خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    التوحيد وكشف الكروب

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية التوحيد وكشف الكروب

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 11.10.10 8:20

    التوحيد وكشف الكروب
    التوحيد وكشف الكروب 470674


    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
    يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا.
    يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.


    أما بعد

    فيقول الرب جل وعلا: " وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ".
    وقال تعالى : " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ".

    الدعاء على نوعين: دعاء العبادة، ودعاء المسألة والطلب.

    فدعاء المسألة هو أن يطلب الداعي ما ينفعه من جلب نفع أو كشف ضرّ والله سبحانه وتعالى قد خطّأ في القرآن الكريم من دعا غير الله في جلب النفع أو كشف الضر، كما أنه تعالى يقول: (قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً والله هو السميع العليم) (5/79)، وقال: (قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرّنا ونردّ على أعقابنا بعد إذ هدانا الله) (6/71)، وقال: (ولا تدعُ من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين) (10/106).

    وأما دعاء العبادة فإنه وإن لم يكن بصيغة الطلب إلا أنه يستلزم دعاء المسألة، لأن كل عبادة يطلب بها الإنسان ما ينفعه، وكل دعاء مسألة فإنه يتضمن دعاء العبادة كما قال الله تعالى: (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين) (7/55)
    (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون) (6/4, 41) (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) (72/18) وأمثال هذه الآيات كثيرة في القرآن وكلها تدل على أن دعاء المسألة يستلزمه دعاء العبادة لأن السائل يُخلص دعاءه لله تعالى.


    يقول ابن القيم في بدائع الفوائد3/513 في قوله تعالى : " أدعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين".
    هاتان الآيتان مشتملتان على آداب نوعي الدعاء دعاء العبادة ودعاء المسألة فإن الدعاء في القرآن يراد به هذا تارة وهذا تارة ويراد به مجموعهما وهما متلازمان فإن دعاء المسألة هو طلب ما ينفع الداعي وطلب كشف ما يضره أو دفعه وكل من يملك الضر والنفع فإنه هو المعبود حقا والمعبود لا بد أن يكون مالكا للنفع والضرر ولهذا أنكر الله تعالى على من عبد من دونه مالا يملك ضرا ولا نفعا وذلك كثير في القرآن كقوله تعالى ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم وقوله تعالى ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك وقوله تعالى قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم وقوله تعالى أفتعبدون من دون الله ما لاينفعكم شيئا ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله وقوله تعالى واتل عليهم نبأإبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذا تدعون أو ينفعونكم أو يضرون وقوله تعالى واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا وقال تعالى ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا فنفى سبحانه عن هؤلاء المعبودين من دونه النفع والضر القاصر والمتعدي فلا يملكونه لأنفسهم ولا لعابديهم وهذا في القرآن كثير بيد أن المعبود لا بد أن يكون مالكا للنفع والضر فهو يدعى للنفع والضر دعاء المسألة ويدعي خوفا ورجاء دعاء العبادة فعلم أن النوعين متلازمان".


    بل إن الله جل وعلا لا يعبأ بعباده لولا أنه دعاهم إلى دعاءه وعبادته ؛ يقول الله جل وعلا : " قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا".

    يقول الشنقيطي في أضواء البيان ج6/ص81 : " العرب الذين نزل القرءان بلغتهم يقولون ما عبأت بفلان أي ما باليت به ولا اكترثت به أي ما كان له عندي وزن ولا قدر يستوجب الإكتراث والمبالاة به وأصله من العبء وهو الثقل؛
    واعلم أوّلاً أن العلماء اختلفوا في المصدر في قوله لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ هل هو مضاف إلى فاعله أو إلى مفعوله وعلى أنه مضاف إلى فاعله فالمخاطبون بالآية داعون لا مدعوون أي مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّى لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ أي عبادتكم له وأمّا على أن المصدر مضاف إلى مفعوله فالمخاطبون بالآية مدعوون لا داعون أي ما يعبؤا بكم لولا دعاؤه إياكم إلى توحيده وعبادته على ألسنة رسله عليهم الصّلاة والسّلام واعلم أيضًا أن ثلاثة من الأقوال الأربعة المذكورة في الآية مبنيّة على كون المصدر فيها مضافًا إلى فاعله والرابع مبني على كونه مضافًا إلى مفعوله .


    أمّا الأقوال الثلاثة المبنيّة على كونه مضافًا إلى فاعله.

    فالأوّل منها أن المعنى مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّى لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ أي عبادتكم له وحده جلَّ وعلا وعلى هذا القول فالخطاب عام للكافرين والمؤمنين ثم أفرد الكافرين دون المؤمنين بقوله َقَدْ كَذَّبْتُمْ.

    والثاني منها أن المعنى لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ أيها الكفار له وحده عند الشدائد والكروب أي ولو كنتم ترجعون إلى شرككم إذا كشف الضرّ عنكم .

    والثالث أن المعنى مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّى أي ما يصنع بعذابكم لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ معه آلهة أخرى ولا يخفى بُعد هذا القول وأن فيه تقدير ما لا دليل عليه ولا حاجة إليه .

    أمّا القول الرابع المبنى على أن المصدر في الآية مضاف إلى مفعوله فهو ظاهر أي مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّى لَوْلاَ دعاؤه إياكم على ألسنة رسله.

    وإذا عرفت هذه الأقوال فاعلم أن كل واحد منها قد دلَّ عليه قرءان وسنبيّن هنا إن شاء اللَّه تعالى دليل كل قول منها من القرءان مع ذكر ما يظهر لنا أنه أرجحها .

    أمّا هذا القول الأخير المبني على أن المصدر في الآية مضاف إلى مفعوله وأن المعنى مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّى لَوْلاَ دعاؤه إياكم إلى الإيمان به وتوحيده وعبادته على ألسنة رسله فقد دلّت عليه آيات من كتاب اللَّه كقوله تعالى في أوّل سورة هود (وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) وقوله تعالى في أوّل سورة الكهف (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الاْرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً) وقوله في أوّل سورة الملك (الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) فهذه الآيات قد أوضحت أن الحكمة في خلقه السماوات والأرض وجميع ما على الأرض والموت والحياة هي أن يدعوهم على ألسنة رسله ويبتليهم أي أن يختبرهم أيّهم أحسن عملاً وهذه الآيات تبيّن معنى قوله تعالى ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ )

    وفي هذه الآيات إيضاح لأن معنى قوله لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ أي دعاؤه إياكم على ألسنة رسله وابتلاؤكم أيّكم أحسن عملاً وعلى هذا فلا إشكال في قوله فَقَدْ كَذَّبْتُمْ أي مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ لَوْلاَ دعاؤه إياكم أي وقد دعاكم فكذبتم وهذا القول هو وحده الذي لا إشكال فيه فهو قويّ بدلالة الآيات المذكورة عليه.

    وأمّا القول بأن معنى لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ أي إخلاصكم الدعاء له أيّها الكفار عند الشدائد والكروب فقد دلَّت على معناه آيات كثيرة كقوله تعالى (فَإِذَا رَكِبُواْ فِى الْفُلْكِ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ) وقوله تعالى (جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ )

    وأمّا على القول بأن المعنى ما يصنع بعذابكم لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ معه آلهة أخرى فقد دلَّ على معناه قوله تعالى مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ .

    والقول الأوّل الذي هو أشهر الأقوال وأكثرها قائلاً وهو أن المعنى لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ أي عبادتكم له وحده قد دلَّ عليه جميع الآيات الدالَّة على ما يعطيه اللَّه لمن أطاعه وما أعدّه لمن عصاه وكثرتها معلومة لا خفاء بها ".

    ولما كان الدعاء بهذه الأهمية العظيمة والمكانة العلية وأنّ من الدعاء التوحيد بل هو أعظم الدعاء به يكون دفع المكروه وجلب المحبوب؛ كانت لنا هذه الوقفة مع نبي من أنبياء الله جل وعلا وقد حصل له من الكرب ما ذكره القرآن الكريم؛ ألا وهو يونس عليه السلام في مقال أسميته { التوحيد وكشف الكروب}.

    قال الله تعالى في ذكر قصته في سورة الأنبياء :
    " وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ".


    قال الشنقيطي في أضواء البيان4/240{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}.أي واذكر ذا النون. والنون: الحوت. "وذا" بمعنى صاحب. فقوله {وَذَا النُّونِ} معناه صاحب الحوت.كما صرح الله بذلك في "القلم" في قوله {وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ}. وإنما أضافه إلى الحوت لأنه التقمه كما قال تعالى: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ}.
    وقوله: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} فيه وجهان من التفسير لا يكذب أحدهما الآخر:


    الأول: أن المعنى {لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أي لن نضيق عليه في بطن الحوت. ومن إطلاق "قدر" بمعنى "ضيق" في القرآن قوله تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} أي ويضيق الرزق على من يشاء، وقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ نْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} . فقوله: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} أي ومن ضيق عليه رزقه.

    الوجه الثاني: أن معنى {لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} لن نقضي عليه ذلك. وعليه فهو من القدر والقضاء. "وقدر" بالتخفيف تأتي بمعنى "قدر" المضعفة: ومنه قوله تعالى: {فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} أي قدره الله. ومنه قول الشاعر وأنشده ثعلب شاهداً لذلك:
    فليست عشيات الحمى برواجع ... لنا أبداً ما أورق السلم النضر
    ولا عائذ ذاك الزمان الذي مضى ... تباركت ما تقدر يقع ولك الشكر


    والعرب تقول: قدر الله لك الخير يقدره قدراً، كضرب بضرب، ونصر ينصر، بمعنى قدره لك تقديراً. ومنه على أصح القولين "ليلة القدر" لأن الله يقدر فيها الأشياء. كما قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} والقدر بالفتح، والقدر بالسكون: ما يقدره الله من القضاء. ومنه قول هدبة بن الخشرم:
    ألا يا لقومي للنوائب والقدر ... وللأمر يأتي المرء من حيث لا يدري


    أما قول من قال: إن {لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} من القدرة: فهو قول باطل بلا شك. لأن نبي الله يونس لا يشك في قدرة الله على كل شيء، كما لا يخفى.

    وقوله في هذه الآية الكريمة: {مُغَاضِباً} أي في حال كونه مغاضباً لقومه. ومعنى المفاعلة فيه: أنه أغضبهم بمفارقته وتخوفهم حلول العذاب بهم، وأغضبوه حين دعاهم إلى الله مدة فلم يجيبوه، فأوعدهم بالعذاب. ثم خرج من بينهم على عادة الأنبياء عند نزول العذاب قبل أن يأذن الله له في الخروج. قاله أبو حيان في البحر. وقال أيضاً: وقيل معنى {مُغَاضِباً} غضبان، وهو من المفاعلة التي لا تقتضي اشتراكاً.

