" بيان أهمية السنة وبيان خطر البدعة "
لفضيلة الشيخ
عبد العزيز البرعي
حفظه الله تعالى
=======
لفضيلة الشيخ
عبد العزيز البرعي
حفظه الله تعالى
=======
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له , واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون(
( َ َيا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً)
أما بعد ,,,
فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ،وكل ضلالة في النار.
أيها الناس ، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) ، هذه الآية الكريمة شأنها عظيم ، قال رجل من اليهود لعمر ابن الخطاب إن آية في كتابكم لو علينا معشر يهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا ، قال وما هي ، قال ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) ، قال عمر أني لأعلمُ أين نزلت وفي أي يوم نزلت ، نزلت في يوم الجمعة في يوم عرفة والرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم على راحلته ، وهذا ينبئك
أن هذا اليهودي ومن كان على شاكلته مستعدون لإحداث البدع في دين الله علي ما يهوون وأي شيء يناسبهم ، هم مستعدون أن يحدثوا له عيدا واحتفالات وطقوس معينة يخترعونها من قبل أنفسهم ، ولكن الآية ذاتها قضت علي ذلك ، فالله عز وجل أكمل الدين وأتم النعمة ورضي الإسلام لنا دينا ، وان أي زيادة يزيدها الناس احتفالاً أو تسبيحاً وتحميداً وتهليلاً وغير ذلك من الأذكار أو صلوات أو غير ذلك ، يعتبر اتهاماً للدين بعدم الكمال ، واتهاماً للنعمة بعدم التمام ، واتهاماً لرسول الله صلي الله عليه وعلى آله وسلم ، انه إن كان اللهُ قد أوحى ذلك إليه أنه لم يبلغه للناس ، وهذا يتنزل على كل بدعة ، ومن هنا تعلم شؤم البدع وخطرها على دين الله ، يقول الإمام مالك بن انس عليه رحمة الله " لا يصلح أخر هذه الأمة إلا ما صلح به أولها وما لم يكن ذلك اليوم دينا فلن يكون اليوم دينا " ، ويقول عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم ، عليكم بالأمر العتيق " ، والمراد بالعتيق القديم ، المراد بالعتيق القديم.
على هذا أيها الإخوة ، لابد أن يعلم المسلم عظمة سنةِ رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم ، يعرف عظمتها بأنها كاملة غير قابلة للنقص ، كما أنها غير قابلة للزيادة ، فمن انتقص منها فانه يكون ضالاً منحرفاً ، فان انقص بنية التعبد فهو مبتدع وإلا فهو عاصي ومجرم وفاسق إلي حيث ما وصلت به الأحكام الشرعية حسب المعاصي الصادرة منه ، فالله عز وجل أتم النعمة ، ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم " ما تركت من خير إلا دللتكم عليه ، وما تركت من شر إلا حذرتكم منه " ، ويقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم " تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ".
واعلموا أيها الناس أن من تمسك بالسنة تمسكاً صادقا لن يبقى في وقته اتساعاً لبدعة من البدع قطعا في أي عبادة شاء ، يريد أن يريد أن يتعبد لله بها ، فان عنده ما يسد فراغه ذلك ، على سبيل المثال عبادة الصيام ، بعد شهر رمضان المبارك ست شوال ، والتاسع من ذي الحجة ،والتاسع والعاشر من المحرم ، وثلاثة أيام من كل شهر ، وصيام يوم وإفطار يوم ، لو قدر أن يقيم هذا العمل الصالح فانه في غنى عن البدع والمحدثات في باب الصيام ، وإن أراد في الصلاة فان عنده بعد أداء الفرائض الضُحى وأكثر ما صح فيه ثمان ، وقيام الليل ، وقيام الليل يصلي ما شاء ثم يختمه بوتر ، والنوافل التي قبل الصلوات وبعدها ، ثم يُفتح له باب النوافل من بعد طلوع الشمس حسناء إلي وقت الزوال ، ومن بعد الزوال إلي العصر ، ومن بعد غروب الشمس إلي الصبح ، لن يبقى عنده وقت للبدع في باب الصلاة ، لو انه أراد أن يستكثر من الصلاة فعنده مجال لو اتسع وقته ولو لمئات الركعات ،
في باب الذكر عنده أذكار الصباح والمساء ، والنوم والاستيقاظ ، ودخول المسجد وخروجه ، ودخول الخلاء ، وأذكار الطعام قبلاً وبعدا ، ثم الأذكار مفتوحة على مدار الساعة تسبيحاً وتحميداً وتهليلاً وتكبيرا ، دون تقيد بكيفيات معينة وطرائق معينة وإنما يكون ذكرا مفتوحا ،
بهذا لن يكون عنده مجال لإحداث البدع ، فأنت في غنى عنها ، أغناك الله بالسنة الثابتة.
