيضًا - يبيّن لك أنّ المقصود بأذان الفجر - عندهم - هو أذان الفجر الصّادق ؛ إذ هو محلّ التّغليس و الإسفار ؛ كما لا يخفى .

    و الله أعلم .

    و الحمد لله ربّ العالمين .
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 11:31

    الكاتب: [ معاذ بن يوسف الشّمّريّ ] 2006-05-25 08:24 Pm
    بسم الله الرّحمن الرّحيم

    أمّا بعد :

    فلقد سُئلت اللّجنة الدّائمة للإفتاء ؛ فقيل لهم : (( ما المانع من الإتيان بسنّة المصطفى - صلّى الله عليه و سلّم - في التّثويب في الأذان الأوّل للفجر ؛ كما جاء في " سنن النّسائيّ ، و " ابن خزيمة " ، و " البيهقيّ " ؟.

    فكان جوابهم :

    (( نعم ؛ ينبغي الإتيان بالتّثويب في الأذان الأوّل للفجر ؛ امتثالا لأمر النّبيّ - صلّى الله عليه و سلّم - ، و واضحٌ من الحديث أنّه الأذان الّذي يكون عند طلوع الفجر الصّادق ، و سُمّي (( أوّلاً )) بالنّسبة للإقامة ؛ فإنّها أذانٌ شرعًا ؛ كما في حديث : (( بين كلّ أذانين صلاة )) ، وليس المراد بالأذان الأوّل ما ينادى به قبل ظهور الفجر الصّادق ؛ فإنّه شُرع ليلاً ليستيقظ النّائم ، و ليرجع القائم ، و ليس أذانًا للإعلام بالفجر .

    ومن تدبّر أحاديث التّثويب لم يفهم منها إلاّ أنّ التّثويب في أذان الإعلام بوقت الفجر ؛ لا الأذان الّذي يكون ليلاً قُبيل الفجر )) ا.هـ

    و وقّع على الفتوى :

    الشّيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ،

    و الشّيخ عبد الرّزّاق عفيفي ،

    و الشّيخ عبد الله بن غديّان ،

    و الشّيخ عبد الله بن قعود .

    و راجع " فتاوى اللّجنة الدّائمة للبحوث العلميّة و الإفتاء : 6 / 63 " .

    و المهمّ من هذه الفتوى أن ترى - وفّقك الله إلى كلّ خيرٍ - أنّ هذا قولٌ للإمام الأثريّ عبد العزيز بن بازٍ - رحمه الله - .

    و الّذي نقلتَه أنت قولٌ ثان .

    فلا تثريب على الأخ ماهرٍ القحطانيّ - وفّقه الله - في نسبته ما نسب إلى الإمام ابن بازٍ - رحمه الله - .

    و إن كان الأصل أنْ يُنسب إليه قولاه - رحمه الله - .

    و هذا يُقال لمن علمَ القولين ؛ فلم ينقل إلاّ أحدهما .

    و أمّا من لم يعلم عنه إلاّ قولاً من القولين ؛ فنسبه إليه ؛ فلا يُلام .

    و هذا كمثل فعلك أنت - وفّقك الله - ؛ إذ لم تنسب إليه إلاّ قولاً واحدًا .

    و الله الموفّق .

    و الحمد لله ربّ العالمين .
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 11:33

    الكاتب: [ أبو عبد الله الآجري ] 2006-05-25 09:15 Pm
    أخي العزيز معاذ، أشكرك على تعقبك اللطيف، ويسعدني اشتراككم في هذا النقاش الشيِّق . .

    نعم؛ قد فاتني نقل قول شيخ الإسلام -رحمه الله-، فبارك الله فيك على نقله، ولم أطلع عليه من قبل، وسأعيد تدبر أقوال شيخ الإسلام ومعه ابن القيم في أقرب فرصة بإذن الله، ثم أناقشك فيما نقلت عن شيخ الإسلام . . أما بقية النقول، فهي عندي في التقميش، ككلام محدث العصر في الثمر، وفتاوى اللجنة الدائمة، ولكني آثرت عدم نقلها خشية التطويل .

    وبالنسبة لما ذهب إليه الإمام ابن باز -رحمه الله- مع بقية علماء اللجنة، فعندي إشكال حول ما علَّقت به، وأريد معرفة إجابته -بارك الله فيك-: هل ترى أن ما خرج من فتوى للشيخ كان توقيعه فيها مع أعضاء آخرين، كقوله في المسألة لوحده؟

    وهل ترى أن الفتوى التي قمت بنقلها -حفظك الله ورعاك- تثبت أن اللجنة لا ترى بمشروعية هذا الفعل؟ أم أنها فقط تثبت اختيارهم للقول الثاني في المسألة؟ وهل هناك فرق بين القول بعدم مشروعية ما ذهب إليه المخالف والقول بعدم رجحانه؟ خصوصاً وأن للجنة فتوى أخرى أشارت فيها للخلاف في المسألة قد تقدم نقلها .

    فإن كان فهمي هذا خاطئاً، فبين لي -بارك الله فيك- .

    وبالنسبة للنقاش في المسألة، فأرجو أن تعطينا ما لديك حول مسألة الاستدلال بحديث عائشة، فهو مستند ما ذهبتم إليه، وذلك بمناقشة ما ردِّ به الطرف الآخر على الاستدلال بحديث عائشة .

    فإن أثبتم صحَّة الاستدلال به، صرت إلى قول اللجنة الدائمة، وإلا فإني ما زلت أميل لقول فقهاء الحديث .

    ونحن في انتظار الأخ رائد ليدلي بدلوه . .

    بارك الله في الجميع .


    ==========

    الكاتب: [ أبو عبد الله الآجري ] 2006-05-26 04:08 Pm
    سلمه الله وحفظه من كل سوء . . .

    أجيب عن الأسئلة أعلاه فأقول:

    قول الشيخ ابن باز -رحمه الله- والذي أفتى به في برنامج نور على درب حين سُئل عن خلاف بين الإخوة -كما هو حاصل الآن-، وأن أحد الطرفين قد ادعى الإجماع على أنه في أذان الفجر الثاني، فكانت إجابة الشيخ بأنه لا إجماع في المسألة، بل لا حرج في فعله في أي من الأذانين، ثم بين ما ترجح لديه، كما بين في فتوى اللجنة الدائمة، بأن ما فهمه من النصوص أنه في الأذان الثاني، ولكنه لم يُذكر في سؤال اللجنة الدائمة أن هناك خلاف وادعاء إجماع حتى يقول بجوازه في الأول، فكانت إجابة اللجنة الدائمة على قدر السؤال، فلا يحصل تعارض بين تلكم الفتاوى .
    هذا؛ وقد وقفت على فتوى للإمام ابن باز -رحمه الله- يقول فيها بعدم مشروعية ذلك، فقال في الجزء العاشر من مجموع الفتاوى ص342: " فلا يشرع فيه أن يقول: ( الصلاة خير من النوم )؛ لعدم دخول وقت الصلاة" ولكن هل يدل ذلك على التشديد كما فهم من نقل الشيخ ماهر، أما أنه كان في سياق الاستدلال؟ أقول يفهم ذلك من سياق فتاوى الشيخ الأخرى، فكلامه في موضع يبين كلامه في الموضع الآخر .

    وأيضاً ليس في السؤال ذكر ادعاء أحد الطرفين للإجماع الذي يوهم بدعية قول الطرف الأول أو عدم مشروعيته، فكان لزاماً على الإمام ابن باز -رحمه الله- في فتوى "نور على الدرب" زيادة البيان بأنه مع عدم رجحان الإتيان بها في الأذان الأول، إلا أن الإتيان بذلك لا حرج فيه، والله أعلم .

    وقد كان السؤال الذي في مجموع الفتاوى: س : ما حكم الأذان لصلاة الفجر قبل دخول الوقت ؟ اهـ

    ومعظم فتاوى الشيخ ابن باز -رحمه الله- تدل على أنه يرى من ((الأفضل)) قولها في الأذان الثاني .

    سئل -رحمه الله-: متى يقال : ( الصلاة خير من النوم ) ، في الأذان الأول أم الثاني؟

    فأجاب : الأفضل أن يقال ذلك في الأذان الأخير الذي هو الثاني : الذي يقال بعد طلوع الفجر . . . إلى آخر الفتوى" مجموع فتاوى ابن باز المجلد العاشر، وقد نُشرت في مجلة الدعوة العدد 1547 .

    فكان قوله في نور على الدرب، وفي مجموع الفتاوى وما نشر في مجلة الدعوة متفقاً .

    وإليك ما قاله الإمام العلامة ابن باز في المجلد الثالث والعشرين ص390 من مجموع فتاواه: " أما زعمهم أن كلمة ( الصلاة خير من النوم ) إنما تقال في الأذان الأول فهذا محل تفصيل ؛ لأن كثيراً من أهل العلم قد اعتقد أن المراد بالأذان الأول هو الأذان الذي ينادى به قبل الصبح . . . وعلى فرض أنه نادى به بلال في أذانه قبل الصبح ونادى به أبو محذورة في أذانه للصبح يكون من باب اختلاف التنوع فلا حرج في ذلك، ولكن ينبغي أن يترك ذلك في أحدهما إذا كان المؤذن واحداً حتى لا يشتبه الأمر على أهل البلد . . . ولو اصطلح بعض الناس على جعله في الأول دون الآخر لم يكن في ذلك محذور من حيث المعنى؛ لعدم الاشتباه، ولأن كل واحد منهما يسمى أذان الفجر . . . إلى آخر الفتوى" .

    وقد لاحظت معي أخي القارئ أنَّ الإمام ابن باز يقول برجحان كون الثويب في الأذان الثاني، ولكنه مع ذلك لا ينكر ويُبدِّع جعله في الأذان الأوَّل، بل يرى عدم الحرج فيه، ولم ينقل أن الإجماع على ما ذهب إليه، بل قال بأن كثيراً من العلماء ذهبوا إلى خلاف ما ذهب إليه، فلله درَّه من عالم إمام رحمه الله رحمة واسعة، وكذلك الإمام ابن عثيمين -رحمه الله- أثبت الخلاف في المسألة، ولم يبدِّع ذلك الفعل .

    فالله الله باقتفاء أثر الأئمة المحققين كالإمام ابن باز والإمام الألباني والإمام ابن عثيمين في عدم نقل الإجماع .

    وعلى أي حال، فإنَّ تنبيهك بعدم التثريب في محله -أخي معاذ- فبارك الله فيك، ولا يحسن عندها القطع بأنه القول الوحيد، والتثريب على من ادعى خلافه .

    ويبقى مطلبان من الشيخ الفاضل المفضال/ أبو عبدالله ماهر القحطاني، وهما:

    1- اعتبار إطلاقات الفقهاء بأن الثويب في الأذان الثاني، هل هو في رأي الشيخ عمل سليم؟

    2- أتمنى من الشيخ أن يثبت لنا أن في المسألة إجماعاً مع ما قدمته من حكاية للخلاف، ونفي الإمام ابن باز للإجماع .
    وأزيد هنا ما نقله الشيخ العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- فقال: " وأما كلام فقهائنا -رحمهم الله- فظاهره أن التثويب في أذان الفجر سواء أذن بعد الفجر أم قبله" مجموع فتاوى ابن عثيمين م12 ف100 وقل الشيخ ابن باز: " لا أعلم في المسألة إجماعاً" بل وقوله: " لأن كثيرا من أهل العلم قد اعتقد أن المراد بالأذان الأول هو الأذان الذي ينادى به قبل الصبح" .

    كما أن لي طلب أخير من الشيخ ماهر، بما أن كلنا قد استفاد فوائد جديدة من هذا البحث العلمي المبارك، فإني أرجو أن يغير العبارات التي رأى أنها لا تصلح في مقاله القديم، بما استفاده من هذه المناقشة العلمية
    .
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 11:34


