شرعية احتجاب القواعد من النساء بالخمار عن الأجانب
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على نبي الرحمة والهدى وعلى آله وأصحابه أجمعين
وبعد
يقول الله تعالى:
{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
[سورة النور، آية،6].
وقد فسر الصحابة- رضي الله عنهم الذين شاهدوا الوحي والتنزيل وهم أعلم الناس بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم- الآية بأن المرأة التي بلغت سن اليأس فارتفع حيضها لكبرها وطابت نفسها من الزواج، وذهب جمالها أن تخفف من لباسها لعدم الرغبة فيها في الغالب، فتترك الجلباب كالعباءة أو الرداء وتقتصر على تغطية وجهها مع سعة ثيابها وطولها
أما أن تكشف وجهها وتترك الحجاب فهذا لم يرد فعله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد خلفائه والسلف الصالح
ولو جاز ذلك لكان قسم كبير من الصحابيات والتابعيات يكشفن وجوههن
وإليك الآثار عن الصحابة في تفسير الآية الكريمة
فعن ابن عباس قال:
المرأة لا جناح عليها أن تجلس في بيتها بدرع وخمار وتضع عنها الجلباب ما لم تتبرج لما يكرهه الله .
[رواه ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي]
وعن ابن مسعود في قوله
{فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ}
قال:
الجلباب أو الرداء
[رواه ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي]
وعن مجاهد في قوله
{وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ}
قال:
يلبسن جلابيبهن
[رواه ابن المنذر وابن أبي حاتم ]
قال ابن كثير: رحمه الله-
وكذلك روي عن عن ابن عباس وابن عمر ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي الشعثاء وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والزهري والأوزاعي وغيرهم
وقال أبو صالح:
تضع الجلباب وتقوم بين يدي الرجل في الدرع والخمار
وقال ابن الجوزي قوله:
{أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ}
أي عند الرجال ويعني بالثياب الجلباب والرداء والقناع الذي فوق الخمار
وهذا المراد بالثياب لا جميع الثياب
وإنما ذكرنا هذا لأن بعض المفتين سامحهم الله يفتون بجواز السفور لكبيرات السن مع مخالفة ذلك للآثار السابقة المفسرة للآية الكريمة
وفق الله الجميع لهدي كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
والله أعلم
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
أحمد بن عبد الرحمن القاسم
=============
رسالة خاصة بخروج المرأة إلى الأسواق
س 1: ما حكم خروج المرأة إلى الأسواق من غير ضرورة ؟
ج 1: المرأة مأمورة بالقرار في بيتها
قال الله تعالى
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}
(33) سورة الأحزاب
فماذا اضطرت المرأة إلى الخروج من بيتها لغرض صحيح كان عليها أن تستأذن زوجها
وأن تخرج غير متطيبة، ولا متبرجة
وأن تلتزم جانب الطريق
وتبتعد عن إلانة القول
والملاحظ على بعض النساء اللاتي يخرجن إلى الأسواق أن كثيراً منهن لا تذهب بصحبة محرمها وهذا خطأ بين؛ فوجود المحرم مع المرأة مهم جداً لصيانتها وحفظها
وقد تقول المرأة: أنا على ثقة من نفسي ومحرمي على ثقة مني، وأنا أبارك هذه الثقة، لكن ليس كل امرأة تدرك ما يحيط بها، فربما كلمة أطلقها على المرأة بعض مرضى القلوب، فتسكت المرأة لأنها لا تعرف معناها فيتجرأ على مضايقتها ظناً منه أنها راضية بذلك أو أن فيها ريبة
فماذا وجد المحرم بجانب المرأة كانت هيبته كبيرة،
والواقع شاهد بذلك،
وبعض النساء حينما تخرج إلى السوق مع جارتها أو قريبتها تأخذ معها في الحديث وهما سائرتان، فيرتفع صوتها، أو تضحك، أو تحرك بيدها وهي لا تشعر بذلك
لكن
ربما سبب لها عملها ذلك مضايقة من أحد الفساق لاعتقاده أنها تقصده بتلك الحركات
والله أعلم
س 2- بعض النساء تسترسل في الكلام مع البائع بكلام لا داعي له فما حكم ذلك ؟
ج: على المرأة أن لا تزيد أثناء محادثتها للرجال على ما تقتضيه الحاجة وقد تكون هذه الزيادة في سبب إيقاظ الفتنة النائمة
فصوت المرأة مثيراً للفتنة حتى في موطن العبادة
إذا سها الإمام وهي في المسجد فالمشروع في حقها التصفيق
وفي التلبية تخفض صوتها حتى لا يسمعها الرجال
وكذا في قراءة القرآن هذا في أماكن العبادة
فكيف الأسواق التي هي شر الأماكن
هذا بالإضافة إلى أن الاسترسال من الخضوع بالقول الذي نهيت عنه المرأة
قال تعالى:
{يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا}
[الأحزاب: 32]
وعلى الباعة ألا يكونوا سبباً في استرسال النساء في الكلام إذا رأى البائع من إحدى النساء استرسالاً كان عليه أن ينكر عليها ويكف عن إجابتها
{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}
[الطلاق: 2-3].
