من الصوارف عن الحق
( التقليـــــد )
المقلد سماه السلف بالإمعة ،والمقلد يلتزم قول عالم مطلقاً في جميع المسائل ، وهذا لا شك أنه قد أعطاه معنى العصمة من حيث لا يشعر ، فلا أحد قوله صواب مطلقا إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، فالحق يدور معه حيثما دار .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( فالثواب على ما جاء به الرسول والنصرة لمن نصره ، والسعادة لمن اتبعه ، وصلوات الله وملائكته على المؤمنين به والمعلمين للناس دينه ، والحق يدور معه حيثما دار ).منهاج السنة ( 5/ 233) .
فالواجب على المكلف أن يدور حيث دار الحق ،لا أن يدور حيث دار شيخه , وهذا الاعتقاد لا شك أنه يحمل على طلب الحق وتحريه , بخلاف المقلد خامد الذهن بليد الفكر مغبون العقل .
قال أبو محمد ابن حزم :(( المقلد راض أن يغبن عقله ) .مداواة النفوس ( ص 74) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :(( فإن التقليد لا يورث إلا بلادة ). منهاج السنة ( 5/ 281) .
وهذا الذي قالاه صحيح لا مرية فيه ؛ لأن غاية ما يقوم به المقلد هو الإعتزاء الى عالم ،فيأخذ القول و لا يدري ما دليله ،
وهل له دليل صحيح ؟ ! وهل الدليل في محل الاستدلال ؟ ولا يدري حقيقة قول مخالفه ؟
ولا يعرف مواقع الخلاف فضلا عن تنقيحها ؟
فهذه الطريقة تورث صاحبها بلادة و جمودا في التفكير .
قال العلامة عبد الرحمن السعدي :(( فإن من اعتاد الجري على أقوال لا يبالي دل عليها دليل صحيح أو ضعيف ، أو لم يدل يخمد ذهنه و لا ينهض بطلب الرقي و الاستزادة في قوة الفكر و الذهن ) .المناظرات الفقهية ( ص 37 ) .
فالتقليد من أعظم الصوارف عن الحق ، لأن صاحبه يلتزم قول عالم ينتصر له انتصارا مطلقا .
قال الوزير ابن هبيرة :(( من مكايد الشيطان أنه يقيم أوثانا في المعنى تعبد من دون الله ، مثل أن يتبين له الحق ، فيقول : هذا ليس بمذهبنا ،تقليدا لمعظم عنده ، قد قدمه على الحق ) . لوامع الأنوار ( 2/ 465) .
قال ابن القيم – رحمه الله –( وليس عند أكثر الناس سوى رسوم تلقوها عن قوم معظمين عندهم ، ثم لإحسان ظنهم بهم قد وقفوا عند أقوالهم ، ولم يتجاوزوها ، فصارت حجاباً لهم وأي حجاب ) .
طريق الهجرتين ( ص 215) – ط المكتبة السلفية ، تحقيق : محب الدين الخطيب .
و لا يوجد عالم قوله كله صواب ، بل كل يؤخذ من قوله و يرد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( ليس من شرط الصِّدِّيق أن يكون قوله كله صحيحاً ، و عمله كله سنة ، إذ كان يكون بمنزلة النبي صلى الله عليه و سلم ) . اقتضاء الصراط المستقيم ( 2/ 106) .
فإذا امتنع أن يكون الحق فيقول عالم واحد مطلقا ، علمت ما في التقليد مما يوجب مجانبة الحق .
قال العلامة عبد القادر بن بدران الدمشقي :(( التقليد يبعد عن الحق، و يُرَوِّجُ الباطل ) .المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ( 495).
والبعض إذا تكلمت معه وأرشدته إلى خلاف قوله ونبهته إلى مأخذ الحكم بادرك بقوله : أنت أعلم أم الإمام الفلاني ؟!!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( وإذا قيل لهذا المستهدي المسترشد : أنت أعلم أم الإمام الفلاني , كانت هذه معارضة فاسدة لأن الإمام الفلاني قد خالفه في هذه المسألة من هو نظيره من الأئمة إلى نسبة أبي بكر , وعمر , وعثمان , وعلي , وابن مسعود وأُبَيّ , ومعاذ , ونحوهم من الأئمة وغيرهم , فكما أن هؤلاء الصحابة بعضهم لبعض أكفاء في موارد النزاع وإذا تنازعوا في شيء ردوا ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول , وإن كان بعضهم قد يكون أعلم في مواضع أخر )" الفتاوى الكبرى " ( 5 / 126 ) .
وقال العلامة المعلمي "واعلم أن الله تعالى قد يوقع بعض المخلصين في شيء من الخطأ , ابتلاءا لغيره و أيتبعون الحق ويدعون قوله , أم يغترون بفضله وجلالته ؟ وهو معذور , بل مأجور لاجتهاده وقصده الخير , وعدم تقصيره . ولكن من اتبعه مغترا بعظمته بدون التفات إلى الحجج الحقيقية من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يكون معذورا , بل هو على خطر عظيم .