    الكاتب: [ أمين السني ] 2006-05-27 02:10 Pm
    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    الحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ وَ الصَلاةُ وَ السَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ ، وَبَعْد:
    السَلَامُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ ؛ أَمَّا بَعْدُ:
    فقد قرأت ما كتبه الإخوة الفضلاء و قرأت الأدلة التي ساقها كل فريق منهم و الذي اطمأن إليه قلبي ما ذهب
    إليه الأخ الموفق الشيخ ماهر بن ظافر القحطاني وفقه الله في أن التثويب من أذان الفجر إنما يكون في
    الأذان الثاني يعني أذان دخول وقت صلاة الفجر و ذلك لأن الأذان للصلاة لا يكون إلا بعد دخول وقتها
    وحضورها لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث : " إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم " و أما ما يخص التثويب في أذان الفجر الأول فقد قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله و غفر له:" أما الأذان قبل الفجر الذي حصل من بلال – رضي الله عنه – أيام الصيام فليس أذاناً لصلاة الفجر بل هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يمنعن أحدكم أو أحد منكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن ، أو ينادي بليل ليرجع قائمكم ، ولينبه نائمكم " . رواه البخاري من حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – فبين صلى الله عليه وسلم بنصه الصريح أن الأذان قبل الفجر ليس لصلاة الفجر وإنما هو لإرجاع القائم وتنبيه النائم، فلا ينبغي أن ينسب لصلاة الفجر ، وعلى هذا فالتثويب في أذان صلاة الفجر إنما يكون في الأذان الذي بعد دخول الوقت " انتهى.
    و سأنقل لا حقا إن شاء الله فتويان مفصلتان للشيخ بن عثيمين رحمه الله و غفر له و فتوى للجنة الدائمة في هذه المسألة، و هذا أيضا مما زاد اطمئناني بارك الله فيكم، مع اني أطلب من الشيخ ماهر وفقه الله تعالى طلبا وهو:
    هل يوجد من سبقه من أهل العلم من عصر الصحابة إلى يومنا هذا بالقول أن التثويب في الأذان الأول بدعة؟!
    فإن وُجدَ ذلك فاليذكره لنا مشكورا.
    أما الآن مع فتوى للجنة الدائمة وفقها الله:
    سئلت اللجنة الدائمة سؤالا حول التثويب هل يكون في الأذان الأول أم الأذان الثاني، و رقم الفتوى هو: (1396)
    السؤال : الصلاة خير من النوم في أذان الفجر أهي في الأذان الأول أم الثاني؟ وسبب السؤال أن الإخوان بالخرطوم اطلعوا على ماذكره صاحب كتاب سبل السلام أن الصلاة خير من النوم تقال في الأذان الأول خلاف ما عليه المسلمون الآن وخاصة في هذه المملكة التي هي قبلة المسلمين في التمسك بالكتاب والسنة؟
    الجواب: الأحاديث الواردة في هذا الباب منها ما ذكر علماء الجرح والتعديل أنه معلول ومنها ما صححه بعضهم هذا من جهة، ومن جهة أخرى ورد ما يدل على أن التثويب في الأذان الأول، وورد ما يدل على أنه في الأذان الثاني، فروى السراج والطبراني والبيهقي من حديث ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر قال: كان الأذان الأول بعد حي على الصلاة حي على الفلاح (الصلاة خير من النوم) مرتين ( ) . قال ابن حجر: وسنده حسن. وقال اليعمري: وهذا إسناد صحيح.
    وروى ابن خزيمة والدار قطني والبيهقي عن أنس أنه قال: من السنة إذا قال المؤذن في الفجر (حي على الفلاح) قال: (الصلاة خير من النوم)( ) قال اليعمري: وهو إسناد صحيح. وقال الإمام بقي بن مخلد حدثنا يحي بن عبدالحميد حدثنا أبو بكر بن عياش حدثني عبدالعزيز بن رفيع سمعت أبا محذورة قال: كنت غلاماً صبياً فأذنت بين يدي رسول الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الفجر يوم حنين، فلما انتهيت إلى حي على الفلاح قال: «ألحق فيها الصلاة خير من النوم». ورواه النسائي من وجه آخر عن أبي جعفر عن أبي سليمان، عن أبي محذورة وصححه ابن حزم.
    ويمكن أن يقال بأن ما دل على أن التثويب يقال في الأذان الأول وما دل على أنه يقال في الأذان الثاني وقع أولا في الأذان الأول ثم استقر الأمر على أن يقال في الأذان الثاني إعمالا لجميع الأدلة في ذلك كل في وقته، ويحتمل أن المراد بالأذان الأول الذي ذكر فيه ذلك: الدلالة على أن هذه الجملة تقال في الأذان لا في الإقامة، لأن الإقامة تسمى أذانا ثانيا، ولأنه يطلق عليها مع الأذان: الأذان الثاني؛ كما في الحديث : «بين كل أذانين صلاة» ، ويرشد إلى هذا حديث عائشة عند أبي داود فإنه ظاهر الدلالة على أن المراد بالأذان الأول هو أذان الفجر الأخير، وسمي أولا للفصل بينه وبين الإقامة.( ) .
    وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
    اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
    عضو، عضو، نائب رئيس اللجنة، الرئيس
    عبدالله بن قعود، عبدالله بن غديان، عبدالرزاق عفيفي، عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
    و الآن أنقل الفتوى الأولى للشيخ بن عثيمين رحمه الله تعالى
    وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عن قول المؤذن في أذان الفجر : " الصلاة خير من النوم " هل هو مشروع ؟
    فأجاب قائلاً : قول المؤذن " الصلاة خير من النوم " في أذان الفجر يقال له ( التثويب ) وقد اختلف أهل العلم في مشروعيته :
    فمنهم من قال : إنه مشروع . ومنهم من قال إنه بدعة .
    والصواب : أنه مشروع في الأذان لصلاة الفجر لكثرة الأحاديث الواردة فيه وهي وإن كانت لا تخلو من مقال فمجموعها يلحق الحديث بالحجة والاستدلال ، وقد ورد التثويب في أذان بلال ، وأذان أبي محذورة :فأما حديث بلال فرواه الإمام أحمد من حديث سعيد بن المسيب عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه وفيه أن بلالاً دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة إلى الفجر فقيل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نائم قال:فصرخ بلال بأعلى صوته :" الصلاة خير من النوم " قال سعيد بن المسيب : فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر " ، وأما حديث أبي محذورة فرواه أبو داود عنه أنه قال : يا رسول الله ! علمني الأذان فذكر الحديث ، وفيه بعد ذكر حي على الفلاح " فإن كان صلاة الصبح قلت : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم " ، وفي رواية في هذا الحديث : "الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم في الأولى من الصبح " وفي أخرى: "فإذا أذنت بالأول من الصبح فقل:الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم "، وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : " من السنة إذا قال المؤذن في الفجر حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم " .
    فهذه الأحاديث تبين أن التثويب مشروع في الأذان لصلاة الفجر والأذان لصلاة لا يكون إلا بعد دخول وقتها وحضورها لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث : " إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم " . وعلى هذا فالأذان لصلاة الصبح لا يكون إلا بعد دخول وقتها ، أما الأذان قبل الفجر الذي حصل من بلال – رضي الله عنه – أيام الصيام فليس أذاناً لصلاة الفجر بل هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يمنعن أحدكم أو أحد منكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن ، أو ينادي بليل ليرجع قائمكم ، ولينبه نائمكم " . رواه البخاري من حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – فبين صلى الله عليه وسلم بنصه الصريح أن الأذان قبل الفجر ليس لصلاة الفجر وإنما هو لإرجاع القائم وتنبيه النائم ، فلا ينبغي أن ينسب لصلاة الفجر ، وعلى هذا فالتثويب في أذان صلاة الفجر إنما يكون في الأذان الذي بعد دخول الوقت ؛ لأنه هو أذان صلاة الفجر ، أما ما كان قبل وقتها فليس أذاناً لها وإن سماه بعض الناس الأذان الأول للفجر ، وأما تقييد الأذان بالأول أو بالأولي في بعض روايات حديث أبي محذورة – رضي الله عنه – فلا يتعين أن المراد به ما قبل الفجر ؛ لأنه يحتمل أنه وصف بكونه أولاً بالنسبة إلى الإقامة فإن الإقامة يطلق عليها اسم الأذان إطلاقاً تغليبياً كما في قوله صلى الله عليه وسلم : " بين كل أذانين صلاة " . أي بين كل أذان وإقامة . أو إطلاقاً مجازياً أو حقيقياً باعتبار معنى الأذان العام لغة كما في صحيح البخاري عن السائب بن يزيد – رضي الله عنه – قال : " إن الذي زاد التأذين الثالث يوم الجمعة عثمان بن عفان – رضي الله عنه – حين كثر أهل المدينة " . الحديث . وليس في الجمعة سوى أذانين وإقامة ، فسمى الإقامة أذاناً إما تسمية مجازية أو حقيقية باعتبار معنى الأذان العام لغة ، فإن الأذان في اللغة الإعلام ، والإقامة إعلام بالقيام إلى الصلاة .
    ويؤيد هذا الاحتمال أنه لم ينقل أن أبا محذورة كان يؤذن للفجر مرتين مرة قبله ومرة بعده . ثم رأيت في صحيح البخاري في ( باب من انتظر الإقامة ) حديث عائشة – رضي الله عنها – رقم 626 / 109 فتح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر بعد أن يستبين الفجر . ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة وهذا يؤيد ما ذكرته من الاحتمال . وفي صحيح مسلم في ( باب صلاة الفجر ) عنها – رضي الله عنها – قالت : كان ينام أول الليل ويحيي آخره . وفيه : فإذا كان عند النداء الأول قالت : وثب فأفاض عليه الماء ، وإن لم يكن جنباً توضأ وضوء الرجل للصلاة ثم صلى الركعتين ، صحيح مسلم 1/ 510 ، والمراد بالنداء الأول أذان الفجر كما دلت عليه روايات أخرى لمسلم 1/508 –509 .
    وبسلوك هذا الاحتمال تجتمع الأدلة ويحصل الائتلاف بينها حيث يكون حديث أبي محذورة موافقاً لحديث مالك بن الحويرث الدال على أنه لا يؤذن للصلاة إلا عند حضورها بدخول وقتها ، ولحديث ابن مسعود الدال على الأذان قبل الفجر ليس أذاناً لصلاة الفجر ، ولظاهر حديث عبدالله بن زيد بن عبدربه في أذان بلال ودعائه النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة الغداة حيث لا يكون دعاؤه لها إلا بعد دخول وقتها ، وعلى هذا فتكون السنة دالة على أن التثويب في أذان الفجر ، وأذان
    الفجر لا يكون إلا بعد دخول وقت صلاة الفجر ، فالأذان قبل الفجر لا تثويب فيه وهو عمل الناس عندنا من قديم ، وأما كلام فقهائنا رحمهم الله فظاهره أن التثويب في أذان الفجر سواء أذن بعذ الفجر أم قبله ولكن ما دلت عليه السنة أولى .
    وأما استنباط بعض الناس كون التثويب في الأذان الذي قبل الفجر بقول المثوب " الصلاة خير من النوم " والخيرية ترغيب في الشيء ولا تقتضي الإلزام به ، وهذا إنما يكون في النداء الذي قبل الفجر ؛ لأن النداء بعد الفجر ملزم بصلاة الفجر . فليس هذا الاستنباط بشيء ، وذلك لأن الخير في الواجب الملزم به أبلغ منه في المندوب إليه من غير إلزام ؛ لأن الله تعالى يقول في الحديث القدسي : " ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه "
    . وخيرية الشيء وردت في القرآن في الأمور الواجبة والمندوب إليها من غير إيجاب فقال تعالى في سورة الصف : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) .
    فقد وردت الخيرية في أوجب الأمور وهي العقيدة وحمايتها ، وقال تعالى في سورة الجمعة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) . والسعي إلى الجمعة وترك البيع بعد ندائها واجب ، وقال تعالى : ( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) .
    والخيرية هنا واردة فيما هو مندوب وليس بواجب .
    وبهذا تبين أن الاستنباط المذكور ليس بشيء والله أعلم .
    * * *
    و الآن مع الفتوى الثانية للشيخ بن عثيمين رحمه الله:
    وسئل فضيلته أيضا : عن الأحاديث الواردة في التثويب في أذان الفجر ؟
    فأجاب بقوله : الأحاديث الواردة في التثويب في أذان الفجر ليس فيها حديث صحيح لذاته ، لكن فيها أحاديث كثيرة لا تخلو من مقال ، إلا أنها بمجموعها ترتقي إلى درجة الصحة لكثرتها وشهرتها وعمل المسلمين بها ، وقد وردت في أذان بلال ، وأذان أبي محذورة ، فأما حديث بلال فظاهره أنه يقال في الأذان الثاني فإن فيه أن بلالاً دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة لصلاة الفجر فقيل إنه نائم فنادى بأعلى صوته : الصلاة خير من النوم ، قال سعيد بن المسيب فأدخلت هذه في التأذين إلى صلاة الفجر ، وأما حديث أبي محذورة فظاهره أنه يقال في الأذان الأول فإن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " فإذا أذنت بالأول من الصبح فقل الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم " ، وفي رواية : " في الأولى من الصبح " ، وفي رواية : " فإن كانت صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم " ، ولم تقيد بالأذان الأول . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " من السنة إذا قال المؤذن في الفجر : حي على الفلاح قال : الصلاة خير من النوم " . ولم يقيده بالأذان الأول .
    وتقييد الأذان بالأول في حديث أبي محذورة لا يتعين أن يكون المراد به الأذان الذي يكون في آخر الليل قبل الفجر ، بل يحتمل أن يكون المراد بالأذان الذي بعد الفجر وسمي أولاً بالنسبة للإقامة حيث يصح إطلاق اسم الأذان عليها كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: " بين كل أذانين صلاة " . والمراد بالأذانين الأذان والإقامة ، وسميت الإقامة أذاناً لأن الأذان في اللغة الإعلام وهي إعلام بالقيام إلى الصلاة فصح إطلاق الأذان عليها لغة . وفي صحيح البخاري عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال : " إن الذي زاد التأذين الثالث يوم الجمعة عثمان بن عفان رضي الله عنه حين كثر أهل المدينة " . الحديث . وليس في يوم الجمعة سوى أذانين وإقامة فسماها أذاناً ، ويؤيد هذا الاحتمال أنه لم ينقل أن أبا محذورة كان يؤذن للفجر مرة قبل طلوعه ومرة بعده ، ويؤيده أيضاً أن الأذان قبل الفجر ليس لصلاة الفجر بل قد بين النبي صلى الله عليه وسلم الغرض منه حيث قال فيما ثبت عنه في صحيح البخاري من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : " لا يمنعن أحدكم أو أحداً منكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو ينادي بليل ليرجع قائمكم ، ولينبه نائمكم " فبين النبي صلى الله عليه وسلم سبب هذا الأذان وأنه ليس لصلاة الصبح . والأذان للصلاة لا يكون إلا بعد دخول وقتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث والوفد الذين معه : " إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم " ، وحضور الصلاة إنما يكون بعد دخول وقتها ، فإذا أضيف الأذان إلى الصبح أو صلاة الصبح تعين أن يحمل على الأذان الذي يكون لها عند دخول وقتها .
    ويدل على تعيينه أيضاً ما رواه مسلم في صحيحه في ( باب صلاة الليل ) عن عائشة رضي الله عنها قالت:" كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل ، ويحي آخره ، ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم ينام ، فإذا كان عند النداء الأول وثب فأفاض عليه الماء ، وإن لم يكن جنباً توضأ وضوء الرجل للصلاة ثم صلى الركعتين " . يعني سنة الفجر .
    فإن قيل : إن قوله صلى الله عليه وسلم : " إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم" يدل على أنه لا تثويب في الأذان بعد الفجر إذ لو كان كذلك لم يحصل اشتباه بين الأذانين حتى يحتاج الناس للتنبيه عليه.
    فالجواب : أن التثويب لا يكون من أول الأذان حتى يزول الاشتباه به ، والإمساك معلق بسماع أول الأذان فكان لابد من التنبيه لئلا يمسكوا من حين أن يسمعوا أول الأذان .
    هذا ما تبين لي من السنة أن التثويب إنما يكون في أذان صلاة الفجر وهو ما كان بعد دخول الوقت ، أما كلام فقهائنا فظاهره أن التثويب يكون في أذان صلاة الفجر سواء كان قبل الوقت أم بعده ولكن اتباع السنة أولى ، والله الموفق.
    وسئل فضيلته أيضا : متى يقول المؤذن " الصلاة خير من النوم " في الأذان الأول أو الثاني ؟
    فأجاب قائلاً : قول المؤذن " الصلاة خير من النوم " يكون في الأذان لصلاة الصبح ، وهو الأذان الذي يكون بعد طلوع الفجر الذي تحل به صلاة الفجر ويحرم به الأكل على الصائم ، ولا يكون في الأذان الذي قبل الفجر ، لأن الأذان الذي قبل الفجر ليس أذاناً لصلاة الفجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ، ويرجع قائمكم " وأذان الفجر لا يكون إلا بعد طلوع الفجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث : " إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم " ، وحضور الصلاة لا يكون إلا بعد دخول وقتها .
    وقد توهم بعض الناس فظن أنها تقال في الأذان الذي قبل الفجر لقوله في الحديث :إذا أذنت الأول لصلاة الصبح " فظن أن الأول الذي يكون قبل الفجر ، ولكن ليس الأمر كما ظن ، لأن ما قبل الفجر ليس أذاناً لصلاة الصبح كما علمت مما سبق وإنما المراد به ما بعد الفجر لكن سماه أذاناً أول باعتبارالإقامة فإن الإقامة تسمى أذاناً لقوله صلى الله عليه وسلم : " بين كل أذانين صلاة " أي بين كل أذان وإقامة صلاة ، ولأنها إعلام بالقيام إلى الصلاة ، والإٌعلام بالشيء يسمى أذاناً لقوله تعالى:( وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ) ، أي إعلام من الله ورسوله . وقوله : ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ) ، وعلى هذا يكون الأذان لصلاة الصبح بعد طلوع الفجر أذاناً أول باعتبار الإقامة التي هي الأذان الثاني . وفي صحيح مسلم ص510 ج1 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي عن عائشة رضي الله عنها في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل قالت : " كان ينام أول الليل ويحيي آخره ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم ينام ، فإذا كان عند النداء الأول قالت وثب ( ولا والله ما قالت قام ) فأفاض عليه الماء ، وإن لم يكن جنباً توضأ وضوء الرجل للصلاة ثم صلى الركعتين " . فأنت ترى أنها أطلقت النداء الأول على أذان الصبح الذي بعد طلوع الفجر لقولها " ثم صلى الركعتين " وهما سنة الفجر ولا تكون صلاتهما إلا بعد طلوعه .
    هذا وقد تعلل بعض القائلين بأن قول الصلاة خير من النوم في الأذان الذي في آخر الليل بأن قوله خير من النوم يدل على أن الصلاة نافلة وهذا قبل الفجر ، لكن هذه علة عليلة ، فإن الخيرية تكون في النوافل والواجبات كما في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِه) إلى قوله : (ْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُم) وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح .
    مجموع الثمين من فتاوى بن عثيمين.
    و أخيرا أقول : اللهم أرنا الحق حقا و ارزقنا اتباعه و أرنا الباطل باطلا و ارزقنا اجتنابه.
    و صَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَ عَلَى آلِهِ وَ صَحْبِهِ وَ سَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
    ----------------------------------------
    الحواشي:
    (1) السنن الكبرى للبيهقي 1/423ط دار الفكر.
    (2) السنن الكبرى للبيهقي 1/423ط دار الفكر.
    (3) من أراد الاطلاع على ما ورد من الأدلة في ذلك فعليه أن يرجع إلى تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير 1/201 وكتاب نصب الراية 1/264.
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 11:36

    الرد على ما تعقَّب به الشيخ الفاضل والأخ الحبيب ماهر القحطاني حفظه الله تعالى
    مقالي: ((تنبيه القوم إلى الفجر الذي يقال فيه: الصلاة خير من النوم))

