احترام الطفل في الإسلام
د/ محمد القاضي**
كرم الله سبحانه الإنسان، وفضله على سائر مخلوقاته، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء:70)،
ولقد شمل هذا التكريم الإلهي الإنسان في جميع مراحله، ولما كانت الطفولة هي أولى مراحل الإنسان في الحياة فلقد اعتنى بها الإسلام عناية خاصة .
وأشار إليها القرآن الكريم والسنة النبوية إشارات متعددة في أثناء التشريع لبعض الأحكام المتعلقة بها، أو ما ينبغي أن يتعلمه فيها الطفل من آداب وأخلاق وسلوكيات، مما يؤكد اهتمام الإسلام بالإنسان طفلا واحترامه لهذه المرحلة، ويتجلى هذا الاحترام في مواضع متعددة كما يلي:
أولا: احترام الإسلام للطفل قبل أن يولد
ثانيا: احترام الإسلام للطفل عند الولادة وفى أثناء الرضاعة
ثالثا: الأسس العامة التي وضعها الإسلام لتربية الأطفال
قبل الولادة
احترم الإسلام الطفل قبل أن يولد من خلال عدة أمور، هي:
1) الترغيب في الزواج والحث عليه، وتحريم الزنا والعلاقات غير الشرعية، فالزواج يوفر البيئة الصالحة والمناخ الطيب لإنجاب الذرية، بما يتوافر فيه من السكن والمودة والرحمة التي تجمع بين الزوجين، فيخرج الطفل إلى الحياة فيجد أسرة ترعاه وأما تعطف عليه، وأبا يحوطه بالعناية، وأهلا ينتسب إليهم، ورحما يصلهم ويصلونه، وكل ما سبق يضيع بالزنا.
2) حث الإسلام على حسن الاختيار بالنسبة للزوجة وبالنسبة للزوج؛ فعلى الرجل أن يحسن اختيار زوجته التي ستكون أما لأولاده في المستقبل، بحيث تكون من بيئة طيبة وأسرة صالحة، فيتهيأ بذلك للأولاد البيئة الصالحة والمنبت الصالح
وحذر الإسلام من الانخداع بالمظهر دون الجوهر، (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً )(لأعراف: من الآية58)، وقال صلى الله تعالى عليه وسلم : "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" (رواه البخارى ومسلم) ...
وفى المقابل حث الإسلام ولى المرأة أن يختار لها الزوج الصالح ذا الدين والخلق ليقوم بالواجب الأكمل في رعاية الأسرة وأداء حقوق الزوجية، وتربية الأولاد، والقوامة الصحيحة، وتأمين حاجات البيت، وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم : "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" (رواه الترمذي).
3) التعوذ بالله من الشيطان قبل الجماع لما في ذلك من تحصين للمولود من مكائد الشيطان سائر عمره، قال صلى الله تعالى عليه وسلم : " لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا فقضى بينهما ولد لم يضر" (رواه البخارى ومسلم)
إذن هذا الأدب النبوي يصب في النهاية في مصلحة الطفل.
4) اهتم الإسلام بالمرأة الحامل اهتماما عظيما، فحث المحيطين بها على رعاية أمرها، وعدم إدخال الحزن عليها، والاحتفاظ باستقرارها هادئة، وعدم إلحاق الضرر بها، لأن الجنين تتكون خلاياه الجسمية وحالاته النفسية من دم الأم ومن انفعالاتها وحالاتها العصبية.
كما اهتم الإسلام بتغذية المرأة الحامل، ولعل في قول الله تعالى لمريم: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً) (مريم:25) إشارة إلى الاهتمام بغذاء الحامل ونوعيته.
ويلخص ابن سينا ما سبق بقوله
واحذر عليها صيحة أو وثبة أو روعة أو صرخـة أو ضربة
واجعل غذاءها من السـمين واحسـهـا من مـرق دهــين
وأباح الإسلام للحامل أن تفطر في شهر رمضان إذا خافت على جنينها حتى ينمو الجنين في قراره نموا طبيعيا ...
5) وحمى الإسلام الجنين في بطن أمه بأن حرم الإجهاض وخاصة إذا مضى على الحمل أربعة أشهر، فلا يحل لمسلم عندئذ أن يفعله لأنه جناية على حي متكامل الخلق ظاهر الحياة، ولذلك وجب في إسقاطه الدية إن نزل حيا، وعقوبة مالية أقل منها إن نزل ميتا.
