تذكير العباد بحقوق الأولاد
تأليف
عبد الله بن جار الله آل جار الله رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
تأليف
عبد الله بن جار الله آل جار الله رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فإن الأولاد من أعظم نعم الله على عباده، كما قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:46].
وهم أمانة عند الإنسان كلفهم الله بحفظها ورعايتها. وأولى الناس ببرك وأحقهم بمعروفك أولادك فإنهم أمانات جعلهم الله عندك وأوصاك بتربيتهم تربية صالحة لأبدانهم وقلوبهم وعقولهم ودينهم ودنياهم وآخرتهم، وكلما فعلته معهم من هذه الأمور فإنه من أداء الواجب عليك ومن أفضل ما يقربك إلى الله تعالى فاجتهد في ذلك واحتسبه عند الله، فكما أنك إذا أطعمتهم وكسوتهم وقمت بتربية أبدانهم فأنت قائم بالحق مأجور عليه. فكذلك بل أعظم منه إذا قمت بتربية قلوبهم وأرواحهم بالعلوم النافعة والمعارف الصادقة والتوجيه للأخلاق الحميدة والتحذير من ضدها. لأن بالآداب الحسنة والأخلاق الحميدة يرتفعون وبها يسعدون، وبها يؤدون ما عليهم من حقوق الله وحقوق العباد، وبها يجتنبون أنواع المضار، وبها يتم برهم بوالديهم في الحياة بالطاعة والخدمة وأنواع الإحسان، وبعد الموت بالدعاء والصدقة والحج كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".رواه مسلم.
ومن هنا ورد الترغيب في تربية الأولاد تربية صالحة إسلامية صحيحة بالقدوة الحسنة والتعليم النافع ليكونوا صالحين في أنفسهم بارين بوالديهم في الحياة وبعد الموت فهو في كل وقت يدعو لوالديه بالمغفرة والرحمة بقوله:"رب اغفر لي ولوالدي.. رب ارحمهما كما ربياني صغيرا.. اللهم اغفر لهما وارحمهما إنك أنت الغفور الرحيم".
والولد الصالح القائم بحقوق الله وحقوق عباده دعاؤه مستجاب لأن الله أمر بالدعاء وتكفل بالإجابة، وهو سبحانه لا يخلف الميعاد:{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] ويدخل في ذلك الأولاد وأولادهم من ذكور وإناث ينتفع والدهم بصلاحهم ودعائهم، ومن هنا وردت السنة باستحباب طلب الأولاد وتزوج المرأة الولود واستحباب بشارة من ولد له ولد وتهنئته، وكراهة تسخط البنات فقال صلى الله عليه وسلم:"من عال جاريتين - بنتين- حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه.. " رواه مسلم. وقال عليه الصلاة والسلام:"من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار.. " متفق عليه. فهنيئا لمن رزقه الله بنات صالحات فأحسن إليهن وصبر عليهن بهذا الفضل العظيم والثواب الجسيم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. وكما أن للوالدين على أولادهما حقوق كثيرة قولية وفعلية فإن للأولاد على والديهم حقوق كثيرة قولية وفعلية. وبناء على وجوب التعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه فقد جمعت في هذه الرسالة ما أمكن جمعه من حقوق الأولاد المطلوبة لهم من والديهم وأقاربهم من وجوب تربيتهم تربية صحيحة بالقدوة الحسنة والتعليم النافع والأمر والنهي والترغيب والترهيب، ووجوب تأديب الأولاد وتعليمهم والعدل! بينهم في العطاء والمنع، والاعتناء بأمر أخلاقهم وتحسين أسمائهم وحملهم على القيام بحقوق الله وحقوق عباده وخصوصا حقوق الوالدين والأقارب والجيران وصلة الأرحام. إلى غير ذلك مما هو مشروع لهم من الولادة حتى البلوغ وما بعده، وبذلك يكونوا سعداء مع الدعاء لهم بالتوفيق والصلاح وفعل الأشياء المشروعة في حقهم. وينصح الآباء والأمهات بمطالعة كتاب(تحفة الودود بأحكام المولود). لابن القيم، وكتاب (تربية الأولاد في الإسلام) للشيخ عبد الله ناصح علوان فإنهما كتابان مفيدان في هذا الموضوع. وكذلك كتاب (الطفل في الشريعة الإسلامية) للدكتور محمد بن أحمد الصالح. وهذه الرسالة مستفادة من كلام الله تعالى، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام العلماء المحققين، وقد سميتها " تذكير العباد بحقوق الأولاد". وأسأل الله تعالى أن ينفع بها من كتبها أو طبعها أو قرأها أو سمعها فعمل بها وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ومن أسباب الفوز لديه بجنات النعيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المؤلف
في 17/4/1411 هـ
تربية الأولاد
في 17/4/1411 هـ
تربية الأولاد
الحمد لله الذي يمن على من يشاء بالأولاد. ويجعلهم فتنة يتبين بها الشاكر الذي يقوم بحقهم ويصونهم عن الفساد. والمهمل الذي يضيعهم ويتهاون بمسؤوليتهم فيكونوا عليه نقمة وحسرة في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحكمة البالغة والحجة القائمة على العباد. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. حمل الآباء مسؤولية أولادهم، فقال: مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع. رواه أبو داود بإسناد حسن. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليفا كثيرا.
