خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

3 مشترك

    تسكين الطائش بذكر مناقب أمنا عائش

    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    تسكين الطائش بذكر مناقب أمنا عائش Empty تسكين الطائش بذكر مناقب أمنا عائش

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 24.09.10 14:13


    تسكين الطائش بذكر مناقب أمنا عائش ([1])

    قال تعالى :
    " إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ" سورة "النور" الآيتان(11/12)

    بعد البسملة والحمدلة والحوقلة، أقول :

    إن تاريخا مشرقا يذكر بكل امتنان لجيل الصحب الأطهار بالرضا والرفعة والنجاة من النار، يرفع عقيرته بأنه جيل فريد، قامت بهم الديانة، ونعمت بهم البناية، وتمت بهم النعمة، وكملت بهم المنحة . يخبرنا عن مواقع الإحسان ومواطن القدوة التي تحققت فيهم . كيف لا ، والمقام مقام اصطفاء، فقد :



    روي الإمام أحمد – رحمه الله تعالى- في مسنده عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنه- قال : " أن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد – صلى الله عليه وسلم- خير قلوب العبادفاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد – صلى الله عليه وسلم- فوجد قلوب أصحابه - رضوان الله عليهم – خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئاً فهو عند الله سيء" صحح إسناده الشيخ أحمد شاكر، انظر "المسند" برقم(3600) ..



    بيد أن ثلة أبقة مارقة أبت الامتثال، ورفضت للنصوص الاستسلام، فما قبلتها بل ردتها بتأويلات عليلة، وأعذار كليلة، بل بترهات لا يقبلها عقل عاقل، فضلاً أن تستقيم في الموازين العلمية، أو أن تنضبط بالضوابط الشرعية .



    وإنا إذ نذكر هذا نتذكر معه ما ثبت عن الشعبي – رحمه الله تعالى- أنه قال : "ما رأيت أحمق من الخشبية، لو كانوا من الطير لكانوا رخما، ولو كانوا من البهائم لكانوا حمرا" "منهاج السنة" لشيخ الإسلام (1/22)



    لأجل ذلك : نحن نعتقد أنه من البلاء أن نبتلى في أيامنا بشراذم الرفض المرفوضة، ذات الأهواء الهاوية والبدع المروعة المردودة .

    وكان مما طفح به حقدهم وأفرزه حنقهم، إن قام ثلة منهم أنجاس أرجاس قاموا في صعيد واحد ليسفروا عن خزيهم، ويستعلنوا بمكنون كفرياتهم، ويكشفوا نقاب تقيتهم عن سوئهم وسوأتهم، ليطعنوا في الطهر الطاهر المطهر- أعني أمنا عائشة الصديقة بنت الصديق – رضي الله تعالى عنهما- ويقعوا فيها ويقذعوا([2]
    ) ويتهمونها بما اتهمها به سلفهم، أهل الإفك، وحاشاها .


    هذا .. في الوقت الذي تحدثنا النصوص حديثاً ذي يقين، تناقلته في حبور القلوب مع الأوراق، وها هنا أنقل نزراً يسيراً من الآيات الدالة على إمامتها، القاضية بالاقتداء لا الإقذاع، فمن ذلك :



    تحدثنا النصوص عن صلاحها وإصلاحها : فمن قبيل الأول – الصلاح : كانت عائشة - رضي الله عنها- امرأة مباركة، تقول - رضي الله عنها : "خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء، انقطع عقدي، فأقام رسولالله - صلى الله عليه وسلم- على التماسه، وأقام الناس معه وليسوا على ماء، فأتى الناسُأبا بكر - رضي الله عنه- فقالوا: ما تدري ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله - صلى الله عليه وسلم- وبالناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء! قالت: فعاتبني أبو بكر، فقالما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكانالنبي - صلى الله عليه وسلم- على فخذي، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حتى أصبح علىغير ماء فأنزل الله آية التيمم، فتيمموا.

    فقال أسيد بن حضير : ما هذا بأولبركتكم يا آل أبي بكر! قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته .

    فقاللها أبو بكر حين جاء من الله رخصة للمسلمين : والله الذي علمت يا بنيَّة أنك مباركةماذا جعل الله للمسلمين في حبسك إياهم من البركة واليسر"([3]
    ).



    في "صفوة الصفوة" وكذا في "الحلية" : "عن القاسم قال : " كنت اذا غدوت أبدأ ببيت عائشة أسلم عليها. فغدوت يوماً فاذا هي قائمة تسبح وتقرأ "فمن الله علينا ووقانا عذاب السَّموم" سورة "الطور" الآية(27) وتدعو وتبكي وترددها . فقمت حتى مللت القيام! فذهبت الى السوق لحاجتي، ثم رجعت فاذا هي قائمة كما هي، تصلي وتبكي"اهـ "صفة الصفوة"(2/15-16)



    ومن قبيل الثاني – الإصلاح : ما أخرجها – أي: في حادثة الجمل([4]) - إلا تأويلاً لقول الله تعالى : " لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً" سورة "النساء" الأية(114)

    وسيأتي معنا أنها- رضي الله تعالى عنها- كانت قبلة كبار الصحب– وكلهم كذلك– في العلم والفتوى .



    تحدثنا النصوص عن اصطفائها لصحبة نبينا – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وله وسلم : فقد جاء في صحيح الإمام البخاري "كتاب مناقب الأنصار" باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلّم عائشة وقدومها المدينة عنها – رضي الله تعالى عنها- أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلّم - قَالَ لَها : أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ، أَرَى أَنَّكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، وَيَقُولُ: هذِهِ امْرَأَتكَ، فَاكْشِفْ عَنْهَا فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأَقُولُ : إِنْ يَكُ هذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ" أهـ . وقد أمضاه الله - سبحانه وتعالى .



