العِيدُ : سُنَنٌ وَ آدَابٌ... للشيخ الفاضل نجيب جلواح
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ العِيدُ : سُنَنٌ وَ آدَابٌ ﴾
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ العِيدُ : سُنَنٌ وَ آدَابٌ ﴾
الحمد لله رب العالمين
و الصلاة و السلام على نبيه الأمين و على آله و أصحابه أجمعين
وبعد:
العِيدُ مُنَاسَبَةٌ سَارَّةٌ ، تَجْتَمِعُ فِيهَا القُلُوبُ ، وَ تَنْشَرِحُ لَهَا الصُّدُورُ،وَ تَعُمُّ البَهْجَةُ جمَِيعَ المُسْلِمِيـنَ ، فَيَنْسَوْنَ هُمُومَهُمْ وَ غُمُومَهُمْ .
وَ سُمِّيَ العِيدُ عِيداً لأَنَّ فِيهِ عَوَائِدَ الإِحْسَانِ عَلَى العِبَادِ في كُلِّ عَامٍ ، وَ لأَنَّ العَادَةَ فِيهِ الفَرَحُ وَ السُّـرُورُ ، وَ النَّشَاطُ وَ الحُبُورُ . وَ قِيلَ : سُمِّيَ كَذِلَكَ لِعَوْدِهِ وَ تَكُرُّرِهِ ، لأَنَّهُ يَعُودُ كُلَّ عَامٍ بِفَرَحٍ مُجَدَّدٍ ، أَوْ تَفَاؤُلاً بِعَوْدِهِ عَلَى مَنْ أَدْرَكَهُ [1] ، وَلمَّا كَانَ العِيدُ بِهَذِهِ الأَهَمِّيَّةِ سَنَّ دِينُنَا لِلْمُسْلِمِينَ عِيدَيْنِ سَنوِيَّيْنِ هُمَا أَفْضَلُ أَعْيَادِ البَرِيَّةِ ؛
فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : " قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم المَدِينَةَ وَ لَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ : " مَا هَذَانِ اليَوْمَانِ ؟ " قَالُوا : كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الجَاهِلِيَّةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم : " إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْراً مِنْهُمَا : يَوْمَ الأَضْحَى ، وَ يَوْمَ الفِطْرِ " [2].
عِيدَانِ عِنْدَ أُولِي النُّهَى لاَ ثَالِثَ *** لَهُمَا لِمَنْ يَبْغِي السَّلاَمَةَ فِي غَدِ
الفِطْرُ وَ الأَضْحَى وَ كُلُّ زِيَادَةٍ *** فِيهِمَا خُـرُوجٌ عَنْ سَبِيلِ محَمَّدِ
وَ لاَ يُشْرَعُالتَّقَرُّبُ إِلى اللهِ سُبْحَانَهُ - فِي العِيدِ- بِإِحْيَاءِ لَيْلَتِهِ ، لِعَدَمِ وُجُودِ مُسْتَنَدٍ صَحِيحٍ لَهُ، وَ مَا رُوِيَ في فَضْلِ ذَلِكَ لاَ يَصِحُّ [3] .
كَمَا يَحْرُمُ صَوْمُ يَوْمِ العِيدِ لمِاَ ثَبَتَ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم في الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنَ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِه [4]
وَ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ التَّوْبَةُ [5] وَ قِيلَ :إِنَّ الحِكْمَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ العِيدَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنَ الإِعْرَاضِ عَنْ ضِيَافَةِ اللهِ لِعِبَادِهِ [6] .
* وَ سَأَعْرِضُ - هُنَا - بَعْضَ السُّنَنِ وَ الآدَابِ التِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا المُسْلِمُ فِي العِيدَيْنِ :
1 – الاِغْتِسَالُ :
يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْعِيدِ لأَنَّ فِيهَ اِجْتِمَاعًا أَعْظَمَ مِنَ الاِجْتِمَاعِ الذِي في الجُمُعَةِ ، وَقَدْ رُوِيَ في ذَلِكَ أَحَادِيثُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم لَكِنَّهَا لاَ تَصِحُّ ، وَ أَحْسَنُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى اِسْتِحْبَابِ غُسْلِ العِيدِ : تِلْكَ الآثَارُ الوَارِدَةُ عَنِ السَّلَفِ رضوان الله عليهم ؛ فَعَنْ زَاذَانَ قَالَ : " سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيًّا رضي الله عنه عَنِ الغُسْلِ ؟ قَالَ : اِغْتَسِلْ كُلَّ يَوْمٍ إِنْ شِئْتَ ، فَقَالَ : لاَ ، الغُسْلُ الذِي هُوَ الغُسْلُ ، قَالَ : يَوْمَ الجُمُعَةِ ، وَ يَوْمَ عَرَفَةَ ، وَ يَوْمَ النَّحْرِ ، وَيَوْمَ الفِطْرِ " [7].
وَعَـنِ نَافِعٍ :" أَنَّ عَبْدَ اللهِ اِبْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى المُصَلَّى" [8].
وَ وَقْتُ الاِغْتِسَالِ لِلْعِيدِ يَكُونُ بَعْدَ الفَجْرِ ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَحمَدَ وَرِوَايَةٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ . قَالَ القَاضِي وَ الآمِدِيُّ : إنْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الفَجْرِ لَمْ يُصِبْ سُنَّةَ الاِغْتِسَالِ؛ لأَنَّهُ غُسْلُ الصَّلاَةِ فِـي اليَوْمِ فَلَمْ يَجُزْ قَبْلَ الفَجْرِ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ[9].
2 – التَّزَيُّنُ وَ لُبْسُ الجَمِيلِ :
يُسْتَحَبُّ لُبْسُ أَجْوَدِ الثِّيَابِ لِشُهُودِ العِيدِ ؛ فَعَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنه قَالَ : " كاَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم يَلْبَسُ يَوْمَ العِيدِ بُرْدَةً حَمْرَاءَ " [10].
وَ يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ التَّزَيُّنُ بِكُلِّ مُحَرَّمٍ مِنَ اللِّبَاسِ ؛ كَالذَّهَبِ وَ الحَرِيرِ وَ ثَـوْبِ الشُّهْرَةِ ، وَ مَا كَانَ مِنْ لِبَاسِ الكُفَّارِ أَوِ النِّسَاءِ ، كَمَا لاَ يَحِلُّ لَهُم التَّزَيُّنُ بِحَلْقِ لِحَاهُمْ [11]. وَ اسْتَحَبَّ بَعْضُ أَهْـلِ العِلْمِ الاِغْتِسَالَ وَ التَّزَيُّنَ لِلْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدِ المُصَلَّى ، لأَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ اليَوْمِ لاَ مِنْ سُنَنِ الصَّلاَةِ، وَالمقْصُودُ في هَذَا اليَوْمِ إِظْهَارُ الزِّينَةِ وَ الجَمَالِ ، فَاسْتُحِبَّ ذَلِكَ لَمَنْ حَضَرَ الصَّلاَةَ وَ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا [12] .
كَمَا يُسْتَحَبُّ التَّنَظُّفُ بِإِزَالَةِ الشَّعْرِ ، وَ تَقْلِيمِ الأَظَافِـرِ إِلاَّ فِي الأَضْحَى لِمَـنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ ، فَالوَاجِبُ عَلَيْهِ الإِمْسَاكُ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ حَتَّى يَذْبَـحَ أُضْحِيَتَهُ ؛ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا [13].
وَ هَـذَا التَّزَيُّنُ وَ لُبْسُ أَجْمَلِ الثِّيَابِ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ ، أَمَّا النِّسَاءُ فَلاَ يَلْبَسْنَ الثِّيَابَ الجَمِيلَةَ عِنْدَ خُرُوجِهِنَّ إِلَى مُصَلَّى العِيدِ ، بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَخْرُجْنَ مُتَطَيِّبَاتٍ وَ مُتَبَرِّجَاتٍ ؛ لِقَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم : " لِيَخْرُجْنَ وَ هُنَّ تَفِلاَتٌ " [14] .
