الحمد لله ، والصلاة ، والسلام على رسول الله e :
وبعد،،،
فهذه رسالة وجيزة مبنية على النصوص الشرعية، ومؤيدة بالآثار السلفية، تشرح شيئاَ مما ينبغي أن يعرفه المسلم عن أحكام معاملة ولاة أمر المسلمين في كل زمان ومكان.
كتبتها براءة للذمة، ونصحاً للأمة، إذ قد رأيت حاجة الناس في هذه الأزمان إلي معرفة تلك الأحكام والإطلاع عليها إما للتذكير بها، أو لتعليمها، فإن نسيانها – أو الجهل بها – من أعظم الأبواب التي تلج الشرور إلي المسلمين منها، يعرف هذا من نظر في كتب التواريخ والسير واعتبر بما جاء فيها من العبر.
وعلموا أنه قد علم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة ولا إمامة إلا بسمع وطاعة. ([1]) .
يقول الحسن البصري - رحمه الله تعالي – في الأمراء : (( هم يلون من أمورنا خمساً : الجمعة، والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود . والله لا يستقيم الدين إلا بهم، وإن جاروا وظلموا والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم – والله – لغبطة وأن فرقتهم لكفر ([2]) )) ا.هـ ([3]) .
لذا نحن في حاجة بل عظيم الحاجة إلي كبح جماح العواطف العواصف وطرح الإيحاءات الشيطانية والنفثات البدعية وضرورة شيوع الودّ بين الحاكم والمحكومين ورد القلوب النافرة عنه إليه، وجمع محبة الناس عليه؛ لما في ذلك من تحقيق مصالح الأمة، وانتظام أمور الملة، وفق الضوابط الشرعية والآداب المرعية ، وإليكموها :
(1) توقيرهم واحترامهم :عَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍt ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e:(خَمْسٌ مَنْ فَعَلَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ: مَنْ عَادَ مَرِيضًا، أَوْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ، أَوْ خَرَجَ غَازِيًا، أَوْ دَخَلَ عَلَى إِمَامِهِ يُرِيدُ تَعْزِيزَهُ وَتَوْقِيرَهُ، أَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَسَلِمَ النَّاسُ مِنْهُ وَسَلِمَ مِنَ النَّاسِ). ([4]) .
قال العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ(كما أن ولاة الأمر من الأمراء والسلاطين يجب احترامهم وتوقيرهم وتعظيمهم وطاعتهم ، حسب ما جاءت به الشريعة ؛ لأنهم إذا احتقروا أمام الناس ، وأذلوا ، وهون أمرهم ؛ ضاع الأمن وصارت البلاد فوضى ، ولم يكن للسلطان قوة ولا نفوذ .
فهذان الصنفان من الناس : العلماء والأمراء ، إذا احتقروا أمام أعين الناس فسدت الشريعة ، وفسد الأمن ، وضاعت الأمور ، وصار كل إنسان يرى أنه هو العالم ، وكل إنسان يرى أنه هو الأمير ، فضاعت الشريعة وضاعت البلاد)([5]).
قلت : قال e:(مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَهَانَهُ اللَّهُ)([6]) وإهانة السلطان لها عدة صور:
منها: أن يسخر بأوامر السلطان، فإذا أمر بشيء قال: انظروا ماذا يقول ؟
ومنها: إذا فعل السلطان شيئاً لا يراه هذا الإنسان . قال : انظروا ، انظروا ماذا يفعل؟ يريد أن يهون أمر السلطان على الناس؛ لأنه إذا هون أمر السلطان على الناس استهانوا به، ولم يمتثلوا أمره، ولم يجتنبوا نهيه.
ولهذا فإن الذي يهين السلطان بنشر معايبه بين الناس وذمه والتشنيع عليه والتشهير به يكون عرضة لأن يهينه الله عزّ وجلّ؛ لأنه إذا أهان السلطان بمثل هذه الأمور ؛ تمرد الناس عليه فعصوه، وحينئذٍ يكون هذا سبب شر فيهينه الله عزّ وجلّ.
فإن أهانه في الدنيا فقد أدرك عقوبته، وإن لم يهنه في الدنيا فإنه يستحق أن يهان في الآخرة -والعياذ بالله- ؛ لأن كلام الرسول eحق:(من أهان السلطان أهانه الله)، ومن أعان السلطان أعانه الله؛ لأنه أعان على خير وعلى بر، فإذا بينت للناس ما يجب عليهم للسلطان وأعنتهم على طاعته في غير معصية فهذا خيرٌ كثيرٌ، بشرط أن يكون إعانة على البر والتقوى وعلى الخير،-نسأل الله لنا ولكم الحماية عما يغضبه، والتوفيق لما يحبه ويرضاه-.([7]) .
[1])) جاء نحو ذلك عن عمر رضي الله عنه -، أخرجه الدرامي ( 1/69).
([2]) قلت : قوله : (( لكفر )) يعني به : كفر دون كفر .
([3]) ((آداب الحسن البصري )) لابن الجوزي : (ص121 ) .
([4])حديث صحيح بطرقه، أخرجه الحافظ ابن أبي عاصم ـ رحمه الله ـ في كتابه (( السنة )) (2/490-492 ) وقد أخرجه أيضاً – الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في (( المسند ))( 5/241)، انظر (( ظلال الجنة في تخريج السنة )) للعلامة الألباني ـ رحمه الله ـ : ( 2/490-491 ) .
([5]) " شرح رياض الصالحين " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ ( 2/110) ط ( دار الآثار ) .
[6])) صحيح : رواه الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في الخلفاء، رقم (2224)، وقال الترمذي: حسنٌ غريبٌ ، وصححه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في " صحيح رياض الصالحين " ( ص 290/ ح 678) .
[7])) نقلاً عن " شرح رياض الصالحين " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ ( 2/330) ط ( دار الآثار ) .
وبعد،،،
فهذه رسالة وجيزة مبنية على النصوص الشرعية، ومؤيدة بالآثار السلفية، تشرح شيئاَ مما ينبغي أن يعرفه المسلم عن أحكام معاملة ولاة أمر المسلمين في كل زمان ومكان.
كتبتها براءة للذمة، ونصحاً للأمة، إذ قد رأيت حاجة الناس في هذه الأزمان إلي معرفة تلك الأحكام والإطلاع عليها إما للتذكير بها، أو لتعليمها، فإن نسيانها – أو الجهل بها – من أعظم الأبواب التي تلج الشرور إلي المسلمين منها، يعرف هذا من نظر في كتب التواريخ والسير واعتبر بما جاء فيها من العبر.
وعلموا أنه قد علم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة ولا إمامة إلا بسمع وطاعة. ([1]) .
يقول الحسن البصري - رحمه الله تعالي – في الأمراء : (( هم يلون من أمورنا خمساً : الجمعة، والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود . والله لا يستقيم الدين إلا بهم، وإن جاروا وظلموا والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم – والله – لغبطة وأن فرقتهم لكفر ([2]) )) ا.هـ ([3]) .
لذا نحن في حاجة بل عظيم الحاجة إلي كبح جماح العواطف العواصف وطرح الإيحاءات الشيطانية والنفثات البدعية وضرورة شيوع الودّ بين الحاكم والمحكومين ورد القلوب النافرة عنه إليه، وجمع محبة الناس عليه؛ لما في ذلك من تحقيق مصالح الأمة، وانتظام أمور الملة، وفق الضوابط الشرعية والآداب المرعية ، وإليكموها :
(1) توقيرهم واحترامهم :عَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍt ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e:(خَمْسٌ مَنْ فَعَلَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ: مَنْ عَادَ مَرِيضًا، أَوْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ، أَوْ خَرَجَ غَازِيًا، أَوْ دَخَلَ عَلَى إِمَامِهِ يُرِيدُ تَعْزِيزَهُ وَتَوْقِيرَهُ، أَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَسَلِمَ النَّاسُ مِنْهُ وَسَلِمَ مِنَ النَّاسِ). ([4]) .
