كلام عظيم لإبن القيم يريح المبتلين و يثلج صدور المؤمنين ويجعلهم في سعادة راضين
فعامة مصالح النفوس في مكروهاتها, كما أن عامة مضارها وأسباب هلكتها في محبوباتها.
فانظر الى غارس جنة من الجنات خبير بالفلاحة غرس جنة وتعاهدها بالسقي والاصلاح حتى أثمرت أشجارها, فأقبل عليها يفصل أوصالها ويقطع أغصانها لعلمه أنها لو خليّت على حالها لم تطب ثمرتها, فيطعمها من شجرة طيبة الثمرة, حتى اذا التحمت بها واتحدت وأعطت ثمرتها أقبل يقلمها ويقطع أغصانها الضعيفة التي تذهب قوتها, ويذيقها ألم القطع والحديد لمصلحتها وكمالها, لتصلح ثمرتها أن تكون بحضرة الملوك.
ثم يدعها ودواعي طبعها من الشرب كل وقت
بل
يعطشها وقتا ويسقيها وقتا
ولا يترك الماء عليها دائما
وان كان ذلك أنضر لورقها وأسرع لنباتها.
ثم
يعمد الى تلك الزينة التي زينت بها من الأوراق فيلقي عنها كثيرا منها, لأن تلك الزينة تحول بين ثمرتها وبين كمال نضجها واستوائها- كما في شجر العنب ونحوه-.
فهو يقطع أعضاءها بالحديد, ويلقي عنها كثيرا من زينتها, وذلك عين مصلحتها.
فلو أنها ذات تمييز وادراك كالحيوان, لتوهمت أن ذلك افساد لها واضرار بها, وانما هو عين مصلحتها.
وكذلك الأب الشفيق على ولده العالم بمصلحته
اذا رأى مصلحته في اخراج الدم الفاسد عنه, بضع جلده وقطع عروقه وأذاقه الألم الشديد.
وان
رأى شفاءه في قطع عضو من أعضائه أبانه عنه
كل ذلك رحمة به وشفقة عليه.
وان
رأى مصلحته في أن يمسك عنه العطاء لم يعطه ولم يوسع عليه
لعلمه أن ذلك أكبر الأسباب الى فساده وهلاكه.
وكذلك
يمنعه كثيرا من شهواته حمية له ومصلحة لا بخلا عليه.
فأحكم الحاكمين وأرحم الراحمين وأعلم العالمين, الذي هو أرحم بعباده منهم بأنفسهم ومن آبائهم وأمهاتهم
اذا أنزل بهم ما يكرهون كان خيرا لهم من أن لا ينزله بهم
نظرا منهم لهم واحسانا اليهم ولطفا بهم
ولو مكنوا من الاختيار لأنفسهم لعجزوا عن القيام بمصالحهم علما وارادة وعملا
لكنه
سبحانه تولى تدبير أمورهم بموجب علمه وحكمته ورحمته
أحبوا أم كرهوا
فعرف ذلك الموقنون بأسمائه وصفاته
فنازعوه تدبيره, وقدحوا في حكمته, ولم ينقادوا لحكمه, وعارضوا حكمه بعقولهم الفاسدة وآرائهم الباطلة وسياساتهم الجائرة
فلا لربهم عرفوا, ولا لمصالحهم حصلوا, والله الموفق.
ومتى ظفر العبد بهذه المعرفة سكن في الدنيا قبل الآخرة في جنة لا يشبه نعيمها الا نعيم جنة الآخرة, فانه لا يزال راضيا عن ربه, والرضا جنة الدنيا ومستراح العارفين, فانه طيب النفس بما يجري عليها من المقادير التى هي عين اختيار الله له, وطمأنينتها الى أحكامه الدينية, وهذا هو الرضا بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد رسولا.
وما ذاق طعم الايمان من لم يحصل له ذلك.
وهذا الرضا هو بحسب معرفته بعدل الله وحكمته ورحمته وحسن اختياره, فكلما كان بذلك كان به أرضى.
فقضاء الرب سبحانه في عبده دائر بين العدل والمصلحة والحكمة والرحمة, لا يخرج عن ذلك البتة كما قال صلى الله عليه وسلم في الدعاء المشهور: "
اللهم
اني عبدك, ابن عبدك, ابن أمتك, ناصيتي بيدك, ماض فيّ حكمك, عدل في قضاؤك, أسألك بكل اسم هو لك, سميت به نفسك, أو أنزلته في كتابك, أو علّمته أحدا من خلقك, أو استأثرت به في علم الغيب عندك, أن تجعل القرآن ربيع قلبي, ونور صدري, وجلاء حزني, وذهاب همي وغمي, ما قالها أحد قط الا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرجا".
قالوا:
أفلا نتعلمهن يا رسول الله؟
قال:
" بلى ينبغي لمن يسمعهن أن يتعلمهن."
من كتاب
"فوائد الفوائد"
تعليق و تحقيق
علي الحلبي
ص 170 171 172
والنقل
لطفا من هنا
http://www.sahab.net/forums/showthread.php?s=e4f4df385fcd356001fda87ac5708395&t=358316
فعامة مصالح النفوس في مكروهاتها, كما أن عامة مضارها وأسباب هلكتها في محبوباتها.