3- الأَكْلُ قَبْلَ الخُرُوجِ فِي الفِطْرِ بِخِلاَفِ الأَضْحَى :
فَالسُّنَّةُ أَنْ يَأْكُلَ المُسْلِـمُ- يَوْمَ الفِطْرِ- قَبْلَ الغُـدُوِّ إِلى المُصَلَّى ، وَ يُسْتَحَبُّ أنْ يَكُونَ فِطْرُهُ عَلَى تَمْرٍ إنْ وَجَدَهُ ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم لاَ يَغْدُو يَوْمَ الفِطْـرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ "
وَ قَالَ مُرَجَّى بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَنَسٌ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه و سلم: " وَ يَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا "[15].
وَ فِي جَعْلِهِنَّ وِتْراً: إِشْعَارٌ بِالوَحْدَانِيَّةِ . وَ يُفْهَمُ مِنَ الحَدِيثِ : أَنَّ التَّمْرَةَ الوَاحِدَةَ لاَ تَحْصُلُ بِهَا السُّنَّةُ ، لأَنَّ ( تَمَرَاتٍ ) : جَمْعٌ ، وَ عَلَى هَذَا ، فَلاَبُدَّ مِنْ ثَلاَثٍ فَأَكْثَرَ [16] .
وَقِيلَ الحِكْمَةُ في الأَكْلِ قَبْلَ الصَّلاَةِ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ وُجُوبُ الفِطْرِ عَقِبَ وُجُوبِ الصَّـوْمِ اِسْتُحِبَّ تَعْجِيلُ الفِطْرِ مُبَادَرَةً إِلَى اِمْتِثَالِ أَمْرِ اللهِ تَعَالَى ، وَ يُشْعِرُ بِذَلِكَ اِقْتِصَارُهُ عَلَى القَلِيلِ مِنْ ذَلِكَ ، وَ لَوْ كَانَ لِغَيْرِ الاِمْتِثَالِ لأَكَلَ قَدْرَ الشِّبَعِ [17] .
الفِطْرُ وَ الأَضْحَى وَ كُلُّ زِيَادَةٍ *** فِيهِمَا خُـرُوجٌ عَنْ سَبِيلِ محَمَّدِ
وَ لاَ يُشْرَعُالتَّقَرُّبُ إِلى اللهِ سُبْحَانَهُ - فِي العِيدِ- بِإِحْيَاءِ لَيْلَتِهِ ، لِعَدَمِ وُجُودِ مُسْتَنَدٍ صَحِيحٍ لَهُ، وَ مَا رُوِيَ في فَضْلِ ذَلِكَ لاَ يَصِحُّ [3] .
كَمَا يَحْرُمُ صَوْمُ يَوْمِ العِيدِ لمِاَ ثَبَتَ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم في الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنَ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِه [4]
وَ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ التَّوْبَةُ [5] وَ قِيلَ :إِنَّ الحِكْمَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ العِيدَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنَ الإِعْرَاضِ عَنْ ضِيَافَةِ اللهِ لِعِبَادِهِ [6] .
* وَ سَأَعْرِضُ - هُنَا - بَعْضَ السُّنَنِ وَ الآدَابِ التِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا المُسْلِمُ فِي العِيدَيْنِ :
1 – الاِغْتِسَالُ :
يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْعِيدِ لأَنَّ فِيهَ اِجْتِمَاعًا أَعْظَمَ مِنَ الاِجْتِمَاعِ الذِي في الجُمُعَةِ ، وَقَدْ رُوِيَ في ذَلِكَ أَحَادِيثُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم لَكِنَّهَا لاَ تَصِحُّ ، وَ أَحْسَنُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى اِسْتِحْبَابِ غُسْلِ العِيدِ : تِلْكَ الآثَارُ الوَارِدَةُ عَنِ السَّلَفِ رضوان الله عليهم ؛ فَعَنْ زَاذَانَ قَالَ : " سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيًّا رضي الله عنه عَنِ الغُسْلِ ؟ قَالَ : اِغْتَسِلْ كُلَّ يَوْمٍ إِنْ شِئْتَ ، فَقَالَ : لاَ ، الغُسْلُ الذِي هُوَ الغُسْلُ ، قَالَ : يَوْمَ الجُمُعَةِ ، وَ يَوْمَ عَرَفَةَ ، وَ يَوْمَ النَّحْرِ ، وَيَوْمَ الفِطْرِ " [7].
وَعَـنِ نَافِعٍ :" أَنَّ عَبْدَ اللهِ اِبْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى المُصَلَّى" [8].
وَ وَقْتُ الاِغْتِسَالِ لِلْعِيدِ يَكُونُ بَعْدَ الفَجْرِ ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَحمَدَ وَرِوَايَةٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ . قَالَ القَاضِي وَ الآمِدِيُّ : إنْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الفَجْرِ لَمْ يُصِبْ سُنَّةَ الاِغْتِسَالِ؛ لأَنَّهُ غُسْلُ الصَّلاَةِ فِـي اليَوْمِ فَلَمْ يَجُزْ قَبْلَ الفَجْرِ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ[9].
2 – التَّزَيُّنُ وَ لُبْسُ الجَمِيلِ :
يُسْتَحَبُّ لُبْسُ أَجْوَدِ الثِّيَابِ لِشُهُودِ العِيدِ ؛ فَعَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنه قَالَ : " كاَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم يَلْبَسُ يَوْمَ العِيدِ بُرْدَةً حَمْرَاءَ " [10].
وَ يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ التَّزَيُّنُ بِكُلِّ مُحَرَّمٍ مِنَ اللِّبَاسِ ؛ كَالذَّهَبِ وَ الحَرِيرِ وَ ثَـوْبِ الشُّهْرَةِ ، وَ مَا كَانَ مِنْ لِبَاسِ الكُفَّارِ أَوِ النِّسَاءِ ، كَمَا لاَ يَحِلُّ لَهُم التَّزَيُّنُ بِحَلْقِ لِحَاهُمْ [11]. وَ اسْتَحَبَّ بَعْضُ أَهْـلِ العِلْمِ الاِغْتِسَالَ وَ التَّزَيُّنَ لِلْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدِ المُصَلَّى ، لأَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ اليَوْمِ لاَ مِنْ سُنَنِ الصَّلاَةِ، وَالمقْصُودُ في هَذَا اليَوْمِ إِظْهَارُ الزِّينَةِ وَ الجَمَالِ ، فَاسْتُحِبَّ ذَلِكَ لَمَنْ حَضَرَ الصَّلاَةَ وَ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا [12] .
كَمَا يُسْتَحَبُّ التَّنَظُّفُ بِإِزَالَةِ الشَّعْرِ ، وَ تَقْلِيمِ الأَظَافِـرِ إِلاَّ فِي الأَضْحَى لِمَـنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ ، فَالوَاجِبُ عَلَيْهِ الإِمْسَاكُ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ حَتَّى يَذْبَـحَ أُضْحِيَتَهُ ؛ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا [13].
وَ هَـذَا التَّزَيُّنُ وَ لُبْسُ أَجْمَلِ الثِّيَابِ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ ، أَمَّا النِّسَاءُ فَلاَ يَلْبَسْنَ الثِّيَابَ الجَمِيلَةَ عِنْدَ خُرُوجِهِنَّ إِلَى مُصَلَّى العِيدِ ، بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَخْرُجْنَ مُتَطَيِّبَاتٍ وَ مُتَبَرِّجَاتٍ ؛ لِقَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم : " لِيَخْرُجْنَ وَ هُنَّ تَفِلاَتٌ " [14] .
3- الأَكْلُ قَبْلَ الخُرُوجِ فِي الفِطْرِ بِخِلاَفِ الأَضْحَى :
فَالسُّنَّةُ أَنْ يَأْكُلَ المُسْلِـمُ- يَوْمَ الفِطْرِ- قَبْلَ الغُـدُوِّ إِلى المُصَلَّى ، وَ يُسْتَحَبُّ أنْ يَكُونَ فِطْرُهُ عَلَى تَمْرٍ إنْ وَجَدَهُ ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم لاَ يَغْدُو يَوْمَ الفِطْـرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ "
وَ قَالَ مُرَجَّى بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَنَسٌ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه و سلم: " وَ يَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا "[15].
وَ فِي جَعْلِهِنَّ وِتْراً: إِشْعَارٌ بِالوَحْدَانِيَّةِ . وَ يُفْهَمُ مِنَ الحَدِيثِ : أَنَّ التَّمْرَةَ الوَاحِدَةَ لاَ تَحْصُلُ بِهَا السُّنَّةُ ، لأَنَّ ( تَمَرَاتٍ ) : جَمْعٌ ، وَ عَلَى هَذَا ، فَلاَبُدَّ مِنْ ثَلاَثٍ فَأَكْثَرَ [16] .
وَقِيلَ الحِكْمَةُ في الأَكْلِ قَبْلَ الصَّلاَةِ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ وُجُوبُ الفِطْرِ عَقِبَ وُجُوبِ الصَّـوْمِ اِسْتُحِبَّ تَعْجِيلُ الفِطْرِ مُبَادَرَةً إِلَى اِمْتِثَالِ أَمْرِ اللهِ تَعَالَى ، وَ يُشْعِرُ بِذَلِكَ اِقْتِصَارُهُ عَلَى القَلِيلِ مِنْ ذَلِكَ ، وَ لَوْ كَانَ لِغَيْرِ الاِمْتِثَالِ لأَكَلَ قَدْرَ الشِّبَعِ [17] .
هَذَا في الفِطْرِ ؛ أَمَّا في الأَضْحَى: فَالسُّنَّةُ أَلاَّ يَأْكُلَ المُضَحِّي حَتَّى يَرْجِعَ ، فَيَأْكُـلَ مِنْ ذَيِيحَتِهِ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :" كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم لاَ يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ ؛ وَ لاَ يَطْعَمُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ "
وَ في رِوَايَـةٍ : " حَتَّى يُضَحِّيَ " رَوَاهَا أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ ، وَ زَادَ أَحْمَدُ : " فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَتِهِ " [18].
وَ قِيلَ : الحِكْمَةُ مِنْ ذَلِكَ إِظْهَارُ كَرَامَةِ اللهِ تَعَالَى لِلْعِبَادِ بِشَرْعِيَّةِ نَحْرِ الأَضَاحِي ، فَكَانَ الأَهَمُّ الاِبْتِدَاءَ بِأَكْلِهَا شُكْراً للهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ مِنْ شَرْعِيَّةِ النَّسِيكَةِ الجَامِعَـةِ لِخَيِرِ الدُّنْيَا وَ ثَوَابِ الآخِرَةِ .
وَ قَدْ خَصَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ اِسْتِحْبَابَ تَأْخِيرِ الأَكْلِ فِي عِيدِ الأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ بِمَنْ لَهُ ذَبْحٌ ، لأَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه و سلم إِذْ أَخَّرَ الفِطْرَ فِي الأَضْحَى إِنّمَا أَكَلَ مِنْ ذَبِيحَتِهِ [19] .
4 - الخُرُوجُ إِلَى العِيدِ مَاشِياً وَ العَوْدَةُ مَاشِياً :
يُسْتَحَبُّ أنْ يَخْرُجَ المُسْلِمُ إِلَى العِيدِ مَاشِياً - وَ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَ الوَقَارُ -وَ أَنْ يَرْجِعَ كَذِلِكَ ، وَ هُوَ مِنَ التَّوَاضُعِ؛ فَعَنِ اِبْنِ عُمُرَ رضي الله عنه قَالَ:" كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم يَخْرُجُ إِلَى العِيدِ مَاشِياً وَ يَرْجِعُ مَاشِياً " [20].
وَ يُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ يُرْكَبَ في العِيدِ إِلاَّ مِنْ عُذْرٍ ، فَمَنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ ، أَوْ كَانَ مَكَانُهُ بَعِيداً فَرَكِبَ فَلاَ بَأْسَ . اِسْتَحَبَّ ذَلِكَ مَالِكٌ وَ الثَّوْرِيُّ وَ الشَّافِعِيُّ وَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ .
قَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ : إِنَّمَا نَحْنُ نَمْشِي وَمَكَانُنَا قَرِيبٌ وَ مَـنْ بَعُدَ عَلَيْهِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَرْكَبَ . وَ كَانَ الحَسَنُ يَأْتِي العِيدَ رَاكِباً .
وَ كَرِهَ النَّخَعِيُّ الرُّكُوبَ فِي العِيدَيْنِ وَ الجُمَعَةِ [21] .
5 - مُخَالَفَةُ الطَّرِيقِ :
يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْلِمِ فِي العِيدَيْنِ - إِمَاماً كَانَ مَاْمُوماً - أَنْ يَأْخُذَ فِي طَرِيقٍ ، وَ يَرْجِعَ في غَيْرِ الطَّرِيقِ الذِي اِبْتَدَأَ فِيهِ ؛ فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ : " كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ " [22] .
وَ الحِكْمَـةُ بِالنِّسْبَةِ لِمَعْشَرِ المُسْلِمِينَ - مِنْ هَذَا - : هِيَ مُتَابَعَةُ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم . أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِفِعْلِهِ صلى الله عليه و سلم ذَلِكَ فَقَدِ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي حِكْمَتِهِ عَلَى أَقْوَالٍ ، فَقِيلَ : لِلْمُرُورِ عَلَى مَنْ لَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِ فِي الذَّهَابِ ، وَ رُؤْيَةِ مَنْ لَمْ يَرَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ ، وَ تَسْلِيمِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ ، أَوْ لإِظْهَارِ شِعَارِ الإِسْلاَمِ ، أَوْ لِيَغِيظَ المُنَافِقِينَ وَ الكُفَّارَ ، أَوْ لِيَشْهَدَ لَهُ الطِّرِيقَانِ . وَ قِيلَ - وَهُوَ الأَصحُّ - : إِنَّهُ لِذَلِكَ كُلِّهِ ، وَ لِغَيْرِهِ مِنَ الحِكَمِ التي لاَ يَخْلُو فِعْلُهَا عَنْهَا [23] .
6 - الخُرُوجُ إِلَى المُصَلَّى :
يُسْتَحَبُّ الخُرُوجُ إلَى المُصَلَّى فِي العِيدَيْنِ - وَلَوْ اتَّسَعَ المَسْجِدُ لِلنَّاسِ- وَ الخُرُوجُ إِلَيْهِ تَشْرِيعٌ مِنَ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم وَ لَيْسَ مِنْ أَجْلِ ضَيْقِ المَسْجِدِ - كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُـمْ - ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : " كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَ الأَضْحَى إِلَى المُصَلَّى " [24] .
وَ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم أَنَّهُ صَلَّى فِي مَسْجِدِه - مَعَ فَضْلِهِ - صَلاَةَ عِيدٍ قَطُّ ، فَقَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّ الصَّلاَةَ فِي مَسْجِدِهِ تُضَاعَفُ [25] وَ مَعَ ذَلِكَ كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الصَّحْرَاءِ ، وَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِـحٌ عَلَى تَأَكُّدِ أَمْرِ الخُرُوجِ إِلَى المُصَلَّى لِصَلاَةِ العِيدَيْنِ .
وَ قَدْ أَمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم النِّسَاءَ بِالخُرُوجِ إلَى العِيدَيْنِ ؛ فَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَأْمُرُ بَنَاتِهِ وَ نِسَاءَهُ أَنْ يَخْرُجْنَ فِي العِيدَيْنِ " [26] .