س 3- ما حكم خروج المرأة إلى السوق مع السائق وحدها بدون محرم؟
ج: لا يجوز للمرأة أن تركب مع السائق وحدها في السيارة إذا كان السائق أجنبياً عنها؛ لأن هذه خلوة رجل أجنبي بامرأة
والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية
وقال: "ما خلا رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان"
ومن العجب عند بعض النساء أنها تذهب لأداء سنة لكنها ترتكب محرماً كبيراً فتذهب إلى المسجد لتؤدي صلاة التراويح لكن تركب مع السائق الأجنبي وحدها وهذا خطأ بين فصلاتها في بيتها خير لها لتسلم من الإثم.
س4: ما هو اللباس الشرعي للمرأة المسلمة؟
ج: اللباس الشرعي للمرأة يشترط
أن يكون ساتراً لجميع بدنها من رأسها حتى أخمص قدميها
ويشترط أن يكون فضفاضاً لا يصف بدنها ولا يشف لشفافيته،
خال مما يلفت الأنظار إليها حتى لا تثير فتنة،
فيجب على المرأة ستر قدميها لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
"ما أسفل من الكعبين فهو في النار" فقالت أم سلمة فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ قال:" يرخين شبراً" قالت: إذاً تنكشف أقدامهن قال: " يرخين ذراعاً" ولا يزدن عليه .
وبعض النساء تجعل ثوبها حتى كعبيها وهذا أمر لا يجوز
والبعض منهن يكون حجابها فاتناً بحيث تشده على وجهها حتى يبدي حجم وجهها؛ فتثير فتنة
أو تلبس حجاباً مزخر فأتلفت الأنظار إليها فيكون سبباً في مضايقتها.
س 5: ما حكم أخذ المرأة شيئاً من حواجبها بحجة الزينة وما حكم وضع ما يسمى بالمناكير؟
ج: لا يجوز للمرأة أن تأخذ شيئاً من حواجبها، ومن تفعل ذلك ومن تفعل بها ملعونة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم
حيث قال:
"لعن الله النامصات والمتنمصات".
وأنه من العجب فعل بعض النساء لهذا الأمر مع شدة الوعيد على ذلك
حيث إن اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله
والزينة لا تكون فيما حرم الله
وأما وضع ما يسمى بالمناكير فعلى المرأة أن تزيله عندما تتوضأ للصلاة لأنه يمنع وصول الماء إلى البشرة وإذا بقي شيء من البشرة لم يصبه الماء من أعضاء الوضوء فالوضوء غير صحيح وبالتالي فالصلاة لا تصح.
س 6: بعض النساء حينما تذهب إلى مناسبة زواج أو غيرها وترى النساء، فحينما تصل إلى بيتها تصف من رأت من النساء لزوجها فما حكم ذلك؟
ج: هذا العمل لا يجوز فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"لا تباشر المرأة المرأة كصفها لزوجها كأنه ينظر إليها ".
وهذا سبب من أسباب المشاكل الزوجية فربما أن الزوج افتتن بالموصوفة، ثم بدأ يقارن بينها وبين زوجته؛ فيزدري زوجته ويعيبها بما فيها، ومن ثم لتعلم تلك المرأة أن أولياء أمور النساء لا يأذنون لأي امرأة أن تذكر محاسن نسائهم وتصفهن للرجال.
