خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    "الباعث على إنكار أم الخبائث"(الخمر) لفضيلة الشيخ يحى بن علي الحجوري حفظه الله

    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية "الباعث على إنكار أم الخبائث"(الخمر) لفضيلة الشيخ يحى بن علي الحجوري حفظه الله

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 12.07.08 21:03

    الباعث
    على إنكار أم الخبائث
    ( الخمر )




    تأليف
    فضيلة الشيخ
    يحيى بن علي الحجوري
    حفظه الله تعالى


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله


    أما بعد:

    قام بتفريغ هذه الخطبة, وتفريغ التعليق على حديث أنس المذكور لنا في هذه الرسالة, أخونا المفضال أبو حمزة محمد بن حسن السوري حفظه الله, آملاًَ أن ينفع الله بها, جزاه الله خيرًا, ولما كان الموضوع قد جمعت فيه عدة رسائل منها:

    رسالة: «ذم الخمر» للإمام ابن رجب رحمه الله, وشبة رسالة في «كتاب الكبائر» للذهبي رحمه الله وغير ذلك.

    لذا تركت هذه الكلمة المتواضعة على ما هي عليه دون كبير إضافة عليها أو تتميم, عسى الله أن ينفع بما قد تيسر فيها, وبالله التوفيق.

    كتبه/
    يحيى بن علي الحجوري
    في ربيع الثاني/ 1429ﻫ.

    ***

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله الذي أطعم الطعام, وأحل الحلال وحرم الحرام, وأطعم من جوع وآمن من خوف, والصلاة والسلام على من أرسله الله مبشرًا ونذيرًا, وهاديًا إلى الحق بإذنه وسراجًا منيرًا محمدٍ وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا.

    أما بعد:

    فهذه الرسالة عبارة عن خطبة جمعة ألقاها شيخنا العلامة الناصح الأمين يحيى بن علي الحجوري حفظه الله تعالى ورعاه, بدار الحديث بدماج:

    يوم الجمعة/ السابع من ذي القعدة/ لعام 1426ﻫ.

    وهي بعنوان: «الباعث على إنكار أم الخبائث»

    فرغت وعرضت عليه فنظر فيها وصحح وزاد فيها, وفي آخرها شرح لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه من «الجامع الصحيح» للإمام الوادعي ‑رحمه الله تعالى‑ تضمن ذكر الملعونين في الخمر, شرحه شيخنا يحيى ‑حفظه الله تعالى‑ شرحًا جميلاً فَضُمِّن هذه الرسالة.

    والحمد لله رب العالمين.

    بسم الله الرحمن الرحيم


    قال شيخنا العلَّامة الناصح الأمين:

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].

    ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء:1].

    ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله, وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.



    أيها الناس:

    يقول الله عزَّوجلَّ في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [البقرة:172] ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون:51] وحرم سبحانه وتعالى أطعمةً على العباد، وأحلَّ الله عزَّوجلَّ لهم أطعمة فقال الله عزوجل: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ﴾ [المائدة:3]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:33]، وقال الله عزوجل: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الأنعام:151] إلى آخر الآيات. وقال الله عزوجل: ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ﴾ [النحل:116] فأبان الله عزوجل في كتابه أن الإنسان متعبَّدٌ لله عزوجل بطاعته، وأنه لا يأكل كل ما يريد، ويشرب كل ما يريد، سواء كان حلالاً أو حرامًا، إنما هذا شأن الكفار وليس شأن المؤمنين قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ﴾ [محمد:12].

    أما المؤمن فإنه متقيَّدٌ بقيود شرعية هي في غاية الثبات، وفي غاية الزكاء، قال سبحانه وتعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: 229]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ [الطلاق: 1].

    وفي الحديث عَنْ أَبِى ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِىِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا، وَحَرَّمَ حُرُمَاتٍ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلاَ تَعْتَدُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلاَ تَبْحَثُوا عَنْهَا»([1]).

    وإن مما حرمه الله سبحانه وتعالى في كتابه نصًّا ما ذكره الله سبحانه وتعالى مبيِّنًا لتحريمه تدريجيًّا لأنه كان عند الناس يعتبر من المطعومات الرائجة، ومن الأقوات اللازمة بين أوساطهم، فأخبر الله عزوجل بتحريمه قليلاً قليلاً حتى انتهى الناس عنه، ألا وهو ذلك الشراب المسكر المغتال للعقول.



    فأول تحريمه: قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ [البقرة: 219].

    الخمر فيه إثم كبير، وفيه متاجرة للناس، وكل المحرمات التي يُتَّجرُ فيها، فيها نفع مادي، ولكنه نفع في الدنيا، وضرر في الآخرة، نفع مالي وضرر جسمي، نفع مادي وضرر قلبي، نفع مادي وضرر عقلي، فمن هذا الوجه النفعُ في الخمر وليس فيه نفع في دنيا ولا أخرى إلَّا فيما يتعلق بالاكتساب المادي.

    المرحلة الثانية: قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ [النساء: 43] نهاهم الله أن يصلُّوا وهم سكارى، لأن الصلاة يجب أن يقوم إليها المصلي وهو يعي ما يقول، فكانوا يشربون الخمر وإذا كان قرب الصلاة لا يشربونها حتى يقوموا إلى الصلاة وهم يعون ما يقولون وليسوا على سُكُرٍ.

    وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: «اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً، فَنَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾الْآيَةَ، قَالَ: فَدُعِيَ عُمَرُ، فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً، فَنَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي فِي النِّسَاءِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ فَكَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ يُنَادِي أَلَا لَا يَقْرَبَنَّ الصَّلَاةَ سَكْرَانُ، فَدُعِيَ عُمَرُ، فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ

    ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ قَالَ عُمَرُ: انْتَهَيْنَا»([2])

    وفي الصحيحين عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْفَضِيخَ، فَأَمَرَ ‑رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‑ مُنَادِيًا يُنَادِي «أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ» قَالَ: فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَأَهْرِقْهَا، فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا، فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: قَدْ قُتِلَ قَوْمٌ وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا﴾ الْآيَةَ([3]).

    جرار يتاجرون فيها،ويدخرونها أكثر من ادخار الزيت والسمن والعسل، ومع ذلك قام أنس بن مالك رضي الله عنه إلى تلك الجرار فأراقها حتى سالت في سكك المدينة، استجابةً سريعةً لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.



    ([1]) أخرجه الدارقطني في «سننه» (4/183)، برقم (42).


    ([2]) أخرجه أبوداوُد في «سننه» برقم (3670)، والترمذي برقم (3049).


    ([3]) أخرجه البخاري برقم (2464)، ومسلم برقم (1980).
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: "الباعث على إنكار أم الخبائث"(الخمر) لفضيلة الشيخ يحى بن علي الحجوري حفظه الله

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 12.07.08 21:06

    إن هذا الشراب أخبر الله سبحانه وتعالى عنه أنه رجس، والنجاسة فيه نجاسة معنوية، فإنها نجاسةُ الفساد واقتراف الفتن والمعاصي، ويعتبر من أم الخبائث، الخمر أم الخبائث.

    فقد ثبت عَنْ سَالِمِ بن عَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، وَعُمَرَ بن الْخَطَّابِ، وَنَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَلَسُوا بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرُوا أَعْظَمَ الْكَبَائِرِ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ فِيهَا عِلْمٌ، فَأَرْسَلُونِي إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ أَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أَعْظَمَ الْكَبَائِرِ شُرْبَ الْخَمْرِ، فَأَتَيْتُهُمْ فَأَخْبَرْتُهُمْ، فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ وَوَثَبُوا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"إِنَّ مَلِكًا مِنْ بني إِسْرَائِيلَ أَخَذَ رَجُلا فَخَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ، أَوْ يَقْتُلَ صَبِيًّا، أَوْ يَزْنِيَ، أَوْ يَأْكُلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، أَوْ يَقْتُلُوهُ إِنْ أَبَى، فَاخْتَارَ أَنَّهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَأَنَّهُ لَمَّا شَرِبَ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ شَيْءٍ أرادوهُ مِنْهُ([1])».

    بعد شرب الخمر انتهك القتل، وأكل الخنزير، وارتكب الزنا.

    وكان عثمان رضي الله تعالى عنه يقول: «اجْتَنِبُوا الخَمْرَ، فَإنَّهَا أمُّ الخَبَائِثِ»([2]).

    لأن من وراء شرب الخمر أن يصير الإنسان مسلوب العقل، لا يشعر بما يقول ففي «الصحيحين» أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنْ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَانِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الْخُمُسِ يَوْمَئِذٍ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا فِي بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِي فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنْ الصَّوَّاغِينَ فَنَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي، فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مِنْ الْأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ، وَشَارِفَايَ مُنَاخَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، حَتَّى جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ، فَإِذَا أَنَا بِشَارِفَيَّ قَدْ أُجِبَّتْ أَسْنِمَتُهَا، وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا، وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ الْمَنْظَرَ، قُلْتُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ قَالُوا: فَعَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ، فِي شَرْبٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، عِنْدَهُ قَيْنَةٌ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَتْ فِي غِنَائِهَا: أَلَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ، فَوَثَبَ حَمْزَةُ إِلَى السَّيْفِ، فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، وَأَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، قَالَ عَلِيٌّ: فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَقِيتُ فَقَالَ: «مَا لَكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ، عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَيَّ، فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ، فَارْتَدَى ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي، وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأُذِنَ لَهُ، فَطَفِقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ، فَإِذَا حَمْزَةُ ثَمِلٌ مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ، فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: وَهَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي؟ فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ثَمِلٌ، فَنَكَصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى فَخَرَجَ، وَخَرَجْنَا مَعَهُ»([3])

    خوفًا من أن يثب عليهم حمزة رضي الله عنهم وهو في شرب له, فإن شارب الخمر ممكن أن يقتل أقرب قريب, ويرتكب أفحش الفواحش, وأبشع المحرمات, يسلب العقول ولهذا وصف الله عزوجل خمر الجنة بأنه لا يغتال العقول, قال تعالى: ﴿لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ﴾ [الصافات:47] ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً﴾ [محمد: 15] خمر لذة للشاربين, ولا يغتال العقول.

