السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (آل عمران 102)، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء 1) , {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب 71).
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله تعالى , وخير الهدي هدي محمد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وشر الأمور محدثاتها , وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ,ثم أما بعد :
فإننا في هذه الليلة ـ ليلة الثامن عشر من شهر ذي القعدة عام 1428 هجرية ـ سأتكلم إن شاء الله حول نصائح هامة , وفوائد نافعة , منها الإخلاص لله سبحانه وتعالى , وأن الله سبحانه وتعالى لا يقبل العمل إلا إذا كان خالصا لوجهه الكريم , يقول سبحانه وتعالى {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (الزمر 3) وقال عز من قائل {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (الكهف 110) .
و{أَحَدًا} هنا نكرة في سياق النفي , أي يفيد العموم , أي كائنا من كان .
{وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}كائنا من كان , لا من الجن ولا من الإنس ولا قريب ولا بعيد , وإنما يبتغي بعمله وجه الله , وهكذا يقول تبارك وتعالى : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (البينة 5) أي ذلك الدين المستقيم المبني على الإخلاص وعلى التوحيد , والمبنى على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة .
فإن قوله {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} هذا هو الإخلاص , وهو إفراد الله بالعبادة .
وإن قوله {حُنَفَاء} أي موحدين , مائلين عن الشرك إلى التوحيد , هذا هو الدين القيم دين الإخلاص ودين التوحيد القائم عليهما وعلى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة , فإن إقام الصلاة يعتبر أعظم حق لله سبحانه وتعالى على عباده بعد التوحيد , وإيتاء الزكاة حق الفقراء والمساكين والمحاويج , فتقوم بحق الله وتقوم بحق خلقه في حال كونك مخلصا جميع العبادات لله سبحانه وتعالى .
الإخلاص يا أيها الناس شرط أساسي في صحة الأعمال , فالعمل لا يصح إلا به , ولا يقبل إلا به , والشيطان عدو الإنسان يريد من الإنسان أن ينسى هذا الشرط , وأن لا يتفقده في أعماله فكن على حذر من ذلك ـ من أن تنسى شرط الإخلاص ـ إخلاص العمل لله , ثم أيضا لا يقبل العمل إلا أن يكون موافقا لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم , لا بد من موافقته للكتاب والسنة وعلى فهم السلف الصالح , ولا بد من مراعاة الأصول الشرعية والقواعد الفقهية وأن الدين جاء بها , وهناك قواعد فقهية شرعية مبنية على أدلة من كتاب الله ومن سنة رسوله عليه الصلاة والسلام ,فلا بد من مراعاتها .
ولا يكون العبد متمسكا بالكتاب والسنة إلا إذا طبقهما في حياته وعلى ضوء العلم النافع المفيد وعلى ضوء القواعد الشرعية الصحيحة فإن نصف العالم يهدم خيرا كثيرا , وما ضر الناس إلا نصف عالم ونص طبيب ونص لغوي إلى غير ذلك , أنصاف الناس الذين لم ترسخ أقدامهم في علم الكتاب والسنة , فأنت بحاجة إلى الإخلاص لله , وكلمة الإخلاص مأخوذة من لفظة ( أخلصت العمل لله ) جردنه من جميع الشوائب , فلا يبقى فيه شيء لغير الله , لا دنيا ولا هوى ولا رياء ولا سمعة ولا أي غرض من أغراض الدنيا وأغراضها كثيرة , هذا هو المخلص الذي يجاهد نفسه في ذات الله , كما قال الله : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت 69) فيكون العبد دائما في مجاهدة لنفسه دائما وحتى يتوفاه الله وهو يجاهد نفسه في مرضاة الله , الشيطان يريد أن يوقعك في العمل الذي لا يكون خالصا لله وأنت تجاهد نفسك وتأبى إلا أن يكون لله.
وهكذا أيضا تجاهد نفسك من البدع وإتباع الأهواء فإن الإنسان قد يكون متبعا لهواه وهو يشعر أو لا يشعر , وكم أضل الهوى من الناس , كم أضل الهوى من أمم كما قال سبحانه وتعالى : {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} (الفرقان 44) سورة الفرقان وقال سبحانه وتعالى : {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (الأعراف 179) وقال سبحانه وتعالى : {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (الجاثية 23) قال : {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} فكيف بالذين يفتون بغير علم ؟ تكون المصيبة أعظم , إذا كان هذا أضله الله وهو على علم فالذي يكون بغير علم يكون أشد ضلالا ويكون أشد ضلالا والعياذ بالله , فالإنسان في أمس الحاجة إلى توفيق الله .