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ وبعد:
    اعتذار: اعتذر للقراء الأفاضل عن تأخر الرد وذلك يعود إلى سوء الوضع الأمني الذي نعيشه في العراق حتى اضطررنا الهجرةَ إلى مناطق ليس فيها وسائل اتصال فضلاً عن الإنترنت؛ وليس عندي من يُوصل الرد بنفس الوقت، ثم أنَّ رد الشيخ ماهر على مقالي "تنبيه القوم" نُـقِلَ إلي عبر الاتصال الهاتفي فحضَّرتُ له الرد، ثم وصلني المقال في يوم الجمعة 26/5/2006م فكان "ليس الخبر كالمعاينة" ففوجئتُ بأسلوبه في الرد أكثر فأكثر، ولكني سألتزم ما تعاهدتُ عليه، وسأزيد عليه الشيء القليل، لأنَّ ما نُقِلَ إليَّ أنَّه تمهيد؛ فرأيتـُه ردَّاً ولهذا تريثتُ، والله المستعان.
    أقول:
    من المعلوم أنَّ في القلب باعثين يتصارعان فيه؛ باعث الهوى والنفس وباعث العقل والدين؛ قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: ((الصبر: ثبات باعث العقل والدين في مقابلة باعث الهوى والشهوة؛ ومعنى هذا: أنَّ الطبع يتقاضى ما يُحب، وباعث العقل والدين يَمنع منه، والحربُ قائمةٌ بينهما وهو سجال، ومعرك هذا الحرب: قلب العبد)) وقال: ((وقد تقدم؛ أنَّ الصبر: مصارعة باعث العقل والدين لباعث الهوى والنفس، وكلُّ متصارعين أراد أن يتغلب أحدهما على الآخر فالطريق فيه تقوية من أراد أن تكون الغلبة له ويضعِّف الآخر؛ كالحال مع القوة والمرض سواء))، وقال: ((لما كان الصبر المحمود هو الصبر النفساني الاختياري عن إجابة داعي الهوى المذموم كانت مراتبه وأسماؤه بحسب متعلقه - ثم ضرب لذلك أمثلة حتى قال: - وإن كان عن إجابة داعي الغضب سمي حلماً وضده تسرعاً، وإن كان عن إجابة داعي العجلة سمي وقاراً وثباتاً وضده طيشاً وخفةً، وإن كان عن إجابة داعي الفرار والهرب سمي شجاعةً وضده جبناً وخوراً، وإن كان عن إجابة داعي الانتقام سمي عفواً وصفحاً، وضده انتقاماً وعقوبةً)) [انظر عدة الصابرين].
    ولما قرأتُ ما كتبه الشيخ الفاضل أبو عبد الله ماهر القحطاني - حفظه الله تعالى وأعزَّه وتولاه - في ردِّه على مقالي ((تنبيه القوم إلى الفجر الذي يقال فيه الصلاة خير من النوم؛ وقفات مع مقال للشيخ ماهر القحطاني وعتاب ولوم)) في شبكة سحاب وعلى موقعه؛ وكيف وصفني بأوصاف لا أدري ما الباعث لها؟ ولم تكن في الحسبان؛ حتى استغرب لها أولوا الفضل والعرفان؛ من الناصحين الذين لا يخشون في الله لومة لائم، وفؤادهم في نصرة الإخوان هائم؛ المتجردين للحق، والمنصفين للخلق.
    لمَّا قرأتُ ردَّه تحرَّك في القلب باعثُ الهوى والنفس الداعي إلى الانتقام للنفس؛ وبدأ الصراع بين داعيين، الأول: داعي العفو والصفح عما وصفني به، والثاني: داعي الانتقام والغضب؛ وبدأ داعي الانتقام يصوِّر لي أنَّ السكوت عن ردِّ تلك الأوصاف ذلٌ وعجزٌ ومهانةُ نفسٍ؛ فنهضتُ للرد على ذلك، وعزمتُ على الجواب عنه كلمةً كلمةً، وأنا قادر عليه والله يعلم ذلك؛ ولكنني تذكرتُ ما عند الله من الأجر والمنزلة العظيمة لمن ترك ذلك مع قدرته عليه ابتغاء مرضاته قال صلى الله عليه وسلم: ((من كظم غيظاً وهو قادرٌ على أن ينفذه: دعاه اللهُ على رءوسِ الخلائق حتى يخيِّره من الحور العين؛ يزوجه منها ما شاء)) [صحيح الجامع 11468]، وقال: ((ما مِنْ جُرعةٍ أعظم أجراً عند الله من جرعةِ غيظٍ كظمها عبدٌ ابتغاءَ وجهِ الله)) [صحيح الترغيب 2752].
    ثم إنني تذكرتُ تلك العلاقةَ بيني وبين الشيخ ماهر وما كان بيننا من رسائلِ مَحبةٍ وإخاءٍ؛ وأنَّ الشيطان ينزغ بين المتآخين ويسعى بينهما بالتحريش فتركتُ الردَّ على ذلك وأسقطتُ حقي فيه ابتغي بذلك مرضات الرحمن ثم رغبة في دوام تلك الأخوة وإغاظة للشيطان.
    ثم أنَّ الذي حدثَ بيني وبينه إنما هو خلاف في مسألة فقهية؛ أرى فيها ما لا يراه بالأدلة الشرعية؛ وهذا لا يُفسِدُ وِدَّاً فضلاً أن يُحدِثَ فتنةً أو فِرقةً، ثم ما ذنبُ قرَّائِنا - الباحثين عن الحقِّ في هذه المسألة - الكرام إن خضنا نحن في مثل تلك الأمور التي هي خارج نطاق بحثنا، والتي يترفع عن مثلها أولوا النُّهى والأحلام، هذه واحدة.
    والثانية: الحِدَّة أو الشِّدَّة التي وُصِفَ بها مقالي الأول؛ فأقول: لا غرابة في ذلك؛ وأعتذر لذلك بأنني وجدتُ حديثاً ينقضُ ما ذهب إليه الشيخ ماهر من أصله، لم يتطرق له الشيخ بأدنى إشارة مع ما له من علاقة قوية بأصل الموضوع؛ ومع أنني أجزم - الآن - أنَّ الشيخ قد اطَّلع عليه لأنَّه في نفس الصفحات - بل وقريب من الأسطر - التي نقل منها في ما استدل من مصادر في مقاله؛ فاستغربت لذلك، ثم تحوَّل الاستغراب إلى استنكار فيه نوع من الشِّدة المصحوبة بالتقدير والنصيحة والاعتذار والخالية من السّّـبِّ والشتائم والأوصاف السيئة.
    وكلنا نعلم مقولة شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: ((إنَّ ما يجرى من نوعِ تغليظٍ أو تخشينٍ على بعضِ الأصحابِ والأخوانِ ما كان يجرى بدمشق ومما جرى الآن بمصر: فليس ذلك غضاضةً ولا نقصاً في حقِّ صاحبه، ولا حصل بسبب ذلك تغير منَّا ولا بغض، بل هو بَعد ما عُومِل به من التغليظ والتخشين أرفع قدراً وأنبه ذكراً وأحب وأعظم.
    وإنما هذه الأمور هي من مصالح المؤمنين التي يصلح الله بها بعضهم ببعض، فإنَّ المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى، وقد لا ينقلع الوسخ إلا بنوع من الخشونة؛ لكن ذلك يوجب من النظافة والنعومة ما نحمد معه ذلك التخشين)) [المجموع 28/53-54]، فعلام هذا الإنكار؟! وهل يُقبل مني هذا مع ذلك الاعتذار؟ أرجو ذلك.
    وأنا راضٍ - غير منزعج - بما تكلَّم فيَّ الشيخ - مع ما في كلامه من غِلظةٍ وخشونةٍ - رداً وتعليقاً، ولكنني لا أرضى - كما لا يرضاه المنصفون - أن يصفني بهذه الأوصاف (أن يحتشم، ويلتزم الأدب، وترك التهويش، الطعونات الطائشة، والهذيانات العائمة، وقد عمى عن بصيرتك، هذا التهويش، تلبيس رائد)؛ ومع هذا أقول: غفر الله لي ولك يا شيخ ماهر، وثبَّتني الله وإياك على طريقة السلف، وأسأله جلَّ في علاه أن يديم علاقتنا وأن يقوي أخوتنا، وعفا الله عما سلف.
    والثالثة: أما بشأن ما قدَّمتُه له من نصائحٍ ليرتقي في ردوده ومقالاته إلى أعلى المراتب وأكمل الدرجات ولئلا يبقى لحاقد أو حاسد مقال، فأهديتها له فردَّها عليَّ، فأنا لا زال حسن ظني فيه أنَّـه سيعلم يوماً ما أنها كانت من قلبِ محبٍ لا غلٌّ فيه ولا حقد، وأعتذر له في ردِّه لها - الآن بعد ما عَلِمتُ من الوسيط الذي كان بيني وبينه في نقل الرسائل الخاصة - بما يعيشه الشيخ ماهر من حرب شعواء شنَّها عليه بعض الأغمار والدهماء فظنَّ الشيخ بي أنني على نهجهم ومع مكرهم.
    أما نصيحتي له بعدم التعجل بتبديع قول المخالِف له في هذه المسألة ورده لها بما ذكره عن أئمة العصر ومشايخ الدعوة:
    فأقول: أطالبُ الشيخ بذكر العلماء الذين بدَّعوا القول بأنَّ التثويب في الأذان الأول الذي قبل الوقت، ونقل نصِّ كلامهم؛ فإن جاءني بذلك فأنا منسحب من قولي فيه أنه تعجّل وأعتذر له، مطالباً إياه أن يقبل عذري، وإلا فلا. أما أنَّهم يقولون: بعدم مشروعية هذا العمل أو بعبارة "لا يُشرع"، فلا يُسند قولك يا شيخ، ولا اعتراض لي عليه لأنني قلتُ لك: ((تعجُّل الشيخ في الحكم ببدعية القول الذي اختاره مخالفوه، ولو أنَّه ضعَّف قولهم وغلَّط مذهبهم لكان أقرب للتحقيق العلمي وأهون في قلوب مخالفيه))، فالقول بعدم مشروعية هذا العمل هو تغليط للمذهب المخالف لا غير، فلا تقوِّل العلماء ما لم يقولوا.
    ثم لو كان حكمهم كحكمك لما احتجت يا شيخ أن تؤصِّل فتقول في مقالك الأول: ((ولا يشترط في الحكم على العمل المحدِّث بالبدعية أن يكون الناص عالم مجتهد))، فلو كان هناك عالم مجتهد نصَّ على بدعية ذلك القول فعلام هذا الأصل؟ فتأمل أخي القارئ!!.
    والرابعة: ما ظنَّه الشيخ تناقضاً وليس هو كذلك؛ وهي مسألة ثنائي عليه في رسالة خاصَّة ثم تخطئتي له ونصحي إياه في المقال الذي رددتُ فيه عليه؛ وذلك حين: تعجّل بالحكم ببدعية قول مخالفيه، وإعراضه عن حديث بلال بالكلية، وحشده للأصول والتقريرات ضمن وجوه الاحتجاج، والحدَّة في ردِّ قول مخالفه؛ فلا أدري هل هذه تطعن في مكانته العلمية وأنَّه من أهل العلم ومن حملته الذين ينفون عنه تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين كما وصفتـُه - وأصفُ غيرَه من طلاب العلم بها - ولا زلتُ أصفه بذلك؛ حتى يكون ذلك تناقضاً؟! فكم من عالمٍ - وليس طالب علم - أثنى عليه العلماء ومع هذا ما سَلِمَ من انتقادهم في مسألة تبنَّاها أو منهج في الفنَّ أحدثه أو صفة من صفاته كالشِّدة أو التساهل إلى غير ذلك؛ فهل تناقض هؤلاء العلماء في ذلك العالم يا ترى؟! وأنت يا شيخ ماهر تعرف من أحوال أولئك العلماء - وما يحصل بينهم من نقد - الكثيرَ مع ما بينهم من ثناء، فكيف بما يحصل بين طلبة علم؟ نسأل الله تعالى أن نكون منهم.
    ولا تمنن علينا يا شيخ بما مَنَّ الله به عليكم من توافر أهل العلم في بلدكم ومن جلوسكم في مجالس علمهم - وأسأل الله أن يرزقنا مثل هذه النعمة وأن يديمها عليكم - وفقدان ذلك عندنا؛ ثم حصولكم على تزكيتهم وإجازتهم لكم بنشر العلم والدعوة وبيان الحق والرد على المخالفين؛ حتى أصبحتم من المشاهير وأصبحنا من المجاهيل!!، فإنَّكم عندنا - في بلدنا - لا تُعرفون؛ إلا حين قام طلابُ العلمِ عندنا بنشر بعض مقالاتكم في أوساط الشباب، ونحن - في بلدنا - معروفون؛ فالأمرُ نسبيٌ، ثم كيـف لنا يا ترى أن نرفع الجهالة التي فينا عندكم؟! هل تؤمِّنون لنا عندكم الوضع لنجلس عند أهل العلم ونصبح مثلكم مشاهير ونحصل على مثل تلك التزكيات؟ لقد طُلِبَ منك يا شيخ ومن غيرك - في رسائل خاصة - مثل ذلك فكان الرد هو الاعتذار، بل وعلمنا مؤخراً أنَّ حتى المجاهد الكبير والإمام النحرير الشيخ ربيع حفظه الله تعالى لا يستطيع ذلك، فإلى الله - وحده - نشكو حالنا؛ حتى إلى هذا الوضع صرنا، وبهذه الأوصاف - ومن أقرب الناس إلينا - وصفنا.
    ثم أنَّ المسألة التي نتباحث فيها هي مسألة قديمة، وقد اختلف فيها المتأخرون والمعاصرون؛ فلا يُغني فيها قول البعض لأنَّه ليس بحجة على البعض الآخر كما هو معلوم، ولا تضر فيها جهالتُنا؛ فإنما نحن نقلة نحتج لأهل العلم فيما ذهبوا إليه، والكتب والمصنفات التي ننقل منها بين أيديكم فأمِنتم بذلك كذِبَنا - إن كان - فيما ننقل، وأما فهمنا فإنما هو فهم لعلماء متقدمين أو متأخرين أو معاصرين وإن كان الأمر خلاف ذلك فبينوا لنا؛ فَرَحِمَ الله من أهدى لنا عيوبنا وبيـَّن لنا أخطاءنا.
    والخامسة: ما طلبه مني الشيخ أن أُبرهِن له ما قلتُ في طريقته بالتأليف من حشد الأصول والتقريرات ضمن وجوه الاحتجاج وأنَّ ذلك لا يحسن؛ فأقول: وعلامَ هذا التحدي يا شيخ؟! والموضوع لا يحتاج إلى مثله، فلستُ ناقداً لِما تكتب ولا معارضاً فيما ترد؛ وإنما مصلِحاً لِما قد تُعاتَب فيه مكمِّلاً لِما قد تُلام عليه؛ فإنْ كنتَ لا ترضى بما قلتـُه لك فدعه ولا تنزعج ولا تغضب.
    وأنا قد رأيتُ ذلك في بعض مقالاتِك وبالأدق ما وصلني منها - حتى أكون منصفاً أكثر من ذي قَبل - ومن ذلك: مقال "حكم خروج المشايخ في التلفاز" الذي ذكرتَ فيه أنَّه لا يجوز وذلك من عدة وجه، ثم ذكرتَ خمسة عشر وجهاً، ومقال "التحذير والنكير عن بدعة التغني والترتيل في قنوت رمضان والنوازل" الذي قلتَ فيه: وهذا العمل بدعة عقلية محدثة منكرة لا دليل عليه، برهان ذلك من عدة أوجه، ثم ذكرتَ سبعة عشر وجهاً؛ وأنا معك يا شيخ فيما ذهبتَ إليه من قولٍ في كلا المقالَين؛ ولكنِّي أدعو القرَّاء المنصفين إلى النظر في تلك الوجوه؛ هل تصلح جميعها أن تكون حججاً أو برهايناً أم تصلح أن تنثر في ثنايا الكلام وبما يناسب المقام؟ ولا تقل يا شيخ: لا مشاحة في الاصطلاح؛ لأنَّ ذلك يُوهِنُ من قوة الحجج ويُذهبُ من نور البراهين، ويفتح باباً للمخالفين؛ كما ستعلم ولو بعد حين.
    وإن كنتُ مخطئاً فيما قلتُ لك في مقالاتك بصورة عامة فلا أظنني أخطأتُ في مقالك الذي رددتُ فيه عليك بصورة خاصَّة؛ وأنا بانتظار من ينقدني في ذلك من غير الشيخ، كما إنني بانتظار من يشاركني فيه.
    أما قولك يا شيخ: ((ثم هذا طعن ما مناسبته؟ فأنت تريد الرد على موضوع معين؛ فما المقصود من البدأ بهذا الطعن العام؟ والذي لم تبرهن عليه ببرهان، وآمل ألا تكون نزعة حمل أو دغل قلب حمل عليه، وإذا كان ذلك كذلك فلا يليق بمن يعتقد أن عنده حق مبرهن عليه أن يقويه بمثل هذه الأمور والتي ليس فيها مخالفة للنص))
    قلتُ: ليس هو بطعن وإنما نصيحة؛ فلماذا التهويل وتحميل الأمر ما لا يحتمل؟!! فإن رددتها فلا تنزعج!!.
    وأخيراً: أقول هذه الأمور كنتُ أتمنَّى أن لا أذكرها وألا نخوض فيها - وقد عزمتُ على ذلك أولاً ثم تركتُ ذلك - ولكني رأيتُ أنَّ الشيخ جعل غالِبَ ردّه ذلك، فخشيتُ أن يكون مانعاً من قبول الحق الذي به نقول وعنه ندافع؛ فكان لا بدَّ من بيانه.
    أما ما ذكره في ردَّه على بعض ما ذكرتُه من وقفات:
    1- ما علَّق الشيخ ماهر على حديث بلال؛ فقال: ((وهل كان أمره له لما كان يؤذن بمفرده لأذان الفجر الصادق أم لما شاركه ابن مكتوم فكان أذانين، بل قد تعجلت في الحكم؛ إذ أن بلالا لم يكن منذ بداية الأذان يشاركه ابن أم مكتوم بل كان يؤذن بمفرده أذان الفجر حين يستبين الفجر، ثم شاركه بن أم مكتوم فصار أذانه بليل، وقد أمره بقول الصلاة خير من النوم لكن في أي أذان؟ فالأصل أنه كان أذانا واحدا للصبح كما دلت عليها رؤية عبدالله بن زيد كما في سنن أبي داود : قال النبي صلى الله عليه وسلم إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه مارأيت فليؤذن به، والأصل في الأمر عدم التكرار وماكان إلا بلال))
    فأقول: وهذا الفهم يا شيخ لم تُسبَق إليه، وهو خلاف ما فهمه راوي الحديث عن بلال الإمامُ الفقيه سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى؛ فقد أخرج عبد الرزاق في [مصنفه 1820]: عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ بلالاً يؤذن بليل؛ فمن أراد الصوم فلا يمنعه أذان بلال حتى يؤذن بن أم مكتوم)) قال: وكان أعمى فكان لا يؤذن حتى يقال له أصبحت؛ فلما كان ذات ليلة أذَّن بلال، ثم جاء يؤذن النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: إنه نائم، فنادى بلال: الصلاة خير من النوم، فأقرت في الصبح. وقد ذكرتُ هذه الرواية في مقالي السابق؛ فلعل الشيخ لم ينتبه لها.
    أقول: فسعيد بن المسيب ذكر أمر الأذانين؛ أذان بلال وأذان ابن أم مكتوم، ثم عقَّب فقال: (فلما كان ذات ليلة أذَّن بلال، ثم جاء يؤذن النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: إنه نائم، فنادى بلال: الصلاة خير من النوم)) فأمر الزيادة بـ (الصلاة خير من النوم) كان بعد تشريع الأذانين كما هو ظاهر، وهذا خلاف ما فهمه الشيخ ماهر؛ فأيُّ الفهمين أحق أن يُقدَّم؟!
    ولعلَّ الشيخ سيتمسك كعادته في هذه المسألة بلفظة (فأقرَّت في الصبح) على أنَّ الزيادة أقرَّت في أذان الفجر الصادق!!.
    فأقول: على رِسلك يا شيخ لا تفرح بهذا اللفظ كثيراً؛ فإنَّ باقي الروايات بيَّنت أنَّ المراد بها: أنـَّها أقرَّت في صلاة الصبح أو في أذان الفجر لا في غيرها من الصلوات، بل وفي بعضها الآخر التصريح بوضعها في أذان بلال لا غير؛ وقد ذكرتُ تلك الروايات في مقالي السابق ولعلَّ الشيخ لم ينتبه لها كذلك؛ فأعيدها هنا لعلَّه ينتبه لها:
    أخرج البيهقي [السنن الكبرى 1834]: وأخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو أنبأ أبو محمد المزني أنبأ علي بن محمد بن عيسى ثنا أبو اليمان أخبرني شعيب عن الزهري قال: حدثني سعيد بن المسيب فذكر قصة عبد الله بن زيد ورؤياه إلى أن قال: ثم زاد بلال في التأذين الصلاة خير من النوم، وذلك أنَّ بلالاً أتى بعد ما أذَّن التأذينة الأولى من صلاة الفجر ليؤذن النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة، فقيل له: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نائم، فأذن بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم، فأقرت في التأذين لصلاة الفجر.
    وأخرج البيهقي كذلك في [مسند الشاميين 1254]: حدثنا علي بن سعيد الرازي ثنا سلمة بن الخليل الكلاعي الحمصي ثنا مروان بن ثوبان قاضي حمص ثنا النعمان بن المنذر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة : أنَّ بلالاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم عند الأذان الأول من الصبح فوجده نائماً، فناداه: الصلاة خير من النوم، فلم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدخله في الأذان، فلا يؤذن لصلاة قبل وقتها غير صلاة الفجر.
    ففي هذه الروايتين: تأكيد على أنَّ زيادة (الصلاة خير من النوم) كانت بعد تشريع الأذانين لقوله: "بعد ما أذَّن التأذينة الأولى من صلاة الفجر" وقوله: " عند الأذان الأول من الصبح"، وأنَّها أُقرَّت في صلاة الفجر أو أذانها لا عند طلوع الفجر الصادق.
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 11:36

    وأصرح من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما أحسن هذا يا بلال؛ اجعله في أذانِك)) أخرجه الطبراني [المعجم الكبير 1081]، ورواه الحافظ أبو الشيخ ابن حيان في "كتاب الأذان" انظر [كنز العمال 23253]، و[نصب الراية 1/221]، وأخرجه الطبراني في قصة أخرى وفيها: ((اذهب فزده في أذانِك)) [الأوسط 7524].
    وفي هاتين الروايتين: أنَّ هذه الزيادة اختصَّ بها أذان بلال.
    بل وردت آثار عن التابعين تؤكدُ ذلك، وقد ذكرتُها كذلك في مقالي السابق ولم ينتبه لها الشيخ؛ أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (2157): قال نا حفص بن غياث عن حجاج عن عطاء عن أبي محذورة، وعن عطاء عن سويد عن بلال: أنه كان آخر تثويبهما الصلاة خير من النوم.
    فهذان بلال وأبو محذورة رضي الله عنهما يحدثان التابعين أنه كان آخر تثويبهما الصلاة خير من النوم؛ فهل يا تُرى يُحدثان بما كان وتغيَّر أم بما كان وثبت؟!!
    أقول يدّلُ على ذلك ما جاء في آخر حديث بلال من قول سعيد بن المسيب: (فأُقِرَّت في تأذين الفجر، فثبت الأمر على ذلك)، بينما يقول الشيخ ماهر أنَّ الأمر لم يثبت بل تغير؛ فأي القولين نأخذ؟!
    وأخرج ابن أبي شيبة كذلك [2158]: قال ثنا وكيع عن سفيان عن عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة: أنه أرسل إلى مؤذِّنه إذا بلغت حي على الفلاح فقل: الصلاة خير من النوم؛ فإنه أذان بلال.
    وأزيد هنا فأقول: وقال الحسن البصري: كان بلال يقول في أذانه بعد حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم، مرتين. [الاستذكار 1/399]. فهل سويد بن غفلة والحسن البصري يُخبران بما كان عليه بلال قبل التغيير ثم يسكتان عما حَدَثَ بعد ذلك؟!!
    أما قول الشيخ ماهر: ((فلماذا حملت أمر النبي صلى الله عليه وسلم لبلال قول الصلاة خير من النوم في الفترة الثانية وتركت الأولى؛ وكانت ثم بعد شاركه ابن ام مكتوم فأين الإنصاف ياهذا 000!!!!!)) وقال: ((وإذا قلت: يحتمل أنه قال لبلال ذلك عندما كان يؤذن بليل، قلت لك ويحتمل في أول الأمر، والحديث إذا تطرق إليه الإحتمال وكان متساويا لم يثبت به الإستدلال))
    فأقول: نحن نفهم من مجموع هذه الروايات أنَّ الزيادة وقعت بعد تشريع الأذانين، وأنها خُصَّت في أذان بلال وأذان أبي محذورة، وأنَّ الأمر لم يتغير قط؛ فمن كان يفهم غير ذلك فعليه الدليل، أما أن نُحمِّل الحديث ما لا يحتمل من غير دليل ولا آثارة من علم أو لحديثٍ في غير محل النزاع ثم نُسقط الاحتجاج به تطبيقاً لقاعدة: "إذا كثر الاحتمال بطل الاستدلال" فأقول: فهنيئاً لأهل البدع بهذا الباب الذي فُتِحَ لهم على مصراعيه.
    وأقول: وهذا يؤكِّد لنا أنَّ قول أبي محذورة في حديثه: ((وَكُنْتُ أَقُولُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ)) على ظاهره، وأنَّ أبا محذورة كان يؤذن الأذان الأول في مكَّة كما كان بلال يؤذِّن الأول في المدينة؛ وأنَّ أذانهما كان في نفس الوقت؛ ولهذا قال الإمام ابن عبد البر في [الاستذكار 1/398 ] وهو يتكلم عن التثويب في الفجر - أي قول المؤذن: الصلاة خير من النوم - : ((وأمرَ به - صلى الله عليه وسلم - مؤذنيه بالمدينة بلالاً، وبمكة أبا محذورة؛ فهو محفوظ، معروف في تأذين بلال وأذان أبي محذورة في صلاة الصبح للنبي صلى الله عليه وسلم، مشهور عند العلماء))، فلو كان محفوظاً عن غيرهما كما يدَّعي الشيخ ماهر فَلِمَ لم يُصرِّح ابن عبد البر باسمه مع هؤلاء المؤذنين؟!
    2- أما ما استدل الشيخ به فقال: ((ويدل على أنه كان يؤذن للفجر الصادق قبل أن يشاركه ابن أم مكتوم: ما رواه أبو داود في سننه عن امرأة من بني النجار قالت: كان بيتي من أطول بيت حول المسجد فكان بلال يؤذن عليه الفجر فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينظر الفجر فإذا رآه تمطى ثم قال اللهم إني أحمدك وأستعينك على قريش أن يقيموا دينك قالت ثم يؤذن قالت فوالله ما علمته تركها ليلة. قال الألباني: إسناده حسن.)) ثم قال بعده: ((فقولها ينظر الفجر أي الصادق فليس من دليل أنهم كانوا يتحرون في أذان الليل الفجر الكاذب، وأصرح منه ما رواه أبو داود في سننه مرفوعا لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا ومد يديه عرضا)).
    أقول: رجعتُ إلى ما بين يدي من مصادر لأتعرَّف على شرح الحديث فلم أجد من تكلَّم به ووضَّح معناه، وللحديث حالان لا يخرج عنهما:
    الأول: أن يكون - كما قال الشيخ ماهر - قبل تشريع الأذانين؛ ففي ذلك الوقت: كان يؤذِّن بلال لصلاة الفجر إذا رأى الفجر الصادق.
    الثاني: أن يكون بعد تشريع الأذانين؛ فبلال يؤذن بليل وابن أم مكتوم يؤذن عند طلوع الفجر، ويكون معنى قول المرأة النجارية: ((فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر، فإذا رآه تمطَّى ... ثم يؤذن)) أي: أنَّ بلال يأتي في آخر الليل قبل تنفس الصبح - فالسَّحر: قطعةٌ من الليل؛ وهو آخرُ الليل وأولُ تنفُّس الصبح [انظر لسان العرب] - فيجلس على بيت هذه المرأة حول المسجد يرقب الفجر فإذا قارب على الطلوع قام فأذَّن الفجر الأول، ثم ينزل فيرقى بعده ابن أم مكتوم وهو رجل أعمى فينتظر حتى يقول له الناس: أصبحت أصبحت، فيقوم ويؤذِّن الفجر الثاني.
    وقد قال النووي رحمه الله تعالى [ شرح صحيح مسلم 2/768] عند شرح حديث "إنَّ بلال يؤذِّن بليل": (("يؤذن بليل": لُيعلِمَكم بأنَّ الفجرَ ليس ببعيد))، قلتُ: فهو يؤذِّن قبل قدوم الفجر الصادق؛ ولهذا كان ينظر إلى قربه، لا إلى دخوله.
    كما أنَّ هذا يوافق قول الراوي وهو يُحدد لنا الوقت بين أذان بلال وأذان ابن أم مكتوم: ((ولم يكن بينهما: إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا)) وهي المسافة ما بين آخر الليل وأول تنفس الصبح.
    أقول: بهذين التفسيرين يمكن العمل بجميع الأحاديث ومن غير معارضة؛ وفي كلا التفسيرين لا حجة للشيخ ماهر في الحديث.
    فعلى التفسير الأول نقول: لم يكن بلال يقول في أذانه: "الصلاة خير من النوم" كما أثبتنا بما لا مجال للشك فيه ولا لردِّه: أنَّ هذه الزيادة كانت بعد تشريع الأذانين، وليس للشيخ دليل فيما حمَّل به الحديث؛ فكيـف تُضرَب تلك النقول بفهم الشيخ؟!!
    وعلى التفسير الثاني نقول: بلال رضي الله عنه كان يؤذن بليل، وكان يقول فيه: "الصلاة خير من النوم".
    فأين الحجة في ما ذكرتَ يا شيخ من هذا الحديث؟!
    وأقول للشيخ ماهر: هل تريد من المرأة أن تقول: " فكان بلال يؤذن عليه (الليل) فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينظر إلى (الليل) فإذا رآه تمطَّى ..." حتى نفهم أنها أرادت الفجر الأول؛ الذي هو أذان الليل!!.
    ثم أنَّ المرأة قالت: "والله ما علمته كان تركها ليلة واحدة" تعني: هذه الكلمات، وهذا يعني: أنَّ تلك الكلمات المتعلقة بذلك الفعل كان من عادة بلال التي ما تركها؛ فهل كان من عادته الصعود للتأذين للفجر الصادق أم الفجر الكاذب؟!.
    ثم أقول: وعلى أي فرض كان؛ كيف نترك وصف النبي صلى الله عليه وسلم لأذان بلال: ((إنَّ بلال يؤذِّن بليل)) لوصف هذه المرأة النجارية: ((ينظر إلى الفجر، فإذا رآه تمطَّى ... ثم يؤذن))؟!
    فالحديث لو كان يُفهم منه أنَّ بلالاً كان يؤذِّن بعد طلوع الفجر قبل تشريع الأذانين؛ فمن أين يُفهم منه أنَّه كان يقول في ذلك الأذان: "الصلاة خير من النوم"؟!!