الميلاد والرضاعة
ومن مظاهر احترام الإسلام للطفل عند الولادة وأثناء الرضاعة في هذه المرحلة:
1) حث الإسلام الوالدين على الرضا بالمولود ذكرا كان أم أنثى، فالذرية هبة من الله تعالى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (الشورى:49 -50)
وحذر الإسلام من كره إنجاب البنات، وعدم الاستبشار بولادتهن، بل إنه جعل في حسن تربيتهن والقيام على أمرهن ثواب عظيم لا يعدله ثواب آخر متعلق بتربية الأولاد فقال صلى الله تعالى عليه وسلم : " من ابتلى من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار" (متفق عليه).
2) الأذان في أذن المولود اليمنى ... يقول ابن قيم الجوزية متحدثا عن سر ذلك: "أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلمات النداء العلوي المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها، وغير مستنكر وصول أثر الأذان إلى قلبه وتأثره به وإن لم يشعر".
3) اختيار اسم حسن للمولود، فالاسم يظل لصيقا بصاحبه طوال عمره، فإذا كان اسما حسنا فإن صاحبه يعتز به ولا يستحيي من ذكره، أما إذا كان اسما قبيحا فهو يؤثر في نفسية صاحبه ويسبب له الحرج بين الناس، وقد يكون مدعاة لسخرية الناس منه.
4) ختان الذكور من الأولاد، وللختان فوائد كثيرة منها: أنه من سنن الفطرة وتمييز للمسلم، كما أنه يحقق النظافة ويقي من كثير من الأمراض.
5) الرضاعة: فلقد وجهت الشريعة الإسلامية الأم إلى أن ترضع وليدها لمدة عامين كاملين حتى ينمو الطفل نموا سليما من الناحيتين الصحية والنفسية، والأم أحق برضاع ولدها فإن لم يتيسر لها ذلك فلتعهد به إلى مرضعة كريمة صالحة، ومن المعلوم أن اللبن يؤثر في جسم الطفل وأخلاقه وآدابه إذ هو يخرج من دمها ويمتصه الولد فيكون دما له ينمو به اللحم ويقوى به العظم فيؤثر فيه جسميا وخلقيا، وقد لوحظ أن تأثير انفعالاتها النفسية والعقلية أشد من تأثير صفاتها البدنية فيه فما بالك بآثارها عقلها وشعورها وملكاتها النفسية وأن الأم حين ترضع ولدها لا ترضعه اللبن فحسب بل ترضعه العطف والرحمة والحنان فينشأ مجبولا على الرحمة محبا للخير.
6) أوجب الإسلام نفقة الأولاد على الوالد، فالوالد متكفل بالرزق والكسوة للوليد قدر استطاعته ورزق الوالدة كذلك.
الأسس العامة للتربية
إذا كان الإسلام قد اهتم بالطفل قبل ولادته وجنينا في بطن أمه ثم وليدا ورضيعا فإنه لم يهمل جانب تربيته بعد ذلك، بل إن المبادئ والأسس التي وضعها الإسلام لتربية الأبناء تؤكد أن الإسلام يحترم الطفل احتراما كبيرا ولم يترك مجالا من مجالات التربية إلا وكان للطفل منها نصيب، ونستطيع أن نبين ذلك مما يلي:
1. الجانب الإيماني والخلقي: رأينا من قبل كيف يحرص الإسلام على أن تكون كلمة التوحيد هي أول كلمة تقرع مسامع الوليد، ... فكل شيء يتعلمه الطفل مبكرا ينغرس فيه ولذا يقول الشاعر:
وينفع الأدب الأحداث في صغر وليس ينفع عند الشيبة الأدب
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولن تلين إذا قومتها الخشـب
ولما كانت الصلاة هي عماد الدين فلقد حرص الإسلام على أن يتعلمها الطفل مبكرا ويعتاد فعلها، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع" (رواه أبو داود) ...
واهتم الإسلام بتعليم الأخلاق الآداب الإسلامية والأخلاق الحميدة واعتبرها أفضل ما يقدم للطفل ...