    تحدثنا : عن محبة خير العباد لها، ومحبتها له : فمن قبيل الأول : خبر محبة النبي – صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- لعائشة – رضي الله تعالى عنها- ما جاء في "الصحيح" عن عمر بن العاص – رضي الله تعالى عنه- وهو ممن أسلم في السنة الثامنة للهجرة، أنه سأل النبي- صلى الله عليه وسلم - وقال له : أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال : عائشة، قال : فمن الرجال؟ قال : أبوها"
    .



    ولذلك قال مؤرخ الإسلام الحافظ شمس الدين الذهبي – رحمه الله تعالى- بعد إيراده هذا الحديثتعليقا عليه : " وهذا خبر ثابت صحيح رغم أنوف الروافض، وما كان - عليه السلام- يحبالا طيباً، وقد قال : " لو كنت متخذاً خليلاً من هذه الأمة لاتخذت أبا بكر خليلاًولكن أخوة الإسلام أفضل " فأحبَّ أفضل رجلٍ من أمته، وأفضل امرأة من أمته، فمنأبغض حبيبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فهو حريٌ أن يكون بغيضاً إلى اللهورسوله، وحبه - عليه السلام - لعائشة كان أمراً مستفيضاً""سير أعلام النبلاء"(2/142)



    ولما استقر في النفوس ذاك الحب، كان الصحب الكريم يتحببون إلى محبوبهم ويتوددون إليه؛ فيتحرون بهداياهم للنبي - صلى الله عليه وسلم- يوم عائشة – رضي الله تعالى عنها .



    فقد جاء في الحديث الصحيح : " كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت عائشة : فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة، فقلن : يا أم سلمة والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث ما كان أو حيث ما دار، قالت : فذكرت ذلك أم سلمة للنبي - صلى الله عليه وسلم- قالت : فأعرض عني, فلما عاد إلي ذكرت له ذاك فأعرض عني, فلما كان في الثالثة ذكرت له، فقال : " يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها " صحيح الإمام البخاري » كِتَاب الْمَنَاقِبِ » بَاب فَضْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا



    وقال أبو قيس مولى عمرو : بعثني عبد الله إلى أم سلمة : وقال : سَلْها أكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يُقَّبلُ وهو صائم؟ فإن قالت : لا، فقل : إن عائشة تخبر الناس أنه كان يقبلها وهو صائم، فقالت : لعله لم يكن يتمالك عنهاحبًّا" "سير أعلام النبلاء"(2/172)



    وقالت عائشة - رضي الله عنها : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيني العظم فأتعرقه، ثم كان يأخذه، فيديره حتى يضع فاه على موضع فمي""سير أعلام النبلاء"(2/175)





    ومن جميل القول والقول الجميل : ما روي عن بِشر بن عَقْرَبَةَ -رضي اللَّه تعالى عنه - قَال : "استشهدأَبِي مع النَّبِيِّ - صلى اللَّه علَيهوسلَّم- في بعضِ غزواته،فَمرَّ بِي النَّبِي - صلى اللَّه علَيه وسلم- وأَنا أَبكي،فَقَال لي : " اسكت أَما ترضى أَنأَكون أَنا أَبوك، وعائشة أُمُّكَ ؟" رواه الإمام البخاري في "التاريخ الكبير" (462)، وحسنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" برقم (3249)


    وإليكموا هذا الأثر الحسن لأبي الحسن بل الحسنين – رضي الله تعالى عنهم- عن عاصم بن كليب، عن أبيه، قال : انتهينا إلى علي- رضي الله عنه - فذكرعائشة، فقال : خليلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم"

    قال الحافظ الذهبي – رحمه الله تعالى- معلقاً : " هذا حديث حسن،ومصعب صالح لا بأس به، وهذا يقوله أمير المؤمنين في حق عائشة مع ما وقع بينهما، فرضي الله عنهما " "سير اعلام النبلاء" (2/177)



    تحدثنا النصوص عن ذكائها المومئ إلى تزكيتها
    : عن عائشة – رضي الله تعالى عنه- قالت : لما رأيت من النبي - صلى الله عليه وسلم- طيب النفس . قلت : يا رسول الله ادع الله لي .
    قال : فذكره([4]
    ) فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الضحك .
    فقال : أيسرك دعائي .
    فقالت : وما لي لا يسرني دعاؤك .
    فقال : والله إنها لدعوتي . . . الخ" "السلسلة الصحيحة" برقم(2254)





    وقال أبو تراب علي - رضي الله عنه : " لو كانت امرأة تكون خليفة، لكانت عائشة" " اللالكائي(2761)


    تحدثنا عن جودها وجودتها . فمن قبيل الأول : لقد كانت - رضي الله عنها- رمزاً في الجود، والغايةً في السخاء، كيف لا وقد تعلمته ممن كان أصل الكرم والوفاء، وأرضعته مما جاد بكل ما يملك لله تعالى ورسوله – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- برهان ذلك :



    عن عروة – رحمه الله تعالى : " أن عائشة تصدقت بسبعين ألفاً وإنها لترقع جانب درعها – رضي الله عنها" "سير أعلام النبلاء" لمؤرخ الإسلام الحافظ شمس الدين الذهبي (2/187)



    وعن أم ذرة قالت : بعث ابن الزبير إلى عائشة – رضي الله تعالى عنها- بمال غرارتين يكون مائة ألف، فدعت بطبق، فجعلت تقسم في الناس، فلما أمست، قالت : هاتي يا جارية فطوري، فقالت أم ذرة : يا أم المؤمنين أما استطعت أن تشتري لنا لحماً بدرهم" "سير أعلام النبلاء" (2/187)



    وعن القاسم بن محمد، سمعت ابن الزبير يقول : ما رأيت امرأة أجود من عائشة وأسماء([5]) وجودهما مختلف .