    وأخيراً: أقول لك يا شيخ: لقد نَفيتَ في مقالك الأول أن يكون لنا سلفٌ في قولنا، فلما جئناك بهذا السلف الشريف؛ حمَّلتَ الكلام ما لا يحتمل، وها نحن قد بينا لك المراد منه من كلام راوي الحديث ومن ألفاظ الحديث الواردة في الروايات الأخرى ومن كلام التابعين والعلماء؛ ونحن بانتظار طلبكَ الجديد؛ فهل من مزيد؟ ولكن - نرجو هذه المرَّة - أن يكون من غير ترديد ولا تشديد، حتى لا نطيل ولا نُعيد.
    3- ادَّعى الشيخ أني أخفيت لفظة: (فإذا سكت المؤذن من الأذان الأول) أو لفظة: (فإذا سكت المؤذن بالأول من صلاة الفجر) أو لفظة: (إذا سكت المؤذن الأول من صلاة الفجر) وهي روايات لحديث عائشة؛ ليردَّ عليَّ ما استغربتُه فيه من إعراضه عن حديث بلال بالكلية!!.
    فأقول للشيخ: لا تفرح بهذا كثيراً، فأنا قد أشرتُ إلى ذلك في ثنايا الكلام حين قلتُ [تنبيه القوم/الوقفة الثانية/التعليق الثاني على حديث عائشة] وبالنصِّ: ((أقول: فعائشة رضي الله عنها أرادت أن تبين ما كان يصنعه النبي صلى الله عليه وسلم بين أذان الصبح وبين الإقامة عند دخول الوقت، فذكرتْ سُّـنَّةَ الفجر والاضطجاع، فإطلاقها الأول أو الأولى على الفجر الثاني لا غبار عليه بعد دخول الوقت)).
    فانتبه إلى قولي: (فإطلاقها "الأول" أو "الأولى" على الفجر الثاني) فهو إشارة إلى وجود رواية بلفظ: "الأول"، ثم إنك يا شيخ أنت الملام؛ فكيف تستدل على فهمك في مقالك الأول بالرواية الأبعد وتترك الأقرب؟! ولماذا لم تسرد لقرَّائك هذه الألفاظ كلَّها إن كان لها معنى زائد - في نظرك - عن اللفظ الذي ذكرتَه أنت وعلَّقتُ عليه وعلى غيره أنا؛ وهو خير من أن تسرد ما ليس له دخل في الموضوع؟! وإن لم يكن لها معنى زائد - كما أظنُّ أنا - فعلام هذا الإدعاء؟!
    قلتُ: كما أظنُّ أنا؛ لأنني مقرٌّ غير ناكر أنَّ عائشة سمَّت الأذن بعد دخول الوقت بالأول، فما فائدة تلك الألفاظ الأخرى؟! ولهذا اكتفيتُ بالإشارة دون النقل التام.
    فنسألُ المنصفين: أيُّهما أشد؛ آلذي يُعرض عن حديث في صلب الموضوع مع علمه به أم الذي يخفي رواية تركها المستَدِل بحديثها وأشار لها المجيب عنها إشارة، مع عدم تغييرها في الموضوع؟!!
    أما المراد من هذه الألفاظ، والجواب عن هذه الشبه فقد بينتُه في المقال الأول، فلا أعيد.
    لكني أُعيد ما همستُ في أذنه في المقال الأول ولم يلتفت لها: صح عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الفجر فجران؛ فأما الأول: فإنه لا يحرم الطعام ولا يحل الصلاة، وأما الثاني: فإنه يحرم الطعام ويحل الصلاة)) رواه ابن خزيمة وعنه الحاكم وعنه البيهقي وصححه الألباني.
    فالنبي صلى الله عليه وسلم سمَّى الفجر الذي بعد دخول الوقت بالـ (الثاني) وأنتَ يا شيخ تقول هو (الأول)، والأول عند النبي صلى الله عليه وسلم (لا يحرم الطعام ولا يحل الصلاة) وعندك لا أدري هل تسميه الثاني أم لا؟!
    فنحن بماذا تأمرنا يا شيخ ماهر: باتباع قول النبي صلى الله عليه وسلم أم باتباع قولك؟ ردَّها إن استطعتَ!!!.
    ولا تعود فتقول: حديث عائشة ... وذلك معهود عندهم وما خاطبت إلا بالمعهود ...
    فنقول لك: النبي صلى الله عليه وسلم يتكلَّم عن الفجرين؛ فسمى الذي (لا يحرم الطعام ولا يحل الصلاة) بالأول والذي (يحرم الطعام ويحل الصلاة) بالثاني، وعائشة تتكلَّم عن سنة الفجر والاضطجاع فسمَّت قول المؤذن بالأول أو بالأولى (الأول) نسبة إلى الإقامة وهو (الثاني)؛ فأيهما منطوق وأيهما المفهوم؟ وأيهما المسوق أصالةً وأيهما تبعاً؟
    وخذ هذه المحاورة بين طالبين؛ الأول كبير ومتقدم وهو الشيخ ماهر حفظه الله، والثاني صغير ومتأخر وهو أخوه وصاحبه رائد:
    رائد: يا شيخ ماهر هل إطلاق عائشة لفظ "الأول" على الفجر الذي بعد دخول الوقت عام أم نسبي؟!
    الشيخ ماهر: هو عام، وهو المعهود عندهم .
    رائد: يا شيخ ماهر متى يُحرم الطعام وتُحل الصلاة؟!
    الشيخ ماهر: في الأول.
    رائد: لكنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سمَّاه الثاني!!!!
    الشيخ ماهر: إذن قول عائشة نسبي، مقارنة بالإقامة، كما يقول ابن حجر.
    رائد: بَطَلَ استدلالك يا شيخ من أصله وهُدِمَ ما بنيت من أساسه؛ فليس هو المعهود إذن عند الإطلاق، وإنما عند التقييد بالإقامة، وهذا ما ندندن حوله مِنْ قَبل.
    ما رأيك يا شيخ ماهر بهذه المحاورة اللطيفة.
    وقبل الختام:
    أما أنني اتهمتك يا أيها الشيخ الفاضل والأخ الحبيب بأنَّك أخفيت حديث بلال، وشبَّهتك بأهل الأهواء أو باليهود؛ فهذا تهويل لحقيقة التنبيه الذي ذكرتُه للقرَّاء في المقال الأول:
    لأنني قلتُ وبالنَّصِّ: ((تنبيه: الغريب أنَّ الشيخ ماهر قد أعرض عن حديث بلال هذا بالكلية ولم يشر إليه ولو إشارة!!؛ وليس هذا من النصح لقرائه!!، وهو كذلك بُعدٌ عن منهج التحقيق الذي ينبغي لطالب علم مثله سلوكه، ولعله لم يطَّلع عليه وهذا بعيد من مثله)).
    فأقول: هل أعرض بمعنى أخفى؟!! بالطبع لا، فمن أين لكم بهذا التفسير لكلامي؟!!
    الإعراض - يا أخوتاه - يُراد به: ترك الشيء وعدم الالتفات له مع العلم به!!، وهذا ما وقع من الشيخ ماهر لحديث بلال بالتمام؛ وقد يكون لإعراضه أسباب مقبولة أو غير مقبولة؛ فقد يظن أنه بعيد عن موطن البحث أو له فيه تأويل أو لم ينتبه إلى باقي ألفاظه أو إلى ما فيه من معنى إلى غير ذلك من الأسباب، ولكني أرى أنه كان من تمام البحث - وهو يبتغي النصح لقرَّائه بقوله: ((من ماهر بن ظافر القحطاني إلى من يراه من إخوانه السلفيين من المسلمين في كل مكان في الأرض...)) - أن يتكلَّم عن هذا الحديث رواية ودراية؛ لأنَّ له تعلّق بالموضوع كما لاحظ ذلك قرَّاؤنا الأفاضل، وعلى الأقل بمستوى ما تكلَّم به عن غيره مما لا دخل له بالموضوع؛ فهذا هو واجب النصيحة كما أفهمه أنا ولا أدري كيف يفهمه غيري؟ كما أنه بُعدٌ عن منهج التحقيق الذي ينبغي لطالب علم أن يسلكه!!؛ فلا بدَّ عند التحقيق في الخلافيات من ذكر ما يتعلَّق بالموضوع والجواب عنه؛ وهذا هو البحث المحقق.
    ثم ألا يكفي وصفي إياك يا أخي الكريم بالعلم وسعته؛ فقلتُ: (لطالب علم مثله)، (وهذا بعيد من مثله)، واعتذاري لك بقولي: (ولعله لم يطَّلع عليه) أن يشفعا لي فتُحسِنَ الظنَّ بي؟!!
    أقول: ومع هذا كله؛ فأنا أعتذر من الشيخ ماهر حفظه الله تعالى من هذا الوصف بالكلية، طالباً منه أن يَعدَّه سوءاً في التعبير زلَّ به القلم وضاق به الفهم، لعلَّ قلبه ينبسط لذلك ويزول عنه الغمُّ، وينشرح صدره ويُرفع عنه الهمُّ، وتبتسم شفتاه ولا يهتم.
    الخاتمة - نسأل الله حسنها -:
    فهذا هو ردَّي على أخي العزيز والشيخ الفاضل ماهر بن ظافر القحطاني - حفظه المولى من كلِّ بلوى، وجعله من طلاب العلم الراسخين، وأسكت به ألسنة المبتدعين الحاقدين، وجمعه مع إخوانه المحبين على نشر هذا العلم والدفاع عن هذا الدين - كتبتُه نصرةً للحق المبين، أبتغي به مرضات ربي العالمين، ثم لينشرح به صدر المحبين، وليشفى به - بإذن الله تعالى - مرض المعلولين، ولتكتحل به عيون الناظرين؛ الذين لطالما كانوا له من المنتظرين، وفي شبكة سحاب من المترقبين، جمعني الله وإياكم على هذا المنهج المتين، وحشرنا برحمته وعفوه ومنته تحت ظل عرشه يوم يجتمع الكلُّ فيه من الأولين والآخرين والأقربين والأبعدين.
    وجزى الله تعالى كلَّ مَنْ شارك بهذا الموضوع كتابةً أو تعليقاً أو نصيحةً خيرَ الجزاءِ، وجعل ذلك كلَّه في ميزان حسناته؛ وأختم بأبيات ذكرى لي ولكم، وهي لا تخفى عليكم:



    إذا المرءُ لا يرعاك إلا تكلُّفا * * *فدعه ولا تُكثِر عليه التأسُّفا
    ففي الناسِ أبدالٌ وفي التركِ راحةٌ* * *وفي القلبِ صبرٌ للحبيبِ وإنْ جفا
    فما كلُّ مَنْ تهواه يهواك قلبُه * * *ولا كلّ مَنْ صافيتَه لك قد صَفا
    إذا لم يكنْ صفو الودادِ طبيعةً* * *فلا خيرَ في ودٍّ يجيء تكلُّفا
    ولا خيرَ في خلٍّ يخونُ خليلَه * * *ويلقاه مِن بعدِ المودَّةِ بالجفا
    ويُنكرُ عيشاً قد تقادم عهدُه * * *ويُظهر سِراً كان بالأمسِ قد خفا
    سلامٌ على الدنيا إذا لم يكن بها * * صديقٌ صدوقٌ صادقُ الوعِد منصفا



    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    أبو معاذ رائد آل طاهر

    ليلة السبت
    29/ربيع الأول/1427 هـ
    27/آيار/2006 م
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 11:37


    الكاتب: [ علي رضا ] 2006-05-28 12:19 Pm
    بورك في أخينا رائد على بحثه القيم في ترجيح قول المؤذن :

    ( الصلاة خير من النوم ) وأنه في الأذان الأول - بليل - وليس في الأذان الثاني الذي يحرم

    الطعام للصائم .

    والحقيقة هي أن كلام شيخنا الألباني وأدلته راجحة وصريحة في المسألة ؛

    بارك الله في الجميع ؛

    وثبتنا الله وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة .
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 11:38

    الكاتب: [ رائد ال طاهر ] 2006-06-01 03:05 Pm
    تتمــة الرد:

    1- قال الشيخ ماهر : ((ان عائشة رضي الله عنها تكلمت بما هو معرف عند الناس في ذلك الوقت وإلا صار في كلامها إيهاما هي من أبعد الناس عنه فلا يمكن أن تخاطب الناس بشيء لا يفهمونه، فلما عرفت "الأولى" دل أن هذا اللفظ إذا أطلق معهود عندهم، وعليه ولما استعمله النبي مع أبي محذورة وجب الحمل عليه كما أفاده العلامة بن عثيمين رحمه الله، وأصرح من هذا ما رواه بن ماجة وصححه الألباني من حديث عائشة رضي الله عنها "فإذا سكت المؤذن من الأذان الأول لصلاة الصبح قام فركع ركعتين خفيفتين")).
    قلتُ: حديث عائشة هو الوجه الوحيد الذي يَصلح أن يَحتجَّ به الشيخُ ماهر بأنَّ التثويب إنما محله في أذان الفجر الأول بعد دخول الوقت، لكن بعد مصاحبته لحديث أبي محذورة: ((وَكُنْتُ أَقُولُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ))، ولا يمكن أن يستقل كل منهما عن الآخر في الدلالة.
    ومع هذا فلنا معه وقفة:
    بعد البحث المطول في هذا الحديث رواية ودراية في المصنفات والكتب التي ذكرت هذا الحديث وشرحت معناه؛ وجدتُ أنَّ أصل الحديث له طريقان:
    الأول: عن عائشة.
    والثاني: عن حفصة.
    وقد ذكر الشيخ ماهر الطريقين في مقاله الأول.
    أما الطريق الأول: فقد ورد من طريق الزهري عن عروة بن الزبير عنها، وقد اختلف فيه الرواة عنه زيادةً ونقصاً؛ ومن هذه الزيادة والنقصان قولهم: (إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر)، (فإذا سكت المؤذن من الأذان الأول من صلاة الصبح)، (فإذا سكت المؤذن بالأولى من أذانه)، (إذا سكت المؤذن من الأذان الأول)، (إذا سكت المؤذن بالأول من صلاة الفجر)، (فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر)، (فإذا سكت المؤذن من الأذان).
    ولو تتبعتَ أخي القارئ هذه الروايات؛ لعلمتَ أنَّ الزيادة بعد قول عائشة (إذا سكت المؤذِّن) منهم من يثبتُها تارة، وينفيها أخرى، ومنهم من يُغاير في روايتها؛ كما مرَّ سلفاً.
    أما الطريق الثاني: وهو عن حفصة بلفظ: ((أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سكت المؤذِّن عن الأذان لصلاة الصبح صلَّى ركعتين خفيفتين قبل أن تُقام الصلاة)) وهو من طريق نافع عن ابن عمر عنها، رواه عن نافع مالك ووافقه فيها موسى بن عقبة، من غير الزيادة ومن غير مغايرة.
    فالخلاصة:
    أنَّ الزيادة بلفظ: (الأول أو الأولى) بعد قول: (إذا سكت المؤذِّن) في إحدى الروايتين عن عائشة، في النفس من ثبوتها عنها شيء، ولعلَّها من تصرف تلاميذ الزهري؛ وقد قال أبو داود والنسائي والدارقطني وغيرهم في حديث عائشة وهم يصفون تلاميذ الزهري: ((وبعضُهم يزيد على بعض))!!.
    ولا يظنُّ ظانٌّ - مهوِّلاً - أنَّ هذا تضعيف لحديث في صحيح البخاري!!، بينما الحال هو الكلام في "لفظة" ثبوتها أو نفيها وهذا واقع في الصحيحين، ومسلم اكتفى بروايته من غير الزيادة وذلك بلفظ: (فإذا سكت المؤذِّن من صلاة الفجر وتبين له الفجر)، كما روى كلاهما حديث حفصة؛ البخاري بلفظ: (كان إذا اعتكف المؤذن للصبح وبدا الصبح صلى ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة) ومسلم بلفظ: (كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح ...)، وقول البخاري في روايته: (اعتكف) قال جماعة من الحفاظ: هي وهمٌ من شيخ البخاري.
    وحديث حفصة أصحُ إسناداً من حديث عائشة كما قال البخاري: ((أصح الأسانيد كلها: مالك عن نافع عن بن عمر)) [تهذيب الكمال 14/480].
    فهذه حفصة رضي الله عنها ذكرت هذا الأمر بأصح الأسانيد عنها ولم تذكر هذه الزيادة المعهوده كما يدَّعي الشيخ ماهر، أما عائشة رضي الله عنها فلها روايتان بإثبات الزيادة وبنفيها مع أنَّ مخرج الحديث واحد (الزهري عن عروة عن عائشة)؛ فلا بدَّ أن تكون الزيادة واحدة، وباقي الألفاظ من تصرف الرواة عن الزهري؛ وهم تلاميذه الذين كانوا يُحدِّثهم في مجلس واحد.
    فإذا كان الأمر كذلك؛ فالاحتجاج بهذه الزيادة مشكوك فيه!، فضلاً أن نفسِّر بها حديث أبي محذورة!، فضلاً أنَّ ندَّعي أنَّ هذا الإطلاق هو المعهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة!!!.
    فكيف إذا كان إطلاق عائشة ذلك نسبي مقارنة بالإقامة كما قال ابن حجر وليس عاماً؟!!
    بل وكيف إذا خالف صريح قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الفجر فجران...))؟!!، وقد تقدَّم كلُّ ذلك مفصَّلاً فلا حاجة أن نعيد.
    والذي يتبين لي الآن - لو صحت هذه الزيادة من قول عائشة - في أمر هذه الزيادة: أنَّ عائشة أطلقت عليها لفظ "إذا سكت المؤذِّن بالأولى من صلاة الفجر" وهذا الذي اختاره البخاري في صحيحه، فتصرَّف الرواة عن الزهري بنقلها لعدم وضوح المراد منها، فظنَّ البعض منهم أنَّها أرادت الأذان الأول فأضاف ذلك مفسِّراً.
    ويظهر أنها أرادت بـ(إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر) ما جاء في الرواية الأخرى: (فإذا سكت المؤذن بالأولى من أذانه) فهي تتكلَّم عن مناداة المؤذِّن لصلاة الفجر بعد دخول الوقت، وهذا المؤذن له نداءان؛ الأول: هو أذان الفجر الثاني، والثاني: هو الإقامة، فإذا سكت المؤذِّن الثاني من المناداة الأولى له وهو أذان الفجر الثاني كان صلى الله عليه وسلم يصلي الركعتين الخفيفتين ثم يضطجع على شقه الأيمن، ثم ينادي هذا المؤذِّن بالإقامة وهي المناداة الثانية له.
    ولعلَّ لهذا - إن صحت الزيادة - اكتفى بعض الرواة بقول (فإذا سكت المؤذِّن من صلاة الفجر وتبين له الفجر) والآخر بقول: (فإذا سكت المؤذن من الأذان) لظنِّه أنَّ الكلام واضح ولا يحتاج إلى إضافة (الأول) أو (الأولى).
    وعلى كلٍّ فأمر الزيادة غامض ثبوتاً أو معنى؛ ويحتمل أكثر من احتمال؛ لِما ذكرنا، فالله أعلم بذلك.
    أما قول الشيخ ماهر: (وإلا صار في كلامها إيهاما).
    والإيهام واقع ما له مِنْ دافع، وإلا لما كان هذا الخلاف؛ ولكن هل في كلامِها؟ أم لِما أحدثه تصرف الرواة؟! لا شكَّ أنَّ الثاني هو الراجح.
    تنبيه: توهمتُ في مقالي ((تنبيه القوم ...)) في الوجه الأول في التعليق على حديث عائشة فنقلتُ كلام الحافظ ابن حجر: ((والذي عندي أن المصنف جرى على عادته في الإيماء إلى بعض ما ورد في طرق الحديث الذي يستدل به؛ وبيان ذلك فيما أورده بعد بابين من وجه آخر عن عائشة ولفظه: "كان إذا سكت المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الصبح بعد أن يستبين الفجر")) في بيان أنَّ البخاري له روايتان في ثبوت الزيادة ونفيها عن عائشة، وسببُ ذلك صنيعُ الحافظ كما ترى، فقد نقل الحديث في شرحه من غير الزيادة فظننتُ أنَّ للبخاري رواية بغير الزيادة تأتي بعد بابين، فلما دققتُ في المسألة وجدتُ الأمر ليس كذلك، فوجب عليَّ التنبيه، فيُرفع ذلك الوجه بالكلية ويكون مكانه ما ذكرناه أعلاه.
    2- أما قول الشيخ ماهر: ((قد تقدم من قبل وأزيد بياناً؛ فأقول: وهل كان أبو محذورة في مكة يؤذن بأذانين، فإذا قلت: نعم وبرهنته، فقد تبين أنه أمره في أذان الصبح كما دل عليه حديث عائشة عند بن ماجة فذلك معهود عندهم وما خاطبت إلا بالمعهود، وهذا أسهل من تكلف التطويل في الرد)).
    أقول للشيخ الفاضل والأخ الحبيب:
    نعم، جعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا محذورة مؤذناً ثانٍ مع عتاب بن أسيد؛ وسيأتيك البرهان بعد قليل.
    أما قولك: ((فقد تبين أنه أمره في أذان الصبح كما دل عليه حديث عائشة عند بن ماجة فذلك معهود عندهم وما خاطبت إلا بالمعهود)) أقول: وكيـف يعرف أبو محذورة رضي الله عنه ما كان معهوداً وهو لم يتعلَّم الأذان مِنْ قَبل بل رأى مؤذِّنَ النبي صلى الله عليه وسلم يؤذِّن في حنين وكان هو مع أصحابه يُحاكون ذلك ويهزؤون به، حتى سَمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوتَه فأُعجِبَ به، ثمَّ علَّمه، فرجع إلى مكَّة وبدأ يؤذن مع صاحبه، فمن أين عرف أبو محذورة أنَّ قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم في الأولى من الصبح)) المعهود؛ وهو الأذان الذي بعد الوقت كما تقول؟!! بل لقد قرن التابعون والعلماء أبا محذورة مع بلال في التثويب بأذان الفجر؛ وهذا يدل أنَّ أبا محذورة كان يؤذِّن بليل كما كان بلال وإلا قُرِنَ بأُمِّ ابن مكتوم، فتأمَّل.
    أما البرهان على ذلك:
    فقد أخرج الإمام النسائي في سننه: أخبرنا إبراهيم بن الحسن ويوسف بن سعيد واللفظ له قالا حدثنا حجاج عن بن جريج قال حدثني عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة أن عبد الله بن محيريز أخبره وكان يتيما في حجر أبي محذورة حتى جهزه إلى الشام قال قلت لأبي محذورة إني خارج إلى الشام وأخشى أن أسأل عن تأذينك فأخبرني أن أبا محذورة قال له : خرجت في نفر فكنا ببعض طريق حنين مقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعنا صوت المؤذن ونحن عنه متنكبون فظللنا نحكيه ونهزأ به فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوت فأرسل إلينا حتى وقفنا بين يديه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع فأشار القوم إلي وصدقوا فأرسلهم كلهم وحبسني فقال قم فأذن بالصلاة فقمت فألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه قال قل: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال ارجع فامدد صوتك ثم قال قل أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة، فقلت: يا رسول الله مرني بالتأذين بمكة. فقال: قد أمرتك به. فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    [سنن النسائي كتاب الأذان حديث 632] وصححه الألباني.
    فقول الشيخ في أخر كلامه: ((وهذا أسهل من تكلف التطويل في الرد)).
    قلتُ: لا شكَّ أنه أسهل؛ فهل هو أصوب؟! الحكم للقارئ الباحث.
    3- قال الشيخ: ((هل مقالة بن عبد البر سلف …. أنه أمر بلال… لما كان يؤذن أذان الصبح الصادق كما سيأتي أم الليل مع بلال)).
    أقول تتمة كلام ابن عبد البر: ((...مشهور عند العلماء، ونحن نذكر منه طرفاً دالاً ها هنا إن شاء الله - فذكر مجوعة من الأدلة منها - وروى سفيان عن بن عجلان عن نافع عن بن عمر قال: "كان في الأذان في الأول بعد حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم")) وهذا يقتضي أنَّ الزيادة بـ (الصلاة خير من النوم) بعد تشريع الأذانين، وعندما كان بلال يؤذِّن الفجر الأول بليل.
    وأقول: عبارة الشيخ غير مفهومة، فلا أدري من المقصود بقوله: ( أم الليل مع بلال)!!، هل يقصد ابن أم مكتوم أم أبا محذورة؟! وعلى كلِّ حال فقد رددنا على كلا الاحتمالين.
    4- قال الشيخ: ((فذاك ظاهره النهي عن الأذان قبل الفجر، وكان في أول الأمر في أم، وكذلك كان يصعد على بيت إمرأة ويتحرى الفجر ثم يؤذن في الأذان للفجر الصادق في فتلك الفترة كان يؤذن للفجر الصادق، قبل مشاركته في آخر الأمر لابن أم مكتوم، فلماذا حملت أمر النبي صلى الله عليه وسلم لبلال قول الصلاة خير من النوم في الفترة الثانية وتركت الأولى وكانت ثم بعد شاركه ابن ام مكتوم فأين الإنصاف ياهذا ...!!!!!)).
    قلتُ: إنَّما حملتُ أمرَ النبي صلى الله عليه وسلم لبلال قول: "الصلاة خير من النوم" في الفترة الثانية لأنَّ هذا ما فهمه راوي الحديث ابن المسيب حين حدَّث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ بلالاً يؤذن بليل؛ فمن أراد الصوم فلا يمنعه أذان بلال حتى يؤذن بن أم مكتوم)) قال: وكان أعمى فكان لا يؤذن حتى يقال له أصبحت، ثم قال: فلما كان ذات ليلة أذَّن بلال، ثم جاء يؤذن النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: إنه نائم ...، وهو مقتضى الأحاديث التي ورد فيها بلفظ (وذلك أنَّ بلالاً أتى بعد ما أذَّن التأذينة الأولى من صلاة الفجر)، ولفظ (أنَّ بلالاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم عند الأذان الأول من الصبح فوجده نائماً) ومقتضى أقوال التابعين، وقد تقدَّم كلَّ ذلك مفصَّلاً.
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 11:39