وهكذا أيها الإخوة غير ذلك من العبادات ، فان في الثابت في كتاب لله وفي سنة رسول لله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يسد الفراغ كله ، قال الله عز وجل ( وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) ، فلنأخذ ما جاء عن رسول لله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكفى فمن كان متحمساً في جانب من العبادات نقول له خذ ما جاءك عن رسول لله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ففيه ما يكفي ، ويقول تعالى( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ ) ، أنت تريد وجه الله وأنت تريد الرفعة في اليوم الأخر ، وتريد أن تنجوا من عذاب لله ، وتخاف يوماً كان شره مستطيرا ، اجعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قدوتك .
يا أيها الإخوة هذه الآية مهمة علينا أن نعيها وأن نفهمها ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) ، بمعنى أن الله جعل رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو الشخص الوحيد الذي يتّبع في أقواله وأفعاله ومعتقداته وترك ما ترك ، فكل عمل ترى أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يفعله فقل في نفسك يقيناً لو كان خيراً لفعله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، كن على اقتناع ، كن على اقتناع انه لو كان خيراً لفعله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، لسنا أحب إلى الله من رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولسنا أحب إلى الله من صحابة رسوله عليه الصلاة والسلام ، لو كان خيراً لسبقونا إليه ، وبناءً عليه فكن مقتنعا أن ما لم يكن عليه الصحابة فليس ديناً يُتدين لله به ، كن على اقتناع حتى تكون بعيداً عن كل البدع وبعيداً عن كل المحدثات والضلالات ، معظماً لكتاب لله ومعظماً لسنة رسول لله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فإذا وجدت صياماً لم يصمه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو وجدت صلاةً لم يصلها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو نحو ذلك من الأعمال لم يفعله الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فاعلم أن الله لا يحبه.
أيها الناس ، لابد أن نعلم أننا لا نستطيع أن نعلم أن الله يحب العمل إلا إذا ثبت دليله في الكتاب والسنة ، قبل صعودي هذا المنبر كان منكم التالي للقرآن ، ومنكم المصلي ، ومنكم الذاكر لله عز وجل وهي عبادات جميلةٌ حسنة عظيمة ، أرأيتم هذه اللحظات التي انتم فيها قد منعتم فيها من الصلاة ومنعتم فيها من تلاوة القرآن ومنعتم فيها من ذكر لله ، مع أن تلاوة القرآن خيرٌ من كلامي الذي أقوله لكم الآن ، ولكنكم مأمورون أن تنصتوا ومنهيون عن الذكر وعن تلاوة القرآن ، ألا ترى أن عبادة عظيمة بعد صعود الخطيب المنبر تعتبر حراماً عليك ، هذا دليل على أن الدين لا يُعرف بالعقل ، اُصلي فإذا صعد الإمام المنبر وافتتح خطبته أُنهى عن الصلاة ، هذا دليل على أن الدين ليس بالعقل ، اتلُ القرآن فإذا صعد الخطيب المنبر أُنهى عن ذلك ، هذا دليل على أن الدين ليس بالعقل ، وانه لابد من دليل يدل على أن الله يحب تلك العبادة.
