خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    شرح حديث "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين" للشيخ العلامة عبد القادر الأرناؤوط - رحمه الله تعالى

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية شرح حديث "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين" للشيخ العلامة عبد القادر الأرناؤوط - رحمه الله تعالى

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 22.07.08 12:10

    شرح حديث
    "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين"
    للشيخ العلامة عبد القادر الأرناؤوط
    - رحمه الله تعالى -
    شرح حديث "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين" للشيخ العلامة عبد القادر الأرناؤوط - رحمه الله تعالى 015


    بسم الله الرحمن الرحيم


    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. [ يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ [آل عمران:102]. [ يَآ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوْا رَبَّكُمُ الَّذِيْ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيْراً وَنِسَآءً وَاتَّقُوْا اللَّهَ الَّذِيْ تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْباً [النساء:1] [ يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْÿاتّقُواْ اللّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًً [ الأحزاب:70، 71].

    أما بعد:


    فإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

    معشر المسلمين:

    قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } (153) سورة الأنعام]ÿذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

    وقال تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا } (18) سورة الجاثية]ÿيَعْلَمُونَ

    روى أحمد في (مسنده)، والدارمي في (سننه)، والترمذي في (جامعه)، وأبو داود في (سننه)، وابن ماجه في (سننه)، عن العرباض بن سارية السلمي رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الفجر ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فأوصنا فقال: (أوصيكم بتقوى الله عز وجل، والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة).

    حديثنا هذا طويل ويحتاج إلى شرح طويل، ولكن نوجزه في هذه الساعة المباركة، ونتكلم فيما لا بد منه في هذا الحديث الذي عليه مدار الإسلام، وعليه مدار سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، الذين تمسكوا بهديه، وساروا على طريقته، وسنته، وشريعته، لم يغيروا، ولم يبدلوا، وهم الذين مدحهم الله عز وجل في القرآن بقوله {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا } (23) سورة الأحزاب].ÿبَدَّلُوا تَبْدِيلًا

    العرباض بن سارية السلمي رضي الله عنه، هذا الصحابي الجليل، وهو قديم الإسلام، كان من أهل الصفة، جاء إلى الشام، وسكن حمص، وكان من عظماء الصحابة رضي الله عنهم، يقول: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الفجر) يعني صلاة الصبح، وهذا دليل على أن رسول الله كان يعظ أصحابه في غير الخطب الرسمية، كخطبة عيد الفطر، والأضحى، ويوم الجمعة، فهذه الموعظة كانت في غير عيد، وفي غير جمعة، عقب صلاة الصبح، في يوم من الأيام، التفت رسول الله إلى أصحابه، وأقبل عليهم، فوعظهم. الوعظ: هو التذكير، أي ذكرهم، ووعظهم، وعلمهم، وبين لهم، والله تعالى قال في كتابه لرسوله صلى الله عليه وسلم {وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا} (63) سورة النساء].

    وقال له تبارك وتعالى {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (125) سورة النحل].

    قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام مخافة السآمة علينا) أي مخافة الملل، فكان يعظهم بين حين، وآخر، كي لا يحصل الملل بين الناس.

    وكانت مواعظه بليغة، والبلاغة، هي إفهام السامع، وإعطاؤه حسب ما يفهم، فلذلك عرف علماء البلاغة، البلاغة، أنها هي الإتيان بعبارة فصيحة، صحيحة، لها في النفس أثر خلاب، مع ملاءمة كل مكان، للموطن الذي يقال فيه، والأشخاص الذين يخاطبون، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت مواعظه فصيحة، بليغة، صغيرة، ولكن ذات معاني كثيرة، ولقد أوتي جوامع الكلم عليه الصلاة والسلام، فلذلك العرباض بن سارية (وعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب): هاتان الصفتان ذكرهما الله عز وجل في القرآن من صفات المؤمنين إذ قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} (2) سورة الأنفال].

    فكانت تلك الموعظة، التي وعظها رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ذلك اليوم، بعد صلاة الصبح موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. (فقال قائل): أي من هؤلاء الذين يسمعون تلك الموعظة (كأن هذه موعظة مودع يا رسول الله)، كأنك تودعنا من الدنيا بهذه الموعظة (فأوصنا): أي أوصنا موعظة بليغة، جامعة، مفيدة. قال عليه الصلاة والسلام: أوصيكم بتقوى الله عز وجل، والسمع والطاعة): أوصاهم بتقوى الله عز وجل، والتقوى وصية الأولين، والآخرين، قال ربنا عز وجل في كتابه {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ} (131) سورة النساء].