فانظر الى غارس جنة من الجنات خبير بالفلاحة غرس جنة وتعاهدها بالسقي والاصلاح حتى أثمرت أشجارها, فأقبل عليها يفصل أوصالها ويقطع أغصانها لعلمه أنها لو خليّت على حالها لم تطب ثمرتها, فيطعمها من شجرة طيبة الثمرة, حتى اذا التحمت بها واتحدت وأعطت ثمرتها أقبل يقلمها ويقطع أغصانها الضعيفة التي تذهب قوتها, ويذيقها ألم القطع والحديد لمصلحتها وكمالها, لتصلح ثمرتها أن تكون بحضرة الملوك.
ثم يدعها ودواعي طبعها من الشرب كل وقت
بل
يعطشها وقتا ويسقيها وقتا
ولا يترك الماء عليها دائما
وان كان ذلك أنضر لورقها وأسرع لنباتها.
ثم
يعمد الى تلك الزينة التي زينت بها من الأوراق فيلقي عنها كثيرا منها, لأن تلك الزينة تحول بين ثمرتها وبين كمال نضجها واستوائها- كما في شجر العنب ونحوه-.
فهو يقطع أعضاءها بالحديد, ويلقي عنها كثيرا من زينتها, وذلك عين مصلحتها.
فلو أنها ذات تمييز وادراك كالحيوان, لتوهمت أن ذلك افساد لها واضرار بها, وانما هو عين مصلحتها.
وكذلك الأب الشفيق على ولده العالم بمصلحته
اذا رأى مصلحته في اخراج الدم الفاسد عنه, بضع جلده وقطع عروقه وأذاقه الألم الشديد.
وان
رأى شفاءه في قطع عضو من أعضائه أبانه عنه
كل ذلك رحمة به وشفقة عليه.
وان
رأى مصلحته في أن يمسك عنه العطاء لم يعطه ولم يوسع عليه
لعلمه أن ذلك أكبر الأسباب الى فساده وهلاكه.
وكذلك
يمنعه كثيرا من شهواته حمية له ومصلحة لا بخلا عليه.
فأحكم الحاكمين وأرحم الراحمين وأعلم العالمين, الذي هو أرحم بعباده منهم بأنفسهم ومن آبائهم وأمهاتهم
اذا أنزل بهم ما يكرهون كان خيرا لهم من أن لا ينزله بهم
نظرا منهم لهم واحسانا اليهم ولطفا بهم
ولو مكنوا من الاختيار لأنفسهم لعجزوا عن القيام بمصالحهم علما وارادة وعملا
لكنه
سبحانه تولى تدبير أمورهم بموجب علمه وحكمته ورحمته
أحبوا أم كرهوا
فعرف ذلك الموقنون بأسمائه وصفاته
فنازعوه تدبيره, وقدحوا في حكمته, ولم ينقادوا لحكمه, وعارضوا حكمه بعقولهم الفاسدة وآرائهم الباطلة وسياساتهم الجائرة
فلا لربهم عرفوا, ولا لمصالحهم حصلوا, والله الموفق.
ومتى ظفر العبد بهذه المعرفة سكن في الدنيا قبل الآخرة في جنة لا يشبه نعيمها الا نعيم جنة الآخرة, فانه لا يزال راضيا عن ربه, والرضا جنة الدنيا ومستراح العارفين, فانه طيب النفس بما يجري عليها من المقادير التى هي عين اختيار الله له, وطمأنينتها الى أحكامه الدينية, وهذا هو الرضا بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد رسولا.
وما ذاق طعم الايمان من لم يحصل له ذلك.
وهذا الرضا هو بحسب معرفته بعدل الله وحكمته ورحمته وحسن اختياره, فكلما كان بذلك كان به أرضى.
فقضاء الرب سبحانه في عبده دائر بين العدل والمصلحة والحكمة والرحمة, لا يخرج عن ذلك البتة كما قال صلى الله عليه وسلم في الدعاء المشهور: "
اللهم
اني عبدك, ابن عبدك, ابن أمتك, ناصيتي بيدك, ماض فيّ حكمك, عدل في قضاؤك, أسألك بكل اسم هو لك, سميت به نفسك, أو أنزلته في كتابك, أو علّمته أحدا من خلقك, أو استأثرت به في علم الغيب عندك, أن تجعل القرآن ربيع قلبي, ونور صدري, وجلاء حزني, وذهاب همي وغمي, ما قالها أحد قط الا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرجا".
قالوا:
أفلا نتعلمهن يا رسول الله؟
قال:
" بلى ينبغي لمن يسمعهن أن يتعلمهن."
من كتاب
"فوائد الفوائد"
تعليق و تحقيق
علي الحلبي
ص 170 171 172
والنقل
لطفا من هنا
http://www.sahab.net/forums/showthread.php?s=e4f4df385fcd356001fda87ac5708395&t=358316