أما بعد: أيها المسلمون اتقوا الله تعالى القائل:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ} [التحريم:6] روى ابن جرير عن ابن عباس قوله في معنى الآية: اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصي الله وأمروا أولادكم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي فذلكم وقايتهم من النار. وعن علي قوله في معناها: علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم.
فالآية تدل على أنه مطلوب من الإنسان أن يعم بما يبعده ويبعد أهله من النار.
عباد الله: إن مهمة الأولاد مهمة عظيمة يجب على الآباء أن يحسبوا لها حسابها ويعدوا العدة لمواجهتها، خصوصا في هذا الزمان الذي تلاطمت فيه أمواج الفتن واشتدت غربة الدين وكثرت فيه دواعي الفساد حتى صار الأب مع أولاده بمثابة راعي الغنم في أرض السباع الضارية إن غفل عنها أكلتها الذئاب..
إن عناية الإسلام بتربية الأولاد واستصلاحهم تبدو واضحة في وقت مبكر؛ حيث يشرع للرجل أن يختار الزوجة الصالحة ذات الدين والأخلاق الفاضلة لأنها بمنزلة التربة التي تلقى فيها البذور، ولأنها إذا كانت صالحة صارت عونا للأب على تربية الأولاد، كما أنه يشرع للزوج عند اتصاله بزوجته أن يدعو فيقول: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإذا رزق مولودا استحب له أن يؤذن في أذنه اليمنى ويقيم الصلاة في أذنه اليسرى، كما وردت بذلك أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما.
والحكمة في ذلك- والله أعلم- ليكون أول ما يسمع المولود كلمات الأذان المتضمنة لكبرياء الله وعظمته والشهادة له بالوحدانية، وليهرب الشيطان من كلمات الأذان. وتكون دعوة المولود إلى دين الإسلام سابقة على دعوة الشيطان. ويختار الأب لولده الاسم الحسن، فقد أمر صلى الله عليه وسلم بتحسين الأسماء. ثم يختنه بإزالة القلفة، لما في إزالتها من التحسين والتنظيف. والختان من أظهر الشعائر التي يفرق بها بين المسلم والنصراني، وهو من خصال الفطرة. ويعق عنه بأن يذبح عن الذكر شاتين وعن الجارية شاة، والحكمة في ذلك أنها قربان يتقرب بها إلى الله عن المولود في أول خروجه إلى الدنيا، وهي أيضا فدية يفدى بها المولود كما فدى الله إسماعيل بالكبش كل ذلك مما يدل على الاعتناء بالمولود. عباد الله: كما أن للأب حقا على ولده فللولد حق على أبيه، قال بعض العلماء: إن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده. وقد قال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء:11] وقال تعالى:{وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء:31] وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اعد لوا بين أولادكم " رواه البخاري ومسلم. فوصية الله للآباء بالأولاد سابقة على وصية الأولاد بآبائهم. فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة وأكثر الأولاد إنما جاءهم الفساد بسبب إهمال الآباء. وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغارا فلم يشفعوا أنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارا. عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال يا أبت إنك عققتني صغيرا فعققتك كبيرا، وأضعتني وليدا فأضعتك شيخا.
فالطفل ينشأ على ما عوده المربي، فيجب على وليه أن يجنبه مجالس اللهو والباطل والغناء وسماع الفحش والبدع ومنطق السوء، ويجنبه الخيانة والكذب والكسل والبطالة والدعة والراحة؛ فإن الكسل والبطالة لهما عواقب سوء ومغبة وندم، وللتعب والجد عواقب حميدة، ويجنبه الشهوات الضارة فإن تمكينه منها يفسده فسادا يصعب إصلاحه. بعض الآباء يغدق على ولده العطاء ويمده بالمال الذي يتمكن به من شهواته. وبزعم أنه يكرمه بذلك وهو قد أهانه، ويزعم أنه قد رحمه، وهو قد ظلمه. وكذلك يجب على الوالد أن يمنع ولده من قرناء السوء ومخالطة أهل الفساد، وبعض الآباء يشتري لولده سيارة أو دراجة يستخدمها الولد لأغراض سيئة ويتمكن بها من الوصول إلى المجامع الفاسدة وإن كانت بعيدة. وعلاوة على ذلك يؤذي بها الجيران وقد تكون سببا لوقوع الحوادث التي تذهب بحياته أو حياة غيره، وبعض الناس لا يربي ولده إلا التربية الحيوانية فيأتي له بالطعام والشراب والكسوة وبترك تربيته على الدين والأخلاق الفاضلة فلا يعلمه ما ينفعه ولا يهتم بأمر دينه فلا ينفذ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فيه، حيث يقول:"مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع " رواه أبو داود بإسناد حسن جيد.
أيها الآباء: إن الرسول صلى الله عليه وسلم حملكم بهذا الحديث مسؤولية أولادكم وأمركم بتربيتهم على أداء الصلوات؛ علموهم كيف يتطهرون وكيف يصلون واسلكوا معهم مسلك التدرج بهم حسب أسنانهم وتحملهم أولا بالأمر في سن السابعة ثم بالضرب في سن العاشرة. كما أمركم أن تباعدوهم عن أسباب الفساد الخلقي فتفرقوا بينهم في مراقدهم فلا ينام بعضهم إلى جانب بعض خشية الوقوع في المحذور، فصرتم مسئولين عنهم حتى في مراقدهم. كما أنكم مسئولون عنهم في حال يقظتهم. كذلكم أيها الآباء أنتم مسئولون عن توجيه أولادكم الوجهة الصالحة لا تتركوهم يقرؤون من الكتب والجرائد والمجلات ما هب ودب فإن في كثير منها السم القاتل فأرشدوهم إلى قراءة الكتب النافعة والمجلات المفيدة ووفروها لهم، وإذا كنتم لا تعرفون المفيد منها فاسألوا أهل العلم واطلبوا منهم أن يختاروا لكم المفيد النافع ووفروه لأولادكم. أيها الآباء: ادعوا الله أن يصلح أولادكم. كما دعا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام؛ حيث قال:{وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم:35] وقال:{رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات:100]، وقال:{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم:40]، وقال: وهو وإسماعيل {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} [البقرة:128]، وكما دعا زكريا عليها السلام حيث قال{رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران:38] هذه دعوات الأنبياء لأولادهم فاقتدوا بهم في ذلك.
أيها الآباء: إن الولد الصالح ينفع والده حيا وميتا، قال صلى الله عليه وسلم:"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم.
إن الأولاد إما أن يكونوا نعمة على والديهم أو نقمة. ولذلك أسباب أهمها التربية. كما أن الوالد قد يكون سببا لسعادة الولد أو شقاوته. قال تعالى:{ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الكهف:82] وقال صلى الله عليه وسلم:"كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " رواه البخاري ومسلم وغيرهما. فليكن ذلك منكم على بال.
أيها الآباء: إنكم تحرصون أشد الحرص على ذهاب أولادكم للمدارس بدافع الطمع الدنيوي ولا ترضون بتخلفهم عنها يوما واحدا. فما بالكم لا تهتمون بحضورهم في المساجد وهو خير وأبقى، إن حضورهم في المساجد يفيدهم آدابا حسنة وأخلاقا فاضلة ومحبة للخير وبعدا عن الشر.
حضورهم في المساجد ينشئهم على الطاعة ومخالطة الصالحين وفيه مصالح كثيرة فلم لا تهتمون به؟ لماذا تتركون أولادكم في أوقات الصلوات يجوبون الشوارع أو يختفون في البيوت ولا يقيمون للصلاة وزنا؟ هل كانت المدرسة أهم عندكم من المسجد؟ هل كانت الدراسة أعظم من الصلاة؟ هل الدنيا أحب إليكم من الآخرة{أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة:38] فاتقوا الله أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.