    أي أوصيناكم، وأوصينا الذين قبلكم بتقوى الله، ولذلك كانت الوصية بتقوى الله عز وجل في القرآن الكريم، وفي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن داعية إلى الله عز وجل قال له: (اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن). فكانت وصية التقوى دائماً وأبداً، في القرآن كثيرة، وما أكثر الآيات التي تأمرنا بتقوى الله، وما أكثر الأحاديث التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بتقوى الله.

    وتقوى الله، التزام ما أمر الله، والابتعاد عما نهى عنه الله، أن يقف عند حدود الله (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنه).

    (والسمع والطاعة): السمع لكلام الله، والطاعة لله، والسمع لكلام رسول الله، والطاعة لرسول الله {وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (71) سورة الأحزاب]. {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَÿوَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا} [سورة النساء:69-70]

    ورسول الله بين أن السمع والطاعة، إذا كانت لله، ولرسوله (وإن كان عبدا حبشيا)، أي وإن كان الآمر بها عبداً حبشياً، نسمع له، لأنه يأمرنا بطاعة الله، ويأمرنا بطاعة رسول الله، ولا طاعة لمخلوق، إنما الطاعة في المعروف، ولذلك أُمرنا أن نستمع إلى آيات الله، وأحاديث رسول الله، ومن يأمرنا بطاعة الله، وطاعة رسوله، أياً كان، عربياً كان، أو عجمياً، صغيراً كان، أو كبيراً، رجلاً كان، أو امرأة، ولذلك ينبغي أن نسمع، ونطيع، ولذلك قال رسول الله (أوصيكم بتقوى الله، والسمع، والطاعة).

    وربنا عز وجل وصف المؤمنين الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، {وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (285) سورة البقرة]

    لقد كان بنو إسرائيل من اليهود يقولون: سمعنا، وعصينا، وأما هذه الأمة فقالت في أولها: سمعنا، وأطعنا، وتحققوا بالسمع، والطاعة، ونحن في عصرنا هذا نقول بألفاظنا: سمعنا، وأطعنا، ولكن في الحقيقة، نسمع ولا نطيع في كثير من الأوامر، فلسنا عمليين، وإنما نقول، ونتلفظ بالسمع، والطاعة، ولكن ما أقل من يطيع إذا سمع لكلام الله، ولكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال: (أوصيكم بتقوى الله عز وجل، والسمع، والطاعة وإن كان عبداً حبشياً).

    (فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا): كما هو في وضعنا الحاضر، ما أكثر الاختلافات التي تدور بين الناس، والفلسفات التي يتفلسفون بها، ولا تصل منها إلى نتيجة، فحسبنا كتاب ربنا، وسنة رسولنا، فإن الله عز وجل قال في كتابه: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ (59) سورة النساء].ÿتَأْوِيلاً

    فنحن إذا اختلفنا، أمامنا كتاب الله، لم يتغير، ولم يتبدل، ولن يتغير، ولن يتبدل، محفوظ بحفظ الله، وتفسير القرآن فسره الصحابة الكرام، فلذلك كان أحسن طرق التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن، ثم القرآن بالسنة، ثم بأقوال الصحابة، ثم بأقوال التابعين الذين هم أعلم الناس باللغة العربية، وأعلم الناس بالسنة النبوية التي تركهم رسول الله عليها كالمحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك) رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الوصية الجامعة التي جمعت كل خير، وظن الصحابة أن رسول الله يودعهم، ويريد أن يتركهم عندما سمعوا في تلك اليوم الوصايا، فلذلك أوصاهم بهذه الوصية الجامعة التي يحتاج إليها كل مسلم، كل مؤمن، ولذلك قال رسول الله في حدثه هذا بعدما قال: (أوصيكم بتقوى الله عز وجل، والسمع، والطاعة وإن كان عبداً حبشياً فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا). وما أكثر الاختلافات، والأهواء التي يسير عليها الناس، وربنا عز وجل يقول لنبيه ورسوله الذي أنزل عليه القرآن، وأمره أن يبين للناس هذه الشريعة الغراء {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ (18) سورة الجاثية].ÿلَا يَعْلَمُونَ
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية تتمة