س 7: ما حكم مصافحة المرأة للرجل الأجنبي؟
ج: لا يجوز للمرأة أن تصافح رجلاً أجنبياً عنها، ولا يجوز للرجل أن يصافح امرأة أجنبية عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما مست يده يد امرأة لا تحل له حتى في البيعة مع أن من مقتضياتها المصافحة، ومع ذلك بايعهن كلاماً من غير مصافحة، حتى ولو وضعت المرأة على يديها ساتراً فالحكم لا يتغير، فبعض النساء تتساهل في هذا الأمر فتصافح أخا زوجها، أو زوج أختها، أو عم زوجها، أو خاله في المناسبات وهذا لا يجوز.
==================
بيان أحكام تحفظ للمرأة كرامتها وتصون عفتها
1- المرأة كالرجل مأمورة بغض البصر وحفظ الفرح،
قال الله تعالى:
{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}
[النور 30- 31].
قال شيخنا: الشيخ محمد الأمين الشنقيطي- رحمه الله- في تفسيره أضواء البيان: أمر الله جل وعلا المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، وحفظ الفرج، ويدخل في حفظ الفرج حفظه من الزنا واللواط والمساحقة، وحفظه من الإبداء للناس والانكشاف لهم
إلى أن قال:
وقد وعد الله تعالى من امتثل أمره في هذه الآية، من الرجال والنساء، بالمغفرة والأجر العظيم، إذا عمل معها الخصال المذكورة في سورة الأحزاب
وذلك في قوله تعالى:
{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} إلى قوله: {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} انتهى من أضواء البيان (6/ 186-187 ).
وقوله: المساحقة، المساحقة: هي إتيان المرأة المرأة بالمدالكة وذلك جريمة عظيمة تستحق عليها الفاعلتان تأديباً رادعاً
قال في المغني (8/ 198):
وإن تدالكت امرأتان فهما زانيتان ملعونتان
لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" إذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان"
وعليهما التعزير
لأنه زنا لا حد فيه. انتهى
فتحذر المرأة المسلمة خصوصاً الشابات من فعل هذا المنكر القبيح.
وأما عن غض البصر
فقد قال عنه العلامة ابن القيم في الجواب الكافي، صفحة 129-130:
وأم اللحظات فهي رائد الشهوة ورسولها، وحفظها أصل حفظ الفرج، فمن أطلق نظره أورد نفسه موارد الهلاك
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" يا علي النظرة النظرة، فإنما لك الأولى"
المراد بها نظرة الفجأة التي تقع بدون قصد
قال: وفي المسند عنه- صلى الله عليه وسلم:
" النظر سهم مسموم من سهام إبليس
إلى أن قال:
والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان فإن النظرة تولد الخطرة
ثم تولد الخطرة فكرة
ثم تولد الفكرة شهوة
ثم تولد الشهوة إرادة
ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولابد مالم يمنع منه مانع
ولهذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده. انتهى.
فعليك أيتها الأخت المسلمة بغض البصر عن النظر إلى الرجال، وعدم النظر في الصور الفاتنة في بعض المجلات، أو على الشاشات في التلفاز أو الفيديو تسلمي من سوء العاقبة؛ فكم نظرة جرت على صاحبها حسرة. والنار من مستصغر الشرر.
2- ومن أسباب حفظ الفرج الابتعاد عن استماع الأغاني والمزامير،
قال الإمام العلامة ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/ 242، 248، 264، 265):
"ومن مكائد الشيطان التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين سماع المكاء والتصدية والغناء بالآلات المحرمة الذي يصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن الرحمن، وهو رقية اللواط والزنا، وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقه غاية المنى.
إلى أن قال:
"وأما سماعه من المرأة أو الأمرد فمن أعظم المحرمات وأشدها فساداً للدين
إلى أن قال:
"ولا ريب أن كل غيور يجنب أهله سماع الغناء، كما يجنبهن أسباب الريب.