    أما عائشة، فكانت تجمع الشيء إلى الشيء حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه .

    وأما أسماء فكانت لا تدخر شيئاً لغد" "سير أعلام النبلاء" (2/292)



    وعن عطاء - رحمه الله تعالى - أن معاوية- رضي الله تعالى عنه- بعث إلى عائشة- رضي الله تعالى عنها- بقلادة بمائة ألف، فقسمتها بين أمهات المؤمنين" "سير أعلام النبلاء" (2/187)



    ومن قبيل الثاني : قال مؤرخ الإسلام الحافظ شمس الدين الذهبي – رحمه الله تعالى- في ترجمة : "عائشة، أم المؤمنين، بنت الإمام الصديق الأكبر خليفة رسول الله أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر ... القرشية التيمية المكية النبوية، أم المؤمنين، زوجة النبي، أفقه نساء الأمة على الإطلاق ..." إلخ "سير أعلام النبلاء" (2/135) ط. مؤسسة الرسالة.

    وأكتف بهذه الإيماءة الدالة، إذ نقل عن غير واحد من السلف قوله : " العلم وسيلة إلى كل فضيلة" ومن ثم، يكون قد اجتمع فيها الجمالان([6]
    ) والتقى الحسنان : الحسي والمعنوي .



    تحدثنا : عن تواضعها مع عظيم رفعتها : في حادثة الإفك ونزول القرآن من سبع طباق ببرأتها وتنزيهها وقوله : " ... وأيم الله لأنا كنت أحقر في نفسي، وأصغر شأنا من أن ينزل الله في قرآنا يقرأ بهويصلى به..." هذا .. وستظل براءتها قرآن يتلى في المساجد وفي البيوت وفي كل مكان إلى يوم الدين .



    جاءهاالحبر البحر ابن عباس - رضي الله عنهما- وهي في الموت، وعند رأسها ابن أخيها عبدالله بن عبد الرحمن، فقيل لها : هذا ابن عباس يستأذن . قالت : دعني من ابن عباس لا حاجةلي به ولا بتزكيته .

    فقال عبد الله : يا أمّه، إن ابن عباس من صالحي بنيك، يودِّعك ويسلم عليك، قالت : فأْذن له إن شئت .

    قال : فجاء ابن عباس، فلما قعد قال : أبشريفوالله ما بينك وبين أن تفارقي كل نصب، وتلقي محمداً - صلى الله عليه وسلم-والأحبة، إلا أن تفارق روحُك جسدك .

    كنتِ أحبَّ نساءِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم-إليه، ولم يكن يحب إلا طيباً .

    سقطت قلادتك ليلة الأبواء، أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ليلقطها، فأصبح الناس ليس معهم ماء، فأنزل الله : " فتيمموا صعيداًطيباً" فكان ذلك من سببك، وما أنزل الله بهذه الأمة من الرخصة .

    ثم أنزل الله تعالىبراءتك من فوق سبع سماوات، فأصبح ليس مسجدٌ يذكرُ فيه اسم الله إلا براءتك تتلى فيهآناء الليل والنهار .

    قالت : دعني يا ابن عباس، فوالله وددت أني كنت نسياًمنسياً""اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية" و"سير أعلام النبلاء"(2/180)



    تحدثنا النصوص الصحاح عن طرف من حسن تبعلها وغيرتها : فينقل لنا مؤرخ الإسلام الحافظ شمس الدين الذهبي – رحمه الله تعالى - في "السير" عنها – رضي الله تعالى عنها- أنها قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكر خديجة(7]
    ) لم يكد يسأم من ثناء عليها واستغفار لها فذكرها يوماً فحملتني الغيرة فقلت : لقد عوضك الله من كبيرة السن . قالت : فرأيته غضب غضباً أسقطت في خلدي، وقلت في نفسي : اللهم إن أذهبت غضب رسولك عني لم أعد أذكرها بسوء . فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لقيت قال : كيف قلت، والله لقد آمنت بي إذ كذبني الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، ورزقت منها الولد وحرمتموه مني، قالت : فغدا وراح علي بها شهراً .
    وقالت عائشة : ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة من كثرة ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرها.


    قلت – الحافظ الذهبي : وهذا من أعجب شيء أن تغار - رضي الله عنها - من امرأة عجوز، توفيت قبل تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - بعائشة بمديدة، ثم يحميها الله من الغيرة من عدة نسوة يشاركنها في النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا من ألطاف الله بها وبالنبي - صلى الله عليه وسلم - لئلا يتكدر عيشهما، ولعله إنما خفف أمر الغيرة عليها حب النبي - صلى الله عليه وسلم - لها وميله إليها، فرضي الله عنها وأرضاها" "سير أعلام النبلاء"(2/112) و(2/165)



    وعن أم المؤمنين عائشة – رضي الله تعالى عنها - قالت : لما تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم- أم سلمة حزنت حزناً شديداً لما ذكروا لنا من جمالها، فتلطفت حتى رأيتها فرأيتها والله أضعاف ما وصفت لي في الحسن، فذكرت ذلك لحفصة - وكانتا يداً واحدة - فقالت : لا والله إن هذه إلا الغيرة، ما هي كما تقولين وإنها لجميلة . فرأيتها بعد فكانت كما قالت حفصة ولكني كنت غيرى" "سير أعلام النبلاء" (2/209)




    وعنها – رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرجمن عندها ليلا . قالت فغرت عليه . فجاء فرأى ما أصنع . فقال "مالك ؟ يا عائشة! أغرت؟ " فقلت : وما لي لا يغار مثلي على مثلك ؟ ..." رواه الإمام مسلم



    هذا ولم يعرف في تأريخنا الإسلامي – بحسب علمي- غيرة كغيرتها – رضي الله تعالى عنها- وهي كما قد تقرر محمودة، من كونها فرع المحبة، بيد أنها مضبوطة بالشرع، فحمدت لها .