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 22.07.08 12:17



    الاختلاف معشر الناس ليس رحمة، وإنما الاختلاف شر ينبغي أن يبتعد الناس عنه. وكثير من الناس يوردون حديث (اختلاف أمتي رحمة)، فهذا الحديث ليس له إسناد، ومعناه يخالف الأحاديث الصحيحة، فالاختلاف ليس رحمة، وإنما الاجتماع هو رحمة، ولذلك قال رسول الله في حديث رواه الإمام أحمد في (مسنده) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: (من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر والجماعة رحمة والفرقة عذاب) فالجماعة هي الرحمة، والتفرق هو العذاب، والاختلاف لا يرضاه الله، ولا رسوله، ولذلك ينبغي أن يجتمع المسلمون على كتاب الله، على سنة رسول الله، على شرع الله، على دين الله الذي تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ثم قال رسول الله: (فعليكم): أي الزَموا (بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين المهديين): أي الزموا سنتي، الزموا طريقتي، الزموا شرعي، الزموا ما تركتكم عليه، والزموا سنة الخلفاء الراشدين الذين لم يغيروا في دين الله، وإنما ساروا على ما سار عليه رسول الله. فأبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، هؤلاء هم الخلفاء الراشدون، المهديون، الذين لم يغيروا شريعة الله، وساروا عليها كما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلذلك هذا الحديث يأمر بأن نسلك السنة النبوية، وسنة أولئك الصحابة الذين هم مبشرون بالجنة (أبو بكر في الجنة، عمر في الجنة، عثمان في الجنة، علي في الجنة، سعد-أي سعد بن أبي وقاص- في الجنة، سعيد بن زيد في الجنة، طلحة بن عبيد الله في الجنة، الزبير بن العوام في الجنة، أبو عبيدة بن الجراح في الجنة، عبد الرحمن بن عوف في الجنة)، هؤلاء العشرة المُبشرون بالجنة كانوا على السنة، كانوا على الجادة، كانوا على الصواب، وليس معنى ذلك أنهم معصومون لا يخطئون، لا، الصحابة ليسوا بمعصومين، فقد يصدر عنهم الخطأ، ولكن الأمة الإسلامية بمجموعها معصومة، قال رسول الله: (إن الله تعالى لا يجمع أمتي على ضلالة). فقد يخالف إنسان ولو كان صحابياً، ولو كان كثيراً، ولكن لا يمكن أن يستمر ذلك الخطأ إلا وأن يبينه أحد في العالم الإسلامي، فإن الأمة الإسلامية بمجموعها معصومة، وأما (3)ÿبأفرادها فليس أحد بالمعصوم إلا رسول الله الذي {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (4) سورة النجم] عليه الصلاة والسلام.ÿإِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى

    (تمسكوا بها): رسول الله يقول: هذه السنة، هذه الطريقة، هذه الشريعة التي تركنا عليها رسول الله (تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ): أي خذوها بشدة، وبقوة، لا تتساهلوا فيها، وإنما تمسكوا بها تمسكاً صحيحاً، تمسكاً متيناً، حتى تموتوا عليها. المؤمن ينبغي أن يثبت على الدين، على الشرع، على السنة، حتى يخرج من الدنيا.

    (تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور): الأشياء التي جاءت جديدة للإسلام. لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). أي مردود. وقال: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردود.

    وقال عليه الصلاة والسلام: (لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)

    (وإياكم ومحدثات الأمور): ومحدثات الأمور في العبادة يا إخوانا، أما فيما يتعلق بأمور الدنيا، فينبغي أن تستحدث أشياء جديدة في كل عصر، في كل مصر، فلقد كانوا يحاربون على الخيول المدمَّرة، فلذلك قال تعالى في كتابه للمسلمين {وَأَعِدُّواْ لَهُم} أي للكفار {مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} والقوة نكرة، وكانت هذه القوة في ذلك العصر على الخيول، والآن القوة على الدبابات، الطائرات، والصواريخ، والمدافع، وغير ذلك من الأشياء المستحدثة. فيا حبذا لو قمنا بمثل هذه الأمور، واجتهدنا فيها، فتعلمناها، وزدنا علماً على أعدائنا فيها.

    وأما في مسألة الدين، الوضوء، الصلاة، الأذان، الصيام، الحج، هذه لا يجوز أن نزيد فيها شيئاً، هذه عبادات جاءت من رسول الله، رسول الله أخذها عن جبريل وصلى أمام الناس وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي). ولما حج قال: (خذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد حجتي هذه).

    أما في الوسائل فيجوز فيها الاجتهاد، لم يكن علم النحو في زمن رسول الله، فتعلموا، فجاؤوا بعلم النحو، واللغة حفظاً للشريعة الإسلامية، لأنها وسيلة لذلك. أيضاً جاؤوا بعلم أصول التفسير، حفظاً لتفسير كتاب الله. جاؤوا بعلوم مصطلح الحديث حفظاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذه لا بأس بها، لأنها وسائل لحفظ الشريعة الإسلامية.

    أما نفس العبادة فلا يجوز لنا أن نزيد فيها شيئاً، وإنما نسير عليها، كما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    (وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار): البدعة التي يزيدها الناس في العبادة، وفي الشرع، هذه ضلالة، وكل ضلالة في النار، هناك رواية عند النسائي (وكل ضلالة في النار).