    الكاتب: [ رائد ال طاهر ] 2006-06-12 06:34 Pm
    وصلتني مشاركات الأخوة حول مقالي (تنبيه القوم إلى الفجر الذي يُقال فيه الصلاة خير من النوم) متأخرة؛ وهذا ردي عليها:
    1- الرد على مشاركة الأخ الفاضل معاذ الشمري وفقه الله تعالى:
    قال الأخ: [[هذا ؛ وأرجو حشر شيخ الإسلام - رحمه الله - مع القائلين بكون التّثويب في أذان الفجر الصّادق ؛ وذلك لقوله - رحمه الله - في : شرح العمدة ": ((وعن أنس بن مالكٍ؛ قال: ((من السّنّة إذا قال المؤذّن في صلاة الفجر: ((حيّ على الفلاح)) قال: ((الصّلاة خيرٌ من النّوم، الصّلاة خيرٌ من النّوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلاّ الله ))))، و في روايةٍ: ((كان التّثويب في صلاة الفجر إذا قال المؤذّن حيّ على الفلاح)) قال: ((الصّلاة خيرٌ من النّوم ، الصّلاة خيرٌ من النّوم))؛ رواه سعيدٌ، و حربٌ، و ابن المنذر، والدّارقطنيّ.
    و قال عمر لمؤذّنه: ((إذا بلغت ((حيّ على الفلاح)) في الفجر؛ فقل: ((الصّلاة خيرٌ من النّوم، الصّلاة خيرٌ من النّوم))؛ رواه الدّارقطنيّ، و رواه الشّافعيّ في القديم عن عليٍّ مثل ذلك.
    و لا يعرف عن صحابيٍّ خلاف ذلك.
    وهذا لأنّ الصّبح مظنّة نوم النّاس في وقتها؛ فاستحبّ زيادة ذلك فيها؛ بخلاف سائر الصّلوات وسواءٌ أذّن مغلسًا أو مُسفرًا لأنّه مظنّةٌ في الجملة)) ا.هـ
    فانظر - يا رحمك الله - كيف جعل التّثويب في أذان الفجر الصّادق الّذي هو محلّ التّغليس والإسفار.
    وانظر كيف حمل آثار الصّحابة القائلة أنّه (( الفجر)) على ذلك .
    و انظر كيف نقل الإجماع على هذا]] انتهى كلام الأخ معاذ.
    قلتُ: أخي الحبيب في أنظارك كلِّها نظر!!!
    1- أين التصريح من كلام شيخ الإسلام على دعواك أنَّه أراد الفجر الصادق؟!
    إن قلتَ: لفظة (صلاة الفجر) أو (الفجر) أو (الصبح) وأنَّها لا تُطلَق إلا بعد طلوع الفجر وهو الصادق.
    قلنا لك ولغيرك: سبحان الله؛ لِماذا لا تفسِّرون هذا الألفاظ في سياق المتكلِّم بها؟ لماذا تُقتطع هذه الألفاظ من سياقها لتُفهم بمجردها؟.
    هل شيخ الإسلام يتكلَّم عن محل التثويب في آذان الفجر أم عن محله في الصلوات الخمس؟!
    قلتُ: لقد نقلتَ أنت جزاك الله خيراً نصَّ قول شيخ الإسلام: ((وهذا لأنّ الصّبح مظنّة نوم النّاس في وقتها؛ فاستحبّ زيادة ذلك فيها؛ بخلاف سائر الصّلوات))، ثم لو عدنا بالقارئ إلى أول كلام شيخ الإسلام في شرح العمدة لرأينا أنَّه ابتدأ الكلام بقوله:
    ((مسألة: ويقول في آذان الصبح "الصلاة خير من النوم" مرتين بعد الحيعلة، وذلك لما روي عن بلال قال أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لا أثوب إلا في الفجر رواه احمد، ورواه ابن ماجة ولفظه: أمرني أن أثوب في الفجر ونهاني أن أثوب في العشاء ....
    ثم قال رحمه الله تعالى ما نقله الأخ معاذ:
    وعن أنس بن مالك قال: من السنة إذا قال المؤذن في صلاة الفجر حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم الله اكبر الله اكبر لا اله إلا الله، وفي رواية: كان التثويب في صلاة الفجر إذا قال المؤذن حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم رواه سعيد وحرب وابن المنذر والدارقطني، وقال عمر لمؤذنه إذا بلغت حي على الفلاح في الفجر فقل الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم رواه الدارقطني، ورواه الشافعي في القديم عن علي مثل ذلك، ولا يعرف عن صحابي خلاف ذلك؛ وهذا لأنَّ الصبح مظنة نوم الناس في وقتها فاستحب زيادة ذلك فيها بخلاف سائر الصلوات؛ وسواء أذن مغلساً أو مسفراً لأنه مظنة في الجملة.
    ثم قال بعد ذلك مباشرة:
    فأما التثويب في غيرها أو التثويب بين الندائين مثل إن يقول إذا استبطأ الناس حي على الصلاة حي على الفلاح أو الصلاة خير من النوم في الفجر أو غيرها أو يقول الصلاة الإقامة أو الصلاة رحمكم الله عند الإقامة أو بين النداءين فمكروه سواء قصد ذلك نداء الأمراء أو نداء أهل السوق أو غير ذلك ...))
    فهل وضح الأمر الآن؛ وهو أنَّ شيخ الإسلام يتكلَّم عن مشرعية قول المؤذن (الصلاة خير من النوم) واختصاص صلاة الفجر أو الصبح بذلك عن سائر الصلوات لمظنة نوم الناس في وقتها، فلماذا تَفهمون وتُفهِمون القارئ أنَّ الكلام في محل التثويب في آذان الفجر وأنَّه في الفجر الصادق لا الكاذب!!!.
    2- أما قول شيخ الإسلام: ((وسواءٌ أذّن مغلسًا أو مُسفرًا لأنّه مظنّةٌ في الجملة))، فهذا قول عند الحنابلة وغيرهم؛ وهو كقول الإمام ابن باز رحمه الله تعالى: ((إذا فعل ذلك في الأذان الأول أو الثاني فلا حرج -إن شاء الله-، المهم أنه لا يقوله في الاثنين، يقول في أحدهما، حتى لا تلتبس الأمور على الناس، والأفضل أن يكون في الأخير)) [نور على الدرب ش607 د24]، وقال الشيخ علي بن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله تعالى: ((فإنَّ الأمر في ذلك عندنا على السعة، فإذا جعله في الأول أو في الثاني فالكل - إن شاء الله - حسن، ولكن الأحسن لمن أراد الاقتصار في التثويب على أحد الأذانين أن يكون في الأول، لما ذكرت من الحديث - أي تأذين بلال بالتثويب، وهو كان يؤذن الأذان الأول-، وأحسن منهما التثويب في الأذانين، جمعاً بين الأحاديث، وعملاً بظاهر إطلاقات الفقهاء)) [الدرر السنية]، وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ((وأما كلام فقهائنا رحمهم الله فظاهره أنَّ التثويب في أذان الفجر سواء أذَّن بعد الفجر أم قبله)).
    فكلام شيخ الإسلام في الأذان لا في الصلاة حتى يُفهم منه الفجر الصادق!!، والغلس: بقايا الظلام؛ وهو آخر ظلمة الليل، والإسفار: الانكشاف؛ وهو إضاءة الصبح وإشراقه، فالأول: وقت للفجر الكاذب، والثاني وقت للفجر الصادق.
    ولم يقع الخلاف لا في مذهب الحنابلة ولا في غيرهم في كون محل التثويب هل هو في الإسفار من الفجر الصادق أم في الغلس من الفجر الصادق؟!!، وإنما الخلاف والتردد واقع في أحد الفجرين إما الكاذب وإما الصادق، وإن شئت تتبع ذلك، ومن ردَّ ذلك فعليه بالنقل المصدَّق.
    3- أما قول شيخ الإسلام: ((ولا يُعرف عن صحابيٍّ خلاف ذلك)) أي: ولا يُعرف عن صحابي في محل التثويب خلاف ذلك وهو في صلاة الفجر لا في غيرها من الصلوات؛ فلا أدري كيف حمل الأخ هذا الإجماع على مسألة محل التثويب في آذاني الفجر!!، ولا كيف حمل آثار الصحابة على ذلك!!، والموضوع من أوله إلى آخره في مشروعية التثويب ومحله من الصلوات الخمس ليس إلا.
    4- ثم أنَّ شيخ الإسلام قال في آخر كلامه في تلك المسألة: ((وهذا كله: إذا كانوا قد سمعوا النداء الأول فإن لم يكن الإمام أو البعيد من الجيران قد سمع النداء الأول فلا ينبغي أن يكره تنبيهه لما تقدم عن بلال أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليؤذنه بصلاة الفجر بعد الأذان فقيل أنه نائم فقال الصلاة خير من النوم. قال ابن عقيل: فإن تأخر الإمام الأعظم أو إمام الحي أو أماثل الجيران فلا بأس أن يمضي إليه منبه يقول له: قد حضرت الصلاة؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه و سلم قصده بلال ليؤذنه بالصلاة وهو مريض فقال: مروا أبا بكر أن يصلي بالناس، وذكر احتمال أنَّ نداء الأمراء ليس ببدعة؛ لأنه فعل على عهد معاوية، ولعله اقتدى به في ذلك في حديث بلال لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: إنَّ بلالاً ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)).
    قلتُ: فالذي نفهمه من كلام شيخ الإسلام أنَّ زيادة (الصلاة خير من النوم) كانت بعد تشريع الأذانين؛ هذه واحدة، وأنَّ بلال هو الذي كان يقول ذلك؛ وهذه ثانية، وأنَّه كان في النداء الأول لا الثاني، لأنَّها وضعت للتنبيه وليست دعوة للصلاة؛ وهذه ثالثة، فتأمَّل في كلامه يرحمك الله.
    5- أما تردد شيخ الإسلام بين أن تكون في الفجر الصادق أو الفجر الكاذب حين قال: ((وسواءٌ أذّن مغلسًا أو مُسفرًا))؛ فلعلَّه نتيجة الاختلاف في حديث ((إنَّ بلالاً ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)) وفي رواية أخرى: ((إنَّ ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال))؛ وهذا الاختلاف للعلماء فيه ثلاثة أقوال:
    القول الأول: أنَّ الرواية الثانية مقلوبة.
    القول الثاني: أنها صحيحة، وكان ابن أم مكتوم ينادي بليل في أول الأمر ثم استقر أنَّ بلال هو الذي يؤذن بليل.
    القول الثالث: أنَّ أذان الليل كان بينهما نوائب، فتارة يفعله بلال وتارة ابن أم مكتوم.
    أقول: والقول الأخير ضعيف لأنَّ الناس يلتبس الأمر عليهم بذلك ويقع الاشتباه فيه؛ فالرواية الثانية إما أن تكون مقلوبة أو تكون في أول الأمر.
    قال ابن حجر [الفتح 2/102-103]: ((وادَّعى بن عبد البر وجماعة من الأئمة بأنه مقلوب وأنَّ الصواب حديث الباب، وقد كنت أميل إلى ذلك؛ إلى أن رأيت الحديث في صحيح بن خزيمة من طريقين آخرين عن عائشة وفي بعض ألفاظه ما يبعد وقوع الوهم فيه وهو قوله إذا أذن عمرو فأنه ضرير البصر فلا يغرنكم وإذا أذن بلال فلا يطعمن أحد وأخرجه أحمد، وجاء عن عائشة أيضا أنها كانت تنكر حديث بن عمر وتقول إنه غلط أخرج ذلك البيهقي من طريق الدراوردي عن هشام عن أبيه عنها فذكر الحديث، وزاد قالت عائشة وكان بلال يبصر الفجر، قال وكانت عائشة تقول غلط بن عمر انتهى.
    وقد جمع بن خزيمة والضبعى بين الحديثين بما حاصله أنه يحتمل أن يكون الأذان كان نوباً بين بلال وبن أم مكتوم فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الناس أن أذان الأول منهما لا يحرم على الصائم شيئا ولا يدل على دخول وقت الصلاة بخلاف الثاني، وجزم بن حبان بذلك ولم يبده احتمالاً، وأنكر ذلك عليه الضياء وغيره.
    وقيل: لم يكن نوباً، وإنما كانت لهما حالتان مختلفتان فإنَّ بلالاً كان في أول ما شرع الأذان يؤذن وحده ولا يؤذن للصبح حتى يطلع الفجر؛ وعلى ذلك تحمل رواية عروة عن امرأة من بني النجار قالت: كان بلال يجلس على بيتي وهو أعلى بيت في المدينة فإذا رأى الفجر تمطأ ثم أذن أخرجه أبو داود وإسناده حسن، ورواية حميد عن أنس أن سائلا سأل عن وقت الصلاة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأذن حين طلع الفجر الحديث أخرجه النسائي وإسناده صحيح، ثم أردف بابن أم مكتوم وكان يؤذن بليل، واستمر بلال على حالته الأولى، وعلى ذلك تنزل رواية أنيسة وغيرها، ثم في آخر الأمر أُخِّر بن أم مكتوم لضعفه ووكِّل به من يراعي له الفجر، واستقر أذان بلال بليل .... - إلى أن قال الحافظ: - فلهذا والله أعلم استقر أنَّ بلالاً يؤذن الأذان الأول)).
    أقول بعد ذلك: هكذا فهمتُ أنا كلام شيخ الإسلام وهكذا خرَّجتُه ثم وجدتُ من كلامه ما يؤيد هذا؛ حين قال [شرح العمدة 4/116-117]: ((فإن صحا؛ حُملا على نوبة بلال؛ فإنه كان تارة يؤذن قبل ابن أم مكتوم وتارة بعده كذلك رواه احمد و النسائي عن حبيب بن عبد الرحمن عن عمته، وكانت حجت مع النبي صلى الله عليه و سلم قالت كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول: "إن ابن أم مكتوم ينادي بليل فكلوا و اشربوا حتى ينادي بلال". و روى احمد عن عائشة قالت كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان؛ بلال وعمرو بن أم مكتوم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "إذا أذن عمرو فكلوا واشربوا فإنه رجل ضرير وإذا أذن بلال فارفعوا أيديكم فان بلالاً لا يؤذن حتى يصبح" قال ابن خزيمة: إنَّ الأذان كان نوباً بين بلال وابن أم مكتوم فكان يتقدم بلال ويتأخر عمرو ويتقدم عمرو ويتأخر بلال)).
    وقال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى [إعلام الموقعين 2/365]: ((ورواية الجزم بأنَّ المؤذن بليل هو بلال وهو الصواب بلا شك؛ فإنَّ ابن أم مكتوم كان ضرير البصر ولم يكن له علم بالفجر فكان إذا قيل له طلع الفجر أذَّن، وأما ما ادَّعاه بعض الناس: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جعل الأذان نوباً بين بلال وابن أم مكتوم، وكان كل منهما في نوبته يؤذن بليل فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يأكلوا ويشربوا حتى يؤذن الآخر فهذا كلام باطل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يجئ في ذلك أثر قط لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مرسل ولا متصل، ولكن هذه طريقة من يجعل غلط الرواة شريعة ويحملها على السنة، وخبر ابن مسعود وابن عمر وعائشة وسمرة الذي لم يختلف عليهم فيه أولى بالصحة، والله أعلم)).
    فقول الأخ معاذ: ((وأرجو حشر شيخ الإسلام - رحمه الله - مع القائلين بكون التّثويب في أذان الفجر الصّادق)) لا يمكن أن نستجيب لرجائه لأنَّه خلاف الواقع، بل يُحشر قوله مع الذين قالوا: إذا فعل ذلك في الأذان الأول أو الثاني فلا حرج.
    6- أما ما نقله الأخ معاذ من فتوى اللجنة الدائمة وعلاقته بفتوى ابن باز التي نقلها الأخ الفاضل أبو عبد الله الآجري وفقه الله تعالى؛ فهذا يدل أنَّ الشيخ ماهر قد تعجَّل مرة أُخرى بنسبة تبديع قول مخالفه للإمام ابن باز رحمه الله تعالى حين نقل أحد قوليه وفيه: ((وأما الأذان الأول المذكور في حديث ابن عمر أن بلال يؤذن بليل فالمقصود منه التنبيه لهم قرب الفجر، فلا يشرع فيه أن يقول الصلاة خير من النوم لعدم دخول الصلاة)) وعلَّق الشيخ ماهر عليه بقوله: ((وإذا كانت عبادة لا تشرع فهي بدعة 0000فتأمل))، وقد تعذَّر له الأخ معاذ جزاه الله خيراً بقوله: ((فلا تثريب على الأخ ماهرٍ القحطانيّ - وفّقه الله - في نسبته ما نسب إلى الإمام ابن بازٍ - رحمه الله - .
    وإن كان الأصل أنْ يُنسب إليه قولاه - رحمه الله - . وهذا يُقال لمن علمَ القولين؛ فلم ينقل إلاّ أحدهما. وأمّا من لم يعلم عنه إلاّ قولاً من القولين؛ فنسبه إليه ؛ فلا يُلام)) ونحن معه أنَّ الذي لا يَعلم لا يُلام، لكن أن ينسب القول بالتبديع له فهذا غلط ويلام عليه.
    وقد كفاني أخي الفاضل أبو عبد الله الآجري حفظه الله تعالى ووفقه لكلِّ خير مؤنة النقل والتعليق حول فتوى اللجنة وفتاوى ابن باز، وقد أجاد وأفاد.
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 11:40