    إن الخمر يعتبر شراب الغواية, ومن شرب منه فإنه يسلك سبل الغواية بشتى أنواعها, يقول الباطل, ويفعل الباطل, ويرتكب الفجور, ولهذا ثبت في «الصحيحين» من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ‑صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‑ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ, فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ, قَالَ جِبْرِيلُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ, لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ»([4])

    إن الخمر شُربه وتفشيه نذير بهلاك الأمة ودمارها, فقد ثبت عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ, هُمْ شَرٌّ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَدْعُونَ اللَّهَ بِشَيْءٍ إِلَّا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ». فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ, فَقَالَ لَهُ مَسْلَمَةُ: يَا عُقْبَةُ اسْمَعْ مَا يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ, فَقَالَ عُقْبَةُ هُوَ أَعْلَمُ, وَأَمَّا أَنَا فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‑صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‑ يَقُولُ: «لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ, لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ, وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ». فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَجَلْ, ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا كَرِيحِ الْمِسْكِ مَسُّهَا مَسُّ الْحَرِيرِ, فَلَا تَتْرُكُ نَفْسًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ الْإِيمَانِ إِلَّا قَبَضَتْهُ, ثُمَّ يَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ([5]).

    وفي «الصحيحين عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ‑صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‑,لَا يُحَدِّثُكُمْ بِهِ أَحَدٌ غَيْرِي, سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‑صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‑ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ, وَيَكْثُرَ الْجَهْلُ, وَيَكْثُرَ الزِّنَا, وَيَكْثُرَ شُرْبُ الْخَمْرِ, وَيَقِلَّ الرِّجَالُ, وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ, حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ»([6]).

    علامة من علامات الساعة, علامة للأشرار, لا يشرب الخمر إلَّا الأشرار, ولا يمكن أن يشربها مؤمن, هذه علامة من علامات الهلاك, فقد جاء في «الصحيحين» من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ‑رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‑ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ, وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ, وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ, وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ»([7]).

    الخمر شراب مؤذن بالهلاك واللعنة, كما في «البخاري» عن أَبِي عَامِرٍ ‑أَوْ أَبِي مَالِكٍ‑ الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ, وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ, وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ, يَأْتِيهِمْ ‑يَعْنِي الْفَقِيرَ‑ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا, فَيُبَيِّتُهُمْ اللَّهُ وَيَضَعُ الْعَلَمَ, وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»([8]).

    الخمر شراب مؤذن باللعنة, لما ثبت من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً «عَاصِرَهَا, وَمُعْتَصِرَهَا, وَشَارِبَهَا, وَحَامِلَهَا, وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ, وَسَاقِيَهَا, وَبَائِعَهَا, وَآكِلَ ثَمَنِهَا, وَالْمُشْتَرِي لَهَا, وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ»([9]).



    ___________________



    1 أخرجه الحاكم برقم (4/174)، والطبراني في «الأوسط» برقم (363).


    2 أخرجه عبدالرزاق في «مصنفه» برقم (17060).


    1 أخرجه البخاري برقم (3091)، ومسلم تحت رقم (1979).


    1 أخرجه البخاري برقم (5561) ومسلم تحت رقم (2009).


    2 أخرجه مسلم في «صحيحه» برقم (1924).


    1 أخرجه البخاري برقم (5577) ومسلم تحت رقم (6271).


    2 أخرجه البخاري برقم (5578) ومسلم (57).


    3 أخرجه البخاري برقم (5590).


    ([9]) أخرجه الترمذي في «جامعه» برقم (1295) وابن ماجة برقم (3381).
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: "الباعث على إنكار أم الخبائث"(الخمر) لفضيلة الشيخ يحى بن علي الحجوري حفظه الله

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 12.07.08 21:08

    عشرة ملعونون, شارب الخمر, وعاصر الخمر, وبائع الخمر, والمتعاونون في إيجاد الخمر ملاعين بنص الوحي المبين.

    كل من أورد الخمر, أو أعان على نشره واستيراده, وشُرْبه وبيعه وشراءه, فقد عرَّض نفسه للعنة الله, ثبت عند الإمام مسلم من حديث جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ ‑وَجَيْشَانُ مِنْ الْيَمَنِ‑ فَسَأَلَ النَّبِيَّ ‑صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‑ عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنْ الذُّرَةِ يُقَالُ لَهُ الْمِزْرُ, فَقَالَ النَّبِيُّ ‑صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‑: «أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟» قَالَ: نَعَمْ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‑صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‑ «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ, إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ», قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: «عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ, أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ»([1]).

    وهذا يدل على أن شارب الخمر مهدد بالطرد من الجنة, وبإدخاله النار, لما في «الصحيحين» أيضًا من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‑صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‑ قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا, ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا, حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ»([2])

    فبين حديث أبي الدرداء, وأبي موسى, وجملة أحاديث أنه لا يشرب الخمر بمعنى لا يدخل الجنة, على ما قاله الخطابي وجماعة من أهل العلم, ثبت عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ, عَنْ النَّبِيِّ ‑صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‑ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَاقٌّ, وَلَا مُؤْمِنٌ بِسِحْرٍ, وَلَا مُدْمِنُ خَمْرٍ, وَلَا مُكَذِّبٌ بِقَدَرٍ»([3]) وجاء في لفظ آخر «ولا ديوث»([4]).