قبل غروب الشمس الصلاة منهيٌ عنها و بعد غروب الشمس تعتبر عبادة من العبادات ،
قبل طلوع الشمس كذلك ، وعند زوال الشمس واستواء الشمس في قائمة الظهيرة ، فعند استوائها منهيٌ عن الصلاة وبعد زوالها أُبيحت الصلاة ،
في أخر يوم من شعبان يُنهى عن الصيام وفي الواحد من رمضان يعتبر عبادة ،
في أخر يوم من رمضان الصيام عبادة وفي الواحد من شوال يُنهى عن الصيام ،
في التاسع من ذي الحجة الصيام يكفر ذنوب عامين وفي العاشر لا يجوز لأنه يوم عيد ، هذا دليل على أن الدين ليس بالرأي ، وانه ليس لأحد من الناس أن يخترع شيءً من العبادات يساهم بها في إضافات إلي دين لله ، دين الله غني عن كل زيادة, لابد أن نعقل هذا وان نفهمه ، وان الله حين قال ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) ، أي ليس إليكم أن تخترعوا ، بل اقتدوا برسول لله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، إذا لو كان أي عمل ما محبوباً إلى الله لكان رسول الله أولى به و أسبق إليه.
أيها الناس ، والأدلة في متابعة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كثيرة ، ألا فاعلموا أيها الناس أن طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم راحةٌ للقلوب واطمئنان ، لأنك على بينة ، أترون رجلاً يخاصم على ارض وليس عنده ما يثبت ملكيته على تلك الأرض ، كيف يكون لسانه متلجلجا في قاعات المحاكم ، لأنه ليس لديه البراهين الصادقة التي تدل على ملكيته ، فإذا كان لديه البصائر والصكوك الموثقة بملكيته على تلك الأرض طال لسانه وصال وجال على خصومه لأنه صاحب الحق ، وهكذا عندما يكون الإنسان عنده بدعةٌ من البدع تراه يتلجلج لسانه ويضطرب في الكلام ، فإذا قيل له هات لنا دليلاً
حك لحييه جميعاً وامتخط
، ليس عنده برهن على ما يقول ولا حجة على ما يدعي وذهب يهوش بالكلام هنا وهناك بغير برهان ولا بينة ،
فإذا ما جاء شخص بعبادة من العبادات عنده عليها الدليل من الكتاب والسنة ، فإذا قيل له ما دليلك طال على مجادله وقال له الدليل كذا قال الله كذا وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كذا وكذا ، لهذا لابد لكل عبادة من دليل من كتاب لله ومن سنة رسول لله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، اسأل الله بمنه وكرمه أن يوفقنا وإياكم إلي ما يحب ويرضى ، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا اله إلا هو إليه المصير ، أحمده سبحانه وتعالى حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، أما بعد.
أيها الناس ، فبعد هذه المقدمة المهمة التي ينبغي أن نعلمها في بيان أهمية السنة وبيان خطر البدعة ، لابد أن نفهم ذلك ونعيه ، وهي خطوة يصل بها الإنسان إلي معرفة البدع.
فأولاً : نعلم جميعاً أن كل بدعة ضلالة ليست هداية ولا سائقة إلى هداية، وقد قرر ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في خطبه ، ونقول لأي شخص عنده بدعة ، أنتفق معك على أن كل بدعة ضلالة ولابد أن يقول نعم ، لان النصوص في ذلك صحيحة بان كل بدعة ضلالة.
الأمر الثاني : لابد أن نتفق نحن وهو على البدعة ما هي ، والبدعة أن يتقرب الإنسان إلي الله بعمل لا برهان له به ، فإذا اتفقنا على ذلك ، فنريد من ذلك الإنسان أن يضرب مثالاً على البدعة ، وبناءً على ذلك المثال تتصل به كل البدع ، وتلتصق به كل المحدثات ، ومن هنا فيكون الناسُ على وفاق بإذن لله ، ولكن أقول الواقع إننا متفقون
ولكن مختلفون ، فمتفقون على أن كل بدعةٍ ضلالة ومتفقون على تعريف البدعة ، ومختلفون في أحداث البدع وفي تعيين البدع ما هي ، ولا يستطيع من كان مرتكباً لبدعة أن يضرب مثالاً عليها.
