الباعث
على إنكار أم الخبائث
( الخمر )
تأليف
فضيلة الشيخ
يحيى بن علي الحجوري
حفظه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
على إنكار أم الخبائث
( الخمر )
تأليف
فضيلة الشيخ
يحيى بن علي الحجوري
حفظه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد:
قام بتفريغ هذه الخطبة, وتفريغ التعليق على حديث أنس المذكور لنا في هذه الرسالة, أخونا المفضال أبو حمزة محمد بن حسن السوري حفظه الله, آملاًَ أن ينفع الله بها, جزاه الله خيرًا, ولما كان الموضوع قد جمعت فيه عدة رسائل منها:
رسالة: «ذم الخمر» للإمام ابن رجب رحمه الله, وشبة رسالة في «كتاب الكبائر» للذهبي رحمه الله وغير ذلك.
لذا تركت هذه الكلمة المتواضعة على ما هي عليه دون كبير إضافة عليها أو تتميم, عسى الله أن ينفع بما قد تيسر فيها, وبالله التوفيق.
كتبه/
يحيى بن علي الحجوري
في ربيع الثاني/ 1429ﻫ.
***
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أطعم الطعام, وأحل الحلال وحرم الحرام, وأطعم من جوع وآمن من خوف, والصلاة والسلام على من أرسله الله مبشرًا ونذيرًا, وهاديًا إلى الحق بإذنه وسراجًا منيرًا محمدٍ وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فهذه الرسالة عبارة عن خطبة جمعة ألقاها شيخنا العلامة الناصح الأمين يحيى بن علي الحجوري حفظه الله تعالى ورعاه, بدار الحديث بدماج:
يوم الجمعة/ السابع من ذي القعدة/ لعام 1426ﻫ.
وهي بعنوان: «الباعث على إنكار أم الخبائث»
فرغت وعرضت عليه فنظر فيها وصحح وزاد فيها, وفي آخرها شرح لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه من «الجامع الصحيح» للإمام الوادعي ‑رحمه الله تعالى‑ تضمن ذكر الملعونين في الخمر, شرحه شيخنا يحيى ‑حفظه الله تعالى‑ شرحًا جميلاً فَضُمِّن هذه الرسالة.
والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال شيخنا العلَّامة الناصح الأمين:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء:1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله, وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أيها الناس:
يقول الله عزَّوجلَّ في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [البقرة:172] ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون:51] وحرم سبحانه وتعالى أطعمةً على العباد، وأحلَّ الله عزَّوجلَّ لهم أطعمة فقال الله عزوجل: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ﴾ [المائدة:3]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:33]، وقال الله عزوجل: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الأنعام:151] إلى آخر الآيات. وقال الله عزوجل: ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ﴾ [النحل:116] فأبان الله عزوجل في كتابه أن الإنسان متعبَّدٌ لله عزوجل بطاعته، وأنه لا يأكل كل ما يريد، ويشرب كل ما يريد، سواء كان حلالاً أو حرامًا، إنما هذا شأن الكفار وليس شأن المؤمنين قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ﴾ [محمد:12].
أما المؤمن فإنه متقيَّدٌ بقيود شرعية هي في غاية الثبات، وفي غاية الزكاء، قال سبحانه وتعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: 229]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ [الطلاق: 1].
وفي الحديث عَنْ أَبِى ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِىِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا، وَحَرَّمَ حُرُمَاتٍ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلاَ تَعْتَدُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلاَ تَبْحَثُوا عَنْهَا»([1]).
وإن مما حرمه الله سبحانه وتعالى في كتابه نصًّا ما ذكره الله سبحانه وتعالى مبيِّنًا لتحريمه تدريجيًّا لأنه كان عند الناس يعتبر من المطعومات الرائجة، ومن الأقوات اللازمة بين أوساطهم، فأخبر الله عزوجل بتحريمه قليلاً قليلاً حتى انتهى الناس عنه، ألا وهو ذلك الشراب المسكر المغتال للعقول.
فأول تحريمه: قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ [البقرة: 219].
الخمر فيه إثم كبير، وفيه متاجرة للناس، وكل المحرمات التي يُتَّجرُ فيها، فيها نفع مادي، ولكنه نفع في الدنيا، وضرر في الآخرة، نفع مالي وضرر جسمي، نفع مادي وضرر قلبي، نفع مادي وضرر عقلي، فمن هذا الوجه النفعُ في الخمر وليس فيه نفع في دنيا ولا أخرى إلَّا فيما يتعلق بالاكتساب المادي.
المرحلة الثانية: قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ [النساء: 43] نهاهم الله أن يصلُّوا وهم سكارى، لأن الصلاة يجب أن يقوم إليها المصلي وهو يعي ما يقول، فكانوا يشربون الخمر وإذا كان قرب الصلاة لا يشربونها حتى يقوموا إلى الصلاة وهم يعون ما يقولون وليسوا على سُكُرٍ.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: «اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً، فَنَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾الْآيَةَ، قَالَ: فَدُعِيَ عُمَرُ، فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً، فَنَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي فِي النِّسَاءِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ فَكَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ يُنَادِي أَلَا لَا يَقْرَبَنَّ الصَّلَاةَ سَكْرَانُ، فَدُعِيَ عُمَرُ، فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ قَالَ عُمَرُ: انْتَهَيْنَا»([2])
وفي الصحيحين عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْفَضِيخَ، فَأَمَرَ ‑رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‑ مُنَادِيًا يُنَادِي «أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ» قَالَ: فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَأَهْرِقْهَا، فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا، فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: قَدْ قُتِلَ قَوْمٌ وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا﴾ الْآيَةَ([3]).
جرار يتاجرون فيها،ويدخرونها أكثر من ادخار الزيت والسمن والعسل، ومع ذلك قام أنس بن مالك رضي الله عنه إلى تلك الجرار فأراقها حتى سالت في سكك المدينة، استجابةً سريعةً لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
([1]) أخرجه الدارقطني في «سننه» (4/183)، برقم (42).
([2]) أخرجه أبوداوُد في «سننه» برقم (3670)، والترمذي برقم (3049).
([3]) أخرجه البخاري برقم (2464)، ومسلم برقم (1980).