وَ لَمْ يَسْتَثْنِ صلى الله عليه و سلم - مِنْ هَذَا الأَمْـرِ - الحُيَّضَ وَرَبَّاتِ الخُدُورِ ؛ فَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الفِطْـرِ وَ الأَضْحَى العَوَاتِقَ وَ الحُيَّضَ وَ ذَوَاتِ الخُدُورِ ؛ فَأَمَّا الْحُيَّضُ : فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاَةَ ، وَ يَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَ دَعْـوَةَ الْمُسْلِمِينَ . قُلْتُ : يَـا رَسُولَ اللَّهِ ! إِحْدَانَا لاَ يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ ؟ قَالَ : " لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا " [27] .
فَلَمَّا أَنْ شَرَعَ صلى الله عليه و سلم لَهُنَّ الخُرُوجَ شَرَعَ الصَّلاَةَ فِي البَرَاحِ لإِظْهَارِ شَعِيرَةِ الإِسْلاَمِ .
وَ قَدْ حَافَظَ صلى الله عليه و سلم عَلَى أَدَاءِ العِيدَيْنِ فِي المُصَلَّى وَ وَاظَبَ عَلَـى ذَلِكَ ، وَ هُوَ صلى الله عليه و سلم لاَ يُحَافِظُ وَ لاَ يُوَاظِبُ إِلاَّ عَلَى الأَفْضَلِ [28] .
وَ يُسْتَحَبُّ إِخْرَاجُ الصِّبْيَانِ - ذُكْرَاناً وَ إِنَاثاً - إِلَى المُصَلَّى ؛ فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ قَالَ : " سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قِيلَ لَهُ : أَشَهِدْتَ العِيدَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَ لَوْ لاَ مَكَانِي مِنَ الصِّغَرِ مَا شَهِدْتُهُ..." الحَدِيـث [29] .
وَ لأَنَّ فِـي إِخْرَاجِهِمْ إِظْهَاراً لِشَعَائِرِ الإِسْلاَمِ ، وَ اكْتِمَالَ الفَرَحِ المَطْلُوبِ فِي هَذَا اليَوْمِ ، وَ لَيْسَ خُرُوجُهُمْ لأَجْلِ الصَّلاَةِ ؛ فَالحُيَّضُ أُمِرْنَ بِالخُرُوجِ مع أنّهُنَّ لاَ يُصَلِّينَ ، وَ اللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
وَ يُسْتَحَبُّ لِلإِمَامِ أَنْ يُخَلِّفَ مَنْ يُصَلِّي بِضَعَفَةِ النَّاسِ فِي المَسْجِدِ ، الذِينَ يَعْجِزُونَ عَنِ الخُرُوجِ إِلَى المُصَلَّى ، كَمَا فَعَـلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه ؛ فَعَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَهْدَمٍ : " أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه اسْتَخْلَفَ أَبَا مَسْعُودٍ عَلَى النَّاسِ ، فَخَرَجَ يَوْمَ عِيدٍ ، فَقَالَ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ! إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُصَلَّى قَبْلَ الإِمَامِ " [30] .
وَ مِنْ أَحْكَامِ صَلاَةِ العِيدِ أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا جَاءَ إِلَى مُصَلَّى العِيدِ قَبْلَ حُضُورِ الإِمَامِ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ , وَ لاَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، لأَنَّ مُصَلَّى العِيدِ لاَ يَأْخُذُ حُكْمَ المَسْجِدِ ، فَلاَ تَحِيَّةَ لَهُ . وَ إِنْ أُقِيمَتْ صَلاَةُ العِيدَيْنِ فِي المَسْجِدِ فَتُصَلَّى- حِينَئِذٍ- التَّحِيَّةُ عِنْدَ الدُّخُولِ [31] .
وَ يُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ إِلَى العِيدِ بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ إِلاَّ الإِمَامَ فَإِنَّهُ يَتَأَخَّرُ إِلَى وَقْتِ الصَّلاَةِ ، لِفِعْلِهِ صلى الله عليه و سلم ذَلِكَ ؛
فَعَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدٍ المُكْتِبِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : " كَانُوا يُصَلُّونَ الصُّبْحَ عَلَيْهِمْ ثِيَابُهُمْ ، ثمُ يَغْدُونَ إِلَى المُصَلَّى يَوْمَ الفِطْرِ " [32] .
7 - التَّكْبِيرُ فِي العِيدَيْنِ وَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ :
يُسْتَحَبُّ لِلْنَّاسِ إِظْهَارُ التَّكْبِيرِ فِي العِيدَيْنِ ، وَاخْتُصَّ الفِطْرُ بِمَزِيدِ تَأْكِيدٍ لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِ ، وَ الأَصْلُ فِيهِ : قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ وَ لِتُكْمِلُوا العِـدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُـمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [ البَقَرَةُ : 85 ] .
فَيُكَبِّرُ المُسْلِمُونَ رَبَّهُمْ فِي هَذَا العِيدِ ، فِي مَسَاجِدِهِمْ وَ مَنَازِلِهِمْ وَ طُرُقِهِمْ ، مُسَافِرِينَ كَانُوا أَوْ مُقِيمِينَ - لِظَاهِرِ الآيَةِ- تَعْظِيماً وَشُكْراً للهِ ، الذِي هَدَاهُمْ لِهَذَا الدِّينِ القَوِيمِ ، وَبَلَّغَهُمْ هَذَا الشَّهْرَ ، وَأَكْمَلَ لَهُمْ العِدَّةَ ، وَوَفَّقَهُمْ لأَدَاءِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ ؛ فَعَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه: " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم كَانَ يَخْرُجُ مِنَ العِيدَيْنِ رَافِعًا صَوْتَهُ بِالتَّهْلِيلِ وَ التَّكْبِيرِ" [33] .
وَ في رِوَايَـةٍ : " حَتَّى يُضَحِّيَ " رَوَاهَا أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ ، وَ زَادَ أَحْمَدُ : " فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَتِهِ " [18].
وَ قِيلَ : الحِكْمَةُ مِنْ ذَلِكَ إِظْهَارُ كَرَامَةِ اللهِ تَعَالَى لِلْعِبَادِ بِشَرْعِيَّةِ نَحْرِ الأَضَاحِي ، فَكَانَ الأَهَمُّ الاِبْتِدَاءَ بِأَكْلِهَا شُكْراً للهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ مِنْ شَرْعِيَّةِ النَّسِيكَةِ الجَامِعَـةِ لِخَيِرِ الدُّنْيَا وَ ثَوَابِ الآخِرَةِ .
وَ قَدْ خَصَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ اِسْتِحْبَابَ تَأْخِيرِ الأَكْلِ فِي عِيدِ الأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ بِمَنْ لَهُ ذَبْحٌ ، لأَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه و سلم إِذْ أَخَّرَ الفِطْرَ فِي الأَضْحَى إِنّمَا أَكَلَ مِنْ ذَبِيحَتِهِ [19] .
4 - الخُرُوجُ إِلَى العِيدِ مَاشِياً وَ العَوْدَةُ مَاشِياً :
يُسْتَحَبُّ أنْ يَخْرُجَ المُسْلِمُ إِلَى العِيدِ مَاشِياً - وَ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَ الوَقَارُ -وَ أَنْ يَرْجِعَ كَذِلِكَ ، وَ هُوَ مِنَ التَّوَاضُعِ؛ فَعَنِ اِبْنِ عُمُرَ رضي الله عنه قَالَ:" كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم يَخْرُجُ إِلَى العِيدِ مَاشِياً وَ يَرْجِعُ مَاشِياً " [20].
وَ يُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ يُرْكَبَ في العِيدِ إِلاَّ مِنْ عُذْرٍ ، فَمَنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ ، أَوْ كَانَ مَكَانُهُ بَعِيداً فَرَكِبَ فَلاَ بَأْسَ . اِسْتَحَبَّ ذَلِكَ مَالِكٌ وَ الثَّوْرِيُّ وَ الشَّافِعِيُّ وَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ .
قَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ : إِنَّمَا نَحْنُ نَمْشِي وَمَكَانُنَا قَرِيبٌ وَ مَـنْ بَعُدَ عَلَيْهِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَرْكَبَ . وَ كَانَ الحَسَنُ يَأْتِي العِيدَ رَاكِباً .
وَ كَرِهَ النَّخَعِيُّ الرُّكُوبَ فِي العِيدَيْنِ وَ الجُمَعَةِ [21] .
5 - مُخَالَفَةُ الطَّرِيقِ :
يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْلِمِ فِي العِيدَيْنِ - إِمَاماً كَانَ مَاْمُوماً - أَنْ يَأْخُذَ فِي طَرِيقٍ ، وَ يَرْجِعَ في غَيْرِ الطَّرِيقِ الذِي اِبْتَدَأَ فِيهِ ؛ فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ : " كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ " [22] .
وَ الحِكْمَـةُ بِالنِّسْبَةِ لِمَعْشَرِ المُسْلِمِينَ - مِنْ هَذَا - : هِيَ مُتَابَعَةُ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم . أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِفِعْلِهِ صلى الله عليه و سلم ذَلِكَ فَقَدِ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي حِكْمَتِهِ عَلَى أَقْوَالٍ ، فَقِيلَ : لِلْمُرُورِ عَلَى مَنْ لَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِ فِي الذَّهَابِ ، وَ رُؤْيَةِ مَنْ لَمْ يَرَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ ، وَ تَسْلِيمِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ ، أَوْ لإِظْهَارِ شِعَارِ الإِسْلاَمِ ، أَوْ لِيَغِيظَ المُنَافِقِينَ وَ الكُفَّارَ ، أَوْ لِيَشْهَدَ لَهُ الطِّرِيقَانِ . وَ قِيلَ - وَهُوَ الأَصحُّ - : إِنَّهُ لِذَلِكَ كُلِّهِ ، وَ لِغَيْرِهِ مِنَ الحِكَمِ التي لاَ يَخْلُو فِعْلُهَا عَنْهَا [23] .
6 - الخُرُوجُ إِلَى المُصَلَّى :
يُسْتَحَبُّ الخُرُوجُ إلَى المُصَلَّى فِي العِيدَيْنِ - وَلَوْ اتَّسَعَ المَسْجِدُ لِلنَّاسِ- وَ الخُرُوجُ إِلَيْهِ تَشْرِيعٌ مِنَ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم وَ لَيْسَ مِنْ أَجْلِ ضَيْقِ المَسْجِدِ - كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُـمْ - ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : " كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَ الأَضْحَى إِلَى المُصَلَّى " [24] .
وَ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم أَنَّهُ صَلَّى فِي مَسْجِدِه - مَعَ فَضْلِهِ - صَلاَةَ عِيدٍ قَطُّ ، فَقَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّ الصَّلاَةَ فِي مَسْجِدِهِ تُضَاعَفُ [25] وَ مَعَ ذَلِكَ كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الصَّحْرَاءِ ، وَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِـحٌ عَلَى تَأَكُّدِ أَمْرِ الخُرُوجِ إِلَى المُصَلَّى لِصَلاَةِ العِيدَيْنِ .
وَ قَدْ أَمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم النِّسَاءَ بِالخُرُوجِ إلَى العِيدَيْنِ ؛ فَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَأْمُرُ بَنَاتِهِ وَ نِسَاءَهُ أَنْ يَخْرُجْنَ فِي العِيدَيْنِ " [26] .
وَ لَمْ يَسْتَثْنِ صلى الله عليه و سلم - مِنْ هَذَا الأَمْـرِ - الحُيَّضَ وَرَبَّاتِ الخُدُورِ ؛ فَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الفِطْـرِ وَ الأَضْحَى العَوَاتِقَ وَ الحُيَّضَ وَ ذَوَاتِ الخُدُورِ ؛ فَأَمَّا الْحُيَّضُ : فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاَةَ ، وَ يَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَ دَعْـوَةَ الْمُسْلِمِينَ . قُلْتُ : يَـا رَسُولَ اللَّهِ ! إِحْدَانَا لاَ يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ ؟ قَالَ : " لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا " [27] .
فَلَمَّا أَنْ شَرَعَ صلى الله عليه و سلم لَهُنَّ الخُرُوجَ شَرَعَ الصَّلاَةَ فِي البَرَاحِ لإِظْهَارِ شَعِيرَةِ الإِسْلاَمِ .
وَ قَدْ حَافَظَ صلى الله عليه و سلم عَلَى أَدَاءِ العِيدَيْنِ فِي المُصَلَّى وَ وَاظَبَ عَلَـى ذَلِكَ ، وَ هُوَ صلى الله عليه و سلم لاَ يُحَافِظُ وَ لاَ يُوَاظِبُ إِلاَّ عَلَى الأَفْضَلِ [28] .
وَ يُسْتَحَبُّ إِخْرَاجُ الصِّبْيَانِ - ذُكْرَاناً وَ إِنَاثاً - إِلَى المُصَلَّى ؛ فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ قَالَ : " سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قِيلَ لَهُ : أَشَهِدْتَ العِيدَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَ لَوْ لاَ مَكَانِي مِنَ الصِّغَرِ مَا شَهِدْتُهُ..." الحَدِيـث [29] .
وَ لأَنَّ فِـي إِخْرَاجِهِمْ إِظْهَاراً لِشَعَائِرِ الإِسْلاَمِ ، وَ اكْتِمَالَ الفَرَحِ المَطْلُوبِ فِي هَذَا اليَوْمِ ، وَ لَيْسَ خُرُوجُهُمْ لأَجْلِ الصَّلاَةِ ؛ فَالحُيَّضُ أُمِرْنَ بِالخُرُوجِ مع أنّهُنَّ لاَ يُصَلِّينَ ، وَ اللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
وَ يُسْتَحَبُّ لِلإِمَامِ أَنْ يُخَلِّفَ مَنْ يُصَلِّي بِضَعَفَةِ النَّاسِ فِي المَسْجِدِ ، الذِينَ يَعْجِزُونَ عَنِ الخُرُوجِ إِلَى المُصَلَّى ، كَمَا فَعَـلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه ؛ فَعَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَهْدَمٍ : " أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه اسْتَخْلَفَ أَبَا مَسْعُودٍ عَلَى النَّاسِ ، فَخَرَجَ يَوْمَ عِيدٍ ، فَقَالَ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ! إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُصَلَّى قَبْلَ الإِمَامِ " [30] .
وَ مِنْ أَحْكَامِ صَلاَةِ العِيدِ أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا جَاءَ إِلَى مُصَلَّى العِيدِ قَبْلَ حُضُورِ الإِمَامِ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ , وَ لاَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، لأَنَّ مُصَلَّى العِيدِ لاَ يَأْخُذُ حُكْمَ المَسْجِدِ ، فَلاَ تَحِيَّةَ لَهُ . وَ إِنْ أُقِيمَتْ صَلاَةُ العِيدَيْنِ فِي المَسْجِدِ فَتُصَلَّى- حِينَئِذٍ- التَّحِيَّةُ عِنْدَ الدُّخُولِ [31] .
وَ يُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ إِلَى العِيدِ بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ إِلاَّ الإِمَامَ فَإِنَّهُ يَتَأَخَّرُ إِلَى وَقْتِ الصَّلاَةِ ، لِفِعْلِهِ صلى الله عليه و سلم ذَلِكَ ؛
فَعَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدٍ المُكْتِبِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : " كَانُوا يُصَلُّونَ الصُّبْحَ عَلَيْهِمْ ثِيَابُهُمْ ، ثمُ يَغْدُونَ إِلَى المُصَلَّى يَوْمَ الفِطْرِ " [32] .