وقال أيضاً:
ومن المعلوم عند القوم، أن المرأة إذا استعصت على الرجل، اجتهد أن يسمعها صوت الغناء، فحينئذ تعطي الليان؛ وهذا لأن المرأة سريعة الانفعال للأصوات جداً، فإذا كان الصوت بالغناء، صار انفعالها من وجهين، من جهة الصوت وهن جهة معناه.
قال: فأما إذا اجتمع إلى هذه الرقية الدف والشبابة والرقص بالتخنث والتكسر فلو حبلت المرأة من غناء لحبلت من هذا الغناء. فلعمر الله كم من حرة صارت بالغناء من البغايا. انتهى.
فاتقي الله أيتها المرأة المسلمة واحذري هذا المرض الخلقي الخطير وهو استماع الأغاني التي تروج بين المسلمين بمختلف الوسائل وأنواع الأساليب؛ مما يجعل كثيراً من الفتيات الجاهلات يطلبنها من مصادرها ويتهادينها بينهن.
3- ومن أسباب حفظ الفروج، منع المرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم يصونها ويحميها من أطماع العابثين والفسقة
فقد جاءت الأحاديث الصحيحة تمنع سفر المرأة بدون محرم، منها :
ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا ومعها ذو محرم "
متفق عليه.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
نهى أن تسافر المرأة مسيرة يومين أو ليلتين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم "
متفق عليه
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:
" لا يحل لامرأة تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها "
متفق عليه.
والتقدير في الأحاديث بثلاثة أيام واليومين واليوم والليلة المراد به ما كان على وسائل النقل مما هو معروف آنذاك من سير الأقدام والرواحل
واختلاف الأحاديث في هذا التقدير بثلاثة أيام أو يومين أو ليلة وما هو أقل من ذلك أجاب عنه العلماء بأنه ليس المراد ظاهره
وإنما المراد كل ما يسمى سفراً فالمرأة منهية عنه دون محرم.
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (9/ 103):
"فالحاصل أن كل ما يسمى سفراً تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوماً أو بريداً أو غير ذلك
لرواية ابن عباس المطلقة
وهي آخر روايات مسلم السابقة:
" لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم "
وهذا يتناول جميع ما يسمى سفراً والله أعلم. انتهى.
وأما من أفتى بجواز سفرها مع جماعة من النساء للحج الواجب فهذا خلاف السنة قال الإمام الخطابي في معالم السنن (2/ 276-277) مع تهذيب ابن القيم:
"وقد حظر النبي-صلى الله عليه وسلم أن تسافر إلا ومعها رجل ذو محرم منها، فإباحة الخروج لها في سفر الحج مع عدم الشريطة التي أثبتها النبي صلى الله عليه وسلم خلاف السنة، فإذا كان خروجها مع غير ذي محرم معصية لم يجز إلزامها الحج، وهو طاعة بأمر يؤدي إلى معصية. انتهى.
أقول
وهم لم يبيحوا للمرأة أن تسافر من دون محرم مطلقاً
وإنما أباحوا لها ذلك في سفر الحج الواجب فقط
يقول الإمام النووي في المجموع (8/ 249):
" لا يجوز في التطوع وسفر التجارة والزيارة ونحوهما إلا بمحرم. انتهى.
فالذين يتساهلون في هذا الزمان في سفر المرأة بدون محرم في كل سفر، لا يوافقهم عليه أحد من العلماء الذين يعتد بقولهم،
وقولهم:
إن محرمها يركبها في الطائرة ثم يستقبلها محرمها الآخر عند وصولها إلى البلد الذي تريده، لأن الطائرة مأمونة لزعمهم لما فيها من كثرة الركاب من رجال ونساء
نقول لهم:
كلا
فالطائرة أشد خطراً من غيرها؛ لأن الركاب يختلطون فيها وربما تجلس إلى جنب رجل وربما يعرض للطائرة ما يصرفها عن اتجاهها إلى مطار آخر فلا تجد من يستقبلها فتكون معرضة للخطر
وماذا تكون المرأة في بلد لا تعرفه ولا محرم لها فيه؟
4- ومن أسباب حفظ الفروج منع الخلوة بين المرأة والرجل الذي ليس محرماً لها
قال صلى الله عليه وسلم:
"من كان يؤمن بالله واليوم فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم فإن ثالثهما الشيطان"
وعن عامر بن ربيعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا يخلون رجل بامرأة لا تحل له، فإن ثالثهما الشيطان إلا محرم"
قال المجد في المنتقى: رواهما أحمد وقد سبق معناه لابن عباس في حديث متفق عليه.