    تحدثنا عن حيائها وحياتها : أما عن هذا الخلق العظيم – وهو خلق الإسلام- فكان لها الحظ الإمام، دليل ذلك : ما رواه الإمام البخاري - رحمه الله تعالى : "... عن عائشة قالت: " كنت أغتسل أنا والنبى - صلى الله عليه واله وسلم- من إناء واحد كلا جنب" الإمام البخاري برقم( (299. وهناك لفظ عند بن حبان : "ان عطاء سئل عائشةعن الرجل هل ينظر إلى فرج زوجته فذكر الحديث"



    وهذا من ألطف الجواب، إذ أجابت بالإثبات، الدال على حياة حيائها، وبالغ علمها، وبلاغة فقهها .



    نظير ذلك : ما رواه الإمام مسلم - رحمه الله تعالى : "... قال إسحاق بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال : " جاءت أم سليم - وهي جدة إسحاق - إلى رسول الله فقالت له وعائشة عنده : يا رسول الله، المرأة ترى ما يرى الرجل في المنام، فترى من نفسها ما يرى الرجل من نفسه. فقالت عائشة : يا أم سليم، فضحت النساء تربت يمينك..." الحديث .



    وفي "صحيح الإمام البخاري – رحمه الله تعالى : " عطاء بن أبي رباح – رحمه الله تعالى- حين قال: كانتْ عائشة - رضي الله عنها - تطوف حجرة من الرجال - أي : مُعتزلة في ناحية، لا تخالطهم - قال عطاء : وكن يخرجْنَ مُتنكرات بالليل، فيَطُفْنَ مع الرجال، ولكنهم كنَّ إذا دخَلْنَ البيت قُمْن حتى يدخلن، وأخرج الرجال" رواه الإمام البخاري

    وحين بلَغ أم المؤمنين، عائشة – رضي الله تعالى عنه- أنَّ مولاتها استلَمت الركنين مرتين أو ثلاثًا، عاتبتها، وقالت : لا آجرك الله، لا آجرك الله، تدافعين الرجال، ألا كبَّرْتِ ومررتِ" .



    وجاءت امرأة لعائشة- رضي الله تعالى عنها-قائلة : "يا أم المؤمنين إن كرياً([1)
    أخذ بساقي وأنا محرمة . فقالت : حجراً حجرا([2]) وأعرضت بوجهها، وقالت بكفها([3]) وقالت : يا نساء المؤمنين إذا أذنبت إحداكن ذنباً فلا تخبرن به الناس، ولتستغفرن الله، ولتتب إليه، فإن العباد يعيرون ولا يغيرون، والله تعالى يغير ولا يعيّر" [/b]"مكارم الأخلاق" للخرائطي (503) والنقل عن "موسوعة نضرة النعيم" (2250)



    بل من عجيب أمرها، حياؤها من الأموات، تقول أمنا الطاهرة المطهرة - رضى الله تعالى عنها : " كنتادخل بيتي الذى دفن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وابي فأضعثوبي، فأقول : إنما هو زوجيوأبي، فلما دفن عمر معهم، فوالله ما دخلتإلا وأنا مشدودة علي ثيابي حياء من عمر" "مشكاة المصابيح" برقم(1712)



    وأما عن حياتها : فدارت بين : تأله وتضرع، وبر وإيثار، وصلاح وإصلاح، وتعلم وتعليم، وعظيم بركة، وقد تقدم طرف منها .



    وأما عن حياتها الأبدية، فقد جاء الخبر – والخبر لا يدخله النسخ- أنها ممن خصها الدليل بصحبة سيد الأوليين والآخرين، وفيه : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : "إنه ليهون علي الموت أن أريتكزوجتي في الجنة - يعني عائشة ""السلسلة الصحيحة"



    هذا.. وقد جاءت رواية مصرحة باسمها، وفيها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إنه ليهون علي أني رأيت ياض كف عائشة في الجنة" "السلسلة الصحيحة" [6 / 867 ] برقم[ 2867]



    قلت : وهذا داخل في باب إطلاق الجزء وإرادة الكل .



    بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "عائشةزوجتي فيالجنة" "صحيح الجامع" برقم (3965)


    تحدثنا إجمالا، عن إمامتها، وعظيم مكانتها في النفوس الذكيّة : قال أبو موسى - رضي الله عنه : "ما أشكل علينا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - حديثٌ قط، فسألنا عائشة، إلا وجدنا عندها منه علما".



    وقالملك الإسلام معاوية - رضي الله عنه : "والله ما سمعت قَطّ أبلغ من عائشة غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم".



    يقول عروة - وهو ابن أختها : " صحبت عائشة - رضي الله عنها- فما رأيت أحداً قط كان أعلمبآيه أنزلت، ولا بفريضة ولا بسنة ولا بشعر ولا أروى له([8]
    ) ولا بيوم من أيام العرب، ولا بنسب ولا بكذا ولا بكذا ولا بقضاء ولا بطب منها "



    وكانت - رضي الله عنها وعن أبيها- مِن أحسن الناس رأياً في العامة، قال الزهري - رحمه الله تعالى : "لوجمع علم عائشةإلى علم جميع العالمين المؤمنين وعلم جميع النساء لكانعلم عائشةأفضل " اهـ "الإصابة..." (8/18) .