    والخمر سبيل الدياثة, وسبيل العقوق, وسبيل شتى المعاصي, جاء عن ابن عباس([5]) وعن أبي موسى([6]) وعن أبي الدرداء وعن جماعة([7]) من الصحابة رضوان الله عليهم, ومن أجل ذلك شارب الخمر لا تقبل له صلاة لأنه مرتكب لمعاصٍ, سواء صلَّى في حال شربه, أو صلى وهو في غير حال شربه, ما دام مصرًا على شرب الخمر ولم يتب منها, لا تقبل صلاته أربعون يومًا, لما ثبت من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو, عَنْ النَّبِيِّ ‑صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‑ قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَسَكِرَ, لَمْ تُقْبَلْ صَلَاتُهُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»([8]) وجاء عن غيره([9]).

    وثبت عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيِّ ‑صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‑: «وَلا يَمُوتُ وَفِي مَثَانَتِهِ مِنْهَا شَيْءٌ إِلا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْجَنَّةُ»([10]).

    إن هذا الشراب يجب سد الذريعة إليه, كما ثبت في «الصحيحين» عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: كُنْتُ أَقْعُدُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ, يُجْلِسُنِي عَلَى سَرِيرِهِ, فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي, فَأَقَمْتُ مَعَهُ شَهْرَيْنِ, ثُمَّ قَالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوْا النَّبِيَّ ‑صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‑ قَالَ: «مَنْ الْقَوْمُ أَوْ مَنْ الْوَفْدُ؟» قَالُوا: رَبِيعَةُ, قَالَ: «مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ ‑أَوْ بِالْوَفْدِ‑ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى» فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ, وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ, فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ, نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا, وَنَدْخُلْ بِهِ الْجَنَّةَ, وَسَأَلُوهُ عَنْ الْأَشْرِبَةِ؟ فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ, وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ, أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ, قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, قَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ, وَإِقَامُ الصَّلَاةِ, وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ, وَصِيَامُ رَمَضَانَ, وَأَنْ تُعْطُوا مِنْ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ» وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ, عَنْ الْحَنْتَمِ وَالدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ» وَرُبَّمَا قَالَ: «الْمُقَيَّرِ» وَقَالَ: «احْفَظُوهُنَّ وَأَخْبِرُوا بِهِنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ»([11]).

    وهذه أوعية كانوا ينتبذون فيها, وسرعان ما يسكر النبيذ فيها لحرارتها, فلهذا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن الانتباذ في هذه المسكرات, أو في هذه الآنية التي يُسرع الإسكار فيها, ثم نسخ هذا الحكم ‑أعني من حيث الإنتباذ في الآنية‑ بحديث بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‑صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‑: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ الْأَشْرِبَةِ فِي ظُرُوفِ الْأَدَمِ, فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ, غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا»([12]).

    وفي الحديث الآخر: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ, فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ»([13]).

    إن من أراد الفلاح واجب عليه البعد والاجتناب لهذا المحرم وإنكاره, قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة:90].

    هؤلاء موظفون مع إبليس, الذين يروجون الخمر ويشربونها جنود الشيطان, فإن الخمر عمل الشيطان, وهؤلاء يوزعون أعمال الشيطان.

    والخمر يقول ابْنِ عُمَرَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ‑رَضِيَ اللهُ عَنْهُ‑ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ‑صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‑ يَقُولَ: «أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ, فَإِنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ, وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ,

    مِنْ الْعِنَبِ, وَالتَّمْرِ, وَالْعَسَلِ, وَالْحِنْطَةِ, وَالشَّعِيرِ, وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ»([14]) وكل ما أسكر فهو حرام.



    ____________



    ([1]) أخرجه مسلم في «صحيحه» برقم (2002).


    ([2]) أخرجه البخاري برقم (5575) ومسلم برقم (2003).


    ([3]) أخرجه أحمد في «مسنده» (6/441).


    ([4]) أخرجه أحمد (2/69). من حديث عبدالله بن عمرو.


    ([5]) أخرجه الطبراني في «الكبير» (11/99) برقم (11168).


    ([6]) أخرجه أحمد في «مسنده» (4/399) وأبو يعلى (7248).


    ([7]) انظر «الترغيب والترهيب» للمنذري (3/211-214).


    ([8]) أخرجه أحمد في «مسنده» (2/189) والنسائي برقم (5664) وابن ماجة برقم (3377).


    ([9]) عن ابن عمر أخرجه الترمذي (1862) وابن عباس عند أبي داود (3680).


    ([10]) أخرجه الحاكم برقم (4/174)، والطبراني في «الأوسط» برقم (362).


    ([11]) أخرجه البخاري (4369) ومسلم برقم(17).


    ([12]) أخرجه مسلم في «صحيحه» تحت رقم (977).


    ([13]) أخرجه أحمد (3/361)، أخرجه أبو داود في «سننه» برقم (3681) وابن ماجة (3393).