قال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار (6/ 120):
"والخلوة بالأجنبية مجمع على تحريمها كما حكى ذلك الحافظ في الفتح، وعلة التحريم ما في الحديث من كون الشيطان ثالثهما، وحضوره يوقعهما في المعصية
وأما مع وجود المحرم فالخلوة بالأجنبية جائزة لامتناع وقوع المعصية مع حضوره. انتهى.
وقد يتساهل بعض النساء وأولياؤهن بأنواع من الخلوة وهي:
أ- خلوة المرأة مع قريب زوجها وكشف وجهها عنده وهذه الخلوة أعظم خطراً من غيرها
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" إياكم والدخول على النساء " فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: " الحمو الموت "
رواه أحمد والبخاري والترمذي وصححه.
وقال: معنى الحمو يقال هو: أخو الزوج، كأنه كره أن يخلو بها.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9/ 331)
" قال النووي: اتفق أهل العلم باللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه وعمه وأخيه وابن أخيه وابن عمه ونحوهم.
وقال أيضاً:
المراد به في الحديث أقارب الزوج- غير آبائه وأبنائه- لأنهم محارم للزوجة يجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت
قال:
وجرت العادة بالتساهل فيخلو الأخ بامرأة أخيه فشبهه بالموت وهو أولى بالمنع. انتهى.
قال الشوكاني في نيل الأوطار (6/ 122):
قوله:" الحمو الموت" أي الخوف منه أكثر من غيره، كما أن الخوف من الموت أكثر من الخوف من غيره. انتهى.
فاتقي الله أيتها المسلمة ولا تتساهلي في هذا الأمر وإن تساهل به الناس؛ لأن العبرة بحكم الشرع لا بعادة الناس.
ب - تثساهل بعض النساء وأولياؤهن بركوب المرأة وحدها في السيارة مع سائق غير محرم لها مع أن ذلك خلوة محرمة
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي البلاد السعودية رحمه الله في مجموع الفتاوى (10/ 52)
والآن لم يبق شك في أن ركوب المرأة الأجنبية مع صاحب السيارة منفردة، بدون محرم يرافقها، منكر ظاهر، وفيه عدة مفاسد لا يستهان لها سواء كانت المرأة خفرة أو برزة: والرجل الذي يرضى بهذا لمحارمه ضعيف الدين ناقص الرجولة قليل الغيرة على محارمه
وقد قال صلى الله عليه وسلم:
" ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما "
وركوبها معه السيارة أبلغ من الخلوة بها في بيت ونحوه، لأنه يتمكن من الذهاب بها حيث يشاء من البلد أو خارج البلد طوعاً منها أو كرهاً، ويترتب على ذلك من المفاسد أعظم ما يترتب على الخلوة المجردة . انتهى.
ولابد أن يكون الشخص الذي تزول به الخلوة كبيراً فلا يكفي وجود الطفل، وما تظنه بعض النساء أنها إذا استصحبت معها طفلاً زالت الخلوة، ظن خاطيء.
قال الإمام النووي (9/ 109):
"وأما إذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما فهو حرام باتفاق العلماء
وكذا لو كان معهما من لا يستحى منه لصغره لا تزول الخلوة المحرمة.
جـ- تتساهل بعض النساء وأولياؤهن بدخول المرأة على الطبيب بحجة أنها بحاجة إلى العلاج.
وهذا منكر عظيم وخطر كبير لا يجوز إقراره والسكوت عليه.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في مجموع الفتاوى (10/ 13):
" وعلى كل حال فالخلوة بالمرأة الأجنبية محرمة شرعاً ولو للطبيب الذي يعالجها لحديث:
"ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما "
فلابد من حضور أحد معها سواء كان زوجها أو أحد محارمها الرجال، فإن لم يتهيأ فمن أقاربها من النساء فإن لم يوجد ممن ذكر وكان المرض خطراً ولا يمكن تأخيره فلا أقل من حضور الممرضة ونحوها تفادياً من الخلوة المنهي عنها. انتهى.