    وأخيراً:
    قال شيخ الإسلام [شرح العمدة 4/114]: ((وعن عبد الله ابن مسعود أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمنعن أحدكم آذان بلال من سحوره فانه يؤذن أو قال ينادي بليل ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم" رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي؛ فقد نبَّـه صلى الله عليه وسلم على حكمة تقديم الأذان في الفجر: وذلك لأنَّ آخر الليل مظنة نوم النائم وقيام القائم للصلاة، فإذا أذَّن قبل الفجر استيقظ النائم وتأهب للصلاة بالتخلي والتطهر واللباس ليتمكن من الصلاة في أول الوقت؛ ولذلك خُصت بالتثويب فيها، بخلاف سائر الصلوات فإنَّ الناس عند النداء بها يكونون إيقاظاً وأهبة للصلاة إذ ذاك، فكانت خفيفة على أكثرهم، وأما القائم فانه يعلم دنو الفجر فيبادر الفجر بالوتر)).
    أقول: فانظر أخي القارئ كيف بيَّـن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى الحكمة من تشريع الأذان قبل الفجر، وأنَّه لذلك خصَّ التثويب (الصلاة خير من النوم) فيها؛ والكلام في سياق الأذان الذي قبل الفجر، فتأمَّل.
    ثم قارن هذا بقول الشيخ الفاضل ماهر حفظه الله تعالى في مقاله (قول المؤذن في أذان الليل الصلاة خير من النوم بدعة):
    ((الوجه السابع: قال بن قدامة إن صلاة الفجر وقت ينام فيه عامة الناس ويقومون إلى الصلاة عن نوم فاختصت بالتثويب لاختصاصها بالحاجة إليه(أي: ناسب عند طلوع الفجر الصادق عند الأذان أن يقول الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم))) انتهى كلامه.
    2- الرد على مشاركة الأخ الفاضل أمين السني وفقه الله تعالى:
    الأخ أمين جزاه الله خيراً كان ناقلاً ليس إلا؛ فقد نقل فتوى اللجنة الدائمة وفتاوى ابن عثيمين، أما فتوى اللجنة فليس في الأمر شيء جديد، وأما فتاوى ابن عثيمين رحمه الله تعالى فيتلخص كلامه في أمور:
    1- أنَّ التثويب مشروع في الأذان لصلاة الفجر، والأذان للصلاة لا يكون إلا بعد دخول وقتها وحضورها لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم".
    2- أنَّ أذان بلال أيام الصيام الذي هو قبل الفجر ليس أذاناً لصلاة الفجر وإن سماه بعض الناس الأذان الأول للفجر، وإنما هو لإرجاع القائم وتنبيه النائم، فلا ينبغي أن ينسب لصلاة الفجر، وعلى هذا فالتثويب في أذان صلاة الفجر إنما يكون في الأذان الذي بعد دخول الوقت.
    3- تقييد الأذان بـ(الأول) أو بـ(الأولى) في بعض روايات حديث أبي محذورة رضي الله عنه فلا يتعين أنَّ المراد به ما قبل الفجر؛ لأنه يحتمل أنه وصف بكونه أولاً بالنسبة إلى الإقامة فإنَّ الإقامة يطلق عليها اسم الأذان، ويؤيد هذا الاحتمال أنه لم ينقل أنَّ أبا محذورة كان يؤذن للفجر مرتين مرة قبله ومرة بعده.
    4- حديث عائشة رضي الله عنها وفيه: ((إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر بعد أن يستبين الفجر، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة))، وفي صحيح مسلم عنها: كان ينام أول الليل ويحيي آخره، وفيه: فإذا كان عند النداء الأول قالت: وثب فأفاض عليه الماء، وإن لم يكن جنباً توضأ وضوء الرجل للصلاة ثم صلى الركعتين.
    5- أما حديث بلال فظاهره أنه يقال في الأذان الثاني؛ فإنَّ فيه: أنَّ بلالاً دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة لصلاة الفجر فقيل إنه نائم فنادى بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم، قال سعيد بن المسيب فأدخلت هذه في التأذين إلى صلاة الفجر.
    وإليك الإجابة على هذه الأمور:
    أما الأمر الأول:
    قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى [شرح العمدة 4/113-114]: ((مسألة: ولا يؤذن قبل الوقت إلا لها - أي: صلاة الفجر - لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنَّ بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم"، أما غير صلاة الفجر فلا يجوز ولا يجزئ الأذان لها إلا بعد دخول الوقت؛ فإن أذن قبله أعاد إذا دخل الوقت، لأنَّ المقصود بالأذان الإعلام بدخول الوقت ودعاء الناس إلى الصلاة، وهذا لا يكون إلا في الوقت، ولأن الأذان معتبر للصلاة فلا بد من حصوله في وقتها كسائر أسبابها من الشرائط والأركان فإن الشرط و إن جاز فعله قبل الوقت فلا بد من بقائه حكماً إلى آخر الصلاة، والأذان لا يبقى.... ثم قال:
    وأما الفجر فيجوز الأذان لها قبل وقتها؛ لما روي ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم" متفق عليهما، وفي رواية للبخاري: "فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر"، وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "لا يمنعكم من سحوركم آذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق" رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجة، وعن عبد الله ابن مسعود أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمنعن أحدكم آذان بلال من سحوره فانه يؤذن أو قال ينادي بليل ليرجع قائمكم و يوقظ نائمكم" رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي، فقد نبَّه صلى الله عليه وسلم على حكمة تقديم الأذان في الفجر وذلك لأن آخر الليل مظنة نوم النائم وقيام القائم للصلاة فإذا أذن قبل الفجر استيقظ النائم وتأهب للصلاة بالتخلي والتطهر واللباس ليتمكن من الصلاة في أول الوقت؛ ولذلك خصت بالتثويب فيها بخلاف سائر الصلوات)).
    قلتُ: فقوله ((أما غير صلاة الفجر فلا يجوز ولا يجزئ الأذان لها إلا بعد دخول الوقت)) وقوله: ((وأما الفجر فيجوز الأذان لها قبل وقتها)) وقوله بعد أن تكلَّم عن حكمة الأذان قبل الفجر: ((ولذلك خصت بالتثويب فيها بخلاف سائر الصلوات)) هذا كلُّه رد على الأمر الأول، وفيه بيان أنَّ الفجر مخصوصة من عموم الصلوات التي لا يؤذّن لها إلا بعد الوقت.
    وأما الأمر الثاني:
    فإنَّ أذان بلال لم يختص بأيام الصيام!!، والذي سماه أذاناً أولاً هو النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((الفجر فجران؛ فأما الأول: فإنه لا يُحرم الطعام ولا يُحل الصلاة، وأما الثاني: فإنه يحرم الطعام ويحل الصلاة)) رواه ابن خزيمة وعنه الحاكم وعنه البيهقي وصححه الألباني.
    نعم هو ليس إعلاماً بدخول وقت صلاة الفجر، وإنما هو إعلام بقرب الفجر لإرجاع القائم وتنبيه النائم، أما أنَّه لا ينبغي أن يُنسب لصلاة الفجر فأراد بذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى أن يستدل لقوله الذي رجحَّه بحديث بلال وفيه: ((أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه لصلاة الفجر، فقيل: هو نائم، فقال: الصلاة خير من النوم مرتين، فأقرت في تأذين الفجر فثبت الأمر على ذلك)) فما دام أنَّ الفجر الأول ليس تأذيناً لصلاة الفجر ولا يُنسب لها فالتثويب في أذان صلاة الفجر إنما يكون في الأذان الذي بعد دخول الوقت.
    هذا مراده رحمه الله؛ وإلا إذا لم يُنسب الأذان الذي قبل الفجر إلى صلاة الفجر فإلى أي صلاةٍ يُنسب؟ وما معنى قول شيخ الإسلام: ((أما غير صلاة الفجر فلا يجوز ولا يجزئ الأذان لها إلا بعد دخول الوقت)) وقوله: ((وأما الفجر فيجوز الأذان لها قبل وقتها))؟!
    وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى: ((لم يزل الصبح ينادي بها قبل الفجر، فأما غيرها من الصلوات فإنَّا لم نرها يُنادى بها إلا بعد أن يحل وقتها)) وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: ((لا يؤذن لصلاة غير الصبح إلا بعد وقتها؛ لأني لم أعلم أحداً حكى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أذن لصلاة قبل وقتها غير الفجر، ولم نرَ المؤذنين عندنا يؤذنون إلا بعد دخول وقتها إلا الفجر)) [سنن البيهقي 1/385].
    وأما الأمر الثالث:
    فهو تأييد الشيخ ابن عثيمين على حمل لفظة (الأول) في حديث أبي محذورة مقارنة بالإقامة بأنه لم ينقل أنَّ أبا محذورة كان يؤذن للفجر مرتين مرة قبله ومرة بعده.
    فنقول: أما هو فنعم لم يكن يؤذِّن مرتين، لكنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يؤذِّن مع عتاب بن أسيد رضي الله عنه في مكَّة؛ فقد جاء في آخر حديث أبي محذورة: ((ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة، فقلت: يا رسول الله مرني بالتأذين بمكة. فقال: قد أمرتك به. فقدمِتُ على عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم)) [سنن النسائي كتاب الأذان حديث 632] وصححه الألباني.
    فإذا حملنا أذان أبي محذورة على الأذان الذي بعد الوقت وسميناه الأول مقارنة بالإقامة وسميناها الثاني؛ فبماذا سنسمي أذان عتاب بن أسيد؟!
    وأما الأمر الرابع:
    فحديث عائشة رضي الله عنها تكلَّمنا فيه من قَبل، فلا نطيل.
    وأما الحديث الذي يرويه الإمام مسلم من طريق أبي إسحاق قال: سألت الأسود بن يزيد عما حدثته عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ((كان ينام أول الليل ويحي آخره، ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم ينام فإذا كان عند النداء الأول (قالت) وثب (ولا والله ما قالت قام) فأفاض عليه الماء (ولا والله ما قالت اغتسل وأنا أعلم ما تريد) وإن لم يكن جنبا توضأ وضوء الرجل للصلاة ثم صلى الركعتين...)).
    فقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى طريقاً له بزيادة توضح الأمر فقال [إعلام الموقعين 2/363]: ((وروي عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق عن الأسود قال: قالت لي عائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوتر من الليل رجع إلى فراشه، فإذا أذن بلال قام؛ فكان بلال يؤذن إذا طلع الفجر فإن كان جنباً اغتسل وإن لم يكن توضأ، ثم صلى ركعتين" وروى الثوري عن أبي إسحاق في هذا الحديث قال: ما كان المؤذن يؤذن حتى يطلع الفجر))
    قلتُ: وهذا يبين أنَّ ذلك كان في أول الأمر لما كان بلال يؤذِّن لوحده بعد طلوع الفجر، فكان الأذان واحداً؛ وهو النداء الأول بالنسبة للإقامة.
    الأمر الخامس:
    أما أنَّ حديث بلال ظاهره أنه في الأذان الثاني؛ استدلالاً برواية: ((أنَّ بلالاً دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة لصلاة الفجر فقيل إنه نائم فنادى بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم، قال سعيد بن المسيب فأدخلت هذه في التأذين إلى صلاة الفجر)).
    فهذا يعني أنَّ بلالاً هو المؤذِّن الثاني في صلاة الفجر؛ وهذا خلاف الروايات المشهورة. وخاصة وأنَّ زيادة: ((ما أحسن هذا يا بلال؛ اجعله في أذانِك)) ورواية: ((اذهب فزده في أذانِك))؛ فـ[الصلاة خير من النوم] زيد في أذان بلال، وبلال كان يؤذِّن بليل، والأمر ثبت على ذلك؛ فماذا بعد ذلك؟

    هذا والحمد لله أولاً وآخراً، وجزى الله خيراً كلَّ من شارك أو علَّق أو رد، ونسأل الله لنا ولهم الإخلاص والسداد
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 11:41

    الكاتب: [ معاذ بن يوسف الشّمّريّ ] 2006-06-12 08:48 Pm

    بسم الله الرّحمن الرّحيم
    الحمد لله ربّ العالمين ، و الصّلاة و السّلام على رسوله الأمين ، و على آله و صحبه الطّيّبين الطّاهرين ، و تابعيهم بإحسانٍ - من أهل الحديث الأثريّين - ؛ إلى يوم الدّين .
    أمّا بعد :
    فلقد قرأتُ ما كتبه أخونا الموفّق رائد آل طاهر - جزاه الله خيرًا - في تعليقه على مشاركتي .
    و إنّي - و أحسِب كلّ سلفيٍّ على وجه الأرض - ندعوا لأصحاب الحديث في العراق ، و فلسطين ، و غيرهما من أماكن انتكاب المسلمين ؛ بالنّصر ، و الثّبات ، و التّمكين .
    و أستعين الله - سبحانه - ؛ فأقول :
    لقد أخرج أحمد ، و الجماعة إلاّ البخاريّ ، و أبو عوانة - رحمهم الله - ؛ من حديث عائشة - رضي الله عنها - ؛ تقول عن رسولنا - صلّى الله عليه و على آله و سلّم - : (( كان إذا قام من اللّيل افتتح صلاته فقال : (( اللّهمّ ! ربّ جبرائيل و إسرافيل و ميكائيل ! فاطرَ السّماوات و الأرض ! عالمَ الغيب و الشّهادة ! أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ؛ اهدني لما اختُلفَ فيه من الحقّ بإذنك ؛ إنّك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم )) )) .
    و أنا - أفقرَ عبد الله إليه - أدعو بدعاء رسول الله - صلّى الله عليه و على آله و سلّم - ؛ فأسأله - تعالى - أن يهديني لما اختُلف فيه من الحقّ بإذنه .
    و ذلك أنّ هذه المسألة مُشكلةٌ .
    و تكاد أدلّة المختلفين فيها أن تكون متكافئةً .
    و الحقّ فيها - عندي - غامضٌ ؛ تتجاذبه الأطراف .
    و أنا نشأت في دراسة العلم و أنا على قول من قال أنّ التّثويب إنّما هو في أذان الفجر الكاذب ؛ وذلك وقوفًا مع ظواهر الأحاديث و الآثار .
    ثمّ صرتُ إلى قول الّذين يقولون أنّه في الفجر الصّادق ؛ تمسّكًا بحديث عائشة - رضي الله عنها - ؛ الّذي هو - عند أصحاب هذا القول - عُرفُ السّلف في تسمية أذان الفجر الصّادق أوّلاً ، و فهمهم ، و اصطلاحهم .
    و لذلك حملوا ظواهر الأحاديث و الآثار الّتي استدلّ بها أصحاب القول الأوّل على قول عائشة - رضي الله عنها - ؛ الّذي هو فهم السّلف و اصطلاحهم - عندهم - .
    ثمّ الآن ( !!! )
    فلقد درستُ المسألة ، و درستُها ، و درستُها .
    و استفدت كثيرًا من مباحثة الإخوة هنا .
    و لكنّي صِرتُ فيها إلى التّوقّف ؛ حتّى يقوى لديّ أحدُ القولين ؛ فأقولَ به .
    و إن كنتُ لا أُخفيك - يا أخي يا رائد - أنّ الّذي دفعني إلى هذا التّوقّف إنّما هو حديث بلالٍ - رضي الله عنه - ؛ الّذي يرويه ابن المسيِّب - رحمه الله - .
    و هو عمدتك في بحثك .
    فجزاك الله خيرًا .
    فأنا لم يخطر لي على بالٍ - كلّ تلك السّنين - علاقة هذا الحديث المهمّ بهذه المسألة .
    و المهمّ - عندي - أنّه كالنّصّ في المسألة ؛ و لا يحتاج في فهمه إلى غيره .
    بخلاف استدلالنا بحديث عائشة - رضي الله عنها - ؛ و حمل ظواهر أحاديثكم و آثاركم عليه ؛ فهو مفتقرٌ إلى غيره .
    فلولا ضعف جوابك على استدلال مخالفيكم بحديث عائشة - رضي الله عنها - - فيما أرى - ؛ لرأيتني سمحًا بالرّجوع إلى قولكم ، و مُبينًا .
    و لقد عزَمتُ على كتابة شيءٍ ؛ أُبيّن فيه توقّفي المذكور ، و تشكيكي في الإجماع الّذي فهمتُه من كلام شيخ الإسلام - رحمه الله - ؛ حتّى رأيتُ أخانا الموفّق ماهرًا القحطانيّ - بارك الله فيه - يَعِدُ بردٍّ جديد ؛ فيه نقلٌ للإجماع في المسألة عن شيخ الإسلام - رحمه الله - ؛ فتريّثت إلى حين قراءة ما يكتب ؛ لعلّي أظفر بشيءٍ يدفعني بقوّةٍ إلى أحد القولين .
    ثمّ جاء تعليقُك هذا .
    و أقواهُ في آخره ؛ لمّا نقلتَ عن شيخِ الإسلامِ - رحمه الله - ما يُفهم منه قوله بقولكم .
    ألا ؛ فإنّ عندي على تعليقك تعليقاتٌ ؛ لا أريد الإطالة على مبتغي الهدى في هذه المسألة بكتابتها .
    و أكثرها يتعلّق بتحرير قول شيخ الإسلام - رحمه الله - في المسألة ؛ فإنّه لو سُلّم لك في كلّ ما كتبتَ ؛ فليسَ يُشكُّ - فيما أحسبُ - أنّ قوله الّذي نقلتُه عنه مُشكل ( ! ) .
    فأكتفي - إذن - بشُكرك الجزيل على اهتمامِك بالعلم ، و على لُطفك في محاورتي .
    و ليس يخفى - بعدُ - على لبيبٍ مثلك ميلي إلى أدلّتك ؛ و لا أقول : استدلالاتك ( ! ) .
    لولا أنّي لم أجزم بذلك بعدُ .
    فالله أعلم .
    و الحمدُ لله ربّ العالمين .
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 11:42

