بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد خص الله ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه - أهل السنة والجماعة -
بالاعتصام بالأصول الكبرى: القرآن الكريم والسنة المطهرة على ما كان عليه
السلف، وهذا الاختصاص سبب لتمكين الله لهم في الأرض بنشر دعوتهم وتماسك
أخوتهم وقوة شوكتهم، وهذا التمكين الإلهي والعطاء الرباني يدوم بالحراسة
والمحافظة على السير على هذه الأصول ظاهراً وباطناً في السراء والضراء
صدقاً وعدلاً ومحبةً وإخلاصاً لله وتوكلاً عليه وثقة به وتسليما لشرعه ورضى بحكمه.
ولا يسلم كل فرد من أفراد أهل السنة من نواقص إما في العلم الشرعي وإما في العمل أو
فيهما معاً. وهذه النواقص سبب لحدوث الخلاف بين أهل السنة، وليس الخطر في
حصول شيء من الخلاف بينهم؛ فإن هذا لا بد منه؛ لأنهم إما يقع فيه البشر،
ولكن الخطر عندما يتغافلون عن معرفة ضوابط الخلاف وحدوده الشرعية، فهنا
تفتح ثغرة للشيطان ليفسد ما بينهم بالتحريش، فيستغل هذا الخلاف خصوم أهل
السنة؛ ليباعدوا بين المختلفين ويوسعوا الفجوة ويعمقوا الحفرة، فما تدري
إلا وقد ارتفعت أصوات المختلفين بالطعن والقدح بعضهم في بعض، مما يفضي إلى
الوقيعة بينهم وفي علمائهم وكبارهم، وترك محبتهم وموالاتهم، غير متنبهين لعواقب هذا التجاوز وأضراره.
قال شيخ الإسلام بن تيمية كما في " مجموع الفتاوى" 3/ 177:
(نعوذ بالله سبحانه مما يفضي إلى الوقيعة في أعراض الأئمة، أو انتقاص أحد منهم،
أو عدم المعرفة بمقاديرهم وفضلهم، أو محادتهم وترك محبتهم وموالاتهم، ونرجو
من الله سبحانه أ نكون ممن يحبهم ويواليهم ويعرف من حقوقهم وفضلهم ما لا
يعرفه أكثر الأتباع، وأن يكون نصيبنا من ذلك أوفر نصيب وأعظم حظ. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لكن دين الإسلام إنما يتم بأمرين:
أحدهما: معرفة فضل الأئمة وحقوقهم ومقاديرهم، وترك كل ما يجر إلى ثلمهم.
والثاني: النصيحة لله سبحانه ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وإبانة ما
أنزل الله سبحانه من البينات والهدى. ولا منافاة أن الله سبحانه بَيَّنَ
القسمين لمن شرح الله صدره، وإنما يضيق عن ذلك أحد رجلين:
رجل جاهل بمقاديرهم ومعاذيرهم، أو رجل جاهل بالشريعة وأصول الأحكام). أهـ
فمن أجل التعاون على ضبط الخلاف بين أهل السنة وإصلاحه والتقليل من وجوده، قمت
بكتابة هذا السفر؛ مشاركة في الإصلاح والتصحيح لبقاء جمع الكلمة وصلاح
الأخوة وسلامة الدعوة، وتذكيراً بأهمية الرجوع عند الاختلاف إلى كتاب الله
وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والبحث عن المسائل المختلف فيها وبيان
حكمها وكيفية التعامل مع أصحابها، والتحري فيما يقال وينقل. ففي هذه
الرسالة سيجد القارئ من كلام أهل الحديث وعلماء الجرح والتعديل ما يزداد به
معرفة وإدراكاً سديداً؛ لأني حرصت فيها على طريقة أهل الحديث وسير علماء
الجرح والتعديل واعتنيت بتصحيح كثير من الآثار الواردة عنهم؛ تثبيتا
لقواعدهم وعملاً بضوابطهم، لاقتناعي أننا بحاجة ماسة إليها في باب الجرح والتعديل.
وأحمد ربي أن وفقني إلى هذا العمل؛ حتى أكون على بينة من أمر الخلاف بين أهل
السنة، فجدير بكل فرد من أفراد أهل السنة أن يتضلع بالمعلومات التي تقيه من
الزلل، وتباعده عن سوء القول وسيء العمل, فمن كان غيوراً حقاً على دعوة
أهل السنة والجماعة فليوطن نفسه على حفظ الثغور، وسد أبواب الفتن وردم فجوات الخلاف المذموم.
وقد حرصت على أن يتفضل كوكبة من علماء الحديث بمراجعة هذا الكتاب؛ لكي يكون مخدوماً
أكثر، تحقيقاً وتدقيقاً وضبطاً، لأني أعتبر هذا الكتاب متكلماً بلسان أهل
السنة والجماعة فهو إصلاح جماعي وتعاون كلي وإرشاد عمومي، وقد قام بالمراجعة لهذا السفر الآتية أسماؤهم:
الوالد العلامة/ ربيع بن هادي المدخلي.
الوالد الشيخ الكبير/ محمد بن عبد الوهاب الوصابي العبدلي.
الشيخ المبارك/ عبد العزيز بن يحيى البرعي.
الشيخ المفضال/ محمد بن صالح الصوملي.
الشيخ الداعية الكبير/ عبد الله بن عثمان الذماري.
الشيخ الكريم/ عثمان بن عبد الله السالمي.
فشكر الله لهم، وأعظم لهم الأجر، وأجزل لهم الثواب، ورفع درجاتهم في عليين مع النبيين والمرسلين.
وقد سميت هذا الكتاب " الإبانة عن كيفية التعامل مع الخلاف بين أهل السنة والجماعة " فالله أسأل أن ينفعني به ومن شاء من عباده، وأن يجعله مقبولاً باقياً إلى قيام الساعة. وما توفيقي إلا بالله. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وكتبه/ أبو نصر
محمد بن عبد الله الإمام
دار الحديث - معبر
23/ صفر/ 1431هـ
من هنا
ومن هنا بارك الله فيكم
محمد بن عبد الله الإمام
دار الحديث - معبر
23/ صفر/ 1431هـ
من هنا
ومن هنا بارك الله فيكم