7 - التَّكْبِيرُ فِي العِيدَيْنِ وَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ :
يُسْتَحَبُّ لِلْنَّاسِ إِظْهَارُ التَّكْبِيرِ فِي العِيدَيْنِ ، وَاخْتُصَّ الفِطْرُ بِمَزِيدِ تَأْكِيدٍ لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِ ، وَ الأَصْلُ فِيهِ : قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ وَ لِتُكْمِلُوا العِـدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُـمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [ البَقَرَةُ : 85 ] .
فَيُكَبِّرُ المُسْلِمُونَ رَبَّهُمْ فِي هَذَا العِيدِ ، فِي مَسَاجِدِهِمْ وَ مَنَازِلِهِمْ وَ طُرُقِهِمْ ، مُسَافِرِينَ كَانُوا أَوْ مُقِيمِينَ - لِظَاهِرِ الآيَةِ- تَعْظِيماً وَشُكْراً للهِ ، الذِي هَدَاهُمْ لِهَذَا الدِّينِ القَوِيمِ ، وَبَلَّغَهُمْ هَذَا الشَّهْرَ ، وَأَكْمَلَ لَهُمْ العِدَّةَ ، وَوَفَّقَهُمْ لأَدَاءِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ ؛ فَعَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه: " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم كَانَ يَخْرُجُ مِنَ العِيدَيْنِ رَافِعًا صَوْتَهُ بِالتَّهْلِيلِ وَ التَّكْبِيرِ" [33] .
وَ التَّكْبِيرُ عَلَى النِّسَاءِ كَمَا هُوَ عَلَى الرِّجَالِ ؛ فَقَدْ ذَكَرَ البُخَارِيُّ عَـنْ مَيْمُونَةَ - زَوْجِ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم- كَانَتْ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ ، وَ كُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَـانَ وَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيـزِ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ [34].
وَأَمَّا صِيغَةُ التَّكْبِيرِ، فَقَدْ ثَبَتَ تَشْفِيعُهُ عَنِ اِبْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه ؛ فَعَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَـنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه: " أَنَّـهُ كَانَ يُكَبِّرُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ : ( اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَ اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، وَ لِلَّهِ الحَمْدُ ) " [35].
وَ يَبْدَأُ التَّكْبِيرُ - فِي الفِطْرِ- مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الثَّلاَثِينَ مِنْ رَمَضَانَ ، أَوْ رُؤْيَةِ هِلاَلِ شَـوَّالٍ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَـى : ﴿ وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ﴾ وَ إِكْمَالُ العِدَّةِ يَكُونُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ العِيدِ .
وَ اِنْتِهَـاؤُهُ إِلَى أَنْ يَخْرُجَ الإِمَامُ ؛ فَعَنْ نَافِعٍ عَنِ اِبْنِ عُمَرَ رضي الله عنه : " أَنَّهُ كَانَ إِذَا غَدَا يَوْمَ الأَضْحَى وَ يَوْمَ الفِطْرِ يَجْهَـرُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى يَأْتِيَ المُصَلَّى ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الإِمَامُ " [36] . فَمُنْذُ ثُبُوتِ العِيدِ إِلَى خُرُوجِ الإِمَامِ لِصَلاَةِ العِيدِ وَ وَقْتُ النَّاسِ مَعْمُورٌ بِالتَّكْبِيرِ تَعْظِيماً للهِ وَ شُكْراً وَ حَمْداً .
أَمَا وَقْتُ التَّكْبِيرِ فِي الأَضْحَى : فَمِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ مِنًى ، وَ هُوَ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ. وَ لَمْ يَثْبُتْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم حَدِيثٌ، وَ أَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي هَذَا - كَمَا قَالَ الحَافِظُ - : قَوْلُ عَلِيٍّ وَ اِبْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : [ أَنَّهُ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ مِنًى ] [37] .
فَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه : " أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ بَعْدَ صَلاَةِ الفَجْرِ - يَوْمَ عَرَفَةَ - إِلَى صَلاَةِ العَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، وَ يُكَبِّرُ بَعْدَ العَصْرِ " رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقَيْنِ ( 5677 وَ 5678 ) أَحَدُهُمَا جَيِّدٌ . وَ مِنْ هَذَا الوَجْـهِ رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ ( 6497 ) ثُمَّ رَوَى مِثْلََهُ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه ( 6498 ) - وَ سَنَدُهُ صَحِيحٌ – وَ رَوَى الحَاكِمُ عَنْهُ ( 1114 ) وَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه ( 1115) مِثْلَهُ [38] .
وَ نُنَبِّهُ - هُنَا - عَلَى أَنَّ أَدَاءَ التَّكْبِيرِ يَكُونُ مِنْ كلِّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ ، فَيَذْكُرُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ غَيْرِ اِلْتِزَامٍ بِأَحَـدٍ يُكَبِّرُ مَعَهُ . وَأَمَّا التَّكْبِيرُ الجَمَاعِيُّ فَمُحْدَثٌ ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّةِ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم وَلاَ مِنْ هَدْيِ الصَّحَابَةِ رضوان الله عليهم وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ .
8 – لاَ سُنَّةَ لِلْعِيدِ - قَبْلِيَّةً وَ لاَ بَعْدِيَّةً - فِي المُصَلَّى :
لَمْ يَثْبُتْ لِصَلاَةِ العِيدَيْـنِ سُنَّةٌ قَبْلَهَا وَ لاَ بَعْدَهَا ، وَ لَمْ يَكُنِ النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم وَ لاَ أَصْحَابُهُ رضوان الله عليهم يُصَلُّونَ شَيْئًا - قَبْلَ الصَّلاَةِ وَ لاَ بَعْدَهَا- إِذَا اِنْتَهَوْا إِلَى المُصَلَّى ؛ فَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم خَرَجَ يَوْمَ أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَ لاَ بَعْدَهُمَا ... " الحَدِيث [39].
وَ فِي قَوْله : ( لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَ لاَ بَعْدَهُمَا ) : دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ شَرْعِيَّةِ النَّافِلَةِ قَبْلَ صَلاَةِ العِيدِ وَلاَ بَعْدَهَـا ؛ لأنَّهُ إذْ لَمْ يَفْعَل صلى الله عليه و سلم ذَلِكَ وَ لاَ أَمَرَ بِهِ ، فَلاَ يَكُونُ مَشْرُوعًا فِي حَقِّنَا [40].
وَ مِنْ جِهَـةِ المَعْنَى يُقَالُ : إِنَّهُ لَوِ اِشْتَغَلَ بِالنَّافِلِـةِ قَبْلَ الصَّلاَةِ لاشْتَغَلَ عَنْ عِبَادَةِ الوَقْتِ وَ هُوَ التَّكْبِيرُ ، وَ يَكُونُ بِذَلِكَ اِنْتَقَلَ مِنَ الفَاضِلِ إِلَى المَفْضُولِ . وَ مِنْ جِهَـةِ أُخْرَى لاَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لِلْعِيدِ سُنَّةٌ قَبْلِيَّةٌ : لأَنَّ مَا بَيْنَ اِنْقِضَاءِ صَلاَةِ الفَجْرِ إِلَى حِينِ صَلاَةِ العِيدِ وَقْتٌ تَحْرُمُ فِيهِ النَّافِلَةُ .