وكذا لا يجوز خلوة الطبيب بالمرأة الأجنبية منه سواء كانت طبيبة زميلة له، أو ممرضة
ولا خلوة المدرس الكفيف أو غيره بالطالبة
ولا خلوة المرأة المضيفة في الطائرة مع رجل أجنبي منها
وهذه الأمور قد تساهل فيها الناس باسم الحضارة الزائفة والتقليد الأعمى للكفار ولعدم المبالاة بالأحكام الشرعية، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ولا تجوز خلوة الرجل بالخادمة التي تخدم في بيته ولا خلوة المرأة صاحبة البيت بالخادم، ومشكلة الخدم مشكلة خطيرة ابتلي بها كثير من الناس في هذا الزمان، بسبب انشغال النساء بالدراسات والأعمال خارج البيوت، وذلك مما يوجب على المؤمنين والمؤمنات شدة الحذر وعمل الاحتياطات اللازمة، وأن لا يتجاروا مع العادات السيئة.
تتمة:
يحرم على المرأة أن كصافح وجلاً ليس هن محارمها. قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام للإفتاء والدعوة والإرشاد حفظه الله في مجموع الفتاوى: الذي طبعته مؤسسة الدعوة الإسلامية الصحفية (1/ 185):
لا تجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقاً سواء كن شابات أو عجائز، سواء كان المصافح شاباً أو شيخاً كبيراً، لما في ذلك من خطر الفتنة لكل منهما
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
لا ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام "
ولا فرق بين كونها تصافحه بحائل أو بدون حائل لعموم الأدلة ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة. انتهى.
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في تفسير أضواء البيان (6/ 652- 603):
" اعلم أنه لا يجوز للرجل أن يصافح امرأة أجنبية منه ولا يجوز له أن يمس شيء من بدنه شيئاً من بدنها.
والدليل على ذلك أمور:
الأول:
أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال:
" إني لا أصافح النساء" الحديث،
والله يقول:
{ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}
فيلزمنا ألا نصافح النساء اقتداء به صلى الله عليه وسلم
والحديث المذكور قدمناه موضحاً في سورة الحج في الكلام عن النهي عن لبس المعصفر مطلقاً في الإحرام وغيره للرجال
وفي سورة الأحزاب في آية الحجاب هذه، وكونه صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء وقت البيعة دليل واضح على أن الرجل لا يصافح المرأة ولا يمس شيء من بدنه شيئاً من بدنها، لأن أخف أنواع اللمس المصافحة،
فإذا امتنع منها صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي يقتضيها وهو وقت المبايعة دل ذلك على أنها لا تجوز، وليس لأحد مخالفته صلى الله عليه وسلم لأنه هو المشرع لأمته بأقواله وأفعاله وتقريره.
الأمر الثاني:
هو ما قدمناه من أن المرأة كلها عورة، يجب عليها أن تحتجب، وإنما أمر بغض البصر خوف الوقوع في الفتنة ولا شك أن مس البدن للبدن أقوى في إثارة الغريزة وأقوى داعياً إلى الفتنة من النظرة بالعين وكل منصف يعلم صحة ذلك.
الأمر الثالث:
أن ذلك ذريعة إلى التلذذ بالأجنبية، لقلة تقوى الله في ذلك الزمان، وضياع الأمانة، وعدم التورع عن الريبة، وقد أخبرنا مراراً أن بعض الأزواج من العوام يقبل أخت امرأته بوضع الفم على الفم ويسمون ذلك التقبيل المحرم بالاجماع، سلاماً فيقولون: سلم عليها، " يعنون قبلها، فالحق الذي لا شك فيه، التباعد عن جميع الفتن والريب وأسبابها، ومن أكبرها لمس الرجل شيئاً من بدن الأجنبية، والذريعة إلى الحرام يجب سدها. انتهى.
وختاماً: أيها المؤمنون والمؤمنات أذكركم بوصية الله لكم في قوله:
{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
[النور: 30-31].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم