فضل الأباء على الأبناء في الجنة
قال سبحانه في سورة الطور:
{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ }
[الآية : 21]
{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ }
[الآية : 21]
قال الطبري في تفسيره - (ج 22 / ص 467)
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك :
فقال بعضهم: معناه: والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان، ألحقنا بهم ذرياتهم المؤمنين في الجنة، وإن كانوا لم يبلغوا بأعمالهم درجات آبائهم، تكرمة لآبائهم المؤمنين، وما ألتنا آباءهم المؤمنين من أجور أعمالهم من شيء.
وقال آخرون نحو هذا القول، غير أنهم جعلوا الهاء والميم في قوله:( أَلْحَقْنَا بِهِمْ ) من ذكر الذرّية، والهاء والميم في قوله: ذرّيتهم الثانية من ذكر الذين.
وقالوا: معنى الكلام: والذين آمنوا واتبعتهم ذرّيتهم الصغار، وما ألتنا الكبار من عملهم من شيء.
حيث قال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان - (ج 8 / ص 53)
وقد أوضحنا وجه الجمع بين قوله تعالى : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى } وبين قوله : { والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ } الآية . في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في سورة النجم ، وقلنا فيه ما نصه
والجواب من ثلاثة أوجه :
الأول :
أن الآية إنما دلت على نفي ملك الإنسان لغير سعيه ، ولم تدل على نفي انتفاعه بسعي غيره ، لأنه لم يقل : وأن لن ينتفع الإنسان إلا بما سعى ، وإنما قال وأن ليس للإنسان ، وبين الأمرين فرق ظاهر ، لأن سعي الغير ملك لساعيه إن شاء بذله لغيره فانتفع به ذلك الغير ، وإن شاء أبقاه لنفسه .
وقد أجمع العلماء على انتفاع الميت بالصلاة عليه والدعاء له والحج عنه ونحو ذلك ما ثبت الانتفاع بعمل الغير فيه .
الثاني :
أن إيمان الذرية هو السبب الأكبر في رفع درجاتهم ، إذ لو كانوا كفاراً لما حصل لهم ذلك .
فإيمان العبد وطاعته سعي منه في انتفاعه بعمل غيره من المسلمين ، كما وقع في الصلاة في الجماعة ، فإن صلاة بعضهم مع بعض يتضاعف بها الأجر زيادة على صلاته منفرداً ، وتلك المضاعفة انتفاع بعمل الغير سعى فيه المصلي بإيمانه وصلاته في الجماعة
وهذا الوجه يشير إليه قوله تعالى : { واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ } .
الثالث :
أن السعي الذي حصل به رفع درجات الأولاد ليس للأولاد كما هو نص قوله تعالى : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى } [ النجم : 39 ]
ولكن من سعي الآباء فهو سعي للآباء أقر الله عيونهم بسببه ، بأن رفع إليهم أولادهم ليتمتعوا في الجنة برؤيتهم .
فالآية تصدق الأخرى ولا تنافيها ، لأن المقصود بالرفع إكرام الآباء لا الأولاد ، فانتفاع الأولاد تبع فهو بالنسبة إليه تفضل من الله عليهم بما ليس لهم ، كما تفضل بذلك على الولدان والحور العين ، والخلق الذين ينشؤهم للجنة . والعلم عند الله تعالى . اه منه .
قال الشيخ العثيمين رحمه الله في - (ج 10 / ص 11)
{والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمن ألحقنا بهم ذريتهم } أي: الذين آمنوا واتبعتهم الذرية بالإيمان، والذرية التي يكون إيمانها تبعاً هي الذرية الصغار، فيقول الله -عز وجل - {ألحقنا بهم ذريتهم } أي: جعلنا ذريتهم تلحقهم في درجاتهم
وأما الكبار الذين تزوجوا فهم مستقلون بأنفسهم في درجاتهم في الجنة، لا يلحقون بآبائهم، لأن لهم ذرية فهم في مقرهم
أما الذرية الصغار التابعون لآبائهم فإنهم يرقون إلى آبائهم، وهذه الترقية لا تستلزم النقص من ثواب ودرجات الآباء، ولهذا قال: {ومآ ألتنهم من عملهم من شيء } أي: نقصناهم، يعني أن ذريتهم تلحق بهم، ولا يقال: أخصم من درجات الآباء بقدر ما رفعت من درجات الذرية،{كل امرىء بما كسب رهين }
هذه قاعدة عامة في جميع العاملين أن كل واحد فإنه رهين بعمله لا ينقص منه شيء
أما الزيادة فهي فضل من الله تبارك وتعالى على من شاء من عباده إنتهى كلامه
وقوله:( كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ) يقول: كلّ نفس بما كسبت وعملت من خير وشرّ مرتهنة لا يؤاخذ أحد منهم بذنب غيره، وإنما يعاقب بذنب نفسه.
وقال بعض المفسرين هذا لكي لايتوهم أن أبناء الكفار يلحقون بأبائهم إذا كان آباءهم أشد منهم كفرا وهذا من تمام عدله سبحانه
المصدر
لطفـــــــاً .. من هنـــــــا