    فلذلك لا يجوز لنا أن نأخذ الشرع بأهوائنا، مشتهياتنا، وإنما هناك رجوع إلى كتاب الله، إلى سنة رسول الله، إلى الصحابة الذين فهموا هذه الشريعة فهماً صحيحاً، وفهموا نزول الآيات التي نزلت على رسول الله، وكيف كانت نزولها، وما هو السبب في نزولها.

    هذا الحديث معشر الناس، لو أردنا أن نتكلم فيه ليحتاج إلى وقت طويل، لكن بإيجاز، واختصار، هو من الأحاديث النبوية، الجامعة، التي تركها رسول الله لنا، لنتمسك بسنته، وهو من الأحاديث التي تدور عليها السنة النبوية في عصرنا هذا. كثيراً من الناس يأتون إلى مثل هذا الحديث، شاباً من الشباب جاء إلى هذا الحديث وكان قد درس على بعض علماء السنة فيما انفرد بنفسه فضعف هذا الحديث ليضعف السنة النبوية، ويُضعف سنة الخلفاء الراشدين المهديين، حتى يقول الناس دعونا فهذا حديث ضعيف، ولقد سمعتم أنه رواه الإمام أحمد بن حنبل في (مسنده)، والدارمي في (سننه)، والترمذي في (جامعه)، وأبو داود في (سننه)، وابن ماجه في (سننه) عن العرباض بن سارية السلمي رضي الله عنه، فقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، فصححه جماعة من العلماء، ومع ذلك يأتي بعض الشباب في عصرنا هذا فيؤلف رسالة في تضعيف هذا الحديث، فيقرأ الشباب هذا الحديث، فيقولون: هذا ضعيف، دعونا من السنة، دعونا من الصحابة، دعونا من هؤلاء جميعاً، فليس عندكم حديث صحيح في هذا. ثم يأتي في آخر الرسالة، فيقول: ربما لها شواهد، ولكن الشواهد فقراته، بأكثرها، لكن هناك في سنتي، وسنة الخلفاء الراشدين ليس لها شواهد، ولذلك تبقى على ضعفها.

    فيا أيها الناس، إياكم أن تغروا بهذه الأفكار، وهؤلاء الناس، فهذا حديث مضى عليه أربعة عشر قرناً، والمسلمون يعملون به، وهم قد شرحوه شروحاً موسعة، والحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله ذكر له شرحاً واسعاً في كتابه (جامع العلوم والحكم)، فمن أراد، فليرجع، وليقرأ هذا الحديث، وشرحه عند العلماء، حتى يكون على بينة من أمره، ولا يغتر بالقال، والقيل، فما أكثر هذه الأقوال في عصرنا الحاضر، فكثيراً من الناس يريدون أن يغيروا من القرآن، ومن تفسيره، ومن السنة، وتفسيرها، ولكن سيبقى أناس بفضل الله يبينون السنة الصحيحة التي تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعليكم بسنة رسول الله، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار).

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله العظيم، إنه هو الغفور الرحيم.
    الخطبة الثانية:


    الحمد لله حمدا كثيراً كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله رحمة بالعالمين عليه السلام.

    اللهم صل محمد على آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

    في هذا العصر كل واحد راكب رأسه، ويفسر القرآن كما بدّوا، والسنة كما بدّوا... ولذلك كثر القال، والقيل، وكثرة الاختلافات، ولكن كلها ستذهب هباء منثورا، ويبقى كتاب الله عز وجل لا يتغير، ولا يتبدل، وستبقى سنة رسول الله أيضاً مع كتاب الله.

    وهناك أناس يغينونها، ويغينون صحتها، وما أدخل الناس... فلذلك عليكم بأن ترجعوا إلى كتب السنة...كتاب رياض الصالحين، كتاب موجود عند الشباب، وأغلب البيوتات الإسلامية موجود هذا الكتاب.

    يأتي الواحد ويضعف مائة وثلاثين حديث بحجة... ربما يكون في بعضها كلام لبعض العلماء. ولكن أن تأتي بمائة وثلاثين حديث وتضعفها، وأنت لم تسبق إليها، ولست في مضمار العلماء الذين هم مرجع لهذه السنة النبوية. ولذلك إياكم أن تجمعوا إلى هذه الفلسفات، وهذه الحكايات، وهذه الأمور المغرضات، فإن كثيراً من الناس ينتظرون أن يقال: أن الخلفاء الراشدين أبو بكر، وعمر وعثمان، وعلي، ما دخلنا فيهم، حطوهم على جانب. فلذلك...... اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم اجمع قلوب المسلمين على الهدى، والتقوى، وأصلح ذات بينهم، واجمع كلمتهم (انتهى الشريط)
    الجزائر يوم: 07/ربيع الثاني/1425
    أبو تقي الدين الجزائري

    منقول من هنــــــــــا

      الوقت/التاريخ الآن هو 10.11.24 21:55