نعم أيها الناس ، طائفتان هما مستودع البدع والمحدثات ، الشيعة والصوفية ، ما من بدعة في المجتمع أو غالب ما تجد من البدع في المجتمع إلا وتجدها راجعة إلي الشيعة والصوفية ، ونحن في هذه الأيام يعيش الناس في أيام هي أيام بدع ومحدثات تكثر من قبل الصوفية ينشرون فيها بدعهم ، كالاحتفال بأول جمعة من رجب ، والاعتناء بشهر رجب اعتناءً معينا ، ثم الاحتفال بالسابع والعشرين من رجب ، ويصومون ثلاثة أيام السابع والثامن والتاسع والعشرين.
وهذه البدع ، أما أول جمعة من رجب ، فلقولٍ من الأقوال إنها ليلة الإسراء والمعراج ، وأما السابع والعشرون فلقول أخر انه يوم الإسراء والمعراج ، وكله ضعيف لا يثبت ، حتى قال بعضهم :
ليلة الجمعة عُرج بالنبي *** ليلة الجمعة أول رجبِ
وهو لا يثبت في ذلك ، وهناك أقوال كثيرة لا يثبت منها شيء عن رسول لله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، مع أننا نؤمن أن الله عز وجل أكرم نبيه بمعراجه بعد إسراءه ، فأسرى به إلي المسجد الأقصى وعرج به إلي السماء تلو سماء إلى السماء السابعة قال تعالى ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ).
نعم أيها الناس ، فهذا شيءٌ أكرم الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،لم يكن لغيره من بني آدم ، ونحن نؤمن بذلك ولكن لا ندري في أي يوم من أيام السنة ، أخفى الله ذلك علينا ثم هب أننا علمنا في أي يوم كان الإسراء والمعراج ، فلم يرد دليل على إننا نحتفل بهذا اليوم المبارك ، ونحن نؤمن أنها ليلة مباركة وليلة عظيمة ، لكن لم نُخبر أي ليلة هي ، ثم لو اُخبرنا فليس عندنا دليل على أننا نحتفل بها وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وذكر العلماء انه لم يثبت انه احتُفِل بالإسراء والمعراج على مدى أربع مائة سنة الأولى في التاريخ الإسلامي ، وإنما أُحدثت بعد المائة الرابعة ، وهذا يدلك على أن السلف لم يكونوا يعرفون الاحتفال بالإسراء والمعراج ، وانه بدعة وضلالة ما عليه برهان لا من كتاب ولا من سنة ، ولو سألنا هذا الذي يحتفل بالإسراء والمعراج ، هل لله عز وجل أوحى إلي رسوله أن احتفل بالإسراء والمعراج ومُرْ أصحابك بذلك ، فان قالوا نزل فأين هو ، وان قالوا لم ينزل فلماذا يطلبون منا عبادة لم تنزل من السماء ولم يأمر بها الله ، وهذا واضح جلي لا خفاء فيه يراه من لا يرى ويسمعه من لا يسمع ويعيه كل شخص.
نعم أيها الناس ، وهكذا بارك اللهُ فيكم تخصيص رجب بصيام من بين الشهور, فليكن كغيره ، إن كنت ممن يصوم الاثنين والخميس أو ثلاثة أيام من كل شهر أو تصوم يوما وتفطر يوما فصمها في رجب أيضا ، فيكون رجب كغيره من الشهور ، أما أن يخصص بصيام فان هذا لم يثبت ولا له برهان ، وإنا ننصح من كان يصوم رجب أن يفطر وان يجعله كغيره من الشهور.
وهكذا أيها الإخوة جعل أول جمعة من رجب عيداً ، يتزاور فيها الناس ويكتسون الثياب الجديدة ، ويتهادون الهدايا وبهنيء بعضهم بعضا ، وتتزاور فيه الأسر ، فان هذا أيضاً من البدع المحدثة ، وهكذا تخصيصه بذبيحة كما خصص عيد الأضحى بالأضحية ، فتخصيصه بالذبيحة يعتبر معصية وبدعة ، قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم " لا فرع ولا عتيرة " ، و العتيرةُ هي ذبيحة رجب.