    واعلم أن قول من قال {مُغَاضِباً} أي مغاضباً لربه كما روي عن ابن مسعود، وبه قال الحسن والشعبي وسعيد بن جبير، واختاره الطبري والقتبي، واستحسنه المهدوي ـ يجب حمله على معنى القول الأول. أي مغاضباً من أجل ربه. قال القرطبي بعد أن ذكر هذا القول عمن ذكرنا: وقال النحاس: وربما أنكر هذا من لا يعرف اللغة، وهو قول صحيح، والمعنى: مغاضباً من أجل ربه كما تقول: غضبت لك أي من أجلك، والمؤمن يغضب لله عز وجل إذا عصى ـ انتهى منه. والمعنى على ما ذكر: مغاضباً قومه من أجل ربه، أي، من أجل كفرهم به، وعصيانهم له. وغير هذا لا يصح في الآية.

    وقوله تعالى: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ} . أي ظلمة البحر، وظلمة الليل، وظلمة بطن الحوت.و {َأنْ} في قوله: {َأنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ} مفسره.

    وقوله: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} أي أجبناه ونجيناه من الغم الذي هو فيه في بطن الحوت، وإطلاق استجاب بمعنى أجاب معروف في اللغة، ومنه قول كعب بن سعد الغنوي:
    وداع دعا يا من يجيب إلى الندى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب
    وما ذكره الله جل وعلا في هذه الآية: من نداء نبيه يونس في تلك الظلمات: هذا النداء العظيم، وأن الله استجاب له ونجاه من الغم . قلت ( أبو الحسين): الفعل على وزن استفعل يفيد الطلب غالبا إلا في بعض المواطن مثل استجاب ومثل قوله تعالى ( واستغنى الله) ومثل استقر بمعنى قرّ ومثل استطاع فإنه في مثل هذه المواطن لا يفيد الطلب بل لزيادة توكيد الفعل وزيادة المعنى والله أعلم.


    وبين في بعض المواضع: أنه لو لم يسبح هذا التسبيح العظيم للبث في بطن الحوت إلى يوم البعث ولم يخرج منه. وبين في بعضها أنه طرحه بالعراء وهو سقيم.

    وبين في بعضها: أنه خرج بغير إذن كخروج العبد الآبق، وأنهم اقترعوا على من يلقى في البحر فوقعت القرعة على يونس أنه هو الذي يلقى فيه.

    وبين في بعضها: أن الله تداركه برحمته. ولو لم يتداركه بها لنبذ بالعراء في حال كونه مذموماً، ولكنه تداركه بها فنبذ غير مذموم، قال تعالى في "الصافات" : {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} . فقوله في آيات "الصافات" المذكورة {إِذْ أَبَقَ} أي حين أبق، وهو من قول العرب: عبد آبق، لأن يونس خرج قبل أن يأذن له ربه، ولذلك أطلق عليه اسم الإباق. واستحقاق الملامة في قوله: {وَهُوَ مُلِيمٌ} لأن المليم اسم فاعل ألام إذا فعل ما يستوجب الملام".

    وفي تفسير ابن كثير3/234:" ذلك أن يونس بن متى عليه السلام, بعثه الله إلى أهل قرية نينوى, وهي قرية من أرض الموصل, فدعاهم إلى الله تعالى, فأبوا عليه وتمادوا على كفرهم, فخرج من بين أظهرهم مغاضباً لهم, ووعدهم بالعذاب بعد ثلاث, فلما تحققوا منه ذلك وعلموا أن النبي لا يكذب, خرجوا إلى الصحراء بأطفالهم وأنعامهم ومواشيهم, وفرقوا بين الأمهات وأولادها, ثم تضرعوا إلى الله عز وجل وجأروا إليه, ورغت الإبل وفصلانها, وخارت البقر وأولادها, وثغت الغنم وسخالها, فرفع الله عنهم العذاب, قال الله تعالى: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}.
    وأما يونس عليه السلام فإنه ذهب فركب مع قوم في سفينة فلججت بهم, وخافوا أن يغرقوا فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم يتخففون منه, فوقعت القرعة على يونس فأبوا أن يلقوه, ثم أعادوها فوقعت عليه أيضاً فأبوا, ثم أعادوها فوقعت عليه أيضاً, قال الله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} أي وقعت عليه القرعة فقام يونس عليه السلام وتجرد من ثيابه, ثم ألقى نفسه في البحر, وقد أرسل الله سبحانه من البحر الأخضر - فيما قاله ابن مسعود - حوتاً يشق البحار حتى جاء فالتقم يونس حين ألقى نفسه من السفينة, فأوحى الله إلى ذلك الحوت أن لا تأكل له لحماً ولا تهشم له عظماً, فإن يونس ليس لك رزقاً وإنما بطنك تكون له سجناً.


    وقوله: {وَذَا النُّونِ} يعني الحوت صحت الإضافة إليه بهذه النسبة. وقوله :{ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً} قال الضحاك لقومه: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أي نضيق عليه في بطن الحوت, يروى نحو هذا عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وغيرهم, واختاره ابن جرير واستشهد عليه بقوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} وقال عطية العوفي: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}, أي نقضي عليه, كأنه جعل ذلك بمعنى التقدير, فإن العرب تقول: قدر وقدّر بمعنى واحد, وقال الشاعر:
    فلا عائد ذاك الزمان الذي مضى ... تباركت ما تقدر يكن فلك الأمر


    ومنه قوله تعالى: {فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} أي قدر. {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} قال ابن مسعود: ظلمة بطن الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل, وكذا روي عن ابن عباس وعمرو بن ميمون وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب والضحاك والحسن وقتادة. وقال سالم بن أبي الجعد: ظلمة حوت في بطن حوت آخر في ظلمة البحر, قال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما: وذلك أنه ذهب به الحوت في البحار يشقها حتى انتهى به إلى قرار البحر, فسمع يونس تسبيح الحصى في قراره, فعند ذلك وهنالك قال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} وقال عوف الأعرابي: لما صار يونس في بطن الحوت ظن أنه قد مات, ثم حرك رجليه فلما تحركت سجد مكانه".