غَيْرَ أَنَّهُ لاَ مَانِعَ مِنَ الصَّلاَةِ بَعْدَ العِيدِ - سَوَاءٌ لِلإِمَامِ أَوِ المَأْمُومِ - إِذَا فُعِلَتْ فِي البَيْتِ بَعْدَ الاِنْصِرَافِ مِنَ المُصَلَّى ، وَ هُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنهقَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم لاَ يُصَلِّي قَبْلَ العِيدِ شَيْئًا ؛ فَإِذَا رَجَـعَ إِلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ " [41] . فَيَكُونُ المُرَادُ مِنْ قَوْلِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهالسَّابِقِ : (وَ لاَ بَعْدَهُمَا) أَيْ : فِي الْمُصَلَّى ، وَ هُوَ طَرِيقُ الجَمْعِ بَيْنَ الأَحَادِيثِ النَّافِيَةِ وَ المُثْبِتَةِ لِلْتَّنَفُّلِ فِي العِيدِ ؛ قَالَ الحَافِظُ اِبْنُ حَجَرٍ :" وَ يُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا ( أَيْ حَدِيثُ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه النَّافِي ) وَ بَيْنَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ : أَنَّ النَّفْيَ إنَّمَا وَقَعَ فِي الصَّلاَةِ فِي الْمُصَلَّى " [42]. وَ قَالَ الأَلْبَانِيُّ نَحْوَهُ [43].
9 – التَّهْنِئَةُ فِي العِيدِ :
تُشْرَعُ التَّهْنِئَةُ فِي العِيدِ بِقَوْلِ : ( تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكَ ). فَقَدْ أَجَازَهُ جَمْعٌ مِنْ أَهِلِ العِلْمِ ، لِوُرُودِهِ عَنِ السَّلَفِ رضوان الله عليهم ؛ قَالَ الحَافِظُ اِبْنُ حَجَرٍ : " وَ رَوَيْنَا فِي " المَحَامِلِيَّاتِ " - بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ- عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَال : " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم إِذَا اِلْتَقَوْا - يَوْمَ العِيدِ - يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : ( تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَ مِنْكَ ) " [44] .
وَأَمَّا صِيغَةُ التَّكْبِيرِ، فَقَدْ ثَبَتَ تَشْفِيعُهُ عَنِ اِبْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه ؛ فَعَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَـنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه: " أَنَّـهُ كَانَ يُكَبِّرُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ : ( اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَ اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، وَ لِلَّهِ الحَمْدُ ) " [35].
وَ يَبْدَأُ التَّكْبِيرُ - فِي الفِطْرِ- مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الثَّلاَثِينَ مِنْ رَمَضَانَ ، أَوْ رُؤْيَةِ هِلاَلِ شَـوَّالٍ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَـى : ﴿ وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ﴾ وَ إِكْمَالُ العِدَّةِ يَكُونُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ العِيدِ .
وَ اِنْتِهَـاؤُهُ إِلَى أَنْ يَخْرُجَ الإِمَامُ ؛ فَعَنْ نَافِعٍ عَنِ اِبْنِ عُمَرَ رضي الله عنه : " أَنَّهُ كَانَ إِذَا غَدَا يَوْمَ الأَضْحَى وَ يَوْمَ الفِطْرِ يَجْهَـرُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى يَأْتِيَ المُصَلَّى ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الإِمَامُ " [36] . فَمُنْذُ ثُبُوتِ العِيدِ إِلَى خُرُوجِ الإِمَامِ لِصَلاَةِ العِيدِ وَ وَقْتُ النَّاسِ مَعْمُورٌ بِالتَّكْبِيرِ تَعْظِيماً للهِ وَ شُكْراً وَ حَمْداً .
أَمَا وَقْتُ التَّكْبِيرِ فِي الأَضْحَى : فَمِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ مِنًى ، وَ هُوَ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ. وَ لَمْ يَثْبُتْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم حَدِيثٌ، وَ أَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي هَذَا - كَمَا قَالَ الحَافِظُ - : قَوْلُ عَلِيٍّ وَ اِبْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : [ أَنَّهُ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ مِنًى ] [37] .
فَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه : " أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ بَعْدَ صَلاَةِ الفَجْرِ - يَوْمَ عَرَفَةَ - إِلَى صَلاَةِ العَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، وَ يُكَبِّرُ بَعْدَ العَصْرِ " رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقَيْنِ ( 5677 وَ 5678 ) أَحَدُهُمَا جَيِّدٌ . وَ مِنْ هَذَا الوَجْـهِ رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ ( 6497 ) ثُمَّ رَوَى مِثْلََهُ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه ( 6498 ) - وَ سَنَدُهُ صَحِيحٌ – وَ رَوَى الحَاكِمُ عَنْهُ ( 1114 ) وَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه ( 1115) مِثْلَهُ [38] .
وَ نُنَبِّهُ - هُنَا - عَلَى أَنَّ أَدَاءَ التَّكْبِيرِ يَكُونُ مِنْ كلِّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ ، فَيَذْكُرُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ غَيْرِ اِلْتِزَامٍ بِأَحَـدٍ يُكَبِّرُ مَعَهُ . وَأَمَّا التَّكْبِيرُ الجَمَاعِيُّ فَمُحْدَثٌ ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّةِ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم وَلاَ مِنْ هَدْيِ الصَّحَابَةِ رضوان الله عليهم وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ .
8 – لاَ سُنَّةَ لِلْعِيدِ - قَبْلِيَّةً وَ لاَ بَعْدِيَّةً - فِي المُصَلَّى :
لَمْ يَثْبُتْ لِصَلاَةِ العِيدَيْـنِ سُنَّةٌ قَبْلَهَا وَ لاَ بَعْدَهَا ، وَ لَمْ يَكُنِ النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم وَ لاَ أَصْحَابُهُ رضوان الله عليهم يُصَلُّونَ شَيْئًا - قَبْلَ الصَّلاَةِ وَ لاَ بَعْدَهَا- إِذَا اِنْتَهَوْا إِلَى المُصَلَّى ؛ فَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم خَرَجَ يَوْمَ أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَ لاَ بَعْدَهُمَا ... " الحَدِيث [39].
وَ فِي قَوْله : ( لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَ لاَ بَعْدَهُمَا ) : دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ شَرْعِيَّةِ النَّافِلَةِ قَبْلَ صَلاَةِ العِيدِ وَلاَ بَعْدَهَـا ؛ لأنَّهُ إذْ لَمْ يَفْعَل صلى الله عليه و سلم ذَلِكَ وَ لاَ أَمَرَ بِهِ ، فَلاَ يَكُونُ مَشْرُوعًا فِي حَقِّنَا [40].
وَ مِنْ جِهَـةِ المَعْنَى يُقَالُ : إِنَّهُ لَوِ اِشْتَغَلَ بِالنَّافِلِـةِ قَبْلَ الصَّلاَةِ لاشْتَغَلَ عَنْ عِبَادَةِ الوَقْتِ وَ هُوَ التَّكْبِيرُ ، وَ يَكُونُ بِذَلِكَ اِنْتَقَلَ مِنَ الفَاضِلِ إِلَى المَفْضُولِ . وَ مِنْ جِهَـةِ أُخْرَى لاَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لِلْعِيدِ سُنَّةٌ قَبْلِيَّةٌ : لأَنَّ مَا بَيْنَ اِنْقِضَاءِ صَلاَةِ الفَجْرِ إِلَى حِينِ صَلاَةِ العِيدِ وَقْتٌ تَحْرُمُ فِيهِ النَّافِلَةُ .
غَيْرَ أَنَّهُ لاَ مَانِعَ مِنَ الصَّلاَةِ بَعْدَ العِيدِ - سَوَاءٌ لِلإِمَامِ أَوِ المَأْمُومِ - إِذَا فُعِلَتْ فِي البَيْتِ بَعْدَ الاِنْصِرَافِ مِنَ المُصَلَّى ، وَ هُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنهقَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم لاَ يُصَلِّي قَبْلَ العِيدِ شَيْئًا ؛ فَإِذَا رَجَـعَ إِلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ " [41] . فَيَكُونُ المُرَادُ مِنْ قَوْلِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهالسَّابِقِ : (وَ لاَ بَعْدَهُمَا) أَيْ : فِي الْمُصَلَّى ، وَ هُوَ طَرِيقُ الجَمْعِ بَيْنَ الأَحَادِيثِ النَّافِيَةِ وَ المُثْبِتَةِ لِلْتَّنَفُّلِ فِي العِيدِ ؛ قَالَ الحَافِظُ اِبْنُ حَجَرٍ :" وَ يُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا ( أَيْ حَدِيثُ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه النَّافِي ) وَ بَيْنَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ : أَنَّ النَّفْيَ إنَّمَا وَقَعَ فِي الصَّلاَةِ فِي الْمُصَلَّى " [42]. وَ قَالَ الأَلْبَانِيُّ نَحْوَهُ [43].
