قال الشيخ محمد رحمه الله : هذه أربع قواعد من قواعد الدين التي تدور الأحكام عليها وهي من أعظم ما أنعم الله تعالى به على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته حيث جعل دينهم ديناً كاملا وافياً أكمل وأكثر علماً من جميع الأديان ، ومع ذلك جمعه لهم سبحانه وتعالى في ألفاظ قليلة وهذا مما ينبغي التفطن له قبل معرفة القواعد الأربع وهو أن تعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر لنا ما خصه الله به على الرسل يريد منا أن نعرف نعمة الله ونشكرها قال لما ذكر الخصائص : (( وأعطيت جوامع الكلم )) قال إمام الحجاز محمد ابن شهاب الزهري : معناه أن الله يجمع له المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة . وقال [ الشيخ محمد رحمه الله ] أيضاً : ومن أعظم ما منَّ الله به عليه صلى الله عليه وسلم وعلى أمته إعطاء جوامع الكلم ، فيذكر الله تعالى في كتابه كلمة واحدة تكون قاعدة جامعة يدخل تحتها من المسائل ما لا يحصر ، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد خصه الله بالحكمة الجامعة ، ومن فهم هذه المسألة فهماً جيداً فهم قول الله تعالى : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )) وهذه الكلمة أيضاً من جوامع الكلم إذ الكامل لا يحتاج إلى زيادة فعلم منه بطلان كل محدث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، كما أوصانا به في قوله : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار )) وتَفَهّم أيضاً معنى قوله تعالى : (( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ )) .
فإذا كان الله سبحانه قد أوجب علينا أن نرد ما تنازعنا فيه إلى الله أي إلى كتاب الله وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم أي إلى سنته ، علمنا قطعاً أن من رد إلى الكتاب والسنة ما تنازع الناس فيه وجد فيهما ما يفصل النزاع . ...
وقال [ الشيخ محمد رحمه الله ] أيضاً :
إذا اختلف كلام أحمد وكلام الأصحاب فنقول في محل النزاع : التراد إلى الله وإلى رسوله لا إلى كلام أحمد ولا إلى كلام الأصحاب ، ولا إلى الراجح من ذلك ، بل قد يكون الراجح والمرجح من الروايتين والقولين خطأ قطعاً ، وقد يكون صواباً ، وقولك إذا استدل كل منهما بدليل فالأدلة الصحيحة لا تتناقض بل الصواب يصدق بعضه بعضاً لكن قد يكون أحدهما أخطأ في الدليل إما يستدل بحديث لم يصح ، وإما فهم من كلمة صحيحة مفهوماً مخطئاً .
وبالجملة فمتى رأيت الاختلاف فرده إلى الله والرسول فإذا تبين لك الحق فاتبعه ، فإن لم يتبين لك واحتجت إلى العمل فخذ بقول من تثق بعلمه ودينه .