    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: التوحيد وكشف الكروب

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 11.10.10 8:21

    وفي سنن الترمذي(3505) وغيره: " عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم دعوة ذي النون إذا دعا وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له. قال محمد بن يحيى قال محمد بن يوسف مرة عن إبراهيم بن محمد ابن سعد عن سعد ولم يذكر فيه عن أبيه؛ قال أبو عيسى وقد روى غير واحد هذا الحديث عن يونس ابن أبي إسحاق عن إبراهيم بن محمد بن سعد عن سعد ولم يذكر فيه عن أبيه؛ وروى بعضهم عن يونس ابن أبي إسحق فقالوا عن إبراهيم بن محمد بن سعد عن أبيه عن سعد وكان يونس بن أبي إسحاق ربما ذكر في هذا الحديث عن أبيه وربما لم يذكره قال الشيخ الألباني : صحيح".
    يقول شيخ الإسلام في المجموع10/243: " سماها دعوة لأنها تتضمن نوعي الدعاء فقوله لا اله إلا أنت اعتراف بتوحيد الإلهية ".
    أقول ( أبو الحسين) : " عند التأمل في هذه الآية العظيمة لا نرى للوهلة الأولى أن يونس عليه السلام قد دعا الله بإن قال يا رب نجني أو أنقذني أو ما شابه ذلك من الأدعية التي تناسب حاله؛ مع العلم أن يونس عليه السلام كان في مكان وحال لا يطلّع عليه أحد إلا الله؛ وقد انقطعت به السبل إلا مع الله ؛ فقد تعذرت أسباب النجاة المادية معه تماما فليس له من أسباب النجاة المادية ما يمكنه الاستعانة به؛ فماذا كان عليه أن يصنع عليه السلام ؟. ليس له إلا الاستغاثة بالله.

    قال: " لا إله إلا أنت " وهذا إقرار واعتراف بتوحيد الإلهية الذي يتضمن أحد نوعي الدعاء وهو دعاء العبادة . وهنا تنبيه هو أن التقرب إلا الله بالإقرار بتوحيده وأنه هو الإله الحق وأن ما دونه آلهة باطلة هو أعظم أسباب النجاة لهذا جاء به يونس عليه السلام أولا وهو في حال الكرب لما يعلم وهو نبي أن التوحيد سببه الوحيد لنجاته؛ وهذا مما ينبغي أن يعلم جيدا أن نجاة العبد من كروب الدنيا والآخرة لا يكون إلا بتوحيده جل وعلا.

    وأما الأسباب المادية فقد تعمل عند مشيئة الرب وحده وقد لا تعمل وفي هذا يقول الله تعالى " وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ ". فإلى أولئك الذين يطلبون نجاة الأمة بالأسباب المادية البحتة المتجردة عن الأسباب الشرعية وأولها وأولاها توحيد الرب جل وعلا فلا يظنن أولئك أنهم يحسنون صنعا. والله تعالى يقول :" فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ".

    يقول ابن كثير في تفسيره ج2/ص133: " يعني الفقر والضيق في العيش والضراء هي الأمراض والأسقام والآلام (لعلهم يتضرعون) أي يدعون الله ويتضرعون إليه ويخشعون. قال الله تعالى (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا) أي فهلا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا إلينا وتمسكنوا لدينا ولكن قست قلوبهم أي ما رقت ولا خشعت (وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) أي من الشرك والمعاندة والمعاصي".

    وقال القرطبي في تفسيره ج6/ص425 : " لولا تخصيص وهي التي تلي الفعل بمعنى هلا وهذا عتاب على ترك الدعاء وإخبار عنهم أنهم لم يتضرعوا حين نزول العذاب ويجوز أن يكونوا تضرعوا تضرع من لم يخلص أو تضرعوا حين لابسهم العذاب والتضرع على هذه الوجوه غير نافع والدعاء مأمور به حال الرخاء والشدة؛ قال الله تعالى( ادعوني أستجب لكم) ؛ وقال (إن الذين يستكبرون عن عبادتي غافر أي دعائي سيدخلون جهنم داخرين). وهذا وعيد شديد ( ولكن قست قلوبهم ) أي صلبت وغلظت وهي عبارة عن الكفر والإصرار على المعصية نسأل الله العافية ( وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ) أي أغواهم بالمعاصي وحملهم عليها". وقال الآلوسي في روح المعاني ج7/ص151 : " فلم يتضرعوا حينئذ مع وجود المقتضى وانتفاء المانع الذي يعذرون به ".

    وقال الزركشي في تفسير البحر المحيط ج4/ص133: " والتحضيض يدل على أنه لم يقع تضرعهم حين جاء البأس فمعناه إظهار معاتبة مذنب غائب وإظهار سوء فعله ليتحسر عليه المخاطب وإسناد المجيء إلى البأس مجاز عن وصوله إليهم والمراد أوائل البأس وعلاماته".

    وبعد أن قال يونس عليه السلام " لا إله إلا أنت " قال " سبحانك " أي تقدست وتنزهت فإنَّ (سبحانَ) اسمٌ ينبئ عن العظمة؛ قال ابن دريد في جمهرة اللغة مادة ب - ح - س : " سبحان: تنزيه وتبرئة". وقال الفيومي في المصباح الكبير 1/262: " التَّسْبِيحُ التقديس والتنزيه يقال ( سَبَّحْتُ ) الله أي نزهته وسُبْحَانَ اللهِ علم على التسبيح ومعناه تنزيه الله عن كل سوء ". وقال أبو السعادات الجزري في غريب الأثر2/833: " أُبَرئُ اللّهَ من السُّوء بَراءةً ".

    معنى ذلك أن يونس عليه السلام يبرئ الله تعالى أن ما ابتلاه به ليس ظلما والله جل وعلا منزه عن الظلم فسبحانك تقدست وتنزهت ربي عن أن تظلمني يزيد ذلك بيانا قوله بعدها " إني كنت من الظالمين ". بمعنى تنزهت عن ظلمي بل أنا ظلمت نفسي؛ ومن المعلوم أن يونس عليه السلام ترك قومه دون إذن من الله تعالى وإن كان غضبه لله وظنَّ أن الله لن يقدر عليه أي يقّدر عليه أمرا ما فهو بهذا يعترف عليه السلام بذنبه ويقر به وهذا الإقرار متضمن طلب المغفرة

    قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ج10/ص244 : " اعتراف بالذنب وهو يتضمن طلب المغفرة فان الطالب السائل تارة يسأل بصيغة الطلب وتارة يسأل بصيغة الخبر إما بوصف حاله وإما بوصف حال المسؤول وإما بوصف الحالين".

    أما وصف حال المسؤول فكقول نوح عليه السلام : " قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ". فهذا ليست صيغة طلب بل هو إخبار عن الله جل وعلا إن لم يغفر له ويرحمه يكون حاله إلى الخسران ومع أنه إخبار إلا إنه يتضمن طلب المغفرة. ومنه قول موسى عليه السلام ( رب إني بما أنزلت إليَّ من خير فقير) ؛

    ويقول شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى ج2/ص308 : " فإن هذا وصف لحاله بأنه فقير إلى ما أنزل الله إليه من الخير وهو متضمن لسؤال الله إنزال الخير إليه". وأخرج الترمذي في السنن (3585) : عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".

    قال هذا حديث غريب من هذا الوجه و حماد بن أبي حميد هو محمد بن أبي حميد وهو أبو إبراهيم الأنصاري المديني وليس بالقوي عند أهل الحديث".

    قال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة : " أفضل ما قلت أنا و النبيون عشية عرفة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك و له الحمد ، و هو على كل شيء قدير " . رواه الطبراني في " فضل عشر ذي الحجة " ( 13 / 2 ) عن قيس بن الربيع عن الأغر بن الصباح عن خليفة بن حصين عن علي مرفوعا .قلت (الألباني) : و هذا إسناد لا بأس به في الشواهد ، رجاله ثقات غير قيس بن الربيع فهو سيء الحفظ ، فحديثه حسن بماله من الشواهد . فمنها ما في " الموطأ " ( 1 / 422/246 ) عن زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره دون قوله " له الملك ... " و زاد في أوله : " أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة " . و هذا إسناد مرسل صحيح ، و قد وصله ابن عدي و البيهقي في " الشعب " عن أبي هريرة مرفوعا به و زاد : " له الملك و له الحمد ، يحيي و يميت ، بيده الخير و هو على كل شيء قدير".كما في " الجامع الكبير " (1/114/ 1 ) و " الزيادة على الجامع الصغير " ( ق29 / 1 ) . و منها عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا به نحوه ، و فيه الزيادة التي في " الموطأ " و الزيادة التي في " الشعب " دون قوله :" يحيي و يميت ، بيده الخير " . أخرجه الترمذي بسند فيه ضعف بينته في " تخريج المشكاة " ( 2598 ) . و منه يتبين أن قوله : " يحيي ... " منكر ، لتفرد هذه الطريق به . و منها ما أخرجه الأصبهاني في " الترغيب " ( 331 / 1 - المدينة ) عن أبي مروان : حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب مرسلا مختصرا بلفظ : " أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ، و إن أفضل ما أقوله أنا و ما قال النبيون من قبلي : لا إله إلا الله " . قلت : و هذا مرسل حسن الإسناد ، المطلب هو ابن عبد الله بن حنطب صدوق ، و من دونه ثقات رجال مسلم غير أبي مروان وهو محمد بن عثمان بن خالد الأموي صدوق يخطىء كما قال الحافظ في " التقريب " . و جملة القول : أن الحديث ثابت بمجموع هذه الشواهد و الله أعلم .
    وبعد تصحيح الألباني للحديث نقول إن هذا الذكر سمي دعاءً دعاء عبادة وهو متضمن توحيد الله جل وعلا .

    وأما الطلب بوصف الحالين حال السائل وحال المسؤول فكما في قول أيوب عليه السلام ( أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) فهنا وصف أيوب عليه السلام حاله وما به من الضر والأذى ووصف ربه جل وعلا بأنه أرحم الراحمين وصفا متضمنا أن يرحمه بكشف ضره ؛ وهي صيغة خبر تضمنت السؤال.