ولما ذهبت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إلى البصرة قبل وقعة الجمل , أتبعها أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ابنه الحسن , وعمار بن ياسر رضي الله عنهما لينصحا الناس , فكان من كلام عمار لأهل البصرة أن قال : ( والله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة , ولكن الله ابتلاكم بها , ليعلم إياه تطيعون أم هي ؟ ))
ومن أعظم الأمثلة في هذا المعنى : مطالبة فاطمة رضي الله عنها بميراثها من أبيها صلى الله عليه وسلم وهذا ابتلاء عظيم للصدِّيق رضي الله عنه ثبته الله عز وجل فيه )) . رفع الإشتباه في معنى في معنى العبادة والإله ( 152 – 153 )
و ليس معنى هذا ؛ أن يستقل طالب العلم بنفسه في النظر بالنصوص كما يفعله البعض ،و حصل لهم بسبب ذلك من الشذوذ وانتحال المذاهب المطروحة ما هو معلوم .
بل الواجب على طالب العلم أن يستعين بالعلماء في فهم النصوص ، فهناك فرق بين تقليد العالم و الاستعانة به ،
قال العلامة الأمير الصنعاني : (( و فرق بين تقليد العالم في جميع ما قاله و بين الاستعانة بفهمه ؛ فإن الأول أخذ بقوله من غير نظر في دليل من كتاب ولا سنة . و الاستعانة بفهمه وهو الثاني بمنزلة الدليل في الطريق ، و الخرّيت الماهر لابن السبيل فهو دليل الى دليل )) إرشاد النقاد إلى تيسير الإجتهاد )) إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد ( ص 105 ) .
وهذا ذكرناه ؛ لأن البعض غلا وتطرف في منابذة التقليد ، وحمله ذلك على الإنعزال عن العلماء وعدم الاستفادة من علمهم ، وألغى وسيلة من أعظم وسائل الفقه في الدين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :(( فأئمة المسلمين الذين اتبعوهم وسائل وطرق وأدلة بين الناس وبين الرسول ، يبلغونهم ما قاله ، ويفهمونهم مراده بحسب اجتهادهم واستطاعتهم ) . مجموع الفتاوى ( 20 / 224 ) .
*************
كتاب ( الصوارف عن الحق ) لفضيلة الشيخ : حَمَد بن إبراهيم العثمان ( ص 30 إلى 34 )
منقول
عن موقع "منارة الدعوة السلفية"
http://www.al-salafia.com/manara/index.php?showtopic=974
( التقليـــــد )
المقلد سماه السلف بالإمعة ،والمقلد يلتزم قول عالم مطلقاً في جميع المسائل ، وهذا لا شك أنه قد أعطاه معنى العصمة من حيث لا يشعر ، فلا أحد قوله صواب مطلقا إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، فالحق يدور معه حيثما دار .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( فالثواب على ما جاء به الرسول والنصرة لمن نصره ، والسعادة لمن اتبعه ، وصلوات الله وملائكته على المؤمنين به والمعلمين للناس دينه ، والحق يدور معه حيثما دار ).منهاج السنة ( 5/ 233) .
فالواجب على المكلف أن يدور حيث دار الحق ،لا أن يدور حيث دار شيخه , وهذا الاعتقاد لا شك أنه يحمل على طلب الحق وتحريه , بخلاف المقلد خامد الذهن بليد الفكر مغبون العقل .
قال أبو محمد ابن حزم :(( المقلد راض أن يغبن عقله ) .مداواة النفوس ( ص 74) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :(( فإن التقليد لا يورث إلا بلادة ). منهاج السنة ( 5/ 281) .
وهذا الذي قالاه صحيح لا مرية فيه ؛ لأن غاية ما يقوم به المقلد هو الإعتزاء الى عالم ،فيأخذ القول و لا يدري ما دليله ،
وهل له دليل صحيح ؟ ! وهل الدليل في محل الاستدلال ؟ ولا يدري حقيقة قول مخالفه ؟
ولا يعرف مواقع الخلاف فضلا عن تنقيحها ؟
فهذه الطريقة تورث صاحبها بلادة و جمودا في التفكير .
قال العلامة عبد الرحمن السعدي :(( فإن من اعتاد الجري على أقوال لا يبالي دل عليها دليل صحيح أو ضعيف ، أو لم يدل يخمد ذهنه و لا ينهض بطلب الرقي و الاستزادة في قوة الفكر و الذهن ) .المناظرات الفقهية ( ص 37 ) .
فالتقليد من أعظم الصوارف عن الحق ، لأن صاحبه يلتزم قول عالم ينتصر له انتصارا مطلقا .
قال الوزير ابن هبيرة :(( من مكايد الشيطان أنه يقيم أوثانا في المعنى تعبد من دون الله ، مثل أن يتبين له الحق ، فيقول : هذا ليس بمذهبنا ،تقليدا لمعظم عنده ، قد قدمه على الحق ) . لوامع الأنوار ( 2/ 465) .