    كما قال ابن سعد في "الطبقات : " كانت عائشة - رضي الله عنها - أعلم الناس، يسألها الأكابر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم
    "



    وقال أيضاً : " ما كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشكون في شيء إلا سألوا عنه عائشة فيجدون عندها من ذلك علماً "



    بل : " وأنَّ أكابرَ الصحابةِ - رضي الله عنهم - إذا أشكل عليهم الأمرُ من الدِّين استفتَوْها،فيجِدون علمَه عندها" قاله العلامة شمس الدين ابن القيم – رحمه الله تعالى - في "جلاء الأفهام" ص(351 ـ 355)



    وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : "ما رأيت أحداً أعلم بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أفقه في رأي إذااحتيج إلى رأيه، ولا أعلم بآية نزلت ولا فريضة من عائشة - رضي الله عنها "



    هذا .. ولم يكن في النساء أعلم من تلميذاتها : عمرة بنت عبد الرحمن، وحفصة بنت سيرين، وعائشة بنت طلحة – رضي الله تعالى عنها، ورحمهن الله تعالى .



    وعليه .. قال مؤرخ الإسلام الحافظ شمي الدين الذهبي- رحمه الله تعالى : " أفقه نساء الأمة على الإطلاق "



    بل قال : "... ولَم يتزوَّج النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- بكراً غيرها، ولا أحَبَّ امرأةً حُبَّها، ولا أعلمُ في أُمَّة محمد - صلى الله عليه وسلم - بل ولا في النساء مطلقاً امرأةً أعلمَ منها" "سير أعلام النبلاء" (2/140)


    تحدثنا كسنة من سنن التمكين والاصطفاء، عن بلائها : فمن ذلك : كونها لم ترزق بولد . لذا أمرها النبي – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- أن " اكتني ( بابنك عبد الله _ يعني ابن الزبير ) أنت أم عبدالله . عن هشام عن أبيه أن عائشة قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله كل نسائك لها كنية غيري . فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم ( فذكره بدون الزيادة ) قال فكان يقال لها أم عبد الله حتى ماتت ولم تلد قط" "السلسلة الصحيحة" (1/255) برقم(132)



    ومنه : ما تقدم ذكره في إثبات بركتها، وفيه : قالت السيدة عائشة – رضي الله تعالى عنها : " ولقيت من أبي ما الله به عليم من التعنيف والتأفيف" "سير أعلام النبلاء(2/171) .




    ومنه : ما رواه عمرو بن غالب : أن رجلاً نال من عائشة - رضي الله عنها - عند عمار بن ياسر، فقال: اعزُبْ مقبوحاً منبوحاً! أتؤذي حبيبة رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم" "الطبقات الكبرى" (8/78) ط . دار صادر .



    ومنه :
    ما ذكره ابن سعد في "طبقاته" : " أخبرنا حفص بن غياث، حدثنا إسماعيل عن أبي إسحاق قال : قال مسروق : " لولا بعض الأمر، لأقمت المناحة على أم المؤمنين""الطبقات الكبرى" (8/78)



    وكان مسروق - رحمه الله تعالى - إذا حَدَّثَ عن عائشة قال : "حدثتني الصديقة بنت الصديق، حبيبة رسول الله، المبرأة من فوق سبع سماوات" .



    ومنه ما جاء في "الطبقات" أيضاً : "... عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : قدم رجل فسأله أبي : كيف كان وجد الناس على عائشة؟ فقال : كان فيهم وكان . قال : " أما إنه لا يحزن عليها إلا من كانت أمه" "الطبقات الكبرى" (8/78) .



    وقولها في ندم نادم : "يا ليتني كنت نسياً منسيا" "سير أعلام النبلاء"(2/180)


    نقل الإجماع على كفر قاذف أم المؤمنين المبرأة – رضي الله تعالى عنها
    هذا مع اعتبار أن الحكم ومتعلقه بشأن ولاة الأمر، ولا يجوز الافتيات عليهم فيه





    قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله تعالى : " ... أي ما كان الله ليجعل عائشة زوجة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا وهي طيبة، لأنه أطيب من كل طيب من البشر، ولو كانت خبيثة لما صلحت له شرعا ولا قدرا، ولهذا قال تعالى { أولئك مبرءون مما يقولون } أي عما يقوله أهل الإفك والعدوان" "تفسير ابن كثير"(3/278) .

    وقال – رحمه الله تعالى - عند قوله تعالى : "إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا و الآخرة و لهم عذاب عظيم" قال : أجمع العلماء - رحمهم الله - قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية ، فإنه كافر لأنه معاند للقرآن" "تفسير القرآن العظيم" (5/76) .



    وقال أبو بكر بن العربي – رحمه الله تعالى : " إن أهل الإفك رموا عائشة المطهرة بالفاحشة فبرأها الله، فكل من سبها بما برأها الله منه فهو مكذب لله، و من كذب الله فهو كافر، فهذا طريق قول مالك، وهي سبيل لائحة لأهل البصائر..." "أحكام القرآن" لابن العربي (3/1356) .



    وقال القاضي أبو يعلى – رحمه الله تعالى : "من قذف عائشة بما برأها الله منه كفر بلا خلاف، و قد حكي الإجماع على هذا غير واحد، و صرح غير واحد من الأئمة بهذا الحكم" انظر"الصارم المسلول..."ص(566-568) .