    يقول شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ج10/ص245 : " وهذا من باب حسن الأدب في السؤال والدعاء فقول القائل لمن يعظمه ويرغب إليه أنا جائع أنا مريض حسن أدب في السؤال وان كان في قوله أطعمنى وداونى ونحو ذلك مما هو بصيغة الطلب طلب جازم من المسؤول فذاك فيه إظهار حاله وإخباره على وجه الذل والافتقار المتضمن لسؤال الحال وهذا فيه الرغبة التامة والسؤال المحض بصيغة الطلب وهذه الصيغة صيغة الطلب والاستدعاء إذا كانت لمن يحتاج إليه الطالب أو ممن يقدر على قهر المطلوب منه ونحو ذلك فإنها تقال على وجه الأمر إما لما في ذلك من حاجة الطالب واما لما فيه من نفع المطلوب فأما إذا كانت من الفقير من كل وجه للغنى من كل وجه فإنها سؤال محض بتذلل وافتقار وإظهار الحال ووصف الحاجة والافتقار هو سؤال بالحال وهو ابلغ من جهة العلم والبيان وذلك اظهر من جهة القصد والإرادة فلهذا كان غالب الدعاء من القسم الثاني لأن الطالب السائل يتصور مقصوده ومراده فيطلبه ويسأله فهو سؤال بالمطابقة والقصد الأول وتصريح به باللفظ وان لم يكن فيه وصف لحال السائل والمسؤل فان تضمن وصف حالهما كان أكمل من النوعين فانه يتضمن الخبر والعلم المقتضى للسؤال والإجابة ويتضمن القصد والطلب الذي هو نفس السؤال فيتضمن السؤال والمقتضى له والإجابة كقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق رضى الله عنه لما قال له علمني دعاء أدعو به في صلاتي فقال قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمنى إنك أنت الغفور الرحيم أخرجاه في الصحيحين.
    فهذا فيه وصف العبد لحال نفسه المقتضى حاجته إلى المغفرة وفيه وصف ربه الذي يوجب انه لا يقدر على هذا المطلوب غيره وفيه التصريح بسؤال العبد لمطلوبه وفيه بيان المقتضى للإجابة وهو وصف الرب بالمغفرة والرحمة فهذا ونحوه أكمل أنواع الطلب وكثير من الأدعية يتضمن بعض ذلك 0 كقول موسى عليه السلام انت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين فهذا طلب ووصف للمولى بما يقتضى الإجابة 0 وقوله رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فيه وصف حال النفس والطلب 0 وقوله إني لما أنزلت إلى من خير فقير فيه الوصف المتضمن للسؤال بالحال فهذه أنواع لكل نوع منها خاصة يبقى أن يقال فصاحب الحوت ومن أشبهه لماذا ناسب حالهم صيغة الوصف والخبر دون صيغة الطلب فيقال لان المقام مقام اعتراف بان ما أصابني من الشر كان بذنبي فأصل الشر هو الذنب والمقصود دفع الضر والاستغفار جاء بالقصد الثاني فلم يذكر صيغة طلب كشف الضر لاستشعاره انه مسيء ظالم وهو الذي ادخل الضر على نفسه فناسب حاله أن يذكر ما يرفع سببه من الاعتراف بظلمه ولم يذكر صيغة طلب المغفرة لأنه مقصود للعبد المكروب بالقصد الثاني بخلاف كشف الكرب فانه مقصود له في حال وجوده بالقصد الأول إذ النفس بطبعها تطلب ما هي محتاجة إليه من زوال الضرر الحاصل من الحال قبل طلبها زوال ما تخاف وجوده من الضرر في المستقبل بالقصد الثاني والمقصود الأول في هذا المقام هو المغفرة وطلب كشف الضر فهذا مقدم في قصده وإرادته وابلغ ما ينال به رفع سببه فجاء بما يحصل مقصوده وهذا يتبين بالكلام على قوله سبحانك فإن هذا اللفظ يتضمن تعظيم الرب وتنزيهه والمقام يقتضي تنزيهه عن الظلم والعقوبة بغير ذنب يقول أنت مقدس ومنزه عن ظلمي وعقوبتي بغير ذنب بل أنا الظالم الذي ظلمت نفسي قال تعالى وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون وقال تعالى وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم وقال وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين وقال آدم عليه السلام ربنا ظلمنا أنفسنا ....

    فالعبد عليه أن يعترف بعدل الله وإحسانه فانه لا يظلم الناس شيئا فلا يعاقب أحدا إلا بذنبه وهو يحسن إليهم فكل نقمة منه عدل وكل نعمة منه فضل؛ فقوله لا اله إلا أنت فيه إثبات انفراده بالإلهية والإلهية تتضمن كمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته ففيها إثبات إحسانه إلى العباد فان الإله هو المألوه والمألوه هو الذي يستحق إن يعبد وكونه يستحق إن يعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب الخضوع له غاية الخضوع والعبادة تتضمن غاية الحب بغاية الذل وقوله سبحانك يتضمن تعظيمه وتنزيهه عن الظلم وغيره من النقائض.

    وقوله إني كنت من الظالمين فيه اعتراف بحقيقة حاله وليس لأحد من العباد أن يبرئ نفسه عن هذا الوصف لا سيما في مقام مناجاته لربه...0

    وأما قول السائل لم كانت موجبة لكشف الضر فذلك لأن الضر لا يكشفه إلا الله كما قال تعالى وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وان يردك بخير فلا راد لفضله والذنوب سبب للضر والاستغفار يزيل أسبابه كما قال تعالى وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فاخبر انه سبحانه لا يعذب مستغفرا.

    وقوله لا اله إلا أنت تحقيق لتوحيد الإلهية فان الخير لا موجب له إلا مشيئة الله فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن والمعوق له من العبد هو ذنوبه وما كان خارجا عن قدرة العبد فهو من الله وان كانت أفعال العباد بقدر الله تعالى لكن الله جعل فعل المأمور وترك المحظور سببا للنجاة والسعادة فشهادة التوحيد تفتح باب الخير والاستغفار من الذنوب يغلق باب الشر ولهذا ينبغي للعبد أن لا يعلق رجاءه إلا بالله ولا يخاف من الله أن يظلمه فان الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون بل يخاف أن يجزيه بذنوبه.

    فالرجاء ينبغي أن يتعلق بالله ولا يتعلق بمخلوق ولا بقوة العبد ولا عمله فان تعليق الرجاء بغير الله إشراك وان كان الله قد جعل لها أسبابا فالسبب لا يستقل بنفسه بل لابد له من معاون ولا بد أن يمنع المعارض المعوق له وهو لا يحصل ويبقى إلا بمشيئة الله تعالى".

    وبعد هذا النداء العظيم والدعاء الكريم الذي دعا به يونس عليه السلام وهو المتضمن تحقيق التوحيد وإفراد الله بالعبادة وتنزيهه وتقديسه ثم الاعتراف بالذنب وطلب المغفرة ؛ بعد هذا كله استجاب الله له فقال : " فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ".
    ثم قال تعالى : " وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ". أي أن الله جل وعلا يستجيب من دعاه بهذا الدعاء وغيره بشرط تحقيق ما حققه يونس عليه السلام أو قريبا منه من تمام التوحيد وتنزيه الرب عن النقائص والعيوب والتوبة النصوح تحقيقا عمليا وليس كلاما نظريا يقال؛ واليوم كثير ممن يقول لا إله إلا الله بلسانه ويناقض ذلك بفعله ولا حول ولا قوة إلا بالله. والشأن في التطبيق العملي لا في الكلام النظري فحسب.

    يقول محمد بن أحمد بن محمد الغرناطي الكلبي في التسهيل لعلوم التنزيل ج3/ص31 : " وكذلك ننجي المؤمنين يحتمل أن يكون مطلقا أو لمن دعا بدعاء يونس ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوة أخي يونس ذي النون ما دعا بها مكروب إلا استجيب له".

    وفي تفسير ابن كثير ج3/ص193 : " وكذلك ننجي المؤمنين أي إذا كانوا في الشدائد ودعونا منيبين إلينا ولا سيما إذا دعوا بهذا الدعاء في حال البلاء فقد جاء الترغيب في الدعاء به عن سيد الأنبياء قال الإمام أحمد 1 170 حدثنا إسماعيل بن عمر حدثنا يونس بن أبي إسحاق الهمداني حدثنا إبراهيم بن محمد بن سعد حدثني والدي محمد عن أبيه سعد هو ابن أبي وقاص رضي الله عنه قال مررت بعثمان بن عفان رضي الله عنه في المسجد فسلمت عليه فملأ عينيه مني ثم لم يرد علي السلام فأتيت عمر بن الخطاب فقلت يا أمير المؤمنين هل حدث في الإسلام شيء مرتين قال لا وما ذاك قلت لا إلا أني مررت بعثمان آنفا في المسجد فسلمت عليه فملأ عينيه مني فلم يرد علي السلام قال فأرسل عمر إلى عثمان فدعاه فقال ما منعك أن لا تكون رددت على أخيك ".تفسير السعدي ج1/ص530 : " وهذا وعد وبشارة لكل مؤمن وقع في شدة وغم أن الله تعالى سينجيه منها ويكشف عنه ويخفف لإيمانه كما فعل بيونس عليه السلام".

    وفي تفسير الطبري ج17/ص81: " كذلك ننجي المؤمنين من كربهم إذا استغاثوا بنا ودعونا".

    وقال الشنقيطي في أضواء البيان4/244:" يدل على أنه ما من مؤمن يصيبه الكرب والغم فيبتهل إلى الله داعياً بإخلاص، إلا نجاه الله من ذلك الغم، ولا سيما إذا دعا بدعاء يونس هذا ". وقال ابن كثير : " هو شرط من الله لمن دعاه به".

    وأخيرا أقول إلى أولئك المكروبين في مشارق الأرض ومغاربها : إن الاعتماد على الأسباب المادية فقط في كشف الكرب قدح في الشريعة فإن الأسباب قد تعمل بإذن الله وقد لا تعمل بفعل الله وقدره وهذا لا يعني إهمال الأسباب المادية غير أن الاعتماد على الأسباب الشريعة التي أباحها الله جل وعلا هي الوسيلة العظيمة لتحقيق المطلوب ؛ وليس لي في هذا الموطن إلا أن أمثل بزكريا عليه السلام فإنه قد فعل من الأسباب المادية ما يمكنه معه إنجاب الولد وهو الزواج ولكن أسباب الإنجاب معطلة فتوجه إلى الله بالأسباب الشرعية؛ قال تعالى : " هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ". وغيره من الأمثلة كثير .

    فهيا بنا إلى دعوة الناس لتحقيق التوحيد فبه نجاتنا جميعا من كروب الدنيا و الآخرة.

    يقول ابن كثير في تفسيره ج2/ص547 : " وقال عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن حماد عن إبراهيم وعن خصيف عن مجاهد قالا يقول أهل النار للموحدين ما أغنى عنكم إيمانكم فإذا قالوا ذلك قال الله أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان قال فعند ذلك قوله ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ".

    وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان كما في صحيح البخاري ج6/ص2706 : " عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال قُلْنَا يا رَسُولَ اللَّهِ هل نَرَى رَبَّنَا يوم الْقِيَامَةِ قال هل تُضَارُونَ في رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إذا كانت صَحْوًا قُلْنَا لَا قال فَإِنَّكُمْ لَا تُضَارُونَ في رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ إلا كما تُضَارُونَ في رُؤْيَتِهِمَا ثُمَّ قال يُنَادِي مُنَادٍ لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إلى ما كَانُوا يَعْبُدُونَ فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مع صَلِيبِهِمْ وَأَصْحَابُ الْأَوْثَانِ مع أَوْثَانِهِمْ وَأَصْحَابُ كل آلِهَةٍ مع آلِهَتِهِمْ حتى يَبْقَى من كان يَعْبُدُ اللَّهَ من بَرٍّ أو فَاجِرٍ وَغُبَّرَاتٌ من أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ قالوا كنا نَعْبُدُ عُزَيْرَ بن اللَّهِ فَيُقَالُ كَذَبْتُمْ لم يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ ولا وَلَدٌ فما تُرِيدُونَ قالوا نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا فَيُقَالُ اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ في جَهَنَّمَ ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ فَيَقُولُونَ كنا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ بن اللَّهِ فَيُقَالُ كَذَبْتُمْ لم يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ ولا وَلَدٌ فما تُرِيدُونَ فَيَقُولُونَ نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا فَيُقَالُ اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ في جَهَنَّمَ حتى يَبْقَى من كان يَعْبُدُ اللَّهَ من بَرٍّ أو فَاجِرٍ فَيُقَالُ لهم ما يَحْبِسُكُمْ وقد ذَهَبَ الناس فَيَقُولُونَ فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إليه الْيَوْمَ وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا قال فَيَأْتِيهِمْ الْجَبَّارُ في صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ التي رَأَوْهُ فيها أَوَّلَ مَرَّةٍ فيقول أنا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أنت رَبُّنَا فلا يُكَلِّمُهُ إلا الْأَنْبِيَاءُ فيقول هل بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ فَيَقُولُونَ السَّاقُ فَيَكْشِفُ عن سَاقِهِ فَيَسْجُدُ له كُلُّ مُؤْمِنٍ وَيَبْقَى من كان يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بين ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ قُلْنَا يا رَسُولَ اللَّهِ وما الْجَسْرُ قال مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ عليه خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لها شكوة عقيفة تَكُونُ بِنَجْدٍ يُقَالُ لها السَّعْدَانُ الْمُؤْمِنُ عليها كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ وَمَكْدُوسٌ في نَارِ جَهَنَّمَ حتى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا فما أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لي مُنَاشَدَةً في الْحَقِّ قد تَبَيَّنَ لَكُمْ من الْمُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ وإذا رَأَوْا أَنَّهُمْ قد نَجَوْا في إِخْوَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا فيقول الله تَعَالَى اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ في قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ من إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ وَيُحَرِّمُ الله صُوَرَهُمْ على النَّارِ فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قد غَابَ في النَّارِ إلى قَدَمِهِ وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ فَيُخْرِجُونَ من عَرَفُوا ثُمَّ يَعُودُونَ فيقول اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ في قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ من عَرَفُوا ثُمَّ يَعُودُونَ فيقول اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ في قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ من إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ من عَرَفُوا قال أبو سَعِيدٍ فَإِنْ لم تُصَدِّقُونِي فاقرؤوا إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ فيقول الْجَبَّارُ بَقِيَتْ شَفَاعَتِي فَيَقْبِضُ قَبْضَةً من النَّارِ فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قد امْتُحِشُوا فَيُلْقَوْنَ في نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ له مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ في حَافَتَيْهِ كما تَنْبُتُ الْحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ قد رَأَيْتُمُوهَا إلى جَانِبِ الصَّخْرَةِ إلى جَانِبِ الشَّجَرَةِ فما كان إلى الشَّمْسِ منها كان أَخْضَرَ وما كان منها إلى الظِّلِّ كان أَبْيَضَ فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ اللُّؤْلُؤُ فَيُجْعَلُ في رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِيمُ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فيقول أَهْلُ الْجَنَّةِ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرحمن أَدْخَلَهُمْ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ ولا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ فَيُقَالُ لهم لَكُمْ ما رَأَيْتُمْ وَمِثْلَهُ معه".

    وفي صحيح البخاري (5962) : " عنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنْ اللَّيَالِي فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي وَحْدَهُ وَلَيْسَ مَعَهُ إِنْسَانٌ قَالَ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَهُ أَحَدٌ قَالَ فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي ظِلِّ الْقَمَرِ فَالْتَفَتَ فَرَآنِي فَقَالَ مَنْ هَذَا قُلْتُ أَبُو ذَرٍّ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ تَعَالَهْ قَالَ فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً فَقَالَ إِنَّ الْمُكْثِرِينَ هُمْ الْمُقِلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ خَيْرًا فَنَفَحَ فِيهِ يَمِينَهُ وَشِمَالَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ وَوَرَاءَهُ وَعَمِلَ فِيهِ خَيْرًا قَالَ فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً فَقَالَ لِي اجْلِسْ هَا هُنَا قَالَ فَأَجْلَسَنِي فِي قَاعٍ حَوْلَهُ حِجَارَةٌ فَقَالَ لِي اجْلِسْ هَا هُنَا حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ قَالَ فَانْطَلَقَ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى لَا أَرَاهُ فَلَبِثَ عَنِّي فَأَطَالَ اللُّبْثَ ثُمَّ إِنِّي سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُقْبِلٌ وَهُوَ يَقُولُ وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى قَالَ فَلَمَّا جَاءَ لَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ مَنْ تُكَلِّمُ فِي جَانِبِ الْحَرَّةِ مَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرْجِعُ إِلَيْكَ شَيْئًا قَالَ ذَلِكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام عَرَضَ لِي فِي جَانِبِ الْحَرَّةِ قَالَ بَشِّرْ أُمَّتَكَ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ يَا جِبْرِيلُ وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى قَالَ نَعَمْ قَالَ قُلْتُ وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى قَالَ نَعَمْ وَإِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ".

    فالتوحيد هو سبب نجاة العبد من كروب الدنيا والآخرة.

    وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

    والنقل
    لطفا من هنا
    http://www.sahab.net/forums/showthread.php?t=382276

      الوقت/التاريخ الآن هو 14.11.24 19:30