وهكذا أيها الإخوة تلك الاحتفالات التي يجتمع لها الناس في السابع والعشرين من رجب في بعض المناطق ، يحصل فيها من المنكرات ودعاء غير لله ويحصل فيها من الاختلاط ، ويحصل فيها من ادعاء أن منهم من يطعن ولا يضره السلاح ، ونحو ذلك من الضلالات والكلام الفارغ والسحر والشعوذة والكذب والدجل على الناس ، دع عنك انه يذهب إلي تلك المجامع من يعتبرها سوقاً وهي سوق للسحرة ، فيذهبون بكتب السحر ويدّعون إنهم يعالجون الناس ، والناس جهلة يعتبرونها فرصة ، وأنهم سيجدون من الذين يعتبرونهم علماء في نظرهم ــ وهم في الحقيقة سحرة ــ من يصعب عليهم الحصول عليهم في غير هذه الفرصة فسيعالجونهم فينتشر السحر في تلك الاجتماعات انتشاراً عجيبا ، وهكذا الاحتفالات الأخرى التي تقام في غير السابع والعشرين من رجب ، كالاحتفال بليلة الثاني عشر من ربيع بحجة أنها مولد رسول لله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وهكذا الاحتفال في الثامن عشر من شهر ذي الحجة بعيد الغدير عند الشيعة ، ويدّعون انه يوم أكرم الله فيه علي ابن أبي طالب بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم له " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " ، وهو حديث صحيح ونحن نؤمن به ونعتبر أنه كرامة لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ، ولكنهم يعنون بذلك أنه هو المستحق للخلافة دون أبي بكر الصديق ، وأن أبا بكر و عمر و عثمان مغتصبون للخلافة ، وأنهم ظلمة ، ظلموا علي ابن أبي طالب ومن ثم يعتبرونه يوم حزن ، وكان لهم احتفالٌ سنويٌ يقام في صعدة يجتمعون ويقيمون حرباً شعواء ولهم جبل معين يسمونه راس معاوية يطلقون عليه مئات الآلاف من الرصاص ، ويقتل عدد ليس بقليل من الرصاص العائد من السماء ، ويجرح آخرون ، ثم يأتون بشاة يدعون أنها عائشة وأن روح عائشة قد حلت فيها فينتفون شعرها ويمزقون جلدها حتى تموت كل ذلك احتفالاً بالوصية التي يدّعون أنه استلبها أبو بكر وعمر وعثمان على علي رضي الله عنهم أجمعين ،
هذه الاحتفالات التي ما انزل الله بها من سلطان وهذه الضلالات التي يحدثها من كان مولعاً بالبدع ، لابد أن يُنتزع منهم من السنن مثلها ، ولهذا تجد أنهم متساهلون في الدعوة إلي توحيد لله عز وجل والتحذير من دعاء غير لله والذبح لغير لله ، فلا ترى أصحاب هذه الاحتفالات يحذرون من الشرك أو يحثون على التمسك بالسنة أو يحذرون من العمل بالبدعة ، ولهذا يقول السلف " من أحدث بدعة ترك من السنة مثلها " ، هذا أمرٌ واقع ومشاهد وملموس
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم العمل بالسنة عند فساد الأمة ، اللهم ارزقنا التمسك بالسنة عند فساد الأمة ، اللهم ارزقنا الثبات عليها حتى الممات ، ووفقنا لما تحب وترضى ، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ، اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا وهب لنا من لدُنك رحمة انك أنت الوهاب ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ، اللهم اعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين واخذل أعداء الدين ، اللهم عليك باليهود والنصارى ومن سار مسارهم وشايعهم وسار في طريقهم يا رب العالمين انك ولي ذلك والقادر عليه ، والحمد لله رب العالمين ,,,
تمت بحمد لله وفضله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
تم التفريغ بواسطة الأخ أبو عبد الله السرتاوي جزاه الله خيرا
وأذن الشيخ بنشرها يوم الجمعة 17/4/1428هـ
نقلا عن
موقع علماء السنة باليمنhttp://www.olamayemen.com/html/makalat/articles.php?id=24[/b]