    ([14]) أخرجه أبو داود برقم (3669).
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: "الباعث على إنكار أم الخبائث"(الخمر) لفضيلة الشيخ يحى بن علي الحجوري حفظه الله

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 12.07.08 21:11

    الخطبة الثانية



    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, ‑صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا‑.
    أما بعـد:



    فالواجب على المسلمين إقامة الحدود الصارمة في هذه المحرمات البينة الواضحة, هذا هو الواجب على المسلمين, فقد أقام رسول الله ‑صلى الله عليه وعلى آله وسلم‑ الحد على شارب الخمر, وجلد في الخمر أربعين جلدة, فقد ثبت عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «جَلَدَ رَسُولُ اللَّهِ ‑صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‑ فِي الْخَمْرِ وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ, وَكَمَّلَهَا عُمَرُ ثَمَانِينَ», وَكُلٌّ سُنَّةٌ([1]).

    ومن لم ينته عن شرب الخمر، واستحل شربه وجب قتله, فإنه قد استحل ما حرم الله, لما ثبت من حديث أبي هريرة([2]), ومعاوية([3]) بن أبي سفيان, وابن الديلمي([4]), وعدد من الصحابة([5]), رضوان الله عليهم أنَّ النَّبِيِّ ‑صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‑ قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ, فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ, فَإنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ, فَإنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ».

    وثبت عن ديلم الحميري, قال: سألت رسول الله ‑صلى الله عليه وعلى آله وسلم‑ فقلت: يا رسول الله, إنا بأرض باردة, نعالج فيها عملاً شديدًا, وإنا نتخذ شرابًا من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا, وعلى برد بلادنا, قال: «هل يسكر؟» قلت: نعم, قال: «فاجتنبوه», قال قلت: فإن الناس غير تاركيه؟ قال: «فإن لم يتركوه فقاتلوهم»([6]).

    وهذا محمول على من تجرأ على حرمات الله واستحلها, وليس محمولاً على من شرب منها ولم يستحلها.

    إن هذا التمادي في الباطل مؤذن بالشر, ومؤذن بالفتنة, ومؤذن بالإفتأت, فإن المؤمنين يغارون على دينهم أن تباع الخمور في الشوارع, لو أن إنسانًا باعها ولم يشربها فإنه يعتبر آثمًا ملعونًا, فكيف بمن يتعامل بها بجراءة.

    وجاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُوْلُ : قَاتَلَ اللَّهُ فُلاناً, أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‑صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ‑ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ, حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ, فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا»([7]).

    وقال رجل حين شرب الخمر: قدر الله عليَّ, قال وأنا قدر الله عليَّ أن أجلدك ثمانين جلدة.

    إن هذه الجريمة العظيمة, جريمة ارتكاب هذا المحرم, كفيلة بانتشار سائر الفواحش, لما ثبت من حديث الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‑صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‑:

    «مَنْ بَاعَ الْخَمْرَ, فَلْيُشَقِّصْ الْخَنَازِيرَ»([8]) ومعنى ذلك أنه إن تجرأ على الخمر فهو على التجرؤ على لحم الخنزير وعلى غيره من المعاصي أولى.

    إن أمر تحريم الخمر واضح بالكتاب والسنة, ومعلوم عند كل قاص ودان من المسلمين, وهو مما يعلم بالضرورة, وإن تفشى ذلك ليؤذن بالدمار على البلاد والعباد, فواجب إنكار ذلك باليد وباللسان, وواجب إنكار ذلك بالقلب, فقد ثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ ‑صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‑ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ, قَالَ: «اضْرِبُوهُ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ, وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ, وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ, فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ, قَالَ: «لَا تَقُولُوا هَكَذَا, لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ»([9]).

    فعلى ما ينكرون على من أهان من أهانه الله ورسوله من السكارى, وبائعي الخمر, وإن من وجد من ذلك المنكر أزاله بيده, وأن من رؤي وهو على هذا الحال يهان, كما أمر رسول الله ‑صلى الله عليه وعلى آله وسلم‑ هذا هو وليس يختص ذلك بواجب على أحد دون آخر, فإن الدين واجب الجميع, وإن إقرار المنكرات فساد في الحياة, تفشي المنكرات من فساد الحياة, كيف يباع الخمر ويشترى؟ كيف ينشر الخمر في بلدان المسلمين, ويشرب في بلدان المسلمين, وفنادق المسلمين وشوارع المسلمين دون نكير ممن يجب عليهم ذلك؟ والله عزوجل يقول: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [الحج:41].
    انتهت الخطبة





    _________





    ([1]) أخرجه أبوداوُد برقم (4481).


    ([2]) أخرجه أحمد (2/504)، أبو داود (4484)، والنسائي (5662).


    ([3]) أخرجه أبو داود (4482) والترمذي (1444).


    ([4]) أخرجه أحمد (4/231) وأبو داود (3683).


    ([5]) فقد جاء: عن عبدالله بن عمرو أخرجه أحمد (2/185). وعن ابن عمر عند أحمد (2/16). وعن أنس بن مالك عند أحمد برقم (3/112). وعن بريده عند أحمد برقم (5/356). وعن عايشة عند أبي داوُد (3687)، وابن ماجه (33806)، وجاء عن غيرهم أنظر «مسند» أحمد طبعة مؤسسة الرسالة (11/14).


    ([6]) تقدم.


    ([7]) أخرجه البخاري (3460)، ومسلم (1582).


    ([8])أخرجه أبو داود في «سننه» (3489) وهو (ضعيف) في سنده عمرو بن بيان التغلبي مجهول حال, وقد ضعفه الألباني في «الضعيفة» (4566). قال ابن عبد البر في «الاستذكار» (6/191) ليس هذا على إباحة شقص الخنازير لمن باع الخمر ولكنه تقريع وتوبيخ يقول: من استحل بيع الخمر وقد نهاه الله عن بيعها على لسان رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فليس يمتنع عن شقص الخنازير اﻫ . وبنحوه قال الخطابي.


    ([9])أخرجه البخاري برقم (6777) وأبو داود (4477).
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: "الباعث على إنكار أم الخبائث"(الخمر) لفضيلة الشيخ يحى بن علي الحجوري حفظه الله

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 12.07.08 21:13

    تتمة



    قال شيخنا العلَّامة الناصح الأمين شارحًا لحديث أنس بن مالك من «الجامع الصحيح» للإمام الوادعي رحمه الله, قال حفظه لله تعالى:

    قال الإمام الترمذي (ج5/ ص244):

    حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ, قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ, عَنْ شَبِيبِ بْنِ بِشْرٍ, عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً «عَاصِرَهَا, وَمُعْتَصِرَهَا, وَشَارِبَهَا, وَحَامِلَهَا, وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ, وَسَاقِيَهَا, وَبَائِعَهَا, وَآكِلَ ثَمَنِهَا, وَالْمُشْتَرِي لَهَا, وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ» قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.

    قال أبو عبدالرحمن: هو حديث حسن, شبيب بن بشر وثقه ابن معين, وقال أبو حاتم لين الحديث, حديثه حديث الشيوخ.

    فالظاهر أن حديث لا ينزل عن الحسن والله أعلم.

    الشرح:

    قوله (عاصرها): بدأ بالعاصر لأنه منشئ هذه الفتنة, هو الذي يركبها ويعصرها, بدأ بعاصرها.

    قوله (معتصرها): أي الذي يطلب عصيرها, لأن العاصر والمعتصر متعاونان على إنشائها وإصلاحها.

    قوله (وشاربها): ذكر الشارب بعده وقد يحتمل أن يكون بعد الحامل, فتارة يعصر ويشرب, وتارة يعصر ويبيع, وغالبًا ما تجد من يعصر يشرب, ولهذا قدم الشارب.

    قوله (وحاملها): أي بعد أن يشرب يحمل ويبيع, فغالبًا تجد البائع للخمر شرابًا.

    قوله (وساقيها): وإذا جاءت ربما يكون من يطلب أن يُسقى منها, فالساقي ملعون, وأيضًا المستسقي منها ملعون, إلَّا أنه استغنى عن كلمة المستسقي من قوله شاربها, ساقيها ومستسقيها إلَّا أن كلمة مستسقيها مكتفى بكلمة شاربها, لأن إذا استسقى معناه شرب.

    قوله (بائعها وآكل ثمنها): البائع قد يبيع حتى ولو لم يأكل ثمنها, هو ملعون سواء أكل ثمنها, أو بنى به بيتًا, أو اشترى به مركبًا, أو تزوج منه, على أي حال بائع الخمر ملعون, ثم يأتي أيضًا بمزيد الإنفاق, إنفاق ذلك الخمر على غيره, يؤكل غيره من ذلك الخمر, فيأثم مزيدًا على ذلك.

    إذا علمت بمال من خمر, قال إنسان: هذا المال استفاده من خمر وأريد أن أعطيكهُ, أو أعطيك منه تأكله؟

    الجواب: لا تأخذه, الذي يـأكله سيصير ملعونًا, كالذي يأكل الربا حرام عليه, فكذلك الذي يأخذ مال ذلك الخمر ملعونًا, وآكل ثمنها سواء هو الذي باعها أو باعها غيرها وعلم أنها من خمر, أما إن لم يعلم أنها من خمر فأعطاه إنسان من الناس شيئًا من المال, لا يدري من أي مال هو, ويظنه حلالاً فأكله ليس بملعون, ولا يدخل في العشرة المذكورين في الحديث, فهو ما يكلف إلَّا بما علم, ومن هنا الذين يغتربون في دول الغرب, ويبيعون الخمر والخنزير وأرسلوا لك شيئًا من المال, من ذلك الخمر لا تأخذه, فإنك إن أخذته وأنت تعلم أنه يشتغل في الخمر ثم تقول: تطلب العلم وهو ينفق عليك, تعرض نفسك للعنة.

    قوله (والمشتري لها): المشتري لها ولو لم يشربها, البائع آثم وملعون, والمشتري لها ولو لم يشربها, حتى لو ذهب يُشْرِبها النصارى أو اليهود أو سائر الكفار, المهم اشتراها وقال: اشربوا أنتم عمال في شركة كذا وكذا, كأن يكون صاحب شركة, بعض أصحاب الشركات عندهم سواقون وعمال كفار يشترطون عليهم خمرًا, فيستورد لهم صاحب الشركة خمرًا ويعطيهم يشربون, ويقول هو ما يشرب, يقول كأنه في هذا الحال رجل صالح, وكذا أصحاب الفنادق بعضهم عنده عمال من هذا الصنف, وهو يظن أنه رجل صالح, ما يشربها إنما يعطي الكفار فقط.

    بل بلغنا أن الأمريكان الذين كانوا في الخُبَر، كانت تستورد خمورهم على حساب من دعاهم, يقولون استوردوا, ما زالوا يريدون خمورًا استوردوا لهم, وهم يعلمون أنهم يأتيهم خمور، وساكتون على ذلك, وهذا غلط هذا منكر, فالذي يشتريها حرام عليه ملعون شَرِبَها, أو شربها الكفار, أو أراقها في الطريق إذا اشتراها, إلَّا لقصد إنكار, كأن يكون لا يمكن تغيير هذا المنكر إلَّا أن يسلبه من هؤلاء الناس بشيء من المال, ثم يغير المنكر بذلك, قد يخف عنه الأمر لقصده الحسن, وننصحه ألَّا يشتريها ولو كان لإراقتها, لأنه قد يعرض نفسه للعنة وماله للتلف, وهو ليس في وسعه أن يغير بما لا يسبب له ضررًا فلا يشتريها أصلاً.

    قوله (والمشتراة له): وهو نفس القول أيضًا إذا اشتُريت له شربها أو لم يشربها, حتى ولو أعطاها الحمار يشربها, هو الملعون والحمار الشارب.

    فلا إله إلَّا الله كم من ملعون في الخمر ممن يشربها, ومن لا يشربها, وممن يدري, ومن لا يدري, عشرة أصناف، عاصر، و معتصر، وشارب، وحامل، والمحمولة إليه، الساقي، والبائع، آكل الثمن، والمشتري، والمشتراه له، وما ذلك إلَّا لشدة حرمة الخمر, سد هذه الذرائع كلها, وتقطيع هذه الوصائل إلى الخمر كلها, بحيث أن من تعرض لما يوجد الخمر أو يشيعه أو يذيعه بين الناس, أو يوزعه أو ينشره, فهو ملعون, فالواجب البعد عن اللعنة وأسباب اللعنة.

    والتشديد في حرمتها لما فيها من الضرر, وأيضًا لما كانت متفشية بين الناس, وأنه لا يمكن الانكفاف إلَّا بزجر شديد يكف الناس عن هذا الوعيد, وعن هذا الضرر كان الوعيد فيها شديدًا.

    فمن ضررها أنها من عمل الشيطان, وأنها توقع العداوة والبغضاء بين الناس, وأنها تصد عن ذكر الله, وأنها تسلب العقول, وأنها تسبب بين الناس من الأضرار ما لا يعلمه إلَّا الله قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة:90].

    قوله (رجس):أيضًا هي نجسة, نجاستها نجاسة معنوية.

    قوله (فاجتنبوه): وأن من شربها تعدى حدود الله, من شربها لا يفلح, ورب إنسان يشرب الخمر لا يفرق بين محرمه وزوجته, نعم ذكروا عن شارب هدد أمه بالقتل, إما أن تمكنه وإلا يقتلها ويقتل نفسه, فأمه مكنته, فلما أفاق علم أنه وقع على أمه فقتل نفسه تأسفًا على ما حصل منه, وعلى الجريمة التي انتهكها.

    وإذا شرب يصير ماله قيمة, تارة يرجم نفسه بين مزبلة, وتارة يطيح عند جدار ولعابه يسيل على صدره, وهو إنسان بلا عقل يلقي بنفسه إلى سفاله.

    ذكر بعض الذين تكلموا في هذا في شريط أنه قال في بعض الأوقات يفيق وهو في مزبلة عند الكلاب وبين الأذى وبين المخلفات من القمائم, قال: ويأخذ نفسه ويرجع يغير له بعض الثياب, وقت قصير وإذا به يريد يشرب, وهكذا حياتهم مُرَّة, الذي يدمن على الخمر حياته مُرَّة جدًا.

    وفيه أمراض على الكبد ولو بعد حين, وأمراض العقل أيضًا, وأمراض من تشنجات الأعصاب ولو بعد حين, الخمر تسبب ضررًا على الأعصاب.

    ومن أضرارها على الجسم الفتور, إن لم يشربها يشعر بفتور, حتى إذا شربها انتعش قليلاً ثم ثمل, فهو معرض لفتنة عريضة واسعة النطاق في دينه, ودنياه, وجسمه, وذكروا أن بعض الناس إن لم يتيسر له, وقد تاب من الخمر يكون قد شرب الخمر وأدمن عليها, ثم تاب وحبس نفسه عن ذلك, ربما يشرب من البنزين, ما يجوز له أن يشرب من البنزين, يقول: أخف الضررين, من لا يشرب الخمر وقد صار مدمنًا, يصب من البنزين ويشرب أيضًا, هذا فيه تخدير, أنت إذا شممت رائحة البنزين تدوخ وأنت في سيارة فكيف يشربه؟ فلا يجوز شربه, ما أسكر فهو حرام, وربما أحدهم يرجع من ذلك إلى ما يسمَّى بالبيرة مع بعض المركبات تخفيفًا بعد التوبة, أو إلى الكالونيا, وهذا أيضًا ما يجوز له, توبة صادقة, والبديل الرجوع إلى الله عزوجل, والتوبة, وليس البديل من الخمر الصافي إلى ما هو شبيه بالخمر, أو ما هو مسكر, وإن لم يسم بخمر, والخمر ما خامر العقل, فهذه ما هي توبة, وغير مقبول, وما زال شرَّابًا للخمر, وليست بهداية في هذا الجانب, ما هو مهتدي ما زال فاسقًا عاصيًا, وصلاته كذلك غير مقبولة, ولو شرب الكالونيا يسكر بها بديلاً عن ذلك المحرم, عن ذلك الخمر, صلاته أيضًا غير مقبولة أربعين يومًا, ولو شرب البيرة المركبة مع بعض الأشياء المسكرة, ولو شرب البنزين, ولو شرب كل ما كان يسكر, وشربه وهو محرم ومضر تبعًا لأصله, فإن شرب البنزين وسكر به فإن الخمر ما خامر العقل, إن سكر به وخامر عقله يصير ملعونًا.اهـ
    الكلام على سند الحديث



    سؤال: الذهبي رحمه الله ذكر هذا الحديث في «الميزان» وأنكره؟

    جواب: في «الترغيب والترهيب» للمنذري له شواهد وبعض ما يعضده, فكونه فيه مغمز هناك شواهد أخرى لفقراته نمر على بعضها إن شاء الله ما دام الأمر له أهمية في ذلك.

    قوله (عاصرها): عصرها تعاون على نشرها, وفي القرآن والسنة ما يدل على أن التعاون على الشر محرم, وعلى أن الزجر على حسب التحريم, وآكل ثمنها أيضًا متعاون, وبائع, ومستغل الحرام, وشاربها مفسد في الأرض, حاملها كذلك متعاون على الإثم والعدوان, وناشر للشر وللفساد, والمحمولة إليه ما حملت إليه إلَّا لمحبته للإضرار, وما حملت إليه إلَّا لطلبه لذلك ومراده لذلك.

    الناظر في أصل الحديث يرى أن كل فقرة من هذه العشر الفقرات تدخل تحت الأصول, وأنه ليس منكر المتن, اللهم إلَّا أن يقال فلان منكر الحديث, لكن مع ذلك المتن له ما يعضده, المتن ليس بمنكر, هو ثابت, وفي «الترغيب والترهيب» للمنذري في باب تحريم الخمر أدلة كثيرة في تحريم الخمر تعضد هذا الحديث ‑يعني من بابه‑ من بعض فقراته المذكورة.

    وهذا الحديث في «السلسلة الصحيحة» برقم (839), وانظروا ماذا يفيدنا الشيخ الألباني رحمه الله حول هذا الحديث بعدما قال ‑رحمه الله تعالى‑ بعد حديث: «أتاني جبريل, فقال: يا محمد إن الله عزوجل لعن الخمر, وعاصرها, ومعتصرها, وشاربها, وحاملها, والمحمولة إليه, وبائعها, ومبتاعها, وساقيها, ومستقيها».

    أخرجه أحمد (1/316), والحاكم (4/145), وعنه البيهقي في «شعب الإيمان» (2/150), عن مالك بن خير الزيادي, أن مالك بن سعد التجيبي حدثه, أنه سمع ابن عباس يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «فذكره, وقال: «صحيح الإسناد», ووافقه الذهبي.

    قلت: وهو كما قالا, فإن التجيبي هذا ترجمه ابن أبي حاتم وقال (4/1/109) عن أبي زرعة: «مصري لا بأس به»([1]). والزيادي ترجمه ابن أبي حاتم أيضًا (4/1/208) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلا.

    لكن روى عنه جماعة من الثقات, وثقه ابن حبان, ولذلك قال الذهبي في «الميزان» محله الصدق([2]), قال ابن القطان: هو ممن لم ثتبت عدالته, يريد أنه ما نص أحد على أنه ثقة.

    وفي رواة «الصحيحين» عدد كثير ما علمنا أن أحد نص على توثيقهم.

    والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بمنكر عليه, أن حديثه صحيح([3]), وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين.

    والحديث قال الهيثمي في «المجمع» (5/73): رواه أحمد والطبراني, ورجاله ثقات([4]) انتهى.

    قلت: وهو شاهد لحديث أنس, فالحديث له شواهد يرتقي بها إلى الصحة, انظر «الصحيحة » (839), «والترغيب والترهيب» للمنذري, و«مجمع الزوائد», وأيضًا كتاب «الأشربة» للإمام أحمد.

    فالحديث صحيح والحمد لله.



    _______________________







    ([1]) قال شيخنا يحيى حفظه الله: معناه حسن الحديث فإن صدرت هذه من مثل ابن أبي حاتم وابن معين وأمثال هؤلاء تصير في رتبة صدوق أو ثقة.


    ([2]) قال شيخنا يحيى حفظه الله: كلام جيد.


    ([3]) قال شيخنا يحيى حفظه الله: تقعيد جيد.


    4 «الصحيحة» تحت رقم (839).

      الوقت/التاريخ الآن هو 15.11.24 5:19