    وقد حكى العلامة شمس الدين ابن القيم – رحمه الله تعالى - اتفاق الأمة على كفر قاذف عائشة - رضي الله عنها- حيث قال : "واتفقت الأمة على كفر قاذفها" "زاد المعاد..."(1/106) .



    وقال الإمام أبو محمد ابن حزم – رحمه الله تعالى- بعد أن ذكر أن رمي عائشة - رضي الله عنها- ردة تامة و تكذيب للرب – جلا وعلا – في قطعه ببراءتها، قال :

    "و كذلك القول في سائر أمهات المؤمنين ولا فرق، لأن الله تعالى يقول { والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات ، أولئك مبرؤون مما يقولون } فكلهن مبرآت من قول إفك، والحمد لله رب العالمين" "المحلى" (13/504) .



    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى : "ومن سب الصحابة أو أحداً منهم، واقترن بسبه أن جبرئيل غلط في الرسالة، فلا شك في كفره، بل لا شك في كفر من توقف في كفره. ومن قذف عائشة فيما برأها الله منه، كفر بلا خلاف" أهـ "الدرر السنية"(8/450) و(10/411)



    وقال علي بن سلطان القاري الحنفي – رحمه الله تعالى : "و أما من سبَّ أحداً من الصحابة فهو فاسق و مبتدع بالإجماع، إلا إذا اعتقد أنه مباح، كما عليه بعض الشيعة وأصحابهم، أو يترتب عليه ثواب، كما هو دأب كلامهم، أو اعتقد كفر الصحابة و أهل السنة، فإنه كافر بالإجماع" اهـ وينظر"شم العوارض في ذم الروافض".



    وقال أبو نعيم الأصبهاني – رحمه الله تعالى : "فمن أسوأ حالاً ممن خالف الله ورسوله وآب بالعصيان لهما والمخالفة عليهما.

    ألا ترى أن الله تعالى أمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- بأن يعفو عن أصحابه ويستغفر لهم ويخفض لهم الجناح، قال تعالى : { ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر } سورة "آل عمران" الآية(159) وقال : { واخفض جناحك لمن تبعك من المؤمنين } سورة "الشعراء" الآية(215) .

    فمن سبهم وأبغضهم وحمل ما كان من تأويلهم وحروبهم على غير الجميل الحسن، فهو العادل عن أمر الله تعالى وتأديبه ووصيته فيهم.

    لا يبسط لسانه فيهم إلا من سوء طويته في النبي - صلى الله عليه وسلم- وصحابته والإسلام والمسلمين" اهـ من كتابه "الإمامة" (375-376) تحقيق د. علي فقهي، مكتبة العلوم والحكم بالمدينة .



    وقال أبو زُرعة الرازي - رحمه الله تعالى : " فإذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعلم أنّه زنديق .

    وذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجَّرْحُ بهم أولى، وهم زنادقة" "الكفاية" للخطيب البغدادي (97) .