فلا عجب إذن أن نرى القرآن يتحدث عن آداب الاستئذان بالنسبة للأطفال عند الدخول على الأب والأم وهما في غرفتهما حتى نجنبهم النظر إلى أشياء لا يجوز النظر إليها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (النور:58)
كما كان الرسول - صلى الله تعالى عليه وسلم- حريصا على أن يعلم الأطفال الآداب والأخلاق والركائز الإيمانية، كما فعل مع عبد الله بن عباس عندما كان يركب خلفه فقال له: "يا غلام، إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك..."
وفعل كذلك مع عمر بن أبى سلمة عندما كان يأكل معه ولا يحسن آداب الطعام، فعلمه آداب الطعام والشراب، قائلا: " يا غلام، سم الله وكل بيمينك...".
2. الجانب العقلي والعلمي: وذلك من خلال حث الإسلام على تعلم القراءة والكتابة، وطلب العلم، ورفع مكانة العلماء، ولما كان التعليم في الصغر أكثر فائدة من التعلم في الكبر فقد وجب على الآباء أن يسارعوا بتعليم أبنائهم.
3. الجانب النفسي: ويكون ذلك من خلال تحقيق العدل والمساواة بين الأبناء وعدم تفضيل أحدهم على الآخر، وعدم التمييز بين الذكور والبنات، فالرسول -صلى الله تعالى عليه وسلم- يقول: " اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم" (رواه الحاكم)
هذا بالإضافة إلى الرحمة بالصغار، فقد قال -صلى الله تعالى عليه وسلم- : "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا" (رواه أبو داود والترمذي)
ودخل رجل على الرسول - صلى الله عليه وسلم- وهو يقبل الحسن والحسين فتعجب، وقال: والله يا رسول الله، إن لي عشرة من الأبناء ما قبلت أحدا منهم أبدا، فقال - صلى الله تعالى عليه وسلم : "من لا يرحم لا يرحم" (متفق عليه) صلى الله عليه وسلم
ويدخل تحت هذا الجانب موضوع التفرقة بين الأولاد في المضاجع حتى لا يتعرض الأطفال لمثيرات الدافع الجنسي في سن مبكرة كما ورد في الحديث "وفرقوا بينهم في المضاجع".
4. الجانب الاجتماعي: ويكون ذلك من خلال التفاعل مع الأطفال والتحدث معهم وتعويدهم على لقاء الآخرين والاندماج معهم، ولقد كان النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم- يلقي السلام على الصبيان في الطرقات ويتحدث معهم ويتودد إليهم فيكسر عندهم الخوف والخجل والانطواء على النفس فيعتادوا مخالطة الناس والاندماج في مجتمعاتهم.
ولعل اهتمام الإسلام برعاية الأيتام والقيام على شئونهم خير دليل على احترام الإسلام للطفل اجتماعيا فليس معنى أن الطفل قد فقد أحد أبويه يتعرض للإهمال والضياع، فالرسول - صلى الله تعالى عليه وسلم- يقول: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرق بينهما" (رواه البخارى)
كما اعتبر الإسلام الطلاق من أبغض الحلال عند الله لما قد يسببه من ضياع للأولاد وتعرضهم للإهمال من جانب الأبوين في حالة الطلاق، وإذا حدث الطلاق فإن الإسلام يحفظ للأولاد حقوقهم المادية ويجعل حضانتهم للأم ما لم تتزوج أو تصاب بمرض مضر أو تسافر لبلد بعيد، يقول الإمام الكاساني: الحضانة تكون للنساء في وقت وتكون للرجال في وقت، والأصل فيها للنساء لأنهن أشفق وأرفق وأهدى إلى تربية الصغار ثم تصرف إلى الرجال لأنهم على الحماية والصيانة وإقامة مصالح الصغار أقدر.
5. الجانب البدنى والصحي: اهتم الإسلام بالجانب البدني والصحي للطفل من خلال تعليمه القواعد الصحية العامة مثل نظافة البدن والملبس والمكان، وتعويده غسل الأسنان أو استعمال السواك، وتعليمه سنن الفطرة، مثل: قص الأظافر وترجيل للشعر والتطيب... كما حث الإسلام على تعليم الأطفال الرياضات النافعة، فيقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل".
هذا غيض من فيض مما جاء به الإسلام في الاهتمام بالطفولة واحترامها، مما يجعلنا نفاخر الدنيا كلها بما حبانا به الله من نعمة الكتاب المبين ثم بهدي سيدنا محمد - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
نقلا بتصرف عن
http://www.islamonline.net/arabic/In_Depth/SmallDictator/2004/04/01.shtml
[/b][/b][/center]
د/ محمد القاضي**
كرم الله سبحانه الإنسان، وفضله على سائر مخلوقاته، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء:70)،
ولقد شمل هذا التكريم الإلهي الإنسان في جميع مراحله، ولما كانت الطفولة هي أولى مراحل الإنسان في الحياة فلقد اعتنى بها الإسلام عناية خاصة .