أنت يا أيها العبد أنت في أمس الحاجة إلى أن يوفقك الله وإلى أن يرزقك السداد السداد , فالقليل ممن يوفق , الموفقون قليلون وما أكثر المخذولين , وهكذا أيضا يا عبد الله العلم النافع هو الذي يثمر العمل به , يثمر تقوى الله ويثمر الخشية والخوف من الله كما قال سبحانه وتعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (فاطر 28) .
العلم النافع يثمر الأعمال الصالحة ويثمر الإخلاص لله , ويثمر متابعة الكتاب والسنة , ويجعل صاحبه في خوف من الله وفي وجل , لا يدري أقبل الله منه أم لا لأن الله يقول : {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (المائدة 27) .
فالعلم النافع هو الذي انتفع به صاحبه قبل غيره , فقلبه سليم ولسانه سليم ومعروفه مبذول معروفه للناس وإحسانه إليهم مبذول وطاعته لله هو قائم بها ورحمته بالناس ورفقه بهم حاصل وموجود كما قال الله سبحانه وتعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (آل عمران 159) .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما بأصحابه ودودا شكورا حليما صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وكان يبكي من خشية الله وكان دءوبا في الأعمال الصالحة , هذا هو العلم النافع الذي أثمر العمل , أثمر تقوى الله , علم يكون حجة لك يوم القيامة لا حجة عليك , الذي علمه حجة عليه هذا علمه وبال عليه , إنما العلم النافع هو الذي يثمر العمل الصالح , ويثمر الخشية من الله سبحانه وتعالى كما سمعتم قول الله : {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} (فاطر 28) .
فالعلماء هم أكثر الناس خشية من الله والذي لا يخشى الله هذا ليس بعالم بل هو جاهل , الذي لا يخشى الله الذي لا يتقي الله في أعراض المسلمين , الذي لا يتقي الله في لسانه وفي أوقاته وفي عمره وفي الأمة هذا إنسان جاهل وعلمه وبال عليه واقرؤوا في سير العلماء , اقرأ في سير أهل العلم كيف كانوا ؟ !! سواء من أنبياء الله ورسله أو من الصحابة أو من التابعين أو ممن تبعهم بإحسان أو من علماء هذا العصر كالشيخ بن باز والشيخ الألباني والشيخ بن عثيمين والشيخ مقبل رحمة الله عليهم وأمثالهم من أهل العلم , كيف كانوا يعملون بعلمهم ؟! كيف كانوا يتقون الله ويراقبون الله ويخشون الله , كيف كانوا يعملون بهذا العلم ويدعون إليه ويصبرون على أذى الناس ويتحملون في ذات الله هذا هو العلم النافع , فإن الله سبحانه يقول : {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} (الأعراف 99) .
فالإنسان متى أمن مكر الله فهو خاسر والعياذ بالله , بل مرتكب لكبيرة من الكبائر , المؤمن يكون دائما خائفا من الله يرجو رحمة الله ويخشى عذابه ولا يدري ما الله فاعل به هذا المؤمن فالعالم من باب أولى , يخشى الله ويراقب الله ويتقي الله , لا يدري ما الله فاعل به , لا يتكبر على الناس ولا يفتخر عليهم , لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول : "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" رواه مسلم عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه .
المؤمن الصالح قلبه سليم , قلبه نظيف من الحقد والغل والحسد والبغضاء والشحناء لإخوانه المؤمنين , هذا هو المؤمن الصالح المؤمن الصادق الذي يخشى الله ويتقي الله ويراقب الله , فالمؤمن لا يقول في أخيه المؤمن ما لم يقله , فإنه قد قال عليه الصلاة والسلام : " من قال في أخيه ما لم يقله أدخله الله ردغة الخبال يوم القيامة حتى يخرج مما قال " أخرجه أبو داود وغيره من حديث ابن عمر رضي الله عنه بإسناد صحيح " من قال في أخيه ما ليس فيه أدخله الله ردغة الخبال " وهي عصارة أهل النار ـ الدم والصديد القيح والعياذ بالله ـ "حتى يخرج مما قال" فإذا كان كذب عليه .
فانتبه يا عبد الله من إطلاق اللسان في أعراض الناس , فهذا والله خطير , خطير جدا , فالمؤمن يتقي الله في لسانه كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " متفق عليه .
فإن الواجب على المسلم أن يتمسك بالكتاب والسنة وعلى فهم السلف الصالح , وأن يسأل أهل العلم المتمسكين بالكتاب والسنة الذين يتقون الله ويخشون الله ويراقبون الله , يسألهم فيما يشكل عليه كما قال سبحانه وتعالى : {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (النحل 43) وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام : "قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما كان شفاء العي السؤال" والعي هو الجهل وشفاؤه السؤال , وعلى المسلم أيضا أن يحذر من المعاصي ومن البدع ومن الحزبية ومن أصحاب التحزب المذموم , عليه أن يحذر وأن يبتعد فإن الله سبحانه وتعالى يقول : {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (الكهف28).لا تطع الغافل" ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه " فالغافل ابتعد عنه وأصحاب الأهواء وأصحاب البدع وأصحاب الحزبيات ابتعد عنهم , وأيضا أصحاب الدنيا الغارقين فيها , كما سمعت في الآية {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (الكهف 28) .
فعليك بالسداد وعليك بأصحاب السداد , عليك بالصدق وعليك بالصادقين كما قال الله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة 119) كونوا مع الصادقين مع المؤمنين مع المتقين مع المحسنين جالسوهم وكونوا معهم وابتعدوا عن أضدادهم , أبتعد عن الكذابين عن الخائنين عن الظالمين عن الفاسقين كما قال الله : {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} (هود 113) فكن مع المؤمنين الصالحين الصادقين , شاورهم كما قال الله : {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}(آل عمران 159) وكما قال الله : {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى 38) لا تستبد برأيك فقد تخطئ لأنك بشر غير معصوم ودائما كن متهما لرأيك ما دام أمرك مع أناس صالحين مؤمنين متقين (كلام غير واضح), ولهذا أدب الله هذه الأمة وعلمها بقوله : {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى 38) وبقوله سبحانه لرسوله عليه الصلاة والسلام {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} هكذا المؤمن هكذا المتقي لله الخائف من الله الوجل من لقاء الله الذي دائما بين الخوف والرجاء يرجو رحمة الله ويخشى عذابه ولا يأمن مكر الله وهل يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ؟ كما قال سبحانه وتعالى : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} (الأعراف 96- 99).
فالمؤمن ما يأمن مكر الله ولا ييأس من رحمة الله وإنما يكون دائما بين الخوف والرجاء , فالمؤمن ينتبه على نفسه من الانجرار ومن مداخل الشيطان , من العجب والكبر والفخر والرياء والسمعة والكذب والغيبة والنميمة والطعن في الأعراض , يحذر من عقوق الوالدين ومن عقوق مشايخ أهل العلم , احذر من قطيعة الأرحام وأذية الجيران , احذر من الإساءة إلى المسلمين ومن أذيتهم بالقول أو بالفعل , المؤمن دائما يحاسب نفسه , يرحم الصغير ويوقر الكبير فقد قال عليه الصلاة والسلام : " ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه " .
فقوله " ليس منا " معناه أن الذي يخالف في ذلك واقع في كبيرة من الكبائر , من كبائر الذنوب والعياذ بالله , كما قال عليه الصلاة والسلام : " من حلف بالأمانة فليس منا إلى غير ذلك.
فالمؤمن هذا دأبه يرحم من هو أصغر منه ويوقر من هو أكبر منه ويجل أهل العلم الصالحين المؤمنين الصادقين , يجلهم ويحترمهم لأن إجلالهم من إجلال الله سبحانه , إجلال ذي الشيبة والحامل للقرآن من إجلال الله كما جاء في الحديث , فالمؤمن يحفظ لسانه إلا من خير فإن الله يقول : {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (ق 18) ويقول سبحانه وتعالى : {كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} (الإنفطار 11 - 12) وقال الرسول عليه الصلاة والسلام : " إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا تهوي به في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب " فالمسألة خطيرة , اللسان يا عبد الله كما قال عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل رضي الله عنه : " أولا أدلك على ملاك ذلك كله " أي أدلك على شيء يجلب لك الخير كله ويجنبك الشر كله , قال قلت : بلى يا رسول الله , قال : " أمسك عليك هذا " وأشار إلى لسانه , قال : قلت يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال : " ثكلتك أمك يا معاذ , وهل يكب الناس في النار يوم القيامة على وجوههم " أو قال " على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ٍ!" أي ما الذي يكب الناس يوم القيامة على وجوههم ويسحبون على مناخرهم ؟ إلا بسبب ما حصدته ألسنتهم . نسأل الله العافية والسلامة .
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله تعالى , وخير الهدي هدي محمد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وشر الأمور محدثاتها , وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ,ثم أما بعد :
فإننا في هذه الليلة ـ ليلة الثامن عشر من شهر ذي القعدة عام 1428 هجرية ـ سأتكلم إن شاء الله حول نصائح هامة , وفوائد نافعة , منها الإخلاص لله سبحانه وتعالى , وأن الله سبحانه وتعالى لا يقبل العمل إلا إذا كان خالصا لوجهه الكريم , يقول سبحانه وتعالى {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (الزمر 3) وقال عز من قائل {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (الكهف 110) .
و{أَحَدًا} هنا نكرة في سياق النفي , أي يفيد العموم , أي كائنا من كان .
{وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}كائنا من كان , لا من الجن ولا من الإنس ولا قريب ولا بعيد , وإنما يبتغي بعمله وجه الله , وهكذا يقول تبارك وتعالى : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (البينة 5) أي ذلك الدين المستقيم المبني على الإخلاص وعلى التوحيد , والمبنى على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة .
فإن قوله {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} هذا هو الإخلاص , وهو إفراد الله بالعبادة .
وإن قوله {حُنَفَاء} أي موحدين , مائلين عن الشرك إلى التوحيد , هذا هو الدين القيم دين الإخلاص ودين التوحيد القائم عليهما وعلى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة , فإن إقام الصلاة يعتبر أعظم حق لله سبحانه وتعالى على عباده بعد التوحيد , وإيتاء الزكاة حق الفقراء والمساكين والمحاويج , فتقوم بحق الله وتقوم بحق خلقه في حال كونك مخلصا جميع العبادات لله سبحانه وتعالى .
الإخلاص يا أيها الناس شرط أساسي في صحة الأعمال , فالعمل لا يصح إلا به , ولا يقبل إلا به , والشيطان عدو الإنسان يريد من الإنسان أن ينسى هذا الشرط , وأن لا يتفقده في أعماله فكن على حذر من ذلك ـ من أن تنسى شرط الإخلاص ـ إخلاص العمل لله , ثم أيضا لا يقبل العمل إلا أن يكون موافقا لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم , لا بد من موافقته للكتاب والسنة وعلى فهم السلف الصالح , ولا بد من مراعاة الأصول الشرعية والقواعد الفقهية وأن الدين جاء بها , وهناك قواعد فقهية شرعية مبنية على أدلة من كتاب الله ومن سنة رسوله عليه الصلاة والسلام ,فلا بد من مراعاتها .
ولا يكون العبد متمسكا بالكتاب والسنة إلا إذا طبقهما في حياته وعلى ضوء العلم النافع المفيد وعلى ضوء القواعد الشرعية الصحيحة فإن نصف العالم يهدم خيرا كثيرا , وما ضر الناس إلا نصف عالم ونص طبيب ونص لغوي إلى غير ذلك , أنصاف الناس الذين لم ترسخ أقدامهم في علم الكتاب والسنة , فأنت بحاجة إلى الإخلاص لله , وكلمة الإخلاص مأخوذة من لفظة ( أخلصت العمل لله ) جردنه من جميع الشوائب , فلا يبقى فيه شيء لغير الله , لا دنيا ولا هوى ولا رياء ولا سمعة ولا أي غرض من أغراض الدنيا وأغراضها كثيرة , هذا هو المخلص الذي يجاهد نفسه في ذات الله , كما قال الله : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت 69) فيكون العبد دائما في مجاهدة لنفسه دائما وحتى يتوفاه الله وهو يجاهد نفسه في مرضاة الله , الشيطان يريد أن يوقعك في العمل الذي لا يكون خالصا لله وأنت تجاهد نفسك وتأبى إلا أن يكون لله.
وهكذا أيضا تجاهد نفسك من البدع وإتباع الأهواء فإن الإنسان قد يكون متبعا لهواه وهو يشعر أو لا يشعر , وكم أضل الهوى من الناس , كم أضل الهوى من أمم كما قال سبحانه وتعالى : {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} (الفرقان 44) سورة الفرقان وقال سبحانه وتعالى : {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (الأعراف 179) وقال سبحانه وتعالى : {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (الجاثية 23) قال : {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} فكيف بالذين يفتون بغير علم ؟ تكون المصيبة أعظم , إذا كان هذا أضله الله وهو على علم فالذي يكون بغير علم يكون أشد ضلالا ويكون أشد ضلالا والعياذ بالله , فالإنسان في أمس الحاجة إلى توفيق الله .
أنت يا أيها العبد أنت في أمس الحاجة إلى أن يوفقك الله وإلى أن يرزقك السداد السداد , فالقليل ممن يوفق , الموفقون قليلون وما أكثر المخذولين , وهكذا أيضا يا عبد الله العلم النافع هو الذي يثمر العمل به , يثمر تقوى الله ويثمر الخشية والخوف من الله كما قال سبحانه وتعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (فاطر 28) .
العلم النافع يثمر الأعمال الصالحة ويثمر الإخلاص لله , ويثمر متابعة الكتاب والسنة , ويجعل صاحبه في خوف من الله وفي وجل , لا يدري أقبل الله منه أم لا لأن الله يقول : {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (المائدة 27) .
فالعلم النافع هو الذي انتفع به صاحبه قبل غيره , فقلبه سليم ولسانه سليم ومعروفه مبذول معروفه للناس وإحسانه إليهم مبذول وطاعته لله هو قائم بها ورحمته بالناس ورفقه بهم حاصل وموجود كما قال الله سبحانه وتعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (آل عمران 159) .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما بأصحابه ودودا شكورا حليما صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وكان يبكي من خشية الله وكان دءوبا في الأعمال الصالحة , هذا هو العلم النافع الذي أثمر العمل , أثمر تقوى الله , علم يكون حجة لك يوم القيامة لا حجة عليك , الذي علمه حجة عليه هذا علمه وبال عليه , إنما العلم النافع هو الذي يثمر العمل الصالح , ويثمر الخشية من الله سبحانه وتعالى كما سمعتم قول الله : {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} (فاطر 28) .
فالعلماء هم أكثر الناس خشية من الله والذي لا يخشى الله هذا ليس بعالم بل هو جاهل , الذي لا يخشى الله الذي لا يتقي الله في أعراض المسلمين , الذي لا يتقي الله في لسانه وفي أوقاته وفي عمره وفي الأمة هذا إنسان جاهل وعلمه وبال عليه واقرؤوا في سير العلماء , اقرأ في سير أهل العلم كيف كانوا ؟ !! سواء من أنبياء الله ورسله أو من الصحابة أو من التابعين أو ممن تبعهم بإحسان أو من علماء هذا العصر كالشيخ بن باز والشيخ الألباني والشيخ بن عثيمين والشيخ مقبل رحمة الله عليهم وأمثالهم من أهل العلم , كيف كانوا يعملون بعلمهم ؟! كيف كانوا يتقون الله ويراقبون الله ويخشون الله , كيف كانوا يعملون بهذا العلم ويدعون إليه ويصبرون على أذى الناس ويتحملون في ذات الله هذا هو العلم النافع , فإن الله سبحانه يقول : {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} (الأعراف 99) .
فالإنسان متى أمن مكر الله فهو خاسر والعياذ بالله , بل مرتكب لكبيرة من الكبائر , المؤمن يكون دائما خائفا من الله يرجو رحمة الله ويخشى عذابه ولا يدري ما الله فاعل به هذا المؤمن فالعالم من باب أولى , يخشى الله ويراقب الله ويتقي الله , لا يدري ما الله فاعل به , لا يتكبر على الناس ولا يفتخر عليهم , لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول : "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" رواه مسلم عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه .
المؤمن الصالح قلبه سليم , قلبه نظيف من الحقد والغل والحسد والبغضاء والشحناء لإخوانه المؤمنين , هذا هو المؤمن الصالح المؤمن الصادق الذي يخشى الله ويتقي الله ويراقب الله , فالمؤمن لا يقول في أخيه المؤمن ما لم يقله , فإنه قد قال عليه الصلاة والسلام : " من قال في أخيه ما لم يقله أدخله الله ردغة الخبال يوم القيامة حتى يخرج مما قال " أخرجه أبو داود وغيره من حديث ابن عمر رضي الله عنه بإسناد صحيح " من قال في أخيه ما ليس فيه أدخله الله ردغة الخبال " وهي عصارة أهل النار ـ الدم والصديد القيح والعياذ بالله ـ "حتى يخرج مما قال" فإذا كان كذب عليه .
فانتبه يا عبد الله من إطلاق اللسان في أعراض الناس , فهذا والله خطير , خطير جدا , فالمؤمن يتقي الله في لسانه كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " متفق عليه .
فإن الواجب على المسلم أن يتمسك بالكتاب والسنة وعلى فهم السلف الصالح , وأن يسأل أهل العلم المتمسكين بالكتاب والسنة الذين يتقون الله ويخشون الله ويراقبون الله , يسألهم فيما يشكل عليه كما قال سبحانه وتعالى : {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (النحل 43) وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام : "قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما كان شفاء العي السؤال" والعي هو الجهل وشفاؤه السؤال , وعلى المسلم أيضا أن يحذر من المعاصي ومن البدع ومن الحزبية ومن أصحاب التحزب المذموم , عليه أن يحذر وأن يبتعد فإن الله سبحانه وتعالى يقول : {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (الكهف28).لا تطع الغافل" ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه " فالغافل ابتعد عنه وأصحاب الأهواء وأصحاب البدع وأصحاب الحزبيات ابتعد عنهم , وأيضا أصحاب الدنيا الغارقين فيها , كما سمعت في الآية {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (الكهف 28) .
فعليك بالسداد وعليك بأصحاب السداد , عليك بالصدق وعليك بالصادقين كما قال الله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة 119) كونوا مع الصادقين مع المؤمنين مع المتقين مع المحسنين جالسوهم وكونوا معهم وابتعدوا عن أضدادهم , أبتعد عن الكذابين عن الخائنين عن الظالمين عن الفاسقين كما قال الله : {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} (هود 113) فكن مع المؤمنين الصالحين الصادقين , شاورهم كما قال الله : {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}(آل عمران 159) وكما قال الله : {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى 38) لا تستبد برأيك فقد تخطئ لأنك بشر غير معصوم ودائما كن متهما لرأيك ما دام أمرك مع أناس صالحين مؤمنين متقين (كلام غير واضح), ولهذا أدب الله هذه الأمة وعلمها بقوله : {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى 38) وبقوله سبحانه لرسوله عليه الصلاة والسلام {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} هكذا المؤمن هكذا المتقي لله الخائف من الله الوجل من لقاء الله الذي دائما بين الخوف والرجاء يرجو رحمة الله ويخشى عذابه ولا يأمن مكر الله وهل يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ؟ كما قال سبحانه وتعالى : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} (الأعراف 96- 99).
فالمؤمن ما يأمن مكر الله ولا ييأس من رحمة الله وإنما يكون دائما بين الخوف والرجاء , فالمؤمن ينتبه على نفسه من الانجرار ومن مداخل الشيطان , من العجب والكبر والفخر والرياء والسمعة والكذب والغيبة والنميمة والطعن في الأعراض , يحذر من عقوق الوالدين ومن عقوق مشايخ أهل العلم , احذر من قطيعة الأرحام وأذية الجيران , احذر من الإساءة إلى المسلمين ومن أذيتهم بالقول أو بالفعل , المؤمن دائما يحاسب نفسه , يرحم الصغير ويوقر الكبير فقد قال عليه الصلاة والسلام : " ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه " .
فقوله " ليس منا " معناه أن الذي يخالف في ذلك واقع في كبيرة من الكبائر , من كبائر الذنوب والعياذ بالله , كما قال عليه الصلاة والسلام : " من حلف بالأمانة فليس منا إلى غير ذلك.
فالمؤمن هذا دأبه يرحم من هو أصغر منه ويوقر من هو أكبر منه ويجل أهل العلم الصالحين المؤمنين الصادقين , يجلهم ويحترمهم لأن إجلالهم من إجلال الله سبحانه , إجلال ذي الشيبة والحامل للقرآن من إجلال الله كما جاء في الحديث , فالمؤمن يحفظ لسانه إلا من خير فإن الله يقول : {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (ق 18) ويقول سبحانه وتعالى : {كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} (الإنفطار 11 - 12) وقال الرسول عليه الصلاة والسلام : " إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا تهوي به في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب " فالمسألة خطيرة , اللسان يا عبد الله كما قال عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل رضي الله عنه : " أولا أدلك على ملاك ذلك كله " أي أدلك على شيء يجلب لك الخير كله ويجنبك الشر كله , قال قلت : بلى يا رسول الله , قال : " أمسك عليك هذا " وأشار إلى لسانه , قال : قلت يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال : " ثكلتك أمك يا معاذ , وهل يكب الناس في النار يوم القيامة على وجوههم " أو قال " على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ٍ!" أي ما الذي يكب الناس يوم القيامة على وجوههم ويسحبون على مناخرهم ؟ إلا بسبب ما حصدته ألسنتهم . نسأل الله العافية والسلامة .