قال ابن القيم – رحمه الله –( وليس عند أكثر الناس سوى رسوم تلقوها عن قوم معظمين عندهم ، ثم لإحسان ظنهم بهم قد وقفوا عند أقوالهم ، ولم يتجاوزوها ، فصارت حجاباً لهم وأي حجاب ) .
طريق الهجرتين ( ص 215) – ط المكتبة السلفية ، تحقيق : محب الدين الخطيب .
و لا يوجد عالم قوله كله صواب ، بل كل يؤخذ من قوله و يرد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( ليس من شرط الصِّدِّيق أن يكون قوله كله صحيحاً ، و عمله كله سنة ، إذ كان يكون بمنزلة النبي صلى الله عليه و سلم ) . اقتضاء الصراط المستقيم ( 2/ 106) .
فإذا امتنع أن يكون الحق فيقول عالم واحد مطلقا ، علمت ما في التقليد مما يوجب مجانبة الحق .
قال العلامة عبد القادر بن بدران الدمشقي :(( التقليد يبعد عن الحق، و يُرَوِّجُ الباطل ) .المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ( 495).
والبعض إذا تكلمت معه وأرشدته إلى خلاف قوله ونبهته إلى مأخذ الحكم بادرك بقوله : أنت أعلم أم الإمام الفلاني ؟!!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( وإذا قيل لهذا المستهدي المسترشد : أنت أعلم أم الإمام الفلاني , كانت هذه معارضة فاسدة لأن الإمام الفلاني قد خالفه في هذه المسألة من هو نظيره من الأئمة إلى نسبة أبي بكر , وعمر , وعثمان , وعلي , وابن مسعود وأُبَيّ , ومعاذ , ونحوهم من الأئمة وغيرهم , فكما أن هؤلاء الصحابة بعضهم لبعض أكفاء في موارد النزاع وإذا تنازعوا في شيء ردوا ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول , وإن كان بعضهم قد يكون أعلم في مواضع أخر )" الفتاوى الكبرى " ( 5 / 126 ) .
وقال العلامة المعلمي "واعلم أن الله تعالى قد يوقع بعض المخلصين في شيء من الخطأ , ابتلاءا لغيره و أيتبعون الحق ويدعون قوله , أم يغترون بفضله وجلالته ؟ وهو معذور , بل مأجور لاجتهاده وقصده الخير , وعدم تقصيره . ولكن من اتبعه مغترا بعظمته بدون التفات إلى الحجج الحقيقية من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يكون معذورا , بل هو على خطر عظيم .
ولما ذهبت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إلى البصرة قبل وقعة الجمل , أتبعها أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ابنه الحسن , وعمار بن ياسر رضي الله عنهما لينصحا الناس , فكان من كلام عمار لأهل البصرة أن قال : ( والله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة , ولكن الله ابتلاكم بها , ليعلم إياه تطيعون أم هي ؟ ))
ومن أعظم الأمثلة في هذا المعنى : مطالبة فاطمة رضي الله عنها بميراثها من أبيها صلى الله عليه وسلم وهذا ابتلاء عظيم للصدِّيق رضي الله عنه ثبته الله عز وجل فيه )) . رفع الإشتباه في معنى في معنى العبادة والإله ( 152 – 153 )
و ليس معنى هذا ؛ أن يستقل طالب العلم بنفسه في النظر بالنصوص كما يفعله البعض ،و حصل لهم بسبب ذلك من الشذوذ وانتحال المذاهب المطروحة ما هو معلوم .
بل الواجب على طالب العلم أن يستعين بالعلماء في فهم النصوص ، فهناك فرق بين تقليد العالم و الاستعانة به ،
قال العلامة الأمير الصنعاني : (( و فرق بين تقليد العالم في جميع ما قاله و بين الاستعانة بفهمه ؛ فإن الأول أخذ بقوله من غير نظر في دليل من كتاب ولا سنة . و الاستعانة بفهمه وهو الثاني بمنزلة الدليل في الطريق ، و الخرّيت الماهر لابن السبيل فهو دليل الى دليل )) إرشاد النقاد إلى تيسير الإجتهاد )) إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد ( ص 105 ) .
وهذا ذكرناه ؛ لأن البعض غلا وتطرف في منابذة التقليد ، وحمله ذلك على الإنعزال عن العلماء وعدم الاستفادة من علمهم ، وألغى وسيلة من أعظم وسائل الفقه في الدين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :(( فأئمة المسلمين الذين اتبعوهم وسائل وطرق وأدلة بين الناس وبين الرسول ، يبلغونهم ما قاله ، ويفهمونهم مراده بحسب اجتهادهم واستطاعتهم ) . مجموع الفتاوى ( 20 / 224 ) .
*************
كتاب ( الصوارف عن الحق ) لفضيلة الشيخ : حَمَد بن إبراهيم العثمان ( ص 30 إلى 34 )
منقول
عن موقع "منارة الدعوة السلفية"
http://www.al-salafia.com/manara/index.php?showtopic=974