    وهذه قصيدة على لسانها نظمها أبي عمران موسى بن محمد بن عبدالله الواعظ الأندلسي – رحمه الله تعالى :
    ما شَانُ أُمِّ المُؤْمِنِينَ وَشَانِي *** هُدِيَ المُحِبُّ لها وضَلَّ الشَّانِي
    إِنِّي أَقُولُ مُبَيِّناً عَنْ فَضْلِه *** ومُتَرْجِماً عَنْ قَوْلِها بِلِسَانِي
    يا مُبْغِضِي لا تَأْتِ قَبْرَ مُحَمَّدٍ *** فالبَيْتُ بَيْتِي والمَكانُ مَكانِي
    إِنِّي خُصِصْتُ على نِساءِ مُحَمَّدٍ *** بِصِفاتِ بِرٍّ تَحْتَهُنَّ مَعانِي
    وَسَبَقْتُهُنَّ إلى الفَضَائِلِ كُلِّه *** فالسَّبْقُ سَبْقِي والعِنَانُ عِنَانِي
    مَرِضَ النَّبِيُّ وماتَ بينَ تَرَائِبِي *** فالْيَوْمُ يَوْمِي والزَّمانُ زَمانِي
    زَوْجِي رَسولُ اللهِ لَمْ أَرَ غَيْرَهُ *** اللهُ زَوَّجَنِي بِهِ وحَبَانِي
    وَأَتَاهُ جِبْرِيلُ الأَمِينُ بِصُورَتِي *** فَأَحَبَّنِي المُخْتَارُ حِينَ رَآنِي
    أنا بِكْرُهُ العَذْراءُ عِنْدِي سِرُّهُ *** وضَجِيعُهُ في مَنْزِلِي قَمَرانِ([9])
    وتَكَلَّمَ اللهُ العَظيمُ بِحُجَّتِي *** وَبَرَاءَتِي في مُحْكَمِ القُرآنِ
    واللهُ خَفَّرَنِي([10]) وعَظَّمَ حُرْمَتِي *** وعلى لِسَانِ نَبِيِّهِ بَرَّانِي
    واللهُ في القُرْآنِ قَدْ لَعَنَ الذي *** بَعْدَ البَرَاءَةِ بِالقَبِيحِ رَمَانِي
    واللهُ وَبَّخَ مَنْ أَرادَ تَنَقُّصِي *** إفْكاً وسَبَّحَ نَفْسَهُ في شَانِي
    إنِّي لَمُحْصَنَةُ الإزارِ بَرِيئَةٌ *** ودَلِيلُ حُسْنِ طَهَارَتِي إحْصَانِي
    واللهُ أَحْصَنَنِي بخاتَمِ رُسْلِهِ *** وأَذَلَّ أَهْلَ الإفْكِ والبُهتَانِ
    وسَمِعْتُ وَحْيَ اللهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ *** مِن جِبْرَئِيلَ ونُورُهُ يَغْشانِي
    أَوْحَى إلَيْهِ وَكُنْتُ تَحْتَ ثِيابِهِ *** فَحَنا عليَّ بِثَوْبِهِ خَبَّاني
    مَنْ ذا يُفَاخِرُني وينْكِرُ صُحْبَتِي *** ومُحَمَّدٌ في حِجْرِهِ رَبَّاني؟
    وأَخَذْتُ عن أَبَوَيَّ دِينَ مُحَمَّدٍ *** وَهُما على الإسْلامِ مُصْطَحِبانِ
    وأبي أَقامَ الدِّينَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ *** فالنَّصْلُ نَصْلِي والسِّنانُ سِنانِي
    والفَخْرُ فَخْرِي والخِلاَفَةُ في أبِي *** حَسْبِي بِهَذا مَفْخَراً وكَفانِي
    وأنا ابْنَةُ الصِّدِّيقِ صاحِبِ أَحْمَدٍ *** وحَبِيبِهِ في السِّرِّ والإعلانِ
    نَصَرَ النَّبيَّ بمالِهِ وفَعالِهِ *** وخُرُوجِهِ مَعَهُ مِن الأَوْطانِ
    ثانِيهِ في الغارِِ الذي سَدَّ الكُوَى([11]) *** بِرِدائِهِ أَكْرِمْ بِهِ مِنْ ثانِ
    وَجَفَا الغِنَى حتَّى تَخَلَّلَ بالعَبَ *** زُهداً وأَذْعَنَ أيَّمَا إذْعانِ
    وتَخَلَّلَتْ مَعَهُ مَلاَئِكَةُ السَّمَ *** وأَتَتْهُ بُشرَى اللهِ بالرِّضْوانِ
    وَهُوَ الذي لَمْ يَخْشَ لَوْمَةَ لائِمٍ *** في قَتْلِ أَهْلِ البَغْيِ والعُدْوَانِ
    قَتَلَ الأُلى مَنَعوا الزَّكاةَ بِكُفْرِهِمْ *** وأَذَلَّ أَهْلَ الكُفْرِ والطُّغيانِ
    سَبَقَ الصَّحَابَةَ والقَرَابَةَ لِلْهُدَى *** هو شَيْخُهُمْ في الفَضْلِ والإحْسَانِ
    واللهِ ما اسْتَبَقُوا لِنَيْلِ فَضِيلَةٍ *** مِثْلَ اسْتِبَاقِ الخَيلِ يَومَ رِهَانِ
    إلاَّ وطَارَ أَبي إلى عَلْيَائِه *** فَمَكَانُهُ مِنها أَجَلُّ مَكَانِ
    وَيْلٌ لِعَبْدٍ خانَ آلَ مُحَمَّدٍ *** بِعَدَاوةِ الأَزْواجِ والأَخْتَانِ([12])
    طُُوبى لِمَنْ والى جَمَاعَةَ صَحْبِهِ *** وَيَكُونُ مِن أَحْبَابِهِ الحَسَنَانِ
    بَيْنَ الصَّحابَةِ والقَرابَةِ أُلْفَةٌ *** لا تَسْتَحِيلُ بِنَزْغَةِ الشَّيْطانِ
    هُمْ كالأَصَابِعِ في اليَدَيْنِ تَوَاصُل *** هل يَسْتَوِي كَفٌّ بِغَيرِ بَنانِ؟!
    حَصِرَتْ([13]) صُدورُ الكافِرِينَ بِوَالِدِي *** وقُلُوبُهُمْ مُلِئَتْ مِنَ الأَضْغانِ
    حُبُّ البَتُولِ وَبَعْلِها لم يَخْتَلِفْ *** مِن مِلَّةِ الإسْلامِ فيهِ اثْنَانِ
    أَكْرِمْ بِأَرْبَعَةٍ أَئِمَّةِ شَرْعِنَ *** فَهُمُ لِبَيْتِ الدِّينِ كَالأرْكَانِ
    نُسِجَتْ مَوَدَّتُهُمْ سَدىً في لُحْمَةٍ *** فَبِنَاؤُها مِن أَثْبَتِ البُنْيَانِ
    اللهُ أَلَّفَ بَيْنَ وُدِّ قُلُوبِهِمْ *** لِيَغِيظَ كُلَّ مُنَافِقٍ طَعَّانِ
    رُحَمَاءُ بَيْنَهُمُ صَفَتْ أَخْلاقُهُمْ *** وَخَلَتْ قُلُوبُهُمُ مِنَ الشَّنَآنِ
    فَدُخُولُهُمْ بَيْنَ الأَحِبَّةِ كُلْفَةٌ *** وسِبَابُهُمْ سَبَبٌ إلى الحِرْمَانِ
    جَمَعَ الإلهُ المُسْلِمِينَ على أبي *** واسْتُبْدِلُوا مِنْ خَوْفِهِمْ بِأَمَانِ
    وإذا أَرَادَ اللهُ نُصْرَةَ عَبْدِهِ *** مَنْ ذا يُطِيقُ لَهُ على خِذْلانِ؟!
    مَنْ حَبَّنِي فَلْيَجْتَنِبْ مَنْ َسَبَّنِي *** إنْ كَانَ صَانَ مَحَبَّتِي وَرَعَانِي
    وإذا مُحِبِّي قَدْ أَلَظَّ([14]) بِمُبْغِضِي *** فَكِلاهُمَا في البُغْضِ مُسْتَوِيَانِ
    إنِّي لَطَيِّبَةٌ خُلِقْتُ لِطَيِّبٍ *** ونِسَاءُ أَحْمَدَ أَطْيَبُ النِّسْوَانِ
    إنِّي لأُمُّ المُؤْمِنِينَ فَمَنْ أَبَى *** حُبِّي فَسَوْفَ يَبُوءُ بالخُسْرَانِ
    اللهُ حَبَّبَنِي لِقَلْبِ نَبِيِّهِ *** وإلى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ هَدَانِي
    واللهُ يُكْرِمُ مَنْ أَرَادَ كَرَامَتِي *** ويُهِينُ رَبِّي مَنْ أَرَادَ هَوَانِي
    واللهَ أَسْأَلُهُ زِيَادَةَ فَضْلِهِ *** وحَمِدْتُهُ شُكْراً لِمَا أَوْلاَنِي
    يا مَنْ يَلُوذُ بِأَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ *** يَرْجُو بِذلِكَ رَحْمَةَ الرَّحْمانِ([15])
    صِلْ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ ولا تَحِدْ *** عَنَّا فَتُسْلَبَ حُلَّةَ الإيمانِ
    إنِّي لَصَادِقَةُ المَقَالِ كَرِيمَةٌ *** إي والذي ذَلَّتْ لَهُ الثَّقَلانِ
    خُذْها إليكَ فإنَّمَا هيَ رَوْضَةٌ *** مَحْفُوفَةٌ بالرَّوْحِ والرَّيْحَانِ
    صَلَّى الإلهُ على النَّبيِّ وآلِهِ *** فَبِهِمْ تُشَمُّ أَزَاهِرُ البُسْتَانِ