قال العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ(كما أن ولاة الأمر من الأمراء والسلاطين يجب احترامهم وتوقيرهم وتعظيمهم وطاعتهم ، حسب ما جاءت به الشريعة ؛ لأنهم إذا احتقروا أمام الناس ، وأذلوا ، وهون أمرهم ؛ ضاع الأمن وصارت البلاد فوضى ، ولم يكن للسلطان قوة ولا نفوذ .
فهذان الصنفان من الناس : العلماء والأمراء ، إذا احتقروا أمام أعين الناس فسدت الشريعة ، وفسد الأمن ، وضاعت الأمور ، وصار كل إنسان يرى أنه هو العالم ، وكل إنسان يرى أنه هو الأمير ، فضاعت الشريعة وضاعت البلاد)([5]).
قلت : قال e:(مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَهَانَهُ اللَّهُ)([6]) وإهانة السلطان لها عدة صور:
منها: أن يسخر بأوامر السلطان، فإذا أمر بشيء قال: انظروا ماذا يقول ؟
ومنها: إذا فعل السلطان شيئاً لا يراه هذا الإنسان . قال : انظروا ، انظروا ماذا يفعل؟ يريد أن يهون أمر السلطان على الناس؛ لأنه إذا هون أمر السلطان على الناس استهانوا به، ولم يمتثلوا أمره، ولم يجتنبوا نهيه.
ولهذا فإن الذي يهين السلطان بنشر معايبه بين الناس وذمه والتشنيع عليه والتشهير به يكون عرضة لأن يهينه الله عزّ وجلّ؛ لأنه إذا أهان السلطان بمثل هذه الأمور ؛ تمرد الناس عليه فعصوه، وحينئذٍ يكون هذا سبب شر فيهينه الله عزّ وجلّ.
فإن أهانه في الدنيا فقد أدرك عقوبته، وإن لم يهنه في الدنيا فإنه يستحق أن يهان في الآخرة -والعياذ بالله- ؛ لأن كلام الرسول eحق:(من أهان السلطان أهانه الله)، ومن أعان السلطان أعانه الله؛ لأنه أعان على خير وعلى بر، فإذا بينت للناس ما يجب عليهم للسلطان وأعنتهم على طاعته في غير معصية فهذا خيرٌ كثيرٌ، بشرط أن يكون إعانة على البر والتقوى وعلى الخير،-نسأل الله لنا ولكم الحماية عما يغضبه، والتوفيق لما يحبه ويرضاه-.([7]) .
[1])) جاء نحو ذلك عن عمر رضي الله عنه -، أخرجه الدرامي ( 1/69).
([2]) قلت : قوله : (( لكفر )) يعني به : كفر دون كفر .
([3]) ((آداب الحسن البصري )) لابن الجوزي : (ص121 ) .
([4])حديث صحيح بطرقه، أخرجه الحافظ ابن أبي عاصم ـ رحمه الله ـ في كتابه (( السنة )) (2/490-492 ) وقد أخرجه أيضاً – الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في (( المسند ))( 5/241)، انظر (( ظلال الجنة في تخريج السنة )) للعلامة الألباني ـ رحمه الله ـ : ( 2/490-491 ) .
([5]) " شرح رياض الصالحين " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ ( 2/110) ط ( دار الآثار ) .
[6])) صحيح : رواه الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في الخلفاء، رقم (2224)، وقال الترمذي: حسنٌ غريبٌ ، وصححه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في " صحيح رياض الصالحين " ( ص 290/ ح 678) .
[7])) نقلاً عن " شرح رياض الصالحين " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ ( 2/330) ط ( دار الآثار ) .