9 – التَّهْنِئَةُ فِي العِيدِ :
تُشْرَعُ التَّهْنِئَةُ فِي العِيدِ بِقَوْلِ : ( تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكَ ). فَقَدْ أَجَازَهُ جَمْعٌ مِنْ أَهِلِ العِلْمِ ، لِوُرُودِهِ عَنِ السَّلَفِ رضوان الله عليهم ؛ قَالَ الحَافِظُ اِبْنُ حَجَرٍ : " وَ رَوَيْنَا فِي " المَحَامِلِيَّاتِ " - بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ- عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَال : " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم إِذَا اِلْتَقَوْا - يَوْمَ العِيدِ - يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : ( تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَ مِنْكَ ) " [44] .
وَ قَالَ شَيْـخُ الإِسْلاَمِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ :
" أَمَّا التَّهْنِئَةُ يَوْمَ العِيدِ ، يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ - إذَا لَقِيَهُ بَعْدَ صَلاَةِ العِيدِ - : ( تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَ مِنْكُمْ وَ أَحَالَهُ اللَّهُ عَلَيْك ) وَ نَحْوُ ذَلِكَ ؛ فَهَذَا قَدْ رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَـهُ ، وَرَخَّصَ فِيهِ الأَئِمَّـةُ كَأَحْمَدَ وَ غَيْرِهِ" [45].
هَذَا ، وَ أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى بِأَسْمَائِـهِ الحُسْنَى وَ صِفَاتِهِ العُلاَ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا صَلاَتَنَا وَ صِيَامَنَا وَ قِيَامَنَا ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيـبٌ ، وَ بِالإِجَابَةِ جَدِيرٌ ، وَ الصَّلاَةُ وَ السَّلاَمُ عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، وَ عَلَى آلِهِ وَ صَحْبِهِ الطَّاهِرِينَ ، وَ مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ
وَ آخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ .
____________
[1] اُنْظُرْ : " لِسَانَ العَرَبِ " لاِبْنِ مَنْظُورٍ ( 3 /315 ) وَ " مَقَايِيسَ اللُّغَةِ " لاِبْنِ فَارِسٍ ( 4 / 183 ) وَ " تَهْذِيبَ اللُّغَةِ " لِلأَزْهَرِيِّ ( 3 / 131 ) .
[2] رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ( 1136 ) وَ أَحْمَدُ ( 13622 ) وَ الحَاكِمُ ( 1091 ) ، اُنْظُرْ " السِّلْسِلَةَ الصَّحِيحَةَ " لِلأَلْبَانِيِّ ( 2021) .
[3] اُنْظُرْ " السِّلْسِلَةَ الضَّعِيفَةَ " لِلأَلْبَانِيِّ ( 521 ) وَ " زَادَ المَعَادِ " لاِبْنِ القَيِّمِ ( 1 / 212 ) وَ " فَتَاوَى اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ " ( الفَتْوَى: 625 ) .
[4] رَوَى البُخَارِيُّ ( 1889 ) وَ مُسْلِمٌ ( 1137 ) عَنْ أَبي عُبَيْدٍ قَالَ : " شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ عُمَرَ ، فَبَدَأَ بِالصَّلاَةِ قَبْلَ الخُطْبَةِ ، ثمُ قَالَ :" إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم نَهَى عَنْ صِيَامِ هَذَيْنِ اليَوْمَيْنِ . أَمَّا يَوْمُ الأَضْحَى فَتَأْكُلُونَ مِنْ لَحْمِ نُسُكِكُمْ ، وَ أَمَّا يَوْمُ الفِطْرِ فَفِطْرُكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ " .
[5] اُنْظُرْ " فَتَاوَى اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ " ( الفَتْوَى : 12961 ) .
[6] اُنْظُرْ " نَيْلَ الأَوْطَارِ " لِلْشَّوْكَانِيِّ ( 4 / 262 ) .
[7] أَخْرجَهُ البَيْهَقِيُّ فِي " الكُبْرَى " ( 5919 ) و ابْنُ المُنْذِرِ فِي " الأَوْسَطِ " ( 2112 ) - وَ سَنَدُهُ صَحِيحٌ - اُنْظُرْ " إِرْوَاءَ الغَلِيلِ " لِلأَلْبَانِيِّ ( 1 / 175 )
[8] أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي " الْمُوَطَّإِ" ( 426) .
[9] اُنْظُرْ " المُغْنِي " لاِبْنِ قُدَامَةَ ( 3 / 258 ) .
[10] أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي " المُعْجَمِ الأَوْسَطِ " ( 7609 ) ، وَ هُوَ فِي " السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ " لِلأَلْبَانِيِّ ( 1279 ) .
[11] اُنْظُرْ " المُغَنِي " لاِبْنِ قُدَامَةَ ( 2 / 298 - 311 ) وَ " المَجْمُوعَ " لِلْنَّوَوِيِّ ( 4 / 320 - 344) .
[12] اُنْظُرْ " حَاشِيَةَ رَدِّ المُخْتَارِ " لاِبْنِ عَابِدِينَ ( 2 / 268 ) .
[13] رَوَى مُسْلِمٌ ( 5236 ) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم : " مَنْ كَانَ لَهُ ذَبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أَهَلَّ هِلاَلُ ذِي الحِجَّةِ فَلاَ يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَ لاَ مِـنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ " .
[14] رَوَاهُ أَحْمَدُ ( 9645 ) وَ أَبُو دَاوُدَ ( 565 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، وَ هُوَ فِي " صَحِيحِ الجَامِع " لِلأَلْبَانِيِّ ( 7457 ) .
[15] أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ ( 910 ) .
[16] اُنْظُرْ " الشَّرْحَ المُمْتِعَ " لاِبْنِ عُثَيْمِينَ ( 2 / 295 ) .
[17] اُنْظُرْ " فَتْحَ البَارِي " لاِبْنِ حَجَرٍ ( 03/ 374 ) .
[18] أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ ( 542 ) وَ ابْنُ مَاجَه ( 1756 ) وَ أَحْمَدُ ( 22984 ) ، وَ الحَدِيثُ فِي " صَحِيحِ الجَامِعِ " لِلأَلْبَانِيِّ ( 4845 ) .
[19] انْظُرْ " مِرْعَاةَ المَفَاتِيحِ شَرْحُ مِشْكَاةِ المَصَابِيحِ " لِلْمُبَارْكَفُورِيِّ ( 5 / 45 )
[20] أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَه ( 295 ) - وَ هُوَ حَسَنٌ - ، اُنْظُرْ " إِرْوَاءَ الغَلِيلِ " لِلأَلْبَانِيِّ ( 636 ) .
[21] اُنْظُرْ " شَرْحَ البُخَارِي " لاِبْنِ بَطَّالٍ ( 04 / 181 ) .
[22] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 943 ) .
[23] اُنْظُرْ " كَشْفَ المُشْكِلِ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ " لاِبْنِ الجَوْزِيِّ ( 01 / 718 ) وَ " فَتْحَ البَارِي " لاِبْنِ حَجَرٍ ( 03 / 416 ) وَ " زَادَ المَعَـادِ " لاِبْنِ القَيِّمِ ( 1/449 ) وَ " الشَّرْحَ المُمْتِعَ " لاِبْنِ عُثَيْمِينَ " ( 5 / 132 ) .
[24] أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ ( 913 ) وَ مُسْلِمٌ ( 889 ) .
[25] أَخْرَجَ البُخَارِيُّ ( 1133 ) وَ مُسْلِمٌ ( 1394 ) عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه[si