    ومن جميل القول والقول الجميل في الباب :"ذكرت عائشة - رضي الله عنها- عند رجل فسبها. فقيل أتسب أمك ؟فقال : ما هي أمي . فبلغها ذلك فقالت: "صدق أنا أم المؤمنين، وأما الكافرين فلست لهم بأم ""شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة"(7/1523) وذكره كذلك قِوَامُ السُّنَّةِ الأصبهانيُّ في «الحُجَّة في بيانِ المَحَجَّة» (377)




    كيف وأهل السنة والجماعة مجمعة على تعظيمها – لا سبِّها- بل وحبها : نقله شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى: "وأهل السنة مجمعون على تعظيم عائشة ومحبتها" "منهاج السنة النبوية" (4/208) في بحث المفاضلة بينها وبين خديجة – رضي الله تعالى عنهما .

    أجل .. أما أنه لا ينكر فضلها، وطهارة قلبها، ورجاحة عقلها، ونقاء ثوبها، إلا جاحد . فهي من أوعية العلم وحفظة السنة، بل من المكثرين، الأمر الذي أورث أحفاد المجوس حقد أفين، فتبا تبا لمنتقصيها، وسحقا سحقا لمبغضيها .




    كيف وقد كره النبي - صلى الله عليه وسلم- أن يُؤذى فيها :

    ففي صحيح الإمام البخاري – رحمه الله تعالى- في حديث الإفك عنها - رضي الله عنها-قالت : " فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من يومه فاستعذر من عبد الله ابن أبي وهو على المنبر فقال : "يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي ..." صحيح الإمام البخاري كتاب الشهادات[2661] وصحيح الإمام مسلم [ح 2770].

    وفي صحيح الإمام البخاري – رحمه الله تعالى : "... عن عائشة - رضي الله عنها : ... قالت : فلما كان في الثالث
    أبو الحسن حافظ بن غريب
    أبو الحسن حافظ بن غريب
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 139
    العمر : 56
    البلد : مصر السنية
    العمل : دبلوم المعهد العالي للدراسات الإسلامية
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 30/04/2008

    تسكين الطائش بذكر مناقب أمنا عائش Empty رد: تسكين الطائش بذكر مناقب أمنا عائش

    مُساهمة من طرف أبو الحسن حافظ بن غريب 26.09.10 23:08

    بارك الله فيك فضيلة الشيخ الحبيب على هذا المجهود المحبور ، بكلمات من نور ، ودليل بعد دليل في مراجع المسلمين مزبور .

    مقالة حاسمة، بالعلم راسمة ، وبالحجة قاصمة ؛ جعلها الله لهؤلاء الجهلاء منيرة قلوب ملأها الأهواء ، وقد رفعت أصواتها بالعواء والنواء .

    وأعود فأقول: لولم تكتب في حياتك غير هذه المقالة " وانت الذي عمرت المكتبة الإسلامية بأبحاث فياضة" فيكفيك أنت تأتي يوم القيامة على رؤس الأشهاد، متقدما العباد ، تحمل بيمينك المثمرة مقالتك المقمرة . . . دافعها للرسول ، دفاعا عن عرضه المصون ، والذي أدعو الله العظيم أن يتقبلها منك لترفعك في أعلى درجات الجنان مع الأنبياء والصديقين والشهداء .

    اللهم آمين آمين آمين
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    تسكين الطائش بذكر مناقب أمنا عائش Empty رد: تسكين الطائش بذكر مناقب أمنا عائش

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 27.09.10 8:06



    ما شاء الله أبا الحسن
    ما أجمل عبارتك الممشوجة بأرق مشاعرك!!!
    ولقد نصحتك - ولا زلت- بالكتابة، وفق الضوابط السلفية المعروفة ينتفع منك .
    تقبلنا اله تعالى وإياك وكل متبع في الصالحين، وهدى الله تعالى الضالين إلى صراطه المستقيم .
    أبو عبد الله


      الوقت/التاريخ الآن هو 22.11.24 23:47