    الكاتب: [ أبو عبد الله الآجري ] 2006-06-14 02:09 Am

    لله درُّك أخي رائد؛ فقد أجدت فهم كلام شيخ الإسلام على مراده، وكلامه -رحمه الله وتعالى- على مكانته، عميق غزير كثير الفوائد جمّ العوائد؛ ولكن أكثر كلامه يحتاج إلى تبصر ونظر، وفهم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ينبني على أشياء ويتميز بمزايا:
    أولاً: الإيجاز في موضع والبسط في الآخر، فتجده في بعض المواضع يقول: وقد بسطنا هذه المسألة في موضع آخر؛ ويكثر ذلك منه.
    فما اختصر فيه يكون زبدة كلامه، وما طوَّل فيه يكون تفصيلاً لكلامه واستدلال وتنظير.
    وكلام تلاميذه فيه خلاصة قوله .
    ثانياً: نجد في بعض كلام شيخ الإسلام محكماً ومتشابهاً، فهو تارة يقرر محكماً، وتارة يستطرد في بعض التأصيل فيكون من المتشابه.
    ونعني بالمحكم ما يتضح معناه؛ وبالمتشابه ما يشكل من كلامه؛ وكلامه في هذه المسألة من ذلك المشكل -كما أشار الأخ النجيب الشمري-، فهو قد يورد كلاماً ينظر إليه العالم أو طالب العلم ويجده مشكلاً وهذا يسمى المتشابه؛ لأن المتشابه موجود في كلام أهل العلم، ويُحل هذا المتشابه بالنظر في المواضع الأخر التي تكلَّم فيها عن هذه المسألة فيكون في الموضع الآخر إيضاح لهذا الموضع الذي اشتبه على الناظر.
    وكلامه الذي يشتبه حمَّال وجوه، فنحمل كلامه على ما نعلمه من طريقته ومن تقريره؛ فإنه حجة في نقل الإجماع السكوتي، فيبعد أن ينقل إجماعاً -هكذا جزافاً- في مسألة أثبتنا فيها الخلاف القوي .
    ثالثاً -وهو الأهم-: أن شيخ الإسلام إذا صوَّر المسائل؛ فإنه يصورها -في الغالب- على مبنى تصوير الحنابلة -رحمهم الله- لتلك المسائل، فإنه درس المذهب الحنبلي وتتلمذ له، وقرأه وحفظ منه ما حفظ، وتصويره للمسائل إذا عَرَضَها مبني على تصوير الحنابلة -رحمهم الله-، وهذا يعني أن فهم كلامه في الفقهيات لابد أن يُقَدِّم الناظر فيه لنفسه بالنظر لكتب الحنابلة حتى يكون تصوير المسألة واضحا، حتى تكون صورة المسألة في ذهنه مطابقة لما سيصفه شيخ الإسلام ابن تيمية، وبالنظر لكتب الحنابلة يتبين للباحث أنهم أطلقوا أن التثويب يجوز في كلا الأذانين، وأنَّ الأمر في ذلك واسع كما سأثبت بعد هذه التوطئة الأصولية.
    ومن الأخطاء في ذلك أن من الناس من يأخذ صورة المسألة وطريقة عرضها من بعض كتب الحديث -مثلا- أعني شروح الأحاديث؛ أو من بعض كتب الشافعية، كالمجموع؛ أو من بعض كتب المذاهب الأخرى، كالمحلى أو نحو ذلك، ثم ينظر في كلام عالم كشيخ الإسلام ابن تيمية؛ فيحصل له خلل يقل أو يكثر في صورة المسألة في الذهن، وإذا خلَّت صورة المسألة في الذهن لاشك أن ما يكون بعد ذلك من الاستدلال والتعليل في التصور ناقصاً.
    قال الشيخ صالح آل شيخ: " فإذا نظر الناظر في كلامه ينبغي له أن يستحضر هذه المسائل، وأن يفرق بين الواحدة والأخرى، وأن يتنبه إلى ما أورده من ذلك فيفهم كلامه على نحو ما أراده، لا يفهم كلامه على ما في عقله وتصوره من التصورات؛ لأنه إذا فهمتَ كلامه على ما في ذهنك كنت محكما لنفسك على شيخ الإسلام، وإنما يقبل الحكم منه -رحمه الله- على نفسه؛ لأنه هو الذي استعمل الكلام، وكلامه يُفهم هم طريقه لا عن طريق غيره".
    وأشير إلى أني استفدت جلَّ هذه المقدمة من كلام الشيخ صالح آل شيخ في فهم كلام شيخ الإسلام .
    أقول بعد هذه المقدمة:
    لقد ألمحت سابقاً للأخ الفاضل معاذ الشمري أن كلام شيخ الإسلام الذي نقل يحتاج لدراسة على ضوء هذه الأصول التي أسلفت، وعلى ضوء كلام الحنابلة وتفسير تلاميذه وعلى رأسهم ابن القيم .
    وقد كفاني أخي رائدٌ ذلك وفقه الله، فقام بحلِّ هذا المتشابه من كلام شيخ الإسلام بالنظر في المواضع التي بسط فيها المسألة، فلله درُّه .
    وقد قام رائد -حفظه الله- بفهم كلام شيخ الإسلام من سياقه وبما بيَّن في مواضع أخرى، على ضوء إطلاقات الفقهاء، فأجاد وأفاد .
    وهدفي في هذا الرد في هذه المباحثة المباركة إثبات أنَّ ما قام به الأخ رائد من حل لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية في نقله لحكاية الإجماع هو الصواب، وهو التفريع السديد لتلك القواعد التي ذكرت آنفاً .
    لقد أخذ الأخ رائد على عاتقه مهمة تحقيق كلام شيخ الإسلام، وقد تبين له بالنظر الدقيق أن هذه العبارات التي نقلت مشكلة .
    فنظر فيما بسط شيخ الإسلام من عبارات تسبق وتتلوا تلك العبارات؛ فخلص إلى أن شيخ الإسلام يقول بقول الحنابلة بل الجمهور في المسألة، ألا وهو الإطلاق .
    إن مصدر الوهم في هذه المسألة عدم فهم إطلاقات الفقهاء؛ إنه الخطأ الرئيسيّ الذي أدى إلى بقية الأخطاء في هذا الباب، ومنها ادعاء بعض الباحثين إجماعاً وهمياً في المسألة، ليس لهم فيه سلف .
    إن التبديع والإنكار وإدعاء الإجماع في المسألة، أخطاء لم يقع فيها أهل العلم من المتقدمين ولا المتأخرين .
    حتى ممن اختاروا القول المرجوح، ألا وهو كون التثويب في الأذان الثاني .
    فهاهو ابن باز -رحمه الله- إمام ينفي الإجماع، ويبين أن الأمر واسع لا يضيق، وهو عالم بمسألة إطلاقات الفقهاء؛ وها هو الإمام ابن عثيمين يبيِّن أنه ظاهر إطلاقات الفقهاء كون التثويب في كلا الأذانين؛ وها هو الإمام الألباني -رحمه الله- يبين مسألة إطلاقات الفقهاء .
    وإن رجعنا إلى ابن رجب والبغوي والنووي وغيرهم تأكد ذلك .
    ودليل أن الإطلاق قول الحنابلة وغيرهم في المسألة التالي:
    قال الإمام ابن باز -رحمه الله- : ((إذا فعل ذلك في الأذان الأول أو الثاني فلا حرج -إن شاء الله-، المهم أنه لا يقوله في الاثنين، يقول في أحدهما، حتى لا تلتبس الأمور على الناس، والأفضل أن يكون في الأخير)) [نور على الدرب ش607 د24]، وقال: " ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقول هذا [أي التثويب] في الأذان الأول الذي هو محل التنبيه قبل طلوع الفجر والأمر في هذا واسع -إن شاء الله-" [مجموع الفتاوى]؛ وقال: " لا أعلم في المسألة إجماعاً" وقال في موضع آخر: " لأن كثيراً من أهل العلم قد اعتقد أن المراد بالأذان الأول هو الأذان الذي ينادى به قبل الصبح . . . وعلى فرض أنه نادى به بلال في أذانه قبل الصبح ونادى به أبو محذورة في أذانه للصبح يكون من باب اختلاف التنوع فلا حرج في ذلك، ولكن ينبغي أن يترك ذلك في أحدهما إذا كان المؤذن واحداً حتى لا يشتبه الأمر على أهل البلد . . . ولو اصطلح بعض الناس على جعله في الأول دون الآخر لم يكن في ذلك محذور من حيث المعنى؛ لعدم الاشتباه، ولأن كل واحد منهما يسمى أذان الفجر . . . " [مجموع الفتاوى 23/390] .
    وقال الشيخ علي بن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمهما الله تعالى-: ((فإنَّ الأمر في ذلك عندنا على السعة، فإذا جعله في الأول أو في الثاني فالكل - إن شاء الله - حسن، ولكن الأحسن لمن أراد الاقتصار في التثويب على أحد الأذانين أن يكون في الأول، لما ذكرت من الحديث - أي تأذين بلال بالتثويب، وهو كان يؤذن الأذان الأول-، وأحسن منهما التثويب في الأذانين، جمعاً بين الأحاديث، وعملاً بظاهر إطلاقات الفقهاء)) [الدرر السنية] .
    وقال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: ((وأما كلام فقهائنا رحمهم الله فظاهره أنَّ التثويب في أذان الفجر سواء أذَّن بعد الفجر أم قبله)) [مجموع فتاوى ابن عثيمين 12/ف100].
    بل صرَّح الحافظ ابن رجب بأزيد من ذلك وذكره عن طائفة من فقهاء الحديث، وهو تفضيل التثويب في الأذان الأول، كما أشار لذلك الصنعاني وابن رسلان والألباني، فقال: " قال القاضي في ((جامعه الكبير)) والآمدي: وظاهر هذا، أنه أفضل من الأذان بعد الفجر، وهو قول الجوزجاني وغيره من فقهاء أهل الحديث؛ لأنه أبلغ في إيقاظ النوام للتاهب لهذه الصلاة، فيكون التقديم سنة، كما : أن كان التثويب في هذا الأذان سنة- أيضا-؛ لهذا المعنى . . . وهذا كما روي، أنَّ بلالاً هو الذي زاد في أذانه : ((الصلاة خير من النوم)) مرتين في آذان الفجر، فأقرَّها النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأذان لما رأى فيه من زيادة إيقاظ النائمين في هذا الوقت" اهـ [فتح الباري 4/230] .
    وهو ما أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر استطراده، حين قال: "وعن عبد الله ابن مسعود أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يمنعن أحدكم آذان بلال من سحوره فانه يؤذن أو قال ينادي بليل ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم)) رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي؛ فقد نبَّـه -صلى الله عليه وسلم- على حكمة تقديم الأذان في الفجر: وذلك لأنَّ آخر الليل مظنة نوم النائم وقيام القائم للصلاة، فإذا أذَّن قبل الفجر استيقظ النائم وتأهب للصلاة بالتخلي والتطهر واللباس ليتمكن من الصلاة في أول الوقت؛ ولذلك خُصت بالتثويب فيها، بخلاف سائر الصلوات فإنَّ الناس عند النداء بها يكونون إيقاظاً وأهبة للصلاة إذ ذاك، فكانت خفيفة على أكثرهم، وأما القائم فانه يعلم دنو الفجر فيبادر الفجر بالوتر))[شرح العمدة 4/114].
    فهل بقي في المسألة شك؟
    أما دليل أن ذلك قول غير الحنابلة من الجمهور:
    قال النووي -رحمه الله-: " ظاهر إطلاق الأصحاب أنّه يشرع في كلّ أذان للصّبح سواء ما قبل الفجر وبعده" [روضة الطالبين بتصرف بسيط] .
    قال في أسنى المطالب: " هُوَ مَا ذَكَرَ؛ الْأَصْلُ أَنَّهُ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ إذَا ثَوَّبَ فِي الْأَوَّلِ لَا يُثَوَّبُ فِي الثَّانِي عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَطْلَقَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ تَرْجِيحَهُ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَصَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ . . . وَالظَّاهِرُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ مِنْ فِعْلِ بِلَالٍ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ يَقُولُ [به] " [أسنى المطالب 2/239] .
    وقد بيَّن الإمام الألباني -رحمه الله- أن جمهور الفقهاء يجملون ولا يصرحون بل: " يقتصرون على إجمال القول فيها ولا يبينون أنه في الأذان الأول من الفجر كما جاء ذلك صراحة في الأحاديث الصحيحة" [تمام المنة ش/146] .
    جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: " ومن مراجعة كتب بقيّة الفقهاء القائلين بمشروعيّة أذانين للفجر تبيّن أنّهم لم يصرّحوا بأنّ التّثويب يشرع في الأذان الأوّل أو الثّاني أو في كليهما، فالظّاهر أنّه يكون في الأذانين كما استظهر النّوويّ" [10/102] .
    وإنَّي في هذا المقام أجل أخانا الكبير معاذاً على وقفته الجادة في سبيل الوصول إلى الحق، وخلقه هذا قل أن نجده في طلبة العلم الآن، فقد أقر أن حديث بلال حجة ونص في المسألة، وأن الاستدلال بحديث عائشة قد تطرق إليه الاحتمال، وإني أرجو أن يكون توقفه مطية لوصوله إلى الحق في المسألة، وهو قول فقهاء أهل الحديث .
    فقد ردَّ الأخ رائد رداً علمياً على استدلال الفريق الأخر بحديث عائشة، من ناحية فقهية ولغوية وحديثية .
    فكان ردُّه من أمتن ما يكون، وقد أتحفنا بفوائد قلَّ أن توجد مجموعة في كتاب، فلنعد النظر إلى أدلته واستدلاله كرَّة بعد أخرى .
    وأقول أخيراً: إني أحمد الله أن جمعنا وإياكم في باب من أعظم الأبواب، وفي مجلس من أعظم المجالس، مجلس نتذاكر فيه العلم الشرعي ونظفر بالفوائد، نسأل الله أن يختم لنا بالحسنى وأن يذكرنا في من عنده .
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 11:44

    لكاتب: [ رائد ال طاهر ] 2006-07-10 05:51 Pm
    خاتـــمة الـــرد:

    النقل المتواتـر عن علمــاء الشريعــة
    أنَّ الفجر الذي تحل فيه الصــلاة يسمى (الفجـر الثانـي)


    [size=28]الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ وبعد:
    فقد أخرج الإمام النسائي في سننه أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي سَلْمَانَ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ رضي الله عنه قَالَ:
    كُنْتُ أُؤَذِّنُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْتُ أَقُولُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ...
    علَّق الشيخ الفاضل ماهر القحطاني - حفظه الله تعالى وأعزَّه وتولاه - في مقاله الأول على هذا الحديث فقال:
    ((فقوله في هذا الحديث: "وكنت أقول في أذان الفجر الأول حي على الفلاح الصلاة خير من النوم" يعني به: أذان الصبح المعروف، لا كما ظنَّ بعض أهل العلم من المتأخرين كالصنعاني والألباني أنَّ معناه: الأذان الذي هو بليل قبل أذان الصبح، أخذ بالمعنى اللغوي الظاهر من معنى أذان الفجر الأول المذكور في حديث أبي محذورة وهي ما تسمى بالحقيقة اللغوية، والذي كان يسمى أذان بلال، ومن المعلوم: أنَّ الألفا ظ التي تفسر بها الأحاديث لابد عند تفسيرها من الرجوع إلى الحقيقة الشرعية والعرفية أولاً قبل اللغوية، والمعروف عند الصحابة كعائشة أنَّ لفظة الأذان الأول من الفجر المعني أذان الصبح المعروف برهان ذلك ما رواه البخاري في صحيحه قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَبِينَ الْفَجْرُ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ.
    فانظر رحمك الله فقد سمَّت أذان الصبح المعروف: الأول من الفجر، فكان ذلك هو المتعارف عندهم رضي الله عنهم؛ فنحمل كلمة أذان الفجر الأول الواردة في حديث أبي محذورة عند النسائي على أذان الصبح لا الأذان الأول بالمعنى اللغوي فيكون معنى الأول أي باعتبار ما قبل الإقامة كما هو ظاهر كلام عائشة، يؤكد ذلك ما جاء عند النسائي فقال أ َخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا نُودِيَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ إِلَى الصَّلَاةِ)).
    قلتُ: واضح من كلام الشيخ ماهر أنَّـه يُطلِق على الفجر الذي تحل فيه الصلاة اسم (الفجر الأول) إطلاقاً شرعياً وعرفياً وعاماً، وهذا الأمر يُخالِف فيه الشيخُ علماءَ الشريعةِ مخالفةً صريحةً؛ وإليك أقوالهم التي يتبين فيها أنَّهم يُطلقون اسم (الفجر الثاني) على الفجر الذي تحل فيه الصلاة:
    1- قال النووي في شرحه لصحيح مسلم عند قوله: "باب بيان أنَّ الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر" 7/200: ((وأنَّ له الأكل وغيره حتى يطلع الفجر، وبيان صفة الفجر الذي تتعلق به الأحكام، من الدخول في الصوم ودخول وقت صلاة الصبح وغير ذلك وهو الفجر الثاني، ويسمى الصادق والمستطير، وأنه لا أثر للفجر الأول في الأحكام وهو الفجر الكاذب، المستطيل باللام كذنب السرحان وهو الذئب)).
    وقال [المهذَّب 1/101] شافعي: ((ووقت الصبح: إذا طلع الفجر الثاني وهو الفجر الصادق الذي يحرم به الطعام والشراب على الصائم، وآخره إذا أسفر الصبح)).
    2- قال صاحب [بدائع الصنائع 1/315] حنفي: ((الفجر فجران؛ الفجر الأول: هو البياض المستطيل يبدو في ناحية من السماء، وهو المسمى بذنب السرحان عند العرب، ثم ينكتم ولهذا يسمى فجراً كاذباً لأنه يبدو نوره ثم يخلف و يعقبه الظلام، وهذا الفجر لا يحرم به الطعام والشراب على الصائمين ولا يخرج به وقت العشاء ولا يدخل به وقت صلاة الفجر. والفجر الثاني: وهو المستطير المعترض في الأفق لا يزال يزداد نوره حتى تطلع الشمس، يسمى هذا فجراً صادقاً لأنه إذا بدا نوره ينتشر في الأفق ولا يخلف، وهذا الفجر يحرم به الطعام والشراب على الصائم ويخرج به وقت العشاء ويدخل به وقت صلاة الفجر)).
    3- قال ابن عبد البر: ((أجمع العلماء على: أنَّ أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر الثاني إذا تبين طلوعه، وهو البياض المنتشر من أفق المشرق، والذي لا ظلمة بعده)) [التمهيد 3/275].
    وقال صاحب [التلقين ص83] مالكي: ((ووقت صلاة الفجر: طلوع الفجر الثاني ويسمى الصادق، وهو الضياء المعترض في الأفق الذاهب فيه عرضاً، يبتدئ من المشرق ومعترضاً حتى يعم الأفق، ثم لا يزال ممتداً ما لم تطلع الشمس)).
    4- قال ابن قدامة [المغني 1/429] حنبلي: ((وقت الصبح يدخله بطلوع الفجر الثاني إجماعاً، وقد دلت عليه أخبار المواقيت وهو البياض المستطير المنتشر في الأفق ويسمى الفجر الصادق؛ لأنه صدقك عن الصبح وبينه لك والصبح ما جمع بياضاً وحمرة، ومنه سمي الرجل الذي في لونه بياض وحمرة أصبح. فأما الفجر الأول فهو البياض المستدق صعداً من غير اعتراض فلا يتعلق به حكم ويسمى الفجر الكاذب))
    وقال [الروض المربع ص67]: ((طلوع الفجر الثاني: وهو الصادق وهو البياض المعترض بالمشرق ولا ظلمة بعده، والأول مستطيل أزرق له شعاع ثم يظلم)).
    5- قال الشوكاني [نيل الأوطار 2/34]: ((وفسرها جرير بأن المراد: أنَّ الفجر هو المعترض وليس بالمستطيل، والمعترض: هو الفجر الصادق ويقال له: الثاني، والمستطير بالراء، وأما المستطيل باللام فهو: الفجر الكاذب الذي يكون كذنب السرحان)).
    6- وقال المناوي [فيض القدير 4/462]: ((فالفجر الأول ويسمى الكاذب: لا معوَّل عليه في شيء من الأحكام، بل وجوده كعدمه)).
    7- قال العظيم آبادي [عون المعبود 8/213]: ((فبين الصبحين ساعة لطيفة؛ فإنه يظهر الأول وبعد ظهوره يظهر الثاني ظهوراً بيناً، فالفجر الذي يتعلق به الأحكام هو الفجر الثاني، فيدخل وقت الصوم ووقت صلاة الصبح بطلوع الفجر واستنارته وإضاءته؛ وهو انصداع الفجر الثاني المعترض بالضياء في أقصى المشرق ذاهباً من القبلة إلى دبرها حتى يرتفع فيعم الأفق، وينتشر على رؤوس الجبال والقصور المشيدة)).
    8- قال القرطبي في تفسيره 19/240: ((فإنَّ الفجر الأول لا يتعلق به حكم من صلاة ولا إمساك؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن الفجر بقوله وفعله فقال: "وليس الفجر أن تقول هكذا - فرفع يده إلى فوق - ولكن الفجر أن تقول هكذا وبسطها")).
    9- وقال الآلوسي [روح المعاني 30/59]: ((والظاهر: أنَّ التنفس في الآية إشارة إلى الفجر الثاني الصادق؛ وهو المنتشر ضوءه معترضاً بالأفق، بخلاف الأول الكاذب؛ وهو ما يبدو مستطيلاً وأعلاه أضوأ من باقيه ثم يعدم وتعقبه ظلمة أو يتناقص حتى ينغمر في الثاني على زعم بعض أهل الهيئة، أو يختلف حاله في ذلك تارة وتارة بحسب الأزمنة والعروض على ما قيل))
    10- قال ابن قتيبة في [غريب الحديث 1/ 173-174]: ((وهما فجران فالفجر الأول هو المستطيل الذي يُشَبَّه بذَنَب السِّرْحان ... وهو الفجر الكاذب الذي لا يُحِلّ شيئاً ولا يُحَرِّمه .... والفَجْر الثاني هو المُسْتطير الصادق وانّما سُمّي مسْتطيراً لأنَّه مُسْتعرض منتشر في الأفق وكلّ شئ انتشر فقد استطار)).
    11- قال الإمام ابن خزيمة في شرحه لحديث ابن عباس السابق [صحيح ابن خزيمة 1/184]: ((قوله: "فجر يحرم فيه الطعام" يريد: على الصائم، "ويحل فيه الصلاة" يريد: صلاة الصبح، وفجر "يحرم فيه الصلاة" يريد: صلاة الصبح، إذا طلع الفجر الأول لم يحل أن يصلي في ذلك الوقت صلاة الصبح؛ لأن الفجر الأول يكون بالليل، ولم يرد أنه لا يجوز أن يتطوع بالصلاة بعد طلوع الفجر الأول، وقوله: "ويحل فيه الطعام" يريد لمن يريد الصيام)) وقال: ((والفجر هما فجران؛ فالأول: طلوعه بليل، والآخر هو الذي يكون بعد طلوعه نهار)) [صحيح ابن خزيمة 2/150]
    وغيرهم كثير، لكن لا نريد أن نطيل.
    أقول بعد البحث المطوَّل:
    لم أجد من سمَّى الفجر الذي تحل فيه الصلاة بـ (الأول) إلا ما ذكره الشيخ ماهر عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حديثها: ((فإذا سكت المؤذِّن من الأذان الأول من صلاة الصبح)) أو ((فإذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر)) إلى غير ذلك من الألفاظ، وإلا ما نقله غيرُه في المشاركات من قول أئمة الدعوة في هذا العصر كقول الإمامين ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله تعالى عند تعليقهم على حديث عائشة السالف الذكر.
    فأقول: أما حديث عائشة رضي الله عنها فأجمعُ هنا ما كتبتُه في الإجابة عنه مَن قَبل هناك وأضيف فأقول:
    1- أنَّ الرواة عن الزهري قد تصرَّفوا في هذا الحديث زيادة ونقصاناً؛ قال أبو داود والنسائي والدارقطني وغيرهم في حديث عائشة وهم يصفون تلاميذ الزهري: ((وبعضُهم يزيد على بعض في الحديث))، ولا ريب أنَّ من ذلك: الزيادة بعد قول (إذا سكت المؤذِّن)؛ فمنهم من زاد فقال: (بالأولى من صلاة الفجر)، ومرة: (من الأذان الأول من صلاة الصبح)، ومرة: (بالأولى من أذانه)، ومرة: (من الأذان الأول)، ومرة: (بالأول من صلاة الفجر)، وأخرى من غير ذكر للـ (الأول) أو (الأولى) وإنما يكتفي بقوله بعد ذلك القول بـ (من صلاة الفجر وتبين له الفجر)، ومرة: (من الأذان).
    فأي مِن هذا الألفاظ الذي تكلَّمت به عائشة رضي الله عنها؛ لا يُمكن لأحد أن يجزم بأحد هذا الألفاظ.
    ولا يقول قائل: زيادة ثقة ولا يوجد خلاف بين الألفاظ!!.
    فنقول له: نحن بحثنا هنا عن (تسمية الفجر الذي تحل فيه الصلاة) هل يُطلق عليه الأول أم لا؟ فزيادة لفظة (الأول) أو (الأولى) تؤثر في البحث كما هو معلوم، فكان لابد من التحقق من صحة أو ثبوت هذه اللفظة عنها.
    2- لو ثبتت هذه اللفظة عنها؛ فالذي يميل إليه القلبُ اللفظَ الذي رواه البخاري في صحيحه وهو: (إذا سكت المؤذِّن بالأولى من صلاة الفجر)، فأرادت عائشة رضي الله عنها أن تحدد الوقت الذي كان صلى الله عليه وسلم يُصلي فيه ركعتي الفجر ثم الاضطجاع على الشق الأيمن قبل الصلاة، فلو قالت (إذا سكت المؤذِّن من الأذان) كما في بعض الألفاظ عنها فقد يلتبس الأمر؛ أي الأذانين تريد؟ وإذا قالت (إذا سكت المؤذِّن من الأذان الأول) التبس ذلك بالمؤذِّن الأول للفجر الأول، ولهذا قيدت ذلك بـ (من صلاة الفجر)، والذي يؤذِّن لصلاة الصبح له نداءان؛ أذان الفجر الثاني والإقامة؛ فقيدت بـ (الأول) أو (الأولى) لتخرج الإقامة من كلامها؛ ويؤكِّد ذلك لفظة (إذا سكت المؤذِّن بالأولى من أذانه) ففيها دلالة على أنَّ هذا المؤذن له نداءان، فتأمل.
    وقد قال الحافظ ابن حجر في التعليق على الحديث: ((والمراد بالأولى: الأذان الذي يؤذن به عند دخول الوقت؛ وهو أوَّل باعتبار الإقامة، وثانٍ باعتبار الأذان الذي قبل الفجر))، وبحثنا نحن في الاعتبار الثاني كما هو معلوم؛ لأنَّ "الصلاة خير من النوم" لم يقل أحد أنها في الإقامة، ولم يقع في ذلك خلاف، فكان إطلاق الثاني عليه هو الصحيح.
    وقلتُ: فإطلاق عائشة "الأول" أو "الأولى" على نداء الفجر الثاني إنَّما هو مجرد قيد لإخراج الإقامة من الكلام؛ فلا أدري كيف أصبح إطلاقها هذا هو المعهود عند الصحابة؟ ولا كيف يُفسَّرُ به حديث أبي محذورة مع صراحته في الدلالة على الفجر الأول؟ ولا كيف يُصادم به - لِمن علم ذلك - قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الفجر فجران؛ فأما الأول: فإنه لا يحرم الطعام ولا يحل الصلاة، وأما الثاني: فإنه يحرم الطعام ويحل الصلاة)) رواه ابن خزيمة وعنه الحاكم وعنه البيهقي وصححه الألباني.
    3- ثم إنَّ حديث أبي محذورة رضي الله عنه وما فيه من قصة يأبى التأويل المشار إليه من قبل الشيخ ماهر؛ وأقصد بذلك: تأويل لفظة ((وَكُنْتُ أَقُولُ فِي: أَذَانِ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ)) بالفجر الثاني وهو ما بعد الوقت اعتماداً على حديث عائشة وأنَّ ذلك هو المعهود عند الصحابة؛ وذلك لقرائن:
    أ- أنَّ أبا محذورة لم يعرف من قَبل سُنَّةَ التأذين حيث قال في قصة الحديث: ((خرجت في عشرة فتيان مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهو أبغض الناس إلينا فأذَّنوا، فقمنا نؤذِّن نستهزئ بهم)) وفي رواية: ((كنتُ غلاماً صبياً))، وفي رواية قال: ((فسمعنا صوت المؤذن ونحن عنه متنكبون، فصرخنا نحكيه نهزأ به، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلينا قوماً فأقعدونا بين يديه، فقال: "أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع؟" فأشار إلي القوم كلهم وصدقوا، فأرسل كلهم وحبسني، وقال لي: "قم فأذِّن"، فقمتُ ولا شيء أكره إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مما يأمرني به، فقمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى علي رسولُ الله التأذين هو بنفسه))
    ثم علَّمه النبي صلى الله عليه وسلم سُنَّة التأذين والإقامة، وأثناء ذلك قال له: ((وإذا أذنت بالأول من الصبح فقل: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم)) وفي رواية: ((إذا أذنت بالأولى من الصبح فقل: الصلاة خير من النوم مرتين)).
    قلتُ: فإذا كان حال أبي محذورة هكذا؛ فمن أين له أن يعرف سُنَّة الـتأذين؟!
    بل ومن أين له أن يعرف أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أراد به أذان الفجر الثاني نسبة للإقامة وأنَّ ذلك هو المعهود، وحاله هذا؟!
    ثم تغير حال أبي محذورة حتى قال: ((فذهب كل شيء كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كراهية، وعاد ذلك كله محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم)). ثم أخبره فقال: ((يا رسول الله مرني بالتأذين بمكة)). فقال له صلى الله عليه وسلم: ((اذهب فأذِّن لأهل مكة، وقل لعتاب بن أسيد: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آذِّن لأهل مكة))، فقال أبو محذورة في آخر القصَّة: ((فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم)).
    .