وأشار إليها القرآن الكريم والسنة النبوية إشارات متعددة في أثناء التشريع لبعض الأحكام المتعلقة بها، أو ما ينبغي أن يتعلمه فيها الطفل من آداب وأخلاق وسلوكيات، مما يؤكد اهتمام الإسلام بالإنسان طفلا واحترامه لهذه المرحلة، ويتجلى هذا الاحترام في مواضع متعددة كما يلي:
أولا: احترام الإسلام للطفل قبل أن يولد
ثانيا: احترام الإسلام للطفل عند الولادة وفى أثناء الرضاعة
ثالثا: الأسس العامة التي وضعها الإسلام لتربية الأطفال
قبل الولادة
احترم الإسلام الطفل قبل أن يولد من خلال عدة أمور، هي:
1) الترغيب في الزواج والحث عليه، وتحريم الزنا والعلاقات غير الشرعية، فالزواج يوفر البيئة الصالحة والمناخ الطيب لإنجاب الذرية، بما يتوافر فيه من السكن والمودة والرحمة التي تجمع بين الزوجين، فيخرج الطفل إلى الحياة فيجد أسرة ترعاه وأما تعطف عليه، وأبا يحوطه بالعناية، وأهلا ينتسب إليهم، ورحما يصلهم ويصلونه، وكل ما سبق يضيع بالزنا.
2) حث الإسلام على حسن الاختيار بالنسبة للزوجة وبالنسبة للزوج؛ فعلى الرجل أن يحسن اختيار زوجته التي ستكون أما لأولاده في المستقبل، بحيث تكون من بيئة طيبة وأسرة صالحة، فيتهيأ بذلك للأولاد البيئة الصالحة والمنبت الصالح
وحذر الإسلام من الانخداع بالمظهر دون الجوهر، (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً )(لأعراف: من الآية58)، وقال صلى الله تعالى عليه وسلم : "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" (رواه البخارى ومسلم) ...
وفى المقابل حث الإسلام ولى المرأة أن يختار لها الزوج الصالح ذا الدين والخلق ليقوم بالواجب الأكمل في رعاية الأسرة وأداء حقوق الزوجية، وتربية الأولاد، والقوامة الصحيحة، وتأمين حاجات البيت، وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم : "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" (رواه الترمذي).
3) التعوذ بالله من الشيطان قبل الجماع لما في ذلك من تحصين للمولود من مكائد الشيطان سائر عمره، قال صلى الله تعالى عليه وسلم : " لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا فقضى بينهما ولد لم يضر" (رواه البخارى ومسلم)
إذن هذا الأدب النبوي يصب في النهاية في مصلحة الطفل.
4) اهتم الإسلام بالمرأة الحامل اهتماما عظيما، فحث المحيطين بها على رعاية أمرها، وعدم إدخال الحزن عليها، والاحتفاظ باستقرارها هادئة، وعدم إلحاق الضرر بها، لأن الجنين تتكون خلاياه الجسمية وحالاته النفسية من دم الأم ومن انفعالاتها وحالاتها العصبية.
كما اهتم الإسلام بتغذية المرأة الحامل، ولعل في قول الله تعالى لمريم: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً) (مريم:25) إشارة إلى الاهتمام بغذاء الحامل ونوعيته.
ويلخص ابن سينا ما سبق بقوله
واحذر عليها صيحة أو وثبة أو روعة أو صرخـة أو ضربة
واجعل غذاءها من السـمين واحسـهـا من مـرق دهــين
وأباح الإسلام للحامل أن تفطر في شهر رمضان إذا خافت على جنينها حتى ينمو الجنين في قراره نموا طبيعيا ...
5) وحمى الإسلام الجنين في بطن أمه بأن حرم الإجهاض وخاصة إذا مضى على الحمل أربعة أشهر، فلا يحل لمسلم عندئذ أن يفعله لأنه جناية على حي متكامل الخلق ظاهر الحياة، ولذلك وجب في إسقاطه الدية إن نزل حيا، وعقوبة مالية أقل منها إن نزل ميتا.
الميلاد والرضاعة
ومن مظاهر احترام الإسلام للطفل عند الولادة وأثناء الرضاعة في هذه المرحلة:
1) حث الإسلام الوالدين على الرضا بالمولود ذكرا كان أم أنثى، فالذرية هبة من الله تعالى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (الشورى:49 -50)
وحذر الإسلام من كره إنجاب البنات، وعدم الاستبشار بولادتهن، بل إنه جعل في حسن تربيتهن والقيام على أمرهن ثواب عظيم لا يعدله ثواب آخر متعلق بتربية الأولاد فقال صلى الله تعالى عليه وسلم : " من ابتلى من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار" (متفق عليه).
2) الأذان في أذن المولود اليمنى ... يقول ابن قيم الجوزية متحدثا عن سر ذلك: "أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلمات النداء العلوي المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها، وغير مستنكر وصول أثر الأذان إلى قلبه وتأثره به وإن لم يشعر".
3) اختيار اسم حسن للمولود، فالاسم يظل لصيقا بصاحبه طوال عمره، فإذا كان اسما حسنا فإن صاحبه يعتز به ولا يستحيي من ذكره، أما إذا كان اسما قبيحا فهو يؤثر في نفسية صاحبه ويسبب له الحرج بين الناس، وقد يكون مدعاة لسخرية الناس منه.
4) ختان الذكور من الأولاد، وللختان فوائد كثيرة منها: أنه من سنن الفطرة وتمييز للمسلم، كما أنه يحقق النظافة ويقي من كثير من الأمراض.
5) الرضاعة: فلقد وجهت الشريعة الإسلامية الأم إلى أن ترضع وليدها لمدة عامين كاملين حتى ينمو الطفل نموا سليما من الناحيتين الصحية والنفسية، والأم أحق برضاع ولدها فإن لم يتيسر لها ذلك فلتعهد به إلى مرضعة كريمة صالحة، ومن المعلوم أن اللبن يؤثر في جسم الطفل وأخلاقه وآدابه إذ هو يخرج من دمها ويمتصه الولد فيكون دما له ينمو به اللحم ويقوى به العظم فيؤثر فيه جسميا وخلقيا، وقد لوحظ أن تأثير انفعالاتها النفسية والعقلية أشد من تأثير صفاتها البدنية فيه فما بالك بآثارها عقلها وشعورها وملكاتها النفسية وأن الأم حين ترضع ولدها لا ترضعه اللبن فحسب بل ترضعه العطف والرحمة والحنان فينشأ مجبولا على الرحمة محبا للخير.
6) أوجب الإسلام نفقة الأولاد على الوالد، فالوالد متكفل بالرزق والكسوة للوليد قدر استطاعته ورزق الوالدة كذلك.
الأسس العامة للتربية
إذا كان الإسلام قد اهتم بالطفل قبل ولادته وجنينا في بطن أمه ثم وليدا ورضيعا فإنه لم يهمل جانب تربيته بعد ذلك، بل إن المبادئ والأسس التي وضعها الإسلام لتربية الأبناء تؤكد أن الإسلام يحترم الطفل احتراما كبيرا ولم يترك مجالا من مجالات التربية إلا وكان للطفل منها نصيب، ونستطيع أن نبين ذلك مما يلي:
1. الجانب الإيماني والخلقي: رأينا من قبل كيف يحرص الإسلام على أن تكون كلمة التوحيد هي أول كلمة تقرع مسامع الوليد، ... فكل شيء يتعلمه الطفل مبكرا ينغرس فيه ولذا يقول الشاعر:
وينفع الأدب الأحداث في صغر وليس ينفع عند الشيبة الأدب
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولن تلين إذا قومتها الخشـب
ولما كانت الصلاة هي عماد الدين فلقد حرص الإسلام على أن يتعلمها الطفل مبكرا ويعتاد فعلها، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع" (رواه أبو داود) ...
واهتم الإسلام بتعليم الأخلاق الآداب الإسلامية والأخلاق الحميدة واعتبرها أفضل ما يقدم للطفل ...
فلا عجب إذن أن نرى القرآن يتحدث عن آداب الاستئذان بالنسبة للأطفال عند الدخول على الأب والأم وهما في غرفتهما حتى نجنبهم النظر إلى أشياء لا يجوز النظر إليها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (النور:58)
كما كان الرسول - صلى الله تعالى عليه وسلم- حريصا على أن يعلم الأطفال الآداب والأخلاق والركائز الإيمانية، كما فعل مع عبد الله بن عباس عندما كان يركب خلفه فقال له: "يا غلام، إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك..."
وفعل كذلك مع عمر بن أبى سلمة عندما كان يأكل معه ولا يحسن آداب الطعام، فعلمه آداب الطعام والشراب، قائلا: " يا غلام، سم الله وكل بيمينك...".
2. الجانب العقلي والعلمي: وذلك من خلال حث الإسلام على تعلم القراءة والكتابة، وطلب العلم، ورفع مكانة العلماء، ولما كان التعليم في الصغر أكثر فائدة من التعلم في الكبر فقد وجب على الآباء أن يسارعوا بتعليم أبنائهم.
3. الجانب النفسي: ويكون ذلك من خلال تحقيق العدل والمساواة بين الأبناء وعدم تفضيل أحدهم على الآخر، وعدم التمييز بين الذكور والبنات، فالرسول -صلى الله تعالى عليه وسلم- يقول: " اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم" (رواه الحاكم)
هذا بالإضافة إلى الرحمة بالصغار، فقد قال -صلى الله تعالى عليه وسلم- : "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا" (رواه أبو داود والترمذي)
ودخل رجل على الرسول - صلى الله عليه وسلم- وهو يقبل الحسن والحسين فتعجب، وقال: والله يا رسول الله، إن لي عشرة من الأبناء ما قبلت أحدا منهم أبدا، فقال - صلى الله تعالى عليه وسلم : "من لا يرحم لا يرحم" (متفق عليه) صلى الله عليه وسلم
ويدخل تحت هذا الجانب موضوع التفرقة بين الأولاد في المضاجع حتى لا يتعرض الأطفال لمثيرات الدافع الجنسي في سن مبكرة كما ورد في الحديث "وفرقوا بينهم في المضاجع".
4. الجانب الاجتماعي: ويكون ذلك من خلال التفاعل مع الأطفال والتحدث معهم وتعويدهم على لقاء الآخرين والاندماج معهم، ولقد كان النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم- يلقي السلام على الصبيان في الطرقات ويتحدث معهم ويتودد إليهم فيكسر عندهم الخوف والخجل والانطواء على النفس فيعتادوا مخالطة الناس والاندماج في مجتمعاتهم.
ولعل اهتمام الإسلام برعاية الأيتام والقيام على شئونهم خير دليل على احترام الإسلام للطفل اجتماعيا فليس معنى أن الطفل قد فقد أحد أبويه يتعرض للإهمال والضياع، فالرسول - صلى الله تعالى عليه وسلم- يقول: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرق بينهما" (رواه البخارى)
كما اعتبر الإسلام الطلاق من أبغض الحلال عند الله لما قد يسببه من ضياع للأولاد وتعرضهم للإهمال من جانب الأبوين في حالة الطلاق، وإذا حدث الطلاق فإن الإسلام يحفظ للأولاد حقوقهم المادية ويجعل حضانتهم للأم ما لم تتزوج أو تصاب بمرض مضر أو تسافر لبلد بعيد، يقول الإمام الكاساني: الحضانة تكون للنساء في وقت وتكون للرجال في وقت، والأصل فيها للنساء لأنهن أشفق وأرفق وأهدى إلى تربية الصغار ثم تصرف إلى الرجال لأنهم على الحماية والصيانة وإقامة مصالح الصغار أقدر.
5. الجانب البدنى والصحي: اهتم الإسلام بالجانب البدني والصحي للطفل من خلال تعليمه القواعد الصحية العامة مثل نظافة البدن والملبس والمكان، وتعويده غسل الأسنان أو استعمال السواك، وتعليمه سنن الفطرة، مثل: قص الأظافر وترجيل للشعر والتطيب... كما حث الإسلام على تعليم الأطفال الرياضات النافعة، فيقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل".
هذا غيض من فيض مما جاء به الإسلام في الاهتمام بالطفولة واحترامها، مما يجعلنا نفاخر الدنيا كلها بما حبانا به الله من نعمة الكتاب المبين ثم بهدي سيدنا محمد - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
نقلا بتصرف عن
http://www.islamonline.net/arabic/In_Depth/SmallDictator/2004/04/01.shtml
[/b][/b][/center]