    عدل سابقا من قبل الشيخ إبراهيم حسونة في 08.09.08 11:52 عدل 2 مرات
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنبيهُ القَوم إلى الفَجْرِ الذي يُقالُ فيه: ((الصلاةُ خيرٌ مِنَ النَّوم))

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.09.08 11:45

    ب- النبي صلى الله عليه وسلم يَعلم أنَّ عتاباً كان يؤذِّن لأهل مكَّة لأنه عامله، فكان المناسب أن يُعلِّم أبا محذورة ماذا يقول لو أذَّن للفجر الأول، وهذا الذي فعله صلى الله عليه وسلم حقاً بقوله لأبي محذورة: ((وإذا أذنت بالأول من الصبح فقل: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم)) وهذا على كلا الفرضين؛ أقصد إن كان أهل مكة يؤذِّنون للفجر بأذانين أو بأذان بعد طلوع الفجر من قَبل أن يكون معه أبو محذورة، ولو كان يقصد صلى الله عليه وسلم بـ (الأول من الصبح) الفجر الثاني نسبة للإقامة لوقع الإيهام مع أذان عتاب؛ لأنَّه بماذا سيُسمَّى أذان عتاب للفجر مع أبي محذورة؟!!
    ج- أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم علَّم أبا محذورة سنَّة التأذين والإقامة فعند ابن خزيمة وغيره: ((ثم قال: "اذهب تؤذِّن عند البيت الحرام" قلت: كيف يا رسول الله؟ فعلَّمني الأذان كما يؤذنون الآن بها: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم في الأول من الصبح، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، قال: وعلَّمني الإقامة مرتين مرتين؛ الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله)).
    قلتُ: وفي هذا السياق دليل على أنَّ أهل مكَّة كانوا يؤذِّنون للفجر مرتين، وإلا لو كانوا يؤذِّنون أذاناً واحداً للصبح لاكتفى صلى الله عليه وسلم بقول: ((وإذا أذَّنت من الصبح فقل: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم)) لأنَّه علَّمه الإقامة بعد ذلك دون ذكر تخصيص الفجر بـ (الصلاة خير من النوم)، فإضافة (الأول) أو (الأولى) إنْ كان المراد بها إخراج الإقامة فهي قد خرجتْ بعدُ فعلام هذا القيد؟ فتعيَّن أنَّ هذا القيد لإخراج الفجر الثاني وليس لإخراج الإقامة، وهذا يعني: أنَّ قول النبي صلى الله عليه وسلم على ظاهره شرعاً ولغةً وعرفاً ولا حاجة لتأويله بحديث عائشة، فتأمَّل في ذلك جيداً هدانا الله وإياك إلى القول الصواب في المسألة.
    أما قول أئمة الدعوة رحمهم الله تعالى:
    فأنا أنقل لك يا شيخ ماهر من أقوالهم ما يوافق قول العلماء السابقين ثم أطالبك بسؤال:
    أما النقل:
    1- سُئل الإمام ابن باز رحمه الله تعالى: هل ورد في الأذان الأول للفجر حثٌ من النبي صلى الله عليه وسلم، وكم الفارق بينه وبين الأذان الثاني؟
    فأجاب الشيخ: ((الأذان الأول مستحب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم" قال الراوي: وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم أقر بلالاً على عمله، وبين صلى الله عليه وسلم الحكمة في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم في إحدى الروايات: "إن بلالا يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم" الحديث. وليس في ذلك حد محدود، والأفضل: أن يكون الأذان الأول قريباً من الأذان الأخير؛ لقول الراوي في بعض الروايات:"وليس بينهما إلا أن يصعد هذا وينزل هذا"، والمعنى: أنه ليس بينهما إلا وقت ليس بالطويل)) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1569) بتاريخ 17/7/1417هـ.
    قلتُ: فكلامه واضح أنَّ الأذان الأول لا يتعلَّق به حكم الصلاة.
    2- لما قال صاحب المتن [زاد المستقنع ص67]: ((ويليه: وقت العشاء إلى الفجر الثاني وهو البياض المعترض، وتأخيرها إلى ثلث الليل أفضل إن سهل)).
    قال العلامة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى شارحاً له: ((والفجر الثاني بيَّنه المؤلِّف بقوله: "وهو البياض المعترض" في الأُفق، يعني: من الشَّمال إلى الجنوب، وأفادنا المؤلِّف بقوله: "إلى طُلوع الفجر الثاني" أنَّ هناك فجراً أوّل؛ وهو كذلك.
    والفجر الأوَّل يخرج قبل الثَّاني بنحو ساعة، أو ساعة إلا ربعاً، أو قريباً من ذلك، وذكر العلماء أنَّ بينه وبين الثاني ثلاثة فُروق:
    الفرق الأول: أنَّ الفجر الأوَّل ممتدٌّ لا معترض، أي: ممتدٌّ طولاً من الشَّرق إلى المغرب، والثاني: معترض من الشّمال إلى الجنوب.
    الفرق الثاني: أنَّ الفجر الأوَّل يُظلم، أي: يكون هذا النُّور لمدَّة قصيرة ثم يُظلم، والفجر الثاني: لا يُظلم بل يزداد نوراً وإضاءة.
    الفرق الثالث: أنَّ الفجر الثَّاني متَّصل بالأُفق، ليس بينه وبين الأُفق ظُلمة، والفجر الأوَّل منقطع عن الأُفق، بينه وبين الأُفق ظُلمة.
    والفجر الأوَّل لا يترتَّب عليه شيء من الأمور الشرعيَّة أبداً؛ لا إمساك في صوم، ولا حِلُّ صلاة فجر، فالأحكام مرتَّبة على الفجر الثَّاني)) [الشرح الممتع 1/377-378].
    ولما قال في موضع آخر [زاد المستقنع ص121]: ((وأوقات النهي خمسة من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس))
    قال الشيخ ابن عثيمين شارحاً: ((والفجرُ الثاني: هو الفجرُ المعترضُ في الأُفقِ، والفجرُ الأولُ مقدِّمةُ للفجرِ الثاني، لكنه لا يكون معترضاً في الأُفقِ بل يكون مستطيلاً في الأُفق، والفجرُ الثاني: مستطيرٌ أي كالطير يمدُّ جناحَيه، فيكون النُّورُ عرضاً في الأُفق مِن الشمال إلى الجنوب، والفجرُ الأوَّل يمتدُّ طولاً مِن الشَّرقِ إلى الغربِ. والفجرُ الأوَّلُ يبدو قبلَ الفجرِ الثَّاني بنحو نصفِ ساعة، ثم يضمحلُّ، ويرجع الجوُّ مظلماً، ثم يخرجُ الفجرُ الثاني، قال أهلُ العِلْمِ: الفروق بينهما ثلاثة:
    الأول: أنَّ الفجرَ الثاني مستطيرٌ؛ أي: معترض، والأولُ مستطيلٌ؛ أي: ممتدٌّ نحو وسَطَ السَّماء.
    الثاني: أنَّ الفجرَ الثاني لا ظُلمةَ بعدَه، والأولُ يزولُ ويظلِمُ الجوُّ بعدَه.
    الثالث: أنَّ الفجرَ الثاني متَّصِلٌ بالأُفقِ، والفجرُ الأولُ غيرُ متَّصلٍ، بمعنى: أنَّ الفجرَ الثاني تجدُه على وجه الأرض، والفجرُ الأولُ بينه وبين أسفل السَّماء سواد)) [الشرح الممتع 2/69-70].
    قلتُ: والكلام لا يحتاج إلى تعليق.
    3- سُئل العلامة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى: من الأوقات المنهي عن الصلاة فيها من بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس قيد رمح فما رأيكم فيمن يصلي الصبح في الساعة السادسة أو الساعة السادسة والربع تقريبًا‏.‏ هل صلاته صحيحة‏؟‏ أم أن وقت الصلاة قد انتهى في هذا الزمن المحدود‏؟‏
    فأجاب الشيخ: ((صلاة الصبح لا تحدد بالساعات، لأن الساعات تختلف باختلاف الأزمان والأمكنة، تحدد صلات الصبح بالتوقيت الشرعي، فيبدأ وقتها بطلوع الفجر الثاني وينتهي بطلوع الشمس، هذا وقت صلاة الفجر‏.‏ من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس‏.‏ فمن صلى الفجر في هذا الوقت ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فقد أداها في وقتها‏.‏ والأفضل الإسراع بها في أول وقتها وإذا كان هناك جماعة فإنه يجب على المسلم أن يصلي مع الجماعة‏.‏..))
    وسُئل: حضرت درسًا لأحد طلبة العلم في أحد المساجد؛ حيث قال‏:‏ الأذانُ الأوَّل في صلاة الفجر والجمعة بدعة، وكذلك الرَّكعتين بعد الأذان؛ فما رأيُكم في ذلك‏؟‏
    فأجاب الشيخ: ((الأذان الأوَّل لصلاة الفجر ليس بدعة؛ لوجوده في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنَّ بلالاً يؤذِّنُ بليل؛ فكلوا واشربوا حتى يؤذِّنَ ابنُ أمِّ مكتومٍ‏)‏، وكان رجلاً أعمى لا يؤذِّنُ حتى يقال له‏:‏ أصبحت أصبحت ‏[‏رواه الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/153‏)‏‏.‏‏]‏، ولأجل أنَّ الناس بحاجة إلى الأذان الأوَّل قبل الفجر من أجل: أن يستيقظ النَّائم ويرجع التَّالي‏.‏
    وكذلك الأذان الأوَّلُ يوم الجمعة، الذي أمر به أمير المؤمنين عثمان بن عفَّان رضي الله عنه ....)) [فتاوى الفوزان].
    قلتُ: فالناس نائمون قبل الفجر الأول، ولهذا شرِّع الأذان الأول، وهذا خلاف ما حققه الشيخ ماهر في الوجه الثالث من مقاله الأول: [قول المؤذن في أذان الليل "الصلاة خير من النوم" بدعة] فأنظره غير مأمور، ثم قارن بين ما ذكره الشيخ وما حققه التلميذ.
    وأخيراً: فهذه يا شيخ ماهر حفظك الله تعالى نقول من أئمة الدعوة المعاصرين ممن استدللت بأقوالهم في ردِّك على مقالي الأول [تنبيه القوم إلى الفجر الذي يُقال فيه الصلاة خير من النوم]، وإليك السؤال الذي يطرح نفسه:
    كيف لنا يا شيخ أن نجمع بين كلام هؤلاء العلماء المعاصرين في تأويلهم لحديث أبي محذورة بحديث عائشة، وبين كلامهم هنا في تسمية الفجر الذي تحل فيه الصلاة بـ(الفجر الثاني)؟ ونحن بانتظار الجواب منك خاصَّة.
    أما أنا فأقول: ليس عندي أو بين يدي إلا كلام العلامة الفقيه الأصولي ابن عثيمين رحمه الله تعالى، ولمَّا أمعنتُ النظرَ فيه أكثر من مرَّة، فهِمتُ أنَّ الشيخ رحمه الله تعالى لا يرى أذانَ الفجرِ الأولِ الذي قبل الوقت أذاناً لصلاة الفجر، بل هو إنَّما للعلة التي ذُكِرَت في حديث ابن مسعود: ((لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ، وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ))؛ وأكَّد ذلك بحديث: ((إذا حضرت الصلاة: فليؤذِّن لكم أحدكم))، ولهذا تقوَّى عنده الدليل على صحة تأويل حديث أبي محذورة بقول عائشة وتسميتها للأذان الذي بعد الوقت بـ(الأول).
    وإليك نصّ كلام الشيخ رحمه الله تعالى: ((فهذه الأحاديث تبين أنَّ التثويب مشروع في الأذان لصلاة الفجر، والأذان للصلاة لا يكون إلا بعد دخول وقتها وحضورها لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم"، وعلى هذا: فالأذان لصلاة الصبح لا يكون إلا بعد دخول وقتها، أما الأذان قبل الفجر الذي حصل من بلال رضي الله عنه أيام الصيام فليس أذاناً لصلاة الفجر؛ بل هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعن أحدكم أو أحد منكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو ينادي بليل ليرجع قائمكم ولينبه نائمكم" رواه البخاري من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فبيَّن صلى الله عليه وسلم بنصِّه الصريح: أنَّ الأذان قبل الفجر ليس لصلاة الفجر وإنما هو لإرجاع القائم وتنبيه النائم، فلا ينبغي أن ينسب لصلاة الفجر.
    وعلى هذا فالتثويب في أذان صلاة الفجر إنما يكون في الأذان الذي بعد دخول الوقت؛ لأنه هو أذان صلاة الفجر، أما ما كان قبل وقتها فليس أذاناً لها وإن سماه بعض الناس الأذان الأول للفجر))
    وهذا الأمر قد قال به الإمامُ الطحاوي رحمه الله تعالى قبل الشيخ ابن عثيمين؛ لكن لينصر مذهبه في كون أنَّ الأذان الأول لم يكن أذاناً بالألفاظ الشرعية المعروفة في الأذان وإنما كان تذكيراً أو تسحيراً كما يقع للناس من عادة في ليالي رمضان؛ فتُعقِّب على ذلك.
    قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى [الفتح 2/105]: ((وتمسَّك الطحاوي بحديث بن مسعود هذا لمذهبه فقال: "فقد أخبر أنَّ ذلك النداء كان لما ذكر لا للصلاة" وتُعقِّب بأنَّ قوله: "لا للصلاة" زيادة في الخبر، وليس فيه حصر فيما ذكر. فإن قيل: تقدَّم في تعريف الأذان الشرعي أنه إعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة والأذان قبل الوقت ليس إعلاماً بالوقت؟ فالجواب: أنَّ الإعلام بالوقت أعم من أن يكون إعلاماً بأنَّه دخل أو قارب أن يدخل، وإنَّما اختصت الصبح بذلك من بين الصلوات: لأنَّ الصلاة في أول وقتها مرغب فيه، والصبح يأتي غالباً عقب نوم فناسب أن ينصب من يوقظ الناس قبل دخول وقتها ليتأهبوا ويدركوا فضيلة أول الوقت، والله أعلم)).
    فإذا علِمنا هذا وفهمناه: تبيَّن لنا أنَّ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى أخطأ في تأويل حديث أبي محذورة بما ورد عن عائشة، وكان سبب ذلك الخطأ ما بنى عليه الشيخ من قولٍ خَطَّأ العلماءُ به مِن قَبله الإمامَ الطحاوي لمَّا قال به، وأصاب الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى من قَبل لمَّا وافق العلماء في تسمية الفجر الذي بعد الوقت بـ (الفجر الثاني)، وقد أحسن من قال: (كلٌّ يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي صلى الله عليه وسلم).
    تنبيه: في كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى إشارة إلى أنَّ أذان الفجر الأول مخصوص في رمضان حين قال: ((أما الأذان قبل الفجر الذي حصل من بلال رضي الله عنه أيام الصيام فليس أذاناً لصلاة الفجر)) ولا أدري قوله الصريح في ذلك؛ فإنْ كان كذلك فهذا ترك للعمل بباقي الأحاديث، ولم يُنقل عن أحدٍ قال به إلا ابن القطان؛ وقد قال ابن حجر [الفتح 2/104] في كلامه حول مشروعية الأذان الذي قبل الفجر: ((وادَّعى ابن القطان أنَّ ذلك كان في رمضان خاصة؛ وفيه نظر))، وإن لم يكن كذلك فلا أرى أنَّ الكلام بحاجة إلى مثل هذا التحديد. والله أعلم.
    وهذا آخر ما عندي - الآن - مما يمكن أن يُضاف لِما سبق من ردود ومشاركات؛ وأسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما يرضاه وأن يسدد أقوالنا وأعمالنا وأن يرزقنا الإخلاص في ذلك كلِّه، وأشكر كلَّ مَنْ شارك في هذا الموضوع أو تصفَّح ما فيه؛ وأخصُّ منهم بالذكر الشيخ الفاضل أبا عبد الله ماهر القحطاني حفظه الله تعالى وأعزَّ شأنه وتولاه بالحسنى وجعله من حُرَّاس الشريعة وحملة العلم الذين ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، كما أشكر المشايخ الأفاضل والأخوة الأكابر الذين وقفوا وقفة الناصح المنصف الذين لا يَخشون في بيان الحق لومة لائم، وفقَ الله الجميع لكلِّ خير وحفظهم من كلِّ شر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

      الوقت/التاريخ الآن هو 26.11.24 16:40